الواقع ، باعتبار كونه بدلا عن الواقع مسقطا عنه.
وإذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه قد اختلفت أنظار القائلين بدليل الانسداد القائم بحجّيّة الظنّ في تعيين ما يثبت حجّيّته بمقدّمات ذلك الدليل ، هل هو الظنّ بنفس الواقع من أيّ شيء حصل ، أو الظنّ بطريق الواقع ، على معنى الظنّ بكون أمارة كالشهرة مثلا طريقا إلى الواقع وإن لم يحصل منه ظنّ بنفس الواقع ، أو الظنّ بنفس الواقع والظنّ بطريقه معا ، وأنّهما سيّان في الحجّيّة لكونهما متشاركين في إبراء الذمّة وتفريغها كما يظهر اختياره من بعض الأعلام (١) وعليه شيخنا الاستاد قدسسره؟ (٢).
والأوّل خيرة شريف العلماء وبعض تلامذته ، بزعم أنّ الظنّ بكون الشيء طريقا مبرءا للذمّة ظنّ في المسألة الاصوليّة ، ولم يثبت من دليل الانسداد اعتباره ، لاختصاصه بالظنّ في المسائل الفرعيّة ، وعدم جريانه في المسائل الاصوليّة (٣).
والثاني طريقة بعض الأفاضل في هداية المسترشدين (٤) وتبعه أخوه في الفصول (٥) ، ومستندهما في اختيار هذه الطريقة أمران :
أحدهما : ما قرّره في الفصول بقوله : « إنّا نقطع بأنّا مكلّفون في زماننا هذا تكليفا فعليّا بأحكام فرعيّة كثيرة ، لا سبيل لنا بحكم العيان وشهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع أو بطريق معيّن نقطع من السمع بحكم الشارع بقيامه ، أو قيام طريقه مقام القطع ولو عند تعذّره ، كذلك نقطع بأنّ الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة ، وكلّفنا تكليفا فعليّا بالرجوع إليها في معرفتها ، ومرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد ، وهو القطع بأنّا مكلّفون تكليفا فعليّا بالعمل بمؤدّى طرق مخصوصة ، وحيث إنّه لا سبيل لنا غالبا إلى تعيينها بالقطع ، ولا بطريق نقطع من السمع بقيامه بالخصوص ، أو قيام طريقه كذلك مقام القطع ولو بعد تعذّره ، فلا ريب أنّ الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنّما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظنّ الفعلي الّذي لا دليل على عدم حجّيته ، لأنّه أقرب إلى العلم وإلى إصابة الواقع ممّا عداه ، وإنّما اعتبرنا في الظنّ أن لا يقوم دليل معتبر على عدم جواز الرجوع إليه حينئذ ، لأنّ الحكم بالجواز هنا ظاهري فيمتنع ثبوته مع انكشاف خلافه ، ومع
__________________
(١) قوانين الاصول ١ : ٤٥٢.
(٢) فرائد الاصول ١ : ٤٣٧.
(٣) ضوابط الاصول : ٢٦٦ ومفاتيح الاصول : ٤٥٨ ـ ٤٥٩.
(٤) هداية المسترشدين : ٣٩٤.
(٥) الفصول : ٢٧٧.