دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال ، وقال : لم أقله ، فصدّقه وكذّبهم) (١).

ومنها : ما ورد مستفيضا : (إنّ المؤمن لا يتّهم أخاه) ، (وأنّه إذا اتّهم أخاه انماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء) (٢) ، (وإنّ من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما) (٣) ، (وإنّ من اتّهم أخاه فهو ملعون ملعون) (٤). إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما يقرب منها.

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم دلالة هذه الأخبار ، إلّا على أنّه لا بدّ من أن يحمل ما يصدر عن الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمله على الوجه القبيح عنده ، وهذا غير ما

____________________________________

ومنها : قول الصادق عليه‌السلام لمحمد بن الفضل : (يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن شهد عندك خمسون قسامة) أي : البيّنة العادلة أنّه قال كذا وفعل كذا وقال : لم أقله أو لم أفعله فصدّقه وكذّبهم.

أي : فصدّق أخيك وكذّب خمسين قسامة ، أي : مائة شاهد عادل ، وقد تقدّمت محتملات هذه الرواية في بحث الظنّ ، والمقصود هنا دلالتها على عدم قبول قول من يتّهم أخاه بالفعل القبيح.

ومنها : ما ورد مستفيضا : (إنّ المؤمن لا يتّهم أخاه) ، (وأنّه إذا اتّهم أخاه انماث الإيمان) أي : ذاب إلى أن قال : وإنّ من اتّهم أخاه فلا حرمة بينهما ، أي : ترتفع حقوق الاخوّة بينهما ، كما قيل : وإنّ من اتّهم أخاه فهو ملعون ملعون هذه جملة من الروايات التي يمكن أن يستدل بها على أصالة الصحّة في فعل الغير ، إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على هذه المضامين مثل ما دلّ على حرمة اتّهام الأخ المسلم وإضمار السوء عليه أو ما يقرب منها مثل قوله عليه‌السلام : المؤمن وحده جماعة (٥) أي : كما يحمل خبر الجماعة على الحسن ، أي : الصدق فكذا خبر المؤمن الواحد ، كما في شرح الاعتمادي.

ولكنّ الإنصاف عدم دلالة هذه الأخبار ، إلّا على أنّه لا بدّ من أن يحمل ما يصدر عن

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٢٩ / ١٢٥. ثواب الأعمال : ٢٩٥ / ١. الوسائل ١٢ : ٢٩٥ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٥٧ ، ح ٤.

(٢) الكافي ٢ : ٣٦١ / ١. الوسائل ١٢ : ٣٠٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٦١ ، ح ١.

(٣) الكافي ٢ : ٣٦١ / ٢. الوسائل ١٢ : ٣٠٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٦١ ، ح ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٢٣١ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٣٠ ، ح ٥.

(٥) الكافي ٣ : ٣٧١ / ٢. الوسائل ٨ : ٢٩٧ ، أبواب صلاة الجماعة ، ب ٤ ، ح ٥.

٣٤١

نحن بصدده.

فإنّه إذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا أو فاسدا لا على وجه قبيح ، بل فرضنا الأمرين في حقّه مباحا ، كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الإذن واقعا أو قبله ، فإنّ الحكم بأصالة عدم ترتّب الأثر على البيع مثلا لا يوجب خروجا عن الأخبار المتقدّمة الآمرة بحسن الظنّ بالمؤمن في المقام.

____________________________________

الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل ولا يحمل على الوجه القبيح عنده ، وهذا غير ما نحن بصدده من أصالة الصحّة بالمعنى الثاني كما عرفت ، وهذه الأخبار مفيدة لأصالة المعنى الأوّل.

وبعبارة واضحة : إنّ هذه الأخبار لا تدلّ على ما نحن بصدده من الصحّة بمعنى ترتيب آثار الصحيح على الأفعال الصادرة من الغير ، بل إنّها ناظرة إلى عدم ترتيب آثار القبيح على الفعل أو القول الصادر من الأخ المؤمن عند الظنّ به ، بعد إمكان الحمل على الوجه الحسن كما هو صريح قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : وأنت تجد لها في الخير سبيلا فيكون مرجع الحمل على الوجه الحسن إلى حسن الظنّ بالأخ المؤمن في ما يصدر منه من الأفعال والأقوال.

وبالجملة ، إنّ هذه الأخبار ناظرة إلى أصالة الصحّة بالمعنى الأوّل ، لا إلى أصالة الصحّة بالمعنى الثاني ، فلا ينافي الحمل على الوجه الحسن مع التوقّف عن ترتيب الآثار على الفعل المشكوك ، كما أشار إليه بقوله :

فإنّه إذا فرض دوران العقد الصادر بين كونه صحيحا أو فاسدا لا على وجه قبيح ، بل فرضنا الأمرين أي : الصحيح والفاسد في حقّه مباحا ، كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الإذن واقعا أو قبله ، فإنّ الحكم بالفساد بأصالة عدم ترتّب الأثر على البيع مثلا لا يوجب خروجا عن الأخبار المتقدّمة الآمرة بحسن الظنّ بالمؤمن في المقام.

توضيح الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ مناط الحسن والقبح هو الإباحة والحرمة ، ومناط الصحّة والفساد ترتّب الأثر وعدمه ، فقد يكون العمل قبيحا وفاسدا كالبيع الربوي ، وكبيع الراهن مع منع المرتهن ، وقد يكون حسنا وصحيحا كبيع الراهن مع إذن المرتهن ، وقد يكون حسنا وفاسدا كبيع الراهن بزعم بقاء إذن المرتهن مع رجوعه عن الإذن واقعا قبل البيع ، فالحسن والصحّة متباينان مناطا ومجتمعان موردا ، والأوّل أعمّ من

٣٤٢

خصوصا إذا كان المشكوك فعل غير المؤمن أو فعل المؤمن الذي يعتقد بصحّة ما هو الفاسد عند الحامل.

ثمّ لو فرضنا أنّه يلزم من الحسن ترتيب الآثار ومن القبيح عدم الترتيب ، كالمعاملة المردّدة بين الربويّة وغيرها ، لم يلزم من الحمل على الحسن ـ بمقتضى تلك الأخبار ـ الحكم بترتّب الآثار ، لأنّ مفادها الحكم بصفة الحسن في فعل المؤمن ، بمعنى عدم الجرح في فعله ، لا

____________________________________

الثاني من حيث المورد ، ومقتضى الأخبار وجوب الحمل على الحسن إذا شكّ في الحسن لا على الصحيح إذا شك في الصحّة ، ففي مثل ما إذا باع الراهن بزعم بقاء الإذن مع رجوع المرتهن عنه واقعا لا يلزم من الحكم بفساد المعاملة مخالفة هذه الأخبار ، لأنّها لا تقتضي الحمل على الصحّة وترتيب الأثر ، كي ينافيها الحكم بفساد المعاملة ، بل تقتضي الحمل على الحسن المباح المجامع مع الفساد ، لأنّ بيع الراهن بزعم إذن المرتهن مباح وإن لم يترتّب عليه الأثر بعد كشف انتفاء إذن المرتهن بالرجوع قبل البيع.

خصوصا إذا كان المشكوك فعل غير المؤمن أي : كان فعل أهل الخلاف أو فعل المؤمن الذي يعتقد بصحّة ما هو الفاسد عند الحامل.

وجه الخصوصيّة على ما في شرح الاعتمادي : إنّه في الفرضين لا يلزم من عدم ترتيب الآثار مخالفة لهذه الأخبار ، وإن قلنا بدلالتها على وجوب الحمل على الصحّة ، لأنّ غاية مفادها وجوب الحمل على الصحيح عند الفاعل لا ترتّب آثار الصحّة الواقعيّة.

وكيف كان ، فمفاد الأخبار المذكورة هو وجوب حمل فعل المؤمن أو المسلم على الوجه الحسن لا على الصحيح ، بمعنى ترتّب الأثر على الفعل الصادر عنه ، ثمّ الحسن وإن كان قد يجتمع مع الصحّة كما عرفت إلّا إنّ الأخبار ناظرة إلى وجوب الحمل على الوجه الحسن فقط ، ومن هنا يظهر أنّ الأخبار لا تنفع في الحمل على الصحّة ولو كان الحسن ملازما للصحّة ، كما إذا تردّد البيع بين كونه ربويّا وغيره فلو حكم بكون هذا البيع المردّد بين الربوي القبيح وبين غيره الحسن حسنا ، لكان صحيحا يترتّب الأثر عليه ، إلّا إنّ الأخبار تدلّ على حسنه لا على صحّته ، كما أشار إليه بقوله :

ثمّ لو فرضنا أنّه يلزم من الحسن ترتيب الآثار ومن القبيح عدم الترتيب ، كالمعاملة المردّدة بين الربوية وغيرها لم يلزم من الحمل على الحسن ـ بمقتضى تلك الأخبار ـ الحكم

٣٤٣

ترتيب جميع آثار ذلك الفعل الحسن.

ألا ترى أنّه لو دار الأمر بين كون الكلام المسموع من مؤمن بعيد سلاما أو تحيّة أو شتما ، لم يلزم من الحمل على الحسن وجوب ردّ السلام.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا جمع الإمام عليه‌السلام ، في رواية محمد بن الفضل (١) بين تكذيب خمسين

____________________________________

بترتّب الآثار ، لأنّ مفادها الحكم بصفة الحسن في فعل المؤمن ، بمعنى عدم الجرح أي : عدم المنع المستلزم لنفي العقاب في فعله ، لا ترتيب جميع آثار ذلك الفعل الحسن أي : لا يحكم بثبوت الأحكام الوضعيّة فيه ، وذلك لما عرفت من عدم دلالة الأخبار إلّا على الحسن ونفي الجرح.

ألا ترى أنّه لو دار الأمر بين كون الكلام المسموع من مؤمن بعيد سلاما أو تحية أو شتما ، لم يلزم من الحمل على الحسن وجوب ردّ السلام ، لأنّ مقتضى الأخبار هو حمل الكلام المذكور على الوجه الحسن بأن لا يكون شتما فلا يثبت بها كونه سلاما ، كي يجب ردّه ، فعدم وجوب ردّ السلام يكون من جهة عدم ثبوت الموضوع ، ومن هنا ظهر أنّ تشبيه المقام بالمثال المذكور يكون في غير محلّه ، بل مثال دوران الكلام بين السلام والشتم غير مربوط بالمقام وذلك فإنّ أصالة الصحّة بالمعنى المبحوث عنه لا يقضي بوجوب ردّ السلام فيما إذا شكّ في أنّ الكلام الصادر عن المسلم كان سلاما أو شتما.

والوجه فيه أنّ أصالة الصحّة لا تقتضي إلّا الحكم بترتيب آثار الصحّة على الفعل بعنوانه الذي صار موضوعا للآثار بعد القطع بصدوره معنونا بالعنوان المذكور. والمعلوم صدوره من المسلم في الفرض المذكور هو مجرّد الكلام لا السلام فيجب عليه ترتيب آثار الكلام الصحيح لو كان له أثر لا إثبات كونه سلاما ، كي يجب ردّه على السلام.

نعم ، لو قطع بصدور السلام ثمّ شكّ في كونه صحيحا بحسب القواعد العربية ومن حيث كون المقصود منه التحيّة أو السخرية مثلا أو فاسدا حكم بوجوب ردّ السلام عليه كما في بحر الفوائد.

والحاصل أنّ المراد من الأخبار هو وجوب فعل المسلم على الوجه الحسن ، وممّا يؤيد

__________________

(١) الكافي ٨ : ١٢٩ / ١٢٥. ثواب الأعمال : ٢٩٥ / ١. الوسائل ١٢ : ٢٩٥ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٥٧ ، ح ٤.

٣٤٤

قسامة ، أعني : البيّنة العادلة ، وتصديق الأخ المؤمن ، فإنّه ممّا لا يمكن إلّا بحمل تصديق المؤمن على الحكم بمطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة ، بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم في اعتقادهم ، لأنّهم أولى بحسن الظنّ بهم من المؤمن الواحد.

____________________________________

هذا المعنى هو جمع الإمام عليه‌السلام في رواية محمد بن الفضل بين تكذيب خمسين قسامة وتصديق الأخ المؤمن ، كما أشار إليه بقوله :

وممّا يؤيّد ما ذكرنا جمع الامام عليه‌السلام ، في رواية محمد بن الفضل بين تكذيب خمسين قسامة ، أعني : البيّنة العادلة ، وتصديق الأخ المؤمن ، فإنّه ممّا لا يمكن إلّا بحمل تصديق المؤمن على الحكم بمطابقة الواقع المستلزم لتكذيب القسامة ، بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم في اعتقادهم ، لأنّهم أولى بحسن الظنّ بهم من المؤمن الواحد.

تأييد ما هو المراد بالأخبار من حمل فعل المسلم على الحسن المباح بجمع الإمام عليه‌السلام بين تصديق الأخ وتكذيب خمسين قسامة يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي :

إنّ الجمع بين تصديق الأخ وتكذيب خمسين قسامة يمكن بأحد وجهين :

أحدهما : ما يظهر من كلام المصنف هنا من أنّ المراد من تصديق الأخ هو حمل قوله على مطابقة الواقع والاعتقاد معا ، فالمراد من تكذيب خمسين قسامة هو حمل قولهم على مخالفة الواقع لامتناع مطابقة الكلّ للواقع ، إلّا إنّه لا بدّ من حمل خبرهم على مطابقة اعتقادهم ، كي يكون حسنا مباحا ، كما هو مفاد الأخبار وأشار إليه بقوله :

لأنّهم أولى بحسن الظنّ بهم من المؤمن الواحد.

فحسن الظنّ المطلوب في حقّهم بالأولويّة يحصل بحمل قولهم على مطابقة الاعتقاد ، فيكون هذا الجمع مؤيّدا لما ذكر من كون الروايات ـ ومنها هذه الرواية ـ ناظرة إلى حمل الفعل أو القول على الحسن المباح.

ثانيهما : هو حمل تصديق المؤمن على التصديق الصوري الاعتقادي ، وحمل تكذيب الخمسين على مخالفة الواقع بمعنى عدم ترتيب الأثر على ما أخبروا به ، مع تصديقهم ـ أيضا ـ بحسب الاعتقاد فيكون ما صدر منهم من القول حسنا ومباحا ، كما يكون ما صدر عن الأخ ـ أيضا ـ مباحا.

إذا عرفت هذه المقدمة يتّضح لك أنّ جمع الإمام عليه‌السلام بين تكذيب خمسين قسامة

٣٤٥

فالمراد من تكذيب السمع والبصر تكذيبهما في ما يفهمان من ظواهر بعض الأفعال من القبح ، كما إذا ترى شخصا ظاهر الصحّة يشرب الخمر في مجلس يظنّ أنّه مجلس الشرب. وكيف كان ، فعدم وفاء الأخبار بما نحن بصدده أوضح من أن يحتاج إلى البيان حتى المرسل الأوّل.

بقرينة ذكر الأخ وقوله : (ولا تظنّن) (١) الخبر.

____________________________________

وتصديق الأخ المؤمن مؤيّد لما ذكرنا ، إلّا إنّ الوجه الأوّل الذي يظهر من كلام المصنف قدس‌سره هنا لا يخلو عن إشكال ، إذ مرجع هذا الجمع إلى ترتيب آثار الصحّة على قول المؤمن وهو خلاف ما هو المطلوب بالفرض ، هذا مضافا إلى كونه مستلزما لترجيح المرجوح على الراجح ، أي : حمل قول الأخ المؤمن على مطابقة الواقع والاعتقاد معا وحمل قولهم على مطابقة الاعتقاد فقط ، ولعلّه الوجه لجعله هذا الوجه مؤيّدا ، لا دليلا.

فالمراد من تكذيب السمع والبصر تكذيبهما في ما يفهمان من ظواهر بعض الأفعال من القبح ، كما إذا ترى شخصا ظاهر الصحّة يشرب الخمر في مجلس يظنّ أنّه مجلس الشرب.

فيكذّب البصر بحمل الشرب على المباح ولا يترتب عليه آثار شرب الخمر من الحدّ وغيره ، كما لا يترتب آثار شرب المباح ـ أيضا ـ لو فرض له أثر بالنذر وغيره.

وكيف كان أي : سواء كان جمعه عليه‌السلام بين تصديقه وتكذيبهم مؤيّدا للمطلوب أم لا ، كما في شرح الاعتمادي فعدم وفاء الأخبار بما نحن بصدده أوضح من أن يحتاج إلى البيان وذلك لظهورها في إجلال شأن المؤمن والنهي عن اتّهامه والأمر بحسن الظنّ به حتى المرسل الأول ، أعني : قوله عليه‌السلام : ضع أمر أخيك على أحسنه ... إلى آخره ، لأنّ لفظ الأحسن فيه ليس للتفضيل ، كي يقال بأنّ الأحسن هو ما ترتّب عليه الأثر للإجماع على أنّه لو تردّد فعل بين الحسن ـ أعني : المباح ـ والأحسن ـ أعني : المستحبّ مثلا ـ يحمل على المستحبّ بقرينة ذكر الأخ حيث يكون ذكره ممّا له دخل في الحمل على الأحسن وعدم الاتّهام لا في الحمل على الصحيح ، لعدم الفرق في الحمل على الصحيح بين الأخ المؤمن وبين المخالف وقوله : ولا تظنّن الخبر ... إلى آخره حيث يكون صريحا في نفي ظنّ

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٢ / ٣. الوسائل ١٢ : ٣٠٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٦١ ، ح ٣.

٣٤٦

وممّا يؤيّد ما ذكرنا ـ أيضا ـ ما ورد في غير واحد من الروايات من عدم جواز الوثوق بالمؤمن كلّ الوثوق.

مثل رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (لا تثقنّ بأخيك كلّ الثّقة ، فان صرعة الاسترسال لا تستقال) (١).

____________________________________

السوء ، فتكون الرواية مسوقة لبيان عدم جواز الظنّ السوء بالأخ المؤمن.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا ـ أيضا ـ ما ورد في غير واحد من الروايات من عدم جواز الوثوق بالمؤمن كلّ الوثوق.

وجه التأييد أنّه لو كان المراد بالأخبار المتقدّمة حمل فعل المسلم على الصحيح ، بمعنى ترتيب الآثار عليه لكانت الأخبار المتقدّمة منافية ومعارضة مع الأخبار الآتية الناهية عن الوثوق بالمؤمن كلّ الوثوق ، وعن حسن الظنّ بالمؤمن مع غلبة الفساد على الزمان وأهله ، ولكن عدم الوثوق القلبي الكامل بالمؤمن لا ينافي حمل فعله وقوله على الصحيح بمعنى الحسن المباح ، إلّا أن يقال : إنّ ظاهر بعض الروايات الآتية هو جواز ظنّ السوء ، فيرد عليه ـ مضافا ـ إلى كونه معارضا للأخبار المتقدّمة الناهية عن ظنّ السوء ـ أنّه مخالف للإجماع ، لأنّ ظنّ السوء حرام بالإجماع ، فالمراد من النهي عن حسن الظنّ في بعض الروايات الآتية هو حسن الظنّ المفرط بالغير بحيث يجعله أمينا وصاحب سرّه ، فيكون النهي للإرشاد.

وكيف كان ، فلا بدّ من ذكر الروايات وتوضيحها طبقا لما في شرح الاعتمادي.

مثل رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : (لا تثقنّ بأخيك كلّ الثقة ، فإنّ صرعة الاسترسال لا تستقال).

أي : السقوط الناشئ عن الاطمئنان بالمؤمن لا يتدارك أصلا ، الصّرعة ـ بكسر الصاد ـ هو بمعنى السقوط والطرح على الأرض ، والاسترسال : بمعنى الطمأنينة إلى الإنسان والثقة به فيما يحدثه والسكون إليه ، لا تستقال : بمعنى لا تتدارك ، وقيل في معنى الرواية : فإنّ المفسدة التي تحصل من الاستيناس بالأخ لا تنفسخ ولا تزول.

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٥٣٢ / ٧. الوسائل ١٢ : ١٤٧ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٠٢ ، ح ٤.

٣٤٧

وما في نهج البلاغة : (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثمّ أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية فقد ظلم ، وإذا استولى الفساد على الزمان وأهله ثمّ أحسن رجل الظنّ برجل ، فقد غرّر) (١).

وفي معناه قول أبي الحسن عليه‌السلام ، في رواية محمّد بن هارون الجلّاب : (إذا كان الجور أغلب من الحقّ لا يحلّ لأحد أن يظنّ بأحد خيرا ، حتى يعرف ذلك منه) (٢) إلى غير ذلك ممّا يجده المتتبّع ، فإنّ الجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة يحصل بأن يراد من الأخبار ترك ترتيب آثار التهمة والحمل على الوجه الحسن ، من حيث مجرّد الحسن والتوقّف فيه ، من حيث ترتيب سائر الآثار.

ويشهد له ما ورد من : (أنّ المؤمن لا يخلو عن ثلاثة : الظنّ والحسد والطيرة ، فإذا حسدت

____________________________________

وما في نهج البلاغة : إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله ثمّ أساء رجل الظنّ برجل لم يظهر منه خزية أي : قبيح فقد ظلم ، وإذا استولى أي : غلب الفساد على الزمان وأهله ثمّ أحسن رجل الظنّ برجل ، فقد غرّر أي : خدع.

وفي معناه قول أبي الحسن عليه‌السلام في رواية محمد بن هارون الجلّاب : (إذا كان الجور أغلب من الحقّ لا يحلّ لأحد أن يظنّ بأحد خيرا ، حتى يعرف ذلك) الخير منه ، إلى غير ذلك ممّا يجده المتتبّع.

وقد عرفت وجه التأييد ، وأشار إليه المصنف بقوله :

فانّ الجمع بينها وبين الأخبار المتقدّمة يحصل بأن يراد من الأخبار السابقة ترك ترتيب آثار التهمة والحمل على الوجه الحسن ، من حيث مجرّد الحسن والإباحة ويراد بالأخبار اللاحقة التوقّف فيه ، من حيث ترتيب سائر الآثار فإذا لم يعلم أنّه سلّم أو شتم لا يتّهم بالشتم ليترتّب عليه الفسق وجواز الغيبة مثلا ، ولا يترتّب ـ أيضا ـ وجوب ردّ السلام.

ويشهد له أي : الجمع المذكور بين الأخبار السابقة واللاحقة ما ورد من : (أنّ المؤمن لا يخلو عن ثلاثة : الظنّ والحسد والطيرة ، فإذا حسدت فلا تبغ) أي : لا تطلب الحسد ، أي : لا

__________________

(١) نهج البلاغة (قصار الحكم) : ١١٤.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٨ / ٢. الوسائل ١٩ : ٨٧ ، كتاب الوديعة ، ب ٩ ، ح ٢.

٣٤٨

فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقّق ، وإذا تطيّرت فامض) (١).

الثالث : الاجماع القولي والعملي

أمّا القولي ، فهو مستفاد من تتبّع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة ، فإنّهم لا يختلفون في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل وإن اختلفوا في ترجيحه على سائر الاصول ،

____________________________________

تظهره ، وإذا ظننت فلا تحقّق أي : لا تتفحّص عن وقوع المظنون ، لأنّ المراد بتحقّق الظنّ هو التفحّص عن وقوع المظنون أو ترتيب آثار الواقع عليه ، وهو المطلوب في المقام ، وإذا تطيّرت فامض والمراد بالمضي هو عدم الاعتناء والتوكّل على الله فإنّ التوكّل يذهب الطيرة. هذا تمام الكلام في الروايات.

الثالث : الإجماع القولي والعملي على أصالة الصحّة ، قال المحقّق الآشتياني قدس‌سره ما هذا لفظه : لا يخفى عليك وضوح تحقّق الإجماع بكلا قسميه على اعتبار أصالة الصحّة بالمعنى المقصود في محلّ البحث ، بل صريح بعض أساطين المشايخ في كشفه أنّ اعتبار أصالة الصحّة في جميع الموجودات ممّا قضى به الإجماع ، بمعنى أنّ الأصل في جميع الأشياء السلامة ، لأنّ الفساد إنّما هو من جهة الأمر الطارئ على خلاف الطبيعة الأصليّة بحيث لو لم يكن لوجد الشيء صحيحا ، فإذا شكّ فالأصل عدمه ولذا ذكروا في المتاجر أنّه يجوز التجارة فيما لا يعلم صحّته وفساده قبل الاختبار ، كالبطيخ والبيض ونحوهما اتّكالا على أصالة الصحّة والسلامة ، إلى أن قال :

وبالجملة ، قيام الإجماع بكلا قسميه على اعتبار أصالة الصحّة ممّا لا يقبل الإنكار عند المنصف الراجع إلى كلماتهم في باب التداعي وغيره ، وسيرة الناس في معاملاتهم». انتهى مورد الحاجة من كلامه.

وقد أشار إلى الاجماع القولي بقوله :

أمّا القولي ، فهو مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة سيما في مسائل التداعي ، كما أشار إليها بقوله : فإنّهم لا يختلفون في مثل ما إذا قال الراهن : بعت العين المرهونة قبل رجوع المرتهن عن الإذن ، وقال المرتهن : رجعت قبل البيع.

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٣ : ١٥٣. البحار ٥٥ : ٣٢٠. الوسائل ١١ : ٣٦٢ ، أبواب آداب السفر ، ب ٨ ، ح ٥.

٣٤٩

كما ستعرف.

وأمّا العملي ، فلا يخفى على أحد أنّ سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحّة في عباداتهم ومعاملاتهم ، ولا أظنّ أحدا ينكر ذلك إلّا مكابرة.

الرابع : [العقل المستقلّ] الحاكم بأنّه لو لم يبن على هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد والمعاش ، بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الأصل أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين.

____________________________________

في أنّ قول مدّعي الصحّة في الجملة مطابق للأصل.

وفي الجملة إشارة إلى تقدّم أصالة الصحّة على استصحاب الفساد بالإجماع ، وأمّا تقدّمها على سائر الاصول ففيه خلاف على ما في شرح الاعتمادي. وقد أشار إلى الاختلاف في تقديمها على سائر الاصول بقوله :

وإن اختلفوا في ترجيحه على سائر الاصول كاستصحاب عدم الإذن فيما إذا ادّعى الراهن ـ البائع ـ إذن المرتهن مع إنكاره.

ثمّ أشار إلى الإجماع العملي بقوله : وأمّا العملي ، فلا يخفى على أحد أنّ سيرة المسلمين في جميع الأعصار على حمل الأعمال على الصحيح وترتيب آثار الصحّة في عباداتهم ومعاملاتهم ، ولا أظنّ أحدا ينكر ذلك إلّا مكابرة.

بل لا تختصّ السيرة المزبورة بالمسلمين ، بل جرت السيرة القطعيّة من كلّ ذي دين في جميع الأعصار على حمل الأفعال الصادرة من الغير على الصحيح ، وهذه السيرة متّصلة بزمان المعصوم عليه‌السلام ولم يرد الردع عنها عنه.

الرابع : العقل المستقلّ الحاكم بأنّه لو لم يبن على هذا الأصل لزم اختلال نظام.

إذ لا تجوز الصلاة ـ حينئذ ـ في ثوب غسله الغير ، ولا يجوز استيجار من وجب عليه الحجّ للحجّ ثانيا. ولا تسقط الواجبات الكفائيّة بإتيان الغير إذا شكّ في الصحّة ، وهكذا ، كما في شرح الاعتمادي.

والمعاش إذ لا يجوز ـ حينئذ ـ المعاملة مع من يشكّ في صحّة معاملته مع أنّ اعتبار

٣٥٠

مع أنّ الإمام عليه‌السلام ، قال لحفص بن غياث ـ بعد الحكم بأنّ اليد دليل الملك ويجوز الشهادة بالملك بمجرّد اليد ـ : (إنّه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق) (١) فيدلّ بفحواه على اعتبار أصالة الصحّة في أعمال المسلمين ، مضافا إلى دلالته بظاهر اللفظ أنّ الظاهر أنّ كلّ ما لو لاه لزم الاختلال فهو حقّ ، لأنّ الاختلال باطل ، والمستلزم للباطل باطل ، فنقيضه حقّ ، وهو اعتبار أصالة الصحّة عند الشكّ في صحّة ما صدر عن الغير. ويشير إليه ـ أيضا ـ ما ورد من نفي الحرج وتوسعة الدين وذمّ من ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم.

____________________________________

السوق واليد والبناء على صحّة ما يقع من النوّاب والوكلاء مبني على هذه القاعدة. وهذا الحكم من العقل ممّا يؤيّده التعليل المذكور في رواية حفص بن غياث كما أشار إليه بقوله : (إنّه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق) فيدلّ بفحواه على اعتبار أصالة الصحّة في أعمال المسلمين ، مضافا إلى دلالته بظاهر اللفظ أنّ الظاهر إنّ كلّ ما لو لاه لزم الاختلال فهو حقّ.

وحاصل الكلام أنّ التعليل المذكور يدلّ على اعتبار أصالة الصحّة من وجهين :

الأول : هو مفهوم الأولويّة ، بمعنى أنّه لو كانت قاعدة اليد حجّة لكانت أصالة الصحّة معتبرة بطريق أولى ، وذلك فإنّ الحاجة إلى اعتبارها أشدّ من الحاجة إلى اعتبار قاعدة اليد.

والثاني : هو المنطوق ، لأنّ ظاهر التعليل هو إعطاء الضابطة ، كما في شرح الاعتمادي ، كما يظهر من كلامه ، أعني : إنّ كلّ ما لولاه لزم الاختلال فهو حقّ سواء كانت أصالة الصحّة أو اليد أو غيرهما لأنّ الاختلال باطل لكونه مخلّا بالغرض والمستلزم للباطل كعدم اعتبار أصالة الصحّة مثلا باطل ، فنقيضه حقّ وهو اعتبار أصالة الصحّة عند الشكّ في صحّة ما صدر عن الغير. ويشير إليه ـ أيضا ـ ما ورد من نفي الحرج وتوسعة الدين وذمّ من ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم.

كقوله عليه‌السلام : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم (٢) أي : حرّموا على أنفسهم بعض ما رزقهم الله افتراء ، كما في شرح الاعتمادي.

ثمّ يذكر المصنف قدس‌سره ستّة امور تحت عنوان التنبيه على امور ، وهذه الامور كلّها ترجع

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٧ / ١. الفقيه ٣ : ٣١ / ٩٢. التهذيب ٦ : ٢٦٢ / ٦٩٥. الوسائل ٢٧ : ٢٩٣ ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، ب ٢٥ ، ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٦٧ / ٧٨٧. التهذيب ٢ : ٣٦٨ / ١٥٢٩. الوسائل ٣ : ٤٩١ ، أبواب النجاسات ، ب ٥٠ ، ح ٣.

٣٥١

____________________________________

إلى هذه المسألة الثالثة ، أعني : أصالة الصحّة في فعل الغير ، كما أنّ المواضع السبع التي تقدّمت كلّها كانت من شئون المسألة الثانية ، أعني : أصالة الصحّة في فعل نفس الفاعل بقاعدتي الفراغ والتجاوز.

٣٥٢

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ المحمول عليه فعل المسلم هل الصحّة باعتقاد الفاعل أو الصحّة الواقعيّة؟

____________________________________

وينبغي التنبيه على امور :

الأوّل : إنّ المحمول عليه فعل المسلم هل الصحّة باعتقاد الفاعل أو الصحّة الواقعيّة؟.

أي : الصحّة باعتقاد الحامل كما في الأوثق ، فيرجع الكلام إلى أنّ الثابت بقاعدة أصالة الصحّة هل هي الصحّة عند الفاعل أو الصحّة عند الحامل؟ ثمّ الصور المتصوّرة في هذا المقام ـ من حيث علم الحامل بعلم الغير بصحيح الفعل وفاسده أو بجهله كذلك أو عدم علم الحامل بحال الفاعل ، ومن حيث تطابق اعتقاد الحامل والفاعل على الصحّة أو تخالفهما على نحو التباين الكلّي أو العموم والخصوص المطلق ـ وإن كانت كثيرة كما في الأوثق ، إلّا أنّا نكتفي بما في شرح الاستاذ الاعتمادي وهو واف بما يأتي في كلام المصنف قدس‌سره من الصور حيث قال :

توضيح الكلام : إنّ حال النسبة بين اعتقاد الفاعل واعتقاد الحامل تتصوّر على سبعة وجوه :

الأوّل : هو تطابق الصحيح باعتقاد الفاعل مع الصحيح باعتقاد الحامل الذي هو الصحيح الواقعي في نظره ، كما إذا اعتقدا معا بصحّة النكاح بالعربي فقط.

الثاني : هو كون اعتقاد الحامل أعمّ من اعتقاد الفاعل ، كما إذا اعتقد الفاعل بصحّة النكاح بالعربي فقط ، واعتقد الحامل بصحّته بالفارسي أيضا.

الثالث : عكس ذلك.

الرابع : هو تباين الاعتقادين ، كما إذا اعتقد الفاعل بصحّته بالعربي فقط ، والحامل بصحّته بالفارسي فقط.

الخامس : الجهل بالتطابق والتباين.

السادس : كون الفاعل جاهلا بالمسألة.

السابع : كونه مجهول الحال.

٣٥٣

فلو علم أنّ معتقد الفاعل ـ اعتقادا يعذر فيه ـ صحّة البيع أو النكاح بالفارسي ، فشكّ في

____________________________________

إذا عرفت هذه الامور فنقول : إن كان مقتضى الأدلّة المتقدّمة هو الحمل على الصحّة الاعتقاديّة ـ أي : الصحّة عند الفاعل ـ فيحمل فعل الفاعل عند الشكّ في الصحّة والفساد على الصحّة في الصورة الاولى ، وتترتّب آثار الصحّة الواقعيّة ـ أيضا ـ عليه ، وذلك لفرض تطابق الاعتقادين فيها.

أمّا الصورة الثانية فحكمها هو الصحّة من دون حاجة إلى أصالة الصحّة ، وذلك لكون الصحّة معلومة عند الحامل والفاعل إذا اوقع عقد النكاح بالعربي.

وأمّا في باقي الصور ، فيحمل الفعل على الصحّة الاعتقاديّة في جميعها إلّا في الصورة السادسة وهي كون الفاعل جاهلا بالمسألة ولا تترتّب آثار الصحّة الواقعيّة ، وذلك لعدم تطابق الاعتقادين أو للشكّ في التطابق ، هذا فيما إذا كان مقتضى الأدلّة هو الحمل على الصحّة عند الفاعل ، وأمّا إن كان مقتضاها الحمل على الصحّة الواقعيّة ـ أي : الصحّة عند الحمل ـ فيمكن أن تترتّب آثار الصحّة عند الشكّ فيها في جميع الصور إلّا في صورة تباين الاعتقادين كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف منّا. والتفصيل يأتي في كلام المصنف قدس‌سره.

وقد أشار إلى مثال الصورة الثالثة بقوله :

فلو علم أنّ معتقد الفاعل اعتقادا يعذر فيه.

وتقييد الاعتقاد بكونه عذرا للفاعل ناظر إلى أنّ الخلاف في الحمل على الصحّة الواقعيّة أو الاعتقاديّة إنّما يأتي في صورة كون اعتقاد الفاعل حجّة ، بأن يكون حاصلا من اجتهاد أو تقليد ، وأمّا في صورة عدم كونه حجّة ، كما إذا حصل من قول الأبوين أو المعلّم فلا عبرة بالاعتقاد ، بل هو ـ حينئذ ـ يكون كالجاهل بالمسألة ، ومعلوم أنّ الخلاف المذكور لا يأتي في الجاهل ، إذ لا معنى هنا للحمل على الصحّة الاعتقاديّة كي يبحث عن أنّ مفاد الأدلّة هل هو الحمل على الصحّة الواقعيّة أو الاعتقاديّة؟.

نعم ، يعقل فيه الحمل على الصحّة الواقعيّة إن كان هو مقتضى الأدلّة ، كما في شرح الاعتمادي. وقد قلت غير مرّة إنّا قد اكتفينا في شرح العبارات على شرح الاستاذ الاعتمادي مع الإشارة إليه أو بدونها.

والحاصل أنّه لو علم أنّ معتقد الفاعل ـ اعتقادا يعذر فيه ـ صحّة البيع أو النكاح

٣٥٤

ما صدر عنه مع اعتقاد الشاكّ اعتبار العربيّة ، فهل يحمل على كونه واقعا بالعربي ، حتى إذا ادّعي عليه أنّه أوقعه بالفارسي وادّعى هو أنّه أوقعه بالعربي ، فهل يحكم الحاكم المعتقد لفساد الفارسي بوقوعه بالعربي أم لا؟ وجهان ، بل قولان.

ظاهر المشهور الحمل على الصحّة الواقعيّة ، فإذا شكّ المأموم في أنّ الإمام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا ، جاز له الائتمام به ، وإن لم يكن له ذلك إذا علم بتركها ، ويظهر من بعض المتأخّرين خلافه.

____________________________________

بالفارسي والعربي فشكّ في ما صدر عنه مع اعتقاد الشاكّ الذي يريد ترتيب الآثار اعتبار العربيّة ، فهل يحمل بمقتضى الأدلّة المتقدّمة على كونه واقعا بالعربي ، حتى إذا انجرّ الأمر إلى التداعي والترافع إلى الحكم بأن ادّعي عليه أنّه أوقعه بالفارسي وادّعى هو أنّه أوقعه بالعربي ، فهل يحكم الحاكم المعتقد لفساد الفارسي بوقوعه بالعربي أم لا؟ وجهان يأتيان عند قول المصنف قدس‌سره ، والمسألة محلّ إشكال ، كما في شرح الاعتمادي.

بل قولان. ظاهر المشهور حيث حكموا في موارد التداعي بقبول شهادة الشاهد على وقوع البيع من دون استفسارهم عنه عن حال المشهود به بأنّه وقع بالعربي أو الفارسي الحمل على الصحّة الواقعيّة ، فإذا شكّ المأموم في أنّ الإمام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا ، جاز له الائتمام به لأنه من آثار الحمل على الصحّة الواقعيّة التي يعتقدها الحامل.

وإن لم يكن له ذلك إذا علم بتركها.

بناء على عدم نفوذ الحكم الظاهري في حقّ شخص في حقّ الآخر واقعا ، كما في شرح الاعتمادي ، ثمّ قال : وقد يقال بأنّه إذا اعتقد الإمام عدم وجوب السورة وتركها ، فإن كان وجوبها عند المأموم ثابتا بالعلم واليقين ، فلا يجوز له الائتمام به لأنّه يعلم بفساد صلاته في الواقع ، وان كان وجوبها عنده ثابتا بالظنّ الاجتهادي ، فيشكل الائتمام من أنّ الإمام ضامن لقراءة المأموم ، فلم يخرج عن عهدة الضمان بحسب اعتقاد المضمون له ، ومن أنّ القراءة في عهدة الإمام ، ويكفي خروجه عن العهدة باعتقاده ، فلا يترك الاحتياط بترك الاقتداء.

ويظهر من بعض المتأخّرين خلافه.

٣٥٥

قال في المدارك في شرح قول المحقّق : «ولو اختلف الزوجان فادّعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحرام وأنكر الآخر ، فالقول قول من يدّعي الإحلال ترجيحا لجانب الصحّة».

قال : «إنّ الحمل على الصحّة إنّما يتمّ إذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك.

____________________________________

أي خلاف ما هو ظاهر المشهور من الحمل على الصحّة الواقعيّة ، فيكون خلافه هو الحمل على الصحّة الاعتقاديّة.

قال في المدارك في شرح قول المحقّق : «ولو اختلف الزوجان فادّعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحرام وأنكر الآخر ، فالقول قول من يدّعي الإحلال ترجيحا لجانب الصحّة».

وحيث لم يقيّد ترجيح جانب الصحّة على علم مدّعي وقوع العقد حال الإحرام بفساده حال الإحرام ، يمكن أن يكون مراده من الصحّة هي الصحّة الواقعيّة.

ثمّ صاحب المدارك في مقام شرح قول المحقّق قدس‌سره قال : إنّ الحمل على الصحّة إنّما يتمّ إذا كان المدّعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك.

ثمّ استظهر المصنف قدس‌سره من كلام صاحب المدارك أنّ مراده من الحمل على الصحّة هو الحمل على الصحّة الاعتقاديّة ، فيكون ما في المدارك مخالفا لما يظهر من المشهور من الحمل على الصحّة الواقعيّة.

وما استظهره من المدارك يتّضح بعد ذكر امور :

منها : إنّ المراد من الصحّة الاعتقاديّة هو الصحّة عند الفاعل وباعتقاده ، ومن الصحّة الواقعيّة هو الصحّة عند الحامل وباعتقاده ، كما عرفت.

ومنها : إنّ الفاعل في المثال المذكور في كلامي المحقّق وصاحب المدارك هو الزوجان ، والحامل هو الحاكم الشرعي.

ومنها : إنّ الصحّة الاعتقاديّة في المثال المذكور متوقّفة على تطابق اعتقادهما دون الصحّة الواقعيّة.

إذا عرفت هذه الامور يتّضح لك ما استظهره المصنف قدس‌سره من المدارك من أنّ المراد من الحمل على الصحّة هو الصحّة الاعتقاديّة دون الواقعيّة ، وذلك لاختصاص صاحب المدارك اعتبار أصالة الصحّة بصورة علم المدّعي لوقوع العقد حال الإحرام بفساده حال

٣٥٦

أمّا مع اعترافه بالجهل فلا وجه للحمل على الصحّة» انتهى.

____________________________________

الإحرام مع اعتقاده بصحّة النكاح حال الإحلال ، فيكون اعتقاده مطابقا لاعتقاد مدّعي وقوع العقد حال الإحلال ، بمعنى أنّهما معتقدان بصحّة النكاح في حال الإحلال فقط ، فيظهر من حكم صاحب المدارك بالصحّة في صورة تطابق الاعتقادين فقط أنّ المحمول عليه فعل المسلم عنده رحمه‌الله هو الصحّة الاعتقاديّة ، إذ لو كان المحمول عليه عنده هو الصحّة الواقعيّة لكان اختصاصه اعتبار أصالة الصحّة بصورة تطابق الاعتقادين فقط لغوا ، لما عرفت من عدم الفرق في الصحّة الواقعيّة بين صورة التطابق وغيرها ، فلم يكن ـ حينئذ ـ معنى للتفصيل المذكور ، كما أشار إليه الآشتياني في بحر الفوائد حيث قال :

«وأمّا ما استظهره من المدارك فهو من جهة تخصيصه اعتبار أصالة الصحّة بصورة علم المدّعي بالفساد ، فيحكم ـ حينئذ ـ بوجوب حمل فعله على الصحّة وإن ادّعى خلافه ، وحكمه بعدم جريانه في صورة جهله مع أنّه لو كان المناط هو الصحّة الواقعيّة لم يكن معنى للتفصيل المذكور كما لا يخفى» انتهى مورد الحاجة من كلامه.

وبالجملة ، إنّ المتوقّف على تطابق الاعتقادين هو الصحّة الاعتقاديّة ، بمعنى وقوع العقد حال الإحلال ، حيث يكون صحيحا باعتقاد كليهما ، وأمّا الحمل على الصحّة الواقعيّة فلا يختصّ بصورة تطابق الاعتقادين.

أمّا مع اعترافه بالجهل المركّب ، واعتقاد الصحّة في حالتي الإحلال والإحرام فلا وجه للحمل على الصحّة لاختلاف الاعتقادين ، وإن كان اعتقاد من يدّعي وقوع العقد حال الإحرام أعمّ من اعتقاد من يدّعي وقوعه حال الإحلال ومن اعتقاد الحامل.

وهنا كلام لغلام رضا رحمه‌الله في تعليقته على الرسائل لا يخلو ذكره عن فائدة ، حيث قال ما هذا لفظه :

«وقد عدّ في المتن من القائلين بالثاني صاحب المدارك ، وفيه إشكال واضح ، كيف وإنكار صاحب المدارك جريان أصالة الصحّة كما هو صريح كلامه ، إنّما هو في الجاهل البسيط ـ أعني : الفاعل ـ الذي يعلم الحامل أنّه جاهل بحكم الفعل الذي باشره ومتردّد فيه؟! وأين ذلك من إنكاره لجريانها في فعل الجاهل المركّب الذي هو المقصود في عنوان المسألة؟! لأنّ الصحّة عند الفاعل المذكور في صدر العنوان لا يتأتّى إلّا فيما إذا كان الفاعل

٣٥٧

ويظهر ذلك من بعض من عاصرناه ، في اصوله وفروعه ، حيث تمسّك في هذا الأصل بالغلبة.

بل ويمكن إسناد هذا القول إلى كلّ من استند في هذا الأصل إلى ظاهر حال المسلم ، كالعلّامة وجماعة ممّن تأخّر عنه ، فإنّه لا يشمل صورة اعتقاد الصحّة ، خصوصا إذا كان قد

____________________________________

عالما بحكم فعله ، ولا يعلم الحامل أنّه أوقع الفعل مطابقا لما هو ثابت عند الفاعل ، أو مطابقا لما هو ثابت عند الحامل بحسب الواقع؟.

فلا ربط بين محلّ إنكاره وما هو بمحلّ العنوان ، ويمكن التفصّي عنه بأنّه إذا أنكر جريان أصالة الصحّة في حقّ الجاهل البسيط فينكر جريانها في حقّ الجاهل المركّب بطريق أولى ، فإنّ الثاني لكون اعتقاده مخالفا لاعتقاد الحامل يكون المقتضي لعدم جريانها في حقّه موجودا بخلاف الأوّل ، فإنّه لكونه متردّدا يكون المانع من جريانها عدم المقتضي ، فيستلزم إنكار جريانها في ما هو فاقد المقتضي للجريان ، لإنكار جريانها في ما هو واجد المقتضي للعدم ، بل بطريق أولى». انتهى.

ويظهر ذلك أي : الحمل على الصحّة الاعتقاديّة من بعض من عاصرناه أي : صاحب القوانين كما في بحر الفوائد والتنكابني وغيرهما في اصوله وفروعه ، حيث تمسّك في هذا الأصل بالغلبة.

وجه استظهار الحمل على الصحّة الاعتقاديّة من كلام المحقّق القمّي أنّه جعل الدليل على أصالة الصحّة الغلبة وتمسّك بها على اعتبارها.

ثمّ تقريب الغلبة على اعتبار أصالة الصحّة أنّ المسلمين في الغالب يعملون على طبق اعتقادهم ، ومن الغلبة يحصل الظنّ في مورد الشكّ أنّه عمل على طبق اعتقاده ، فيكون الثابت بهذا الدليل هو الصحّة الاعتقاديّة ، لأنّ المسلم يأتي بما هو الصحيح باعتقاده لا بما هو الصحيح باعتقاد غيره ، فللحامل أن يرتّب الأثر على فعل الغير بأصالة الصحّة في صورة تطابق الاعتقاد.

بل ويمكن إسناد هذا القول إلى كلّ من استند في هذا الأصل إلى ظاهر حال المسلم ، كالعلّامة وجماعة ممّن تأخّر عنه كالشهيد في تمهيد القواعد وغيره.

فإنّه لا يشمل [إلّا] صورة اعتقاد الصحّة كما في نسخة شرح التنكابني ، والظاهر هي

٣٥٨

أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بيّنة أو غير ذلك.

والمسألة محلّ إشكال ، من إطلاق الأصحاب ، ومن عدم مساعدة أدلّتهم ، فإنّ العمدة الإجماع ولزوم الاختلال. والإجماع الفتوائيّ ـ مع ما عرفت مشكل ـ والعمليّ في

____________________________________

النسخة الصحيحة لا ما في باقي النسخ بإسقاط كلمة «إلّا» ، أي : فإنّه لا يشمل صورة اعتقاد الصحّة بل الحقّ مع إسقاط كلمة «إلّا» إسقاط لفظ الاعتقاد وتقييد الصحّة بالواقعيّة ، كي تكون العبارة : فإنّه لا يشمل صورة الصحّة الواقعيّة.

وكيف كان ، فاستناد هذا الأصل إلى ظاهر المسلم ظاهر في الصحّة الاعتقاديّة لا الصحّة الواقعيّة ، فإنّ ظاهر حال المسلم هو أنّه يأتي بما يكون موافقا لاعتقاده باجتهاد أو تقليد أو غيرهما ، سواء كان على طبق الواقع أم لا ومطابقا باعتقاد الحامل أم لا ، فلو كان اعتقاد الفاعل على خلاف اعتقاد الحامل ، لا بدّ من حمل الفعل على الصحّة عند الفاعل على ما يقتضيه ظاهر حاله ، ولا مقتضي لحمله على الصحّة عند الحامل ، إلّا فيما إذا كان اعتقاد الفاعل مطابقا لاعتقاد الحامل ، فيكون مقتضى هذا الدليل ـ كالدليل السابق ـ هو وجوب الحمل على الصحّة الاعتقاديّة فيما إذا كان الفاعل معتقدا بصحّة ما هو فاسد واقعا وباعتقاد الحامل.

خصوصا إذا كان قد أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بيّنة أو غير ذلك.

وجه الخصوصيّة أنّ الاعتقاد إذا لم يكن ممّا أمضاه الشارع كالاعتقاد الحاصل من قول الأبوين أو المعلّم ، فهو في حكم العدم ، فيكون الفاعل بحكم الجاهل بالمسألة ولا يجري في حقّه أصالة الصحّة الاعتقاديّة أيضا.

والمسألة محلّ إشكال ، من إطلاق الأصحاب.

بمعنى أنّ المشهور يحكمون في موارد المسألة بالصحّة بمعنى ترتيب الآثار من دون تقييد ذلك بصورة تطابق الاعتقادين ، فيشمل إطلاقهم جميع الصور المتقدّمة عدا صورة تباين الاعتقادين ، كما في شرح الاعتمادي.

ومن عدم مساعدة أدلّتهم ، فإنّ العمدة الإجماع ولزوم الاختلال لعدم تماميّة دلالة الكتاب والسنة والإجماع الفتوائيّ مع ما عرفت من ظهور المخالفة من صاحبي المدارك والقوانين ، بل كلّ من استند في هذا الأصل بالغلبة وظاهر حال المسلم كما في شرح

٣٥٩

مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحّة ـ أيضا ـ مشكل ، والاختلال يندفع بالحمل على الصحّة في غير المورد المذكور.

____________________________________

الاعتمادي مشكل إذ لا يتحقّق الإجماع على الحمل على الصحّة الواقعيّة مطلقا ، مع ظاهر فتاوى جمع كثير على الحمل على الصحّة الاعتقاديّة في غير صورة تطابق الاعتقادين ، إلّا أن يقال بأنّ مخالفة البعض غير قادح في الإجماع على طريقة الحدس المعوّل عليه عند المتأخّرين ، هذا مضافا إلى ما في محكي التنكابني من أنّ ظاهر المتمسّكين بظهور حال المسلم ، كما يعلم من الرجوع إلى كلماتهم في الفروع الفقهيّة الاتّفاق على الحمل على الصحّة الواقعيّة.

وقال بعضهم بأنّ الذي يظهر من الطريقة الجارية والسيرة المستمرة هو الحمل على الصحّة الواقعيّة ، كيف ولو لا ذلك لم يقم للمسلمين سوق لاختلافهم في أحكام الذبائح والجلود وغيرها؟ فلو لم نقل بأصالة حمل فعل المسلم على الصحّة الواقعيّة لم يجز لنا أن نأخذ شيئا من اللحوم والجلود مع عدم علمنا بحقيقة الحال ، وهو خلاف الطريقة الجارية من لدن أعصار الأئمّة عليهم‌السلام ، بل يجري ذلك بالنسبة إلى أهل الحقّ لاشتباه الأمر على جمع من الأعلام في كثير من الأحكام ، فيزعمون صحّة ما هو فاسد عند العلماء ، فإذا كان مفاد الأصل المذكور مجرّد إفادة الصحّة بزعم الفاعل ، صعب الأمر على جمع من الأعلام جدّا ولم يمكن الحكم بصحّة شيء من العقود والإيقاعات ، ولم يجز أخذ شيء من اللحوم والجلود ولو من من أهل الحقّ ، إلّا بعد التحقيق عمّا يعتقده ذلك الشخص وهو ممّا تقضي الضرورة بفساده.

والعمليّ في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحّة ـ أيضا ـ مشكل.

أي : الإجماع العملي ـ أعني : السيرة على الحمل على الصحّة الواقعيّة في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحّة ، أي : لصحّة ما هو فاسد واقعا وعند الحامل ـ مشكل ، لأنّ المسلّم من الحمل على الصحّة الواقعيّة هو صورة تطابق الاعتقادين ، كما عرفت غير مرّة ، ولم يثبت ذلك في صورة اعتقاد الفاعل بصحّة ما هو فاسد واقعا فضلا عن ادّعاء قيام السيرة عليها ، أمّا الحمل على الصحّة الاعتقادية فلا إشكال فيه.

والاختلال يندفع بالحمل على الصحّة في غير المورد المذكور.

٣٦٠