أمّا الطريق الأوّل : فهو جواب إجمالي شامل للجميع ، وهو أنّ هذه الأخبار ـ بجملتها على ما يشهد به سياقاتها ، ويرشد إليه الإشارات الواقعة فيها ـ مسوقة للمنع من الاستناد إلى الكتاب على سبيل الاستقلال ، من دون فحص عن معارضاته في سائر الأدلّة ولا سيّما أخبار الأئمّة عليهمالسلام وبياناتهم ، ونحن لا نجوّز العمل بظواهر الكتاب على هذا الوجه بل نعتبر في العمل بها الفحص عن المعارض بمراجعة أخبار أئمّتنا ، فإن عثرنا فيها على ما يخالف ظاهرا من ظواهر الكتاب ، إمّا بكونه مخصصا للعامّ الكتابي ، أو مقيّدا لمطلقه ، أو كاشفا عن تطرّق نسخ إليه ، أو قرينة على التجوّز فيه وكان جامعا لشرائط الحجّيّة نأخذ به ونخرج من جهته عن ظاهر الكتاب ونحمله على خلافه ممّا يساعد عليه البيان الموجود في الأخبار ، على ما نطق خبر الثقلين الحاكم بعدم افتراقهما إلى يوم القيام ، ومعناه أنّ كلّما هو في كتاب الله فهو موجود عند العترة الطاهرة ، وكلّما هو موجود عندهم فهو غير خارج عن الكتاب ، ومن ثمّ لو كان ما في الكتاب عامّا وما عندهم خاصّا مخالفا لعموم ذلك العامّ يجب الأخذ به ، لأنّه ينهض كاشفا عن عدم اعتبار عمومه حين النزول ، ومن هنا لا نقول بوجوب الاستماع أو الصمت عند قراءة القرآن على الإطلاق في جميع الأزمان والأحوال عملا بعموم قوله عزّ من قائل : ( وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا )(١) لما ورد في أخبار أئمّتنا من تفسيره بأنّ المراد به قراءة الإمام العادل في الصلاة لا مطلقا ، وإن لم نعثر على ما يخالفه نعمل به وإن لم نعثر فيها على نصّ يوافقه ، فإنّ وجود نصّ يوافق ظاهر الكتاب ليس شرطا في العمل به عندنا ، نعم ما يخالفه مانع من العمل به ، خلافا للأخباريّين لجعلهم النصّ الموافق شرطا أيضا ، فموضع الخلاف بين المجتهدين وبينهم الظواهر الّتي لم يوجد في أخبار أئمّتنا ما يخالفها ولا ما يوافقها.
نعم الفريقان مطبقان على عدم استقلال الكتاب بإفادة المطالب والأحكام في الجملة ، خلافا منهما للعامّة لجعلهم الكتاب مستقلاّ في الإفادة ، وعدم التفاتهم إلى أخبار أئمّتنا ولا بياناتهم الموافقة أو المخالفة له ، فالطرائق في العمل بالكتاب ثلاثة :
الاولى : طريقة المخالفين وهي زعمهم كون الكتاب مستقلاّ بالإفادة ، غير مرتبط بشيء من أخبار أئمّتنا وبياناتهم لا شرطا ولا مانعا.
والثانية : طريقة الأخباريّين من أصحابنا وهي قولهم بعدم كون الكتاب مستقلاّ بالإفادة ،
__________________
(١) سورة الأعراف : ٢٠٤.