دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

وتفصيل المسألة : إنّ الشاكّ في الفعل الصادر من غيره ؛ إمّا أن يكون عالما بعلم الفاعل بصحيح الفعل وفاسده ، وإمّا أن يكون عالما بجهله ، وإمّا أن يكون جاهلا بحاله.

____________________________________

أي : الاختلال يندفع ويعالج بالحمل على الصحّة الواقعيّة في غير مورد علم الحامل باعتقاد الفاعل صحّة ما هو فاسد عند الحامل ، لأنّ المورد المذكور ـ أعني : اختلاف الاعتقادين ـ في غاية القلّة ، فلا يلزم من عدم الحمل على الصحّة الواقعيّة فيه ـ مع الحمل على الصحّة الواقعيّة في غيره ـ اختلال النظام ، وقد عرفت صور المسألة وقد أشار إليها بقوله :

وتفصيل المسألة على ما في تعليقة غلام رضا رحمه‌الله حيث قال : «إنّ المتصوّر في المقام من الأقسام أنّ الفاعل للفعل :

تارة : يكون عالما بحكمه.

واخرى : جاهلا به.

وثالثة : يكون مجهول الحال عند الحامل.

وعلى الأوّل تارة : يكون الحامل عالما بأنّ اعتقاد الفاعل مطابق لاعتقاده.

واخرى : يكون جاهلا به.

وثالثة : يكون عالما بالمخالفة.

وعلى التقديرين الأولين تارة : يكون الفاعل من المتديّنين.

واخرى : ممّن لا يبالي في دينه.

وعلى الثاني تارة : يكون الجاهل معذورا في جهله.

واخرى ، يكون من المقصّرين ، سواء كان متردّدا أو جاهلا بالجهل المركّب.

وعلى جميع التقادير تارة : يكون ما به التصادق في اعتقادهما بالصحّة في فعل موجودا.

واخرى : لا يكون كذلك.

لا إشكال في جريان الأصل المزبور في فعل من كان من المتديّنين ، كما أنّه لا إشكال على ما أفاده في المتن في عدم جريانه في فعل الجاهل المركّب إذا لم يوجد ما به التصادق بين اعتقادي الحامل والفاعل ، إلى أن قال : وأمّا باقي الصور فهو بمحلّ الإشكال

٣٦١

فإن علم بعلمه بالصحيح والفاسد ، فإمّا أن يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاكّ ، أو يعلم مخالفته ، أو يجهل الحال ، لا إشكال في الحمل في الصورة الاولى. وأمّا الثانية ، فإن لم يتصادق اعتقادهما بالصحّة في فعل ـ كأن اعتقد أحدهما وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة ، والآخر وجوب الإخفات ، فلا إشكال في وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل ، وإن تصادقا ـ

____________________________________

والوجوه فيها بين خمسة :

أحدها : كفاية الصحّة الفاعليّة عن الواقعيّة مطلقا ، ولعلّه المختار عند صاحب الجواهر على ما حكي عنه.

وثانيها : عدمها مطلقا.

وثالثها : التفصيل بين العبادات والمعاملات بالكفاية في الاولى وعدمها في الثانية.

ورابعها : التفصيل في المعاملات بين ما هو ثابت عند العرف وأمضاه الشارع كالبيع ، وبين ما لم يكن ثابتا عند العرف ، بل جعله الشارع بنفسه سببا للحلّية والطهارة ، كالتذكية بالكفاية في الاولى وعدمها في الثانية.

وخامسها : التفصيل بين ما إذا انتهى معتقد الفاعل إلى مدرك صحيح كالاجتهاد والتقليد وعدمه بالكفاية في الاولى دون الثانية». انتهى ما في التعليقة فنرجع إلى شرح العبارات طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

فإمّا أن يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاكّ إمّا بالتطابق التامّ أو بعموم اعتقاد الحامل أو يعلم مخالفته بالمخالفة التامّة أو بعموم اعتقاد الفاعل ، أو يجهل الحال من حيث التطابق والتخالف ، لا إشكال في الحمل على الصحّة الواقعيّة في الصورة الاولى أعني : صورة العلم بمطابقة اعتقاد الفاعل لاعتقاد الحامل بالتطابق التامّ أو بعموم اعتقاد الحامل.

وأمّا الثانية أي : صورة العلم بمخالفة اعتقاد الفاعل لاعتقاد الحامل بأحد وجوه المخالفة فإن لم يتصادق اعتقادهما بالصحّة في فعل بأن تكون المخالفة على نحو التباين ، كما أشار إليه بقوله :

كأن اعتقد أحدهما وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة ، والآخر وجوب الإخفات ، فلا إشكال في وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل.

كما هو قضية الأخبار ، ولا مجال للحمل على الصحّة الواقعيّة ، لأنّ المعتقد بوجوب

٣٦٢

كما في العقد بالعربي والفارسي.

فإن قلنا : إنّ العقد بالفارسي منه سبب لترتّب الآثار عليه من كلّ أحد حتى المعتقد بفساده ، فلا ثمرة في الحمل على معتقد الحامل أو الفاعل. وإن قلنا بالعدم ، كما هو الأقوى ، ففيه الإشكال المتقدّم من تعميم الأصحاب في فتاويهم وفي بعض معاقد إجماعاتهم على تقديم قول مدّعي الصحّة ، ومن اختصاص الأدلّة بغير هذه الصورة.

____________________________________

الجهر في المثال المتقدّم لا يأتي إخفاتا ، إلّا سهوا أو نسيانا ، والأصل عدمهما فلا مجال هنا للبحث في أنّ المحمول عليه فعل المسلم هو الصحّة الواقعيّة أو الاعتقاديّة؟ بل يجب الحمل على الصحّة الاعتقاديّة ، وأمّا الحمل على الصحّة الواقعيّة لاحتمال تركه العمل باعتقاده ، فهو يستلزم تفسيقه ، كما في شرح الاعتمادي وإن تصادقا ، كما في العقد بالعربي والفارسي بأن يعتقد الفاعل صحّة النكاح مثلا بالعربي والفارسي ، ويعتقد الحامل بصحّته بالعربي فقط.

فإن قلنا : إنّ العقد بالفارسي منه سبب لترتّب الآثار عليه من كلّ أحد حتى المعتقد بفساده بأن يكون الحكم الظاهري في حقّ كلّ أحد نافذا في حقّ الآخر واقعا فلا ثمرة للخلاف في الحمل على معتقد الحامل أو الفاعل.

والوجه في عدم الثمرة هو أنّه لو حمل على الصحّة باعتقاد الفاعل لزم ترتيب الآثار أيضا ، فلا حاجة إلى الحمل على الصحّة الواقعيّة ، بل لا معنى له بعد الحكم بترتيب الأثر على الصحّة الاعتقاديّة.

وإن قلنا بالعدم ، كما هو الأقوى ، ففيه الإشكال المتقدّم من تعميم الأصحاب في فتاويهم وفي بعض معاقد إجماعاتهم المنقولة على تقديم قول مدّعي الصحّة من دون تقييدهم ذلك بصورة تطابق الاعتقادين ، فيكون ذلك وجها للحمل على الصحّة الواقعيّة.

ثمّ أشار إلى وجه الحمل على الصحّة الاعتقاديّة بقوله :

ومن اختصاص الأدلّة بغير هذه الصورة.

أي : من اختصاص الأدلّة ـ غير السيرة ـ بالصحّة عند الفاعل ، فيكون مقتضاها غير الصحّة الواقعيّة ، نعم ، الظاهر جريان السيرة هنا على ترتيب آثار الصحّة الواقعيّة.

٣٦٣

وإن جهل الحال ، فالظاهر الحمل لجريان الأدلّة ، بل يمكن جريان الحمل على الصحّة في اعتقاده ، فيحمل على كونه مطابقا لاعتقاد الحامل ، لأنّه الصحيح ، وسيجيء الكلام.

وإن كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد ، ففيه ـ أيضا ـ الإشكال المتقدّم.

خصوصا إذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب ، كما إذا علمنا أنّه أقدم على بيع

____________________________________

وإن جهل الحال بأن لا يعلم تطابق الاعتقادين ولا تخالفهما فالظاهر الحمل على الصحّة الواقعيّة ، وذلك لجريان الأدلّة فإنّ أغلب موارد الشكّ في الصحّة من هذا القبيل ، فيلزم من عدم ترتيب الآثار اختلال النظام ومخالفة السيرة ، كما في شرح الاعتمادي.

بل يمكن جريان الحمل على الصحّة في اعتقاده.

بأن يقال : الأصل أن يكون اعتقاده صحيحا ، إذ كما أنّ فعله الجوارحي مشكوك الصحّة والفساد فيحمل على الصحّة الواقعيّة ، كذلك فعله الجوانحي واعتقاده القلبي مشكوك الصحّة والفساد فيحمل على الصحّة ، كما أشار إليه بقوله :

فيحمل على كونه مطابقا لاعتقاد الحامل ، لأنّه الصحيح باعتقاده.

وإتيان المصنف قدس‌سره بلفظ الإمكان المشعر بعدم جزمه على جريان أصالة الصحّة في الاعتقاد ، يكون من جهة أنّ معنى الصحّة في الاعتقاد مغاير لمعنى الصحّة في الفعل ، لأنّ معنى الصحّة في الاعتقاد هو أخذه عن مدرك صحيح لا مطابقته للواقع أو اعتقاد الحامل.

وإن كان عالما بجهله بالحال وعدم علمه بالصحيح والفاسد أي : إن كان الحامل عالما بجهل الفاعل بالمسألة ، بأن لا يعلم بالصحيح والفاسد ففيه ـ أيضا ـ الإشكال المتقدّم من جريان أصالة الصحّة نظرا إلى إطلاق فتاويهم على تقديم قول مدّعي الصحّة وعدم الجريان نظرا إلى اختصاص الأدلّة بغير هذه الصورة.

قال الاستاذ الاعتمادي : والأقوى جريان السيرة هنا ـ أيضا ـ بترتيب آثار الصحّة الواقعيّة ، بل ولولاه يلزم الاختلال ، لأنّ أغلب ما يبتلى به هو أفعال العوامّ من الرجال والنساء من أهل الصحاري والبراري والأسواق الذين لا يعرفون أحكام المعاملات والطهارة والعبادات.

خصوصا إذا كان جهله مجامعا لتكليفه بالاجتناب ، كما إذا علمنا أنّه أقدم على بيع أحد

٣٦٤

أحد المشتبهين بالنجس ، إلّا أنّه يحتمل أن يكون قد اتّفق المبيع غير نجس. وكذا إن كان جاهلا بحاله. إلّا إنّ الإشكال في بعض هذه الصور أهون منه في بعض ، فلا بدّ من التتبّع والتأمّل.

الأمر الثاني :

____________________________________

المشتبهين بالنجس ، إلّا أنّه يحتمل أن يكون قد اتّفق المبيع غير نجس.

وجه الخصوصيّة أنّ إقدامه على البيع مع وجوب الاجتناب عن الشبهة المحصورة مخالف للشرع ، فكيف يمكن حمل هذا الفعل المخالف للشرع على الصحّة؟!.

وكذا يأتي الإشكال المتقدّم إن كان جاهلا بحاله إن كان الحامل جاهلا بحال العامل بأن لا يعلم أنّه عالم بالمسألة أو جاهل بها إلّا إنّ الإشكال في بعض هذه الصور أهون منه في بعض.

لعلّ نظره قدس‌سره إلى أنّ الإشكال في الصورة الأخيرة وهي ما لو كان الحامل جاهلا بحال الفاعل أهون من الإشكال من سابقتها ، وهي ما لو كان الحامل عالما بجهل الفاعل بالصحيح والفاسد ، والإشكال فيها أهون من الإشكال فيما إذا كان الحامل عالما بمخالفة اعتقاد الفاعل لاعتقاده على نحو العموم المطلق ، مع كون اعتقاد الفاعل أعمّ من اعتقاد الحامل فلا بدّ من التتبّع والتأمّل حتى تعرف بأنّ الحمل على الصحّة الواقعيّة ممكن في جميع الصور إلّا فيما إذا علم الحامل بأنّ اعتقاد الفاعل مباين لاعتقاده.

الأمر الثاني : يبحث في هذا الأمر الثاني عن أصالة الصحّة في العقود ، وقبل الخوض في البحث لا بدّ من بيان ما هو محل الكلام في المقام ، فنقول : إنّ العقد الواقع المحتمل للصحّة والفساد لا يخلو عن أحد احتمالين :

الأوّل : أن يكون الشكّ في صحّة العقد وفساده ناشئا من جهة تردّده بين حالين ، بحيث يكون قابلا للاتّصاف بالصحّة على إحداهما وغير قابل له على الاخرى ، كما إذا تردّد البيع بين وقوعه في حال بلوغ البائع وصغره ، أو بين حال كونه عاقلا ومجنونا ، حيث يكون العقد الصادر من غير البالغ والعاقل غير قابل للاتّصاف بالصحّة.

الثاني : أن يكون الشكّ في الصحّة والفساد ناشئا من جهة طروّ مفسد كالشرط المفسد مثلا.

٣٦٥

____________________________________

ثمّ محل الكلام هو القسم الأوّل ، أمّا القسم الثاني فلا كلام فيه ، بل تجري فيه أصالة الصحّة من دون إشكال.

وبعبارة اخرى كما فى شرح الاعتمادي : إنّ الشكّ في الصحّة والفساد في العقود قد ينشأ من احتمال انتفاء ما يعتبر في تحقّق المعاملة من شرائط العقد والمتعاقدين والعوضين ، ويقال له : الشكّ في وجود المقتضي للصحّة ، وقد ينشأ من احتمال طروّ المفسد للعقد كالشرط المفسد ، ويقال له : الشكّ في وجود المانع عن الصحّة ، فاختلفوا في أنّ أصالة الصحّة في العقود تجري في كلا الفرضين أو تختصّ بالفرض الثاني ، فجريان أصالة الصحّة في الفرض الثاني ممّا لا خلاف فيه. هذا تمام الكلام في ما هو محلّ النزاع في المقام.

ثمّ الأقوال في هذه المسألة ذكرها غلام رضا قدس‌سره في تعليقته على الرسائل فنذكر ما ذكره ، إذ ذكره لا يخلو عن فائدة ، حيث قال :

«تحقيق الكلام في جريان أصالة الصحّة في العقود : إنّ البحث فيه :

تارة : يقع في جريانها فيما إذا شكّ في الصفات المعتبرة في العاقد.

واخرى : في جريانها فيما إذا شكّ في متعلّق العقد.

وثالثا : في جريانها فيما إذا شكّ في شروطه.

أمّا الأوّل ، فالوجوه بل الأقوال فيه أربعة :

أحدها : الجريان مطلقا نظرا إلى عموم الأدلّة.

والثاني : عدم الجريان مطلقا نظرا إلى الإجمال في الأدلّة ، والمتيقّن منها ما إذا شكّ في العقد بعد استكماله من حيث صفات العاقد.

والثالث : ما يظهر من كلام المصنف قدس‌سره من التفصيل بين ما إذا أحرز صفات العاقد في أحد الطرفين وشكّ فيها في الطرف الآخر ، وبين ما إذا شكّ فيها في كلّ من الطرفين فيرجع إلى الأصل المزبور في الأوّل دون الثاني ، أمّا الثاني فلما تقدّم ، وأمّا الأوّل فلأنّه إذا أحرز صفة البلوغ مثلا في أحد الطرفين فيستلزم صحّة فعله صحّة فعل الآخر ، لأنّه لا معنى لتفكيك الشارع بين جزءي العقد بإمضائه الصحّة في أحدهما دون الآخر.

٣٦٦

____________________________________

والرابع : هو التفصيل بين ما إذا أحرز الصفات في طرف الموجب وشكّ فيها في طرف القابل ، فتجري أصالة الصحّة ، وبين ما إذا انعكس فلا تجري.

أمّا الثاني ، فلأنّ الصحّة الثابتة بالأصل المزبور في طرف الإيجاب لا تكون إلّا صحّة تأهّليّة ، وسيأتي أنّها لا تثبت بهذا الأصل.

وأمّا الأوّل ، فلأنّه بعد فرض إحراز الصفات في طرف الموجب لا يكون منشأ الشكّ في صحّة العقد إلّا الشكّ فيما هو بمثابة الجزء الأخير من العلّة التامّة ، فجريان الأصل فيه لا يثبت إلّا الصحّة الفعليّة ، لأنّه يتحقّق به الصحّة فعلا من غير انتظار لشيء آخر.

هذا ، لكن فيه أنّ هذا لا يتمّ بالنسبة إلى شروط العاقد ، لأنّ الإيجاب والقبول لا يصدر إلّا على وجه التخاطب فلا محالة يستلزم الشكّ في صفات القابل للشكّ في شرائط الإيجاب كما لا يخفى.

وأمّا الثاني ، فالمخالف فيه هو المحقّق الثاني ، حيث ذهب إلى عدم جريانها قبل إحراز شروط أركان العقد مطلقا ، سواء كانت من الصفات الراجعة إلى العاقد أو متعلّق العقد ، وقال بجريانها فيما إذا أحرز الشروط وكان الشكّ في طروّ المانع ، وهذا هو الظاهر من كلامه المحكي عنه في المتن.

وفيه : إنّ الدليل الدالّ على اعتبار القاعدة من السيرة والغلبة وظهور حال المسلم بعينه جار فيما إذا كان الشكّ في شروط الأركان ، فلا وجه لما ذهب إليه.

ويمكن توجيه كلامه بأنّ المدرك لاعتبار القاعدة عنده ليس ما ذكر ، بل العمومات ، مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) وغيره ، وفصّل في التمسّك بها بين ما إذا كان الشكّ في الشروط ، أعني : ما هو بمثابة المقتضي أو طروّ المانع ، فجوّز التمسّك بها في الثاني دون الأوّل ؛ وذلك لأنّ شروط العقد ـ سواء رجعت إلى العاقد كالبلوغ والعقل ، أو العوضين كالمعلوميّة والصحّة ـ بمنزلة القيود له ، والشكّ فيها شكّ في المقيّد ، أعني : العقد ، فليس العقد في حال الشكّ بمحرز حتى يصحّ التمسّك فيه ب (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وهذا بخلاف ما إذا شكّ في المانع

__________________

(١) المائدة : ١.

٣٦٧

إنّ الظاهر من المحقّق الثاني أنّ أصالة الصحّة إنّما تجري في العقود بعد استكمال العقد للأركان. قال في جامع المقاصد ، فيما لو اختلف الضامن والمضمون له ، فقال الضامن : ضمنت وأنا صبي ـ بعد ما رجّح تقديم قول الضامن ـ ما هذا لفظه : «فإن قلت : للمضمون له أصالة الصحّة في العقود وظاهر حال البالغ أنّه لا يتصرّف باطلا.

____________________________________

وكان العقد محرزا من حيث الشرائط فإنّه يصحّ التمسّك به حينئذ.

هذا وللمناقشة فيه مجال ، لأنّه إن جعل الدافع لاحتمال المانع نفس العموم ، ففيه : إنّ عدم المانع ـ أيضا ـ قيد للعقد ، فينتهي إلى الشرط ، وقبل إحرازه لا يصدق العقد هنا ، حتى يتمسّك بعموم الوفاء بالعقد وإن جعل الدافع له استصحاب عدم المانع ، ففيه : إنّ المستصحب إن كان هو الفرد فهو غير مسبوق بالحالة السابقة. وإن كان الكلّي ، فهو أصل مثبت ، لأنّه من قبيل انطباق الكلّي على الفرد إلّا أن يقال : إنّ الواسطة خفية.

بقي الكلام في الفرق بين المانع والشرط والضابط بينهما ، كما عن البعض : إنّ كلّ ما تعلّق الأمر به فهو شرط وكلّ ما تعلّق النهي به فهو مانع ، وفيه : إنّ هذا ضابط غالبي ، فإنّ الشارع قد نهى عن أشياء تكون شرطيّتها قطعيّة ، كما في قوله : لا تبع ما ليس لك ، مع أنّ الملكيّة شرط للبيع إلى غير ذلك ، والتحقيق في بيان الضابط أنّ كلّ ما كان وجوده مؤثّرا في صحّة العقد فهو شرط ، وكلّ ما كان وجوده موجبا لفساد العقد فهو مانع ، هذا فيما لم يعبّر الشارع عنه بلفظ المانع والشرط ، وإلّا فحالهما ظاهر». انتهى.

فنرجع إلى أصل الكلام ، وقد أشار المصنف قدس‌سره إلى من يظهر من كلامه اختصاص محلّ الكلام فيما إذا كان الشكّ في صحّة العقد من جهة المانع ، حيث قال :

إنّ الظاهر من المحقّق الثاني أنّ أصالة الصحّة إنّما تجري في العقود بعد استكمال العقد للأركان بأن كان الشكّ من جهة المانع.

قال في جامع المقاصد ، فيما لو اختلف الضامن والمضمون له ، فقال الضامن : ضمنت وأنا صبي وأنكره المضمون له فقال : ضمنت وأنت بالغ بعد ما رجّح تقديم قول الضامن نظرا إلى أصالة الفساد وبراءة ذمّته ، قال المحقّق ما هذا لفظه : «فإن قلت : للمضمون له أصالة الصحّة في العقود وظاهر حال البالغ أنّه لا يتصرّف باطلا.

ثمّ الصحّة من طرفه تستلزم الصحّة من الجهة الاخرى أيضا ، لقيام العقد بالطرفين مع

٣٦٨

قلنا : إنّ الأصل في العقود الصحّة بعد استكمال أركانها لتحقّق وجود العقد ، أمّا قبله فلا وجود له ، فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحرّ أو العبد ، حلف منكر وقوع العقد على العبد ، وكذا الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور ، لا مطلقا» انتهى.

____________________________________

كون أصالة الصحّة من الأمارات التي تكون مثبتاتها معتبرة ، كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف ما.

قلنا : إنّ الأصل في العقود الصحّة بعد استكمال أركانها لتحقّق وجود العقد ، أمّا قبله فلا وجود له.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ أصالة الصحّة إنّما تجري إذا أحرز موضوعه وهو العقد ، وشكّ في طروّ المفسد دون ما إذا شكّ في أصل تحقّق الموضوع من جهة احتمال انتفاء شيء من شرائطه وهو المطلوب. فيظهر من كلامه اختصاص أصالة الصحّة بمورد الشكّ من جهة وجود المانع.

فلو اختلفا في كون المعقود عليه أعني : المعوض هو الحرّ أو العبد حلف منكر وقوع العقد على العبد.

وذلك بمقتضى قاعدة الحلف على من أنكر ، والمنكر من يكون قوله مطابقا للأصل ، فيصدق على منكر وقوع العقد على العبد ، لأنّ قوله مطابق للأصل ، أعني : أصالة الفساد وأصالة عدم السبب الناقل.

وكذا الظاهر أي : ظاهر حال المسلم البالغ في التصرّف المباح لا يتمّ في المقام ، بل إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور ، لا مطلقا». انتهى كلام المحقّق في جامع المقاصد.

قال الاستاذ الاعتمادي هنا ما هذا لفظه : «والذي يمكن أن يكون مستندا لقول المحقّق أمران :

أحدهما : أن يقال بأنّ دليل أصالة الصحّة هو بناء العقلاء على عدم المانع عند إحراز المقتضي ، فيختصّ موردها بما إذا أحرز المقتضي وشكّ في المانع.

وفيه : إنّ هذا البناء من العقلاء غير ثابت ، ودليل الأصل هو السيرة ، وهي جارية على الحمل على الصحّة ولو مع الشكّ من جهة المقتضي.

ثانيهما : إنّ دليل الأصل هو عموم مثل : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) فما لم يتحقّق عنوان البيع

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٣٦٩

وقال في باب الإجارة ، ما هذا لفظه : «لا شكّ في أنّه إذا حصل الاتّفاق على حصول جميع الامور المعتبرة في العقد من الإيجاب والقبول من الكاملين ، وجريانهما على العوضين المعتبرين ، ووقع الاختلاف في شرط مفسد ، فالقول قول مدّعي الصحّة بيمينه ، لأنّه الموافق للأصل ، لأنّ الأصل عدم ذلك المفسد ، والأصل في فعل المسلم الصحّة.

أمّا إذا حصل الشكّ في الصحّة والفساد في بعض الامور المعتبرة وعدمه ، فإنّ الأصل لا يثمر هنا ، فإنّ الأصل عدم السبب الناقل. ومن ذلك ما لو ادّعى أنّي اشتريت العبد ، فقال : بعتك الحرّ» انتهى.

____________________________________

لا معنى للرجوع إلى العموم المذكور.

وفيه : إنّ هذه العمومات لا تصلح دليلا على الأصل المذكور ، لأنّ الشكّ في الصحّة سواء كان من جهة المقتضي أو المانع شكّ في الموضوع والمصداق ولا يرجع فيه إلى العام.

وبعبارة اخرى : لا يرجع إلى العامّ عند الشكّ في مصداق ما خرج عنه تخصّصا ، كما إذا شكّ من جهة المقتضي ، أو تخصيصا ، كما إذا شكّ في المانع». انتهى ، ونكتفي في توضيح العبارات بما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وقال في باب الإجارة ، ما هذا لفظه : «لا شكّ في أنّه إذا حصل الاتّفاق من المتعاملين على حصول جميع الامور المعتبرة في العقد من الإيجاب والقبول من الكاملين ، وجريانهما على العوضين المعتبرين ، ووقع الاختلاف في شرط مفسد كاشتراط عدم التصرّف في المبيع مثلا فالقول قول مدّعي الصحّة بيمينه لكونه منكرا ، نظرا إلى كون قوله موافقا للأصل ، كما أشار إليه بقوله : لأنّه الموافق للأصل ، لأنّ الأصل عدم ذلك المفسد ، والأصل في فعل المسلم الصحّة.

فيكون كلامه هذا صريحا في جريان أصالة الصحّة في مورد الشكّ في الصحّة والفساد من جهة المانع ، أعني : اشتراط شرط مفسد ، ولا يفيد الأصل في إثبات صحّة العقد المشكوك من حيث الصحّة والفساد فيما إذا كان الشكّ فيهما من جهة المقتضي.

كما قال : أمّا إذا حصل الشكّ في الصحّة والفساد في بعض الامور المعتبرة وعدمه كالشكّ في وجود البلوغ وعدمه فإنّ الأصل لا يثمر هنا لإثبات صحّة العقد ، فإنّ الأصل

٣٧٠

ويظهر هذا من بعض كلمات العلّامة رحمه‌الله ، قال في القواعد : «لا يصحّ ضمان الصبي ولو أذن له الولي ، فإن اختلفا قدّم قول الضامن ، لأصالة براءة الذمّة وعدم البلوغ ، وليس لمدّعي الصحّة أصل يستند إليه ، ولا ظاهر يرجع إليه ، بخلاف ما لو ادّعى شرطا فاسدا ، لأنّ الظاهر أنّهما لا يتصرّفان باطلا ، وكذا البحث في من عرف له حالة جنون» انتهى.

____________________________________

عدم السبب الناقل المستلزم للفساد ومن ذلك ما لو ادّعى أنّي اشتريت العبد ، فقال بعتك الحرّ». انتهى.

أي : من موارد الشكّ في وجود بعض ما يعتبر في العقد فلا تجري أصالة الصحّة هو ما لو اختلف البائع والمشتري في المبيع بأن يدّعي المشتري كونه عبدا ، والبائع كونه حرّا ، فإنّ المعتبر في العقد أن يكون المبيع قابلا للملكيّة كالعبد مثلا.

ويظهر هذا أي : ما ذهب إليه المحقّق من اختصاص اصالة الصحّة بالشكّ من جهة المانع من بعض كلمات العلّامة رحمه‌الله ، قال في القواعد : «لا يصحّ ضمان الصبي ولو أذن له الولي ، فإن اختلفا أي : الضامن والمضمون له بأن قال الأوّل : ضمنت وأنا صبي ، وأنكره الثاني قدّم قول الضامن المدّعي للفساد لأصالة عدم سبب الشغل وبراءة الذمّة وعدم البلوغ ، وليس لمدّعي الصحّة أصل يستند إليه.

وهذا الكلام صريح في عدم جريان أصالة الصحّة كي يستند إليها ، وليس ذلك إلّا من جهة اختصاصها بمورد استكمال أركان العقد وكون الشكّ في طروّ المانع ، كما عرفت ذلك من المحقّق قدس‌سره.

ولا ظاهر يرجع إليه وذلك لاختصاص ظهور حال المسلم البالغ في عدم التصرّف بالباطل المحتمل من جهة الإتيان بما هو المفسد ، قال في شرح التنكابني : المراد بالأصل الأصل العملي غير أصالة الصحّة ، والمراد بالظاهر هو أصل الصحّة بناء على كونه من باب الأمارات ، هذا بخلاف ما لو ادّعى شرطا فاسدا فإنّه ـ حينئذ ـ يقدّم قول مدّعي الصحّة.

لأنّ الظاهر أنّهما لا يتصرّفان باطلا ، وكذا البحث في من عرف له حالة جنون.

فقال : ضمنت وأنا مجنون ، فإنّه يقدّم قوله مع يمينه ، كما عرفت.

انتهى كلام العلّامة في القواعد ، حيث كان ظاهرا في اختصاص جريان أصالة الصحّة بالشكّ في وجود المانع.

٣٧١

وقال في التذكرة : «لو ادّعى المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ ، وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فإن عيّنا له وقتا لا يحتمل بلوغه فيه ، قدّم قول الصبي ـ إلى أن قال ـ : وإن لم يعيّنا وقتا له فالقول قول الضامن بيمينه ، وبه قال الشافعي ، لأصالة البلوغ. وقال أحمد : القول قول المضمون له ، لأنّ الأصل صحّة الفعل وسلامته ، كما لو اختلفا في شرط مبطل. والفرق أنّ المختلفين في الشرط المفسد يقدّم فيه قول مدّعي الصحّة ، لاتّفاقهما على أهليّة التصرّف ، إذ من له أهليّة التصرّف لا يتصرّف إلّا تصرّفا صحيحا ، فكان القول قول مدّعي الصحّة ، لأنّه مدّع للظاهر. وهنا اختلفا في أهليّة التصرّف ، فليس مع من يدّعي الأهليّة ظاهر يستند إليه ولا أصل يرجع إليه.

____________________________________

وقال في التذكرة : «لو ادّعى المضمون له أنّ الضامن ضمن بعد البلوغ ، وقال الضامن : بل ضمنت لك قبله ، فإن عيّنا له أي : الضمان وقتا لا يحتمل بلوغه فيه ، قدّم قول الصبي بلا يمين ، إلى أن قال : وإن لم يعيّنا وقتا له غفلة أو نسيانا فالقول قول الضامن ـ أيضا ـ المدّعي لصبوّه ، كما في شرح الاعتمادي بيمينه ، وبه قال الشافعي لأنّ مدّعي الفساد هنا هو المنكر لمطابقة قوله الأصل ، كما قال :

لأصالة البلوغ. وقال أحمد : القول قول المضمون له ، لأنّ الأصل صحّة الفعل وسلامته ، كما لو اختلفا في شرط مبطل فيكون أحمد مخالفا للمحقّق والعلّامة والشافعي ، لأنّه لم يفرّق في إجراء أصالة الصحّة بين موارد الشكّ من جهة المقتضي والشكّ من جهة المانع.

ثمّ أشار إلى وجه الفرق بين موارد الشكّ من جهة المقتضي وموارد الشكّ من جهة المانع ، حيث تجري أصالة الصحّة عندهم في الثاني دون الأوّل بقوله :

والفرق أنّ المختلفين في الشرط المفسد يقدّم فيه قول مدّعي الصحّة ، لاتّفاقهما على أهليّة التصرّف وأهليّة التصرّف تكشف عن تماميّة أركان العقد إذ من له أهليّة التصرّف لا يتصرّف إلّا تصرّفا صحيحا ، فكان القول قول مدّعي الصحّة ، لأنّه مدّع للظاهر. وهنا أي : في موارد الاختلاف في البلوغ اختلفا في أهليّة التصرّف ، فليس مع من يدّعي الأهليّة ظاهر يستند إليه ولا أصل يرجع إليه.

وذلك لما تقدّم من أنّ أصالة الصحّة وظهور حال البالغ في عدم تصرّفه باطلا إنّما

٣٧٢

وكذا لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد» انتهى موضع الحاجة.

ولكن لم يعلم الفرق بين دعوى الضامن الصغر وبين دعوى البائع إيّاه ، حيث صرّح العلّامة والمحقّق الثاني بجريان أصالة الصحّة وإن اختلفا بين من عارضها بأصالة عدم البلوغ وبين من ضعّف هذه المعارضة.

____________________________________

يتمّان في صورة استكمال العقد للأركان ، كما في شرح الاعتمادي.

وبالجملة ، إنّ ما ذكره العلّامة من الفرق بين المختلفين في الشرط المفسد ، وبين المختلفين في أهليّة التصرّف ، حيث قال بجريان أصالة الصحّة في الأوّل دون الثاني ، ردّ وجواب منه عن قول أحمد ، حيث لم يفرّق بين الاختلاف في الشرط المفسد بعد استكمال العقد للأركان ، وبين الاختلاف في الركن ، وحكم بجريان الأصل في الموردين.

وكذا لا أصل يرجع إليه لو ادّعى أنّه ضمن بعد البلوغ وقبل الرشد». انتهى موضع الحاجة من كلام العلّامة في التذكرة.

فالمتحصّل من الجميع : إنّ الظاهر من المحقّق الثاني والعلّامة قدس‌سرهما هو جريان أصالة الصحّة في الشكّ من جهة طروّ المفسد بعد استكمال أركان العقد.

ثمّ يرد المصنف قدس‌سره ظهور كلامهما في ذلك بقوله :

ولكن لم يعلم الفرق بين دعوى الضامن الصغر وبين دعوى البائع إيّاه ، حيث صرّح العلّامة والمحقّق الثاني بجريان أصالة الصحّة عند دعوى البائع الصغر وإن اختلفا بين من عارضها بأصالة عدم البلوغ كالعلّامة ، حيث قال بتعارض أصالة الصحّة مع أصالة عدم البلوغ وتساقطهما والرجوع إلى البراءة فيما لو قال البائع : بعتك وأنا صبي ، وقال المشتري : بعتني وأنت بالغ.

وبين من ضعّف هذه المعارضة.

كالمحقّق الثاني قدس‌سره حيث قال بأنّ أصالة عدم البلوغ ضعيفة لأنّهما قد أقرّا بالبيع فتجري أصالة الصحّة ، ولا يبقى مجال لأصالة عدم البلوغ كي تعارض بأصالة الصحّة.

وكيف كان ، فحاصل الإيراد على العلّامة والمحقّق الثاني قدس‌سرهما أنّه إذا كانت أصالة الصحّة جارية عند الشكّ في طروّ المفسد بعد استكمال الأركان دون ما إذا كان الشكّ في شيء من الأركان ، لكان لازم ذلك عدم جريان أصالة الصحّة في مورد دعوى أحد المتعاملين

٣٧٣

وقد حكي عن قطب الدين أنّه اعترض على شيخه العلّامة في مسألة الضمان بأصالة الصحّة فعارضها بأصالة عدم البلوغ ، وبقيت أصالة البراءة سليمة عن المعارض.

أقول : والأقوى بالنظر إلى الأدلّة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو التعميم ، ولذا لو شكّ المكلّف أنّ هذا الذي اشتراه هل اشتراه في حال صغره؟ بنى على الصحّة.

____________________________________

الصغر من دون فرق بين باب الضمان والبيع وغيرهما ، والحال أنّهما أجريا أصالة الصحّة عند دعوى البائع الصغر كما عرفت ، فالفرق بين باب الضمان والبيع فرق من دون وجه ودليل.

وقد حكي عن قطب الدين أنّه اعترض على شيخه العلّامة في مسألة الضمان بأصالة الصحّة عند ما حكم بأصالة الفساد.

وحاصل الكلام : إنّ العلّامة كالمحقّق الثاني قدس‌سرهما حكم في مسألة دعوى الضامن الصغر بأصالة الفساد ، لأصالة عدم البلوغ ، فاعترض عليه قطب الدين بأنّ الأصل في المعاملة الصحّة ، فردّه العلّامة قدس‌سره بأنّ أصالة الصحّة معارضة بأصالة الفساد ، كما أشار إلى ردّه بقوله :

فعارضها بأصالة عدم البلوغ ، وبقيت أصالة البراءة سليمة عن المعارض.

فيظهر من هذا الجواب اعترافه بأصالة الصحّة في باب الضمان ـ أيضا ـ عند الشكّ في المقتضي.

غاية الأمر أنّه قال بتساقط الأصلين بالتعارض والرجوع إلى البراءة ، فيظهر منه عدم الفرق بين مسألة الضمان والبيع في جريان أصالة الصحّة وإن لم يكن الشكّ في الصحّة والفساد من جهة طروّ المفسد بعد استكمال الأركان ، فهذا الكلام مخالف لما تقدّم منه من اختصاص أصالة الصحّة بالشكّ في المانع.

والحقّ عند المصنف قدس‌سره هو عدم الفرق في جريان أصالة الصحّة في العقد بين الشكّ من جهة احتمال طروّ المفسد ، وبين الشكّ في الصحّة والفساد من جهة احتمال انتفاء شيء من أركان العقد ، كما صرّح به بقوله : والأقوى بالنظر إلى الأدلّة السابقة من السيرة ولزوم الاختلال هو التعميم وعدم الفرق بين الشكّ في المقتضي والمانع.

ولذا لو شكّ المكلّف أنّ هذا الذي اشتراه هل اشتراه في حال صغره؟ بنى على الصحّة.

ظاهر هذا الكلام في كون الحمل على الصحّة في هذه الصورة ممّا لا إشكال فيه ، إلّا أن

٣٧٤

ولو قيل : إنّ ذلك من حيث الشكّ في تمليك البائع البالغ ، وأنّه كان في محلّه أم كان فاسدا؟ جرى مثل ذلك في مسألة التداعي أيضا.

ثمّ إنّ ما ذكره جامع المقاصد ـ من أنّه لا وجود للعقد قبل استكمال أركانها ـ إن أراد الوجود الشرعي فهو عين الصحّة.

____________________________________

يقال بأنّ البناء على الصحّة في هذه الصحّة من جهة قاعدة الفراغ ، لا من جهة أصالة الصحّة ، فيكون البناء على الصحّة ـ حينئذ ـ أجنبيّا عن المقام ، فضلا عن أن يكون شاهدا عليه.

ولو قيل : إنّ ذلك من حيث الشكّ في تمليك البائع البالغ ، وأنّه كان في محلّه أم كان فاسدا؟ جرى مثل ذلك في مسألة التداعي أيضا.

أي : لو قيل بأنّ الحمل على الصحّة في المثال المذكور ليس من جهة جريان أصالة الصحّة في صورة الشكّ في شيء من أركان العقد ، بل من جهة مراعاة حال الطرف البالغ حيث يحمل فعله على الصحّة ، ثمّ صحّة فعله تستلزم صحّة فعل الطرف الآخر ـ أيضا ـ لقيام العقد بالطرفين.

لقلنا بجريان الحكم بالصحّة بالمعنى المذكور في مسألة التداعي أيضا ، أي : مورد دعوى أحد المتعاملين الصغر أيضا ، كما في مسألة الضمان ، لأنّ أحد الطرفين جامع للشرائط بالفرض وإنّما الشكّ في الطرف الآخر ، والظاهر أنّ المكلّف العاقل البالغ لا يفعل ما هو الفاسد ، فيحمل فعله على الصحّة لا محالة ، وصحّة فعله تستلزم صحّة فعل الطرف الآخر أيضا ، كما عرفت ، فلا فرق في الحكم بالصحّة بين باب البيع والضمان ، وهو المطلوب.

ثمّ إنّ ما ذكره جامع المقاصد ـ من أنّه لا وجود للعقد قبل استكمال أركانها ـ إن أراد الوجود الشرعي فهو عين الصحّة.

لأنّ المراد من العقد شرعا هو العقد الصحيح ، فكما لا يوجد قبل استكمال الأركان ، كذلك لا يوجد بعد استكمالها مع طروّ الشرط المفسد ، فيكون الشكّ في الصحّة هو عين الشكّ في الوجود ، لأنّ الموجود الشرعي لا يتحقّق إلّا في العقد الصحيح ، وتجري أصالة الصحّة من دون فرق بين أن يكون الشكّ في أركان العقد أو في غيرها.

٣٧٥

وإن أراد الوجود العرفي فهو يتحقّق مع الشكّ ، بل مع القطع بالعدم.

وأمّا ما ذكره ـ من الاختلاف في كون المعقود عليه هو الحرّ أو العبد [فأراد به حرّا معيّنا كزيد ، وعبدا معيّنا كسعيد ، فإن كانت الدعوى على مجرّد تمليك أحدهما ، بأن قال أحدهما لمولى العبد : ملّكتني عبدك ، وقال المولى : ملّكتك زيدا الحرّ ، فلا إشكال في كون القول قول منكر تمليك العبد ، لأنّ صاحبه يدّعي عليه تمليك عبده ، فيحلف على عدمه وأمّا هو فلا يدّعي على صاحبه شيئا ، لأنّ دعوى تمليك الحرّ لا يتضمّن مطالبة المدّعي بشيء ، وإن أراد به التداعي في كون أحد العوضين للآخر المملوك حرّا أو عبدا] ـ فهو داخل في المسألة المعنونة في كلام القدماء والمتأخّرين ، وهي ما لو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ. فراجع كتب الفاضلين والشهيدين ، [وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله].

____________________________________

وإن أراد الوجود العرفي فهو يتحقّق مع الشكّ ، بل مع القطع بالعدم.

أي : إن أراد المحقّق الثاني في جامع المقاصد من وجود العقد وجوده العرفي ، فهو لا يتوقّف على استكمال الأركان ، بل يتحقّق مع الشكّ فيها ، بل مع القطع بعدمها ، فتجري أصالة الصحّة من دون فرق بين الشكّ في الركن وغيره ، هذا مضافا إلى بطلان ما هو ظاهر كلامه من تحقّق وجود العقد بعد الاستكمال وعدم وجوده قبله ، حيث قال : «إنّ الأصل في العقود الصحّة بعد استكمال أركانها لتحقّق وجود العقد ، أمّا قبله فلا وجود له» وقد عرفت عدم توقّف وجود العقد عرفا على استكمال الأركان.

وأمّا ما ذكره مثالا لمطلبه ، أعني : عدم جريان أصالة الصحّة عند الشكّ في شيء من الأركان من الاختلاف في كون المعقود عليه هو الحرّ أو العبد ... فهو داخل في المسألة المعنونة في كلام القدماء والمتأخّرين ، وهي ما لو قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ.

وحاصل الإشكال على المثال : إنّ عدم جريان أصالة الصحّة في المثال المذكور ليس أمرا اتّفاقيا ، كما يظهر من المحقّق الثاني ، كي يقاس ما نحن فيه به ، ويكون المثال شاهدا على ما نحن فيه ، بل المسألة المذكورة في المثال ممّا عنونها العلماء واختاروا فيها تقديم قول مدّعي الصحّة ، ففي الشرائع إذا قال : بعتك بعبد ، فقال : بل بحرّ ، فالقول قول من يدّعي صحّة العقد مع يمينه ، وفي المسالك في شرحه ، ونبّه بقوله : فالقول قول مدّعي الصحّة ، على علّة الحكم وهي مطابقة قوله لأصالة الصحّة في العقود ، وفي الجواهر نفى الخلاف

٣٧٦

وأمّا ما ذكره من أنّ الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور ، لا مطلقا ، فهو إنّما يتمّ إذا كان الشكّ من جهة بلوغ الفاعل ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ يستلزم صحّة فعله صحّة فعل هذا الفاعل ، كما لو شكّ في أنّ الإبراء أو الوصيّة هل صدر منه حال البلوغ أم قبله؟ أمّا إذا كان الشكّ في ركن آخر من العقد ، كأحد العوضين ، أو في أهليّة أحد طرفي العقد ، فيمكن أن يقال : إنّ الظاهر من الفاعل في الأوّل ومن الطرف الآخر في الثاني أنّه لا يتصرّف فاسدا.

____________________________________

في جريان أصالة الصحّة في هذه المسألة ، وفي المسالك ـ بعد جملة كلام له ـ قال : ويشكل ذلك مع التعيين بأن قال : بعتك بهذا العبد ، فقال : بل بهذا الحرّ.

وكيف كان فراجع كتب الفاضلين والشهيدين كي تعلم ترجيح جريان أصالة الصحّة على عدم جريانها في المسألة المذكورة.

وأمّا ما ذكره من أنّ الظاهر إنّما يتمّ مع الاستكمال المذكور ، لا مطلقا.

ففيه ، بعد الإغماض عن أنّ الحمل على الصحّة ليس مستنده هذا الظهور : إنّ الظهور إنّما ينتفي إذا لم يكن أحد طرفي المعاملة بالغا عاقلا ، وأمّا معه كما في الأمثلة التي ذكرها فالظهور موجود قطعا ، كما في شرح الاعتمادي.

وقد أشار إلى وجود الظهور في الفرض المذكور بقوله :

فهو إنّما يتمّ إذا كان الشكّ من جهة بلوغ الفاعل ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ يستلزم صحّة فعله صحّة فعل هذا الفاعل المشكوك كونه بالغا كما لو شكّ في أنّ الإبراء أو الوصيّة هل صدر منه حال البلوغ أم قبله؟.

حيث لا يجوز التمسّك بالظهور في هذا الفرض ، إذ لا ظهور مع الشكّ في صدور الفعل حال البلوغ.

وأمّا إذا كان الشكّ في ركن آخر من العقد ، كأحد العوضين بأن لا يعلم أنّه حرّ أو عبد مثلا مع العلم بصدور العقد عن البالغين ، أو كان الشكّ في أهليّة أحد طرفي العقد ، كالشكّ في كون البائع أو الضامن بالغا أو صبيا فيمكن أن يقال : إنّ الظاهر من الفاعل في الأوّل أي : فيما إذا كان الشكّ في أحد العوضين مع العلم بصدور العقد عن البالغين ومن الطرف الآخر في الثاني أي : فيما إذا كان الشكّ في أهليّة أحد طرفي العقد أنّه لا يتصرّف فاسدا

٣٧٧

نعم ، مسألة الضمان يمكن أن تكون من الأوّل إذا فرض وقوعه بغير إذن من المديون ولا قبول من الغريم ، فإنّ الضمان ـ حينئذ ـ فعل واحد شكّ في صدوره من بالغ أو غيره وليس له طرف آخر ، فلا ظهور في عدم كون تصرّفه فاسدا.

لكنّ الظاهر أنّ المحقّق لم يرد خصوص ما كان من هذا القبيل ، بل يشمل كلامه الصورتين الأخيرتين ، فراجع.

____________________________________

فيحمل فعلهما على الصحّة في كلا الفرضين ، أمّا الحمل على الصحّة في الفرض الأوّل فواضح لا يحتاج إلى البيان ، وأمّا الحمل على الصحّة على الفرض الثاني ، فلما مرّ غير مرّة من أنّ الصحّة في أحد الطرفين يستلزم الصحّة في الطرف الآخر لقيام العقد بالطرفين.

نعم ، مسألة الضمان يمكن أن تكون من الأوّل.

أي : من موارد عدم وجود الظهور أصلا ، كما إذا كان الشكّ في بلوغ الفاعل ، ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ تستلزم صحّة فعله صحّة فعل هذا الفاعل المشكوك كونه بالغا ، كما عرفت عدم وجود الظهور في مسألة الشكّ في صدور الإبراء أو الوصيّة حال البلوغ أو قبله.

إذا فرض وقوعه أي : الضمان بغير إذن من المديون ولا قبول من الغريم ، فإنّ الضمان ـ حينئذ ـ فعل واحد شكّ في صدوره من بالغ أو غيره وليس له طرف آخر ، فلا ظهور في عدم كون تصرّفه فاسدا والمراد من الغريم هو المضمون له وبتعبير آخر : صاحب الدين.

لكنّ الظاهر أنّ المحقّق لم يرد خصوص ما كان من هذا القبيل.

أي : من قبيل ما إذا شكّ في بلوغ العاقد ولم يكن هناك طرف آخر بالغ عاقل كما في شرح الاعتمادي. بل يشمل كلامه الصورتين الأخيرتين ، فراجع.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّه قد يكون الشكّ من جهة العاقد مع عدم وجود طرف آخر كامل ، كالإبراء والوصية ممّن لا يعلم بلوغه ، وكالضمان ممّن لا يعلم بلوغه مع عدم قبول أو إذن من كامل ، وقد يكون من جهة العاقد مع وجود طرف آخر كامل ، كما إذا قال : بعت أو ضمنت وأنا صبي ، وقال المشتري الكامل أو المضمون له المتقبّل : بعت أو ضمنت وأنت بالغ ، وقد يكون من غير جهة العاقد ، والاستفادة من الظهور إنّما لا تتمّ في الصورة الاولى ، وتتمّ في الصورتين الأخيرتين ، وظاهر كلام المحقّق هو إنّها

٣٧٨

نعم ، يحتمل ذلك في عبارة التذكرة. ثمّ إنّ تقديم قول منكر الشرط المفسد ليس لتقديم قول مدّعي الصحّة.

بل لأنّ القول قول منكر الشرط ، صحيحا كان أو فاسدا ، لأصالة عدم الاشتراط ، ولا دخل لهذا بحديث أصالة الصحّة وإن كان مؤدّاه صحّة العقد فيما كان الشرط المدّعى مفسدا. هذا ، ولا بدّ من التأمّل والتتبّع.

____________________________________

لا تتمّ حتى في الأخيرتين ، حيث قال : وكذا الظاهر إنّما يتمّ مع استكمال الأركان.

نعم ، يحتمل ذلك في عبارة التذكرة.

أي : عبارة العلّامة في التذكرة تقبل الحمل على صورة دعوى الضامن الصغر مع عدم إذن من المديون ولا قبول من الغريم ، لأنّه رحمه‌الله لم يقيّد تماميّة الظهور بصورة استكمال الأركان ، كما في شرح الاعتمادي.

ثمّ إنّ تقديم قول منكر الشرط المفسد ليس لتقديم قول مدّعي الصحّة.

أشار المصنف قدس‌سره بهذا الكلام إلى أنّ مرجع كلام المحقّق قدس‌سره في الحقيقة إلى إنكار اعتبار أصالة الصحّة مطلقا ، وذلك لأنّ الحكم بالصحّة في صورة الاختلاف في وجود الشرط المفسد للعقد لا يحتاج إلى أصالة الصحّة في الفعل الصادر من المسلم ، بل نفس أصالة عدم وجود الشرط كافية في الحكم بالصحّة ، فتقديم قول منكر الشرط المفسد ليس بعنوان كونه مدعيا للصحّة من جهة أصالة الصحّة ، بل بعنوان كونه منكرا للشرط المفسد من جهة أصالة عدم الشرط المفسد بمقتضى ما هو المعروف من أنّ كلّ شيء إذا شكّ في حدوثه فالأصل عدم الحدوث ، كما أشار إليه بقوله :

بل لأنّ القول قول منكر الشرط ، صحيحا كان كشرط الخيار مثلا أو فاسدا كشرط عدم التصرّف في المبيع وإن كان مؤدّاه أي : الأصل صحّة العقد فيما كان الشرط المدّعى مفسدا أي : إذا كان المشكوك شرطا مفسدا ، فنفيه بالاصل ينتج صحّة العقد.

هذا ولكنّ المحقّق رحمه‌الله يقدّم قول مدّعي الصحّة ويحكم بانتفاء الشرط المفسد حتى فيما إذا علم إجمالا وجود شرط مردّد بين المفسد وغيره ، ومعلوم أنّه لأجل أصالة الصحّة لا أصالة عدم الشرط للعلم الإجمالي به ، ولعلّه أشار إليه بقوله : ولا بدّ من التأمّل والتتبّع كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دام ظلّه.

٣٧٩

الثالث : إنّ هذا الأصل إنّما يثبت صحّة الفعل إذا وقع الشكّ في بعض الامور المعتبرة شرعا في صحّته ، بمعنى : ترتّب الأثر المقصود منه عليه ، فصحّة كلّ شيء بحسبه.

____________________________________

الثالث : يبيّن المصنف قدس‌سره في هذا الأمر الثالث ما يترتّب على صحّة الفعل من الأثر المقصود منه ، مشيرا إلى القاعدة الكلّية في صحّة كلّ شيء بقوله :

فصحّة كلّ شيء بحسبه.

فيفرّق بين صحّة ما هو المركّب كالعقد المركّب من الإيجاب والقبول ، وبين صحّة جزء ذلك المركّب كالإيجاب مثلا ، حيث تكون صحّة المركّب فعليّة وصحّة الجزء تأهليّة ، فصحّة الإيجاب عبارة عن كونه واجدا للشرائط المعتبرة فيه ، ككونه بصيغة الماضي واللغة العربية وغير ذلك ، بحيث لو انضم إليه القبول واحرز جميع ما يعتبر في العقد لكان العقد صحيحا.

وأمّا تحقّق القبول بعده فليس من شرائط صحّة الإيجاب ، بل الإيجاب إن وقع واجدا لما يعتبر فيه كان صحيحا ، وقع بعده القبول أم لم يقع ، إذ صحّة الإيجاب تأهليّة لا تتوقّف على تحقّق القبول ، فليس معنى صحّة الإيجاب وقوع القبول بعده ، كما أنّه ليس معنى صحّة القبول وقوع الإيجاب قبله.

ومن هنا ظهر أنّه لا يثبت وقوع القبول بأصالة الصحّة في الإيجاب لما عرفت من أنّ القبول ليس معتبرا في الإيجاب ، بل أنّه معتبر في العقد ، فحينئذ لا تترتّب آثار العقد بجريان أصالة الصحّة في الإيجاب إلّا بعد إحراز صحّة القبول أيضا ، وعليه فإذا علمنا بوقوع إنشاء البيع من غير المالك وشككنا في كونه مأذونا من قبل المالك لا يثبت الإذن بجريان أصالة الصحّة في الإنشاء ، لأنّ الإذن من المالك ليس شرطا للإنشاء ، بل هو شرط لصحّة البيع.

وكذا لو وقع بيع في الخارج على نحو الفضولي ولم نعلم لحوق الإجازة لا تثبت الإجازة بأصالة الصحّة ، لأنّ صحّة بيع الفضولي هي الصحّة التأهليّة ، بمعنى أنّه يصح إذا أجازه المالك ، والصحّة بهذا المعنى لا تستلزم الصحّة بمعنى ثبوت الإجازة بعد البيع ، وكذا لو شكّ في صحّة الهبة أو بيع الصرف والسلم من جهة الشكّ في تحقّق القبض لا يثبت تحقّق القبض بأصالة الصحّة ، فلا يمكن ترتيب آثار الهبة والبيع ، لأنّ آثار الكلّ لا

٣٨٠