دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

ـ فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب ، إذ لو لا هذا لم يجز التمسّك بها في أكثر المقامات ، فيلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق وبطلان الحقوق ، إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير ، كما لا يخفى.

وأمّا حكم المشهور ـ بأنّه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدّعي انتزع عنه العين ، إلّا أن يقيم البيّنة على انتقالها إليه ـ فليس من تقديم الاستصحاب ، بل لأجل

____________________________________

(يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه إليك من قبله؟) ثمّ قال في ذيل الرواية : (ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق) فالأظهر أيضا أعني : كالقول بكون اليد من الأمارات تقديمها على الاستصحاب فالأظهر جواب للشرط ، أعني : قوله : (وإن قلنا بأنّها غير كاشفة) والمعنى حينئذ : وإن قلنا بأنّها غير كاشفة ... إلى آخره ، فالأظهر أيضا أعني : كالقول بكونها من الأمارات ـ تقديمها على الاستصحاب.

ثمّ أشار إلى وجه تقديمها عليه بقوله : اذ لو لا هذا أعني : تقديم اليد على الاستصحاب لم يجز التمسّك بها في أكثر المقامات إذ ما من مورد من موارد اليد إلّا أن يجري فيه استصحاب عدميّ ، أعني : عدم كون ما في اليد ملكا لذي اليد ، فلو قدّم الاستصحاب على اليد لم يبق مورد لها فيلزم المحذور المنصوص ، وهو اختلال السوق وبطلان الحقوق ، إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير فيستصحب بقاء ملك الغير ويلزم ما ذكرناه من عدم بقاء مورد لليد ، كي يتمسّك بها ويلزم أن يكون اعتبارها لغوا ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من تخصيص الاستصحاب بها لئلّا يلزم المحذور أصلا.

قوله : وأمّا حكم المشهور ـ بأنّه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدّعي انتزع عنه العين ، إلّا أن يقيم البيّنة على انتقالها إليه ـ فليس من تقديم الاستصحاب.

دفع لما يتوهّم من أنّه لو لم يكن الاستصحاب مقدّما على اليد ، بل كانت اليد مقدّمة عليه ، لما كان لحكم المشهور بانتزاع المال من ذي اليد ـ فيما إذا اعترف ذو اليد بكون المدّعى به ملكا للمدّعي وأنّه اشتراه منه ـ وجه ، فإنّ الحكم المذكور إنّما يتمّ على تقديم الاستصحاب على اليد ، إذ لو كانت اليد مقدّمة عليه ، لكان اللازم الحكم بكون الملك لذي اليد ، إلّا أن يقيم المدّعي البيّنة على كون يده يد غصب ، فحكم المشهور بانتزاع المال من ذي اليد ليس إلّا من باب تقديم الاستصحاب على اليد.

٢٨١

أنّ دعواه الملكيّة في الحال إذا انضمّت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدّعي ترجع إلى دعوى انتقالها إليه ، فينقلب مدّعيا والمدّعي منكرا. ولذا لو لم يكن في مقابله مدّع لم تقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيّته أو كان في مقابله مدّع ، لكن أسند الملك السابق إلى غيره ، كما لو قال في جواب زيد المدّعي : اشتريته من عمرو.

بل يظهر ممّا ورد في محاجّة عليّ عليه‌السلام ، مع أبي بكر في أمر فدك المرويّة في الاحتجاج (١) أنّه لم

____________________________________

وحاصل الدفع أنّه لا منافاة بين حكم المشهور بانتزاع المال من ذي اليد وبين عدم تقديم الاستصحاب على اليد ، وذلك يتّضح بعد ذكر مقدّمة ، وهي :

إنّ المقرّر شرعا في باب المرافعات هو أنّ البيّنة للمدّعي واليمين على من أنكر ، وذو اليد أصبح مدّعيا بعد ما كان منكرا ، وذلك بعد انضمام إقراره بكون المال ملكا للمدّعي قبل انتقاله إليه إلى إدّعائه الملكيّة فعلا بأحد النواقل الشرعيّة ، فلا بدّ له من الإثبات بالبيّنة وإلّا انتزع المال من يده.

فإذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ انتزاع المال من ذي اليد ليس من باب تقديم الاستصحاب على اليد ، بل لأجل انقلاب العنوان وعدم الإثبات ، كما أشار إليه بقوله :

فليس من تقديم الاستصحاب ، بل لأجل أنّ دعواه الملكيّة في الحال إذا انضمت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدّعي ترجع إلى دعوى انتقالها إليه ، فينقلب مدّعيا والمدّعي منكرا ، ولازم ذلك انتزاع المال عنه لو عجز عن إثبات انتقال الملكيّة إليه بالبيّنة.

ولذا ، أي : لأجل أنّ انتزاع المال عن ذي اليد يكون من جهة انقلاب عنوان المنكر إلى المدّعي لا لتقديم الاستصحاب على اليد لو لم يكن في مقابله أعني : من في يده المال مدّع لم تقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيّته أو كان في مقابله مدّع ، لكن أسند الملك السابق إلى غيره ، كما لو قال في جواب زيد المدّعي : اشتريته من عمرو فالحكم بملكيّته فيما إذا أسند الملك السابق إلى غير المدّعي ليس إلّا من أجل عدم تقديم الاستصحاب على اليد.

بل يظهر ممّا ورد في محاجّة عليّ عليه‌السلام مع أبي بكر تقديم اليد على الاستصحاب مطلقا ،

__________________

(١) الاحتجاج ١ : ٢٣٧. الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى ، ب ٢٥ ، ح ٣.

٢٨٢

تقدح ـ في تشبّث فاطمة عليها‌السلام باليد ـ دعواها عليها‌السلام تلقّي الملك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أنّه قد يقال : إنّها ـ حينئذ ـ صارت مدّعية لا تنفعها اليد.

____________________________________

أي : وإن أسند ذو اليد الملك إلى غيره ، سواء كان ذلك الغير مدّعيا أم لا ، وقد أطال بعضهم الكلام حول هذه الرواية بما لا يناسب هذا المختصر ، فنكتفي بما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، إذ به كفاية بما هو المقصود في المقام ، حيث قال :

إنّ أبا بكر نزع فدك عن يد فاطمة عليها‌السلام زعما منه أنّه كان ملكا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حياته ، وإنّ تركته فيء للمسلمين ، وأنّه وليّهم فأبطلت فاطمة عليها‌السلام دعواه : أوّلا : بعدم الفرق بين النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وغيره في توريث التركة.

وثانيا : بأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ملّكها فدك في حياته بعد نزول آية (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)(١) الآية.

فطلب أبو بكر البيّنة على ذلك ، فاعترض عليّ عليه‌السلام بأنّ ذا اليد لا يطالب بالبيّنة ، فيظهر من ذلك أنّ اليد متّبعة حتى مع اعتراف ذي اليد بالتملّك من المدّعي أو ممّن هو بمنزلته ، كما هو الحقّ عند بعضهم خلافا للمشهور.

إن قلت : فرق بين قصة فدك في مورد الرواية وبين مورد فتوى المشهور ، وهو اعتراف ذي اليد بالتملّك من المدّعي في مورد فتوى المشهور دون مورد الرواية ، لأنّ فاطمة عليها‌السلام اعترفت بالتملّك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا من المدّعي ، بل لم يكن هناك مدّع أصلا ، ودعوى أبي بكر إنّما هي بالولاية عن المسلمين لا لشخصه.

قلت : لا فرق في ما أفتى به المشهور من صيرورة ذي اليد مدّعيا بالاعتراف بين الاعتراف بالتملّك من المدّعي أو من مورّثه أو ممّن ينتقل الملك منه إلى المدّعي بعنوان آخر ، ككون تركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيئا للمسلمين ، وأمّا وجود المدّعي فيكفي فيه راوي الحديث المجعول : إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث وإنّ تركتنا فيء للمسلمين (٢). ولعلّ المصنف بملاحظة هذا السؤال والجواب أتى بلفظة «قد» في قوله :

مع أنّه قد يقال : إنّها ـ حينئذ ـ صارت مدّعية لا تنفعها اليد.

ثمّ إنّه ربّما يقال بأنّ فاطمة عليها‌السلام لم تقصد أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ملّكه إيّاها عطيّة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل

__________________

(١) الإسراء : ٢٦.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٦١٠ / ٩٩٨٥.

٢٨٣

وكيف كان ، فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبّديّة ـ أيضا ـ مقدّمة على الاستصحاب وإن جعلناها من الأمارات الظنّيّة ، لأنّ الشارع نصبها في مورد الاستصحاب.

وإن شئت قلت : إنّ دليله أخصّ من عمومات الاستصحاب. هذا مع أنّ الظاهر من الفتوى والنصّ الوارد في اليد ، مثل رواية حفص بن غياث (١) ، إنّ اعتبار اليد أمر كان مبنى عمل الناس في امورهم وقد أمضاه الشارع ، ولا يخفى أنّ عمل العرف عليه من باب الأمارة ،

____________________________________

قصدت إنّه تعالى ملّكه إيّاها من الأوّل استثناء من الأنفال ، فلا مجال ـ حينئذ ـ لاستصحاب عدم التمليك حتى يعارض باليد ، ولعلّه لهذا أتى بلفظة «بل» حيث قال : بل يظهر ... إلى آخره.

ويحتمل أن يكون وجه ترديده احتمال كون مقصود عليّ عليه‌السلام هو التوصّل إلى الحقّ بأيّ وجه كان.

وكيف كان ، أي : سواء كان اعتراف ذي اليد بتملّك المال من المدّعي موجبا للانقلاب أم لا فاليد على تقدير كونها من الاصول التعبّديّة أيضا مقدّمة على الاستصحاب وإن جعلناها أي : الاستصحاب من الأمارات الظنيّة ، لأنّ الشارع نصبها ، أي : اليد في مورد الاستصحاب بحيث لو قدّم الاستصحاب عليها لكان اعتبارها لغوا ، لما عرفت من أنّه ليس مورد من موارد اليد إلّا يجري فيه الاستصحاب.

وإن شئت قلت : إنّ دليله أخصّ من عمومات الاستصحاب.

أي : دليل اليد أخصّ من جهة جريان استصحاب بقاء ملك الغير في غالب موارد اليد واستصحاب عدم تحقق ملك ذي اليد في بعضها ، فلا بدّ من تقديم اليد على الاستصحاب بالحكومة على تقدير كونها من الأمارات أو التخصيص إن كانت من الاصول ، ثمّ يؤيّد المصنف قدس‌سره احتمال كون اليد من الأمارات بقوله :

هذا مع أنّ الظاهر من الفتوى والنصّ الوارد في اليد ، مثل رواية حفص بن غياث.

التي تقدّمت ويستفاد منها أنّ اعتبار اليد أمر ارتكازي عند العرف والعقلاء ، كما قال :

إنّ اعتبار اليد أمر كان مبنى عمل الناس في امورهم وقد أمضاه الشارع ، ولا يخفى أنّ

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧. الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٢. التهذيب ٦ : ٢٦٢ / ٦٩٥ ، الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، ابواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ب ٢٥ ، ح ٢.

٢٨٤

لا من باب الأصل التعبّدي.

وأمّا تقديم البيّنة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا فلا يكشف عن كونها من الاصول ، لأنّ اليد إنّما جعلت أمارة على الملك عند الجهل بسببها ، والبيّنة مبيّنة لسببها ، والسرّ في ذلك أنّ مستند الكشف في اليد هي الغلبة ، والغلبة إنّما توجب إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب ، فإذا كان في مورد الشكّ أمارة معتبرة تزيل الشكّ فلا يبقى مورد للإلحاق.

وحال اليد مع الغلبة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال ـ على مذهب السيّد ـ مع أمارات

____________________________________

عمل العرف عليه من باب الأمارة ، لا من باب الأصل التعبّدي.

فحينئذ يكون تقديم اليد على الاستصحاب من باب الحكومة لما عرفت من حكومة الأمارات على الاصول.

قوله : وأمّا تقديم البيّنة على اليد وعدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا ... إلى آخره.

دفع لما يتوهّم من أنّ اليد لو كانت من الأمارات لما كانت البيّنة مقدّمة عليها ، فمن تقديم البيّنة عليها من دون ملاحظة التعارض بينهما وترجيحها عليها ، نكشف عن كونها من الاصول لا من الأمارات.

وحاصل الدفع أن تقديم البيّنة عليها فلا يكشف عن كونها من الاصول وذلك لإمكان تقديم أمارة على أمارة اخرى بالحكومة ، وكان تقديم البيّنة على اليد في المقام من هذا القبيل لأنّ اليد إنّما جعلت أمارة على الملك عند الجهل بسببها أعني : اليد والبيّنة مبيّنة لسببها بأنّه العدوان والسّر في ذلك أي : في كون اليد أمارة عند الجهل بسببها هو أنّ مستند الكشف في اليد هي الغلبة ، والغلبة إنّما توجب إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب ، فإذا كان في مورد الشكّ أمارة معتبرة تزيل الشكّ ، فلا يبقى مورد للإلحاق.

ولذا كانت جميع الأمارات في أنفسها وبطبعها مع قطع النظر عن دليل اعتبارها مقدّمة على الغلبة ، فإذا كان أغلب أهل البلد كفّارا وصادفنا رجل مجهول الكفر والاسلام ، فأيّ أمارة قامت على إسلامه تقدّم على الغلبة ، بيّنة كانت أو غيرها ، وذلك لعدم المجال لإلحاق المشكوك بالأغلب مع وجود الأمارة.

ثمّ لفظة «الغلبة» في قوله : وحال اليد مع الغلبة خطأ ، لعلّه من قلم الناسخ ، والحقّ : وحال اليد مع البيّنة حال أصالة الحقيقة في الاستعمال ـ على مذهب السيّد ـ مع أمارات

٢٨٥

المجاز ، بل حال مطلق الظاهر والنصّ ، فافهم.

____________________________________

المجاز.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ مجرّد استعمال اللفظ في معنى كاستعمال الأمر في الندب علامة الحقيقة عند السيّد خلافا للمشهور ، حيث يقولون بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، فلا يكون علامة الحقيقة ، إلّا إنّ علاميّته لها عنده لأجل إلحاق المشكوك بالأغلب ، فإذا وجدت أمارة المجازيّة كتبادر الغير بأن يتبادر من الأمر غير الندب ، أعني : الوجوب ، فيزول الشكّ ، فلا يبقى معنى لإلحاق المشكوك بالأغلب ، فكما لا يبقى مجال لحمل اللفظ على الحقيقة بقاعدة إلحاق المشكوك بالأغلب مع وجود أمارة المجاز ، كذلك لا يبقى مجال لليد مع وجود البيّنة.

والمتحصّل من الجميع أنّه كما أنّ أصالة الحقيقة تكون أمارة عند السيّد حيث لم تكن هناك أمارة على المجاز كانت اليد حجّة إذا لم تكن هناك بيّنة في البين.

بل حال مطلق الظاهر والنصّ.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّه إذا تعارض النّص والظاهر كان النصّ مقدّما على الظاهر ، ولا يبقى مجال للأخذ بالظهور سواء كان ظهورا حقيقيّا ، كظهور : أكرم العلماء ، في العموم مع النصّ المعتبر بإخراج النحاة ، أو ظهورا مجازيّا كظهور الأمر عقيب الحظر في الإباحة مع وجود النصّ على الوجوب ، كالأمر بقتل المشركين بعد النهي عنه في الأشهر الحرم ، فإنّه ظاهر في رفع الحظر ، إلّا إنّه قد نصّ بوجوب قتال المشركين خرج منه قتال الأشهر الحرم.

وبالجملة ، اعتبار الظهور إنّما هو من باب إلحاق المشكوك بالغالب ، حيث إنّ الغالب إرادة الظاهر مع عدم القرينة على الخلاف ، ومع وجود النصّ لا يبقى شكّ حتى يلحق بالغالب ، كذلك اليد مع وجود البيّنة.

فافهم لعلّه إشارة إلى أنّه لو كان حال اليد مع البيّنة كحال الظاهر مع النصّ لكان اللازم تقديم البيّنة عليها مطلقا ، وليس الأمر كذلك ، فإنّه إذا ادّعى زيد مالا في يد عمرو فأنكره فأقام زيد بيّنة ، فإن شهدت البيّنة بأنّ المال لزيد وأنّ يد عمرو عدوانيّة فتقدّم على اليد ، وإن شهدت بأنّ المال كان في يد زيد ولم تشهد بفساد يد عمرو لم تقدّم البيّنة على اليد على قول ، كما في شرح الاعتمادي. هذا تمام الكلام في المسألة الاولى.

٢٨٦

المسألة الثانية

في أنّ أصالة الصحّة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب.

____________________________________

المسألة الثانية : في أنّ أصالة الصحّة في العمل بعد الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب.

بمعنى أنّ المكلّف إذا شكّ بعد الفراغ عن العمل في صحّته يتمسّك بقاعدة الفراغ على صحّة العمل ، لا باستصحاب عدم إتيان ما شكّ في إتيانه كي يكون لازم ذلك الحكم بفساد العمل ، وكيف كان ، فينبغي لنا بيان الفرق بين هذه المسألة والمسألة الثالثة الآتية ، مع أنّ الجامع بينهما هو تقدّمهما على الاستصحاب بعنوان أصالة الصحّة.

غاية الأمر تقيّد أصالة الصحّة في هذه المسألة به بعد الفراغ عن العمل ، ولذا تسمّى بقاعدة الشكّ بعد الفراغ ، وقاعدة الفراغ.

وملخّص الفرق بينهما أنّ في مجرى قاعدة الشك بعد الفراغ ـ في هذه المسألة ـ هو فعل نفس الشخص الحامل ، ومجرى أصالة الصحّة في المسألة الثالثة الآتية هو فعل الغير ، أعني : غير الشخص الحامل ، والنسبة بينهما هي عموم من وجه.

مادّة الافتراق عن جانب قاعدة الشكّ بعد الفراغ هي : ما إذا كان الشكّ بعد الفراغ في أصل إتيان ما شكّ ، لا في وصف صحّته ، ومادّة الافتراق عن جانب أصالة الصحّة هي : ما إذا كان الشكّ في صحّة العمل قبل الفراغ عنه.

ومادّة الاجتماع هي : ما إذا كان الشكّ في وصف الصحّة وكان الشكّ بعد الفراع عن العمل بناء على القول بعدم اختصاص أصالة الصحّة بفعل غير الحامل ، بل تجري في فعل نفس الحامل أيضا ، فلو بنينا على عدم جريان قاعدة الصحّة في فعل نفس الشخص الحامل يحكم بصحّة الفعل من أجل قاعدة الفراغ.

وهنا فرق آخر بين المسألتين كما يظهر من سيّدنا الاستاذ دام ظلّه ، حيث قال : «إنّ التباني على صحّة العمل الصادر من الغير هو المسمّى بأصالة الصحّة ، والتباني على صحّة العمل الصادر من نفس المكلّف هو المسمّى بقاعدة الفراغ أو التجاوز ، فإذا وقع التعارض بين الاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز ، لا إشكال في تقدّم قاعدة الفراع والتجاوز عليه ،

٢٨٧

إمّا لكونها من الأمارات ، كما يشعر به قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض روايات الأصل : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) (١) ، وإمّا لأنّها وإن كانت من الاصول ، إلّا إنّ الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب يدلّ على تقديمها عليه ، وهي خاصّة بالنسبة إليه يخصّص بأدلّتها أدلّته ، ولا إشكال في شيء من ذلك ، إنّما الإشكال في تعيين مورد ذلك الأصل من وجهين :

____________________________________

وإنّما الكلام في وجه التقدّم ، فنقول : الظاهر من الأدلّة كون القاعدة من الأمارات ، فإنّ الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ أو بعد التجاوز ناشئ من احتمال الغفلة والسهو ، إذ ترك الجزء أو الشرط عمدا لا يجتمع مع كون المكلّف في مقام الامتثال ، وأصالة عدم الغفلة من الاصول العقلائيّة الناظرة إلى الواقع ، فإنّ سيرة العقلاء جارية على عدم الاعتناء باحتمال الغفلة» انتهى.

وبالجملة ، إنّ أصالة الصحّة في العمل بعد الفراغ عنه تتقدّم على الاستصحاب سواء كانت من الأمارات أو الاصول ، كما أشار إلى الأوّل بقوله :

إمّا لكونها من الأمارات ، كما يشعر به قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بعض روايات ذلك الأصل : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ).

والظاهر منه هو أنّ منشأ اعتبار أصالة الصحّة ظهور حال المسلم في عدم تركه لما يكون مكلّفا بفعله وعدم فعله لما يكون مكلّفا بتركه ، فيكون من باب تقديم الظاهر على الأصل.

وأشار إلى الثاني بقوله : وإمّا لأنّها وإن كانت من الاصول ، إلّا إنّ الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب يدلّ على تقديمها عليه.

إذ لو لم تتقدّم عليه لزم أن يكون اعتبارها لغوا ، إذ ليس مورد من موارد أصالة الصحّة في العمل بعد الفراغ أو التجاوز إلّا فيه استصحاب مخالف لها ، أعني : استصحاب عدم إتيان المشكوك.

وهي خاصّة بالنسبة إليه ومن المعلوم أنّ العام يخصّص بالخاصّ فتخصّص أدلّة الاستصحاب بأدلّة أصالة الصحّة ، كما أشار إليه بقوله : يخصّص بأدلّتها أدلّته ، بل لا يمنع

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

٢٨٨

أحدهما : من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز المعتبر في الحكم بالصحّة ، وأنّه هل يكتفى به أو يعتبر الدخول في غيره ، وأنّ المراد بالغير ما هو؟.

الثاني : من جهة أنّ الشكّ في وصف الصحّة للشيء ملحق بالشكّ في أصل الشيء أم لا؟

____________________________________

من تخصيص أدلّة الاستصحاب بأدلّة القاعدة كون النسبة بينهما عموما من وجه ، إذ وجه التخصيص في العموم المطلق أنّه لو لم يخصّص لزمت لغويّة الخاصّ رأسا ، وهذا الملاك موجود في المقام على تقدير كون النسبة بينهما عموما من وجه ، إذ لو لم يخصّص أحد العامّين من وجه ـ وهو أدلّة الاستصحاب ـ يلزم حمل العامّ الآخر ـ وهو أدلّة القاعدة ـ على الفرد النادر وهو بحكم اللغو ، ومن هنا ظهر أنّه ليس الملاك في التخصيص كون النسبة هي العموم المطلق ، بل الملاك لزوم لغويّة أحد الدليلين على تقدير عدم الالتزام بتخصيص الدليل الآخر ، وقد عرفت أنّه لم يوجد مورد من موارد العمل بالقاعدة لم يكن الاستصحاب فيه مخالفا لها.

وإنّما الإشكال في تعيين مورد ذلك الأصل من وجهين : أحدهما : من جهة تعيين معنى الفراغ والتجاوز المعتبر في الحكم بالصحّة.

وذلك لاختلاف بعض الروايات في عدم العبرة بالشّك بعد التجاوز ، حيث تكون رواية اسماعيل (١) صريحة ـ بحسب المورد ـ في عدم العبرة بالشكّ في وجود شيء بعد تجاوز محلّه ، وتكون رواية ابن أبي يعفور (٢) بحسب المورد صريحة في عدم العبرة بالشكّ في صحّة عمل بعد الفراغ عنه بناء على عود ضمير غيره في قوله عليه‌السلام : وقد دخلت في غيره راجعا إلى الوضوء ، فهل هما يرجعان إلى معنى واحد أو هما قاعدتان؟ وسيأتي تفصيل ذلك في الموضع الأوّل والثاني.

وأنّه هل يكتفى به أي : بكون المناط مجرّد التجاوز والفراغ ، أو يعتبر الدخول في غيره ، وإنّ المراد بالغير ما هو؟.

هل هو الجزء الركني أو مطلق الجزء الأصلي ، أو مطلق الغير ، ويتعرّض به في الموضع الثالث على ما في شرح الاعتمادي.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٤ ، ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

٢٨٩

وتوضيح الإشكال من الوجهين موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذه القاعدة ، لتزول ببركة تلك الأخبار كلّ شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار ، فنقول مستعينا بالله :

روى زرارة ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء) (١).

وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه) (٢) وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك.

وفي الموثّقة : (كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو) (٣) وهذه الموثّقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير.

____________________________________

الثاني : من جهة أنّ الشكّ في وصف الصحّة للشيء كتجويد القراءة والترتيب ، والموالاة في الكلمات والآيات وأفعال الصلاة ملحق بالشكّ في أصل الشيء كالشكّ في الركوع مثلا بعد السجود أو في الطهارة بعد الدخول في الصلاة أم لا ويتعرّض به في الموضع السادس كما في شرح الاعتمادي.

وتوضيح الإشكال من الوجهين موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذه القاعدة ، لتزول ببركة تلك الأخبار كلّ شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار ، فنقول مستعينا بالله :

روى زرارة ـ في الصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء) ، وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه).

والمستفاد من هاتين الروايتين هو اعتبار الدخول في غير المشكوك في عدم العبرة بالشكّ.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤ ، وفيه عن أبي جعفر عليه‌السلام بدلا عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٣) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦. الوسائل ٨ : ٢٣٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ٣.

٢٩٠

وفي موثّقة ابن أبي يعفور : (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) (١) وظاهر صدر هذه الموثّقة كالاوليين ، وظاهر عجزها كالثالثة. هذا تمام ما وصل إلينا من الأخبار العامّة.

وربّما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصّة ، مثل قوله عليه‌السلام في الشكّ في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليه‌السلام : (وإن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة) (٢).

____________________________________

وفي الموثقة : (كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو) ، وهذه الموثقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير المشكوك بل الظاهر منها هو أنّ المناط في عدم العبرة بالشكّ هو مجرّد التجاوز بما هو.

وفي موثّقة ابن أبي يعفور : (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) وظاهر صدر هذه الموثّقة كالاوليين في اعتبار الدخول في الغير في عدم العبرة بالشكّ وظاهر عجزها كالثالثة في أنّ المناط في عدم العبرة بالشكّ هو مجرّد التجاوز بما هو ، إلّا إنّ موردها هو الشكّ بعد الفراغ بناء على عود ضمير غيره إلى الوضوء ، لا إلى شيء من الوضوء.

هذا تمام ما وصل إلينا من الأخبار العامّة أعني : الأخبار المبيّنة لقاعدة كلّية وهي : عدم العبرة بالشكّ بعد التجاوز والفراغ من دون فرق بين العبادات والمعاملات.

وربّما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصّة ، مثل قوله عليه‌السلام في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليه‌السلام : (وإن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة).

حيث يكون الظاهر منه أنّ الوجه في عدم وجوب الإعادة وجود الحائل ، أعني : الدخول في حالة اخرى مغايرة للحالة الاولى ، وهذا المناط موجود في جميع موارد الشكّ بعد التجاوز والفراغ.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٢٩٥ / ١٠. التهذيب ٢ : ٢٧٧ / ١٠٩٨. الوسائل ٤ : ٢٨٣ ، أبواب المواقيت ، ب ٦٠ ، ح ١.

٢٩١

وقوله عليه‌السلام : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فامضه كما هو) (١). وقوله عليه‌السلام ، في من شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) (٢).

ولعلّ المتتبّع يعثر على أزيد من ذلك ، وحيث إنّ مضمونها لا يختصّ بالطهارة والصلاة ، بل يجري في غيرهما ـ كالحجّ ـ فالمناسب الاهتمام في تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من التعارض بينها ، فنقول مستعينا بالله ، فإنّه وليّ التوفيق :

____________________________________

وقوله عليه‌السلام : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا ، فامضه كما هو).

فإنّ الظاهر أنّه في مقام إعطاء الضابطة بمعنى اعتبار التجاوز في عدم العبرة بالشكّ من دون فرق بين الصلاة والطهارة.

وقوله عليه‌السلام في من شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ).

فإنّه علّل عدم الاعتناء بالشكّ في الوضوء بعد تمامه بالأذكريّة حين العمل ، وهذا مشعر بمسلميّة كبرى كلّية وهي : إنّ كلّ من كان كذلك لا يعتني بشكّه على ما في شرح الاعتمادي.

ولعلّ المتتبّع يعثر على أزيد من ذلك.

كرواية الفقيه وفيها إنّ المصلّي إذا انصرف متيقّنا بالتمام ثمّ شكّ بين الثلاث والأربع لم يعد الصلاة ، لأنّه حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعده (٣) لكن الرواية مختصّة بصورة الشكّ الساري ، وكقوله عليه‌السلام : فإذا قمت عن الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حالة اخرى في الصلاة أو غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله لا شيء عليك (٤) على ما في شرح الاعتمادي.

وحيث إنّ مضمونها لا يختص بالطهارة والصلاة ، بل يجري في غيرهما ـ كالحجّ ـ فالمناسب الاهتمام في تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من التعارض بينها.

وذلك أنّ رواية ابن أبي يعفور تدلّ على اختصاص القاعدة بصورة الفراغ عن العمل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٤. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٦.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٧. الوسائل ٨ : ٢٤٦ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٧ ، ح ٣.

(٤) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢. الوسائل ١ : ٤٦٩ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ١.

٢٩٢

إنّ الكلام يقع في مواضع :

[الموضع] الأوّل : إنّ الشكّ في الشيء ظاهر ـ لغة وعرفا ـ في الشكّ في وجوده ،

____________________________________

بخلاف سائر الروايات ، ويتعرّض المصنف قدس‌سره لدفع هذا التعارض في الموضع الرابع ، وأيضا بعضها يدلّ على اعتبار الدخول في الغير وبعضها يدلّ على كفاية مجرّد التجاوز ، ويتعرّض للجمع بينهما في الموضع الثالث ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

إنّ الكلام يقع في مواضع : الموضع الأوّل : إنّ الشكّ في الشيء ظاهر ـ لغة وعرفا ـ في الشكّ في وجوده.

قد عرفت تقدّم قاعدة الفراغ على الاستصحاب بمناط الحكومة أو التخصيص ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، وإنّما الكلام في أنّ قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز هل هما قاعدة واحدة أو قاعدتان مستقلّتان؟ فيقع الكلام في مقامين : أحدهما : مقام الثبوت ، والآخر : مقام الإثبات.

أمّا المقام الأوّل : فقد اختلفت كلمات الأعلام فيه ، وقيل : إنّها قاعدة واحدة عامّة لموارد الشكّ في الشيء بعد التجاوز عن المحلّ ، والشكّ في صحّته بعد الفراغ عن العمل ، بمعنى أنّ الكبرى المجعولة شرعا في قاعدة الفراغ هي عين الكبرى المجعولة في قاعدة التجاوز ، وهي عدم الالتفات إلى الشكّ بعد التجاوز ، سواء كان متعلّق الشكّ وجود الشيء أو صحّته ، لأنّ الشكّ في الصحّة يرجع إلى الشكّ في وجود الصحيح ، فيكون الجامع بينهما هو الشكّ في الوجود ، غاية الأمر أنّ الشكّ في مورد قاعدة التجاوز يتعلّق بوجود الشيء وفي مورد قاعدة الفراغ يتعلّق بوجود الصحيح ، وهذا المقدار من الاختلاف لا يقتضي اختلاف الكبرى ، بل هو من اختلاف الموارد والصغريات.

وقيل : إنّهما قاعدتان مستقلّتان لا يجمعهما جامع واحد ، بمعنى أنّ الكبرى المجعولة شرعا في قاعدة الفراغ غير الكبرى المجعولة في قاعدة التجاوز ، إحداهما مضروبة للشكّ في صحّة مجموع العمل بعد الفراغ ، والاخرى مضروبة للشكّ في الأجزاء في أثناء العمل.

وبالجملة ، أنّه يمكن كونهما قاعدة واحدة ، كما لا إشكال في إمكان كونهما قاعدتين مستقلّتين في مقام الثبوت ، وظاهر كلام المصنف قدس‌سره هو الاحتمال الأوّل. حيث قال في الموضع السادس : إنّ الشكّ في صحّة الشيء المأتي به حكمه حكم الشكّ في الإتيان ، بل هو هو ، لأنّ مرجعه إلى الشكّ في وجود الشيء الصحيح انتهى. فيكون الجامع بينهما ـ

٢٩٣

____________________________________

حينئذ ـ هو الشكّ في الوجود بدعوى أنّ الشكّ في قاعدة التجاوز متعلّق بوجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ بوجود الصحيح الراجع إلى الشك في وجود العمل بتمام أجزائه وشرائطه.

ومن يقول بكونهما قاعدتين مستقلّتين يقول بعدم وجود الجامع بينهما ، وذلك فإنّ الشكّ في قاعدة التجاوز متعلّق بأصل وجود الشيء بمفاد كان التامّة ، وفي قاعدة الفراغ متعلّق بصحّة الوجود وتماميّته بمفاد كان الناقصة ، فلا جامع بينهما ، كي يصحّ ارادتهما من لفظ واحد.

وبعد انتفاء جامع قريب لا يبقى مجال لإرجاع أحد المفادين إلى الآخر ، إذ المهمّ في قاعدة التجاوز هو إثبات أصل وجود الشيء ، وفي قاعدة الفراغ هو إثبات صحّة الموجود المفروغ الوجود بمفاد كان الناقصة ، لا إثبات وجود الصحيح بمفاد كان التامّة ، كي يرجع أحد المفادين إلى الآخر. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت بالنسبة إلى وجود الجامع وعدمه.

ثمّ الشكّ في الشيء لا يخلو عن أحد احتمالات :

أحدهما : كون المشكوك نفس الشيء الذي دخلت كلمة في عليه ، كقولنا : شككنا في الطهارة ، حيث يكون مفاده كون المشكوك هو الطهارة ، هذا هو الغالب في إطلاق الشكّ.

وثانيها : هو كون مدخول في ظرفا للمشكوك لا نفس المشكوك ، كما يقال : شكّكت في الصلاة في إتيان السورة ، حيث يكون مفاده أنّ مدخول في ـ أعني : الصلاة ـ ظرف للمشكوك ، أعني : إتيان السورة.

ثالثها : هو كون مدخول في ظرفا لنفس الشكّ لا للمشكوك ، كما يقال : شككت في الصلاة في موت زيد أو قيام عمرو ، ونحوهما ، حيث يكون مفاده حصول الشكّ في الامور المذكورة في حال الصلاة ، والفرق بين هذا المثال والمثال الثاني هو أنّ الصلاة في المثال الثاني ظرف للمشكوك ـ أعني : إتيان السورة ـ ولم تكن ظرفا للامور المذكورة في المثال الثالث.

وكيف كان ، فالاحتمال الثالث لا يرتبط بالمقام وليس المراد من الأخبار يقينا ، وإنّما

٢٩٤

إلّا إنّ تقييد ذلك في الروايات بالخروج عنه ومضيّه والتجاوز عنه ، ربّما يصير قرينة على إرادة كون وجود أصل الشيء مفروغا عنه ، وكون الشكّ فيه باعتبار الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شرطا أو شطرا.

____________________________________

الأمر دائر بين الحكم بإرادة المعنى الأوّل أو الثاني. هذا تمام الكلام في مقام الثبوت في الشكّ ، فيقع الكلام في المقام الثاني ، أعني : مقام الإثبات.

فإن كانت الأخبار في هذا الباب ظاهرة في الاحتمال الأوّل من الاحتمالات المذكورة في الشكّ لدلّت على قاعدة التجاوز ، وإن كانت ظاهرة في الاحتمال الثاني لدلّت على قاعدة الفراغ.

وبيان ذلك : إنّ الشكّ في الشيء فيما إذا كان مدخول كلمة في هو المشكوك ظاهر في الشكّ في وجوده ، كما أشار إليه بقوله :

إنّ الشكّ في الشيء ظاهر ـ لغة وعرفا ـ في الشكّ في وجوده.

كالشكّ في وجود الحمد بعد الدخول في السورة مثلا. هذا بخلاف ما إذا كان مدخول كلمة في ظرفا للمشكوك ، كمثال : شككت في الصلاة في إتيان السورة ، ويقال : هذا الكلام بعد الفراغ عن الصلاة ، فيكون ظاهره وجود أصل الصلاة ، إلّا إنّ الشكّ في إتيان السورة موجب للشّك في صحّة الصلاة ، فينطبق على قاعدة الفراغ. هذا تمام الكلام في مقام الإثبات على نحو القاعدة الكلّية ثمّ نرجع إلى توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

فنظرا إلى نفس الشكّ ـ المذكور في هذه الأخبار ـ الظاهر في الشكّ في أصل وجود الشيء تكون الأخبار ظاهرة في قاعدة التجاوز.

إلّا إنّ تقييد ذلك أي : الشكّ في الروايات بالخروج عنه كما في قوله عليه‌السلام : إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء (١) ومضيّه كما في قوله عليه‌السلام : كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه (٢) والتجاوز عنه ، كما في رواية اسماعيل (٣) وموثّقة ابن

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، ابواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦. الوسائل ٨ : ٢٣٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ٣.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤.

٢٩٥

نعم ، لو اريد الخروج والتجاوز عن محلّه ، أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشكّ في الشيء. وهذا هو المتعيّن ، لأن إرادة الأعمّ من الشكّ في وجود الشيء ، والشكّ الواقع في الشيء

____________________________________

أبي يعفور (١) ربّما يصير قرينة على إرادة كون وجود أصل الشيء مفروغا عنه كالفراغ عن أصل الصلاة أو عن أصل القراءة ، وكون الشكّ فيه باعتبار الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شرطا ، كالطهارة في الصلاة والستر حال القراءة أو شطرا ، كالركوع أو الركعة في الصلاة ، وكالبسملة أو السورة في القراءة ، فيرجع الشكّ ـ حينئذ ـ إلى الشكّ في صحّة الموجود بعد إحراز أصل الوجود ، فتدلّ الروايات على قاعدة الفراغ دون التجاوز.

فالمتحصّل من الجميع أنّ لفظ الشكّ في الشيء وإن كان ظاهرا في الشكّ في وجوده ، فينطبق على قاعدة التجاوز ، إلّا إنّ تقييد الشكّ بالامور المذكورة قرينة على إرادة الشكّ في صحّة الموجود ، فينطبق موردها على قاعدة الفراغ.

نعم ، لو اريد الخروج والتجاوز عن محلّه ، أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشكّ في الشيء.

وهو الشكّ في وجود الشيء ، لأنّ الخروج والتجاوز عن محلّ الشيء لا ينافي الشكّ في أصل وجوده ، فالمراد بهذه الروايات هو قاعدة التجاوز مع وجود تقييد الشكّ بالامور المذكورة ، فحينئذ يكون تقييد الشكّ بالألفاظ المذكورة قرينة على إرادة قاعدة الفراغ من الروايات المذكورة لو اريد من الخروج والتجاوز والمضي الخروج والتجاوز والمضي عن نفس العمل ، وأمّا لو اريد منها الخروج والتجاوز ونحوها عن محلّ العمل فلا ، بل ينطبق الشكّ فيها على قاعدة التجاوز إذ ـ حينئذ ـ يكون معنى الروايات أنّ الشكّ في وجود شيء بعد الخروج والمضي والتجاوز عن محلّه لا عبرة به ، سواء حصل الشكّ قبل الفراغ أو بعده.

وهذا هو المتعيّن أي : كون الخروج والتجاوز عن محلّ الشيء لا عن نفسه هو المتعيّن ، كي يحمل لفظ الشكّ في الشيء على معناه الظاهر ، أعني : الشكّ في وجوده ، لأنّ إرادة الأعمّ من الشكّ في وجود الشيء ، والشكّ في الصحّة الواقع في الشيء الموجود في

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤ ، الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

٢٩٦

الموجود في استعمال واحد غير صحيح. وكذا إرادة خصوص الثاني ، لأن مورد غير واحد

____________________________________

استعمال واحد غير صحيح ، وكذا إرادة خصوص الثاني ، أعني : الشكّ في الصحّة بعد الفراغ لأنّ مورد غير واحد من تلك الأخبار ، كرواية إسماعيل (١) هو الأوّل أعني : الشكّ في وجود الشيء بعد تجاوز محلّه.

وتوضيح الكلام في المقام على ما في شرح الاعتمادي : أنّه يتصوّر في الروايات أربعة معان :

أحدها : حمل رواية إسماعيل على الشكّ في وجود شيء بعد تجاوز محلّه ، لأنّه موردها ، وحمل سائر الروايات على الشكّ في صحّة العمل بعد الفراغ عنه ، فيكون الشكّ في شيء في رواية إسماعيل بمعناه الظاهر ، وفي سائر الروايات بمعنى الشكّ في الصحّة بقرينة ألفاظ الخروج والمضي والتجاوز ، كما أنّ هذه الألفاظ تكون في سائر الروايات بمعناها الظاهر ، أعني : الخروج والمضي والتجاوز عن نفس العمل. وفي رواية إسماعيل بمعنى التجاوز عن محلّ العمل. ولا يمكن الالتزام بهذا المعنى إذ فيه ـ مضافا إلى أنّ حمل رواية ابن أبي يعفور على قاعدة الفراغ يوجب تعارضها مع رواية إسماعيل ، كما يأتي في الموضع الرابع ـ أنّ وحدة سياق الروايات يأبى جدّا عن التفكيك بينها ، والمعنى المذكور موجب للتفكيك بينها.

ثانيها : حمل جميع الروايات على بيان كلتا القاعدتين ، بأن يراد من الشكّ في الشيء الشكّ في الوجود والشكّ في الصحّة ، ومن ألفاظ الخروج والمضي والتجاوز التجاوز عن محلّ العمل والتجاوز عن نفس العمل ، وفيه ـ مضافا إلى أنّ حمل رواية ابن أبي يعفور على الأعمّ لا يناسب موردها ، أعني : الوضوء ، إذ يعتبر فيه الفراغ ـ أنّ الاستعمال في المعنيين باطل وغير صحيح كما تقدّمت الإشارة إليه بقوله : لأنّ إرادة الأعمّ ... إلى آخره.

ثالثها : حمل جميع الروايات على قاعدة الفراغ بحمل الشكّ في الشيء على الصحّة بقرينة ألفاظ الخروج والمضي والتجاوز على ظاهرها ، أعني : التجاوز عن نفس العمل المفروض وجوده.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤.

٢٩٧

من تلك الأخبار هو الأوّل.

ولكن يبعد ذلك في ظاهر موثّقة محمّد بن مسلم (١) ، من جهة قوله : (فامضه كما هو) بل لا يصحّ ذلك في موثّقة ابن أبي يعفور (٢) ، كما لا يخفى.

لكنّ الإنصاف إمكان تطبيق موثّقة ابن مسلم على ما في الروايات ، وأمّا هذه الموثّقة فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله.

____________________________________

وفيه : إنّ مورد رواية إسماعيل هو الشكّ في الوجود بعد تجاوز المحلّ ، كما أشار إليه بقوله : وكذا إرادة خصوص الثاني ... إلى آخره.

فتعيّن المعنى الرابع وهو حمل الروايات على قاعدة التجاوز بحمل ألفاظ الخروج والمضي والتجاوز على تجاوز المحلّ والشكّ في الصحّة ـ أيضا ـ يدخل فيها ، لأنّه شكّ في وجود شيء ممّا يعتبر في العمل بعد تجاوز محلّه.

لكن يبعد ذلك في ظاهر موثقة محمد بن مسلم ، من جهة قوله : (فامضه كما هو).

فإنّ معناه ابن على وقوع العمل جامعا لما يعتبر فيه ، أي : ابن على صحّة العمل المفروغ عنه.

بل لا يصحّ ذلك في موثّقة ابن أبي يعفور ، كما لا يخفى.

لأنّ صدرها يدلّ على عدم العبرة بالشكّ في شيء من الوضوء بعد الفراغ عنه ، والعبرة به قبل الفراغ ، وذيلها يدلّ بمفهوم الحصر انّ هذا هو مقتضى القاعدة فقط.

لكنّ الإنصاف إمكان تطبيق موثّقة ابن مسلم على ما في الروايات.

أعني : قاعدة التجاوز بأن يقال : معنى قوله : فامضه كما هو أي : ابن على وقوع العمل كما ينبغي وقوع العمل ، فلا يكون المراد منه البناء والمضي على وقوع ما وقع من العمل على نحو الصحيح ، كي يكون الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن أصل الوجود ، كما هو مقتضى قاعدة الفراغ.

وأمّا هذه الموثّقة أعني : الموثقة الثانية فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض الروايات إن شاء الله.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦. الوسائل ٨ : ٢٣٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

٢٩٨

الموضع الثاني : إنّ المراد بمحلّ الفعل المشكوك في وجوده هو الموضع الذي لو اتي به فيه لم يلزم منه اختلاف في الترتيب المقرّر.

وبعبارة اخرى : محلّ الشيء هي المرتبة المقرّرة له بحكم العقل أو بوضع الشارع أو غيره ،

____________________________________

وهو أنّ الوضوء اعتبر أمرا بسيطا لا يعقل فيه التجاوز إلّا بالفراغ عنه ، فينطبق عليه الشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه ، كما في قاعدة التجاوز ، وسيأتي تفصيل التوجيه في الموضع الرابع ، فانتظر. والمهمّ أنّها مع التوجيه المذكور لا تعارض الروايات الدالّة على قاعدة التجاوز. هذا تمام الكلام في الموضع الأوّل.

الموضع الثاني :

قد عرفت أنّ الأخبار ظاهرة في قاعدة التجاوز بعد كون المراد من التجاوز هو التجاوز عن محلّ الشيء لا عن نفسه.

فيعتبر في قاعدة التجاوز أمران :

أحدهما : أن يكون الشكّ متعلّقا بوجود الشيء بمفاد كان التامّة.

وثانيهما : أن يكون الشكّ بعد التجاوز عن محلّه.

ثم أشار إلى ما هو المراد بمحلّ الفعل المشكوك بقوله :

إنّ المراد بمحلّ الفعل المشكوك في وجوده هو الموضع الذي لو اتي به فيه لم يلزم منه اختلاف في الترتيب المقرّر.

من دون فرق بين الترتيب الوضعي بأن يكون ترك الأوّل موجبا بطلان العمل ، وبين الترتيب الطلبي والكمالي.

مثال الأوّل : أفعال الصلاة ، حيث يكون الترتيب بين الركوع والسجود مثلا بحسب الوضع.

ومثال الثاني : هو الأمر برمي حجرة العقبة في الحجّ ثمّ الذبح ثمّ الحلق ، حيث يكون الترتيب بينها بحسب الأمر والطلب.

ومثال الثالث : هو الوضوء ودخول الحرم أو قراءة القرآن ، حيث يكون الترتيب بين الوضوء ودخول الحرم أو قراءة القرآن بحسب الكمال.

وبعبارة اخرى : محلّ الشيء هي المرتبة المقرّرة له بحكم العقل أو بوضع الشارع أو

٢٩٩

ولو كان نفس المكلّف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحلّ.

فمحلّ تكبيرة الإحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع ، ومحلّ كلمة [أكبر] قبل تخلّل الفصل الطويل بينه وبين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام ، ومحلّ الراء من «أكبر» قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل ، ومحلّ غسل الجانب الأيسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلّل فصل يخلّ بما اعتاده من الموالاة.

هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه ، إلّا الأخير ، فإنّه ربّما يتخيّل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره.

____________________________________

غيره.

كان هذا الغير أهل العرف أو نفس المكلّف ، كما أشار إليه بقوله :

ولو كان نفس المكلّف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحلّ.

قد أشار إلى أمثلة ذلك بقوله :

فمحلّ تكبيرة الإحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع ، ومحلّ كلمة [أكبر] قبل تخلّل الفصل الطويل بينه وبين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام.

إذ مقتضى الطريقة العرفيّة المألوفة هو عدم تخلّل فصل طويل بين المبتدأ ـ أعني : لفظ الجلالة ـ والخبر ـ أعني : أكبر ـ مثلا.

ومحلّ الراء من «أكبر» قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل.

كان للمصنف قدس‌سره المثال بالكاف من أكبر بدل الراء ، لأنّ الراء منه ليس بساكن ، بل هو مضموم ، والساكن هو الكاف ، فالفصل بينه وبين الألف يوجب الابتداء بالساكن ، فلا بدّ من تعاقب الحروف من دون أدنى فصل لئلّا يلزم الابتداء بالساكن.

ومحلّ غسل الجانب الأيسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلّل فصل يخلّ بما اعتاده من الموالاة.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الموالاة في أعضاء الغسل غير معتبرة شرعا لا فيها ولا بينها ، إلّا إنّ العادة المتعارفة بين الناس هي الموالاة ، فلو شكّ بعد الفصل المخلّ بالموالاة المعتادة له في باب الغسل لكان شكّه هذا بعد تجاوز المحلّ المعتاد.

٣٠٠