دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

عليه من حيث تيقّنه بأمر يلازم ذلك المتيقّن عقلا أو عادة ، فلا يجب عليه ، لأنّ وجوبه عليه يتوقّف على وجود واقعي لذلك الأمر العقلي أو العادي ، أو وجود جعلي ، بأن يقع موردا لجعل الشارع ، حتى يرجع جعله الغير المعقول إلى جعل أحكامه الشرعيّة ، وحيث فرض عدم الوجود الواقعي والجعلي لذلك الأمر ، كان الأصل عدم وجوده وعدم ترتّب آثاره.

وهذه المسألة تشبه ما هو المشهور في باب الرضاع من : أنّه إذا ثبت بالرضاع عنوان ملازم لعنوان محرّم من المحرّمات لم يوجب التحريم ، لأنّ الحكم تابع لذلك العنوان

____________________________________

عليه من حيث تيقّنه بأمر يلازم ذلك المتيقّن عقلا أو عادة ، فلا يجب عليه.

وحاصل الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب فيما إذا كان من الموضوعات كالحياة مثلا على قسمين :

قسم : يترتّب على الحياة من حيث اليقين بها ، كوجوب نفقة الزوجة.

وقسم : يترتّب عليها من حيث اليقين بما يلازمها ، كوجوب الدرهم المنذور حيث يترتّب على الحياة لا من حيث اليقين بها ، بل من حيث اليقين بالنّمو الملازم لها ، فيكون ترتّبه مع الواسطة.

وأخبار الاستصحاب ناظرة إلى القسم الأوّل ، لكونه مترتّبا على المستصحب من دون واسطة أصلا.

لأنّ وجوبه ـ أي : الآثار ـ عليه ـ أي : الشاكّ ـ يتوقّف على وجود واقعي لذلك الأمر العقلي أو العادي ، كما إذا ثبت النّمو بالقطع والوجدان.

أو وجود جعلي فيما إذا ثبت النّمو بالتعبّد ، بأن يقع موردا لجعل الشارع كمورد الاستصحاب ، حتى يرجع جعله الغير المعقول إلى جعل أحكامه الشرعيّة ، كجعل وجوب الدرهم فيما إذا كان المستصحب هو النّمو ، حيث يكون غير قابل للجعل فاستصحابه يرجع إلى جعل حكمه الشرعي.

وحيث فرض عدم الوجود الواقعي والجعلي لذلك الأمر ، أي : النّمو مثلا ، لأنّ القطع الثابت به وجوده الواقعي منتف بالوجدان واستصحابه الثابت به وجوده الجعلي منتف بالفرض ، كان الأصل عدم وجوده وعدم ترتّب آثاره.

وهذه المسألة تشبه ما هو المشهور في باب الرضاع من : أنّه إذا ثبت بالرضاع عنوان

٦١

الحاصل بالنسب أو بالرضاع ، فلا يترتّب على غيره المتّحد معه وجودا.

____________________________________

ملازم لعنوان محرّم من المحرمات ، كما إذا ثبت بالرضاع عنوان كأمّ الأخ الملازم لعنوان محرّم من المحرّمات في الكتاب والسنّة ، كعنوان الامّ أو زوجة الأب.

والدليل على حرمتهما من الكتاب قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ)(١) وقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ)(٢) ومن السنّة قوله عليه‌السلام : يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب (٣) ، وقوله عليه‌السلام : الرضاع لحمة كلحمة النسب (٤).

حيث يدلّ على تحريم عنوان الامّ وزوجة الأب بالرضاع أيضا ، ولا يدلّ على تحريم عنوان ملازم للعنوانين المذكورين كعنوان أمّ الأخ ؛ لأنّ دليل التنزيل لا يقتضي إلّا تحريم ما يكون موردا للتنزيل من العنوان وهو عنوان الامّ وزوجة الأب ، لا ما يلازمه من العناوين كامّ الأخ وأمّ الاخت ونحوهما. فتكون هذه المسألة من هذه الجهة نظير ما نحن فيه ، إذ تكفي في التنظير مناسبة ما ، وإلّا فليست هذه المسألة نظيرا للمقام أصلا.

وكيف كان ، فحاصل الكلام في مسألة الرضاع ، هو أنّ المشهور بين الأصحاب هو أنّ المحرّم بالرضاع هو نفس عنوان الذي صار موردا للتحريم في الشرع ، فإن حصل هذا العنوان بالرضاع حكم بتحريمه وإن لم يحصل بل حصل ما يلازمه لم يحكم بالتحريم ، فعنوان أمّ الأخ النسبي وإن كان ملازما لعنوان الامّ أو زوجة الأب وهما محرّمتان بالكتاب ، كما عرفت إلّا أنّ حصوله بالرضاع لا يوجب تحريم أمّ الأخ الرضاعي لما عرفت من أنّ مورد التنزيل هو عنوان الامّ لا أمّ الأخ.

لأنّ الحكم تابع لذلك العنوان ، أي : الحكم بالتحريم تابع لعنوان الامّ الحاصل بالنسب أو بالرضاع ، فلا يترتّب على غيره المتّحد معه وجودا ، كعنوان أمّ الأخ المتحد مع عنوان الامّ في باب النسب من حيث الوجود.

وتوضيح ذلك على ما في شرح الاعتمادي ، أنّ المحرّم في باب النسب عنوان الامّ مثلا بدلالة

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٢.

(٣) الفقيه ٣ : ٣٠٥ / ١٤٦٧. الوسائل ٢٠ : ٣٧١ ، أبواب ما يحرم بالرضاع ، ب ١ ، ح ٣.

(٤) أرسله في جامع المقاصد ١٢ : ٢٤٣ ، وكذلك في المسالك ٧ : ٢٩٩ ، والحديث فيهما عن النبي (ص).

٦٢

ومن هنا يعلم أنّه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متّحد الوجود مع المستصحب ، بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما ، كاستصحاب بقاء الكرّ في الحوض عند الشكّ في كرّية الماء الباقي فيه ، وبين تغايرهما في الوجود. كما لو علم بوجود المقتضي لحادث على وجه لو لا المانع ، حدث وشكّ في وجود المانع.

____________________________________

الكتاب ، كما مرّ وإذا تحقّق هذا العنوان بالرضاع يحرم ـ أيضا ـ بأدلّة تنزيل الرضاع منزلة النسب ، وأمّا أمّ الأخ فهي وإن كانت محرّمة في باب النسب إلّا أنّ حرمتها ليست بعنوان أمّ الأخ حتى تحرم أمّ الأخ الرضاعي ـ أيضا ـ بدليل التنزيل ، بل بعنوان آخر متحد معه ، أعني : عنوان الامّ أو زوجة الأب فإنّهما محرّمتان كتابا وسنّة دون أمّ الأخ ، وهذان العنوانان لا يتحقّقان في أمّ الأخ الرضاعي.

فالمتحصّل من جميع ما ذكر أنّ أدلّة التنزيل تفيد حرمة نفس العناوين المحرّمة كتابا وسنّة إذا حصلت بالرضاع ، لا حرمة العناوين الملازمة لها ، فكذا في المقام قد نزّل المشكوك منزلة المتيقّن في ترتيب نفس أثر المتيقّن لا في ترتيب الأثر الملازم له.

ومن هنا ، أي : من جهة أنّ المستفاد من أخبار الاستصحاب وهو وجوب عمل الشاكّ عمل المتيقّن من حيث تيقّنه به لا من حيث تيقّنه بأمر خارجيّ ملازم للمستصحب مطلقا من غير فرق بين أفراده.

يعلم أنّه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متّحد الوجود مع المستصحب ، بحيث لا يتغايران إلّا مفهوما ، كاستصحاب بقاء الكرّ في الحوض عند الشكّ في كرّية الماء الباقي فيه ، وبين تغايرهما في الوجود. كما لو علم بوجود المقتضي لحادث على وجه لو لا المانع ، حدث وشكّ في وجود المانع.

فلا يجري الاستصحاب لإثبات الأثر الشرعي المترتّب على ما هو ملازم للمستصحب عادة ، من دون فرق بين أن يكون ذلك الأمر العادي الملازم للمستصحب متحدا من حيث الوجود معه أو متغايرا معه في الوجود أيضا ، كالمفهوم ، مثال الأوّل ما أشار إليه بقوله : كاستصحاب بقاء الكرّ ... إلى آخره.

حيث يكون وجود الكرّ في الحوض وكرّية ماء الحوض متحدين في الخارج ، بمعنى أنّ وجود الكرّ في الحوض إنّما هو بكرّية ماء الحوض وبالعكس ، إلّا أنّهما متغايران مفهوما ،

٦٣

وكذا لا فرق بين أن يكون اللزوم بينه وبين المستصحب كلّيّا لعلاقة ، وبين أن يكون اتفاقيّا في قضيّة جزئيّة ، كما إذا علم لأجل العلم الإجمالي الحاصل بموت زيد أو عمرو ، إنّ بقاء حياة زيد ملازم لموت عمرو ، وكذا بقاء حياة عمرو ، ففي الحقيقة عدم الانفكاك اتفاقي من

____________________________________

كمفهومي زيد وقائم ، ثمّ الأثر الشرعي ـ وهو طهارة الثوب المغسول فيه ـ يكون من آثار كرّية ماء الحوض لا من آثار وجود الكرّ في الحوض.

فيكون ـ حينئذ ـ استصحاب وجود الكرّ في الحوض لترتيب الحكم بطهارة الثوب عليه مثبتا ؛ لأنّ الحكم بطهارة الثوب المغسول فيه لم يكن في السابق حال اليقين بوجود الكرّ في الحوض مترتّبا على نفس المستصحب من حيث اليقين به ، بل من حيث اليقين بلازمه العادي المتحد معه وجودا ، أعني : كرّية الماء.

نعم ، يجري الاستصحاب في كرّية الماء عند الشكّ فيها ، فيقال : هذا الماء كان كرّا فهو كرّ. ويترتّب عليه الحكم بطهارة الثوب ، إلّا أنّه مبني على المسامحة في الموضوع ، بأن يقال : إنّ نقص سطل من الماء لا يكون موجبا لكون هذا الماء غير الماء السابق ، حتى يقال بعدم جريان الاستصحاب لعدم إحراز الموضوع.

ومثال الثاني ، كما إذا رمى سهما بحيث لو لم يكن هناك مانع من حائط وغيره لقتل المرمي إليه ، لا يجري استصحاب عدم وجود المانع لكونه مثبتا ، وذلك فإنّ الحكم ـ الشرعي وهو وجوب الدية ـ لا يترتّب على نفس المستصحب ، بل يترتّب على ما هو ملازم له عادة أو عقلا وهو القتل ، وهما متغايران في الوجود الخارجي كتغايرهما مفهوما.

وبعبارة اخرى : لا ينفع استصحاب عدم الحائل لإثبات الدية ، إذ في فرض القطع بعدم الحائل تترتّب عليه الدية من حيث اليقين بالقتل ، لا من حيث اليقين بعدم الحائل ، حتّى يثبت باستصحابه.

وكذا لا فرق بين أن يكون اللزوم بينه ، أي : اللوازم وبين المستصحب كلّيّا لعلاقة ، كالملازمة بين وجود الكرّ في الحوض وكرّية ماء الحوض بعلاقة الكلّي والجزئي ، والملازمة بين الرمي بلا مانع والقتل بعلاقة السببيّة عادة ، كما في شرح الاعتمادي.

وبين أن يكون اتفاقيّا في قضيّة جزئيّة. كما إذا علم لأجل العلم الإجمالي الحاصل بموت زيد أو عمرو ، إنّ بقاء حياة زيد ملازم لموت عمرو ، وكذا بقاء حياة عمرو.

٦٤

دون ملازمة.

وكذا لا فرق بين أن يثبت بالمستصحب تمام ذلك الأمر العادي كالمثالين ، أو قيد له عدمي أو وجودي ، كاستصحاب الحياة للمقطوع نصفين ، فيثبت به القتل الذي هو إزهاق الحياة.

____________________________________

حيث لا تكون الملازمة المذكورة في هذه القضيّة لعلاقة ، بل هي اتفاقيّة ناشئة عن العلم الإجمالي بموت أحدهما ، كما أشار إليه بقوله :

ففي الحقيقة عدم الانفكاك اتفاقي من دون ملازمة ، فاستصحاب حياة زيد مثلا لا يثبت موت عمرو حتى يترتّب عليه إرث ماله ، كما عرفت.

وكذا لا فرق بين أن يثبت بالمستصحب تمام ذلك الأمر العادي كالمثالين ، أي : مثال الرمي ومثال العلم الإجمالي بموت زيد أو عمرو ، حيث يثبت باستصحاب عدم المانع والحائل القتل وهو تمام الأثر العادي ، وباستصحاب حياة زيد موت عمرو وهو تمام الأثر العقلي الاتفاقي.

وبعبارة اخرى : يثبت باستصحاب عدم الحائل تمام القتل الذي هو بمعنى إذهاب الحياة ، ويثبت باستصحاب حياة زيد مثلا تمام الأمر العادي وهو موت عمرو ، كما في التنكابني ، مع تلخيص منّا.

أو قيد له عدمي أو وجودي ، كاستصحاب الحياة للمقطوع نصفين ، فيثبت به القتل الذي هو ازهاق الحياة وهو قيد وجودي ، فما ذكره المصنّف قدس‌سره من الأمثلة إنّما هو على طريق اللّف والنشر المشوش.

فالأوّل مثال للثاني ، يعني : للوجودي ، والأخيران مثالان للأوّل ، أعني : العدمي إن جعل التوالي في المثال الأخير أمرا عدميّا.

فنفرض في المثال الأوّل أنّ زيدا كان ملفوفا بالكساء مثلا ، ثمّ ضربه عمرو بالسيف وقدّه بنصفين ، فشكّ في أنّه كان ميّتا قبل الضرب أو قتل بالضرب ، فالموت معلوم وقيده وهو الإزهاق مشكوك ، والدية مترتّبة على الموت بالإزهاق ، فباستصحاب الحياة إلى زمان وقوع السيف على المقطوع يراد إثبات كون التنصيف والسيف واقعا على الحيّ ، فيثبت بذلك إزهاق الحياة الذي هو عبارة عن القتل ، وهو المطلوب.

٦٥

وكاستصحاب عدم الاستحاضة المثبت لكون الدم الموجود حيضا ، بناء على أنّ كلّ دم ليس باستحاضة حيض شرعا ، وكاستصحاب عدم الفصل الطويل المثبت لاتّصاف الأجزاء المتفاصلة بما لا يعلم معه فوات الموالاة بالتوالي.

وربّما استدلّ بعض ـ تبعا لكاشف الغطاء ـ على نفي الأصل المثبت بتعارض الأصل في جانب الثابت والمثبت ، فكما أنّ الأصل بقاء الأوّل ، كذلك الأصل عدم الثاني ، قال :

____________________________________

وكاستصحاب عدم الاستحاضة المثبت لكون الدم الموجود حيضا بالملازمة الشرعيّة بين عدم كونه دم استحاضة وبين كونه حيضا ، ثمّ الدّم موجود وقيده العدمي وهو عدم الاستحاضيّة مشكوك ، فيراد إثباته باستصحاب عدم وجود الاستحاضة.

وكاستصحاب عدم الفصل الطويل المثبت لاتّصاف الأجزاء المتفاصلة بما لا يعلم معه فوات الموالاة بالتوالي.

أي : اتّصاف الأجزاء المتفاصلة بالتوالي ، فإنّ الأجزاء معلومة الوجود وقيدها العدمي ـ أعني : التوالي بناء على كونه أمرا عدميّا ـ مشكوك ، لفرض مقدار فصل بينها يحتمل معه فوات الموالاة ، فيراد باستصحاب عدم حدوث الفصل الطويل إثباته.

وكذلك بناء على كون التوالي أمرا وجوديّا ، كما هو ظاهر كلام المصنّف قدس‌سره ، فيكون ـ حينئذ ـ وجود الأجزاء معلوما وقيدها الوجودي ـ أعني : التوالي ـ مشكوكا ، فيراد بالاستصحاب إثباته ، كما نسب إلى بعض المحشّين حيث قال :

إنّ الأوّل ـ يعني : استصحاب الحياة للمقطوع ـ مثال لقيد العدمي ، لأنّ صفة القتل التي هي إزهاق الروح من الامور السلبيّة العدميّة والأخيران مثالان للقيد الوجودي. فحمل العبارة على ظاهرها فتدبّر.

وربّما استدلّ بعض ، أي : صاحب الفصول تبعا لكاشف الغطاء على نفي الأصل المثبت بتعارض الأصل في جانب الثابت والمثبت ، فكما أنّ الأصل بقاء الأوّل ، كذلك الأصل عدم الثاني ، فيتساقطان عن الاعتبار ، وهو المطلوب.

وبيان التعارض أنّ استصحاب شيء لو اقتضى إثبات لازمه غير الشرعي ، لكان معارضا بأصالة عدم ذلك اللّازم ، فأصالة عدم الحائل في المثال المتقدّم لو اقتضت القتل ، لكانت معارضة بأصالة عدم القتل ، وكذلك أصالة حياة الملفوف تعارض بأصالة عدم القتل.

٦٦

«وليس في أخبار الباب ما يدلّ على حجّيّته بالنسبة إلى ذلك ، لأنّها مسوقة لتفريع الأحكام الشرعيّة دون العاديّة ، وإن استتبعت أحكاما شرعيّة». انتهى.

أقول : لا ريب في أنّه لو بني على أنّ الأصل في الملزوم قابل لإثبات اللّازم العادي ، لم يكن وجه لإجراء أصالة عدم اللّازم ، لأنّه حاكم عليها ، فلا معنى للتعارض على ما هو الحقّ ، واعترف به هذا المستدلّ من حكومة الأصل في الملزوم على الأصل في اللّازم ، فلا تعارض أصالة الطهارة لأصالة عدم التذكية.

____________________________________

بمعنى أنّ الأصل الأوّل يقتضي ثبوت القتل بضرب السيف على الملفوف ، والأصل الثاني يقتضي عدم ثبوته به. وكذلك في مثال أصالة عدم الاستحاضة ، فإنّها لو اقتضت كون الدّم حيضا ، لكانت معارضة بأصالة عدم كونه حيضا ، وهكذا في سائر الموارد.

فالحاصل من الجميع ، هو أنّ الأصل المثبت يسقط بالتعارض.

قال : وليس في أخبار الباب ما يدلّ على حجّيّته بالنسبة إلى ذلك.

أي : أخبار الاستصحاب لا تدلّ على حجّيّته بالنسبة إلى الأمر غير الشرعي.

لأنّها مسوقة لتفريع الأحكام الشرعيّة دون العاديّة ، وإن استتبعت أحكاما شرعيّة ، كاستتباع القتل لوجوب الدية واستتباع الحيض لحرمة العبادة على ما في شرح الاعتمادي.

انتهى كلام صاحب الفصول ، وقد أشار إلى ردّه المصنّف قدس‌سره بقوله :

أقول : لا ريب في أنّه لو بني على أنّ الأصل في الملزوم قابل لاثبات اللّازم العادي ، لم يكن وجه لإجراء أصالة عدم اللّازم ، لأنّه حاكم عليها ، فلا معنى للتعارض على ما هو الحقّ ، واعترف به هذا المستدلّ من حكومة الأصل في الملزوم على الأصل في اللّازم.

وحاصل ردّ المصنّف قدس‌سره على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ المانع من إجراء الاستصحابات المذكورة هو ما مرّ غير مرّة من عدم شمول الأخبار لها ، فلو فرض شمولها لها فلا مانع من جهة المعارضة.

بمعنى أنّه لا تتحقّق المعارضة ؛ لأنّ الأصل السببي كأصالة عدم الحائل ، وأصالة الحياة إلى زمن التنصيف ، وأصالة عدم وجود الاستحاضة تكون حاكمة على الأصل المسبّبي ، كأصالة عدم قتل المرمي عليه في الأوّل ، وأصالة عدم القتل بالسيف في الثاني ، وأصالة عدم وجود الحيض في المثال الثالث.

٦٧

فلو بني على المعارضة لم يكن فرق بين اللوازم الشرعيّة والعاديّة ، لأنّ الكلّ أحكام للمستصحب مسبوقة بالعدم.

وأمّا قوله : «ليس في أخبار الباب ... إلى آخره» إن أراد بذلك عدم دلالة الأخبار على ترتّب اللوازم الغير الشرعيّة ، فهو مناف لما ذكره من التعارض ، إذ تبقى ـ حينئذ ـ أصالة عدم اللّازم الغير الشرعي سليما عن المعارض.

____________________________________

فلا تعارض أصالة الطهارة لأصالة عدم التذكية ؛ لأنّ أصالة عدم التذكية ـ عند الشكّ في كون اللحم من المذكّى ـ أصل سببي حاكم على أصالة الطهارة ، إذ لا تجري أصالة الطهارة بعد الحكم بنجاسة اللحم بمقتضى أصالة عدم التذكية.

فكذا في ما نحن فيه ، فإنّ أصالة عدم الحائل أصل سببي حاكم على أصالة عدم القتل ، فلا يجري الثاني لعدم جريان الأصل المسبّبي مع وجود الأصل السببي.

قوله : فلو بني على المعارضة لم يكن فرق بين اللوازم الشرعيّة والعاديّة دفع لما يقال من الفرق بين اللوازم الشرعيّة ، فتترتّب على الأصل لعدم المعارض ، وبين اللوازم العاديّة ، فلا تترتّب على الأصل لوجود المعارض.

وذلك فإنّ أصالة طهارة اللحم لا تعارض لأصالة عدم التذكية ، لأنّ النجاسة أثر شرعي لعدم التذكية فتثبت بأصالة عدم التذكية ، فلا تجري أصالة الطهارة ، هذا بخلاف القتل ، فإنّه أثر عادي لعدم الحائل ، فأصالة عدم الحائل تعارض بأصالة عدم القتل.

وحاصل الدفع أنّه لو بني على المعارضة بين الأصل السببي والمسبّبي ولم نقل بعدم جريان الأصل المسبّبي مع وجود الأصل السببي لم يكن فرق بين اللوازم الشرعيّة والعاديّة ، لأنّ الكلّ أحكام للمستصحب مسبوقة بالعدم.

فكما أنّ القتل من أحكام عدم الحائل ومسبوق بالعدم كذلك النجاسة من أحكام عدم التذكية ومسبوقة بالعدم ، فتجري أصالة العدم في كلا الحكمين ، فلو تعارض الأصل السببي والمسبّبي لتعارضا في كلا المثالين من دون فرق بينهما أصلا.

وأمّا قوله : «ليس في أخبار الباب ... إلى آخره» إن أراد بذلك عدم دلالة الأخبار على ترتّب اللوازم الغير الشرعيّة ، فهو مناف لما ذكره من التعارض.

إذ لا يجري ـ حينئذ ـ ما لا يترتّب عليه الأثر الشرعي ، كأصالة عدم الحائل لكونها مثبتة ،

٦٨

وإن أراد تتميم الدليل الأوّل ، بأن يقال : إنّ دليل الاستصحاب إن كان غير الأخبار فالأصل يتعارض من الجانبين ، وإن كانت الأخبار فلا دلالة فيها.

ففيه : إنّ الأصل إذا كان مدركه غير الأخبار ـ وهو الظنّ النوعي الحاصل ببقاء ما كان على ما كان ـ لم يكن إشكال في أنّ الظنّ بالملزوم يوجب الظنّ باللّازم ولو كان عاديّا.

ولا يمكن حصول الظنّ بعدم اللّازم بعد حصول الظنّ بوجود ملزومه ، كيف ولو حصل الظنّ بعدم اللّازم اقتضى الظنّ بعدم الملزوم ، فلا يؤثر في ترتّب اللوازم الشرعيّة أيضا.

____________________________________

فيجري ما يترتّب عليه الأثر الشرعي ، كأصالة عدم القتل بلا معارض.

فذيل كلامه ـ وهو قوله : بأنّ الأخبار لا تدلّ على اعتبار الأصل المثبت ـ مناف لصدر كلامه وهو تعارض الأصلين ، إذ لا معنى للتعارض على تقدير عدم الحجيّة.

وإن أراد تتميم الدليل الأوّل ، بأن يقال : إنّ أوّل كلام صاحب الفصول وهو حكمه بالتعارض مبني على اعتبار الأصل من باب الظنّ ، وآخر كلامه وهو حكمه بعدم اعتبار الأصل المثبت مبني على اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار.

وذلك إنّ دليل الاستصحاب إن كان غير الأخبار فالأصل يتعارض من الجانبين ، وإن كانت الأخبار فلا دلالة فيها على حجّيّة الأصل المثبت.

ففيه : إنّ الأصل إذا كان مدركه غير الأخبار ـ وهو الظنّ النوعي الحاصل ببقاء ما كان على ما كان ـ لم يكن إشكال في أنّ الظنّ بالملزوم يوجب الظنّ باللّازم ولو كان عاديّا ، كالقتل بالنسبة إلى أصالة عدم الحائل.

إلّا أنّه لا يحصل الظنّ بعدم القتل بعد حصول الظنّ بوجود ملزومه الملازم للظنّ به ، حتى يقال بتعارض أصالة عدم الحائل المستلزم للظنّ بالقتل مع أصالة عدم القتل ، كما أشار إليه بقوله : ولا يمكن حصول الظنّ بعدم اللّازم بعد حصول الظنّ بوجود ملزومه حتّى يتعارض الظنّ بعدم اللّازم مع الظنّ بوجود ملزومه.

كيف ولو حصل الظنّ بعدم اللّازم اقتضى الظنّ بعدم الملزوم ، فلا يؤثر في ترتّب اللوازم الشرعيّة أيضا.

يعني : لو حصل الظنّ بعدم اللّازم مع فرض حصوله بوجود الملزوم لوقع التعارض بين الظنّين الحاصلين من الأصلين في الاصول غير المثبتة أيضا ، فتسقط عن الحجّيّة بالتعارض

٦٩

ومن هنا يعلم أنّه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ لم يكن مناص عن الالتزام بالاصول المثبتة ، لعدم انفكاك الظنّ بالملزوم عن الظنّ باللّازم شرعيّا كان أو غيره.

إلّا أن يقال : إنّ الظنّ الحاصل من الحالة السابقة حجّة في لوازمه الشرعيّة دون غيرها ، لكنّه إنّما يتمّ إذا كان دليل اعتبار الظنّ مقتصرا فيه على ترتّب بعض اللوازم دون آخر ، كما

____________________________________

كالاصول المثبتة. هذا معنى قوله : فلا يؤثر في ترتّب اللوازم الشرعيّة أيضا.

أي : فلا يؤثر حصول الظنّ بوجود الملزوم في ترتّب اللّازم الشرعي أيضا ، وذلك للتعارض ، إذ كما أنّ أصالة عدم التذكية تفيد الظنّ بعدم التذكية ، والظنّ بعدم التذكية مستلزم للظنّ بالنجاسة شرعا ، كذلك أصالة الطهارة تفيد الظنّ بها وهو مستلزم للظنّ بالتذكية ، فيتعارضان ويتساقطان بالتعارض ، فلا تنفع أصالة عدم التذكية لإثبات النجاسة الشرعيّة ، والحال أنّه لا نزاع في إثبات الآثار الشرعيّة أصلا.

ومن هنا يعلم أنّه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ لم يكن مناص عن الالتزام بالاصول المثبتة ، لعدم انفكاك الظنّ بالملزوم عن الظنّ باللّازم شرعيّا كان ، كالنجاسة بالنسبة إلى أصالة عدم التذكية أو غيره ، كالقتل بالنسبة إلى أصالة عدم الحائل.

وتوضيح ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، أنّه بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار لا يكون الأصل المثبت حجّة ؛ وذلك لا للتعارض ، بل لعدم شمول الاخبار ؛ لأنّ ما يمكن أن يكون من الشارع ويفهم من الأخبار هو جعل المثل إن كان المتيقّن السابق من الأحكام ، وجعل اللّازم الشرعي إنّ كان من الموضوعات ، لا غير اللّازم ، أعني : الملزوم والملازم والمقارن ، ولا اللّازم غير الشرعي ، ولا الشرعي مع الواسطة.

وأمّا بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ فالأصل المثبت ـ أيضا ـ حجّة ؛ لأنّ معنى حجّيّة الظنّ الحاصل من الاستصحاب عند العقلاء وهو العمل به ، ومعنى العمل بالظنّ هو الأخذ به إلى أين يذهب شعاعه. ومن البديهيّ أنّ الظنّ بالملزوم يوجب الظنّ باللّازم ، فيؤخذ به كما يؤخذ بالظنّ بالملزوم.

إلّا أن يقال : إنّ الظنّ الحاصل من الحالة السابقة حجّة في لوازمه الشرعيّة دون غيرها ،

٧٠

إذا دلّ الدليل على أنّه يجب الصوم عند الشكّ في هلال رمضان بشهادة عدل ، فلا يلزم منه جواز الإفطار بعد مضيّ ثلاثين من ذلك اليوم ، أو كان بعض الآثار ممّا لا يعتبر فيه مجرّد الظنّ ، إمّا مطلقا ، كما إذا حصل من الخبر الوارد في المسألة الفرعيّة ظنّ بمسألة اصوليّة ، فإنّه لا يعمل فيه بذلك الظنّ ، بناء على عدم العمل بالظنّ في الاصول.

وإمّا في خصوص المقام ، كما إذا ظنّ بالقبلة مع تعذّر العلم بها ، فلزم منه الظنّ بدخول

____________________________________

لكنّه فاسد ؛ لأنّ دليل حجّيّة الظنّ الاستصحابي ـ أعني : بناء العقلاء ـ لم يفرّق بين الآثار.

والفرق بينها ـ بأن يكون الظنّ الحاصل من الاستصحاب حجّة بالنسبة إلى بعضها دون بعضها الآخر ـ إنّما يتمّ بوجوه ثلاثة كلّها منتفية بالفرض ، وقد أشار إليها بقوله :

إنّما يتمّ إذا كان دليل اعتبار الظنّ مقتصرا فيه على ترتّب بعض اللوازم دون آخر ، كما إذا دلّ الدليل على أنّه يجب الصوم عند الشكّ في هلال رمضان بشهادة عدل ، فلا يلزم منه جواز الإفطار بعد مضيّ ثلاثين من ذلك اليوم.

توضيح الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ شهادة عدل واحد بدخول رمضان يوجب الظنّ به ، وهو يوجب الظنّ بوجوب الصوم وخروج رمضان وجواز الإفطار بعد الثلاثين ، إلّا أنّ المفروض أنّ الشارع اقتصر على ترتيب بعض اللوازم وهو وجوب الصوم ، فلا دليل على ترتيب سائر اللوازم.

أو كان بعض الآثار ممّا لا يعتبر فيه مجرّد الظنّ إمّا مطلقا ، يعني : في جميع الموارد ، وذلك كما إذا حصل من الخبر الوارد في المسألة الفرعيّة ظنّ بمسألة اصوليّة ، فإنّه لا يعمل فيه ، أي : في هذا الفرض بذلك الظنّ ، بناء على عدم العمل بالظنّ في الاصول أصلا.

وحينئذ إذا حصل من خبر العادل ظنّ بمسألة فرعيّة وظنّ بمسألة اصوليّة يعمل به في المسألة الفرعيّة دون المسألة الاصوليّة ، كما إذا دلّ خبر العادل مثلا على أنّ من تزوّج امرأة في عدّتها وهو لا يعلم حرمته بعد الفحص لا عقاب عليه لحصل الظنّ منه بمسألة اصولية ، وهي أصالة البراءة عند الشكّ في التكليف كما حصل بهذه المسألة الفرعيّة.

ثم وجه العمل بالظنّ في المسألة الفرعيّة دون الاصوليّة هو أنّ أدلّة حجّيّة الخبر وإن لم تفرّق بين الظنّين ، إلّا أنّ الدليل الخارجي قام على اعتبار العلم في مطلق المسائل الاصوليّة ، كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف منّا.

٧١

الوقت مع عدم العذر المسوّغ للعمل بالظنّ في الوقت.

ولعلّ ما ذكرنا هو الوجه في عمل جماعة من القدماء والمتأخّرين بالاصول المثبتة ، في كثير من الموارد :

منها : ما ذكره جماعة ، منهم المحقّق في الشرائع وجماعة ممّن تقدّم عليه وتأخّر عنه ، من أنّه لو اتّفق الوارثان على إسلام أحدهما المعيّن في أوّل شعبان ، والآخر في غرّة رمضان ، واختلفا ، فادّعى أحدهما موت المورّث في شعبان ، والآخر موته في أثناء رمضان ، كان المال بينهما نصفين ، لأصالة بقاء حياة المورّث.

____________________________________

وإمّا في خصوص المقام ، كما إذا ظنّ بالقبلة مع تعذّر العلم بها ، فلزم منه الظنّ بدخول الوقت مع عدم العذر المسوّغ للعمل بالظنّ في الوقت.

كما إذا كانت جهة القبلة في بلد الشخص مسامتة لدائرة نصف النهار ، فسافر إلى بلد آخر لم يتمكّن فيه من العلم بالقبلة ، فظنّ بها بالقبر أو المحراب ، فيظنّ بدخول وقت الظهر إذا صارت الشمس إليها قياسا إلى وطنه ، فيعمل بالظنّ أو يصبر حتى يعلم بدخول الوقت ، إلّا أن يجبر بالفرض بأن يصلّي حين الظنّ بالوقت ، على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

ولعلّ ما ذكرنا من عدم الفرق بين الأصل المثبت وغيره في الحجّيّة بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ هو الوجه في عمل جماعة من القدماء والمتأخّرين بالاصول المثبتة ، في كثير من الموارد :

منها : ما ذكره جماعة ، منهم المحقّق في الشرائع وجماعة ممّن تقدّم عليه وتأخّر عنه ، من أنّه لو اتّفق الوارثان على إسلام أحدهما المعيّن في أوّل شعبان ، والآخر في غرّة رمضان ، واختلفا ، فادّعى أحدهما موت المورّث في شعبان وهو من أسلم في أوّل شعبان ، فيكون الإرث ـ حينئذ ـ له فقط ، وذلك لكفر الوارث الآخر حين موت المورّث.

وادّعى الآخر موته في اثناء رمضان وهو من أسلم في غرّة رمضان ، فيكون الإرث ـ حينئذ ـ مشتركا بينهما ، وذلك لإسلام كلا الوارثين حين موت المورّث ، كما أشار إليه بقوله :

كان المال بينهما نصفين ، لأصالة بقاء حياة المورّث.

ومحلّ الشاهد ، هو استصحاب حياة المورّث إلى غرّة رمضان حيث يكون مثبتا ؛ لأنّ

٧٢

ولا يخفى : أنّ الإرث مترتّب على موت المورّث عن وارث مسلم ، وبقاء حياة المورّث إلى غرّة رمضان لا يستلزم بنفسه موت المورّث في حال إسلام الوارث.

نعم ، لمّا علم بإسلام الوارث في غرّة رمضان ، لم ينفكّ بقاء حياته حال الإسلام عن موته بعد الإسلام الذي هو سبب الإرث ، إلّا أن يوجّه بأنّ المقصود في المقام إحراز إسلام الوارث في حياة أبيه.

____________________________________

إرث من يدّعي موته في أثناء رمضان لا يترتّب على نفس المستصحب ، أعني : حياة المورّث ، بل مترتّب على لازمه العقلي الاتّفاقي ، أي : موت المورّث عن وارث مسلم.

ومن المعلوم أنّ بقاء حياة المورث إلى غرّة رمضان لا يستلزم بنفسه موت المورّث عن وارث مسلم ؛ لأنّ موت المورّث عن وارث مسلم ليس من لوازم المستصحب وهو حياة المورّث ، بل من مقارناته الاتفاقيّة ، كما أشار إليه بقوله : نعم ، لمّا علم بإسلام الوارث في غرّة رمضان ، لم ينفكّ بقاء حياته حال الإسلام عن موته بعد الإسلام الذي هو سبب الإرث.

فيكون استصحاب بقاء حياة المورّث إلى غرّة رمضان بالنّسبة إلى ترتّب إرث من أسلم في غرّة رمضان مثبتا ، وذلك لما عرفت من أنّ الإرث لا يترتّب على المستصحب بلا واسطة ، بل بواسطة لازمه الاتّفاقي ، وهو موت المورّث عن وارث مسلم.

إلّا أن يوجّه بأنّ المقصود في المقام إحراز إسلام الوارث في حياة أبيه.

وحاصل التوجيه أنّ ما ذكر من كون استصحاب حياة المورّث مثبتا إنّما يصحّ لو كان الإرث مرتّبا على موت المورّث عن وارث مسلم ، كما تقدّم ، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الإرث مترتّب على إسلام الوارث حال حياة المورّث ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من إحراز إسلام الوارث في حياة مورّثه ؛ لأنّ المقتضي للتوريث هو وجود الولد المسلم حال حياة أبيه ، سواء كانت حياة أبيه ثابتة بالقطع والوجدان ، أو بالاستصحاب ، ثمّ الحكم بالتوريث الفعلي يتوقّف على أمرين :

أحدهما : إسلام الوارث حال حياة المورّث.

وثانيهما : حصول موت المورّث.

والاوّل يمكن إحرازه بالأصل ، أي : استصحاب حياة المورّث المستلزم لكون الوارث مسلما حال حياة المورّث.

٧٣

كما يعلم من الفرع الذي ذكره قبل هذا الفرع في الشرائع ، ويكفي في ثبوت الإسلام حال الحياة المستصحبة في تحقّق سبب الإرث وحدوث علاقة الوارثيّة بين الولد ووالده في حال الحياة.

____________________________________

والثاني حاصل بالفرض.

وبعبارة اخرى : إنّ المقتضي للإرث هو وجود المسلم حال حياة أبيه الذي يكفي في إحرازه استصحاب حياة الأب إلى بعد زمان إسلام الوارث ، فلا يكون الأصل مثبتا ؛ لأنّ التوريث عند موت المورّث يكون من الآثار الشرعيّة للمستصحب عرفا ، ولم يكن المقصود باستصحاب الحياة إثبات الآثار غير الشرعيّة حتى يدخل في الاصول المثبتة. هذا تمام الكلام في توجيه استصحاب حياة المورّث بحيث يخرج به عن كونه أصلا مثبتا.

ويدلّ على هذا التوجيه ما ذكره المحقّق قدس‌سره في الشرائع قبل هذا الفرع ، كما أشار إليه بقوله :

كما يعلم من الفرع الذي ذكره قبل هذا الفرع في الشرائع.

أي : كما يعلم وجه ما تقدّم في التوجيه ـ من أنّ المقصود من موضوع الإرث هو إسلام الوارث في حياة مورّثه ، لا موت المورّث عن وارث مسلم حتى يكون استصحاب بقاء حياة المورّث إلى غرّة رمضان أصلا مثبتا ـ من الفرع الذي ذكره المحقّق قدس‌سره قبل هذا الفرع في الشرائع.

فلا بدّ أوّلا من ذكر الفرع الذي ذكره قبل هذا الفرع.

وثانيا من بيان كون حكم المحقّق قدس‌سره في هذا الفرع دليلا على كون نظره في الفرع الثاني إلى ما ذكرنا أخيرا من التوجيه ، لا إلى الأصل المثبت.

أمّا الاوّل ، فهذا لفظه : «قال : لو مات المسلم عن ابنين فتصادقا على تقدّم إسلام أحدهما على موت الأب ، وادّعى الآخر مثله فأنكر أخوه ، فالقول قول المتّفق على تقدّم إسلامه مع يمينه ، إنّه لا يعلم أنّ أخاه أسلم قبل موت أبيه». انتهى.

وأمّا الثاني ، فحاصله : إنّه لو كان المدرك للحكم بالتنصيف في الفرع الثاني هو الأصل المثبت ـ بأن يكون سبب الإرث عند المحقّق قدس‌سره موت المورّث عن وارث مسلم الذي يكون لازما اتفاقيّا عن المستصحب وهو حياة الأب إلى غرّة رمضان ـ لتعيّن الحكم

٧٤

____________________________________

بالتنصيف في الفرع الأوّل أيضا.

وذلك لثبوت موت المورّث عن وارث مسلم في الفرع الأوّل ـ أيضا ـ بأصالة بقاء حياة الأب إلى زمان إسلام غير المتّفق على تقدّم إسلامه ، حيث يثبت بها تأخّر موته عن إسلامه ، ولازم ذلك هو الحكم بالتنصيف فيه أيضا.

مع أنّ المحقّق قدس‌سره لم يحكم بالتنصيف في الفرع الأوّل ، بل حكم بتقديم قول المتّفق على تقدّم إسلامه مع اليمين ، ومن عدم حكمه بالتنصيف في الفرع الأوّل نكشف عن أنّ المدرك للحكم بالتنصيف في الفرع الثاني لم يكن أصلا مثبتا ، وإلّا لحكم به في الفرع الأوّل أيضا.

بل المدرك كان أمرا آخر ، وليس إلّا ما ذكرناه في التوجيه من أنّ موضوع الإرث هو إسلام الوارث في حياة المورّث ، فيرث من أسلم في غرّة رمضان في الفرع الثاني ، لإحراز إسلامه في حياة المورّث ولو بعد استصحاب بقاء حياة المورّث إلى غرّة رمضان.

ولا يرث غير المتّفق على تقدّم إسلامه في الفرع الأوّل ، لعدم إحراز إسلامه في حياة المورّث ؛ لأنّ تاريخ إسلامه مجهول ، فيستصحب كفره.

ولهذا حكم المحقّق قدس‌سره بالتنصيف في الفرع الثاني ، وذلك لإحراز إسلام كلا الوارثين في حياة المورّث ، وحكم بتقديم قول المتّفق على تقدّم إسلامه مع اليمين في الفرع الأوّل ، وذلك لإحراز إسلام من يكون تقدّم إسلامه متّفقا عليه دون غيره.

نعم ، يمكن أن يقال : بأنّ فرض كون موضوع الإرث إسلام الوارث في حياة المورّث لا يخرج أصالة بقاء حياة المورّث إلى زمان إسلام الوارث عن كونها أصلا مثبتا ، فاستصحاب بقاء حياة المورّث يكون أصلا مثبتا سواء قلنا بأنّ موضوع الإرث هو موت المورّث عن وارث مسلم ، أو قلنا بأنّ الموضوع هو إسلام الوارث في حياة المورّث ؛ لأنّ إسلام الوارث في حياة المورّث من اللوازم العقليّة الاتفاقيّة بالنسبة إلى المستصحب ، أعني : بقاء حياة المورّث إلى إسلام الوارث.

فإنّه يقال : بأنّ إسلام الوارث في حياة المورّث وإن كان لازما اتفاقيا ، إلّا أنّه واسطة خفيّة ، بمعنى أنّ الإرث في نظر العرف حكم نفس المستصحب ، أعني : حياة المورّث إلى

٧٥

ومنها : ما ذكره جماعة ، تبعا للمحقّق ـ في كرّ وجد فيه نجاسة لا يعلم سبقها على الكريّة وتأخّرها ـ فإنّهم حكموا بأنّ استصحاب عدم الكريّة قبل الملاقاة ، الراجع إلى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود المقتضي له ، معارض باستصحاب عدم الملاقاة قبل الكريّة.

____________________________________

زمان إسلام الوارث ، ولا يدرك العرف الواسطة ، أعني : إسلام الوارث حال حياة المورّث ، والأصل المثبت فيما إذا كانت الواسطة خفيّة حجّة عند المصنّف قدس‌سره.

فإن قلت : لا فرق حينئذ بين الفرع الأوّل والثاني ، فكما يثبت إسلام الوارث في حياة المورّث بالاستصحاب في الفرع الثاني ، كذلك يثبت إسلام الوارث في حياة المورّث باستصحاب بقاء حياة الأب إلى ما بعد زمان إسلام الوارث في الفرع الأول ، ولازم ذلك هو الحكم بالتنصيف في كلا الفرعين.

قلت : إنّ الفرق بينهما واضح ، وذلك لكون تاريخ إسلام الوارث معلوما في الفرع الثاني دون الفرع الأوّل ، فيجري استصحاب بقاء حياة المورث إلى ما بعد زمان إسلام الوارث في الفرع الثاني ، دون الفرع الأوّل ، لفرض عدم العلم بتاريخ إسلام الوارث ، بل يجري فيه استصحاب كفر الوارث ، فلا يحكم بالتنصيف فيه ولو كان الأصل المثبت حجّة ، وكان موضوع الإرث موت المورّث عن وارث مسلم.

ومنها : ما ذكره جماعة ، تبعا للمحقّق ـ في كرّ وجد فيه نجاسة لا يعلم سبقها على الكريّة وتأخّرها ـ فإنّهم حكموا بأنّ استصحاب عدم الكريّة قبل الملاقاة ، الراجع إلى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود المقتضي له ، أي : للانفعال.

حيث تكون الملاقاة مقتضية للنجاسة والكريّة مانعة عنها ، فالاستصحاب المذكور يرجع إلى استصحاب عدم وجود المانع حين وجود المقتضي ، فهو معارض باستصحاب عدم الملاقاة قبل الكريّة ، مع أنّ أحد الاستصحابين مثبت ، فمن حكمهم بتعارضهما يظهر اعتبار الأصل المثبت عندهم.

وتوضيح ذلك أنّ كون الملاقاة للنجس مقتضيا للنجاسة ممّا لا خلاف فيه ، وإنّما الخلاف في أنّ الكريّة عاصمة عن الانفعال ومانعة عنه ، كما هو المشهور ، أو القلّة شرط للانفعال كما قيل؟.

٧٦

ولا يخفى أنّ الملاقاة معلومة ، فإن كان اللّازم في الحكم بالنجاسة إحراز وقوعها في زمان القلّة ، وإلّا فالأصل عدم التأثير ، لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الثاني بالاستصحاب الأوّل ، لأنّ أصالة عدم الكرّيّة حين الملاقاة لا يثبت كون الملاقاة قبل الكرّيّة وفي زمان

____________________________________

وعلى القول الأوّل يكون الاستصحاب الثاني مثبتا دون الأوّل. وعلى القول الثاني انعكس الأمر.

وبيان ذلك أنّ الحكم بالنجاسة هو حكم نفس المستصحب ، أعني : عدم الكريّة في الاستصحاب الأوّل على القول الأول ؛ لأنّ مقتضي النجاسة ـ أعني : الملاقاة ـ معلوم ، والمانع ـ أعني الكريّة حال الملاقاة ـ منفي بالأصل.

فتثبت النجاسة بمقتضى الاستصحاب الأوّل ولا يكون مثبتا. والاستصحاب الثاني مثبت ؛ لأنّ استصحاب عدم الملاقاة قبل الكريّة يلزمه عقلا وجود الكريّة حال الملاقاة المانع عن النجاسة فيحكم بالطهارة.

إلّا أنّ الطهارة ليست كالنجاسة حكم نفس المستصحب ـ أعني : عدم الملاقاة قبل الكريّة ـ في الاستصحاب الثاني ، بل حكم لوجود الكرّ عند الملاقاة وهو لازم عقلي للمستصحب ، أعني : عدم الملاقاة قبل الكريّة.

فيكون الاستصحاب الأوّل مثبتا. هذا تمام الكلام على القول بأنّ الكريّة مانعة عن الانفعال حيث يكون الأصل الثاني مثبتا دون الأوّل ، ومع ذلك فقد حكموا بتعارض الاستصحاب الأوّل بالاستصحاب الثاني.

فلو لم يكن الأصل المثبت حجّة لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الأوّل بالثاني ، إذ لا يعقل التعارض بين ما يكون حجّة وبين ما لا يكون حجّة.

وأمّا على القول الثاني ، فانعكس الأمر ، بمعنى أنّ الاستصحاب الأول مثبت دون الثاني. كما أشار إليه بقوله :

فإن كان اللّازم في الحكم بالنجاسة إحراز وقوعها أي : الملاقاة في زمان القلّة ، وإلّا ، أي : وإن لم يحرز ذلك فالأصل عدم التأثير ، لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الثاني بالاستصحاب الأوّل ، لكون الاستصحاب الاوّل مثبتا ؛ لأنّ النجاسة لا تترتّب على نفس المستصحب ، أي : عدم الكريّة حال الملاقاة ، بل تترتّب على لازمه العقليّ ، أعني :

٧٧

القلّة ، حتى يثبت النجاسة ، إلّا من باب عدم انفكاك عدم الكرّيّة حين الملاقاة عن وقوع الملاقاة حين القلّة. نظير عدم انفكاك عدم الموت حين الإسلام لوقوع الموت بعد الإسلام ، فافهم.

ومنها : ما في الشرائع والتحرير ، تبعا للمحكي عن المبسوط ، من : أنّه لو ادّعى الجاني أنّ المجني عليه شرب سمّا فمات بالسمّ ، وادّعى الولي أنّه مات بالسراية ، فالاحتمالان فيه سواء.

____________________________________

وقوع الملاقاة حين القلّة ، كما أشار إليه بقوله :

لأنّ أصالة عدم الكرّيّة حين الملاقاة لا يثبت كون الملاقاة قبل الكريّة وفي زمان القلّة ، حتى يثبت النجاسة ، إلّا من باب عدم انفكاك عدم الكرّيّة حين الملاقاة عن وقوع الملاقاة حين القلّة.

وكيف كان ، فحكمهم بالتعارض على نحو الإطلاق بين الأصلين المذكورين مع كون أحدهما مثبتا لا يتمّ إلّا بالتزامهم على حجّيّة الاصول المثبتة.

فافهم لعلّه إشارة إلى أنّ حكمهم بتعارض الاستصحابين في المقام لم يكن دليلا على عملهم بالاصول المثبتة مطلقا ، بل يكون دليلا على عملهم بالأصل المثبت فيما إذا كانت الواسطة خفيّة ؛ لأنّ الأصل المثبت حينئذ حجّة ، فيمكن وقوع التعارض بينه وبين غيره ، والأصل المثبت في المقام يكون من هذا القبيل.

ومنها : ما في الشرائع والتحرير ، تبعا للمحكي عن المبسوط ، من : أنّه لو ادّعى الجاني أنّ المجني عليه شرب سمّا فمات بالسمّ ، وادّعى الولي أنّه مات بالسراية ، أي : بسراية الجراحة ، فالاحتمالان فيه سواء.

أي : احتمال موت المجني عليه بالشرب مساو مع احتمال موته بالسراية ، وذلك لتساقط أصالة عدم شرب السمّ مع أصالة عدم السراية بالتعارض ، مع كون الأصل الأوّل مثبتا ؛ لأنّ الضمان في الأصل الأوّل ليس حكم نفس المستصحب ، أعني : عدم الشرب ، بل هو حكم لازمه الاتّفاقي ، أعني : حصول الموت بالسراية.

وهذا بخلاف الأصل الثاني حيث يكون عدم الضمان حكم نفس المستصحب ، أعني : عدم السراية ، فلا يكون مثبتا ، فالحكم بتساوي الاحتمالين بتعارض الأصلين إنّما يتمّ على تقدير اعتبار الأصل المثبت.

٧٨

وكذا الملفوف في الكساء إذا قدّه بنصفين فادّعى الولي أنّه كان حيّا ، والجاني أنّه كان ميّتا ، فالاحتمالان متساويان. ثمّ حكي عن المبسوط التردّد.

وفي الشرائع رجّح قول الجاني ، لأنّ الأصل عدم الضمان ، وفيه احتمال آخر ضعيف.

وفي التحرير : «إنّ الأصل عدم الضمان من جانبه واستمرار الحياة من جانب الملفوف ، فيرجّح قول الجاني ، وفيه نظر».

____________________________________

وكذا الملفوف في الكساء إذا قدّه بنصفين فادّعى الولي أنّه كان حيّا ، والجاني أنّه كان ميّتا ، فالاحتمالان.

أي : احتمال الحياة والموت قبل قدّه بنصفين متساويان ، فيقع التعارض بين أصالة عدم الضمان واستصحاب الحياة إلى زمان الضرب ، مع أنّ الأصل الثاني ـ وهو استصحاب الحياة ـ مثبت ؛ لأنّ الضمان ليس حكم نفس المستصحب ، أعني : الحياة إلى زمان الضرب ، بل يترتّب على القتل اللّازم عقلا للمستصحب المذكور.

فالحكم ـ بتساوي الاحتمالين الموجب لتعارض الأصلين ـ مبنيّ على اعتبار الأصل المثبت.

ثمّ حكي عن المبسوط التردّد في ضمان الجاني ؛ ولعلّ ذلك للتعارض بين أصالة عدم الضمان وبين أصالة الحياة إلى زمن الضرب ، المقتضية للضمان.

غاية الامر يكون الأصل الثاني مثبتا ، ولازم ذلك اعتبار الأصل المثبت عند الشيخ قدس‌سره في المبسوط.

وفي الشرائع رجّح قول الجاني ، لأنّ الأصل عدم الضمان ، ولعلّه مبني على عدم حجّيّة الأصل المثبت ، فلا يجري استصحاب بقاء الحياة إلى زمان الضرب ، حتى يكون معارضا بأصالة عدم الضمان ، لكونه أصلا مثبتا ، كما عرفت ، ثمّ قال المحقّق قدس‌سره :

وفيه احتمال آخر ضعيف ، ولعلّ مراده هو استصحاب الحياة إلى زمان الضرب المثبت للقتل الموجب للضمان ، ووجه الضعف هو كونه أصلا مثبتا.

وفي التحرير : إنّ الأصل عدم الضمان من جانبه أي : الجاني واستمرار الحياة من جانب الملفوف ، فيرجّح قول الجاني.

وترجيح قول الجاني مبنيّ على اعتبار الأصل المثبت ، وترجيح الأصل غير المثبت ،

٧٩

والظاهر أنّ مراده النظر في عدم الضمان ، من حيث إنّ بقاء الحياة بالاستصحاب إلى زمان القدّ سبب في الضمان ، فلا تجري أصالة عدمه. وهو الذي ضعّفه المحقّق ، لكن قوّاه بعض محشّيه.

والمستفاد من الكلّ نهوض استصحاب الحياة لإثبات القتل الذي هو سبب الضمان ،

____________________________________

على الأصل المثبت ، وإلّا فلا معنى للترجيح المذكور ، بل يجري أصل عدم الضمان فقط ، ولا تجري أصالة الحياة حتى يقال بالترجيح.

إلى أن قال العلّامة في التحرير : وفيه نظر ، أي : في ترجيح قول الجاني نظر وإشكال.

وحاصل النظر على ما فهمه المصنّف قدس‌سره من كلام العلّامة في التحرير ، هو أنّ مقصوده ـ من النظر ـ النظر في ترجيح قول الجاني من جهة ترجيح أصل عدم الضمان على أصالة استمرار الحياة إلى زمان الضرب.

ثمّ وجه النظر هو أنّ الأصل الجاري في الحياة جار في السبب من حيث إنّ بقاء الحياة بالاستصحاب إلى زمان القدّ يلزمه عقلا حصول القتل وهو سبب في الضمان ، والأصل الجاري في عدم الضمان مسبّب عنه.

ومن المعلوم أنّ الأصل السببي يتقدّم على الأصل المسبّبي ، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى الأصل السببي وهو استصحاب الحياة لا إلى الأصل المسبّبي وهو أصالة عدم الضمان ، فتكون النتيجة ـ حينئذ ـ تقديم قول الولي لا قول الجاني.

ويحتمل أن يكون وجه النظر في ترجيح قول الجاني هو تعارض الأصلين مع عدم ترجيح أحدهما في البين.

ويحتمل أن يكون وجه النظر الفرق بين اللّف بمثل الكفن واللّف بمثل الكساء ، ففي الأوّل يرجّح قول الجاني ، وفي الثاني يقدّم قول الولي أخذا بالظاهر.

وهو الذي ضعّفه المحقّق قدس‌سره أي : بقاء الحياة بالاستصحاب إلى زمان القدّ المثبت للقتل الموجب للضمان الذي ضعّفه المحقّق قدس‌سره في قوله المتقدّم : وفيه احتمال آخر ضعيف.

لكن قوّاه بعض محشّيه ، أي : محشّي الشرائع.

وما في شرح الاستاذ الاعتمادي حيث أرجع الضمير ـ أعني : هو ـ إلى عدم الضمان ، فليس في محلّه.

٨٠