دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

النصّ في الروايات على عدم اعتبار الهويّ للسجود والنهوض للقيام.

وممّا يشهد لهذا التوجيه إلحاق المشهور الغسل والتيمّم بالوضوء في هذا الحكم ، إذ لا وجه له ـ ظاهرا ـ إلّا ملاحظة كون الوضوء أمرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض ، أعني : الطهارة.

____________________________________

شكّ في ذكر حرف أو كلمة أو آية بعد الدخول في الغير ، بل جعل بعضهم كالشيخ والشهيد على ما في شرح الاعتمادي القراءة فعلا واحدا ، وقد عرفت النصّ في الروايات على عدم اعتبار الهويّ للسجود والنهوض للقيام فلا بعد ـ حينئذ ـ في عدم اعتبار الدخول بجزء آخر من الوضوء ما لم يحصل الفراغ عنه.

نعم ، خالف المحقّق الأردبيلي قدس‌سره للمشهور حيث أجرى قاعدة التجاوز في كلّ فعل من أفعال الصلاة فيما إذا شكّ فيه بعد الدخول في غيره ، وذلك فإنّ المراد من الغير الذي يعتبر الدخول فيه هو مطلق ما يكون غير المشكوك ، ركنا كان أو غيره ، كان له باب أو اسم مستقلّ أم لا. وما اختاره المحقّق الأردبيلي قدس‌سره وتبعه غير واحد من المتأخّرين أحد الأقوال في الغير الذي يعتبر الدخول فيه.

والقول الثاني الذي نسب إلى القدماء هو أنّ المراد من الغير هو الأفعال المسمّى كلّ واحد منها باسم خاصّ ومبوّب بباب مستقلّ ، كالأذان والإقامة والنيّة والقراءة والركوع والسجود والتشهّد والتسليم ، ولازم ذلك عدم العبرة بالشكّ في النيّة بعد الدخول في القراءة ، ولا بالشكّ فيها بعد الدخول في الركوع وهكذا.

والقول الثالث هو اختصاص الغير بما لا يمكن الرجوع إلى المشكوك بعد الدخول فيه وهو الأركان ، فيجوز الرجوع إلى المشكوك قبل الدخول في ركن ، ولازمه أنّه لو شكّ في الجزء الأوّل من القراءة قبل الهوي إلى الركوع وقبل الوصول إلى حدّه يعود إليه. فما ذكره المصنف قدس‌سره من جعل بعض القراءة فعلا واحدا مبني على القول الثاني.

وممّا يشهد لهذا التوجيه ، أعني : اعتبار الوضوء أمرا بسيطا هو إلحاق المشهور الغسل والتيمّم بالوضوء في هذا الحكم ، إذ لا وجه له ظاهرا إلّا تنقيح المناط القطعي ، أعني : ملاحظة كون الوضوء أمرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض ، أعني : الطهارة. هذا تمام الكلام في الموضع الرابع.

٣٢١

الموضع الخامس : ذكر بعض الأساطين : «إنّ حكم الشكّ في الشروط بالنسبة إلى

____________________________________

الموضع الخامس : والكلام في هذا الموضع الخامس يقع في أنّ الشكّ في الشروط هل هو كالشكّ في الأجزاء في جريان قاعدة التجاوز والفراغ أم لا؟ فلا بدّ أوّلا : من بيان أقسام الشروط. وثانيا : من بيان الأقوال مع ما يمكن أن يكون وجها لكلّ واحد منها. وثالثا : من بيان ما اختاره المصنف منها.

أمّا أقسام الشروط المعتبرة في الصلاة ، فهي ثلاثة :

الأوّل : ما يكون تحقّقه معتبرا قبل العمل ، فيكون محلّه حسب الجعل الشرعي مقدّما على المشروط ، وذلك كالإقامة بناء على كونها شرطا للصلاة ، كما قيل.

والثاني : ما اعتبر تقارنه مع العمل ، فيكون من قبيل الشرط المقارن وهو على قسمين :

أحدهما : ما يكون شرطا للأجزاء دون الأكوان المتخلّلة ، بأن يكون تحقّقه معتبرا حال وجود الأجزاء فقط ، وذلك كالاستقرار في الصلاة ، إذ المعتبر هو الإتيان بالأجزاء مع الاستقرار ، ولم يدلّ دليل على اعتباره في الأكوان المتخلّلة ، وكذلك النيّة حيث يكون المعتبر في العبادات هو اقتران أجزائها بها ، فلا يضرّ فقدانها في الأكوان المتخلّلة ، وذلك لعدم الدليل على اعتبارها إلّا في حال وجود الأجزاء ، فمن اشتغل بالوضوء مثلا ثمّ بدا له في أثنائه ، وعزم على عدم إتمامه ، ثمّ رجع إلى العزم على إتمامه قبل فوات الموالاة صحّ وضوؤه ، وكذا الحال في الصلاة.

وثانيهما : ما يكون شرطا للمجموع بأن يكون تحقّقه معتبرا من أوّل العمل إلى آخره حتى في الأكوان المتخلّلة ، وذلك كالاستقبال في الصلاة حيث يكون معتبرا في مجموع الصلاة حتى في الأكوان المتخلّلة ، لأنّ الاستدبار ـ ولو في الأكوان المتخلّلة ـ مانع عن اتّصال الأجزاء اللاحقة بالأجزاء السابقة ، فتكون الصلاة معه باطلة. وكذا الطهارة من الحدث ، فإنّ طروّ الحدث ولو في الأكوان المتخلّلة موجب لبطلان الصلاة بلا فرق بين القول بكون الطهارة عبارة عن الحالة النفسانيّة المسبّبة عن الغسل والمسح على ما هو المعروف ، أو القول بكونها عبارة عن نفس الغسل والمسح ، فإنّ الطهارة بالمعنى الثاني وإن كانت متصرّمة الوجود ، إلّا إنّه لها بقاء في نظر الشارع كما في تقرير سيدنا الاستاذ مع تلخيص منّا. وهذا هو العمدة في أقسام الشروط.

٣٢٢

الفراغ عن المشروط ، بل الدخول فيه ، بل الكون على هيئة الداخل ، حكم الأجزاء في عدم الالتفات ، فلا اعتبار بالشكّ في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها ، والاستقرار ونحوها بعد الدخول في الغاية. ولا فرق بين الوضوء وغيره» انتهى ، وتبعه بعض من تأخّر عنه.

واستقرب في مقام آخر إلغاء الشرط في الشكّ بالنسبة إلى غير ما دخل فيه من الغايات.

____________________________________

وأمّا الأقوال ، فالأوّل منها هو جريان قاعدة التجاوز في جميع أقسام الشروط سواء كان الشكّ فيها قبل الفراغ أو بعده ، كما أشار إليه بقوله :

ذكر بعض الأساطين ، أعني : كاشف الغطاء قدس‌سره : إنّ حكم الشكّ في الشروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط وذلك كالشكّ في الطهارة بعد إتيان صلاة الظهر بل الدخول فيه ، أي : بل الشكّ في الشروط بالنسبة إلى الدخول في المشروط بل الكون على هيئة الداخل ، حكم الأجزاء في عدم الالتفات أي : حكم الشكّ في الشروط هو حكم الشكّ في الأجزاء في جريان قاعدة التجاوز بأن لا يلتفت إلى الشكّ بعد التجاوز والفراغ. والوجه فيه هو عموم الروايات كقوله عليه‌السلام : كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو (١).

وحاصل الاستدلال بالروايات على جريان قاعدة التجاوز في الشروط على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الروايات تبيّن اعتبار ظاهر حال العاقل بأنّه لا يقدم على العمل في مقام إبراء الذمّة إلّا بعد إحراز ما يعتبر فيه ، وتقرّر بناء العقلاء على عدم العبرة بالشكّ بعد التهيؤ فضلا عن التجاوز والدخول في الغير أو الفراغ.

فلا اعتبار بالشكّ في الوقت والقبلة واللباس والطهارة بأقسامها أي : عن الخبث والحدث الأصغر والأكبر والاستقرار أي : الطمأنينة ونحوها كالنيّة بعد الدخول في الغاية كالصلاة مثلا وتبعه بعض من تأخّر عنه كالشيخ مهدي النوري في تعليقه على كشف الغطاء على ما في شرح الاعتمادي.

واستقرب كاشف الغطاء في مقام آخر إجراء إلغاء الشرط في الشكّ بالنسبة إلى غير ما دخل فيه من الغايات كالعصر بالنسبة إلى الشكّ في الطهارة في صلاة الظهر ، فكما

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦. الوسائل ٨ : ٢٣٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ٣.

٣٢٣

وما أبعد ما بينه وبين ما ذكره بعض الأصحاب من اعتبار الشكّ في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط ، فأوجب إعادة المشروط.

والأقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغو الشكّ في الشرط بالنسبة إليه ، لعموم لغويّة الشكّ في الشيء بعد التجاوز عنه.

____________________________________

لا يعتنى بالشكّ في الطهارة بالنسبة إلى الظهر كذلك لا يعتنى به بالنسبة إلى العصر أيضا. هذا تمام الكلام في القول الأوّل وهو جريان قاعدة التجاوز في الشروط مطلقا.

والقول الثاني يكون في مقابل القول الأوّل ، أعني : عدم جريان قاعدة التجاوز في الشروط مطلقا ، وهو ما أشار إليه بقوله :

وما أبعد ما بينه ، أعني : قول كاشف الغطاء وبين ما ذكره بعض الأصحاب كصاحب المدارك والفاضل الهندي في كشف اللثام ، حيث يظهر منهما المنع مطلقا ، أي : حتى إذا حصل الشكّ بعد الفراغ عن المشروط ، كما أشار إليه بقوله : من اعتبار الشكّ في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط ، فأوجب إعادة المشروط.

وحاصل ما عن المدارك وكشف اللثام هو عدم جريان قاعدة التجاوز في الشكّ في الشرط أصلا ، ففي محكي كشف اللثام بعد نقل كلام العلّامة في باب الطواف ، إنّه إن شكّ في الطهارة في أثناء الطواف استأنفه مع الطهارة ، لأنّه شكّ في العبادة قبل تمامها ، لأنّ الشكّ في شرطها شكّ فيها ، ولعلّ الوجه في عدم جريان قاعدة التجاوز في الشكّ هو عدم شمول لفظ الشيء في روايات قاعدة التجاوز للشرائط ، فلا تجري ـ حينئذ ـ القاعدة لو شكّ بعد الصلاة في الطهارة أو الستر أو في شرائطهما من غير فرق بين كون الشرط ممّا يجب إتيانه قبل المشروط أو تجب مقارنته مع المشروط.

وحاصل الوجه للقول بالمنع والإنكار مطلقا هو أنّ لفظ الشيء في الأخبار منصرف عن الشرائط لظهوره في الامور الوجوديّة والشرط ليس كذلك ، بل هو من الحالات الحاصلة للمكلّف ، فلا يشمله لفظ الشيء. هذا تمام الكلام في القول الثاني.

ثمّ أشار إلى القول الثالث بقوله :

والأقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغو الشكّ في الشرط بالنسبة إليه ، لعموم لغويّة الشكّ في الشيء بعد التجاوز عنه.

٣٢٤

أمّا بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشكّ فيه ، لأنّ الشرط المذكور من حيث كونه شرطا لهذا المشروط لم يتجاوز عنه ، بل محلّه باق ، فالشكّ في تحقّق شرط هذا المشروط شكّ في الشيء قبل تجاوز محلّه ، وربّما بنى بعضهم ذلك على أنّ معنى عدم العبرة بالشكّ في الشيء بعد تجاوز المحلّ ، هو البناء على الحصول أو يختصّ بالمدخول.

____________________________________

أمّا بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشكّ فيه.

وحاصل هذا التفصيل الذي قوّاه المصنف قدس‌سره يرجع إلى التفصيل والتخصيص بالنسبة إلى جريان القاعدة في الشكّ في الشرط من جهتين :

الجهة الاولى : اختصاص عدم العبرة بالشكّ في الشرط بعد الفراغ عن المشروط.

والجهة الثانية : اختصاص المشروط بالمشروط الذي حصل الفراغ عنه دون غيره ، فإذا شكّ في الطهارة بعد الفراغ عن الظهر لا يعتدّ بالشكّ في الطهارة بالنسبة إلى الظهر لكونه هو المشروط الذي فرغ عنه ، ويعتدّ بالشكّ في الطهارة بالنسبة إلى العصر ، فيجب تحصيل الطهارة بالنسبة إلى العصر.

ثمّ الوجه للتخصيص من الجهة الاولى هو عدم صدق أخبار القاعدة على الشكّ في الشرط قبل الفراغ عن المشروط ، وصدقها على الشكّ في الشرط بعد الفراغ عن المشروط ، كما لا يخفى.

وأمّا الوجه للتخصيص من الجهة الثانية ، فلاختصاص الأخبار بالدلالة على الحكم بوجود الشرط بالنسبة إلى المشروط الذي فرغ عنه ، بل مقتضاها منطوقا ومفهوما هو اعتبار الشكّ في الشرط بالنسبة إلى مشروط آخر ، كما في بحر الفوائد مع تلخيص منّا ، ثمّ توضيح العبارة طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي فالشكّ في تحقّق شرط هذا المشروط أي : المشروط الآخر ، كالعصر بالفرض شكّ في الشيء قبل تجاوز محلّه فلا تجري القاعدة.

وربّما بنى بعضهم ذلك أعني : لغويّة الشكّ بالنسبة إلى سائر الغايات ، على أنّ معنى عدم العبرة بالشكّ في الشيء بعد تجاوز المحلّ ، هو البناء على الحصول ، أي : حصول الشرط المشكوك بأن يحكم بحصول الطهارة إذا شكّ فيها ، فلا يفرّق ـ حينئذ ـ بين الغايات ،

٣٢٥

أقول : لا إشكال في أنّ معناه البناء على حصول المشكوك فيه ، لكن بعنوانه الذي يتحقّق معه تجاوز المحلّ ، لا مطلقا.

فلو شكّ في أثناء العصر في فعل الظهر ، بنى على تحقّق الظهر بعنوان أنّه شرط للعصر ولعدم وجوب العدول إليه ، لا على تحقّقه مطلقا حتى لا يحتاج إلى إعادتها بعد فعل العصر ، فالوضوء المشكوك في ما نحن فيه إنّما ، فات محلّه من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقّق ، لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل.

____________________________________

فيجوز أن يصلّي العصر من دون تحصيل الطهارة الجديدة أو يختص بالمدخول بأن يكون معنى عدم العبرة بالشكّ في الشرط مختصّا بالمشروط الذي دخل فيه ، وهو الظهر في المثال المتقدّم دون العصر.

أقول : لا إشكال في أنّ معناه بحسب فهم العرف هو البناء على حصول المشكوك فيه ، لكن بعنوانه الذي يتحقّق معه تجاوز المحلّ ، لا مطلقا.

فالطهارة المشكوكة محكومة بالحصول بعنوان أنّها شرط للظهر ، إذ بهذا العنوان يتحقّق تجاوز محلّها ، لا بعنوان أنّها شرط للعصر من دون فرق فيما ذكر بين كون القاعدة من الاصول أو الأمارات ، لأنّ المناط في جريان القاعدة هو عنوان التجاوز عن المحلّ فلا تجري فيما إذا لم يتحقّق التجاوز عن المحلّ ، فإذا شكّ في أثناء العصر في فعل الظهر بنى على تحقّق الظهر بعنوان أنّه شرط للعصر لصدق التجاوز عن المحلّ حينئذ ، فلا يجوز البناء على تحقّقه بعنوان أنّه واجب نفسي ، كي لا تجب الإعادة.

وبالجملة ، إنّ لتحقّق الظهر قبل العصر عنوانين :

أحدهما : إنّه واجب في نفسه.

ثانيهما : إنّه شرط لصحّة العصر ، ولهذا لو شكّ في تحقّقه في أثناء العصر بنى على تحقّقه بعنوان أنّه شرط ، فلا يجب العدول إليه كما أشار إليه بقوله :

فلو شكّ في أثناء العصر في فعل الظهر ، بنى على تحقّق الظهر بعنوان أنّه شرط للعصر ولعدم وجوب العدول إليه ، لا على تحقّقه مطلقا أي : حتى بعنوان وجوبها النفسي حتى لا يحتاج إلى إعادتها بعد فعل العصر.

إلى أن قال المصنف قدس‌سره :

٣٢٦

ومن هنا يظهر أنّ الدخول في المشروط ـ أيضا ـ لا يكفي في إلغاء الشكّ في الشرط ، بل لا بدّ من الفراغ عنه ، لأنّ نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة ، وتجاوز محلّه باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية ، فلا بدّ من إحرازه للأجزاء المستقبلة.

نعم ، ربما يدّعى ـ في مثل الوضوء ـ أنّ محلّ إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة لا عند كلّ جزء ، ومن هنا قد يفصّل بين ما كان من قبيل الوضوء ممّا يكون محلّ إحرازه قبل الدخول في العبادة وبين غيره ممّا ليس كذلك ، كالاستقبال والستر ، فإنّ إحرازهما ممكن في

____________________________________

ومن هنا ، أي من الحكم بحصول المشكوك بعنوانه الذي يتحقّق معه التجاوز يظهر أنّ الدخول في المشروط ـ أيضا ـ لا يكفي في إلغاء الشكّ في الشرط ، بل لا بدّ من الفراغ عنه ، لأنّ نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة وهي الشرطيّة لكونه شرطا لمجموع العمل الواجب.

وتجاوز محلّه إذا شكّ في الأثناء إنّما هو باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية ، فلا بدّ من إحرازه للأجزاء المستقبلة إن أمكن إحرازه في الأثناء كالساتر مثلا ، وإن لم يمكن إحرازه في الأثناء كالطهارة يستأنف الواجب بعد تحصيلها. هذا تمام الكلام في القول الثالث.

نعم ، هنا تفصيل آخر وهو القول الرابع ، وقد أشار إليه بقوله :

ومن هنا قد يفصّل بين ما كان من قبيل الوضوء ممّا يكون محلّ إحرازه قبل الدخول في العبادة وبين غيره ممّا ليس كذلك ، كالاستقبال والستر ، فإنّ إحرازهما ممكن في كلّ جزء.

وحاصل الكلام في هذا التفصيل هو أنّ التفصيل المذكور مبني على أن يكون الوضوء ممّا يجب إحرازه قبل الدخول في الغاية ، كالصلاة وغيرها ، فيكون محلّ الوضوء قبل الصلاة ، فإذا شكّ فيه في أثناء الصلاة كان الشكّ بعد تجاوز محلّه ، فلا يعتدّ بالشكّ حتى بالنسبة إلى سائر الغايات ، ومن هنا يفصل بين الشرط المشكوك فيه الذي يمكن إحرازه وتحصيله حال الشكّ في الأثناء كالستر والاستقبال والنيّة بالنسبة إلى الصلاة ، وبين الشرط المشكوك فيه الذي لا يمكن إحرازه حين الشكّ في الأثناء كالوضوء على الفرض المزبور ، بأن يعتدّ بالشكّ في القسم الأوّل فيجب إحرازه بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة.

نعم ، لا يلتفت إليه ويبني على تحقّق الشرط بالنسبة إلى السابقة لصدق التجاوز بالنسبة

٣٢٧

كلّ جزء ، وليس المحلّ الموظّف لإحرازهما قبل الصلاة بالخصوص ، بخلاف الوضوء.

وحينئذ فلو شكّ في أثناء الصلاة في الستر أو الساتر ، وجب عليه إحرازه في أثناء الصلاة للأجزاء المستقبلة ، والمسألة لا تخلو عن إشكال ، إلّا إنّه ربّما يشهد لما ذكرنا ـ من التفصيل بين الشكّ في الوضوء في أثناء الصلاة ، وفيه بعده ـ صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام

____________________________________

إليها دون الأجزاء اللاحقة ولا يعتدّ بالشكّ في القسم الثاني ، أعني : الوضوء مطلقا ، وذلك لتجاوز محلّه بالنسبة إلى الجميع ، وقد نسب هذا التفصيل إلى صاحب الجواهر ، ثمّ وجه هذا التفصيل واضح ، وهو صدق تجاوز المحلّ فيما إذا شكّ في الوضوء في الأثناء وعدم صدقه بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة فيما إذا شكّ في الستر مثلا في الأثناء.

وبعبارة اخرى : القول الرابع هو التفصيل في الشرائط بين ما كان اللازم إيجادها قبل الصلاة كالطهارة ، وبين ما كان مقارنا لجميع أفعال الصلاة كالستر والاستقبال فتجري القاعدة في الأوّل دون الثاني.

هذا تمام الكلام في نقل عمدة الأقوال مع وجه كلّ واحد منها ، وبقي الكلام في الأمر الثالث وهو مختار المصنف قدس‌سره من هذه الأقوال ، وتقدّم أنّه اختار القول الثالث وهو التفصيل بين الشكّ في الشرط بعد الفراغ عن المشروط فلا يعتنى به بالنسبة إلى المشروط الذي حصل الفراغ عنه ، وبين الشكّ في الشرط قبل الفراغ عنه فيجب الالتفات إليه ، هذا ملخّص الكلام في المقام ، ومن يريد بسط الكلام فعليه بالكتب المبسوطة كالأوثق مثلا.

والمسألة لا تخلو عن إشكال.

حيث يكون التفصيل الأوّل مبنيّا على كون نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط واحدة ، كما أنّ التفصيل الثاني مبنيّ على أن يكون محلّ الوضوء قبل الدخول في الصلاة ، فيمكن ردّ كلا التفصيلين بردّ المبنى سيما التفصيل الثاني.

ففيه : إنّ الشرط ليس فعل الوضوء بل هو الحالة الحاصلة منه ، يعتبر اقترانها لجميع أفعال الصلاة كالستر ، ولذا تبطل الصلاة على تقدير انتفاء الطهارة ولو في جزئها الأخير ، ثمّ يذكر لما اختاره من التفصيل شاهدا من الرواية حيث يقول :

إلّا إنّه ربّما يشهد لما ذكرنا من التفصيل بين الشكّ في الوضوء في أثناء الصلاة فيجب الاستئناف مع عدم إحراز الشرط وفيه بعده أي : الشكّ في الوضوء بعد الصلاة ، فلا

٣٢٨

قال : سألته عن الرجل يكون على وضوء ثمّ يشكّ ، على وضوء هو أم لا؟ قال : (إذا ذكرها وهو في صلاته انصرف وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك) (١) بناء على أنّ مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثمّ شكّ في ذلك.

الموضع السادس : إنّ الشكّ في صحّة الشيء المأتي به حكمه حكم الشكّ في

____________________________________

يستأنف صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يكون على وضوء ثمّ يشكّ ، على وضوء هو أم لا؟ قال : (إذا ذكرها) أي : التفت إلى الشكّ في الطهارة (وهو في صلاته انصرف) عن الصلاة ، وتطهّر (وأعادها ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك) بناء على أنّ مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثمّ شكّ في ذلك بأن يكون الشكّ بعد الاعتقاد بالطهارة من قبيل الشكّ الساري ، لا الشكّ الطاري المعتبر في الاستصحاب.

وتوضيح الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ قوله : «الرجل يكون على وضوء ثمّ يشكّ ... إلى آخره» يحتمل فيه معنيان :

أحدهما : إنّ الرجل كان معتقدا بأنّه متطهّر ثمّ شكّ فيه بالشكّ الساري الذي هو ـ أيضا ـ من موارد قاعدة التجاوز ، فتكون الرواية مؤيّدة لما ادّعاه في مثل الطهارة من التفصيل بين الشكّ في الأثناء والشكّ بعد الفراغ.

وثانيهما : إنّ الرجل تطهّر ثمّ شكّ في بقاء طهارته في الأثناء أو بعد الفراغ ، وعلى هذا المعنى تكون الرواية أجنبيّة عمّا نحن فيه ومخالفة للإجماع ، لأنّ وظيفة الشاكّ في الطهارة في أثناء الصلاة هو استصحابها ، لا إعادة الصلاة ، فتكون الصحيحة مؤيّدة لما هو مقصود المصنف قدس‌سره من التفصيل المذكور بناء على الشكّ الساري لا بناء على الاستصحاب إلّا أن يقال بأنّ الصحيحة ظاهرة في الاستصحاب لا في الشكّ الساري ، فحينئذ لا ربط لها بالمقام ، كما عرفت.

الموضع السادس :).

والغرض من البحث في هذا الموضع السادس هو بيان حكم الشكّ في صحّة المأتي به الناشئ من انتفاء ما له دخل في تحقّق المأتي به على نحو الصحيح مقابل الغلط ، كأداء

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٧٧ / ٦٥١. الوسائل ١ : ٤٧٣ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٤ ، ح ٢.

٣٢٩

الإتيان ، بل هو هو ، لأنّ مرجعه إلى الشكّ في وجود الشيء الصحيح. ومحلّ الكلام ما لا يرجع فيه الشكّ إلى الشكّ في ترك بعض ما يعتبر في الصحّة.

____________________________________

الحروف من المخارج وأداء الكلام على طبق ما هو المقرّر في النحو وعلى الترتيب المقرّر في اللغة ونحوها ، كالموالاة بين حروف الكلمة أو كلمات الآية ، فيبحث عن الشكّ في صحّة الشيء المأتي به الناشئ عن انتفاء الامور المذكورة ، هل حكمه حكم الشكّ في أصل الإتيان ، فتجري فيه قاعدة التجاوز ، كما تجري في الشكّ في أصل إتيان القراءة بعد التجاوز عن المحلّ أم لا؟.

يقول المصنف قدس‌سره بأنّ حكم الشكّ في صحّة المأتي به هو حكم الشكّ في الإتيان بل هو هو ، لأنّ مرجعه أي : الشكّ في صحّة المأتي به الموجود إلى الشكّ في وجود الشيء الصحيح. فما دلّ على عدم العبرة بالشكّ في الوجود بعد تجاوز المحلّ يعمّ الشكّ في الصحّة أيضا ، كما لا يخفى.

قوله : ومحلّ الكلام ما لا يرجع فيه الشكّ إلى الشكّ في ترك بعض ما يعتبر في الصحة.

دفع لما يمكن أن يتوهّم ، من أنّ البحث عن الشكّ في صحة المأتي به في الموضع السادس يرجع إلى الشكّ فيما يعتبر فيه ، وقد تقدّم الكلام فيه في الموضع الخامس فالبحث عنه ثانيا في هذا الموضع السادس ليس إلّا تكرارا لما سبق ، وحاصل الدفع يتّضح بعد الفرق بين ما تقدّم البحث عنه في الموضع الخامس ، وبين ما يبحث عنه في هذا الموضع السادس.

وتوضيح الفرق : إنّ محلّ الكلام في الموضع الخامس هو الشكّ في الشروط التي لها وجودات مستقلّة مع قطع النظر عن وجود مشروطها كالطهارة والاستقبال والستر ونحوها ، فيرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في أصل وجودها وهو مورد قاعدة التجاوز ، فتجري فيها قاعدة التجاوز ، حتى القول بعدم شمولها للشكّ في الصحّة.

وهذا بخلاف الشكّ في صحّة المأتي به في المقام حيث يكون المشكوك فيه من كيفيّات المشروط وموجودا بوجوده ، بمعنى أنّه لا يعدّ مغايرا للمشروط بحسب الوجود عرفا ، فيتضح من هذا الفرق أنّ الشكّ في صحّة المأتي به في الموضع السادس لا يرجع إلى الشكّ فيما يعتبر فيه ، كي يكون البحث عنه في الموضع السادس تكرارا لما سبق ، إذ

٣٣٠

كما لو شكّ في تحقق الموالاة المعتبرة في حروف الكلمة أو كلمات الآية.

لكنّ الإنصاف أنّ الإلحاق لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الظاهر من أخبار الشكّ في الشيء أنّه مختصّ بغير هذه الصورة ، إلّا أن يدّعى تنقيح المناط ، أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه العموم ، مثل موثّقة (١) ابن أبي يعفور ، أو يجعل أصالة الصحّة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه.

____________________________________

الشكّ في الصحّة في المقام لا يرجع إلى الشكّ في ترك ما يعتبر في الصحّة ، كما أشار إليه بقوله المتقدّم ، أي : ومحلّ الكلام ما لا يرجع فيه الشكّ إلى الشكّ في ترك بعض ما يعتبر في الصحة كالطهارة مثلا.

بل محلّ الكلام ما أشار إليه بقوله :

كما لو شكّ في تحقّق الموالاة المعتبرة في حروف الكلمة أو كلمات الآية.

فيحتمل إلحاقه بالشكّ في الشكّ في الوجود ؛ إمّا لعموم القاعدة وشمولها الشكّ في الصحّة أيضا ، وإمّا لكون الشكّ في الصحّة شكّا في وجود الصحيح ، وإمّا الشكّ في الصحّة من جهة الشكّ في الشرط كالطهارة مثلا ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، لأنّ الشكّ فيه شكّ في الوجود تجري فيه القاعدة من دون إشكال.

لكن الإنصاف أنّ الإلحاق لا يخلو عن إشكال ، لأنّ الظاهر من أخبار الشكّ في الشيء أنّه مختص بغير هذه الصورة.

إذ الظاهر منها هو الشكّ في وجود شيء يعدّ عرفا عملا مستقلّا ، فلا يشمل الشكّ في الصحّة ، إلّا أن يدّعى تنقيح المناط بأن يقال : إنّ مناط عدم العبرة بالشكّ هو تجاوز المحلّ من دون فرق بين أقسام المشكوك ، لكن المناط الظنّي غير مفيد والقطعي غير موجود.

أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه العموم ، مثل موثقة ابن أبي يعفور.

ولعلّ وجه استفادة التعميم منها على ما في شرح الاعتمادي هو أنّه حكم فيها بعدم العبرة بالشكّ في شيء من الوضوء بعد الفراغ عنه ، فإنّ الشيء يعمّ مثل الموالاة والترتيب فلا يعتدّ بالشكّ فيهما بعد الفراغ عن الوضوء أو يجعل أصالة الصحّة في فعل الفاعل المريد

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

٣٣١

ومدركه ظهور حال المسلم.

قال فخر الدين في الإيضاح في مسألة الشكّ في بعض أفعال الطهارة : «إنّ الأصل في فعل العاقل المكلّف الذي يقصد براءة ذمّته بفعل صحيح وهو يعلم الكيفيّة والكميّة ، الصحّة» انتهى.

ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدّم في قوله : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) (١) فإنّه بمنزلة صغرى لقوله ، فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحّة عمله الذي يريد به إبراء ذمّته ، لأنّ الترك سهوا خلاف فرض الذكر ، وعمدا خلاف إرادة الإبراء.

____________________________________

للصحيح أصلا برأسه من غير حاجة إلى قاعدة التجاوز المختصّة فرضا بالشكّ في الوجود ، كي يقال : إنّها غير جارية في الشكّ في الصحّة ، كما اختاره المقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والشهيد الثاني في المسالك وفي تمهيد القواعد ، والوجه على ما يظهر من كلام الشهيد هو تقديم الظاهر على الأصل ، إذ ظاهر حال المسلم هو الإتيان بالمأمور به على النحو الصحيح ، كما أشار إليه بقوله :

ومدركه ، أي : الأصل المزبور هو ظهور حال المسلم إلّا إنّ اعتبار هذا الظهور يحتاج إلى دليل فأشار إليه بقوله :

ويمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدّم في قوله : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) فإنّه بمنزلة صغرى لقوله ، فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحّة عمله الذي يريد به إبراء ذمّته ، لأنّ الترك سهوا خلاف فرض الذكر المستفاد من قوله : أذكر ، وعمدا خلاف إرادة الإبراء.

وحاصل الكلام أنّ فساد العمل يحصل بترك ما يعتبر فيه ، ثمّ ترك ما يعتبر في العمل لا يخلو عن أحد وجهين : أحدهما : هو الترك عمدا ، ثانيهما : هو الترك نسيانا ، ولا يمكن الالتزام بهما ، لأنّ الأوّل مخالف لقصد الابراء ، والثاني مخالف لفرض الذكر. هذا تمام الكلام في الموضع السادس.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

٣٣٢

الموضع السابع : الظاهر أنّ المراد بالشكّ في موضع هذا الأصل هو الشكّ الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل ، فلو علم كيفيّة غسل اليد وأنّه كان بارتماسها في الماء ، لكن شكّ في أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا؟ ففي الحكم بعدم الالتفات وجهان :

من إطلاق بعض الأخبار ، ومن التعليل بقوله : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) فإنّ التعليل يدلّ على تخصيص الحكم بمورده مع عموم السؤال ، فيدلّ على نفيه عن غير مورد

____________________________________

الموضع السابع :).

والغرض من الكلام في هذا الموضع السابع هو بيان المراد من الشكّ المأخوذ في موضوع قاعدة التجاوز ، هل هو مطلق الشكّ أو الشكّ الناشئ بسبب الغفلة عن صورة العمل؟ وقد رجّح المصنف قدس‌سره الاحتمال الثاني ، حيث قال :

الظاهر أنّ المراد بالشكّ في موضع هذا الأصل هو الشكّ الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل.

ولعلّ الوجه في ذلك هو انصراف الشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه إلى الشكّ الناشئ عن الغفلة ، وكيف كان فلو علم كيفيّة غسل اليد وأنّه كان بارتماسها في الماء ، لكن شكّ في أنّ ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا؟ ففي الحكم بعدم الالتفات وجهان :

أحدهما : عدم الالتفات إلى الشكّ.

وثانيهما : الالتفات إليه.

وأشار إلى وجه الأوّل بقوله :

من إطلاق بعض الأخبار فيدلّ على عدم العبرة بالشكّ في الشيء بعد تجاوز المحلّ وإن لم يكن ناشئا عن الجهل بصورة العمل.

ثمّ أشار إلى وجه الثاني بقوله :

ومن التعليل بقوله : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) فإنّ التعليل يدلّ على تخصيص الحكم بمورده.

لأنّ الحكم المعلّل يدور مدار علّته وجودا وعدما ، ضيقا وسعة ، ثمّ العلّة وهي الأذكريّة مختصّة بمورد الجهل بصورة العمل ، فالحكم وهو عدم الالتفات إلى الشكّ ـ أيضا ـ يختصّ به.

٣٣٣

العلّة.

نعم ، لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا أو تركه تعمّدا ، والتعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدّمة يدلّ على نفي الاحتمالين ، ولو كان الشكّ من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ، ففي شمول الأخبار له الوجهان.

نعم ، قد تجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء ، بل لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل ، لكنّه من الاصول المثبتة ، وقد ذكرنا بعض الكلام في

____________________________________

وإن كان السؤال عن الشكّ بعد الوضوء يعمّ كلّ شكّ كما أشار إليه بقوله :

مع عموم السؤال ، فيدلّ على نفيه عن غير مورد العلة.

أي : فدلّ التعليل على نفي الحكم ، أعني : عدم الالتفات إلى الشكّ عن غير مورد العلّة ، وهو مورد الشكّ في مانعيّة الموجود ، كما تقدّم في مثال الشكّ في انغسال تحت الخاتم ، فيجب الالتفات إلى الشكّ في مورد الشكّ في مانعيّة الموجود لكونه خارجا عن مورد التعليل.

نعم ، لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا أو تركه تعمدا ، كما عرفت في آخر الموضع السادس ، وأشار إلى وجه ذلك بقوله :

والتعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدّمة أعني : فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله ... إلى آخره يدلّ على نفي الاحتمالين أعني : الترك نسيانا والترك عمدا.

وبالجملة ، إنّ مورد التعليل هو من يريد الإبراء ، فهو لو كان مع ذلك أذكر لا يترك شيئا ؛ لا عمدا لكونه على خلاف فرض إرادة الإبراء ، ولا نسيانا لكونه على خلاف فرض الذكر.

ولو كان الشكّ من جهة احتمال وجود الحائل على البدن لا من جهة احتمال مانعيّة الموجود ففي شمول الأخبار له الوجهان المتقدّمان في احتمال مانعيّة الموجود وقد عرفت ترجيح المصنف قدس‌سره لجانب عدم الشمول.

نعم ، قد تجري هنا أصالة عدم الحائل فيحكم بعدمه بالاستصحاب لا بالقاعدة ، فيجري الأصل ويحكم بعدم الحائل حتى لو لم يفرغ عن الوضوء ، بل لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل ، لكنّه من الاصول المثبتة وذلك لأنّ ما يترتّب عليه هو انغسال البشرة وهو من اللوازم العاديّة لعدم الحائل ، فيكون استصحاب عدم الحائل أصلا مثبتا ،

٣٣٤

ذلك في بعض الامور المتقدّمة.

____________________________________

وقد تقدّم عدم اعتباره إلّا على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، كما أشار إليه بقوله : وقد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بعض الامور المتقدّمة. هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

٣٣٥

المسألة الثالثة

في أصالة الصحّة في فعل الغير.

وهي في الجملة من الاصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين ، فلا عبرة في موردها بأصالة الفساد المتّفق عليها عند الشكّ ، إلّا إنّ معرفة مواردها ومقدار ما يترتّب عليها من الآثار ومعرفة حالها عند مقابلتها لما عدا أصالة الفساد من الاصول ، يتوقف على بيان مدركها من الأدلّة الأربعة.

____________________________________

المسألة الثالثة : في أصالة الصحّة في فعل الغير.

وينبغي أن يقع الكلام فيها من جهات :

الجهة الاولى : في اعتبار أصالة الصحّة في فعل الغير.

الجهة الثانية : في الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ.

الجهة الثالثة : في مدركها.

أمّا الجهة الاولى فهو ما أشار إليه بقوله :

وهي في الجملة أي : على نحو الإيجاب الجزئي من الاصول المجمع عليها فتوى وعملا بين المسلمين.

فقوله : في الجملة ، إشارة إلى ما يأتي في كلام المصنف قدس‌سره من البحث في أنّ موردها ، هل هو خصوص صورة مطابقة اعتقادي الفاعل والحامل أو لا تختصّ بهذه الصورة ، بل تجري في جميع الصور؟ وكذلك هل يكون موردها مختصّا بصورة الشكّ في الرافع كطروّ المفسد ، أو تجري في صورة الشكّ في المقتضي أيضا؟.

وكيف كان فلا عبرة في موردها بأصالة الفساد المتفق عليها عند الشكّ ، إلّا إنّ معرفة مواردها أي : أصالة الصحّة في فعل الغير ومقدار ما يترتّب عليها من الآثار كما يأتي في الأمر الخامس ومعرفة حالها عند مقابلتها لما عدا أصالة الفساد من الاصول الموضوعيّة كأصالة عدم البلوغ إذا شكّ في بلوغ البائع عند البيع مثلا يتوقّف على بيان مدركها بل تتوقّف معرفة مواردها على الفرق بينها وبين قاعدة الفراغ وهو الجهة الثانية.

وحاصل الفرق والامتياز على ما في تقرير سيدنا الاستاذ دام ظلّه يمكن بأحد وجهين :

٣٣٦

ولا بدّ من تقديم ما فيه إشارة إلى هذه القاعدة في الجملة ، من الكتاب والسنّة.

____________________________________

الأوّل : إنّ قاعدة الفراغ جارية بالنسبة إلى العمل الصادر من نفس الشاكّ على ما هو المستفاد من أدلّتها ، ومورد أصالة الصحّة هو عمل الغير.

الثاني : إنّ قاعدة الفراغ مختصّة بما إذا كان الشكّ بعد الفراغ من العمل ، غاية الأمر يمكن تعميمها للجزء أيضا.

وأمّا أصالة الصحّة ، فلا اختصاص لها بالشكّ بعد الفراغ ، بل هي جارية عند الشكّ في صحّة العمل في أثنائه أيضا ، كما إذا كان أحد مشغولا بالصلاة على الميت ، وشككنا في صحّة هذه الصلاة ، لاحتمال كون الميت مقلوبا مثلا ، فتجري أصالة الصحّة بلا إشكال.

وبقي الكلام في الجهة الثالثة وهي العمدة ، وقد أشار إليها بقوله :

ولا بدّ من تقديم ما فيه إشارة إلى هذه القاعدة في الجملة ، من الكتاب والسنّة.

وقبل تقريب دلالة الكتاب والسنّة على حجيّة أصالة الصحّة لا بدّ من بيان ما هو المراد من الصحيح في المقام ، كي يتّضح محلّ النزاع والكلام.

وحاصل الكلام في معنى الصحيح هو أنّ الصحيح قد يطلق في مقابل القبيح وقد يطلق في مقابل الفاسد ، فمعنى أصالة الصحّة على الأوّل هو الحمل على الحسن المباح في مقابل الحمل على القبيح المحرّم ، وعلى الثاني هو ترتيب الأثر على العمل الصادر من الغير في مقابل الفاسد ، أعني : عدم ترتيب الأثر على العمل الصادر من الغير.

ومحلّ النزاع والكلام هو الصحيح بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأوّل ، ثمّ أصالة الصحّة بالمعنى الثاني لا تختصّ بعمل المؤمن ، بل تجري في حقّ جميع المسلمين ، بل الكافرين ـ أيضا ـ في بعض الموارد ، كما في بعض المعاملات الصادرة منهم على ما في تقرير سيدنا الاستاذ دام ظلّه مع تلخيص منّا.

ثمّ المستفاد من بعض الآيات والروايات هو أصالة الصحّة بالمعنى الأوّل كقوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) وقوله عليه‌السلام : ضع أمر أخيك على أحسنه (١).

وكيف كان ، فقد ذكر المصنف قدس‌سره جملة من الآيات :

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٢ / ٣. الوسائل ١٢ : ٣٠٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٦١ ، ح ٣.

٣٣٧

أمّا الكتاب : فمنه آيات ، منها : قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(١) بناء على تفسيره بما في الكافي من قوله عليه‌السلام : (لا تقولوا إلّا خيرا حتى تعلموا ما هو) (٢) ولعلّ مبناه على إرادة الظنّ والاعتقاد من القول.

ومنها : قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(٣) فإنّ ظنّ السوء إثم ، وإلّا لم يكن شيء من الظنّ إثما.

____________________________________

منها : قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) بناء على تفسيره بما في الكافي من قوله عليه‌السلام : (لا تقولوا إلّا خيرا حتى تعلموا ما هو).

وقوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) وإن كان ظاهرا في مخاطبتهم بكلام حسن لا يوجب البغضاء وكسر القلب ، فيكون تفسيره خاطبوا الناس بكلام حسن ، وكان هذا التفسير أجنبيّا عمّا نحن فيه إلّا إنّه بناء على تفسيره بما في الكافي يكون دليلا على ما نحن فيه ، إذ حاصل تفسير الآية ـ حينئذ ـ هو أنّه إذا رأيتم من أحد عملا كشرب المائع مثلا لا تدرون أنّه خير كشرب الماء ، أو شرّ كشرب الخمر ، فقولوا : إنّه خير حتى تعلموا أنّه شرّ ، وهذا التفسير الذي هو مضمون رواية الكافي يكون مربوطا بما نحن فيه إن اريد من القول الظنّ والاعتقاد ، كي يكون المعنى : واعتقدوا عمل الناس خيرا ، كما أشار إليه بقوله :

ولعلّ مبناه على إرادة الظنّ والاعتقاد من القول.

وأمّا لو اريد منه مجرّد ذكر الناس بحسن العمل ، لكان قوله تعالى ـ أيضا ـ أجنبيّا عمّا نحن فيه.

ومنها : قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) فإنّ ظنّ السوء إثم.

إذ القدر المتيقّن من الظنون في كونه إثما هو ظنّ السوء.

وإلّا لم يكن شيء من الظن إثما.

أي : ولو لم يكن ظنّ السوء إثما مع كونه أقبح الظنون ، فلا يوجد مصداق للظنّ الإثم ،

__________________

(١) البقرة : ٨٣.

(٢) الكافي ٢ : ١٦٤ / ٩. الوسائل ١٦ : ٣٤١ ، أبواب فعل المعروف ، ب ٢١ ، ح ٢.

(٣) الحجرات : ١٢.

٣٣٨

ومنها : قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) بناء على أنّ الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده ، لأنّه المتيقّن. وكذا قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ)(٢).

والاستدلال به يظهر من المحقّق الثاني ، حيث تمسّك في مسألة بيع الراهن ، مدّعيا بسبق إذن المرتهن ، وأنكر المرتهن بأنّ الأصل صحّة البيع ولزومه ووجوب الوفاء بالعقد ، لكن لا

____________________________________

فإذا ثبت كون ظنّ السوء إثما وجب تركه المستلزم لحمل فعل الناس على الصحيح.

ومنها : قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على أنّ الخارج من عمومه ليس إلّا ما علم فساده ، لأنّه المتيقّن.

أي : الآية تدلّ على وجوب الوفاء بالعقود عموما المستلزم لصحّتها ، كذلك خرج منه العقد الفاسد ، والمتيقّن هو خروج معلوم الفساد فيبقى المشكوك تحت العامّ وهذا معنى أصالة الصحّة.

وكذا قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ).

حيث يكون متيقّن الفساد خارجا عنه فيبقى المشكوك تحت العامّ المستلزم لصحّة التجارة بمقتضى أصالة الصحّة بالمعنى المتقدّم.

والاستدلال به.

أي : بما ذكر من الآيتين أعني : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجارَةً عَنْ تَراضٍ) يظهر من المحقّق الثاني ، حيث تمسّك في مسألة بيع الراهن العين المرهونة مدّعيا بسبق إذن المرتهن ، وأنكر المرتهن السبق بأنّ الأصل صحّة البيع ولزومه ووجوب الوفاء بالعقد حيث يكون ظاهر كلامه في أنّ نظره في ذلك إلى عموم الآيتين الأخيرتين ، وقد ظهر ممّا ذكرناه ـ من جعل مرجع ضمير «به» عنوان ما ذكر ـ عدم ورود ما أورده المحقّق الآشتياني قدس‌سره على كلام المصنف قدس‌سره ، أعني : الاستدلال به ، حيث قال : «لا يخفى عليك أنّ ظاهر هذا الكلام هو استدلال المحقّق الثاني بالآية الثانية ، أعني : آية التجارة عن تراض ، ولكنّه ليس بمراد قطعا ، كما هو واضح ، فلا بدّ من أن يجعل مرجع الضمير الآية الاولى» انتهى مورد الحاجة من كلامه ، كما ظهر عدم الحاجة إلى ما في شرح التنكابني من أنّ مرجع الضمير هو الآية

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) النساء : ٢٩.

٣٣٩

يخفى ما فيه من الضعف. وأضعف منه دعوى دلالة الآيتين الاوليين.

وأمّا السنّة : فمنها : ما في الكافي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلّبك عنه ، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلا) (١).

ومنها : قول الصادق عليه‌السلام لمحمّد بن الفضل : (يا محمّد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك ، فإن

____________________________________

الاولى بقرينة قول المحقّق الثاني : إنّ الأصل صحّة البيع ولزومه ووجوب الوفاء به حيث يكون وجوب الوفاء بالعقد معنى الآية الاولى دون الثانية.

لكن لا يخفى ما فيه من الضعف.

أي : لا يخفى ما في الاستدلال المذكور من الضعف.

وجه الضعف : هو عدم ثبوت جواز التمسّك بالعمومات في الشبهات الموضوعيّة ، والشبهة في مورد أصالة الصحّة في فعل الغير موضوعيّة.

وأضعف منه دلالة الآيتين الاوليين.

لأنّ غاية مدلولهما هو حرمة ظنّ السوء ، أين هذا وما هو المقصود بالبحث في المقام من الحمل على الصحة بمعنى ترتّب الأثر على الفعل الصادر عن المسلم؟! فمجرّد عدم ظنّ السوء لا يكفي في إثبات أصالة الصحّة المبحوث عنها ، وكيف كان ، فالآيات لا تدلّ على أصالة الصحّة بالمعنى الثاني ، وإن كان بعضها ظاهرا في أصالة الصحّة بالمعنى الأوّل.

وأمّا السنّة : فمنها : ما في الكافي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك عنه).

أي : يأتيك اليقين بالقبح ، وقد تقدّم أنّ هذه الرواية إنّما تدلّ على أصالة الصحّة بالمعنى الأولي ، فلا ترتبط بما نحن فيه.

ولا تظننّ بكلمة خرجت من أخيك سوء وأنت تجد لها في الخير سبيلا.

أي : لا تحمل كلام أخيك بالشرّ مع إمكان حمله على الخير كما في شرح الاعتمادي.

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٦٢ / ٣. الوسائل ١٢ : ٣٠٢ ، أبواب أحكام العشرة ، ب ١٦١ ، ح ٣.

٣٤٠