دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

وأوّل من صرّح بذلك الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة من شكّ في بعض أفعال الوضوء ، حيث قال :

والتحقيق : إنّه إن فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال ، ثمّ عرض له الشكّ ، فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء ، لصحيحة زرارة : (ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ). انتهى.

ولعلّه قدس‌سره تفطّن له من كلام الحلّي في السرائر ، حيث استدلّ على المسألة المذكورة ب «أنّه لا يخرج عن حال الطهارة إلّا على يقين من كمالها ، وليس ينقض الشكّ اليقين». انتهى.

لكنّ هذا التعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ.

ويقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء ، لكنّ التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين ، على ما توهّمه غير واحد من المعاصرين ، وإن اختلفوا بين مدّع لانصرافها إلى

____________________________________

يمنع عن شمول إطلاق أدلّته لها.

فيكون مفاد قوله عليه‌السلام : لا تنقض اليقين بالشكّ هو إلغاء الشكّ تعبّدا ، فإن كان متعلّقا بالبقاء فمفاده التعبّد بالبقاء ، وإن كان متعلّقا بالحدوث فمفاده التعبّد بالحدوث. هذا تمام الكلام في تقريب التوهّم.

وأوّل من وقع في الوهم المذكور حيث صرّح بذلك الشمول الفاضل السبزواري في الذخيرة في مسألة من شكّ في بعض أفعال الوضوء ، حيث قال :

والتحقيق : إنّه إن فرغ من الوضوء متيقّنا للإكمال ، ثمّ عرض له الشكّ ، فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء ، لصحيحة زرارة (ولا تنقض اليقين أبدا بالشكّ) انتهى.

ثمّ يقول المصنف قدس‌سره : لعلّ الفاضل السبزواري تفطّن لشمول أدلّة الاستصحاب لقاعدة اليقين من كلام الحلّي في السرائر ، حيث استدلّ على المسألة المذكورة ب «أنه لا يخرج عن حال الطهارة ، إلّا على يقين من كمالها ، وليس بنقض الشكّ اليقين». انتهى.

لكنّ هذا التعبير من الحلّي لا يلزم أن يكون استفادة من أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ ، كي يقال : إنّ استدلال الحلّي على المسألة المذكورة مبني على شمول أخبار الاستصحاب لقاعدة اليقين ، بل لاحتمال كون الاستفادة من أخبار قاعدة الفراغ أو من دليل آخر مختصّ بقاعدة اليقين ، فلا يلزم من التعبير المذكور شمول الأخبار للاستصحاب وقاعدة اليقين معا.

٢٤١

خصوص الاستصحاب ، وبين منكر له عامل بعمومه.

وتوضيح دفعه : إنّ المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد ، فإنّ مناط الاستصحاب هو اتحاد متعلّق الشكّ واليقين مع قطع النظر عن الزمان ، لتعلّق الشكّ ببقاء ما تيقّن سابقا ، ولازمه كون القضيّة المتيقّنة ـ أعني : عدالة زيد يوم الجمعة ـ متيقّنة حين الشكّ أيضا من غير جهة الزمان.

ومناط هذه القاعدة اتحاد متعلّقيهما من جهة الزمان ، ومعناه كونه في الزمان اللّاحق شاكّا فيما تيقّنه سابقا بوصف وجوده في السابق.

____________________________________

على ما توهّمه غير واحد من المعاصرين ، وإن اختلفوا بين مدّع لانصرافها ، أي : الأخبار إلى خصوص الاستصحاب إمّا لكونه موردا للأخبار أو لكثرة وجود موارده.

ثم اشار المصنف قدس‌سره إلى دفع التوهّم المذكور بقوله : وتوضيح دفعه : إنّ المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد ... إلى آخره.

حيث يكون التعبّد الاستصحابي ناظرا إلى البقاء في ظرف الشكّ فيه بعد كون الحدوث محرزا.

بخلاف قاعدة اليقين فإنّ التعبّد فيها إنّما هو بالحدوث بعد كونه غير محرز فيكون المناط في الاستصحاب هو إحراز الحدوث وفي القاعدة عدم الإحراز ، ولا يمكن جمعهما في دليل واحد ، أو بتعبير المصنف قدس‌سره.

فإنّ مناط الاستصحاب هو اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين مع قطع النظر عن الزمان ولازم الاتحاد كذلك هو كون القضيّة المتيقّنة مثل عدالة زيد يوم الجمعة متيقّنة حال الشكّ أيضا غاية الأمر من غير جهة الزمان.

وأمّا من جهة الزمان فالمتيقّن غير المشكوك ؛ لأن الأوّل هو عدالة زيد يوم الجمعة والثاني هو عدالته يوم السبت.

ومناط هذه القاعدة اتحاد متعلّقيهما من جهة الزمان ، ومعناه كونه في الزمان اللّاحق شاكّا فيما تيقّنه سابقا بوصف وجوده في السابق.

فيكون التعبّد في باب الاستصحاب هو إلغاء الشكّ والحكم ببقاء ما هو المتيقّن سابقا ، وفي القاعدة هو إلغاء الشكّ والحكم بحدوث ما تيقّن حدوثه سابقا. ومن المعلوم أنّ

٢٤٢

فإلغاء الشكّ في القاعدة الاولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقّن سابقا من غير تعرّض لحال حدوثه حيث أنّه متيقّن. وفي القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقّن حدوثه من غير تعرّض لحكم بقائه ، فقد يكون بقاؤه معلوما او معلوم العدم أو مشكوكا.

واختلاف مؤدّى القاعدتين وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد ، بأن يقول الشارع : إذا حصل شكّ بعد يقين فلا عبرة به ، سواء تعلّق ببقائه أو بحدوثه واحكم بالبقاء في الأوّل وبالحدوث في الثاني ، إلّا أنّه مانع عن إرادتهما في هذا المقام ، من قوله عليه‌السلام : (فليمض على يقينه) (١).

فإنّ المضيّ على اليقين السابق المفروض تحقّقه في القاعدتين ـ أعني : عدالة زيد يوم الجمعة ، بمعنى الحكم بعدالته في ذلك اليوم من غير تعرّض لعدالته فيما بعد ، كما هو مفاد القاعدة الثانية ـ يغاير المضيّ عليه بمعنى عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرّض لحال يوم

____________________________________

مؤدّى القاعدتين مختلف.

واختلاف مؤدّى القاعدتين وإن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد يفيدهما بمفهوم عامّ شامل لهما.

بأن يقول الشارع : إذا حصل شكّ بعد يقين ، فلا عبرة به ، سواء تعلّق ببقائه أو بحدوثه واحكم بالبقاء في الأوّل وبالحدوث في الثاني ، إلّا أنّه مانع عن إرادتهما في هذا المقام ، من قوله عليه‌السلام : (فليمض على يقينه).

وحاصل الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاعتمادي أنّه يمكن الإتيان بعبارة تشمل القاعدتين بطريق العموم أو الإطلاق بحيث يستدلّ بها على كلّ منهما بلا إشكال كالعبارة المذكورة في المتن ، إلّا أنّ مطلق العبارة غير مفيد في المقام ، بل المفيد إنّما هو ما يستفاد من أخبار الباب من عموم أو إطلاق ، وما يستفاد منها لا يشمل القاعدتين ، كما أشار إليه بقوله :

فإنّ المضيّ على اليقين السابق المفروض تحقّقه في القاعدتين يختلف فيهما ، فإنّ معنى المضيّ في قاعدة اليقين هو الحكم بحدوث عدالة زيد في يوم الجمعة وفي الاستصحاب

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ ، الوسائل ١ : ٢٤٦ ـ ٢٤٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.

٢٤٣

الجمعة ، كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب ، فلا يصحّ إرادة المعنيين منه.

فإن قلت : إنّ معنى المضيّ على اليقين عدم التوقّف من أجل الشكّ العارض وفرض الشكّ كعدمه ، وهذا يختلف باختلاف متعلّق الشكّ ، فالمضيّ مع الشكّ في الحدوث بمعنى الحكم بالحدوث ومع الشكّ في البقاء بمعنى الحكم به.

قلت : لا ريب في اتحاد متعلّقي الشكّ واليقين وكون المراد المضيّ على ذلك اليقين المتعلّق بما تعلّق به الشكّ. والمفروض أن ليس في السابق إلّا يقين واحد ، وهو اليقين بعدالة زيد ، والشكّ فيها ليس له هنا فردان يتعلّق أحدهما بالحدوث والآخر بالبقاء.

وبعبارة اخرى : عموم أفراد اليقين باعتبار الامور الواقعيّة بعدالة زيد وفسق عمرو ، لا باعتبار ملاحظة اليقين بشيء واحد حتى ينحلّ اليقين بعدالة زيد إلى فردين يتعلّق بكلّ منهما شكّ ، بل المراد الشكّ في نفس ما تيقّن.

____________________________________

هو الحكم بعدالته في يوم السبت ، فلا يصحّ إرادة المعنيين المختلفين من لفظ واحد.

فإن قلت : إنّ معنى المضيّ على اليقين عدم التوقّف من أجل الشكّ العارض وفرض الشكّ كعدمه ، وهذا يختلف باختلاف متعلّق الشكّ.

فإذا كان الشكّ متعلّقا بالحدوث كان معنى المضيّ فيه هو الحكم بالحدوث ، وإن كان متعلّقا بالبقاء كان معنى المضيّ فيه هو الحكم بالبقاء.

وبعبارة اخرى : إنّ معنى قوله عليه‌السلام : فليمض على يقينه ، أي : لا يعتني بالشكّ ، وأنّه ملغى في نظر الشارع سواء كان بالحدوث أو بالبقاء. غاية الأمر معنى المضيّ في الأوّل هو الحكم بالحدوث وفي الثاني هو الحكم بالبقاء.

قلت : لا ريب في اتحاد متعلّقي الشكّ واليقين ... إلى آخره.

وحاصل الجواب أنّ اليقين في القاعدة ليس فردا مغايرا لليقين في باب الاستصحاب كي يقال أنّ معنى المضيّ في كلّ منهما يغاير معناه في الآخر ؛ لأن تغاير أفراد اليقين هو بتغاير متعلّقاته ، ومتعلّقه في المقام واحد ، أعني : عدالة زيد يوم الجمعة مثلا.

غاية الأمر إذا تعقّبه الشكّ في البقاء يكون موردا للاستصحاب وإذا تعقّبه الشكّ في مطابقة اليقين المذكور للواقع يكون موردا للقاعدة. فهذا اليقين الواحد لا يمكن أن يكون محكوما بوجوب المضيّ أو حرمة النقض في القاعدتين معا ، إذ لازم ذلك أن يكون اليقين

٢٤٤

وحينئذ فإن اعتبر المتكلّم في كلامه الشكّ في هذا المتيقّن من دون تقييده بيوم الجمعة.

فالمضيّ على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقّن ، وإن اعتبر الشكّ فيه مقيّدا بذلك اليوم ، فالمضيّ على ذلك المتيقّن الذي تعلّق به الشكّ عبارة عن الحكم بحدوثها من غير تعرّض للبقاء ، كأنّه قال :

من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشكّ فيها فليمض على يقينه السابق ، يعني : يرتّب آثار عدالة زيد فيه ، فالمضيّ على عدالة زيد وترتيب آثاره يكون تارة بالحكم بعدالته في الزمان اللاحق واخرى بالحكم بعدالته في ذلك الزمان المتيقّن ، وهذان لا يجتمعان في الارادة.

(وإن أردت توضيح الحال ، فافرض أنّه قال : من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشكّ فيها فليمض على يقينه السابق ، والمعنى : إنّ من كان على يقين من شيء وشكّ في ذلك الشيء فليمض على يقينه بذلك الشيء. فإن اعتبر اليقين السابق متعلّقا بعدالة زيد

____________________________________

الواحد محكوما بحرمة النقض حال وجوده ، كما في باب الاستصحاب ، وحال عدمه ، كما في باب قاعدة اليقين.

ولا يمكن إنشاء حكم واحد على وجود الشيء وعدمه في دليل واحد ، وليس هناك اليقينان والشكّان كي يرتفع التنافي بتعدّد الحكم ، بل يكون الشكّ واحدا متعلّقا بالحدوث أو البقاء.

وحينئذ فإن اعتبر المتكلّم في كلامه الشكّ في هذا المتيقّن من دون تقييده بيوم الجمعة. فالمضيّ على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقّن ، فيكون مفاده اعتبار الاستصحاب فقط.

وإن اعتبر الشكّ فيه مقيّدا بذلك اليوم ، فالمضيّ على ذلك المتيقّن الذي تعلّق به الشك عبارة عن الحكم بحدوثها ، فيكون مفاده قاعدة اليقين فقط فلا يمكن الجمع بين القاعدتين.

وتوضيح جميع ما تقدّم من الكلمات على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ اليقين بعدالة زيد في المثال المذكور في المتن ليس إلّا فردا واحدا من اليقين كما لا يخفى.

نعم ، يمكن أن يلاحظ متعلّقه مقيّدا بالزمان ، بأن يراد من اليقين اليقين بعدالة زيد يوم

٢٤٥

من دون تقييدها بيوم الجمعة ، فالشكّ اللّاحق فيه بهذا الاعتبار شكّ في بقائها ، وإن اعتبر متعلّقا بعدالة زيد مقيّدة بيوم الجمعة ، فالشكّ فيها بهذه الملاحظة شكّ في حدوثها).

وقس على هذا سائر الأخبار الدالّة على عدم نقض اليقين بالشكّ ، فإنّ الظاهر اتحاد متعلّق الشكّ واليقين ، فلا بدّ أن يلاحظ المتيقن والمشكوك غير مقيّدين بالزمان وإلّا لم يجر استصحابه ، كما تقدّم في ردّ شبهة من قال بتعارض الوجود والعدم في شيء واحد.

والمفروض في القاعدة الثانية كون الشكّ متعلّقا بالمتيقّن السابق بوصف وجوده في الزمان السابق. ومن المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين والشكّ في تلك الأخبار.

(والمفروض في القاعدة الثانية أنّ المتيقّن السابق كعدالة زيد يوم الجمعة ، إن اخذت

____________________________________

الجمعة ، كما في قاعدة اليقين.

أو يلاحظ بدون التقييد بالزمان ، بأن يراد من اليقين اليقين بعدالة زيد ، كما في الاستصحاب. ولا يمكن الجمع بين اللحاظين لكونه مستلزما للجمع بين المتناقضين ، بل لا بدّ من أحد اللحاظين على سبيل البدليّة. هذا تمام الكلام في اليقين.

وأمّا الشكّ فإن كان له فردان مع قطع النظر عن اتحاد متعلّق اليقين والشكّ ، فإنّه قد يشكّ في أصل وجود العدالة يوم الجمعة كما في القاعدة ، وقد يشكّ في بقائها كما في الاستصحاب ، إلّا أنّه مع ظهور أخبار الباب في اتحاد متعلّق اليقين والشكّ لا يمكن إرادة فردي الشكّ ، بل الشكّ ؛ إمّا أن يكون متعلّقا بالعدالة المقيّدة بيوم الجمعة أو بها من دون تقييدها بيوم الجمعة.

وعلى الأوّل تختص الأخبار بالقاعدة وعلى الثاني تختص بالاستصحاب ، فلا تشمل كلتا القاعدتين ، إذ لا يمكن الجمع بين لحاظ المتيقّن والمشكوك غير مقيّدين بالزمان كما في الاستصحاب ، وبين لحاظهما مقيّدين به كما في القاعدة ، كما قال :

فلا بدّ أن يلاحظ المتيقّن والمشكوك غير مقيّدين بالزمان في الاستصحاب وإلّا لم يجر استصحابه وذلك لتبدّل الموضوع.

كما تقدّم في ردّ شبهة من قال بتعارض الوجود والعدم في شيء واحد.

حيث تقدّم توهّم تعارض استصحاب عدم وجوب الجلوس قبل الجمعة مع

٢٤٦

مقيّدة بيوم الجمعة ، فمعنى عدم نقضه بالشكّ عدم نقضه بالشكّ بذلك اليوم ، وإن اخذت مطلقة عارضها الشكّ في وجودها في الزمان اللّاحق).

ودعوى : «إنّ اليقين بكلّ من الاعتبارين فرد من اليقين ، وكذلك الشكّ المتعلّق فرد من الشكّ ، فكلّ فرد لا ينقض بشكّه».

____________________________________

استصحاب وجوبه يوم الجمعة فيما إذا أمر بالجلوس يوم الجمعة.

وقد ردّ المصنف قدس‌سره هذا التوهّم بأنّه إن أخذ يوم الجمعة قيدا للموضوع ، فلا وجه لاستصحاب الوجوب لتبدّل الموضوع ؛ لأن جلوس يوم الجمعة غير جلوس يوم السبت وما ثبت وجوبه هو الجلوس يوم الجمعة وقد انتفى بانتفاء يوم الجمعة.

وإن اخذ الزمان ظرفا ، فلا وجه لاستصحاب العدم السابق ، بل يقال بأنّ الجلوس كان واجبا ، فشكّ في بقاء وجوبه فيستصحب.

ودعوى : إنّ اليقين بكلّ من الاعتبارين فرد من اليقين ، وكذلك الشكّ المتعلّق بكلّ من الاعتبارين فرد من الشكّ ، فكلّ فرد لا ينقض بشكّه.

أي : فكلّ فرد من اليقين لا ينقض بكلّ فرد من الشكّ.

وحاصل التوهّم أنّ القضيّة المستفادة من أخبار الاستصحاب ـ أعني : لا تنقض اليقين بالشكّ ـ تنحلّ إلى قضايا متعدّدة حسب تعدّد أفراد اليقين والشكّ ، فكما أنّ اليقين بوجود الشيء والشكّ في بقاء ذلك الشىء في باب الاستصحاب مصداق لتلك القضيّة كذلك اليقين بوجود شيء في زمان كعدالة زيد يوم الجمعة. والشكّ في نفس ذلك الشيء في قاعدة اليقين مصداق من مصاديق القضيّة المذكورة ، فأخبار الاستصحاب تشتمل كلتا القاعدتين.

وبعبارة اخرى على ما في شرح الاعتمادي أنّه كما أنّ الشكّ في عدالة زيد له فردان : احدهما الشكّ في الحدوث ، كما إذا شكّ في أصل عدالة زيد يوم الجمعة ، والآخر الشكّ في البقاء ، كما إذا شكّ في بقاء عدالته ـ كذلك اليقين له فردان : احدهما اليقين بعدالة زيد مقيّدا بيوم الجمعة ، كما في قاعدة اليقين. والآخر اليقين بعدالة زيد غير مقيّد به ، كما في مورد الاستصحاب.

فيجوز أن يراد من الشكّ كلا فرديه ومن اليقين أيضا كلا فرديه ، فالمستفاد من إطلاق

٢٤٧

مدفوعة : بأنّ تعدّد اللحاظ والاعتبار في المتيقّن به السابق ، بأخذه تارة مقيّدا بالزمان السابق واخرى بأخذه مطلقا ، لا يوجب تعدّد أفراد اليقين.

وليس اليقين بتحقّق مطلق العدالة في يوم الجمعة واليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة فردين من اليقين تحت عموم الخبر. بل الخبر بمثابة أن يقال : «من كان على يقين من عدالة زيد أو فسقه أو غيرهما من حالاته ، فشكّ فيه فليمض على يقينه بذلك» فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقّة.

ثمّ إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين فلا بدّ أن يخصّ مدلولها بقاعدة الاستصحاب ، لورودها في موارد تلك القاعدة ، كالشكّ في الطهارة من الحدث والخبث ودخول هلال شهر رمضان او شوّال.

____________________________________

لفظي اليقين والشكّ في الأخبار أنّ اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة لا ينقض بالشكّ في عدالته يوم الجمعة ، وأنّ اليقين بعدالته لا ينقض بالشكّ في بقاء عدالته.

مدفوعة : بأنّ تعدّد اللحاظ والاعتبار في المتيقّن به السابق ، بأخذه تارة مقيّدا بالزمان السابق واخرى بأخذه مطلقا ، لا يوجب تعدّد أفراد اليقين.

وحاصل الدفع أنّ اليقين بعدالة زيد فرد واحد من اليقين ، غاية الأمر متعلّقه ـ وهو عدالة زيد ـ إمّا مقيّد بالزمان أم لم يكن مقيّدا به ، إلّا أنّ تعدّد لحاظ المتعلّق لا يوجب تعدّد اليقين ، كي يقال بانحلال قضيّة لا تنقض اليقين بالشكّ إلى قضايا متعدّدة حسب تعدّد أفراد اليقين والشكّ ، والشكّ في التعدّد وعدمه تابع لليقين ، فإذا لم يتعدّد اليقين لم يتعدّد الشكّ أيضا.

فافهم لعلّه إشارة إلى أنّ لحاظ اليقين تارة مقيّدا بالزمان واخرى مجرّدا عنه وإن كان موجبا لتعدّد اليقين لحاظا ، إلّا أنّه لا يوجب تعدّده خارجا ؛ لأنّ تعدّده خارجا بتعدّد المتعلّق لا بتعدّد اللحاظ ، والمتعلّق واحد ـ وهو عدالة زيد ـ مقيّدا بيوم الجمعة أو مجرّدا عنه ، إذ لا يمكن الجمع بينهما ، فالاولى حينئذ اختصاص مدلول الأخبار بالاستصحاب.

وذلك لورودها في موارد تلك القاعدة ، كالشكّ في الطهارة من الحدث والخبث ودخول هلال شهر رمضان أو شوّال ، حيث تكون هذه الموارد من موارد قاعدة الاستصحاب.

٢٤٨

هذا كلّه ، لو اريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقّن عند الشكّ ، وهي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا.

أمّا لو اريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرّة إلى زمان الشكّ وما بعده إلى اليقين بطروّ الفسق ، فيلزم استعمال الكلام في معنيين أيضا ، لأن الشكّ في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشكّ في استمرارها إلى الزمان اللّاحق. وقد تقدّم نظير ذلك في قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر) (١).

____________________________________

هذا كلّه ، أي : هذا الذي تقدّم من البحث في أنّ هذه الأخبار تفيد معنا واحدا هو الاستصحاب ، أو معنيين هما الاستصحاب وقاعدة اليقين لو اريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقّن عند الشكّ ، وهي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا ، كي تفيد الأخبار معنيين ـ على ما ذهب إليه بعضهم ـ أحدهما الاستصحاب ، والآخر قاعدة اليقين ، بمعنى الحكم بوجود العدالة يوم الجمعة وصحّة الآثار المتقدّمة المترتّبة عليها كصحّة الصلاة التي صلّى خلفه يوم الجمعة ، كما في شرح الاعتمادي مع تصرّف منّا.

أمّا لو اريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرّة إلى زمان الشكّ وما بعده إلى اليقين بطروّ الفسق ، بأن يكون إثبات أصل العدالة يوم الجمعة قاعدة اليقين واستمرارها إلى طروّ الفسق استصحابا.

فيلزم استعمال الكلام في معنيين ايضا.

أي : كما يلزم استعمال الكلام في معنيين لو اريد من قاعدة اليقين إثبات نفس المتيقّن.

وبالجملة إنّ استعمال لا تنقض اليقين بالشكّ وغيره من الألفاظ في القاعدتين مستلزم لاستعمال الكلام في المعنيين ، سواء كانت إرادتهما منه عرضيّة وفي مرتبة واحدة أو طوليّة كما في الاحتمال الثاني ، وقد أشار إلى وجه ذلك بقوله :

لأنّ الشكّ في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشكّ في استمرارها إلى الزمان اللّاحق. وقد تقدّم نظير ذلك في قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٤. وفيهما : (كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنّه قذر).

٢٤٩

ثمّ لو سلّمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية ، لأنه إذا شكّ في ما تيقّن سابقا ـ أعني : عدالة زيد في يوم الجمعة ـ فهذا الشكّ معارض لفردين من اليقين :

أحدهما : اليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة.

الثاني : اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة.

فتدلّ بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان ، وبمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة فكلّ من طرفي الشكّ معارض لفرد من اليقين.

____________________________________

حيث قال النراقي : إنّ معناه أنّ الأشياء محكومة في الظاهر بالطهارة ، ثمّ هذه الطهارة الثابتة لها في الظاهر مستمرة إلى زمن العلم بالنجاسة ، حيث يكون المستفاد من قوله عليه‌السلام : كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر قاعدة الطهارة والاستصحاب معا ، والكلام فيه صحّة وفسادا قد مرّ في محلّه.

ثمّ لو سلّمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين ، بأن يكون المراد منها عدم العبرة بالشكّ المتعلّق بما تعلّق به اليقين ، لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية ، أي : قاعدة اليقين.

إذ لا يوجد مورد من موارد قاعدة اليقين إلّا أنّ الاستصحاب فيه يكون معارضا لها ، فحصول التعارض الداعي بين الاستصحاب والقاعدة موجب لسقوط القاعدة عن الاعتبار ، كما أشار إلى وجه لزوم التعارض بقوله :

لأنه إذا شكّ في ما تيقّن سابقا ـ أعني : عدالة زيد في يوم الجمعة ـ فهذا الشكّ معارض لفردين من اليقين : أحدهما : اليقين بعدالته المقيّدة بيوم الجمعة. الثاني : اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة.

فتدلّ بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان ، وبمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة.

فيقع التعارض بين قاعدة اليقين حيث تقتضي الحكم بعدالة زيد يوم الجمعة ، وبين

٢٥٠

ودعوى : «إنّ اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة ، والقاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق».

مدفوعة : بأنّ الشكّ الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة وعدمها عين الشكّ في انتقاض ذلك اليقين السابق. واحتمال انتقاضه وعدمه معارضان لليقين بالعدالة وعدمها ، فلا يجوز

____________________________________

الاستصحاب حيث يقتضي عدم حدوث عدالته يوم الجمعة ، إذ هنا فردان من اليقين : أحدهما اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل الجمعة والآخر اليقين بالعدالة يوم الجمعة ، ثمّ حصل الشكّ يوم السبت في عدالة زيد يوم الجمعة.

فكلّ من طرفي الشكّ معارض لفرد من اليقين ، وذلك فإنّ احتمال العدالة يوم الجمعة معارض باليقين بعدم العدالة قبل الجمعة واحتمال عدمها فيها معارض باليقين بالعدالة يوم الجمعة.

وحينئذ فلو قلنا بدلالة الأخبار على اعتبار كلتا القاعدتين ، يلزم التعارض المذكور ، فلا بدّ من القول باختصاصها بالاستصحاب لئلّا يلزم التعارض أصلا.

ودعوى : إنّ اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة ، والقاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق» ، فلا يجري حينئذ استصحاب عدم العدالة المطلقة قبل الجمعة لانتقاض اليقين باليقين اللّاحق ، فتبقى قاعدة اليقين من دون معارض لها أصلا.

مدفوعة : بأنّ الشكّ الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة وعدمها عين الشكّ في انتقاض ذلك اليقين السابق.

وحاصل الدفع على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ اليقين السابق ـ أعني : اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل الجمعة ـ ينتقض باليقين اللّاحق ، أعني : اليقين بالعدالة يوم الجمعة لو لا الشكّ يوم السبت في عدالة يوم الجمعة وعدمها.

وأمّا مع حصول الشكّ في أصل العدالة يوم الجمعة فاحتمال انتقاضه مساو مع احتمال انتقاض اليقين اللّاحق ، فيبقى التعارض على حاله ، كما أشار إليه بقوله :

واحتمال انتقاضه وعدمه معارضان لليقين بالعدالة وعدمها.

بمعنى أنّ احتمال الانتقاض ووجود العدالة معارض لليقين بالعدم السابق ، واحتمال

٢٥١

لنا الحكم بالانتقاض ولا بعدمه.

ثمّ إنّ هذا من باب التنزّل والمماشاة ، وإلّا فالتحقيق : ما ذكرناه من منع الشمول بالتقريب المتقدّم.

مضافا إلى ما ربّما يدّعى من ظهور الأخبار في الشكّ في البقاء.

____________________________________

عدم الانتقاض وعدم العدالة معارض لليقين اللّاحق بالعدالة.

فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض ولا بعدمه ؛ لأن التعارض يوجب التساقط.

ثمّ إنّ هذا ، أي : سقوط الأخبار عن الاستدلال بها على قاعدة اليقين لأجل التعارض في مدلولها ، على ما في شرح الاعتمادي.

من باب التنزّل والمماشاة ، وإلّا فالتحقيق : ما ذكرناه من منع الشمول بالتقريب المتقدّم.

وهو عدم إمكان الجمع بينهما بعد ظهور الأخبار في اعتبار اتحاد متعلّق اليقين والشكّ.

مضافا إلى ما ربّما يدّعى من ظهور الأخبار في الشكّ في البقاء.

فتختص حينئذ بالاستصحاب ، ولعلّ منشأ الظهور المذكور هو ما تقدّم من ورود أكثرها في مورد الاستصحاب ، كالشكّ في بقاء الطهارة وشهر رمضان ونحوهما. أو يقال بأنّ المرتكز عند العقلاء هو عدم نقض اليقين بالشكّ عند ما شكّ في البقاء دون الحدوث.

والمتحصل من الجميع أنّ الأخبار لا تشمل قاعدة اليقين إمّا لعدم المقتضي لظهورها في الشكّ في البقاء فتختص بالاستصحاب ، أو لوجود المانع وهو كون القاعدة معارضة بالاستصحاب دائما ، وذلك لما عرفت من أنّ الشكّ في مورد القاعدة مسبوق بيقينين يكون باعتبار أحدهما موردا للاستصحاب ، وباعتبار الآخر موردا للقاعدة ، فيقع التعارض بينهما.

فإذا تيقّنّا بعدالة زيد يوم الجمعة مثلا ، وشككنا يوم السبت في عدالته يوم الجمعة لاحتمال كون اليقين السابق جهلا مركّبا ، فباعتبار هذا اليقين تجري القاعدة ، ومقتضاها الحكم بعدالة زيد يوم الجمعة ، وحيث إنّه لنا يقين بعدم عدالته سابقا وشكّ فيها يوم الجمعة يجري الاستصحاب ، ومقتضاه الحكم بعدم عدالته يوم الجمعة.

٢٥٢

بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير هذه الأخبار ، فنقول :

إنّ المطلوب من تلك القاعدة إمّا أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه وبقائه مستمرّا إلى اليقين بارتفاعه ، وإمّا أن يكون مجرّد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده ، بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط ، وإمّا أن يراد مجرّد إمضاء الآثار التي ترتّبت عليها سابقا وصحّة الأعمال الماضية المتفرعة عليه. فإذا تيقّن الطهارة سابقا وصلّى بها ثمّ شكّ في

____________________________________

فلا محالة يقع التعارض بينهما فلا يمكن اجتماعهما في دليل واحد ، إذ جعل الحجيّة للمتعارضين بجعل واحد غير معقول ، فلا يمكن شمول دليل واحد للاستصحاب والقاعدة معا ، كما في تقرير سيّدنا الاستاذ مع تلخيص منّا.

بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير هذه الأخبار ، كأصالة الصحّة في اعتقاد المسلم وفعله ، أو ما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ أو الفراغ.

يذكر المصنف قدس‌سره ثلاثة احتمالات فيما يمكن أن يكون مطلوبا من قاعدة اليقين.

الاحتمال الأوّل : ما أشار إليه بقوله :

إنّ المطلوب من تلك القاعدة إمّا أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه وبقائه مستمرا إلى اليقين بارتفاعه.

بأن يحكم بعد اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة والشكّ فيها بحكمين : أحدهما الحكم بوجود العدالة ، والآخر الحكم ببقائها بمعنى ترتيب آثار وجود العدالة ، كصحّة الصلاة التي صلّى خلفه يوم الجمعة ، وآثار البقاء كجواز الاقتداء على زيد فيما بعد يوم الجمعة إلى العلم بارتفاع العدالة.

والاحتمال الثاني : ما أشار إليه بقوله :

وإمّا أن يكون مجرّد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده ، بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط.

بأن يحكم بصحّة الصلاة التي صلّى خلفه يوم الجمعة فقط ، وبوجوب دفع الدرهم للفقير بعد يوم الجمعة أيضا ، إذا نذر إعطاء درهم في كلّ يوم مدّة الاسبوع للفقير على تقدير وجود عدالة زيد يوم الجمعة.

٢٥٣

طهارته في ذلك الزمان فصلاته ماضية.

فإن اريد الأوّل ، فالظاهر عدم دليل يدلّ عليه ، إذ قد عرفت أنّه لو سلّم اختصاص الأخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة ، لم يمكن أن يراد منه إثبات حدوث العدالة وبقائها ، لأن لكلّ من الحدوث والبقاء شكّا مستقلّا.

نعم ، لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث ، أمكن أن يقال : إنّه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها ، للعلم ببقائها على تقدير الحدوث ، لكنّه لا يتمّ إلّا على الأصل المثبت ، فهو تقدير على تقدير.

____________________________________

والاحتمال الثالث : ما أشار إليه بقوله :

وإمّا أن يراد مجرّد إمضاء الآثار التي ترتّبت عليها سابقا.

كصحّة الصلاة يوم الجمعة دون الآثار التي لم تترتّب على العدالة سابقا ، كإعطاء الدرهم للفقير بعد يوم الجمعة. هذا تمام الكلام فيما يمكن أن يكون مطلوبا من قاعدة اليقين.

فإن اريد الأوّل ، فالظاهر عدم دليل يدلّ عليه ، إذ قد عرفت ـ في قولنا : أمّا لو اريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرّة ... إلى آخره ـ أنّه لو سلّم اختصاص الأخبار المعتبرة ، أي : الدالة على الاعتبار لليقين السابق بهذه القاعدة ، لم يمكن أن يراد منه إثبات حدوث العدالة وبقائها ، وذلك لما عرفت من لزوم استعمال الكلام في المعنيين المتنافيين ، كما أشار إليه بقوله :

لأنّ لكلّ من الحدوث والبقاء شكّا مستقلا. نعم ، لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث ، أمكن أن يقال : إنّه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها بالملازمة المفروضة بين الحدوث والبقاء ، كما أشار إليها بقوله :

للعلم ببقائها على تقدير الحدوث ، لكنّه ، أي : كون قاعدة اليقين مثبتة للاستمرار حينئذ لا يتمّ إلّا على الأصل المثبت.

لأن قاعدة اليقين تثبت العدالة يوم الجمعة ، وبثبوتها يثبت بقاؤها بالفرض ، وكلّ أصل استصحابا كان أو قاعدة اليقين أو غيرهما إذا كان مثبتا للأثر غير الشرعي فهو مثبت ، والاستمرار في المقام ليس من الآثار الشرعيّة.

٢٥٤

وربّما يتوهّم الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه ، لكنّه فاسد ، لأنه على تقدير الدلالة لا يدلّ على استمرار المشكوك ؛ لأن الشكّ في الاستمرار ليس شكّا بعد تجاوز المحلّ.

وأضعف منه الاستدلال له بما سيجيء من دعوى أصالة الصحّة في اعتقاد المسلم ، مع أنّه كالأوّل في عدم إثباته الاستمرار. وكيف كان ، فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.

وربّما فصّل بعض الأساطين بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله ، وأنّه غير قابل للاستناد إليه وبين ما إذا لم يذكره ، كما إذا علم أنّه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ثمّ

____________________________________

فهو تقدير على تقدير ، أي : إثبات الاستمرار بقاعدة اليقين تقدير على تقدير ، أي : تقدير العلم بالبقاء والاستمرار على تقدير الحدوث.

وربّما يتوهم الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ في الشيء بعد تجاوز محلّه ، لكنّه فاسد.

أوّلا : عدم دلالة ما دلّ على عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ على عدم الاعتناء بالشكّ بعد اليقين ، وذلك لاختلاف المناط فيها ، إذ المناط في باب التجاوز هو تجاوز المحلّ والمناط في قاعدة اليقين هو اليقين السابق لا تجاوز المحلّ. وثانيا : ما أشار إليه بقوله :

لأنه على تقدير الدلالة لا يدلّ على استمرار المشكوك ؛ لأن الشكّ في الاستمرار ليس شكّا بعد تجاوز المحلّ. وأضعف منه الاستدلال له بما سيجيء من دعوى أصالة الصحّة في اعتقاد المسلم.

وجه الأضعفيّة أنّه لا مستند لهذا الأصل إلّا ما زعمه كاشف الغطاء من دعوى أصالة الصحّة في جميع الموجودات حتى الاعتقاد ؛ لأن أصالة الصحّة سواء كانت بمعنى الأخذ من مدرك صحيح أو بمعنى المطابقة للواقع غير معقولة في المقام.

مع أنّه كالأوّل في عدم إثباته الاستمرار. وكيف كان ، فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى ، أي : إثبات أصل المتيقّن مع استمراره.

وربّما فصّل بعض الأساطين ـ أعني : كاشف الغطاء ـ بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله ـ أي : الاعتقاد ـ وأنّه غير قابل للاستناد إليه.

٢٥٥

غاب المستند وغفل زمانا ، فشكّ في طهارته ونجاسته فيبني على معتقده هنا ، لا في الصورة الاولى ، وهو وإن كان أجود من الاطلاق ، لكن إتمامه بالدليل مشكل.

وإن اريد بها الثاني ، فلا مدرك له بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب إلّا ما تقدّم من أخبار عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ ، لكنّها لو تمّت فإنّما تنفع في الآثار المرتّبة عليه سابقا ، فلا يثبت بها إلّا صحّة ما ترتّبت عليها. وأمّا إثبات نفس ما اعتقده سابقا حتى يترتّب عليه بعد ذلك الآثار المترتّبة على عدالة زيد يوم الجمعة وطهارة ثوبه في الوقت السابق فلا ، فضلا عن إثبات مقارناته الغير الشرعيّة ، مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.

وإن اريد بها الثالث ، فله وجه ، بناء على تماميّة قاعدة الشكّ بعد الفراغ وتجاوز المحلّ.

____________________________________

علم بعد زوال الاعتقاد بأنّ مدرك الاعتقاد لم يكن قابلا للاستناد إليه ، بأن كان الاعتقاد بعدالة زيد حاصلا بإخبار من لا عبرة بإخباره أصلا.

وبين ما إذا لم يذكره ، كما إذا علم أنّه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ثمّ غاب المستند بأن نسي المدرك وغفل زمانا عن المعتقد ، فشكّ في طهارته ونجاسته فيبني على معتقده هنا ، أي : في الصورة الثانية ، لا في الصورة الاولى.

وهذا التفصيل وإن كان أجود من احتمال اعتبار القاعدة مطلقا ، لكن إتمامه بالدليل مشكل كما عرفت غير مرّة عدم ما يصلح أن يكون دليلا معتبرا على القاعدة. هذا تمام الكلام في الاحتمال الأوّل.

أمّا الاحتمال الثاني ، فقد أشار إليه بقوله :

وإن اريد بها الثاني ، فلا مدرك له بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب كما عرفت عدم شمولها للقاعدة تفصيلا ، إلّا ما تقدّم قبل سطور في التوهّم من أخبار عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز المحلّ ، لكنّها لو تمّت دلالة على قاعدة اليقين فإنّما تنفع في الآثار المرتّبة عليه سابقا وهو الاحتمال الثالث كما سيأتي ، فلا تنفع في إثبات المعنى الثاني المبحوث عنه ، كما أشار إليه بقوله :

وأمّا إثبات نفس ما اعتقده سابقا حتى يترتّب عليه بعد ذلك الآثار المترتّبة على عدالة زيد يوم الجمعة وطهارة ثوبه في الوقت السابق فلا. هذا تمام الكلام في الاحتمال الثاني.

أمّا الاحتمال الثالث فقد أشار إليه بقوله :

٢٥٦

فإذا صلّى بالطهارة المعتقدة ، ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده وكونه متطهّرا في ذلك الزمان ، بنى على صحّة الصلاة ، لكنّه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق.

ولذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة والحدث بنى على الصحّة أيضا ، من جهة أنّ الشكّ في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين الأصحاب. خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين ، كصاحب المدارك وكاشف اللثام ، حيث منعا البناء على صحّة الطواف إذا شكّ بعد الفراغ في كونه مع الطهارة. والظاهر ـ كما يظهر من الأخير ـ أنّهم يمنعون القاعدة المذكورة في غير أجزاء العمل ، ولعلّ بعض الكلام في ذلك سيجيء في مسألة أصالة الصحّة في الأفعال إن شاء الله.

____________________________________

وإن اريد بها الثالث ، فله وجه في الجملة ، بناء على تماميّة قاعدة الشكّ بعد الفراغ وتجاوز المحلّ لإثبات مثل العدالة والطهارة ، كما في شرح الاعتمادي.

فقوله : بناء على تماميّة ... إلى آخره إشارة إلى عدم تماميّة قاعدة الشكّ بعد الفراغ وتجاوز المحلّ لإثبات الصحّة.

وكيف كان فإذا صلّى بالطهارة المعتقدة ، ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده وكونه متطهّرا في ذلك الزمان بنى على صحّة الصلاة ، لكنّه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق.

أي : اليقين بالطهارة مثلا ، بل من جهة كون قاعدة الفراغ مقتضية لصحّة العمل الواقع حال اليقين ، لما عرفت من أنّ المناط في قاعدة الفراغ ليس اعتبار اليقين السابق ، بل المناط فيها هو عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ أو تجاوز المحلّ.

ولذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة والحدث ، فأتى بالعمل غافلا عن الصحّة والفساد ، ثمّ شكّ فيه بنى على الصحّة أيضا.

ومن المعلوم أنّ البناء على الصحّة ـ حينئذ ـ ليس بمناط اعتبار اليقين السابق لانتفائه.

بل من جهة أنّ الشكّ في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به على المشهور بين الأصحاب. خلافا لجماعة من متأخّري المتأخّرين ، كصاحب المدارك وكاشف اللثام ، حيث منعا البناء على صحّة الطواف إذا شكّ بعد الفراغ في كونه مع الطهارة. والظاهر ، كما يظهر من الاخير ـ أعني : كاشف اللثام ـ أنّهم يمنعون القاعدة المذكورة ـ أعني : قاعدة الفراغ والتجاوز ـ في غير أجزاء العمل ، بمعنى أنّهم يعملون بها في أجزاء العمل فقط إذا شكّ

٢٥٧

وحاصل الكلام في هذا المقام : هو أنّه إذا اعتقد المكلّف قصورا أو تقصيرا بشيء في زمان ، موضوعا كان أو حكما ، اجتهاديّا أو تقليديّا ، ثمّ زال اعتقاده ، فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتّب آثار المعتقد ، بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما تقتضيه الاصول بالنسبة إلى نفس المعتقد وإلى الآثار المترتّبة عليه سابقا أو لاحقا.

____________________________________

فيها بعد الدخول في جزء آخر.

وحاصل الكلام في هذا المقام.

أي : في مقام البحث عن قاعدة اليقين أنّ الشكّ الساري لا اعتبار به ، وعلى فرض وجود قاعدة اخرى في بعض موارد قاعدة اليقين يبني على مقتضى تلك القاعدة لا على مقتضى قاعدة اليقين ، لما عرفت من اختلاف المناط فيهما.

ثمّ توضيح العبارة على ما في شرح الاعتمادي :

أنّه إذا اعتقد المكلّف قصورا ، بأن اعتقد بعدالة زيد يوم الجمعة لإخبار جماعة يعتقد عدالتهم ، فبان فسقهم أو وجد المعارض أو تقصيرا ، بأن اعتقد بعدالة زيد لإخبار جماعة لا عبرة بقولهم بشيء في زمان ، موضوعا كان ـ كالعدالة ـ أو حكما ـ كالطهارة ـ اجتهاديّا ، بأن حصل الاعتقاد باجتهاده وكان مجتهدا أو تقليديّا ، بأن حصل الاعتقاد للمقلّد بتقليده ثمّ زال اعتقاده ، فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار المعتقد لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار قاعدة اليقين بشيء من معانيها الثلاثة.

بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما تقتضيه الاصول بالنسبة إلى نفس المعتقد ، فإذا كان عالما بفسق زيد مثلا ثمّ اعتقد بعدالته يوم الجمعة ، ثمّ زال اعتقاده يستصحب الفسق.

وإلى الآثار المترتّبة عليه سابقا ، فيحكم بصحّة الصلاة التي صلّى خلفه لقاعدة الفراغ ، ويحكم بعدم وجوب الدرهم المنذور في أيام الاسبوع على تقدير العدالة يوم الجمعة ، لأصالة البراءة.

٢٥٨

الثالث

أن يكون كلّ من بقاء ما احرز حدوثه سابقا وارتفاعه غير معلوم ، فلو علم أحدهما فلا استصحاب. وهذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعي واقعي واضح.

وإنّما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع ، فإنّ الشكّ الواقعي في البقاء والارتفاع لا يزول معه ، ولا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.

____________________________________

الثالث يعتبر في الاستصحاب أن يكون المستصحب مشكوك البقاء ، فلا يجري الاستصحاب فيما إذا احرز بقاء المستصحب أو ارتفاعه ، من دون فرق بين أن يكون الإحراز بالوجدان كالعلم ، أو بالتعبّد الحاصل من الطرق والأمارات.

وبالجملة ، أنّه لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب مع وجود العلم في مورده سواء كان على طبق الحالة السابقة أو على خلافها ؛ لأن الشكّ مأخوذ في الاستصحاب وارتفاعه بالعلم ضروري ، فالدليل العلمي مطلقا وارد على الاستصحاب ، بل على جميع الاصول كما لا يخفى ، فعدم جريان الاستصحاب مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واضح ؛ لأن الشكّ في البقاء لا يجتمع مع العلم بالبقاء أو الارتفاع ، كما أشار إليه بقوله :

فلو علم أحدهما فلا استصحاب ... إلى آخره.

ثمّ تقديم الدليل العلمي على نحو الورود لا يختصّ بالاستصحاب ، بل الدليل العلمي وارد على جميع الاصول ؛ لأن الموضوع في الجميع هو الشكّ يرتفع بالعلم. وكذا لا إشكال في تقديم غير الدليل العلمي على الاستصحاب وسائر الاصول ، وإنّما الكلام في وجه تقديم سائر الأدلّة الظنّية على الاستصحاب ، كما أشار إليه بقوله :

وإنّما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع ، كخبر الواحد والبيّنة ونحوهما ، كما إذا اقتضى الاستصحاب طهارة شيء مثلا وقامت البيّنة على نجاسته.

فإنّ الشكّ الواقعي في البقاء والارتفاع لا يزول معه ، أي : مع ما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع ، كي لا يعقل الاستصحاب ، فالشكّ بمعنى عدم العلم بالارتفاع باق حتى مع قيام البيّنة على خلاف الحالة السابقة ، إلّا أنّه يعمل بالدليل على خلاف الحالة السابقة لا بالاستصحاب ، كما أشار إليه بقوله :

٢٥٩

____________________________________

ولا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.

وحاصل الكلام في هذا المقام أنّه لا إشكال ولا خلاف في عدم جريان الاستصحاب مع قيام الأمارة على ارتفاع المتيقّن سابقا ، بل يجب العمل بها وإنّما الكلام في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب ، وأنّه هل هو من باب الحكومة أو الورود أو التخصيص أو التخصّص ...؟.

وأوضح ما في هذا الباب هو ما في تقرير سيّدنا الاستاذ ، حيث قال : ما هذا لفظه : فذهب بعضهم إلى أنّه من باب التخصيص بدعوى أنّ النسبة بين أدلّة الاستصحاب وأدلّة الأمارات وإن كانت هي العموم من وجه ، إلّا أنّه لا بدّ من تخصيص أدلّة الاستصحاب بأدلّة الأمارات وتقديمها عليها ؛ لأن النسبة المتحقّقة بين الأمارات والاستصحاب هي النسبة بينها وبين جميع الاصول العملية ، فلو عمل بالاصول لم يبق مورد للعمل بالأمارات ، فيلزم إلغاؤها.

إذ من الواضح أنّه لا يوجد مورد من الموارد إلّا وهو مجرى لأصل من الاصول العملية ، مع قطع النظر عن الأمارة القائمة فيه.

وفيه : أوّلا : أنّ أدلّة الاستصحاب في نفسها بعيدة عن التخصيص ، فإنّ ظاهر قوله عليه‌السلام : ليس ينبغي لك أنّ تنقض اليقين بالشكّ (١) إرجاع الحكم إلى قضيّة ارتكازيّة ، وهي عدم جواز رفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم ، وهذا المعنى آب عن التخصيص ، إذ مرجعه إلى أنّه في مورد خاص يرفع اليد عن الأمر المبرم بأمر غير مبرم ، وهو خلاف الارتكاز.

وثانيا : مع الغضّ عن إبائها عن التخصيص أنّ التخصيص في رتبة متأخرة عن الورود والحكومة ؛ لأن التخصيص رفع الحكم عن الموضوع ومع انتفاء الموضوع بالوجدان ـ كما في الورود ـ أو بالتعبّد ـ كما في الحكومة ـ لا تصل النوبة إلى التخصيص. وسنبيّن أنّه لا موضوع للاستصحاب مع الأمارة على وفاقه أو على خلافه.

وذهب صاحب الكفاية رحمه‌الله وبعض من المحقّقين إلى أنّ تقديم الأمارات على الاصول

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥ ، والوسائل ٣ : ٤٦٦ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ١.

٢٦٠