فإنّ مقتضى هذه الأخبار كون ثواب الأوّل أو عقابه أعظم ، وليس ذلك إلاّ باعتبار أنّ العمدة من جهتي السنّتين وهو التسنين اختياريّة.
وما اشتهر من أنّ للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا واحدا (١) ولكنّه لا يخلو عن الخدشة.
والعمدة : في المقام هو حكم العقل ، فإنّه مستقلّ بالحكم بتساويهما في استحقاق المذمّة من حيث شقاوة الفاعل وخبث سريرته ، لا في استحقاق المذمّة والعقوبة على الفعل المقطوع بكونه معصية في أحدهما دونه في الآخر.
وأمّا التفصيل المتقدّم إليه الإشارة ، فيظهر اختياره من بعض الفضلاء (٢) ـ في باب الاجتهاد والتقليد في مسألة معذوريّة الجاهل بالأحكام ـ فقال في جملة كلام له : « وأمّا إذا اعتقد التحريم فلا يبعد استحقاقه العقوبة بفعله وإن كان بطريق غير معتبر نظرا إلى حصول التجرّي بفعله ، إلاّ أن يعتقد تحريم واجب غير مشروط بقصد القربة فإنّه لا يبعد عدم ترتّب العقاب على فعله مطلقا أو في بعض الموارد ، نظرا إلى معارضة الجهة الواقعيّة للجهة الظاهريّة ، فإنّ قبح التجرّي ليس عندنا ذاتيّا بل يختلف بالوجوه والاعتبار.
فمن اشتبه عليه مؤمن ورع عالم بكافر واجب القتل ، فحسب أنّه ذلك الكافر فتجرّى ولم يقدم على قتله ، فإنّه لا يستحقّ الذمّ على هذا التجرّي عقلا عند من انكشف له الواقع وإن كان معذورا لو فعل.
وأظهر من ذلك ما لو جزم بوجوب قتل نبيّ أو وصيّ فتجرّى ولم يفعل ، ألا ترى أنّ المولى الحكيم إذا أمر عبده بقتل عدوّ له فصادف ابنه ، وقطع بأنّه ذلك العدوّ فتجرّى ولم يقتله ، أنّ المولى إذا اطّلع على حاله لا يذمّه بهذا التجرّي ، بل يرضى به وإن كان معذورا » ـ إلى أن قال ـ :
« ومن هنا يظهر أنّ التجري على الحرام في المكروهات الواقعيّة أشدّ منه في مباحاتها ، وهو فيها أشدّ منه في مندوباتها ، ويختلف باختلافها ضعفا وشدّة كالمكروهات.
ويمكن أن يراعى في الواجبات الواقعيّة ما هو الأقوى من جهاته وجهات التجرّي » (٣) ، إلى آخر ما أردنا نقله.
ويجري هذه الأقسام الأربع ـ بقرينة ما سبق من الأمثلة ـ في التجرّي على الواجب ،
__________________
(١) يدّل عليه ما في كنز العمّال : ٦ / ٧ ح ١٤٥٩٧.
(٢) هو صاحب الفصول.
(٣) الفصول : ٤٣١ ـ ٤٣٢.