إلى الإجماع الّذي نقله الشيخ ـ فمع أنّه يوجب الدور ـ فهو أيضا غير مجد في الشمول للإجماع المنقول ، لأنّه منقول على عمل أصحاب الأئمّة بالأخبار المتداولة لديهم ، ولا تكون إلاّ الروايات المصطلحة.
وأمّا الثاني : فلأنّ الأخبار من أدلّتها اللفظيّة على اختلاف أنواعها ـ من الواردة في مدح جماعة من الرواة الذين منهم الفضلاء الأربع ، كبريد بن معاوية العجلي وأبي بصير ليث البختري المرادي ومحمّد بن مسلم وزرارة بن أعين الذين ، ورد في شأنهم « بشّر المخبتين بالجنّة ، نجباء امناء الله ، ولولاهم انقطعت آثار النبوّة واندرست » (١) ومن الآمرة بالرجوع في معالم الدين إلى أصحابهم ورواة حديثهم ، (٢) والآمرة بالأخذ من كتب بني الفضّال (٣) وغيرهم من أشخاص مخصوصين من أصحابهم كزرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير الأسدي وأبان بن تغلب ويونس بن عبد الرحمن وزكريّا بن آدم والعمري وابنه ، والواردة في علاج الخبرين المتعارضين المعبّر عنها بالأخبار العلاجيّة ـ لا تتناول الإجماع المنقول أيضا ، بل مواردها على ما يجده المتتبّع ليست إلاّ الروايات المصطلحة ، من دون أن يكون فيها لفظ عامّ أو مطلق يشمل الإجماع المنقول.
ودعوى : أنّ المناط في وجوب العمل بالروايات هو كشفها عن الحكم الصادر عن المعصوم ، ولا يعتبر في ذلك حكاية ألفاظ الإمام ، ولذا يجوز نقل الحديث بالمعنى ، وإذا كان المناط كشف الروايات عن صدور معناها عن الإمام ولو بلفظ آخر ، وأنّ حكاية الإجماع أيضا حكاية حكم صادر عن المعصوم بهذه العبارة الّتي هي معقد الإجماع أو بعبارة اخرى ، فوجب العمل به أيضا لأجل هذا المناط.
يدفعها : أنّ المناط المذكور مع فرض كون الكشف ظنّيّا ، ليس بمنصوص عليه ولا مجمع عليه ، وإلاّ لجرى في الشهرة بل فتوى الفقيه الواحد في بعض الأحيان ، لمكان الكشف الظنّي فيهما أيضا عن الحكم الصادر عن الإمام ، والمفروض عدم الإجماع على العمل بهما ، ولا أنّه مقطوع به من جهة الأخبار المذكورة ، بل غايته كونه مناطا ظنّيّا ، فالتعويل عليه في التعدّي إلى الإجماع المنقول يرجع إلى نحو من القياس المستنبط العلّة ، وفيه ما فيه.
__________________
(١) الوسائل ٢٧ : ١٤٢ / ٤ ب ١١ من أبواب صفات القاضي.
(٢) الوسائل ٢٧ : ١٤٦ / ٢٧ و ٣٣ ب ١٤ من أبواب صفات القاضي.
(٣) الوسائل ٢٧ : ١٤٢ / ١٣ ب ١١ من أبواب صفات القاضي.