وهو أن يقطع بوجوب ما ليس بواجب في الواقع فتركه ، فيقال : إنّ التجرّي على الواجب في المندوبات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مكروهاتها ، ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمندوبات.
ويمكن أن يراعى في المحرّمات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي ، وهذه مع الأربع المذكورة للتجرّي على الحرام ثمانية صور.
وملخّص ما ذكره من أحكام هذه الصور : أنّ التجرّي الّذي هو عبارة عن مخالفة القطع الغير المطابق في ستّة منها ـ وهي التجرّي على الحرام في المكروهات ، أو المباحات ، أو المندوبات ، والتجرّي على الواجب في المندوبات ، أو المباحات ، أو المكروهات ـ يؤثّر في المعصية واستحقاق العقوبة ، وإن كان القبح والعقاب في بعضها أشدّ منه في الآخر.
وفي الصورتين الباقيتين وهما التجرّي على الحرام في الواجبات الواقعيّة ، ـ كما لو قطع بتحريم واجب واقعي غير مشروط بالنيّة وقصد القربة وفعله ـ والتجرّي على الواجب في المحرمات الواقعيّة ـ كما لو قطع بوجوب محرّم واقعي وتركه ـ ذكر أنّه لا يبعد عدم ترتّب العقاب ـ على فعله أو تركه مطلقا ، أو في بعض الموارد ، نظرا إلى معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة ، أي مزاحمة المصلحة الواقعيّة الّتي هي جهة في الحسن ، للتجرّي الّذي هو جهة في القبح ، على معنى منعها عن التأثير في القبح ، فيكون الفعل أو الترك حسنا لا غير.
ثمّ ذكر في آخر العبارة : « أنّه يحتمل القول بمراعاة الأقوى من جهتي الحسن والقبح ، فيرجّح الأقوى على غيره سواء كان هو المصلحة الواقعيّة الّتي تكون جهة في الحسن ، أو التجرّي الّذي هو جهة في القبح ، ومستنده في التفصيل ـ على ما ذكره في صدر العبارة ـ هو عدم كون قبح التجرّي ذاتيّا ، بل يختلف بالوجوه والاعتبارات.
وله كلام آخر في مبحث مقدّمة الواجب هو : « أنّ التجرّي إذا صادف المعصية الواقعيّة تداخل عقاباهما (١) » والمراد بمصادفة التجرّي للمعصية الواقعيّة هو ما لو قطع بتحريم محرّم واقعي وفعله ، وما لو قطع بوجوب واجب واقعي وتركه ، ولا يخفى ما في هذا التفصيل ودليله وسائر ما ذكره من الضعف والفساد.
فأوّل ما يرد عليه : ما حقّقناه في دليل القول المختار من منع كون قبح التجرّي مطلقا مؤثّرا في قبح الفعل المتجرّى به زائدا على قبحه الذاتي لو كان ، كما في التجرّي بفعل
__________________
(١) الفصول : ٨٧.