دروس في الرسائل - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٣

مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة. فمن اعتاد الصلاة في أوّل وقتها أو مع الجماعة فشكّ في فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل. وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه ، وشكّ في فعل الصلاة.

وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتدّ به أو قبل دخول الوقت للتهيّؤ ،

____________________________________

هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه ، إلّا الأخير وهو عدم الاعتناء بالشّك بعد تجاوز المحلّ العادي.

فإنّه ربّما يتخيّل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره.

أي : غير الأخير بمعنى أنّ إطلاق أخبار باب التجاوز منصرف إلى التجاوز عن المحلّ الشرعي والعقلي والعرفي دون العادي.

مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة أعني : عدم العبرة بالشّك بعد تجاوز المحلّ العادي يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة بحيث يلزم من الالتزام بها فروع لا يجوز للفقيه الالتزام بها لكون بعضها على خلاف الضرورة من الفقه ، ثمّ يحتمل أن يكون مراده من الإطلاقات مثل إطلاق اقيموا الصلاة ، وأن يكون مثل إطلاق اطيعوا الله.

ففي الاحتمال الأوّل :

أوّلا : إنّ تلك الإطلاقات لم تكن في مقام البيان من جميع الجهات ، بل يمكن أن تكون في مقام بيان أصل التكليف على نحو الإهمال والإجمال.

وثانيا : إنّ مجرى أصالة الصحّة هو الشبهة الموضوعيّة ، ولا يجوز التمسّك بالإطلاق في الشبهة الموضوعيّة.

وثالثا : إنّ الشكّ إنّما في وجوب الإتيان بالعبادة عند الشكّ ، ولا دخل له بمسألة إطلاقات العبادة.

وفي الاحتمال الثاني : إنّه لا يجوز التمسّك بالإطلاق في الشبهة الموضوعيّة.

فمن اعتاد الصلاة في أوّل وقتها أو مع الجماعة فشكّ في فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل. وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة كأكل الطعام فرأى نفسه فيه أي : في ذلك الفعل كأكل الطعام مثلا وشكّ في فعل الصلاة فلا يجب عليه الفعل بناء على عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحلّ المعتاد.

٣٠١

فشكّ بعد ذلك في الوضوء. إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها.

نعم ، ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة إذا شكّ في الجزء الأخير ، كالعلّامة وولده والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم قدس‌سرهم.

واستدلّ فخر الدين على مختاره في المسألة بعد صحيحة زرارة (١) المتقدّمة ، بأنّ خرق العادة على خلاف الأصل.

ولكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام ، فلا بدّ من التتبّع والتأمّل.

____________________________________

وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتدّ به أو قبل دخول الوقت للتهيّؤ ، فشكّ بعد ذلك في الوضوء فلا يجب عليه الوضوء إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها.

قال الاستاذ الاعتمادي : إنّ عدم التزام الفقيه بجريان قاعدة التجاوز في أمثال هذه الفروع لا كلام فيه ، إلّا إنّ ذلك ليس من جهة أنّه يوجب مخالفة الإطلاقات ، كما في كلام المصنف قدس‌سره ، بل من جهة انصراف قاعدة التجاوز عنها فيجب الإتيان لقاعدة الاشتغال. ولا معنى للتمسّك بالإطلاق والعموم عند الشكّ في إتيان المأمور به.

نعم ، ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة إذا شكّ في الجزء الأخير ، كالعلّامة وولده والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم قدس‌سرهم واستدلّ فخر الدين على مختاره في المسألة بعد صحيحة زرارة المتقدّمة ، بأن خرق العادة على خلاف الأصل.

أعني : الظاهر ، كما في شرح التنكابني.

وبالجملة ، إنّ خرق العادة يكون على خلاف الظاهر ، إذ مقتضى ظاهر حال المعتاد هو العمل على طبق العادة ، ومقتضاه هو الإتيان بما هو المعتاد ، فلا عبرة بالشكّ في عدم الإتيان بعد تجاوز المحلّ ، إلّا أن يقال بعدم الدليل على اعتبار هذا الظاهر غير شمول أخبار الباب ، والمفروض عدم شمولها للتجاوز عن المحلّ العادي ، بل إنّها منصرفة إلى غيره.

ولكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام ، فلا بدّ من التتبّع في غير المقام كي يعلم بأنّهم قالوا في غير المقام بما أفتوا في المقام أم لا. ثمّ التأمّل في وجه الفتوى

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

٣٠٢

والذي يقرب في نفسي عاجلا هو الالتفات إلى الشكّ ، وإن كان الظاهر من قوله عليه‌السلام فيما تقدّم : ـ (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشك) (١) ـ أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل ، فهو دائر مدار الظهور النوعي ولو كان من العادة ، لكنّ العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل ، فتأمّل. والأحوط ما ذكرنا.

الموضع الثالث : الدخول في غير المشكوك إن كان محقّقا للتجاوز عن المحلّ ، فلا إشكال

____________________________________

المذكورة.

والذي يقرب في نفسي عاجلا هو الالتفات إلى الشكّ لئلّا يلزم تأسيس فروع لا يلتزم بها أحد ، كما في شرح الاعتمادي.

وإن كان الظاهر من قوله عليه‌السلام : فيما تقدّم : ـ (هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشكّ) ـ أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل فتكون من الأمارات الظنيّة المعتبرة من باب الظنّ النوعي. ويكون تقديمها على الأصل والاستصحاب دائرا مدار الظهور النوعي ولو كان من العادة فيجري في المحلّ العادي أيضا. إذ ليس تقديم القاعدة على الاستصحاب حكما تعبّديا حتى يقتصر على القدر المتيقّن ، لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل لما عرفت من استلزامه الالتزام بالفروع التي يبعد الالتزام بها ، بل لا يجوز الالتزام بها لكون بعضها على خلاف الضرورة من الفقه.

فتأمّل لعلّه إشارة إلى أنّ المسألة وإن كانت ذات وجهين ، إلّا إنّ الحق عند المصنف قدس‌سره هو ما أشار إليه بقوله : والأحوط ما ذكرنا من الالتفات إلى الشكّ في المحلّ العادي فيما إذا كان المحلّ العادي من العاديّات الشخصيّة ، كما في الأمثلة المتقدّمة.

الموضع الثالث :

وقبل الخوض في البحث لا بدّ من بيان ما هو محلّ الكلام من اعتبار الدخول في الغير أو عدم اعتباره. هل اعتبار الدخول وعدم اعتباره راجع إلى قاعدة التجاوز دون قاعدة الفراغ ، أو راجع إلى قاعدة الفراغ دون قاعدة التجاوز؟.

إذ اعتباره في قاعدة التجاوز ممّا لا إشكال فيه ، لعدم صدق التجاوز عن الجزء

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

٣٠٣

في اعتباره ، وإلّا فظاهر الصحيحتين (١) الاوليين اعتباره ، وظاهر إطلاق موثّقة (٢) ابن مسلم

____________________________________

المشكوك فيه بدون الدخول في الجزء المترتّب عليه ، كما في فرائد الاصول.

وظاهر كلام المصنف قدس‌سره هو الاحتمال الأوّل ، أي : اعتبار الدخول في الغير وعدم اعتباره في قاعدة التجاوز دون قاعدة الفراغ ، لأنّ قاعدة الفراغ المستفاد من قوله عليه‌السلام : كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فامضه كما هو (٣) لا يعتبر فيها أزيد من الفراغ عن العمل من دون حاجة إلى الدخول في عمل آخر ، فيكفي في الحكم بالمضي فيها مجرّد صدق المضي على المشكوك ، ويكفي في الصدق المزبور مجرّد الفراغ عن العمل.

وبالجملة ، إنّ الظاهر من كلام المصنف قدس‌سره أنّ اعتبار الدخول في الغير راجع إلى قاعدة التجاوز وذلك ناشئ من اختلاف الروايات الواردة في قاعدة التجاوز ، حيث يكون ظاهر الصحيحتين الاوليين اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز ، وظاهر إطلاق موثّقة ابن مسلم عدم اعتباره.

وتوضيح الكلام : إنّ الدخول في الغير تارة : يكون ممّا به يتحقّق مفهوم التجاوز بأن يكون التجاوز عن المحلّ مستندا إلى الدخول في الغير ، كما إذا شك في تكبيرة الإحرام بعد الدخول في الاستعاذة للقراءة من دون فصل طويل ، بحيث لو لم يشرع فيها كان محل التكبير باقيا ، فلا إشكال ـ حينئذ ـ في اعتبار الدخول في الغير ، كما أشار إليه بقوله :

الدخول في غير المشكوك إن كان محقّقا للتجاوز عن المحلّ ، فلا إشكال في اعتباره.

واخرى : لا يتوقّف تحقّق التجاوز إلى الدخول في الغير ، بأن يتحقّق التجاوز قبل الدخول في الغير ولو لأجل الفصل المعتدّ به بينهما ، كما إذا فرغ عن الفاتحة ومضى زمان يسع لقراءة السورة ، فشكّ في قراءتها فهل تجري ـ حينئذ ـ قاعدة التجاوز أو لا؟.

لا تجري بناء على اعتبار الدخول في الغير ، وذلك لانتفاء الدخول في الغير ، وتجري بناء على عدم اعتبار الدخول في الغير فيها.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١. التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٤٤ / ١٤٢٦. الوسائل ٨ : ٢٣٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ٣.

(٣) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٤. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٦.

٣٠٤

عدم اعتباره.

ويمكن حمل التقييد في الصحيحتين على الغالب ، خصوصا في أفعال الصلاة ، فإنّ الخروج من أفعالها يتحقّق غالبا بالدخول في الغير ، وحينئذ فيلغو القيد ، ويحتمل ورود المطلق على

____________________________________

وبالجملة ، إنّه لا بدّ من الدخول في الغير إذا توقّف التجاوز عليه وإنّما الاختلاف في اعتباره فيما إذا لم يكن الدخول في الغير محقّقا للتجاوز ، كما أشار إليه بقوله : وإلّا ، أي : وإن لم يكن الدخول في الغير محقّقا للتجاوز ، بل يتحقّق التجاوز بدونه ، كما في المثال المتقدّم فظاهر الصحيحتين الاوليين اعتباره ، وظاهر إطلاق موثّقة ابن مسلم عدم اعتباره فيقع التعارض بينهما.

وتوضيح الكلام في المقام : إنّ الروايات الواردة في قاعدة التجاوز على طائفتين :

منها : ما دلّ على اعتبار التجاوز من دون التقييد بالدخول في الغير.

ومنها : ما دلّ على اعتبار الدخول في الغير.

والنسبة بينهما هي عموم وخصوص مطلق ، وذلك فإنّ التجاوز في غالب الأوقات والموارد وإن تحقّق بالدخول في الغير ، إلّا إنّه قد يتحقّق بدون الدخول في الغير أيضا ، كما عرفت في المثال المتقدّم ، وحينئذ يقع التعارض بين الأخبار الظاهرة في اعتبار التجاوز من دون تقييد بالدخول في الغير ، وبين الأخبار الظاهرة في اعتبار الدخول في الغير ، لأنّ مفاد الاولى هو كفاية التجاوز عن المحلّ وعدم اعتبار الدخول في الغير.

ومفاد الثانية مفهوما هو عدم كفاية التجاوز عن المحلّ بدون الدخول في الغير.

ويمكن الجمع بينهما بأحد وجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : ويمكن حمل التقييد في الصحيحتين على الغالب.

أي : يمكن حمل التقييد في الطائفة الثانية الظاهرة في اعتبار الدخول في الغير على كون التقييد واردا مورد الغالب كما في قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(١) ، فليس لها مفهوم كي يعارض الإطلاق في الطائفة الاولى ، فيحكم ـ حينئذ ـ بكفاية مجرّد التجاوز عن المحلّ وإن انفكّ عن الدخول في الغير.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

٣٠٥

الغالب فلا يحكم بالإطلاق ، ويؤيّد الأوّل ظاهر التعليل المستفاد من قوله : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ).

وقوله عليه‌السلام : (إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) بناء على ما سيجيء من التقريب.

وقوله عليه‌السلام : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك) الخبر.

____________________________________

ثانيهما : ما أشار إليه بقوله : ويحتمل ورود المطلق على الغالب.

ولازم ذلك اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز ، وعدم ذكره في بعض الروايات إنّما هو لعدم الحاجة إلى الذكر بعد كون حمل المطلق على المقيّد أمرا واضحا.

ويؤيّد الأوّل ، أعني : عدم اعتبار الدخول في الغير بعد حمل التقييد واردا مورد الغالب ظاهر التعليل المستفاد من قوله عليه‌السلام : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ).

فإنّ ظاهر التعليل بالأذكريّة هو جعل علّة الحكم بعدم العبرة بالشكّ هو الذكر حين العمل وهي موجودة في صورة التجاوز عن المحلّ وإن لم يدخل في الغير.

وبعبارة اخرى على ما في شرح الاعتمادي : إنّ ظاهر التعليل المذكور في هذه الرواية هو أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل ، فهو دائر مدار الظهور النوعي ولو لم يحصل الدخول في الغير.

ثم أشار إلى المؤيّد الثاني للاحتمال الأوّل من الجمع بقوله :

وقوله عليه‌السلام : (إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) بناء على ما سيجيء من التقريب.

فإنّ الظاهر منه بمقتضى كونه في مقام الحصر كون المناط في الاعتناء بالشكّ مجرّد عدم التجاوز ، ثمّ مقتضى مفهوم الحصر هو كون المناط في عدم العبرة بالشكّ هو مجرّد التجاوز وإن لم يدخل في الغير.

وقد أشار إلى المؤيّد الثالث بقوله :

وقوله عليه‌السلام : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك) الخبر.

فإنّ الظاهر كونه في مقام بيان الضابطة الكلّية وأنّ المناط في عدم العبرة بالشكّ هو مجرّد المضي ، فهو آب عن التقييد بالدخول في الغير.

وهذه وجوه تؤيّد للجمع الأوّل وتبعّد للجمع الثاني.

ولكن هنا ما يقرّب الجمع الثاني ويبعّد الجمع الأوّل ، كما أشار إليه بقوله :

٣٠٦

لكنّ الذي يبعّده أنّ الظاهر من الغير ـ في صحيحة إسماعيل بن جابر : (إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض) بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقرّرة بقوله بعد ذلك : (كلّ شيء شكّ فيه) الخبر ـ كون السجود والقيام حدّا للغير الذي يعتبر الدخول فيه وأنّه ـ لا غير ـ أقرب من الأوّل بالنسبة إلى الركوع ، ومن الثاني بالنسبة إلى السجود ، إذ لو كان الهويّ للسجود كافيا عند الشكّ في الركوع والنهوض للقيام كافيا عند الشكّ في السجود ، قبح في مقام التوطئة ـ للقاعدة الآتية ـ التحديد بالسجود والقيام ، ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شكّ قبل الاستواء

____________________________________

لكنّ الذي يبعّده أنّ الظاهر من الغير ـ في صحيحة إسماعيل بن جابر : (إن شكّ في الركوع بعد ما سجد ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض) بملاحظة مقام التحديد ومقام التوطئة للقاعدة المقرّرة بقوله بعد ذلك : (كلّ شيء شكّ فيه) ... الخبر ـ كون السجود والقيام حدّا للغير الذي يعتبر الدخول فيه.

فالمستفاد من هذه الرواية هو أنّه لا يجوز المضي فيما إذا شكّ في الركوع ما لم يدخل في السجود ، وهكذا لا يجوز المضي فيما إذا شكّ في السجود ما لم يدخل في القيام ، ثمّ كون الإمام عليه‌السلام في مقام بيان القاعدة الكلّية حيث قال : كلّ شيء شكّ فيه ... إلى آخره يفيد اعتبار الدخول في الغير في الحكم بعدم العبرة بالشّك ، ثمّ بيّن حدّ الغير الذي يعتبر الدخول فيه وهو السجود في الشكّ في الركوع والقيام في الشكّ في السجود ، ولا غير أقرب من السجود بالنسبة إلى الركوع ، ومن القيام إلى السجود ، فلا يكفي الهوي عند الشكّ في الركوع ، والنهوض للقيام عند الشكّ في السجود.

وكيف كان ، فحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الإمام عليه‌السلام حكم في صدر الرواية بعدم العبرة بالشكّ بعد السجود وبعدم اعتبار الشكّ فيه بعد القيام ، وحكم في الذيل على نحو الكلّي بأنّ كلّ شيء شكّ فيه قد جاوزه ودخل في غيره فليمض ، وبديهيّ أنّ المذكور في الصدر تمهيد وتوطئة للمذكور في الذيل ، فهو عليه‌السلام في مقام التمهيد للقاعدة أتى بحدّ خاصّ وهو اعتبار الدخول في الغير. ومن المعلوم أنّ التحديد في مقام التمهيد لا يجوز حمله على الغالب. ثمّ عبارة المصنف قدس‌سره واضحة لا تحتاج إلى الشرح والتوضيح.

ولم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إلى الشكّ والاعتناء به إذا شكّ حين

٣٠٧

قائما.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما ارتكبه بعض من تأخّر ـ من التزام عموم الغير وإخراج الشكّ في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية ـ ضعيف جدّا ، لأنّ الظاهر أنّ القيد وارد في مقام

____________________________________

النهوض وقبل الاستواء قائما.

قال الاستاذ الاعتمادي ما هذا لفظه : وفي الشكّ في الركوع قبل السجود بحث. بيانه : إنّ الشكّ في الركوع في حال القيام لا ريب في وجوب الالتفات إليه لعدم تجاوز المحلّ. وفي حال القيام بعد الركوع بأن شكّ في صحّته لا ريب في عدم الالتفات للدخول في الغير الأصلي ، أعني : القيام. وفي حال الهوي بعد القيام عن الركوع فكذلك. وإن شكّ حين الهوي في أنّه ركع وقام ثمّ أهوى ، أو أهوى إلى السجود من دون ركوع فهذا محلّ كلام ، فالمشهور وجوب الالتفات لرواية اسماعيل ، ولعدم الفصل بينه وبين الشك في السجود حين النهوض المحكوم بالالتفات لرواية اسماعيل (١) ورواية عبد الرحمن :

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما قال : يسجد (٢).

وبعضهم فصّل بينهما وأجاب عن رواية اسماعيل بعدم كونها في مقام التحديد ، وعن رواية عبد الرحمن بروايته الاخرى :

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع؟ قال : قد ركع (٣).

ويمكن حمله على إرادة الدخول في السجود.

وممّا ذكرنا من ظهور الصدر في التحديد في مقام التمهيد للذيل يظهر أنّ ما ارتكبه بعض من تأخّر ـ من التزام عموم الغير ، وإخراج الشكّ في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية ـ ضعيف جدّا.

الظاهر أنّ المراد به صاحب المدارك ، كما في التعليقة فلا بدّ :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٣. الاستبصار ١ : ٣٦٢ / ١٣٧١. الوسائل ٦ : ٣٦٩ ، أبواب السجود ، ب ١٥ ، ح ٦.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥١ / ٥٩٦. الاستبصار ١ : ٣٥٨ / ١٣٥٨. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٦.

٣٠٨

التحديد.

والظاهر أنّ التحديد بذلك توطئة للقاعدة ، وهي بمنزلة ضابطة كلّية ، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام. فكيف يجعل فردا خارجا بمفهوم الغير عن عموم القاعدة؟!.

فالأولى أن يجعل هذا كاشفا عن خروج مقدّمات أفعال الصلاة عن عموم الغير ، فلا يكفي في الصلاة مجرّد الدخول ولو في فعل غير أصلي ، فضلا عن كفاية مجرّد الفراغ.

____________________________________

أوّلا : من تقريب ما يتوهّمه من عموم الغير وإخراج الشكّ في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية.

وثانيا : من بيان وجه ضعف هذا التوهّم.

وحاصل التوهّم على ما في شرح الاعتمادي : إنّ القاعدة المذكورة في ذيل الرواية مطلقة غير مقيّدة بالدخول في الغير على نحو التحديد والتعيين بأنّه هو السجود في الشكّ في الركوع والقيام في الشكّ في السجود ، فيشمل مطلق الغير وإن لم يكن هو السجود في الشك في الركوع مثلا ، إلّا إنّه خرج منه الشكّ في السجود قبل تمام القيام بمفهوم قوله في الصدر : من شكّ في السجود بعد القيام فليمض حيث يكون مفهومه عدم المضي في السجود قبل تمام القيام. وأمّا الشكّ في الركوع قبل السجود فهو باق تحت إطلاق القاعدة لرواية عبد الرحمن المتقدّمة في الركوع ، حيث حكم الإمام عليه‌السلام بالبناء على الركوع وعدم العبرة بالشكّ فيه قبل السجود. هذا تمام الكلام في تقريب التوهّم.

وأمّا بيان وجه الضعف ، فهو ما أشار إليه بقوله :

لأنّ الظاهر أنّ القيد وارد في مقام التحديد. والظاهر أنّ التحديد بذلك توطئة للقاعدة ، وهي بمنزلة ضابطة كلّية ، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام. فكيف يجعل الشكّ في السجود قبل القيام خارجا بمفهوم الغير عن عموم القاعدة؟!.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الظاهر أنّ القاعدة المذكورة في الذيل محدودة بالقيد المذكور في الصدر توطئة لها ، وحينئذ لا مجال لحملها على الإطلاق وإخراج المورد بمفهوم القيد ، بل هذا أبعد من إخراج المورد المستهجن.

فالأولى أن يجعل هذا ، أي : تحديد القاعدة بالقيد المذكور توطئة لها كاشفا عن خروج مقدّمات أفعال الصلاة عن عموم الغير ، فلا يكفي في الصلاة مجرّد الدخول ولو في

٣٠٩

والأقوى اعتبار الدخول في الغير وعدم كفاية مجرّد الفراغ ، إلّا إنّه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره ، كما لو فرغ عن الصلاة والوضوء ، فإنّ حالة عدم الاشتغال بها تعدّ مغايرة لحالهما وإن لم يشتغل بفعل وجودي فهو دخول في الغير بالنسبة إليهما.

____________________________________

فعل غير أصلي كالهوي للسجود والنهوض للقيام فضلا عن كفاية مجرّد الفراغ. والأقوى اعتبار الدخول في الغير وعدم كفاية مجرّد الفراغ.

وذلك لصحّة سند الروايات المقيّدة ، ولأنّ التصرّف في المطلق بحمله على المقيّد أولى من التصرّف في المقيّد بحمل القيد مورد الغالب ، ولأنّ التقييد في مقام التوطئة يوجب قوّة الدلالة.

فالمتحصّل من جميع ما ذكر هو خروج مقدّمات أفعال الصلاة كالهوي والنهوض عمّا يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز ، فمقدّمات أفعال الصلاة خارجة عن القاعدة بمعنى عدم شمول القاعدة لها ، فيكون خروجها منها من باب التخصّص دون التخصيص ، إذ شمول قاعدة التجاوز لمقدّمات أفعال الصلاة ينافي ما ذكر في رواية اسماعيل من التحديد بالنسبة إلى الغير.

نعم ، قيل بأنّ المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز هو مطلق الغير ، سواء كان من الأجزاء أو المقدّمات ، وعلى الأوّل سواء كان جزء مستقلّا ، أو كان جزء الجزء ، كآخر السورة عند الشكّ في أوّلها. وقيل في وجه ذلك : إنّه إذا شكّ في السجود في حال النهوض يصدق عليه إنّه شكّ في السجود بعد الخروج منه والدخول في غيره.

وكيف كان ، فظاهر كلام المصنف قدس‌سره هو احتمال الأوّل. واكتفينا بهذا المقدار المناسب لهذا المختصر وإلّا فالبحث طويل.

إلّا أنّه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره ، كما لو فرغ عن الصلاة والوضوء ، فإنّ حالة عدم الاشتغال بها تعدّ مغايرة لحالهما وإن لم يشتغل بفعل وجودي فهو دخول في الغير بالنسبة إليهما.

ملخّص الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّ الشكّ في أثناء العمل إنّما يكون شكّا بعد الدخول في الغير إذا دخل بجزء آخر ، وأمّا الشكّ بعد تمام العمل فهو شكّ بعد الدخول في الغير ، وإن لم يشتغل بعمل آخر ، لأنّ الشكّ إن تعلّق بغير الجزء الأخير فتحقّق

٣١٠

وأمّا التفصيل بين الصلاة والوضوء ، بالتزام كفاية مجرّد الفراغ من الوضوء ولو مع الشكّ في الجزء الأخير منه ، فيردّه اتّحاد الدليل في البابين ، لأنّ ما ورد من قوله عليه‌السلام ، في من شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) (١) عامّ ،

____________________________________

الدخول في الغير قبل الفراغ وإن تعلّق بالجزء الأخير فمجرّد الفراغ دخول في الغير. وهذا هو المراد بقوله : إلّا إنّه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره.

وأمّا التفصيل بين الصلاة والوضوء ، بالتزام كفاية مجرّد الفراغ من الوضوء ولو مع الشكّ في الجزء الأخير منه ، فيردّه اتّحاد الدليل في البابين.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي هو : إنّ المناط في عدم العبرة بالشّك يختلف بحسب الآراء والأقوال ، وملخّص الأقوال هو : إنّ بعضهم حكم بأنّ مناط عدم العبرة بالشكّ هو مجرّد تجاوز المحلّ مطلقا من دون فرق بين الوضوء وغيره ، وبعضهم حكم بأنّ المناط هو الدخول في الغير وأنّ الفراغ من الدخول في الغير.

وبعضهم فصّل بين الوضوء وغيره فحكم في الوضوء بأنّ المناط هو مجرّد التجاوز حتى في الشكّ في الجزء الأخير ، وحكم في غير الوضوء بأنّ المناط هو الدخول في الغير.

ثمّ الوجه في كون المناط في الوضوء هو مجرّد التجاوز مستفاد من بعض أخبار الباب كقوله عليه‌السلام في من شكّ في الوضوء بعد الفراغ : هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ ، فإنّ حين الشكّ أعمّ من الدخول في الغير. وقوله عليه‌السلام في مورد الشكّ في الوضوء بعد الفراغ : إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه حيث يكون مفهومه عدم العبرة بالشّك بعد التجاوز سواء دخل في الغير أم لا.

وأمّا الوجه في كون المناط في غير الوضوء هو الدخول في الغير ، فهو مستفاد من سائر الروايات الدالّة على اعتبار الدخول في الغير. هذا ملخّص ما يمكن أن يكون وجها للتفصيل بين الوضوء وغيره. وردّه المصنف قدس‌سره بأنّ دليل البابين متّحد ، فإن أفاد اعتبار الدخول في الغير ثبت اعتباره مطلقا من دون فرق بين الوضوء وغيره ، وإن أفاد كفاية مجرّد التجاوز فيفيده مطلقا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.

٣١١

بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا. ولذا استفيد منه حكم الغسل والصلاة أيضا.

وكذلك موثّقة ابن أبي يعفور (١) المتقدّمة ، صدرها دالّ على اعتبار الدخول في الغير في الوضوء ، وذيلها يدلّ على عدم العبرة بالشكّ بمجرّد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء ، بل ظاهرها يأبى عن التقييد. وكذلك روايتا زرارة (٢) وأبي بصير (٣) المتقدّمتان آبيتان عن التقييد.

وأصرح من جميع ذلك في الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة قوله عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فامضه) (٤).

____________________________________

لأنّ ما ورد من قوله عليه‌السلام ، في من شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء : (هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ) عامّ ، بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا ، لأنّ علّة الحكم بعدم العبرة بالشكّ هو الذكر حين العمل ، وإن كان العمل غير الوضوء فهذه العلّة غير مختصّة بالوضوء.

ولذا استفيد منه حكم الغسل والصلاة أيضا ، وكذلك موثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة ، صدرها دالّ على اعتبار الدخول في الغير في الوضوء وذيلها ، يدلّ على عدم العبرة بالشكّ بمجرّد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء فلا مجال للتفصيل أصلا ، بل ظاهرها يأبى عن التقييد بالوضوء لظهورها في إعطاء الضابطة الكلّية.

وكذلك روايتا زرارة كقوله عليه‌السلام : (إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره ... إلى آخره) واسماعيل بن جابر كقوله عليه‌السلام : (كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره) المتقدّمتان آبيتان عن التقييد بغير الوضوء لظهور الكلّ في إعطاء الضابطة فلا مجال للتفصيل على ما في شرح الاعتمادي.

وأصرح من جميع ذلك في الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة قوله عليه‌السلام في الرواية المتقدّمة : (كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فامضه).

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ١٥٣ / ٦٠٢. الوسائل ٦ : ٣١٨ ، أبواب الركوع ، ب ١٣ ، ح ٤.

(٤) التهذيب ١ : ٣٦٤ / ١١٠٤. الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٦.

٣١٢

الموضع الرابع : قد خرج من الكلّية المذكورة أفعال الطهارات الثلاث ، فإنّهم أجمعوا على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل إتمام الوضوء يأتي به وإن دخل في فعل آخر. وأمّا الغسل والتيمّم فقد صرّح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات ، وقد نصّ على الحكم في الغسل جمع ممّن تأخّر عن المحقّق ، كالعلّامة وولده والشهيدين

____________________________________

والوجه في كون هذه الرواية أصرح من الجميع في الإباء عن التفصيل بين الوضوء والصلاة هو جمع الإمام عليه‌السلام فيها بين الصلاة والطهارة في الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ.

الموضع الرابع :)

وحاصل كلام المصنف قدس‌سره في هذا الموضع الرابع هو خروج أفعال الطهارات الثلاث ـ أعني : الوضوء والغسل والتيمّم ـ عن القاعدة المذكورة ـ أعني : قاعدة التجاوز ـ بمعنى أنّ ما يجري في أفعال الصلاة من عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحلّ لا يجري في الطهارات الثلاث ، فالشاكّ في إتيان شيء من الوضوء قبل إتمام الوضوء يجب عليه الإتيان به وإن تجاوز محلّه ودخل في غيره.

غاية الأمر أنّ خروج الوضوء عن القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار المخصّصة للقاعدة ممّا ادّعي عليه الإجماع ، كما أشار إليه بقوله :

فإنّهم أجمعوا على أنّ الشاكّ في فعل من أفعال الوضوء قبل إتمام الوضوء يأتي به وإن دخل في فعل آخر.

وخروج الغسل والتيمّم ليس كخروج الوضوء موردا للإجماع ، بل يكون من باب إلحاقهما بالوضوء ، ويكون إلحاق كلّ واحد منهما بالوضوء موردا للاختلاف. وإن كان يظهر من بعضهم أنّه من المسلّمات ، كما أشار إليه بقوله :

وأمّا الغسل والتيمّم فقد صرّح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلّمات.

ولعلّ ذلك بتنقيح المناط القطعي وهو اعتبار الوحدة في المركّب لوحدة المسبّب ، أعني : الطهارة في الجميع.

وكيف كان ، فإلحاق الغسل الترتيبي والتيمّم بالوضوء محل للخلاف بين الأصحاب ، وعن الأكثر الإلحاق ، كما أشار إليه بقوله :

٣١٣

والمحقّق الثاني ، ونصّ غير واحد من هؤلاء على كون التيمّم كذلك.

وكيف كان ، فمستند الخروج ـ قبل الإجماع ـ الأخبار الكثيرة المخصّصة للقاعدة المتقدّمة ،

____________________________________

وقد نصّ على الحكم في الغسل جمع ممّن تأخّر عن المحقّق ، كالعلّامة وولده والشهيدين والمحقّق الثاني ، ونصّ غير واحد من هؤلاء على كون التيمّم كذلك.

وعن بعض الأساطين عدم الإلحاق ، بل المحكي عن الجواهر عدم عثوره على القول بإلحاق الغسل عن غير السيّد في الرياض إلى أن قال : «ولم أعثر على مثل ذلك لغيره ، كما في بحر الفوائد مع تلخيص منّا ، ثمّ قال : وعن بعض من قارب عصرنا التفصيل في التيمّم بين ما كان منه بدل الوضوء فلا يعتنى بالشكّ الواقع فيه في الأثناء وبين ما كان منه بدل الغسل فيعتنى بالشكّ الواقع فيه في الأثناء كنفس الغسل» انتهى ما في بحر الفوائد.

إلّا أنّ الحقّ أنّ الأمر على عكس ما ذكر ، بمعنى أنّ الوضوء قد خرج عن قاعدة التجاوز ، ثم التيمّم البدل منه ملحق به ، فكما يعتنى بالشكّ الواقع فيه في الأثناء كذلك يعتنى بالشكّ الواقع في بدله ، أعني : التيمّم إذا كان في الأثناء ، وكما تجري القاعدة في الغسل لعدم خروجه عن القاعدة كذلك في التيمّم الذي يكون بدلا منه.

ولقد أجاد الاستاذ الاعتمادي فيما أفاده في هذا المقام حيث قال : «وبعضهم خصّ الحكم بالوضوء اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على مورد النص فلم يتعدّ إلى الغسل ، وألحق التيمّم البدل عن الغسل بالغسل والبدل عن الوضوء بالوضوء» انتهى.

إلّا أن يقال : إنّ الأصل التفصيل بين الوضوء والغسل وإن كان له وجه ، لكن إلحاق التيمّم الذي يكون بدلا عن الوضوء به في الحكم في عدم جريان القاعدة فيه ممّا لا وجه له ، لأنّ المستفاد من أدلّة البدليّة ليس إلّا جواز الدخول في الأعمال المشروطة بالطهارة مع التيمّم بدلا عن الوضوء. فيكون التيمّم بدلا عن الوضوء في جواز الدخول في الصلاة مثلا ، لا في عدم جريان قاعدة التجاوز فيه.

وكيف كان ، فمستند الخروج ـ قبل الإجماع ـ الأخبار الكثيرة المخصّصة للقاعدة المتقدّمة.

منها : رواية زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : (إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا ...؟ فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه أنّك لم تغسله ، أو تمسحه ممّا سمّى

٣١٤

إلّا أنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة ، وهي قوله : (إذا شككت فى شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) (١) ، أنّ حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج عنها ، بناء على عود ضمير (غيره) إلى الوضوء ، لئلّا يخالف الإجماع على وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء.

____________________________________

الله ما دمت في حال الوضوء ، فإذا قمت عن الوضوء ، وفرغت منه وصرت في حالة اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى الله تعالى ممّا أوجب الله عليك لا شيء عليك) (٢).

إلّا إنّه يظهر من رواية ابن أبي يعفور المتقدّمة وهي قوله : (إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه) أنّ حكم الوضوء من باب القاعدة لا خارج عنها ، بناء على عود ضمير (غيره) إلى الوضوء لا إلى الشيء المشكوك الذي يكون من أفعال الوضوء ، كالشكّ في غسل اليد اليمنى بعد الدخول في اليسرى. فلا بدّ من بيان أمرين :

أحدهما : وجه ظهور هذه الرواية في كون حكم الوضوء من باب القاعدة.

وثانيهما : وجه تقييد الحكم المذكور على القاعدة بعود ضمير غيره ـ في قوله عليه‌السلام : إذا دخلت في غيره ـ إلى الوضوء.

أمّا الأوّل ، فالوجه فيه هو أنّ قوله عليه‌السلام في ذيل الرواية : إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه يكون لبيان إعطاء الضابطة الكلّية.

وأمّا الثاني ، فالوجه فيه ما أشار إليه بقوله :

لئلّا يخالف الإجماع على وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء.

وحاصل الكلام أنّ الضمير في غيره إذا كان راجعا إلى نفس الوضوء كان حكم الوضوء موافقا للإجماع وبعض الأخبار ، وإن عاد إلى الشيء المشكوك من أفعال الوضوء

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. السرائر ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ / ٢. التهذيب ١ : ١٠٠ / ٢٦١. الوسائل ١ : ٤٦٩ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ١.

٣١٥

وحينئذ فقوله عليه‌السلام : (إنّما الشكّ) مسوق لبيان قاعدة الشكّ المتعلّق بجزء من أجزاء عمل ، وأنّه إنّما يعتبر إذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه.

____________________________________

كان حكم الوضوء مخالفا للإجماع وبعض الأخبار ، كصحيحة (١) زرارة المتقدّمة وموافقا لقاعدة التجاوز المستفادة من ذيل موثّقة (٢) ابن أبي يعفور وغيرها ، فيقع التعارض بين هذه الرواية بناء على عود ضمير غيره إلى الشيء المشكوك من أفعال الوضوء ، وبين سائر روايات باب الوضوء ، حيث يكون مفاد هذه الرواية عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحلّ في أفعال الوضوء ، ومفاد سائر الروايات وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء والترجيح مع سائر الروايات بموافقة الإجماع ، وأمّا بناء على عود ضمير غيره إلى الوضوء كان حكم الوضوء موافقا للإجماع وسائر أخبار الوضوء كما عرفت ، إذ يكون المعنى ـ حينئذ ـ إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فشكّك ليس بشيء ، حيث مفهومه أنّه إذا شككت في شيء من الوضوء في أثنائه وقبل الدخول في غير الوضوء يجب إتيانه فيكون مخصّصا لقاعدة التجاوز.

مع أنّ ظاهر الرواية ، كما عرفت في بيان إعطاء القاعدة الكلّية فلا بدّ من حملها على قاعدة الفراغ كي يكون عدم العبرة بالشكّ بعد الوضوء والالتفات إليه قبل الإتمام موافقا للقاعدة ، كما أشار إليه بقوله :

وحينئذ فقوله عليه‌السلام : (إنّما الشكّ) مسوق لبيان قاعدة الشكّ المتعلّق بجزء من أجزاء عمل ، وأنّه إنّما يعتبر إذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه.

أي : عن العمل بأن لا يحصل الفراغ عنه ، فيكون مفاد الرواية قاعدة الفراغ لا قاعدة التجاوز ، فلا تعارض ـ حينئذ ـ بين هذه الرواية وبين ما دلّ على عدم جريان قاعدة التجاوز في أفعال الوضوء من الأخبار ، كي يقال بترجيح الأخبار الدالّة على عدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء لكونها موافقة للإجماع.

فالمتحصّل من الجميع هو : إنّ القضيّة الحاوية للحصر مفهوما ومنطوقا مسوقة لبيان حكم المركّب ، بمعنى أنّ الشكّ في أجزاء المركّب لا يلتفت إليه بعد الخروج عن المركّب ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٢. الوسائل ٣ : ٥٥٤. الوسائل ١ : ٤٧٠ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٢.

٣١٦

هذا ، ولكنّ الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية مشكل ، من جهة أنّه يقتضي بظاهر الحصر أنّ الشكّ الواقع في غسل اليد باعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به إذا جاوز غسل اليد.

مضافا إلى أنّه معارض للأخبار السابقة فيما إذا شكّ في جزء من الوضوء بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه ، لأنّه باعتبار أنّه شكّ في وجود شيء بعد تجاوز محلّه يدخل في

____________________________________

ويلتفت إليه قبل الخروج عنه وإن دخل في جزء آخر للمركّب ، فيكون المرجع في ضمير لم تجزه هو نفس المركّب لا جزء من أجزائه. فحكم الإمام عليه‌السلام بعدم الاعتداد بالشكّ في الموثّقة إنّما هو لقاعدة الفراغ الحاكمة بصحّة العمل المأتي به. إلّا أن يقال : بأنّ الموثّقة من أدلّة قاعدة التجاوز ، لكن قاعدة التجاوز في باب الوضوء تكون بمعنى عدم العبرة بالشكّ بعد إكمال الوضوء والالتفات إليه قبل إتمامه.

غاية الأمر أنّ الفرق بين قاعدة الفراغ والتجاوز هو أنّ الشكّ في الاولى يكون في الصحّة كما هو مفاد كان الناقصة ، وفي الثانية يكون في أصل الوجود كما هو مفاد كان التامّة.

ثمّ أشار إلى الإشكال الوارد على قاعدة الفراغ المستفادة من ذيل الرواية بناء على كونها مسوقة لبيان قاعدة الفراغ بقوله :

ولكنّ الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية مشكل ، من جهة أنّه يقتضي بظاهر الحصر أنّ الشكّ الواقع في غسل اليد باعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به.

وحاصل الكلام على ما في شرح الاعتمادي : إنّه لو كان مفاد الذيل عدم العبرة بالشكّ في جزء المركّب بعد الفراغ عنه ، فكما لا يعتنى بالشكّ في غسل اليد بعد الفراغ عن الوضوء ، كذلك يلزم أن لا يعتنى بالشكّ في غسل الأصبع بعد الفراغ عن غسل اليد ، لأنّه ـ أيضا ـ شكّ في جزء المركّب بعد الفراغ عنه وهو خلاف الإجماع في الوضوء.

مضافا إلى أنّه معارض للأخبار السابقة الحاكمة بعدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحلّ.

وبيان ذلك : إنّ المكلّف إذا شكّ في جزء من الوضوء أو غيره من المركّبات بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه كالشكّ في غسل اليمنى بعد الدخول في اليسرى أو في الركوع بعد السجود ، يقع التعارض بين الأخبار السابقة الحاكمة بعدم العبرة بالشكّ

٣١٧

الأخبار السابقة ، ومن حيث إنّه شكّ في أجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر.

ويمكن أن يقال لدفع جميع ما في الخبر من الإشكال : إنّ الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسبّبه ، وهي الطهارة ، فلا يلاحظ كلّ فعل منه بحياله حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة ، ولا يلاحظ بعض أجزائه ـ كغسل اليد مثلا ـ

____________________________________

وبين هذا الخبر الحاكم بالعبرة به قبل الفراغ عن المركّب ، كما أشار إليه بقوله :

لأنّه باعتبار أنّه شكّ في وجود شيء بعد تجاوز محلّه يدخل في الأخبار السابقة ، ومن حيث إنّه شكّ في أجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر.

حيث يكون مقتضى الأخبار السابقة هو عدم العبرة بالشكّ لكونه بعد تجاوز المحلّ ، ومقتضى هذا الخبر وجوب الالتفات إليه لكونه قبل الفراغ عن العمل.

ويمكن أن يقال لدفع جميع ما في الخبر من الإشكال.

تارة : من جهة تعارضه مع روايات قاعدة التجاوز بناء على عود ضمير غيره فيه إلى الوضوء ، حيث يكون مقتضى روايات التجاوز عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحل ولو في أفعال الوضوء ، ومقتضى هذا الخبر هو العبرة بالشكّ في أفعال الوضوء وإن تجاوز عن المحلّ ودخل في الغير ما لم يحصل الفراغ عن الوضوء.

واخرى : تعارضه مع بعض أخبار باب الوضوء والإجماع بناء على عود ضمير غيره إلى الشيء المشكوك من أفعال الوضوء ، حيث يكون مقتضى هذا الخبر عدم العبرة بعد تجاوز المحل في أفعال الوضوء ، ومقتضى بعض الأخبار والإجماع هو وجوب الالتفات إلى الشكّ فيما إذا شكّ في أفعال الوضوء وإن تجاوز عن المحلّ ودخل في غير المشكوك.

وبالجملة ، أنّه يمكن دفع ما ذكر من الإشكال بالتعارض بدعوى بساطة الوضوء وعدم كونه أمرا مركّبا ، فلا يكون ـ حينئذ ـ ذا أجزاء متعدّدة لكي يحصل الفراغ عن جزء منه بعد الدخول في جزء آخر ، ومن الواضح أنّ الخروج عن العمل الوحداني لا يتحقّق إلّا بعد الخروج عن نفس ذلك العمل ، والحاصل أنّ الوضوء عند الشارع عمل وحداني بسيط لا يتحقّق الخروج عنه إلّا بالخروج عن نفسه.

غاية الأمر نزّله الشارع منزلة أمر بسيط باعتبار وحدة مسبّبة ، وهي الطهارة فيرتفع ـ حينئذ ـ ما ذكر من التعارض ، إذ لا يلاحظ كلّ فعل منه شيئا برأسه. حتى يكون موردا

٣١٨

شيئا مستقلّا يشكّ في بعض أجزائه قبل تجاوزه أو بعده ، ليوجب ذلك الإشكال في الحصر المستفاد من الذيل.

وبالجملة ، إذا فرض الوضوء فعلا واحدا لم يلاحظ الشارع أجزاءه أفعالا مستقلّة يجري فيها حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ ، لم يتوجّه شيء من الإشكالين في الاعتماد على الخبر ، ولم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة ، إذ الشكّ في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلّا شكّا واقعا في الشيء قبل التجاوز عنه ، والقرينة على هذا الاعتبار جعل القاعدة ضابطة لحكم

____________________________________

لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة بأن يقال : إنّ مقتضى هذا الخبر وجوب الالتفات إلى الشكّ والإتيان بالمشكوك فيما إذا شكّ فيه قبل الفراغ عن الوضوء ، ومقتضى الأخبار السابقة عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحل ، وإن لم يحصل الفراغ عن الوضوء فلا يجب إتيان المشكوك بمقتضى أخبار قاعدة التجاوز.

وبالجملة ، أنّه لا يلاحظ الوضوء مركّبا من غسل الأصابع والكفّ والزند والذراع ليوجب ذلك الإشكال في الحصر المستفاد من الذيل ، أعني : قوله : إنّما الشكّ ... إلى آخره حيث يكون مفهوم الحصر أنّه إذا شكّ في جزء من مركّب بعد التجاوز عنه لا يجب إتيانه مع أنّه يجب إتيانه بالإجماع وبعض أخبار الوضوء.

وكيف كان ، فقد ارتفع الإشكال المتقدّم ، أعني : تعارض هذا الخبر مع أخبار قاعدة التجاوز وتعارضه مع الإجماع وأخبار باب الوضوء بعد فرض الوضوء أمرا بسيطا ، كما أشار إليه بقوله :

إذا فرض الوضوء فعلا واحدا أي : لم يلاحظ الشارع أجزاءه أفعالا مستقلّة كي يجري فيها حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ ، لم يتوجّه شيء من الإشكالين في الاعتماد على الخبر ، ولم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة ، أعني : قاعدة التجاوز المستفادة من الأخبار ، وذلك لحمل هذا الخبر ـ أيضا ـ على قاعدة التجاوز ، ثم وجوب الاعتناء بالشكّ في أثناء الوضوء ليس من جهة خروج الوضوء عن قاعدة التجاوز بعد فرض كونه مركّبا ، بل إنّما هو من جهة اعتبار الوضوء أمرا بسيطا لا يعقل فيه تجاوز المحلّ إلّا بالفراغ عنه ، كما أشار إليه بقوله :

إذ الشكّ في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلّا شكّا واقعا في الشيء قبل التجاوز عنه ،

٣١٩

الشكّ فى أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه أو بعده.

ثمّ إنّ فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشكّ بالنسبة إلى أجزائه ليس أمرا غريبا ، فقد ارتكب المشهور مثله في الأخبار السابقة بالنسبة إلى أفعال الصلاة ، حيث لم يجروا حكم الشكّ بعد التجاوز في كلّ جزء من أجزاء القراءة حتى الكلمات والحروف ، بل الأظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا ، بل جعل بعضهم القراءة فعلا واحدا ، وقد عرفت

____________________________________

والقرينة على هذا الاعتبار جعل القاعدة ضابطة لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه أو بعده.

وحاصل الكلام في المقام على ما في التعليقة وشرح الاعتمادي هو : إنّ قوله عليه‌السلام : إنّما الشكّ ... إلى آخره ظاهر في إعطاء الضابطة كما مرّ غير مرّة. وأنّ حكم الوضوء قبل الفراغ وبعده داخل تحت هذه الضابطة ، ومن المعلوم أنّ دخول حكم الوضوء قبل الفراغ وبعده تحت قاعدة التجاوز مبني على ما عرفت من اعتبار البساطة ، إذ لو لم يكن اعتبار البساطة في الوضوء ، وكان المراد من هذه الضابطة أنّ الشكّ في جزء المركّب في أثنائه يوجب الإتيان وبعد تمامه لا عبرة به ، لورد عليها ما تقدّم من الإشكالين ولم يتوجّه شيء منهما على اعتبار بساطة الوضوء.

فحيث جعلوا قاعدة الشكّ بعد الفراغ ضابطة لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء ، بمعنى أنّه إذا كان الشكّ قبل الفراغ يلتفت إليه وإذا كان بعده لا يلتفت إليه ، لكان جعل هذه الضابطة منهم لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء قرينة على اعتبار الوضوء أمرا واحدا بسيطا لا يتحقّق التجاوز فيه إلّا بعد الفراغ منه والدخول في غيره ، فلا يتحقّق التجاوز فيه قبل الفراغ بالتجاوز عن بعض أجزائه إلى بعض.

وبالجملة ، إنّ ما ذكر من جعل قاعدة الشكّ بعد الفراغ ضابطة كلّية لحكم الشكّ في أجزاء الوضوء لا يتمّ إلّا مع فرض البساطة في الوضوء.

ثمّ إنّ فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشكّ بالنسبة إلى أجزائه ليس أمرا غريبا ، فقد ارتكب المشهور مثله في الأخبار السابقة الدالّة على عدم العبرة بالشكّ بعد تجاوز المحلّ بالنسبة إلى أفعال الصلاة ، حيث لم يجروا حكم الشكّ بعد التجاوز في كلّ جزء من أجزاء القراءة حتى الكلمات والحروف ، أي : لا يعملون بقاعدة التجاوز فيما إذا

٣٢٠