بالظنّ لأنّ الظنّ حجّة له معنى آخر ، والمسألة على الأوّل فرعيّة ، وعلى الثاني اصوليّة.
ومنها : حصوله بينهما في بعض مقامات الخطاب مثل تخصيص العامّ بالظنّ وعدمه بالاحتياط ، فيما لو قال : « أكرم العلماء » مع علمنا إجمالا بورود تخصيص عليه بحيث أوجب الإجمال في العامّ ، ثمّ ظننّا من جهة أمارة ظنّيّة بحرمة إكرام زيد العالم.
فإن قلنا بوجوب الأخذ بالحرمة المظنونة من جهة أنّه عمل بالاحتياط ، فلا ينهض ذلك لتخصيص أكرم العلماء ، ولا يرفع عنه الإجمال الناشئ من العلم الإجمالي بورود تخصيص عليه ، بخلاف ما لو قلنا بوجوب الأخذ بها لأنّه عمل بالظنّ ، والظنّ حجّة على معنى كونه طريقا إلى إحراز الواقع ، فإنّه حينئذ ينهض لتخصيص العامّ وربّما يرتفع به إجماله.
ولا ريب أنّ الفرق بينهما في هذه الجهات لا يوجب فرقا بينهما في إفادة أحدهما القطع بموافقة جملة من المعلومات بالإجمال ، وعدم إفادة الآخر إيّاه ، بل القطع حاصل على التقديرين.
وبالجملة : هذا القطع لازم الحصول بكلّ من تقديري تسمية ذلك عملا بالاحتياط المنوي حين العمل وتسميته عملا بالظنّ ، فلابدّ إمّا من الالتزام بالاحتياط في الجميع المؤدّي إلى العسر الموجب لاختلال النظم تحصيلا للموافقة العلميّة لجميع الواجبات والمحرّمات المعلومتين بالإجمال ، أو من القول بأنّ الشارع بعد تعذّر الموافقة العلميّة التفصيليّة لا يريد من المكلّفين الامتثال العلمي الإجمالي في التكاليف الواقعيّة المشتبهة بين الوقائع الغير العلميّة ، بل يكتفي منهم بالامتثال الظنّي التفصيلي في خصوص كلّ واقعة ظنّيّة ، وإن استلزم ذلك حصول العلم الإجمالي بامتثال جملة غير معيّنة منها ، ولأجل ذلك ارتفع العلم الإجمالي بوجود التكاليف الواقعيّة فيما بين الوقائع الغير العلميّة بعد الأخذ بجميع الوقائع المظنونة.
والأوّل باطل بالعقل والنقل فتعيّن الثاني ، وهذا هو معنى كون المرجع في صورة انسداد باب العلم بمعظم الأحكام الشرعيّة هو الظنّ المطلق ، والواسطة وهو التفصيل المتقدّم ملغاة في نظر الشارع.
وممّا يفصح عن صحّة ما قلناه ، أو يؤيّده : أنّ أصل البراءة أصل قطعي مستفاد من العقل والنقل قرّره الشارع لنفي التكليف الإلزامي في محلّ الشكّ والاحتمال ، والمفروض أنّ حرمة المخالفة القطعيّة للعلم الإجمالي وقبحها أيضا حكم عقلي ، فلو كان المرجع في