الخطاب لأجل أنّ المخالف لقطعه الغير المطابق خالف الواقع ، وهو حرمة شرب الخمر الواقعي فهو كذب ، ومن المستحيل انعقاد الإجماع الكاشف على القضيّة الكاذبة ، وإن كان المراد به مخالفة الخطاب لأجل أنّه خالف الحكم الإلزامي الآخر المقابل للواقع ، وهو حرمة شرب ما اعتقده خمرا على خلاف الواقع ، ففيه : أنّ صدق العصيان في حقّه بهذا الاعتبار ، موقوف على تنجّز التكليف في هذا الحكم الإلزامي عليه ، وهو مشروط بعلمه به تفصيلا أو إجمالا حال كونه قاطعا ، والمفروض خلافه لكونه غافلا عنه بالمرّة ، فيقبح على الشارع أن يخاطبه ـ والحال هذه ـ بذلك الحكم الإلزامي المفروض كونه مجعولا في مقابلة الواقع.
والأصل فيما ذكرناه أنّ القاطع ما دام قاطعا لا يرى معتقده عنوانا آخر غير عنوان الواقع ، فلا يلتفت إلى الحكم الآخر المفروض كونه مجعولا في مقابلة الواقع ، فيكون خطابه بذلك الحكم خطابا للغافل.
ولأجل هذا كلّه كانت المسألة عقليّة تطلب من العقل لا من الشرع ، ولا يلزم نحو هذا المحذور على تقدير طلبها من العقل وحكم العقل بالعصيان ، لأنّ حكم العقل في مستقلاّته لا يكون بخطاب لفظي ، بل يكفي فيه تقبيح العقل الّذي يدركه القاطع بخلاف الواقع عند مخالفته لقطعه بمقتضى عقله ، وعلى تقدير ثبوت الملازمة بين نحو هذا التقبيح العقلي والحكم الشرعي يثبت العصيان المستلزم لاستحقاق العقاب.
وأمّا الثاني : فواضح فإنّ الإجماع الّذي محصّله غير حاصل ، فمنقوله أيضا غير نافع للقطع بخطأ ناقله.
وإن اريد به الإجماع اللغوي أعني اتفاق العقلاء الذين منهم العلماء على عصيان مخالفة القطع وإن خالف الواقع.
ففيه : أنّ هذا الاتّفاق ممّا لا أثر له إلاّ أن يرجع إلى اتفاق العقلاء على استحقاق الذمّ في مخالف القطع ، فيرجع إلى الوجه الثالث وستعرف جوابه.
والجواب عن الثاني : منع الصغرى بإبطال دليله من التجرّي والظلم.
أمّا بطلان الأوّل : فلأنّ قبح التجرّي وإن كان مسلّما ، إلاّ أنّه ما لم يستلزم قبح الفعل المتجرّى به لم يؤثّر في العصيان الموجب لاستحقاق العقاب ، والاستلزام في مخالفة القطع الغير المطابق ممنوع ، لأنّ القبح المفروض فيه قبح في الفاعل ، لكشفه عن خبث سريرته وسوء مقامه مع سيّده ، لا أنّه قبح في الفعل ، ولذا يقال عند توجيه الذمّ إليه : « بئس الرجل