دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

الأخبار فليس مؤدّاها إلّا الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين به ، والمفروض أنّ وجوب الاعتقاد بشيء ـ على تقدير اليقين به ـ لا يمكن الحكم به عند الشكّ لزوال الاعتقاد

____________________________________

عدم التمكّن منه يعتقد بالحقّ واقعا ، فلا إلجاء باتّباع الظنّ ، وقيل بكفاية الظنّ بها في تحقّق الإيمان ، وذهب بعض هؤلاء إلى وجوب تحصيل العلم نفسيّا مع التمكّن ، للأمر به ، أو لحكم العقل من باب وجوب شكر المنعم أو دفع الخوف.

ثمّ اختلفوا في أنّ الاعتقاد هو عين العلم أو الظنّ أو معلولهما ، كما عليه المصنف قدس‌سره أو أمر اختياري يوجد مع الشكّ ، بل القطع بالخلاف أيضا ، إذا عرفت ما ذكر ، فنقول :

إنّه إذا كان الاعتقاد بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله مثلا واجبا في زمن حضورهم عليهم‌السلام ، ثمّ شكّ بالفرض في بقاء نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله في زمن الغيبة ، فبناء على اعتبار العلم في المعتقدات كما هو الحقّ عند المصنف قدس‌سره وجب تحصيله إن أمكن ، فلا يكفي الظنّ فضلا عن الاستصحاب.

فحينئذ لا تصل النوبة إلى الاستصحاب ، وإن لم يمكن تحصيل العلم ، لا يصحّ الاستصحاب إن قلنا بأنّ الاعتقاد هو عين العلم ، وذلك لامتناع تحصيل العلم ، فلا يجب تحصيله لكونه مستلزما للتكليف بغير المقدور وهو قبيح عقلا ولا يجوز شرعا ، فكيف يستصحب وجوب الاعتقاد؟!

ومن هنا يعلم عدم جريان الاستصحاب على القول بأنّ الاعتقاد هو معلول العلم لا نفسه ، كما عليه المصنف قدس‌سره ؛ وذلك لانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة ، فلا يعقل بقاء الاعتقاد المعلول مع زوال العلّة ، أعني : العلم حتى يستصحب وجوبه ، كما أشار إليه بقوله :

لأنه إن كان من باب الأخبار فليس مؤدّاها إلّا الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين به ، فيتمّ في الأحكام الفرعيّة فقط ، إذ مؤدّى الأخبار هو الحكم على بقاء حكم ، كوجوب النفقة الذي كان معمولا به في زمن اليقين به.

وهذا بخلاف وجوب الاعتقاد حيث لا يمكن الحكم ببقائه مع زوال الاعتقاد عند زوال علّته ، كما أشار إليه بقوله :

والمفروض أنّ وجوب الاعتقاد بشيء ، كالنبوّة المعمول به على تقدير اليقين به لا يمكن الحكم به عند الشكّ ، وذلك لزوال موضوع الحكم ، أعني : الاعتقاد بزوال علّته ، أعني : العلم.

١٢١

فلا يعقل التكليف.

وإن كان من باب الظنّ فهو مبني على اعتبار الظنّ في اصول الدين ، بل الظنّ غير حاصل فيما كان المستصحب من العقائد الثابتة بالعقل أو النقل القطعي ، لأن الشكّ إنّما

____________________________________

فلا يعقل التكليف ، أعني : التكليف بوجوب الاعتقاد فضلا عن استصحابه.

وبالجملة : إنّ استصحاب وجوب الاعتقاد على القول بأنّ الاعتقاد عين العلم أو معلوله لا يصحّ ، وأمّا على القول بأنّ الاعتقاد أمر اختياري يمكن حصوله مع الشكّ ، بل مع القطع بالخلاف يصحّ استصحاب وجوب الاعتقاد من دون فرق بين كون الاستصحاب حجّة من باب الأخبار أو من باب الظنّ ، كما لا يفرّق في عدم صحّة الاستصحاب على القول بأنّه عين العلم أو معلوله بين كونه حجّة من باب الأخبار كما عرفت ، أو من باب الظنّ ، كما أشار إليه بقوله :

وإن كان من باب الظنّ فهو مبني على اعتبار الظنّ في اصول الدين ، وليس الظنّ معتبرا في اصول الدين عند المصنف قدس‌سره فلا يصحّ الاستصحاب في اصول الدين.

بل الظنّ غير حاصل فيما كان المستصحب من العقائد الثابتة بالعقل أو النقل القطعي ، كوجود صانع للعالم وتوحيده.

وحاصل الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّه لو قلنا بكفاية الظنّ في الاعتقاديات ، وباعتبار الاستصحاب من باب الظنّ الخاص ، وإفادة الاستصحاب الظنّ الشخصي ببقاء المعتقد ، صحّ الاستصحاب. والكلّ مخدوش.

أمّا الأوّل ، فلمّا مرّ من عدم كفاية الظنّ ، والأمر بتحصيل العلم ، ومع عدم التمكّن منه يعتقد بالواقع.

وأمّا الثاني ، فلأجل احتمال اعتباره من باب الأخبار والتعبّد ، لا من باب الظنّ.

وأمّا الثالث ، فلاحتمال اعتباره من باب الظنّ النوعي ، على فرض تسليم اعتباره من باب الظنّ ، لا من باب الظنّ الشخصي.

وبعبارة اخرى : يحتمل اعتباره من باب الانسداد ، بأن يكون بناء العقلاء على الأخذ بالظنّ من جهة لزوم اختلال النظام بتركه ، لا من جهة أنّ ما ثبت يدوم.

ومن المعلوم أنّ الانسداد لا يجري في العقائد ، وذلك لإمكان الاعتقاد بالواقع.

١٢٢

ينشأ من تغيّر بعض ما يحتمل مدخليّته وجودا أو عدما في المستصحب.

نعم ، لو شكّ في نسخه أمكن دعوى الظنّ لو لم يكن احتمال النسخ ناشئا عن احتمال نسخ أصل الشريعة لا نسخ الحكم في تلك الشريعة ، أمّا الاحتمال الناشئ عن احتمال نسخ الشريعة فلا يحصل الظنّ بعدمه ، لأن نسخ الشرائع ، بخلاف نسخ الحكم في شريعة واحدة ،

____________________________________

وعلى فرض تسليم كفاية الظنّ في الاعتقاديات واعتبار الاستصحاب من باب الظنّ الشخصي لا ينفع ، وذلك لعدم حصوله في المقام ، كما في المتن ، واشار إلى وجه ذلك بقوله :

لأن الشكّ إنّما ينشأ من تغيّر بعض ما يحتمل مدخليّته وجودا أو عدما في المستصحب.

أمّا عدم الظنّ بالبقاء فيما إذا كان المستصحب ثابتا بالعقل ، فلما مرّ في جريان الاستصحاب وعدمه في الأحكام العقليّة من أنّه لا يعقل الشكّ في حكم العقل أصلا ؛ لأن العقل لا يحكم بشيء إلّا بعد إحراز موضوع الحكم بجميع ما له دخل فيه ، فإذا أحرزه كذلك يحكم قطعا ، وإلّا فلا يحكم قطعا ، فلا يتصوّر الشكّ فيما ثبت بالعقل حتى يستصحب.

وعلى فرض حصول الشكّ فيه ، فلا بدّ من أن يرجع الشكّ إلى الشكّ في الموضوع والمناط ، بسبب تغيّر ما يحتمل مدخليّته في الحكم ، ومع الشكّ في الموضوع والمناط لا يعقل حصول الظنّ بالبقاء.

وأمّا عدم حصول الظنّ بالبقاء فيما إذا كان المستصحب ثابتا بالنقل القطعي كالإجماع ونحوه ، فلأجل أنّ الدليل القطعي لا يمكن الشكّ في مدلوله إلّا إذا فرض الشكّ في موضوعه ، ومعه لا يحصل الظنّ بالبقاء.

نعم ، لو شكّ في نسخه ، أي : في نسخ حكم واحد ثابت بالنقل ، لعدم الشكّ في حكم ثابت بالعقل.

أمكن دعوى الظنّ لو لم يكن احتمال النسخ ناشئا عن احتمال نسخ أصل الشريعة ؛ لأن احتمال نسخ حكم من الشريعة مع بقاء أصل الشريعة احتمال ضعيف يحصل الظنّ بعدم النسخ وبقاء الحكم من الاستصحاب.

وأمّا لو كان احتمال النسخ بنسخ أصل الشريعة فلا يحصل الظنّ بعدم النسخ وبقاء

١٢٣

فإنّ الغالب بقاء الأحكام.

وممّا ذكرنا يظهر أنّه لو شكّ في نسخ أصل الشريعة ، لم يجز التمسّك بالاستصحاب لإثبات بقائها. مع أنّه لو سلّمنا حصول الظنّ فلا دليل على حجّيّته ـ حينئذ ـ لعدم مساعدة العقل عليه وإن انسدّ باب العلم لإمكان الاحتياط ، إلّا في ما لا يمكن ، والدليل النقلي الدالّ عليه

____________________________________

الحكم من الاستصحاب ؛ لأن نسخ أصل الشرائع شائع فلا يحصل الظنّ بالبقاء من الاستصحاب عند الشكّ في نسخها.

هذا بخلاف نسخ الحكم في شريعة واحدة ، فإنّ الغالب بقاء الأحكام فيها ، فيحصل الظنّ بالبقاء من الاستصحاب.

ويمكن أن يكون المراد من نسخ الحكم القطعي في غير أصول الدين حتى لا يرد ما قيل من عدم تصوّر النسخ في الحكم الثابت بالدليل القطعي في اصول الدين ، إلّا أنّ الاحتمال المذكور مردود بأحد وجهين :

أحدهما : مخالف لظاهر كلام المصنف قدس‌سره كما لا يخفى ؛ لأن الكلام كان في اصول الدين والأحكام الاعتقاديّة ، لا في الاحكام الفرعيّة.

وثانيهما : أنّ أصالة عدم النسخ غير داخلة في الاستصحاب ، بل هي من الاصول اللفظيّة.

وممّا ذكرنا من شيوع نسخ أصل الشرائع وعدم حصول الظنّ ببقائها عند الشّكّ يظهر أنّه لو شكّ في نسخ أصل الشريعة ، كالشكّ في بقاء شريعة موسى عليه‌السلام بعد ظهور مدّعي الشريعة الجديدة.

لم يجز التمسّك بالاستصحاب لإثبات بقائها ، وذلك لما مرّ من عدم حصول الظنّ بالبقاء عند احتمال نسخ أصل الشريعة.

مع أنّه لو سلّمنا حصول الظنّ فلا دليل على حجّيّته حينئذ ، أي : حين الشكّ في نسخ أصل الشريعة.

وذلك لعدم مساعدة العقل عليه وإن انسد باب العلم.

أي : لا يساعد العقل على اعتبار الظنّ الاستصحابي عند الانسداد على الفرض ، فضلا عن حال انفتاح باب العلم ، كما هو المفروض ، وذلك فإنّ احتمال نسخ الشريعة السابقة

١٢٤

لا يجدي ، لعدم ثبوت الشريعة السابقة ولا اللّاحقة.

فعلم ممّا ذكرنا أنّ ما يحكى من تمسّك بعض أهل الكتاب في مناظرة بعض الفضلاء السادة باستصحاب شرعه ، ممّا لا وجه له.

____________________________________

لا يكون إلّا من جهة وجود من يدّعي النبوّة والشريعة الجديدة.

فلا بدّ للمكلّف من الفحص عن حاله ، فإن أظهر المعجزة يقطع بنبوّته ، وبالتالي يحصل له القطع بنسخ الشريعة السابقة بشريعته ، وإن عجز عنها يقطع بعدمها وبعدم نسخ الشريعة السابقة.

وعلى التقديرين باب العلم مفتوح وليس منسدّا حتى يحتاج إلى العمل بالظنّ فالعقل ـ حينئذ ـ يحكم بلزوم تحصيل العلم.

وأمّا عدم مساعدة العقل على حجّيّة الظنّ عند الانسداد فلأحد وجهين :

الأوّل : لإمكان الاعتقاد بالواقع من دون حاجة إلى العمل بالظنّ.

والثاني : ما أشار إليه بقوله : لإمكان الاحتياط في العمل ، بأن يجمع بين تكاليف الشريعتين إلّا في ما لا يمكن الاحتياط لكثرة التكاليف ، فيأخذ بالظنّ بالبقاء ، كما في شرح الاعتمادي.

فالدليل العقلي لا يساعد على حجّيّة الظنّ حتى على فرض الانسداد ؛ لأن من جملة مقدّماته بطلان الاحتياط وهو محلّ للمنع في المقام ؛ لأن العلم الإجمالي بحقيّة إحدى الشريعتين يقتضي الاحتياط فيجب مع إمكانه ، وهو ممكن في غالب أحكام الشريعتين ، وفي ما لا يمكن الاحتياط كدوران الأمر بين المحذورين يتعيّن العمل بالظنّ.

والدليل النقلي الدالّ عليه لا يجدي ، لعدم ثبوت الشريعة السابقة ولا اللّاحقة بالاستصحاب الذي اخذ من إحداهما فقط ، كما لا يخفى ، لكون الاستدلال به على ثبوت كلّ واحدة منهما مع فرض أخذ الاستصحاب من إحداهما مستلزما للدور.

فعلم ممّا ذكرنا أنّ ما يحكى من تمسّك بعض أهل الكتاب في مناظرة بعض الفضلاء السادة.

قيل : إنّه السيّد محسن الكاظمي قدس‌سره وقيل إنّه السيّد باقر القزويني قدس‌سره ، قد وقعت المناظرة بينه وبين عالم يهودي في قرية تسمّى بذي الكفل الواقعة في قرب النجف الأشرف ،

١٢٥

إلّا أن يريد جعل البيّنة على المسلمين في دعوى الشريعة الناسخة ، إمّا لدفع كلفة الاستدلال عن نفسه ، وإمّا لإبطال دعوى المدّعي ، بناء على أنّ مدّعي الدين الجديد ـ

____________________________________

والسيّد المذكور وإن كان قد أجاب عن تمسّك الكتابي بما ألزمه وأفحمه إلّا أنّه لم يرض بما أجاب به عن الاستصحاب الذي تمسّك به ، بل أورد على الجواب بأنّ موسى بن عمران ادّعى النبوّة واعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته ، فعلى المسلمين إثبات نسخ نبوّته.

وكيف كان ، فما حكي من تمسّك الكتابي باستصحاب شرعه ، ممّا لا وجه له ، وذلك لما مرّ من عدم جريان الاستصحاب في وجوب الاعتقاد بعد زوال الاعتقاد ، على تقدير كون اعتباره من باب الأخبار ، وعدم كفاية الظنّ في اصول الدين على تقدير اعتباره من باب الظنّ.

ثمّ تعبير المصنف باستصحاب الشرع لا يخلو عن مسامحة ؛ لأن المعروف هو استصحاب النبوّة السابقة ، ومن المعلوم أنّ شرع كلّ نبيّ غير النبوّة القائمة به ، فإنّ الشرع عبارة عن الأحكام التي جاء بها اعتقاديّة كانت أو عمليّة ، وكيف كان فالاستصحاب في كلّ منهما محلّ للمنع.

إلّا أن يريد جعل البيّنة على المسلمين في دعوى الشريعة الناسخة.

بأن يقال : إنّ غرض الكتابي من التمسّك بالاستصحاب هو مجرّد بيان كونه منكرا ، لكون قوله مطابقا للأصل ، فيكون المسلم مدّعيا وعلى المدّعي الإثبات.

وإنّما صنع هكذا إمّا لدفع كلفة الاستدلال عن نفسه.

ومن المعلوم أنّ الاستدلال بالاستصحاب للغرض المذكور إنّما يصحّ.

أوّلا : فيما إذا كان قوله موافقا للأصل الصحيح ، وقد عرفت أنّ الأصل في المقام فاسد ، ومعلوم أنّ موافقة القول للأصل الفاسد لا تجدي في كون القائل منكرا.

وثانيا : فيما لا يكون مدّعي البقاء محتاجا إلى الدليل ، وسيأتي منه قدس‌سره أنّ مدّعي البقاء في مثل المسألة محتاج إلى الدليل كمدّعي الارتفاع ، فلا يصحّ ـ حينئذ ـ التمسّك بالاستصحاب لدفع كلفة الاستدلال.

وإمّا لإبطال دعوى المدّعي ، بناء على أنّ مدّعي الدين الجديد ـ كمدّعي النبوّة ـ يحتاج

١٢٦

كمدّعي النبوّة ـ يحتاج إلى برهان قاطع. فعدم الدليل القاطع للعذر على الدين الجديد كالنبي الجديد دليل قطعي على عدمه بحكم العادة ، بل العقل ، فغرض الكتابيّ إثبات حقيّة دينه بأسهل الوجهين.

____________________________________

إلى برهان قاطع. فعدم الدليل القاطع للعذر على الدين الجديد كالنبيّ الجديد دليل قطعي على عدمه بحكم العادة ، بل العقل.

فإنّ العقل يرى ثبوت الدين الجديد كأصل النبوّة محتاجا إلى البرهان القاطع ، ومع عدم البرهان القاطع يحكم على العدم.

إلّا أن يقال بالفرق بين دعوى النبوّة ودعوى الدين الجديد ، بأنّ مدّعي النبوّة يجب عليه الإتيان بالمعجزة ، فإن عجز يقطع بكذبه بخلاف مدّعي الدين الجديد ، حيث لا يجب عليه إقامة البرهان في ردّ المخالف فضلا عن الإتيان بالمعجزة ، بل عليه التمسّك ولو بدليل إجمالي لحقيّة دينه هذا أوّلا.

وثانيا : إنّ عجز مدّعي الدين الجديد عن إثبات دينه الجديد بالبرهان لا يدلّ على الفساد بخلاف مدّعي النبوّة ، حيث يدّل عجزه عن الإتيان بالمعجزة على الفساد.

وكيف كان فغرض الكتابي إثبات حقيّة دينه بأسهل الوجهين.

أي : جعل إقامة البرهان على المسلمين ؛ لأن إثباتها بإقامة البرهان كان صعبا عليه.

وقبل الدخول في ما ذكره المصنف قدس‌سره من الأجوبة عن استصحاب الكتابي نذكر ملخّص ما أفاده السيّد الاستاذ في هذا المقام ، حيث قال :

وتفصيل الكلام في المقام أنّ استدلال الكتابي لا يخلو من وجهين : فإمّا أن يكون استدلاله لمعذوريّته في البقاء على اليهوديّة ، وإمّا أن يكون لإلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة.

فإن كان مراده الأوّل ، فنقول له : أنت شاك في بقاء نبوّة نبيّك أم لا؟

فإن اختار الثاني ، فلا معنى للاستصحاب ـ وهو ظاهر ـ وإن اختار الأوّل ، فنقول له : لا بدّ لك من الفحص ، فإنّ النبوّة ليست بأقلّ من الفروع التي يتوقّف جريان الاستصحاب فيها على الفحص ، وبعد الفحص يصل إلى الحقّ ويزول الشّك عنه.

ومع فرض بقاء شكّه لا فائدة في الاستصحاب ، لكون النبوّة من الامور التي تجب

١٢٧

____________________________________

المعرفة بها ، فليست قابلة للتعبّد الاستصحابي. ومع فرض كفاية الظنّ فيها نقول : الاستصحاب لا يفيد الظنّ أوّلا ، ولا دليل على حجيّة الظنّ الحاصل منه ثانيا.

هذا كلّه في استصحاب النبوّة. وأمّا استصحاب بقاء أحكام الشريعة السابقة فغير جار ـ أيضا ـ إذ نقول له : إن كنت متيقّنا على بقاء أحكام الشريعة السابقة فلا معنى للاستصحاب ـ وهو واضح ـ وإن كنت شاكّا فلا بدّ من الفحص ـ كما تقدّم ـ وعلى فرض الفحص وبقاء الشكّ لا يجري الاستصحاب الّا فيما إذا ثبت حجّيّة الاستصحاب في الشريعتين.

لأنّه إن كان الاستصحاب حجّة في الشريعة السابقة فقط لا يمكن التمسّك بالاستصحاب لبقاء أحكام الشريعة السابقة ، إذ حجّيّة الاستصحاب من جملة تلك الأحكام ، فيلزم التمسّك به لإثبات بقاء نفسه ، وهو دور ظاهر.

وإن كان الاستصحاب حجّة في الشريعة اللّاحقة فقط ، فصحّة التمسّك بالاستصحاب ـ لإثبات بقاء أحكام الشريعة السابقة ـ فرع حقيّة الشريعة اللّاحقة ، وبعد الالتزام بحقيّته لم يبق مجال للاستصحاب ، لليقين بارتفاع أحكام الشريعة السابقة حينئذ. هذا تمام الكلام فيما اذا كان استدلاله لمعذوريّته في البقاء على اليهوديّة.

وإن كان مراده الثاني ، أي : كان استدلاله لإلزام المسلمين ودعوتهم إلى اليهوديّة فنقول له : جريان الاستصحاب متوقّف على اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء ، وليس لنا يقين بنبوّة موسى إلّا من طريق شريعتنا ، فإنّ التواتر لم يتحقّق في جميع الطبقات من زمان موسى إلى زماننا هذا ، والتوراة الموجودة عند اليهود ليس هو الكتاب المنزّل من الله سبحانه على موسى ، ومن راجعه يجد فيه ما يوجب العلم بعدم كونه من عند الله من نسبة الزنا والفواحش إلى الأنبياء.

نعم ، لنا علم بنبوّة موسى لإخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بنبوّته ، فتصديقه يوجب التصديق بنبوّته ، وهذا الاعتراف من المسلمين لا يضرّهم ، ولا يوجب جريان الاستصحاب في حقّهم كما هو ظاهر.

والحاصل أنّه ليس لنا علم بنبوّة موسى إلّا باخبار نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو كما يخبر بها يخبر بارتفاعها ، فلا مجال للاستصحاب ، ومع فرض حصول اليقين من غير هذا الطريق ليس لنا

١٢٨

ثمّ إنّه قد اجيب عن استصحاب الكتابي المذكور بأجوبة :

منها : ما حكي عن بعض الفضلاء المناظرين له ، وهو إنّا نؤمن ونعترف بنبوّة كلّ من موسى وعيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونكفر بنبوّة كلّ من لم يقرّ بذلك (١). وهذا مضمون ما ذكره مولانا الرضا عليه‌السلام في جواب الجاثليق.

وهذا الجواب بظاهره مخدوش بما عن الكتابي ، من أنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم شخص واحد وجزئي حقيقي ، اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته ، فعلى المسلمين نسخها. وأمّا ما ذكره الإمام عليه‌السلام فلعلّه أراد به غير ظاهره ، بقرينة ظاهرة بينه وبين الجاثليق.

____________________________________

شكّ في بقائها ، بل نعلم بارتفاعها ، فإنّ المسلم لا يكون مسلما مع الشكّ في بقاء نبوّة موسى أو عيسى ، فلا يمكن للكتابي إلزام المسلم باستصحاب النبوّة لعدم تماميّة أركانه من اليقين والشكّ. انتهى مورد الحاجة من كلامه دام ظلّه.

ثمّ إنّه قد اجيب عن استصحاب الكتابي المذكور بأجوبة : وعمدتها ما تقدّم وعرفت.

وثانيها : ما أشار إليه بقوله :

منها : ما حكي عن بعض الفضلاء المناظرين له.

أي : السيّد باقر القزويني قدس‌سره حيث كان من المناظرين للكتابي حيث قال في الجواب :

إنّا نؤمن ونعترف بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونكفر بنبوّة كلّ من لم يقرّ بذلك.

فالمتيقّن السابق هو نبوّة نبي أقرّ بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فبظهوره ترتفع نبوّته بحسب إقراره فلا معنى للاستصحاب أصلا.

وهذا مضمون ما ذكره مولانا الرضا عليه‌السلام في جواب الجاثليق من أنّا معترفون بنبوّة كلّ موسى وعيسى أقرّ بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وننكر نبوّة كلّ من لم يقرّ بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله. إلّا أنّ المصنف قدس‌سره لم يرض بهذا الجواب ، كما أشار إليه بقوله :

وهذا الجواب بظاهره مخدوش بما عن الكتابي ، من أنّ موسى بن عمران أو عيسى بن مريم شخص واحد وجزئي حقيقي ، اعترف المسلمون وأهل الكتاب بنبوّته ، فعلى المسلمين

__________________

(١) عيون الأخبار ١ : ١٥٧ / ١.

١٢٩

وسيأتي ما يمكن أن يؤوّل به.

ومنها : ما ذكره بعض المعاصرين ، من : «أنّ استصحاب النبوّة معارض باستصحاب عدمها ، الثابت قبل حدوث أصل النبوّة» بناء على أصل فاسد تقدّم حكايته عنه ، وهو أنّ

____________________________________

نسخها.

أي : إثبات نسخ تلك النبوّة التي اعترفوا بها ، فلا معنى لجعل موسى أو عيسى كلّيّا منقسما إلى قسمين : قسم أقرّ بنبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله فنحن مؤمنون به ، وقسم لم يقرّ بها فنحن كافرون به ، فالجواب المذكور مبنيّ على أن يكون موسى كلّيّا ، وليس الأمر كذلك.

قوله : وأمّا ما ذكره الامام عليه‌السلام فلعلّه أراد به غير ظاهره ، بقرينة ظاهرة بينه وبين الجاثليق دفع لما يتوهّم من أنّ ردّ الجواب المذكور مستلزم لعدم صحّة ما أجاب به الإمام عن احتجاج الجاثليق بالاستصحاب.

وحاصل الدفع أنّ الخدشة المذكورة متوجّهة إلى ظاهر كلام الإمام عليه‌السلام إلّا أنّ الإمام لعلّ أراد به غير ظاهره ، وقد فهمه الجاثليق بقرينة بينهما.

والمستفاد من تقرير سيّدنا الاستاذ في خصوص مضمون كلام الإمام عليه‌السلام ، هو أنّ المحتمل من الحديث ـ المتضمّن للجواب ـ الاعتراف بنبوّة موسى التي أخبر بها نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن المعلوم أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بنبوّة موسى بن عمران الذي أقرّ بنبوّة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيكون جزئيّا وترتفع نبوّته بعد ظهور نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله بحسب اعترافه ، فلا يبقى مجال للاستصحاب.

ولا يردّ على الجواب المذكور ما ذكره المصنف قدس‌سره من أنّ موسى بن عمران ليس كلّيّا حتى يصحّ الجواب المذكور.

ويأتي هذا التأويل في كلام المصنف قدس‌سره كما أشار إليه بقوله : وسيأتي ما يمكن أن يؤوّل به.

وثالثها : ما أشار إليه بقوله :

ومنها : ما ذكره بعض المعاصرين وهو الفاضل النراقي في المناهج ، من : أنّ استصحاب النبوّة معارض باستصحاب عدمها ، الثابت قبل حدوث أصل النبوّة.

وذلك على ما في شرح الاعتمادي أنّ نبوّة موسى عليه‌السلام مثلا لم تكن موجودة في زمان ثمّ وجدت في زمان ، ثمّ شكّ فيها في زمان ثالث ، فهنا شكّ ويقينان ، فاستصحاب نبوّته

١٣٠

الحكم الشرعي الموجود يقتصر فيه على القدر المتيقّن ، وبعده يتعارض استصحاب وجوده واستصحاب عدمه.

وقد أوضحنا فساده بما لا مزيد عليه.

ومنها : ما ذكره في القوانين ، بانيا له على ما تقدّم منه في الأمر الأوّل من :

«أنّ الاستصحاب مشروط بمعرفة استعداد المستصحب ، فلا يجوز استصحاب حياة الحيوان المردّد بين حيوانين مختلفين في الاستعداد ، بعد انقضاء مدّة استعداد أقلّهما استعدادا ـ قال ـ : إنّ موضوع الاستصحاب لا بدّ أن يكون متعيّنا حتى يجري على منواله ، ولم يتعيّن

____________________________________

الثابتة في زمان معارض باستصحاب عدمها الثابت قبل ذلك. وما ذكره الفاضل النراقي من التعارض مبني على أصل فاسد ، أشار إليه بقوله :

بناء على أصل فاسد تقدّم حكايته عنه ، وهو أنّ الحكم الشرعي الموجود يقتصر فيه على القدر المتيقّن وهو نبوّة موسى عليه‌السلام مثلا ، من زمان دعوى النبوّة إلى زمن ظهور مدّع آخر.

وبعده يتعارض استصحاب وجوده واستصحاب عدمه ، ولأجل هذا التوهّم خصّ صحّة الاستصحاب بالموضوعات الخارجيّة كالحياة والرطوبة ، كما في شرح الاعتمادي. وقد أوضحنا فساده بما لا مزيد عليه.

حيث قلنا بأنّ العبرة إنّما هي باليقين المتّصل بالشكّ ، فيجري ـ حينئذ ـ استصحاب النبوّة دون عدمها لو لا مانع آخر عنه.

ورابع الأجوبة ما أشار إليه بقوله : ومنها : ما ذكره في القوانين ، بانيا له على ما تقدّم منه في الأمر الأوّل عند التعرّض للقسم الثاني من استصحاب الكلّي من : أنّ الاستصحاب مشروط بمعرفة استعداد المستصحب ، فلا يجوز استصحاب حياة الحيوان المردّد بين حيوانين مختلفين في الاستعداد ، بعد انقضاء مدّة استعداد أقلّهما استعدادا.

وهذا الملاك بعينه موجود في استصحاب النبوّة ، ولهذا بنى على منع استصحاب النبوّة على ما تقدّم من منع استصحاب الحيوان المردّد ... إلى آخره.

وعند التكلّم في مسألة استصحاب الاعتقاديّات ومنع استصحاب النبوّة قال : إنّ موضوع الاستصحاب لا بدّ أن يكون متعيّنا حتى يجري على منواله ، ولم يتعيّن هنا إلّا النبوّة

١٣١

هنا إلّا النبوّة في الجملة ، وهي كلّيّ من حيث إنّها قابلة للنبوّة إلى آخر الأبد ، بأن يقول الله جلّ ذكره ، لموسى عليه‌السلام : «أنت نبيّ وصاحب دين إلى آخر الأبد» ولأن يكون إلى زمان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن يكون غيره مغيّا بغاية ، بأن يقول : «أنت نبيّ» بدون أحد القيدين ، فعلى الخصم أن يثبت إمّا التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد أو الإطلاق ، ولا سبيل إلى الأوّل ، مع أنّه يخرج عن الاستصحاب ، ولا إلى الثاني ، لأن الإطلاق في معنى القيد ، فلا بدّ من إثباته.

ومن المعلوم أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة ، والذي يمكن استصحابه هو الثاني دون

____________________________________

في الجملة ، وهي كلّيّ من حيث إنّها قابلة للنبوّة إلى آخر الأبد ، بأن يقول الله جلّ ذكره ، لموسى عليه‌السلام : «أنت نبيّ وصاحب دين إلى آخر الأبد» ، ولأن يكون إلى زمان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأن يكون غيره مغيّا بغاية ، بأن يقول : «أنت نبيّ» بدون أحد القيدين ، فعلى الخصم أن يثبت إمّا التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد.

ولو بالاستصحاب ، بناء على أنّ المستصحب يعرف استعداده للبقاء بالاستصحاب ، فيصحّ حينئذ الاستصحاب.

أو الإطلاق ؛ لأن المراد بالإطلاق في كلّ شريعة هو الاستمرار والبقاء بحكم الاستقراء ، فيعرّف به استعداده للبقاء.

ولا سبيل إلى الأوّل ، مع أنّه يخرج عن الاستصحاب.

إذ الاستصحاب لا يعدّ تصريحا بالامتداد والبقاء إلى الأبد ، فلا بدّ من التصريح بالامتداد إلى الأبد بغير الاستصحاب.

ومن المعلوم أنّه مع التصريح بغيره لا حاجة إلى الاستصحاب.

ولا (إلى الثاني) ؛ لأن الإطلاق في معنى القيد ، فلا بدّ من إثباته.

أي : الإطلاق حتى تثبت به النبوّة المطلقة ، إذ كما أنّ النبوّة المؤبدة تحتاج إلى الإثبات ، كذلك النبوّة المطلقة ، ولا طريق الى إثبات شيء منهما حتى يصحّ الاستصحاب ، وقد أشار إلى عدم الطريق لإثبات النبوّة المطلقة بقوله :

ومن المعلوم أنّ مطلق النبوّة غير النبوّة المطلقة وما هو المتيقّن سابقا هو الأول ، أعني : مطلق النبوّة المردّدة بين المؤبّدة والمؤقتة ، دون الثاني ، أعني : النبوّة المطلقة.

والذي يمكن استصحابه هو الثاني دون الأوّل ، إذ الكلّيّ المردّد بين ما هو مستعد

١٣٢

الأوّل ، إذ الكلّيّ لا يمكن استصحابه إلّا بما يمكن من بقاء أقلّ أفراده». انتهى موضع الحاجة ، وفيه :

أوّلا : ما تقدّم من عدم توقّف جريان الاستصحاب على إحراز استعداد المستصحب.

وثانيا : أنّ ما ذكره ـ من أنّ الإطلاق غير ثابت ، لأنه في معنى القيد ـ غير صحيح ، لأنّ

____________________________________

للبقاء وبين غيره لا يمكن استصحابه إلّا بما يمكن من بقاء أقلّ أفراده.

وحاصل الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ المتيقّن السابق ـ أعني : النبوّة ـ أمر مجمل وكلّي مردّد بين ما هو مقطوع الارتفاع والزوال ، أعني : النبوّة إلى زمن محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما هو مقطوع البقاء ، أعني : النبوّة المؤبّدة ، وما هو مستعدّ للبقاء بحسب الاستقراء ، أعني : النبوّة المطلقة.

وحينئذ فاستعداده للبقاء غير محرز ومعه لا يجري الاستصحاب ، نعم ، لو تمكّن الكتابي من إثبات أنّه تعالى قال : أنت نبيّ أبدا أو أنت نبيّ مطلقا ، يعرف الاستعداد فيصحّ الاستصحاب ، وأنّى له بإثباتهما بل الثابت هو كلّي النبوّة من دون إحراز استعداد بقائه ، فلا يجري الاستصحاب.

انتهى موضع الحاجة من كلام المحقّق القمّي قدس‌سره.

وفيه : (أوّلا) ما تقدّم من عدم توقّف جريان الاستصحاب على إحراز استعداد المستصحب على مذهب المحقّق القمّي قدس‌سره ؛ لكونه ممّن يقول بحجّيّة الاستصحاب مطلقا ، أعني : في صورتي الشكّ في المقتضي والرافع.

وما ذكره يقتضي كونه حجّة في الشكّ في الرافع فقط ، وهو خلاف مذهبه ومذهب المشهور حيث عمّموا اعتباره بموارد الشكّ في المقتضي أيضا ، فهذا الإيراد من المصنف قدس‌سره مبنيّ على مذهب المحقّق القمّي قدس‌سره ، فيكون إلزاميّا.

إلّا أن يقال بأنّ المحقّق القمّي قدس‌سره قال بتجويز الاستصحاب في بعض أقسام الشكّ في المقتضي ، وهو ما إذا أحرز مقدار الاستعداد وشكّ في انقراضه ، كوجوب صوم رمضان مثلا ، فعليه أن يلتزم بعدم جواز الاستصحاب فيما لم يحرز الاستعداد من أقسام الشكّ في المقتضي كالمقام مثلا.

(وثانيا) أنّ ما ذكره ـ من أنّ الإطلاق غير ثابت ، لأنّه في معنى القيد ـ غير صحيح ، لأنّ

١٣٣

عدم التقييد مطابق للأصل.

نعم ، المخالف للأصل الإطلاق ـ بمعنى العموم ـ الراجع إلى الدوام.

____________________________________

عدم التقييد مطابق للأصل.

وحاصل الكلام في الجواب الثاني عن المحقّق القمّي قدس‌سره على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ المحقّق القمّي قدس‌سره قال بصحّة الاستصحاب في الصورتين ـ أعني : كون النبوّة مؤبّدة ـ بأن يقول تعالى : أنت نبيّ إلى الأبد ، وكونها مطلقة بأن يقول تعالى : أنت نبيّ على نحو الإطلاق ، أعني : من دون تقييد بقيد أصلا.

ثمّ قال : وهما يحتاجان إلى الإثبات ولا سبيل إلى إثباتهما للكتابي حتى يصحّ الاستصحاب ، فأجاب عنه المصنّف قدس‌سره ثانيا بأنّ الفرض الأوّل ـ أعني : النبوّة المؤبّدة ـ محتاج إلى الإثبات دون الفرض الثاني ـ أعني : الإطلاق ـ لأن الإطلاق بمعنى عدم التقييد مطابق للأصل ، أعني : أصالة الإطلاق وعدم التقييد.

ومن المعلوم أنّ الأمر المطابق للأصل لا يحتاج إلى الإثبات ، فما ذكره القمّي قدس‌سره من أنّه لا سبيل إلى الأوّل ـ أعني : امتداد النبوّة إلى الأبد ـ صحيح إلّا أنّ ما ذكره من عدم السبيل إلى الثاني غير صحيح ؛ لأنّ الثاني لا يحتاج إلى الإثبات حتى يقال بأنّه ممّا لا سبيل إليه ، بل الأصل كاف في ثبوته.

إلّا أن يقال : بأنّ أصالة الإطلاق إنّما تجري فيما إذا كان هناك كلام مطلق كأعتق رقبة ، وشكّ في وجود قيد له لم يصل إلينا ، دون ما إذا علم إجمالا بالمطلق وغيره بأن لم يحرز الإطلاق ، بل كان من أطراف العلم الإجمالي كالمقام ، حيث علم إجمالا بنبوّة موسى مردّدة بين المؤبّدة والمؤقّتة والمطلقة.

فحينئذ تكون أصالة عدم حدوث المقيّد معارضة بأصالة عدم حدوث المطلق ، ولذا قال القمّي : بأنّ الإطلاق يحتاج إلى الإثبات ولا سبيل إليه.

نعم ، المخالف للأصل الإطلاق ـ بمعنى العموم ـ الراجع إلى الدوام.

أي : ما هو المخالف للأصل هو الإطلاق بمعنى العموم والدوام ، فيحتاج إلى البيان دون الإطلاق بمعنى عدم ذكر القيد حيث يكون مطابقا للأصل ، فلا يحتاج إلى البيان.

وبعبارة اخرى : إنّ للإطلاق معنيين : أحدهما ما هو مطابق للأصل ، فلا يحتاج إلى

١٣٤

والحاصل : أنّ هنا في الواقع ونفس الأمر نبوّة مستدامة إلى آخر الأبد ونبوّة مغيّاة إلى وقت خاص ، ولا ثالث لهما في الواقع).

فالنبوّة المطلقة بمعنى غير المقيّدة ومطلق النبوّة ، سيّان في التردّد بين الاستمرار والتوقيت ، فلا وجه الإجراء الاستصحاب على أحدهما دون الآخر.

____________________________________

الإثبات والبيان ، وهو الإطلاق بمعنى مجرّد عدم ذكر القيد ، وثانيهما ما هو المخالف للأصل ، فيحتاج إلى الإثبات والبيان ، وهو الإطلاق بمعنى الشيوع والعموم والدوام.

إلّا أنّ مراد المحقّق القمّي قدس‌سره من النبوّة المطلقة بالإطلاق بالمعنى الأوّل بقرينة جعلها قبالا للمؤقتة والمؤبّدة.

والحاصل : أنّ هنا في الواقع ونفس الأمر نبوّة مستدامة إلى آخر الأبد ونبوّة مغيّاة إلى وقت خاص ، ولا ثالث لهما في الواقع.

وكلام المصنّف قدس‌سره في الحاصل إشارة إلى الجواب الآخر أو الردّ الثاني لكلام المحقّق القمّي قدس‌سره ، وهذا الردّ يرجع إلى ما تقدّم في كلام القمّي قدس‌سره من الفرق بين النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة بجريان الاستصحاب في الأوّل دون الثاني ، فيردّ المصنف قدس‌سره هذا الفرق بما ملخّصه :

من أنّ النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة سيّان من حيث التردّد بين الاستمرار والتوقيت ، فلا وجه حينئذ بما ذكره القمّي قدس‌سره من الالتزام بجريان الاستصحاب على الأوّل دون الثاني.

فكلام المصنف قدس‌سره مشتمل على الجوابين أو الإيرادين : أحدهما أنّ الإطلاق على طبق الأصل فلا يحتاج إلى الإثبات ، وثانيهما عدم الفرق بين النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة.

وحاصل الإيرادين أنّ الكلام المشتمل على تعيين نبوّة نبيّ من الأنبياء تارة يلاحظ بالنسبة إلى الواقع ونفس الأمر ، واخرى بالنسبة إلى الظاهر وعالم البيان لأفراد الإنسان.

أمّا على الأوّل ، فهو لا يخلو عن الأمرين ـ أعني المؤقت أو الدائم ـ وذلك لعدم تعقّل أمر ثالث بعد استحالة الإهمال بالنسبة إلى الواقع ، فلا يتصوّر ـ حينئذ ـ الإطلاق حتى يقال بأنّه لا سبيل لإثبات ذلك.

وأمّا على الثاني ، فيمكن التثليث بأن يدور أمر النبوّة بين المؤبّد والمؤقت والمطلق ، كما

١٣٥

إلّا أن يريد بقرينة ما ذكره بعد ذلك ـ من أنّ المراد من مطلقات كلّ شريعة بحكم الاستقراء : الدوام والاستمرار إلى أن يثبت الرافع ـ : أنّ المطلق في حكم الاستمرار ، فالشكّ فيه شكّ في الرافع بخلاف مطلق النبوّة ، فإنّ استعداده غير محرز عند الشكّ ، فهو من قبيل الحيوان المردّد بين مختلفي الاستعداد.

وثالثا : أنّ ما ذكره منقوض بالاستصحاب في الأحكام الشرعيّة ، لجريان ما ذكر في كثير

____________________________________

هو المفروض في كلام المحقّق القمّي قدس‌سره إلّا أنّ حكمه بعدم سبيل لإثبات الإطلاق غير صحيح ، لما ذكرناه من جواز إثبات الإطلاق الذي هو عبارة عن عدم التقييد بالأصل ، لكون عدم التقييد مطابقا للأصل.

أو يقال : بأنّ حكمه بالفرق بين النبوّة المطلقة ومطلق النبوّة بجريان الاستصحاب في الأوّل دون الثاني غير صحيح ، بل هما سيّان في التردّد بين الاستمرار والتوقيت بحسب الواقع ، فكيف يقال بجريان الاستصحاب في الفرض الأوّل دون الثاني؟!.

إلّا أن يريد بقرينة ما ذكره بعد ذلك ـ من أنّ المراد من مطلقات كلّ شريعة بحكم الاستقراء : الدوام والاستمرار إلى أن يثبت الرافع.

يعني : يريد أنّ المطلق في حكم الاستمرار ، فالشكّ فيه شكّ في الرافع بخلاف مطلق النبوّة ، فإنّ استعداده غير محرز عند الشكّ ، فهو من قبيل الحيوان المردّد بين مختلفي الاستعداد في عدم جريان الاستصحاب.

وحاصل الجواب عن جانب القمّي قدس‌سره على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّه إنّما يجوز الاستصحاب في فرض ثبوت النبوّة المطلقة ـ أعني : قوله (تعالى) : أنت نبيّ ـ من جهة أنّ مطلقات كلّ شريعة مستعدّة للبقاء بحكم الاستقراء ، فيجري الاستصحاب بخلاف مطلق النبوّة ، فإنّ الاستعداد فيه غير محرز.

فالأولى في الجواب ما ذكر أوّلا من عدم لزوم إحراز الاستعداد ، لا ما ذكر ثانيا من أنّ النبوّة المطلقة مطابقة للأصل ، فلا يحتاج إلى الإثبات حتى يقال بأنّه لا سبيل إلى الإثبات.

وثالثا : أنّ ما ذكره من عدم صحّة استصحاب النبوّة لعدم إحراز مقدار استعدادها للبقاء كما في شرح الاعتمادي منقوض بالاستصحاب في الأحكام الشرعيّة ، لجريان كثير

١٣٦

منها ، بل في أكثرها.

وقد تفطّن لورود هذا عليه ودفعه بما لا يندفع به فقال : «إنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت له حدّ ليست بآنيّة ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن وأنّ الشارع اكتفى فيما ورد عنه مطلقا في استمراره. فإنّ من تتبّع أكثر الموارد واستقرأها يحصل الظنّ القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هو الاستمرار.

ويظهر من الخارج أنّه أراد الاستمرار إلى أن يثبت الرافع من دليل عقليّ أو نقليّ».

____________________________________

منها ، أي : من الامور التي تكون مانعة عن استصحاب النبوّة ، كعدم إحراز الاستعداد مثلا أو كون الشكّ شكّا في المقتضي.

فكثير هذه الامور بل أكثرها يجري في الأحكام الشرعيّة ، إذ في أكثر موارد استصحاب الحكم يكون الشكّ فيه من جهة المقتضي ، كاستصحاب نجاسة الماء بعد زوال تغيّره مثلا ، ومقتضى ذلك عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة في موارد الشكّ من جهة المقتضي ، مع أنّه مخالف لمذهب المحقّق القمّي قدس‌سره لكونه ممّن يقول بحجّيّة الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة ، حتى في موارد الشكّ من جهة المقتضي.

وقد تفطّن لورود هذا عليه ودفعه بما لا يندفع به فقال : إنّ التتبّع والاستقراء يحكمان بأنّ غالب الأحكام الشرعيّة في غير ما ثبت له حدّ كالمؤقّت ليست بآنيّة ، ولا محدودة إلى حدّ معيّن ، كاليوم أو الشهر أو السنة أو غيرها.

وأنّ الشارع اكتفى فيما ورد عنه مطلقا في استمراره.

بمعنى أنّ الشارع اكتفى في حكمه بالاستمرار بالإطلاق ، فاريد الاستمرار بمطلقات الشرع. كما أشار إليه بقوله :

فإنّ من تتبّع أكثر الموارد واستقرأها يحصل الظنّ القويّ بأنّ مراده من تلك المطلقات هو الاستمرار.

بل وجدنا في الشريعة مطلقات كثيرة في أبواب مختلفة كباب الأحداث والأخباث والطهارات ، والزوجيّة ، والملكيّة ، وغيرها ، يراد بها الاستمرار ، وعلمنا من الخارج بالتّتبّع والاستقراء أنّ المراد منها هو الاستمرار حتى يثبت الرافع الشرعي كرفع الطهارة بالبول مثلا ، أو العقلي كرفع الزوجيّة والملكيّة بالموت مثلا ، كما أشار إليه بقوله :

١٣٧

انتهى ، ولا يخفى ما فيه :

أمّا أوّلا : فلأنّ مورد النقض لا يختصّ بما شكّ في رفع الحكم الشرعيّ الكلّيّ ، بل قد يكون الشكّ لتبدّل ما يحتمل مدخليّته في بقاء الحكم ، كتغيّر الماء للنجاسة.

وأمّا ثانيا : فلأن الشكّ في رفع الحكم الشرعيّ إنّما هو بحسب ظاهر دليله الظاهر في الاستمرار بنفسه أو بمعونة القرائن.

____________________________________

ويظهر من الخارج أنّه أراد الاستمرار إلى أن يثبت الرافع ، فيصحّ ـ حينئذ ـ الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة لإحراز الاستعداد فيها بالمطلقات التي اريد بها الاستمرار. انتهى كلام المحقّق القمّي قدس‌سره.

ولا يخفى ما فيه : أمّا أوّلا ، فلأنّ مورد النقض لا يختصّ بما شكّ في رفع الحكم الشرعيّ الكلّيّ ، بل قد يكون الشكّ لتبدّل ما يحتمل مدخليّته في بقاء الحكم ، كتغيّر الماء للنجاسة.

وحاصل إيراد المصنف الأوّل على المحقّق القمّي قدس‌سره على ما في شرح الاعتمادي أنّ ما ذكره القمّي قدس‌سره من أنّ الاستقراء أوجب الاطمئنان باستمرار المطلقات إلى حصول الرافع ، إنّما يتمّ في المطلق الذي يشكّ في بقائه لاحتمال كونه آنيّا ، كالخيار ، أو مؤقّتا ، كجواز الرجوع في الهبة.

حيث يحتمل رفع الأوّل بمضيّ أوّل زمن العلم بالعيب ، ورفع الثاني ، أعني : جواز الرجوع في الهبة بالتصرّف ، فإنّه يحكم باستمرار الحكم بمقتضى الإطلاق ، ولا يتمّ فيما يشكّ في بقائه من جهة حصول تغيّر في الموضوع ، كزوال تغيّر الماء النجس مثلا ، فإنّ الشكّ فيه ليس من جهة احتمال كون الحكم آنيّا أو مؤقّتا حتى يحكم باستمراره بالاستقراء ، ثمّ يقال بجريان الاستصحاب.

وبالجملة ، إنّ ما أجاب به المحقّق القمّي قدس‌سره لا يشمل جميع موارد الشكّ في بقاء الحكم الشرعي ، إذ لا يتمّ فيما إذا كان الشكّ في البقاء من جهة حصول تغيّر في الموضوع ، كما عرفت ، إلّا أن يقال بأنّ المحقّق القمّي قدس‌سره يلتزم بعدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشكّ في البقاء من جهة تغيّر في موضوع الحكم ، فحينئذ لا يتوجّه ما ذكره المصنف قدس‌سره من الإيراد عليه.

وأمّا ثانيا ، فلأن الشكّ في رفع الحكم الشرعيّ إنّما هو بحسب ظاهر دليله الظاهر في

١٣٨

مثل الاستقراء الذي ذكره في المطلقات ، لكنّ الحكم الشرعيّ الكلّيّ في الحقيقة إنّما يرتفع بتمام استعداده حتى في النسخ ، فضلا عن نحو الخيار المردّد بين كونه على الفور أو التراخي. والنسخ أيضا رفع صوريّ وحقيقة انتهاء استعداد الحكم. فالشكّ في بقاء الحكم الشرعيّ لا يكون إلّا من جهة الشكّ في مقدار استعداده ، نظير الحيوان المجهول استعداده.

____________________________________

الاستمرار بنفسه ، كأن يقول الشارع بالفرض : النكاح يوجب الحلّيّة المستمرة لا ترفع إلّا بالطلاق ، فالشكّ في وقوع الطلاق بمثل أنت خليّة يسمّى بالشكّ في الرافع ، لظهور الدليل بنفسه في الاستمرار إلى حصول الرافع.

أو بمعونة القرائن ، كما إذا قال الشارع : الوضوء يوجب الطهارة ، ثمّ قام الإجماع على أنّ الطهارة إذا حصلت تستمرّ حتى ترتفع بالحدث ، فالشكّ في ارتفاعها بالمذي يسمّى بالشكّ في الرافع.

ومثل الاستقراء الذي ذكره في المطلقات ، بأن يقول الشارع : إذا وجد المشتري في المبيع عيبا جاز له الفسخ.

ثمّ كون غالب المطلقات للاستمرار إلى حصول الرافع بالاستقراء يصلح أن يكون قرينة على استمرار خيار العيب ـ أيضا ـ إلى حصول الرافع ، أعني : الرضا مثلا فاحتمال كونه فوريّا يسمّى بالشكّ في الرافع كما في شرح الاعتمادي.

والحاصل أنّ التعبير بالرفع إنّما هو بملاحظة لسان الدليل.

لكنّ الحكم الشرعيّ الكلّيّ في الحقيقة إنّما يرتفع بتمام استعداده حتى في النسخ الذي أجلى مصداق الرفع.

فضلا عن نحو الخيار المردّد بين كونه على الفور أو التراخي ، والنسخ أيضا رفع صوريّ وحقيقة انتهاء استعداد الحكم. فالشكّ في بقاء الحكم الشرعيّ لا يكون إلّا من جهة الشكّ في مقدار استعداده ، نظير الحيوان المجهول استعداده.

وحاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ ما ذكره القمّي قدس‌سره ـ من أنّ الاستصحاب مشروط بالعلم باستعداد المستصحب للبقاء حتى يكون الشكّ من جهة الرافع لا من جهة تماميّة استعداده ـ إنّما يتمّ في الموضوعات الخارجيّة ، كالعلم باستعداد الغنم للبقاء إلى عشر سنين ، والإنسان إلى مائة سنة مثلا ، فالشكّ في البقاء في

١٣٩

وأمّا ثالثا : فلأن ما ذكره من حصول الظنّ بإرادة الاستمرار من الإطلاق ، لو تمّ يكون دليلا اجتهاديّا مغنيا عن التمسّك بالاستصحاب. فإنّ التحقيق : أنّ الشكّ في نسخ الحكم

____________________________________

خلال هذه المدّة شكّ في الرفع بحرق أو غرق أو مرض ، لا في انتهاء الاستعداد.

وكذا يتمّ في الأحكام الشرعيّة الجزئيّة كالشكّ في بقاء حرمة هذا المائع للشكّ في بقاء خمريّته ، فإنّه شكّ في الرفع بانتفاء الموضوع ، لا في انتهاء استعداد الحرمة للبقاء مع بقاء الموضوع.

ولا يتمّ في الأحكام الشرعيّة الكليّة ، لأنها ترتفع بتمام استعدادها ، فالطهارة مثلا إنّما تستعدّ للبقاء إلى حصول الحدث ، لا أنّ الحدث يرفعها مع استعدادها للاستمرار.

وكذا النسخ ، فإنّه في الحقيقة ليس رفعا للحكم مع استعداده للاستمرار ، بل الحكم ينقرض عنده ، وحينئذ فكلّما شكّ في بقاء الحكم ـ كالشكّ في بقاء الطهارة بعد المذي ، أو في بقاء نجاسة الماء بعد زوال التغيّر ، أو في بقاء الخيار بعد مضيّ أوّل زمن العلم بالعيب ، أو في بقاء الحكم بعد احتمال النسخ ـ فهو في الحقيقة شكّ في المقتضي.

والاستعداد ، نظير الحيوان المردّد الذي صرّح القمّي رحمه‌الله بعدم جريان الاستصحاب فيه ، ولازم ذلك عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة الكليّة ، واختصاصه في الموضوعات الخارجيّة والأحكام الشرعيّة الجزئيّة ، مع أنّ المحقّق القمّي رحمه‌الله يقول بجريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة الكلّيّة.

إلّا أن يقال : بأنّ ما ذكره القمّي رحمه‌الله من اشتراط إحراز الاستعداد وإن كان مستلزما لاختصاص الاستصحاب في الشكّ في الرفع ، إلّا أنّ مراده بالرفع أعمّ من الرفع المصطلح والرفع بمقتضى ظاهر الدليل ، فيكون الشكّ في بقاء الأحكام الكلّيّة من جهة الرفع بحسب ظاهر الدليل ، فيصحّ الاستصحاب فيها.

وأمّا ثالثا ، فلأن ما ذكره من حصول الظنّ بإرادة الاستمرار من الإطلاق ، لو تمّ يكون دليلا اجتهاديّا مغنيا عن التمسّك بالاستصحاب.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ المحقّق القمّي رحمه‌الله لمّا منع عن استصحاب النبوّة ـ لكونه فاقدا لما اعتبره في الاستصحاب من إحراز استعداد المستصحب ـ أورد عليه المصنف قدس‌سره بالنقض باستصحاب الأحكام لفقد الشرط المذكور

١٤٠