والعادل بإيجاب التبيّن وعدمه ، تعليلا بمخافة الندم في الأوّل دون الثاني لا يصحّ أن يكون من جهة احتمال الخطاء ، لأنّ ذلك علّة مشتركة بينهما من غير تفاوت بينهما فيه أصلا ، فيكون التعليل به قبيحا ، وإنّما يصحّ ذلك بحكم العرف والذوق بالنسبة إلى احتمال تعمّد الكذب وعدمه ، فإنّه في بناء العدل غير موجود أو أنّه على تقدير وجوده في غاية الضعف ، فلا يمنع من الوثوق والاطمئنان بالصدق ، بخلافه في جانب نبأ الفاسق ، وهذا هو الفارق بينهما بكون العمل بالأوّل من غير تبيّن مستتبعا للوقوع في الندم دون الثاني ، فيكون ذلك هو الداعي لله سبحانه إلى التفصيل.
فلا بدّ وأن يحمل ذلك ـ حيث إنّه تعالى أطلق فيه الحكم بالقبول على تقدير وعدمه على تقدير آخر من غير زيادة قيد آخر ـ على كلّ مورد انحصر فيه جهة المنع من قبول الخبر في احتمال تعمّد الكذب ، بأن يكون الاحتمالات الاخر المانعة من الوثوق والقبول ـ الموقعة على تقدير القبول في الندم التي منها احتمال الخطأ والاشتباه ـ مسدودة بملاحظة الخارج ، أو ضعيفة بحيث لا يعتني بها العقلاء أصلا ، كالامور الحسّيّة من قول أو فعل أو تقرير ، حيث إنّ الأوّل يدركه السمع والأخيران يدركهما البصر ، والإجماع المنقول ليست بهذه المثابة ولا بتلك المنزلة.
فإن قلت : لو صحّ ما ذكرت من البناء والاستظهار ، لوجب جواز العمل بخبر الفاسق إذا علم صدقه ، وعلم خطأه من خارج ، إذ لا ندم فيه حينئذ من جهة انتفاء احتمالي الكذب والخطأ ، وهذا يشبه بكونه خلاف الإجماع ، لبنائهم في خبر الفاسق على الردّ وعدم القبول ولو علم صدقه من الخارج ، كما يفصح عن ذلك مسألة الشهادة الّتي يعتبرون فيها العدالة مطلقا ، ولأجله لا يقبلون شهادة الفاسق كذلك.
قلت : خبر الفاسق المعلوم صدقه إن تحقّق في موارد الاستنباط كالأحكام الكلّيّة الإلهيّة فلا إشكال في جواز قبوله ووجوب العمل به ، فدعوى الإجماع على ردّه غير مسموعة.
كيف! وأنّ الشيخ نقل الإجماع على العمل بخبر المتحرّز عن الكذب وسمّاه صحيحا ، وإن تحقّق في موارد الشهادة فلا يقدح عدم قبوله ولو مع العلم بعدم تعمّده الكذب فيما ذكرناه ، لأنّ العدالة في خصوص الشهادة شرط تعبّدي أثبته الدليل من نصّ أو إجماع.
فإن قلت : هذا المعنى ينافيه ما يظهر من العلماء من استدلالهم لإثبات حجّيّة الشهادة أيضا بآية النبأ ، ومقتضاها كون مناط خبر العدل فيها أيضا الوثوق بالصدق والأمن من