ولقد كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور فوق عمر المسور حين سمع الحديث المزعوم ، فقد مرّ أنّه قال كاذباً : سمع الحديث وهو يومئذ محتلم! والصحيح أنّه كان ابن ثمان سنين ، بينما كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور ثلاث عشرة سنة.
وهكذا سؤال بعد سؤال يوضّح ما في الإسناد من خلل ، مضافاً إلى ما في المتن من علل ، ويبقى بلا جواب.
ولنترك حال الرجال وما فيهم من مقال وإشكال ، ولنعد إلى متن الحديث لنتبيّن فيه مواطن العلل ، ولنقرأه ثانياً حسب وروده في كتاب البخاريّ ـ الذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب الله عند المغالين فيه ـ ولا نحاسبه على تقطيع أوصاله إلى خمسة أحاديث ـ ولا على حشر بعضها تحت عناوين لا تمت إليها بصلة ، ولا ... ولا ، فنحن والحديث الأوّل عنده ، فنقرأ فيه :
أوّلاً : قول المسور لعلي بن الحسين ـ كما في الحديث : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ فقال : « لا ».
فهل لنا أن نسأل المسور : أيّ حاجة تلك التي يمكن له أن يقضيها غير ما يتعلّق بالسلطة الأمويّة ، والتي كان بعد لا يزال ظالعاً معها ، لأنّ زمن السؤال قد حدّده علي بن الحسين حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، بعد مقتل الحسين بن علي عليهماالسلام ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك ....
ونحن إذا نظرنا إلى طبيعة الحال في ذلك الوقت نجد أنّ مقام الإمام زين العابدين أسمى وأرفع ممّا كان عليه المسور ، فإنّ ما أظهره يزيد من التنصل من تلك الجريمة التي لا تغتفر حتّى لعن ابن زياد ، وقال : لعن الله ابن مرجانة ... فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة لعنه الله وغضب عليه ....
ودعا علياً ليودّعه وقال له : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ،