دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

نعم ، لو قامت قرينة على إرادة المتعدّد من الموصول ـ بأن اريد أنّ الأفعال التي لا يدرك كلّها ، كإكرام زيد وإكرام عمرو ، وإكرام بكر ، لا يترك كلّها ـ كان لما احتمله وجه ، لكنّ لفظ الكلّ حينئذ ـ أيضا ـ مجموعي لا أفرادي ، إذ لو حمل على الأفرادي كان المراد : «ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها» ، ولا معنى له.

____________________________________

أحدهما ، بل التحقيق أنّه مشترك معنوي بينهما ، لأنّه وضع للدلالة على الإحاطة وصفة الكثرة في مدخوله ، فإن كان المأخوذ في مدخوله الوحدة الشخصيّة ، فهو للعموم المجموعي ، كما إذا اضيف إلى فعل المكلّف حال إرادة المصداق الخارجي منه ، وكذلك لفظ زيد مثلا فإنّ كلّه عبارة عن مجموعه.

وإن كانت الوحدة المأخوذة في مدخوله جنسية ، فهو للعموم الأفرادي ، كما إذا اضيف إلى الرقبة أو فعل المكلّف إذا اريد منه الجنس ، وكلّ من هذين ؛ تارة : يكون أخذه في الكلام من باب الموضوعيّة ، واخرى : من باب المرآتيّة.

ونعني بالاولى ما جعل طرف النسبة في الكلام صفة العموم من حيث هو ، وبالثانية ما كان طرف النسبة فيه هو الأفراد وأخذ العموم من جهة كونه مرآة لحالها.

والفرق بين كلّ من الأفرادي والمجموعي ، وبين المرآتي والموضوعي ، أنّ الأوّلين بحسب الوضع والأخيرين بحسب الاستعمال وإرادة المتكلّم.

مثال المرآتي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)(١) ، ومثال الموضوعي قوله : ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه (٢). إذا عرفت هذا فنقول :

إنّ لفظ الكلّ في الحديث الشريف إن كان من باب عموم السلب ، فالمحذور وارد سواء كان الكلّ مجموعيا أو أفراديا ، وإن كان من باب سلب العموم ، فهو غير وارد على التقديرين. انتهى.

(نعم ، لو قامت قرينة على إرادة المتعدّد من الموصول ـ بأن اريد أنّ الأفعال التي لا يدرك كلّها ، كإكرام زيد وإكرام عمرو ، وإكرام بكر ، لا يترك كلّها ـ كان لما احتمله) من إرادة الأفراد لا الأجزاء (وجه ، لكنّ لفظ الكلّ حينئذ ـ أيضا ـ مجموعي لا أفرادي ، إذ لو حمل على

__________________

(١) لقمان : ١٨.

(٢) ديوان المتنبي ٢ : ٤٦٩.

٨١

فما ارتكبه في احتمال العموم الأفرادي ممّا لا ينبغي له ، لم ينفعه في شيء.

____________________________________

الأفرادي كان المراد : «ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها» ولا معنى له) لكونه مستلزما للتكليف بغير المقدور ، إلّا أنّ هذا المحذور مبنيّ على عموم السلب.

وأمّا على فرض سلب العموم ، فلا يلزم المحذور المذكور ؛ لأنّ مفاد قوله : (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه) (١) هو ما لا يتمكّن المكلّف من إتيان أفراده لا يترك جميع أفراده ، بل يجب عليه إتيان ما يتمكّن منه من الأفراد.

ولهذا أورد على المصنّف قدس‌سره أكثر الشارحين بأنّه قدس‌سره فرّق بين العامّ المجموعي والأفرادي ، وبين عموم السلب وسلب العموم.

حيث زعم أنّ «كلّه» إن كان مجموعيّا يفيد سلب العموم ، فيصح المعنى حينئذ ، وفي شرح الاستاذ الاعتمادي «يفيد عموم السلب» بدل سلب العموم ، ولعلّه خطأ من المطبعة.

وإن كان العموم في «كلّه» أفراديّا يفيد عموم السلب فيفسد المعنى حينئذ ، وفي شرح الاستاذ الاعتمادي «يفيد سلب العموم ويفسد المعنى» خطأ.

ثمّ قال : وليس كذلك ، بل الخبر لعموم السلب سواء كان «كلّ» مجموعيّا مربوطا بالمركّب أو أفراديّا مربوطا بالعامّ ، كما أنّه لو كان لسلب العموم كان فاسدا سواء كان مجموعيّا أو أفراديّا. انتهى.

ثمّ الصحيح ، بل الخبر لسلب العموم بدل «لعموم السلب» ، وكذلك الصحيح في قوله : «لسلب العموم» هو لعموم السلب ، وكذلك قوله «على زعم المصنّف قدس‌سره لسلب العموم الذي لا معنى له».

والحقّ هو لعموم السلب الذي لا معنى له ، ولعلّ هذه الاشتباهات من المطبعة حسب الطبعة الموجودة لديّ ، وإلّا فالأمر واضح لا يخفى على مثل استاذ هذا الفن.

(فما ارتكبه في احتمال العموم الأفرادي ممّا لا ينبغي له) ، إذ يلزم حينئذ التكليف بغير المقدور على فرض عموم السلب ، كما زعم المصنّف قدس‌سره ، مضافا إلى ذلك (لم ينفعه في شيء) لما عرفت من أنّ المراد بالموصول هو فعل المكلّف ، فكلّه هو مجموعه ، فينطبق

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

٨٢

فثبت ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى الإنصاف تماميّة الاستدلال بهذه الروايات ، ولذا شاع بين العلماء ـ بل جميع الناس ـ الاستدلال بها في المطالب ، حتى أنّه يعرفه العوام ، بل النسوة والأطفال.

ثمّ إنّ الرواية الأولى (١) والثالثة (٢) وإن كانتا ظاهرتين في الواجبات إلّا أنّه يعلم جريانهما في المستحبّات بتنقيح المناط العرفي ، مع كفاية الرواية الثانية (٣) في ذلك.

____________________________________

على الأجزاء ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(فثبت ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى الإنصاف تماميّة الاستدلال بهذه الروايات ، ولذا شاع بين العلماء ـ بل جميع الناس ـ الاستدلال بها في المطالب ، حتى أنّه يعرفه العوام ، بل النسوة والأطفال).

(ثمّ إنّ الرواية الأولى والثالثة وإن كانتا ظاهرتين في الواجبات).

أمّا ظهور الرواية الاولى في الوجوب ، فلأجل الأمر في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأتوا) ، وأمّا ظهور الرواية الثالثة في الوجوب ، فلما تقدّم من قوله : (لا يترك) ظاهر في حرمة الترك ووجوب الإتيان.

(إلّا أنّه يعلم جريانهما في المستحبّات بتنقيح المناط العرفي) ، أي : يفهم العرف منهما المناط.

(مع كفاية الرواية الثانية في ذلك) ، فإنّها تشمل الواجبات والمستحبات ، إلّا أن يقال : إنّ الرواية الثانية كالثالثة ظاهرة في الوجوب ، إذ لا فرق بين قوله عليه‌السلام : (لا يسقط) في الرواية الثانية ، وبين قوله عليه‌السلام : (لا يترك) في الرواية الثالثة في الظهور.

فحينئذ فقد فرّق المصنّف قدس‌سره بين شيئين لا فارق بينهما ، وكيف كان ، فقد ثبت بهذه الروايات أصل ثانوي في الجزاء وهو وجوب الاحتياط ، فإذا كان مقتضى الأصل الأوّلي في المقام هو البراءة كان مقتضى الأصل الثانوي مخالفا لها.

وإن قلنا : بكون المقام من موارد الاستصحاب ـ كما هو مقتضى القول الثاني في المسألة

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٦.

(٢) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

(٣) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٨٣

وأمّا الكلام في الشروط :

فنقول : إنّ الأصل فيها ما مرّ في الأجزاء من كون دليل الشرط إذا لم يكن فيه إطلاق عامّ بصورة التعذّر وكان لدليل المشروط إطلاق ، فاللازم الاقتصار في التقييد على حصول التمكّن من الشرط.

وأمّا القاعدة المستفادة من الروايات المتقدّمة ، فالظاهر عدم جريانها.

أمّا الاولى والثالثة ، فاختصاصهما بالمركّب الخارجي واضح.

وأمّا الثانية ، فلاختصاصها ـ كما عرفت سابقا ـ بالميسور الذي كان له مقتض للثبوت

____________________________________

ـ كان مقتضى الأصل الثانوي موافقا له.

(وأمّا الكلام في الشروط :

فنقول : إنّ الأصل فيها ما مرّ في الأجزاء من كون دليل الشرط إذا لم يكن فيه إطلاق عامّ بصورة التعذّر وكان لدليل المشروط إطلاق ، فاللازم الاقتصار في التقييد على حصول التمكّن من الشرط) فلا يسقط المشروط بتعذّر الشرط نظرا إلى إطلاق دليل المشروط ، فيكون الشرط مختصا بصورة التمكّن.

قال المحقّق الآشتياني قدس‌سره في هذا المقام : إنّ حقّ التحرير في المقام أن يقول :

«إنّ الأصل فيها ما مرّ من الرجوع إلى البراءة أو الاستصحاب على الوجهين فيرجع إليه ، إذا لم يكن لدليل المشروط إطلاق يرجع إليه ، أو كان له إطلاق لا يرجع إليه من جهة إطلاق دليل الشرط ، فإنّه لا يرجع إلى الأصل في الصورتين ، فإنّ ما أفاده بقوله : (من كون دليل الشرط ... إلى آخره) لا يمكن أن يجعل بيانا للأصل ، إلّا أن يجعل المراد من الأصل الأصل الثانوي المستفاد من دليل المشروط ، فلا بدّ أن يعتدّ بالأصل الثانوي». انتهى.

(وأمّا القاعدة المستفادة من الروايات المتقدّمة ، فالظاهر عدم جريانها ، أمّا الاولى والثالثة ، فاختصاصهما بالمركّب الخارجي واضح) أمّا اختصاص الاولى فبقرينة «من» التبعيضيّة ، وأمّا اختصاص الثالثة فلما عرفت من ظهور لفظ «الكلّ» في العموم المجموعي ، فهاتان الروايتان لا تجريان في الشروط لعدم كونها من الأجزاء الخارجيّة.

(وأمّا الثانية ، فلاختصاصهما ـ كما عرفت سابقا ـ بالميسور الذي كان له مقتض للثبوت) وعدم السقوط ولو بالمسامحة العرفيّة ، بأن يكون ما بقي من المركّب متّحدا معه قبل

٨٤

حتى ينفي كون المعسور سببا لسقوطه.

ومن المعلوم أنّ العمل الفاقد للشرط ـ كالرقبة الكافرة مثلا ـ لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا حتى لا يسقط بتعسّر الشرط ، وهو الإيمان.

____________________________________

التعذّر ، فوجوبه يكون باقيا من غير التفات إلى كونه نفسيّا أو غيريّا ، كما عرفت في تعذّر الأجزاء ، والمقتضي بهذا المعنى غير ثابت في تعذّر الشروط ، وذلك لعدم صدق بقاء وجوب الرقبة على الرقبة الكافرة فيما إذا كان الواجب عتق الرقبة المؤمنة ، ثمّ تعذّر الشرط وهو وصف الإيمان ، لأنّ الرقبة الكافرة مباينة للرقبة المؤمنة في نظر العرف ، وليست متّحدة معها حتى يقال : لا يسقط الميسور الذي هو الكافرة بالمعسور الذي هو المؤمنة.

وللمحقّق الآشتياني قدس‌سره كلام لا يخلو ذكره عن فائدة ، حيث قال في شرح كلام المصنّف قدس‌سره (وأمّا الثانية ، فلاختصاصها ... إلى آخره) : «قد عرفت أنّ الثبوت في الجملة كاف في صدق الرواية بناء على حملها على الإنشاء ، والمشروط كان واجبا عند التمكّن من شرطه بالوجوب الغيري أو القدر المشترك ، وإن كان واجبا بالوجوب النفسي من حيث كونه مشروطا ، وهذا المقدار كاف ، مع أنّه لم يعلم المراد من الاختصاص الذي أفاده.

فإن كان المراد من المقتضي هو الدليل عليه ، فلا بدّ من أن يحمل الرواية على ما إذا كان لدليل المشروط ظهور من عموم ، أو إطلاق يقتضي ثبوته مع تعذّر الشرط ، بشرط عدم ظهور لدليل الشرط يقتضي شرطيّته مع التعذّر أيضا.

وإن كان المراد منه المصلحة المقتضية لإيجابه مع تعذّر الشرط ، فلا يعلم به مع قطع النظر عن إعلام الشارع حتى في تعذّر الجزء ، كما هو ظاهر.

وإن كان المراد منه ما أرادوا منه في باب الاستصحاب من اختصاصه عند جمع من المحقّقين منهم شيخنا قدس‌سره بما إذا كان المقتضي موجودا في الزمان اللاحق ، ووقع الشكّ في بقاء المستصحب من جهة الشكّ في رافعه ، ففيه أنّ المقتضي بهذا المعنى غير متحقّق حتى في تعذّر الجزء.

وإن كان المراد اتحاد ما حكم بثبوته سابقا ولاحقا ، فإن اريد الاتحاد بحسب الدّقة العقليّة فهو غير متحقّق في المقامين مع ملاحظة اعتبار المتعذّر في السابق.

وإن اريد الاتحاد بحسب العرف ولو مسامحة ، فهو غير مطّرد في الموضعين ، وهذا هو

٨٥

هذا ، ولكنّ الإنصاف جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها ، ألا ترى أنّ الصلاة المشروطة بالقبلة أو الستر ، أو الطهارة إذا لم يكن فيها هذه الشروط كانت عند العرف هي التي فيها هذه الشروط ؛ فإذا تعذّر أحد هذه صدق الميسور على الفاقد لها. ولو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقرير المتقدّم.

نعم ، لو كان بين واجد الشرط وفاقده تغاير كلّي في العرف ، نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة ، أو الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق ، وكذا ماء غير الرمّان بالنسبة إلى ماء الرمّان ، لم تجر القاعدة المذكورة.

وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض ، حيث بنى وجوب غسل الميّت بالماء القراح

____________________________________

المراد ظاهرا كما يكشف عنه قوله : (ولكنّ الإنصاف جريانها ... إلى آخره)». انتهى.

(ولكنّ الإنصاف جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو التفصيل في جريان الرواية الثانية ، بمعنى أنّها تجري في بعض الشروط دون البعض ، فتجري في الشروط التي تكون متّحدة مع المشروط في نظر العرف ، كالقبلة والستر والطهارة ، حيث تكون الصلاة الفاقدة بعد تعذّر بعضها هي عين الصلاة الواجدة لها ، فيصدق الميسور على الفاقدة ، وهذا بخلاف بعض الشروط ، كالإيمان للرقبة حيث تكون الرقبة المؤمنة مباينة للكافرة ، فلا يصدق ـ حينئذ ـ الميسور على الكافرة.

(ولو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقرير المتقدّم) لاشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب الثابت بالمسامحة العرفيّة ، كما عرفت وقد ظهر ممّا ذكر أنّ في المسألة ثلاثة احتمالات :

الأوّل : هو كون الشروط في حكم الأجزاء مطلقا.

والثاني : عدم كون الشروط كالأجزاء مطلقا.

والثالث : هو التفصيل المذكور.

(وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام صاحب الرياض ... إلى آخره). ولا بدّ من نقل عبارة

٨٦

بدل ماء السّدر ، على أنّ ليس الموجود في الرواية الأمر بالغسل بماء السّدر على وجه التقييد ، وإنّما الموجود : (وليكن في الماء شيء من السّدر) (١).

____________________________________

الرياض ، كي يتّضح ما يرد على كلامه ، أمّا عبارته كما في الأوثق وبحر الفوائد والتنكابني ، فهي إنّه قال في الرياض ـ عند شرح قول المحقّق قدس‌سره «ولو تعذّر السّدر والكافور كفت المرّة بالقراح عند المصنّف قدس‌سره وجماعة لفقد المأمور به بفقد جزئه» ـ ما هذا لفظه :

«وهو بعد تسليمه ، كذلك إذا دلّت الأخبار على الأمر بالمركّب ، وليس كذلك لدلالة أكثرها ، وفيها الصحيح وغيره على الأمر بتغسيله بماء وسدر ، فالمأمور به شيئان متمايزان وإن امتزجا في الخارج ، وليس الاعتماد في إيجاب الخليطين على ما دلّ على الأمر بتغسيله بماء السّدر خاصّة حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه ، وبعد تسليمه لا نسلّم فوات الكلّ بفوات الجزء بعد قيام الرواية المعتبرة بإتيان الميسور ، وعدم سقوطه بالمعسور ، وضعفها بعمل الأصحاب طرّا مجبور ، فإذن الأقوى وجوب الثلاث بالقراح وفاقا لجماعة». انتهى كلامه.

وقد نقله المصنّف قدس‌سره بالمعنى حيث قال :

بأنّ حكم صاحب الرياض بوجوب غسل الميت بالماء القراح بدل ماء السدر مبنيّ على أنّه (ليس الموجود في الرواية الأمر بالغسل بماء السّدر على وجه التقييد ، وإنّما الموجود : (وليكن في الماء شيء من السّدر)).

وقوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) (٢) إنّما يجري فيما إذا كان الموجود في الرواية الأمر بالغسل على وجه التقييد ، أي : يجب الغسل بماء السّدر ، كي يفيد الجزئيّة أو الشرطيّة حتى ينتفي المركّب أو المشروط بانتفاء الجزء أو الشرط ، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، فإنّ المستفاد من الأخبار هو كون شيء من السّدر في الماء واجبا في واجب ، فيكون الواجب شيئين ، وهما الغسل وخلط السّدر ، ولا يسقط أحدهما بتعذّر الآخر ، فلا يسقط الأوّل بتعذّر الثاني. هذا تمام الكلام فيما أفاده صاحب الرياض قدس‌سره في هذا المقام.

وأمّا توضيح ما فيه فقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٤٤٦ / ١٤٤٤. الوسائل ٢ : ٤٨٣ ، أبواب غسل الميت ، ب ٢ ، ح ٧.

(٢) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

٨٧

توضيح ما فيه : أنّه لا فرق بين العبارتين ، فإنّه إن جعلنا ماء السّدر من القيد والمقيّد ، كان قوله : (وليكن فيه شيء من السّدر) كذلك ، وإن كان من إضافة الشيء إلى بعض أجزائه كان الحكم فيهما واحدا.

ودعوى : «أنّه من المقيّد ، لكن لمّا كان الأمر الوارد بالمقيّد مستقلّا ، فيختصّ بحال التمكّن ويسقط حال الضرورة ، وتبقى المطلقات غير مقيّدة بالنسبة إلى الفاقد».

____________________________________

(توضيح ما فيه : أنّه لا فرق بين العبارتين) ، أي : اغسل الميت بماء السّدر ، أو وليكن في الماء شيء من السّدر ؛ لأنّ مفاد كلا التعبيرين هو وجوب الغسل بالماء الممتزج بالسّدر ، فإن جعل من قبيل القيد والمقيّد ، لا تجري فيه قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور ؛ لاختصاصها بالمركّب الخارجي ، وإن جعل من قبيل المركّب الخارجي ، تجري فيه القاعدة المزبورة.

وبعبارة اخرى ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي قوله : (يجب الغسل وليكن فيه شيء من السّدر) في قوة (يجب الغسل بماء السّدر) فالعبارتان ؛ إمّا تفيدان الشرطيّة ، فبتعذّر السّدر يسقط وجوب الغسل رأسا لمباينة ماء السّدر مع القراح ، فلا تجري قاعدة الميسور ، ولا الاستصحاب ، وإمّا تفيدان الجزئيّة ، فبتعذّر الجزء لا يسقط الغسل رأسا لجريانهما.

وكيف كان ، فالواجب ليس إلّا شيئا واحدا وهو الغسل ، ومتعلّق الحكم مقيّد أو مركّب من شيئين ممتزجين لا شيئان متمايزان ، كما زعمه صاحب الرياض قدس‌سره ، فما ذكره صاحب الرياض قدس‌سره من الفرق بين (يجب الغسل بماء السّدر) على نحو التقييد وبين (وليكن في الماء شيء من السّدر) لا يرجع إلى محصّل صحيح. هذا تمام الكلام في توضيح الإيراد على صاحب الرياض.

(ودعوى : «أنّه من المقيّد ، لكن لمّا كان الأمر الوارد بالمقيّد مستقلّا ، فيختصّ بحال التمكّن ويسقط حال الضرورة ، وتبقى المطلقات غير مقيّدة بالنسبة إلى الفاقد»).

وحاصل الدعوى ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّه لو سلّمنا إنّ السّدر شرط على كلا التعبيرين وليس واجبا مستقلّا أمكن أن يقتصر في تقييد المشروط به بحال التمكّن منه ، فيتمسّك عند التعذّر بإطلاق الأمر المتعلّق بالمشروط ؛ لأنّ الشرط والمشروط إذا وقعا تحت أمر واحد ـ نحو «يجب الغسل بماء السّدر» ـ لا ينتفي المشروط بانتفاء الشرط.

٨٨

مدفوعة : بأنّ الأمر في هذا المقيّد للارشاد وبيان الاشتراط ، فلا يسقط بالتعذّر ، وليس مسوقا لبيان التكليف ، إذ التكليف المتصوّر هنا هو التكليف المقدّمي ، [لأنّ جعل السّدر في الماء مقدّمة للغسل بماء السّدر المفروض فيه عدم التركيب الخارجي ، لا جزء خارجي له حتى يسقط عند التعذّر].

وتقييده بحال التمكّن ناشئ من تقييد وجوب ذيها ، فلا معنى لإطلاق أحدهما وتقييد الآخر ، كما لا يخفى على المتأمّل.

____________________________________

(مدفوعة : بأنّ الأمر في هذا المقيّد للإرشاد وبيان الاشتراط ، فلا يسقط بالتعذّر).

أي : بتعذّر الشرط ، بل يسقط من جهة سقوط الأمر بالمشروط لأجل تعذّر شرطه المطلق ، فحينئذ يكون سقوط الأمر بالشرط تابعا لسقوط الأمر بالمشروط ، كما أنّ وجوده تابع لوجوده ، فما ذكر في الدعوى من انتفاء الأمر بالشرط دون المشروط مبني على أن يكون الأمر بالشرط مسوقا لبيان التكليف المستقل حتى يسقط بالتعذّر مع بقاء الأمر بالمشروط وهو الغسل ، وليس كذلك ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وليس مسوقا لبيان التكليف ، إذ التكليف المتصوّر هنا هو التكليف المقدّمي).

فهذا الأمر ؛ إمّا لمجرد الإرشاد ، كما ذكر ، وإمّا للتكليف المقدّمي ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(لأنّ جعل السّدر في الماء مقدّمة للغسل بماء السدر) فيكون الأمر بجعل السّدر في الماء مقدّميّا ، كالأمر بالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، ثمّ المفروض في الغسل بماء السّدر هو عدم التركيب الخارجي ، إذ قد فرض بحسب الدعوى المذكورة كون السّدر شرطا وقيدا لا جزء.

(لا جزء خارجي له حتى يسقط عند التعذّر).

أي : ليس جعل السّدر في الماء من باب كونه جزء خارجيا للغسل حتى يسقط بالتعذّر ، ويبقى الأمر بأصل الغسل لأجل قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور).

فالمتحصّل من جميع ما ذكر ، هو أنّ الأمر بالسّدر لا يخلو من أحد احتمالين :

الأول : كونه للإرشاد إلى تقييد الواجب به.

والثاني : كونه مقدّميا ، وعلى التقديرين لا يسقط بالتعذّر ، بل يسقط بسقوط الأمر بالمشروط ، أو بذي المقدّمة.

٨٩

ويمكن أن يستدلّ على عدم سقوط المشروط بتعذّر شرطه برواية عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) ، امسح عليه) (٢).

فإنّ معرفة حكم المسألة ـ أعني : المسح على المرارة من آية نفي الحرج ـ متوقفة على كون تعسّر الشرط غير موجب لسقوط المشروط ، بأن يكون المنفي بسبب الحرج مباشرة اليد الماسحة للرجل الممسوحة ، ولا ينتفي بانتفائه أصل المسح المستفاد وجوبه من آية الوضوء (٣).

____________________________________

(ويمكن أن يستدلّ على عدم سقوط المشروط بتعذّر شرطه برواية عبد الأعلى مولى آل سام ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال : (يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزوجل : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، امسح عليه).

ثمّ يبين المصنّف قدس‌سره تقريب الاستدلال بالآية المذكورة على أنّ سقوط الشرط بالتعذّر لا يوجب سقوط المشروط بقوله :

(فإنّ معرفة حكم المسألة ـ أعني : المسح على المرارة من آية نفي الحرج ـ متوقفة على كون تعسّر الشرط غير موجب لسقوط المشروط).

بمعنى أنّ المسح على المرارة مستفاد من آية نفي الحرج بعد ضمّ قاعدة الميسور ، ولو لا انضمام القاعدة إلى الآية لما يدلّ نفي الحرج المستفاد من الآية على وجوب المسح على المرارة المستلزم لسقوط اعتبار مباشرة الماسح للممسوح في المسح ؛ لأنّ نفي الحرج كما يدلّ على نفي اعتبار المباشرة لكونه حرجيّا ، كذلك يدلّ على سقوط أصل المسح ، لكون نفي المسح مستلزما لنفي الحرج ، فتعيين نفي اعتبار المباشرة وكون المسح على المرارة لا يتحقّق إلّا بضمّ قاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) إلى الآية المذكورة ،

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣٣ / ٤. الوسائل ١ : ٤٦٤ ، أبواب الوضوء ، ب ٢٩ ، ح ٥.

(٣) المائدة : ٦.

٩٠

إذ لو كان سقوط المعسور ـ وهي المباشرة ـ موجبا لسقوط أصل المسح ، لم يمكن معرفة وجوب المسح على المرارة من مجرّد نفي الحرج ؛ لأنّ نفي الحرج يدلّ على سقوط المسح في هذا الوضوء رأسا ، فيحتاج وجوب المسح على المرارة إلى دليل خاصّ.

فرعان :

الأوّل : لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط ـ كما في ما إذا لم يتمكّن من الإتيان بزيارة عاشوراء بجميع أجزائها في مجلس واحد ، على القول باشتراط اتحاد المجلس فيها ـ فالظاهر تقديم ترك الشرط ، فيأتي بالأجزاء تامّة في غير المجلس ، لأنّ فوات الوصف أولى من فوات الموصوف ، ويحتمل التخيير.

____________________________________

وقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(إذ لو كان سقوط المعسور ـ وهي المباشرة ـ موجبا لسقوط أصل المسح ، لم يكن معرفة وجوب المسح على المرارة من مجرّد نفي الحرج) المستفاد من آية نفي الحرج ؛ لأنّ نفي الحرج ـ حينئذ ـ يدلّ على سقوط أصل المسح في هذا الوضوء لا على وجوب المسح على المرارة ، بل وجوبه عليها يحتاج إلى دليل آخر ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فيحتاج وجوب المسح على المرارة إلى دليل خاصّ) ، وحيث لم يبيّن الإمام عليه‌السلام دليلا خاصّا على وجوب المسح على المرارة ، بل أحاله إلى آية نفي الحرج ، ثمّ حكم على المسح على المرارة ، فيعلم من ذلك عدم انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط بالتعذّر.

(فرعان) متفرعان على عدم سقوط الكلّ أو المشروط ، بتعذّر الجزء في الأوّل والشرط في الثاني :

(الأوّل : لو دار الأمر بين ترك الجزء وترك الشرط) بأن يكون المكلّف غير قادر على الجمع ، فيدور الأمر بين ترك أحدهما ، وإذا كان الأمر كذلك (فالظاهر تقديم ترك الشرط) على ترك الجزء ، فيجب على المكلّف إذا لم يتمكّن من إتيان زيارة عاشوراء بجميع أجزائها في مجلس واحد ـ على القول باشتراط اتحاد المجلس فيها ـ الإتيان بأجزائها تامّة في غير المجلس.

(لأنّ فوات الوصف أولى من فوات الموصوف).

والمقصود من الوصف هو الشرط ومن الموصوف هو الجزء ، لأنّ ملاحظة الشرط

٩١

الثاني : لو جعل الشارع للكلّ بدلا اضطراريّا ، كالتيمّم ، ففي تقديمه على الناقص وجهان : من أنّ مقتضى البدليّة كونه بدلا عن التامّ ، فيقدّم على الناقص كالمبدل.

ومن أنّ الناقص حال الاضطرار تامّ ، لانتفاء جزئيّة المفقود ، فيقدّم على البدل كالتامّ.

____________________________________

وتصوره متأخرة عن ملاحظة الجزء وتصوره ، فإنّ الشرط يعتبر في المشروط بعد كونه مشروطا ، ولا يعقل أن يصير مشروطا إلّا بعد ملاحظة الجزء ، فما هو المتأخر في التصور متقدّم في السقوط.

إلّا أن يقال : بأنّ التأخر في التصور لا يدلّ على تقدّمه في مقام السقوط ، بل العبرة في باب التزاحم هو الأخذ بما هو الأهمّ منهما وترك غيره ، أو التخيير إن لم يكن أحدهما أولى بالترك من الآخر ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ويحتمل التخيير). هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل.

وأمّا الفرع الثاني ، فهو ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(الثاني : لو جعل الشارع للكلّ بدلا اضطراريّا ، كالتيمّم ، ففي تقديمه على الناقص وجهان).

وجه تقديم البدل ـ كالتيمّم ـ على الناقص ـ كالوضوء الناقص ـ هو : أنّ مقتضى البدليّة كونه بدلا عن التامّ ، فيقدّم على الناقص كتقديم نفس التامّ عليه ، كما أشار إليه بقوله :

(فيقدّم على الناقص كالمبدل).

ووجه عدم تقديم البدل على الناقص ، هو أنّ الناقص حال الاضطرار وتعذّر الجزء تامّ ؛ وذلك لما تقدّم من سقوط جزئيّة المفقود بالتعذّر ، وعدم سقوط المركّب به فيكون الباقي بمنزلة التامّ ، فكما أنّ التامّ يتقدّم على البدل ، كذلك يتقدّم الناقص عليه لحكومة دليل الاجتزاء بالناقص حال تعذّر الجزء على دليل البدل الاضطراري ؛ لأنّ لازم الاجتزاء بالناقص هو كونه تامّا ، فلا تصل النوبة إلى البدل الاضطراري.

نعم ، يردّ على ما ذكر ما ذكره المرحوم غلام رضا قدس‌سره في هذا المقام ، حيث قال : أقول فيه : إنّه إن أراد بقوله : هذا أنّه تامّ حقيقة ، فهو بمحلّ المنع ، وإن أراد أنّه

٩٢

وتدلّ عليه رواية عبد الأعلى (١) المتقدّمة.

الأمر الثالث : لو دار الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة ، فليس في المقام أصل كلّي يتعيّن

____________________________________

تامّ تنزيلا وجعلا من الشارع ، فهو مسلّم لكنّه حينئذ بمثابة البدل ، فيكون في عرض البدل الآخر ، فلا مرجّح لتقدّم أحدهما على الآخر.

فإن قلت : إنّ المستكشف من قاعدة الميسور بثبوت التوسعة في أفراد المبدل وكونه مطلوبا على وجه التعدّد ، فلا يجوز أن يصار إلى البدل إلّا بعد تعذّر المبدل بجميع أفراده ، ألا ترى أنّ الاستغفار في الكفّارة بدل من العتق ، ولا يصار إليه إلّا بعد تعذّر العتق بالنسبة إلى جميع أفراد الرقبة.

قلت : أوّلا : نمنع الاستكشاف المزبور. لما ذا لا تكون تلك القاعدة بمحلّ إثبات التكليف مستقلا؟

وثانيا : بعد التسليم أنّه لا يمتنع أن يجعل الشارع بدل الشيء مقدّما على الفرد الناقص منه ، وحينئذ فلا يتمّ ما ذكر إلّا إذا علم من دليل البدل أنّه جعل الشارع بدلا لكلّ من الفرد التامّ والناقص ، وحينئذ فلا يصار إلى البدل إلّا بعد تعذّر كليهما ، وفي صورة الشكّ لا بدّ من التخيير الظاهري إن لم يمكن الاحتياط ، وإلّا فالمرجع هو الاحتياط. انتهى.

(وتدلّ عليه رواية عبد الأعلى المتقدّمة) ، أي : يدلّ على تقديم الناقص كالتامّ على البدل الاضطراري رواية عبد الأعلى المتقدّمة ، لكن إذا كان الناقص ناقصا بحسب الشرط لا بحسب الجزء ، إذ موردها تعذّر الشرط ، كما عرفت ، بل يدلّ على ذلك مطلق الروايات السابقة ، مثل قوله عليه‌السلام : (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه) وغيره ، بناء على حكومتها على أدلّة ثبوت البدل.

(الأمر الثالث) في دور الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة ، ولا بدّ من بيان أمرين :

أحدهما : بيان تصوير الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة.

وثانيهما : بيان مقتضى الأصل فيه.

أمّا الأوّل ، فيحتاج إلى بيان معنى الجزء والشرط ، فيقال : إنّ الجزء ما يكون داخلا في

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ / ٤. الوسائل ١ : ٤٦٤ ، أبواب الوضوء ، ب ٢٩ ، ح ٥.

٩٣

به أحدهما ، فلا بدّ من ملاحظة كلّ حكم يترتّب على أحدهما وأنّه موافق للأصل أو مخالف.

____________________________________

ماهيّة المأمور به ، فيكون من مقولة الفعل ؛ لأنّ العبادة مركّبة من الأفعال.

وأمّا الثاني ـ وهو معنى الشرط ـ فله إطلاقات :

منها : ما استقرّ عليه اصطلاح الاصوليين في مقابل السبب ، وهو ما يلزم من عدمه عدم المشروط ، ولا يلزم من وجوده وجوده.

ومنها : ما يعتبر تلبّس المشروط بجميع أجزائه به ، كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة حيث اعتبرها الشارع متلبّسة بها ، فيجب أن تكون حال الطهارة ومتكيّفة بها ، كما يجب أن تكون متكيّفة بسائر الشروط ، كالستر والقبلة وغيرهما ، فيكون الشرط ـ حينئذ ـ من مقولة الكيف. وإذا عرفت معنى الشرط والجزء ، فنقول في تصوير دوران الأمر بينهما :

إنّ القيام حال الصلاة والاستقرار فيه يمكن أن يجعلا جزءين من الصلاة ، ويمكن أن يجعل القيام جزء منها والاستقرار كيفيّة للقيام ، وكذلك يمكن أن تجعل أجزاء الصلاة والترتيب بينهما والتوالي فيها كلّها جزء منها ، وأن يجعل كلّ من الترتيب والتوالي كيفيّة لها ، هذا معنى دوران الأمر بين الشرطيّة والجزئيّة.

أمّا الأمر الثاني : ـ وهو مقتضى الأصل ـ فقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فليس في المقام أصل كلّي يتعين به أحدهما) ، أي : الشرطيّة أو الجزئيّة ، وقد يقال : إنّ مقتضى الأصل العملي هو الشرطيّة بعد جريان أصالة عدم الجزئيّة ، ولا تعارض أصالة عدم الشرطيّة ؛ وذلك لأنّ الجزء في مقام اللحاظ مقدّم على الشرط ، وذلك لأنّ جاعل المركّب يلاحظ أولا أجزاءه الخارجيّة ثمّ يلاحظ الشروط التي تكون من الأجزاء الذهنيّة ، فحينئذ يرجع الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة إلى الشكّ في أنّ الشيء المشكوك لوحظ مقدّما ، لكي يكون جزء أو مؤخّرا حتى يكون شرطا ، والأصل تأخّر الحادث المستلزم للشرطيّة.

هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل في المقام ، إلّا أنّ الأصل المذكور مثبت ولهذا أعرض عنه المصنّف قدس‌سره حيث قال :

(فليس في المقام أصل ... إلى آخره) ، وعلى هذا(فلا بدّ من ملاحظة كلّ حكم يترتّب على أحدهما) ، بأن يقال بوجوب إتيان الباقي على فرض كون المشكوك المتعذّر جزء ، إذ قد

٩٤

الأمر الرابع : لو دار الأمر بين كون الشيء شرطا أو مانعا ، أو بين كونه جزء أو كونه زيادة مبطلة.

____________________________________

تقدّم جريان قاعدة الميسور في الجزء وعدم وجوب إتيان الباقي على فرض كون المشكوك المتعذّر شرطا لعدم جريان القاعدة المزبورة في بعض الشروط ، كما عرفت.

(وأنّه موافق للأصل أو مخالف).

الأوّل : كعدم وجوب كون الطمأنينة من شرائط الصلاة ، كالقبلة ونحوها حيث يكون من أحكام شرطيّتها.

والثاني : كوجوب كونها من شرائط الصلاة حيث يكون من أحكام جزئيّتها ، فعدم الوجوب في الأوّل ، موافق للأصل ، والوجوب في الثاني ، مخالف له ، كما في بعض الشروح.

(الأمر الرابع) : وهو مشتمل على أمرين :

أحدهما : دوران الأمر بين الشرطيّة والمانعيّة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (لو دار الأمر بين كون الشيء شرطا أو مانعا).

وثانيهما : دوران الأمر بين الجزئيّة والمانعيّة ، كما أشار إليه بقوله : (أو بين كونه جزء أو كونه زيادة مبطلة).

وأمثلة الأمرين والوجوه المتصورة فيهما وإن كانت تأتي في كلام المصنّف قدس‌سره إلّا أنّ ذكرها إجمالا لا يخلو عن فائدة ، فنقول :

إنّ مثال الجهر بالقراءة في ظهر يوم الجمعة والجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين على من يقرأ الفاتحة بدل التسبيحات ، مثال لدوران الأمر بين الشرطيّة والمانعيّة.

وتدارك الحمد عند الشكّ فيه بعد الدخول في السورة مثال لدوران الأمر بين الجزئيّة والمانعيّة ، لأنّ الحمد بعد الدخول في السورة ، كما يحتمل أن يكون جزء كذلك يحتمل أن يكون زيادة مبطلة ، ومنشأ الاحتمالين هو جريان التجاوز وعدمه ، بمعنى أنّ كون القراءة الشاملة للحمد والسورة هل هي فعل واحد أو فعلين؟.

فعلى الأوّل لا تجري قاعدة التجاوز ؛ لأنّ الشكّ في الحمد بعد الدخول في السورة يكون من الشكّ قبل التجاوز ، فيجب الإتيان بالحمد.

٩٥

ففي التخيير هنا ، لأنّه من دوران الأمر في ذلك الشيء بين الوجوب والتحريم ، أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرّة مع ذلك الشيء واخرى بدونه ، وجهان : مثاله الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة حيث قيل بوجوبه وقيل بوجوب الإخفات وإبطال الجهر ، وكالجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين ، وكتدارك الحمد عند الشكّ فيه بعد الدخول في السورة.

فقد يرجّح الأوّل : أمّا بناء على ما اخترناه من أصالة البراءة مع الشكّ في الشرطيّة

____________________________________

وعلى الثاني تجري قاعدة التجاوز ، فلا يجوز الإتيان به ، فلو أتى به كان زيادة مبطلة.

وكيف كان ، فالوجوه المتصوّرة في المقام أربعة كما جاء في بحر الفوائد :

أحدها : الرجوع إلى البراءة وعدم الالتفات إلى العلم الإجمالي باعتبار واحد من الفعل والترك في العبادة ، ولو قلنا بالاشتغال في مسألة الأقلّ والأكثر بالنسبة إلى الكثرة الخارجيّة فضلا عن الذهنيّة.

وثانيها : الالتزام بالاحتياط في المقام وتكرار العبادة وفعلها تارة مع فعل الأمر المردّد ، واخرى مع تركه ، ولو قلنا : بالبراءة في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر مطلقا حتى بالنسبة إلى الكثرة الذهنيّة بأقسامها.

ثالثها : الحكم بالتخيير والالتزام بأحد الاحتمالين في مرحلة الظاهر ، سواء كان الدوران بين الشرطيّة والمانعيّة أو الجزئيّة والمانعيّة ، وذلك نظير دوران الأمر بين الوجوب والتحريم.

رابعها : ابتناء حكم المسألة من حيث الرجوع إلى البراءة أو الاحتياط على المختار في مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، أو من حيث الحكم بالتخيير والاحتياط على المختار في تلك المسألة. انتهى مورد الحاجة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الوجه الثاني والثالث بقوله : (ففي التخيير هنا ، لأنّه من دوران الأمر في ذلك الشيء بين الوجوب والتحريم ، أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة وفعلها مرّه مع ذلك الشيء واخرى بدونه ، وجهان :) وهما التخيير ووجوب الاحتياط.

(فقد يرجّح الأوّل) وهو التخيير سواء قلنا في مسألة الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة بالبراءة أو الاحتياط.

٩٦

والجزئيّة ، فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كلّ من الفعل والترك ، ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة ، وهي غير قادحة ، لأنّها لا تتعلّق بالعمل ، لأنّ واحدا من فعل ذلك الشيء وتركه ضروري مع العبادة.

فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة.

وبتقرير آخر : إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في

____________________________________

أمّا على القول بالبراءة في تلك المسألة ، فترجيح التخيير واضح ، إذ لا فرق بين التخيير والبراءة في جواز كلّ من الفعل والترك وعدم لزومهما ، وإنّما الفرق بينهما في لزوم الالتزام بالوجوب في جانب الفعل ، وبالتحريم في جانب الترك ظاهرا في التخيير دون البراءة ، إذ يكفي فيها الالتزام بالإباحة ظاهرا ، فحينئذ إجراء البراءة يكفي في إثبات التخيير ، كما يظهر من المصنّف قدس‌سره فلا بدّ من إثبات البراءة ، فنقول :

إنّ مقتضي البراءة موجود والمانع مفقود ، أمّا وجود المقتضي ، فلأنّ لزوم كلّ من الفعل والترك بنفسه مشكوك فينفي بأدلّة البراءة الدالّة على نفي ما شكّ في لزومه.

وأمّا المانع فقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فلأنّ المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كلّ من الفعل والترك ، ليس إلّا لزوم المخالفة القطعيّة) الالتزاميّة (وهي غير قادحة).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا المقام ، هو أنّ ما يلزم من إجراء البراءة ـ وهو المخالفة القطعيّة من حيث الالتزام ـ لا يكون مانعا عن البراءة ، وما يكون مانعا عنها ـ وهي المخالفة القطعيّة من حيث العمل ـ لا يلزم من إجراء البراءة.

لأنّ المكلّف بعد إجراء البراءة لا يخلو عن الفعل المطابق لاحتمال الوجوب ، أو الترك المطابق لاحتمال الحرمة ، فلا تلزم حينئذ المخالفة القطعيّة العمليّة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقّنة ، كما كان يلزم في طرح المتباينين كالظهر والجمعة) ، حيث يكون تركهما بعد إجراء الأصل مستلزما للمخالفة القطعيّة العمليّة ، وهي محرّمة ، فتكون مانعة عن البراءة ، فيجب الاحتياط بإتيان كليهما دفعا للعقاب المحتمل في ترك كلّ واحد منهما.

٩٧

الواقع لو كان معتبرا ، لعدم الدليل عليه وقبح المؤاخذة من دون بيان.

فالأجزاء المعلومة ممّا يعلم كون تركها منشأ للعقاب. وأمّا هذا المردّد بين الفعل والترك ، فلا يصحّ استناد العقاب إليه لعدم العلم به ، وتركهما جميعا غير ممكن ، حتى يقال : إنّ العقاب على تركهما معا ثابت ، فلا وجه لنفيه عن كلّ منهما.

وأمّا بناء على وجوب الاحتياط عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، فلأنّ وجوب الاحتياط فرع بقاء وجوب الشرط الواقعي المردّد بين الفعل والترك ، وإيجابه مع الجهل مستلزم لإلغاء شرطيّة الجزم بالنيّة واقتران الواجب الواقعي بنيّة الإطاعة به بالخصوص مع التمكّن ، فيدور الأمر بين مراعاة ذلك الشرط المردّد وبين مراعاة شرط الجزم بالنيّة.

____________________________________

(وبتقرير آخر :).

وحاصل هذا التقرير الذي يكون أوجز من التقرير المتقدّم أنّه لا بد للمكلّف من إتيان العبادة مع واحد من الفعل أو الترك و (إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما) بقي اعتبار الآخر مشكوكا كصورة انحلال العلم الإجمالي و (قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في الواقع لو كان معتبرا) في الواقع ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وذلك (لعدم الدليل عليه وقبح المؤاخذة من دون بيان).

نعم (فالأجزاء المعلومة ممّا يعلم كون تركها منشأ للعقاب) وجب الإتيان بها دفعا للعقاب.

(وأمّا هذا المردّد بين الفعل والترك ، فلا يصحّ استناد العقاب إليه لعدم العلم به ، وتركهما جميعا غير ممكن ، حتى يقال : إنّ العقاب على تركهما معا ثابت) من جهة لزوم المخالفة القطعيّة العمليّة بتركهما ، إلّا أنّ تركهما المستلزم للمخالفة القطعيّة العمليّة غير ممكن ، والعقاب على أحدهما المردّد قبيح. هذا تمام الكلام في جريان البراءة في المقام على القول بها في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة.

بقي الكلام في جريان البراءة حتى على القول بوجوب الاحتياط عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، وقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وأمّا بناء على وجوب الاحتياط عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، فلأنّ وجوب الاحتياط فرع بقاء وجوب الشرط الواقعي المردّد بين الفعل والترك ، وإيجابه مع الجهل

٩٨

وبالجملة ، فعدم وجوب الاحتياط في المقام يكون لمنع اعتبار ذلك الأمر المردّد بين الفعل والترك في العبادة واقعا في المقام ، نظير القول بعدم وجوب الاحتياط بالصلاة مع اشتباه القبلة ، لمنع شرطيّة الاستقبال مع الجهل ، لا لعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في المكلّف به.

وقد يرجّح الثاني ، وإن قلنا بعدم وجوبه في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، لأنّ مرجع

____________________________________

مستلزم لإلغاء شرطيّة الجزم بالنيّة).

وحاصل كلامه قدس‌سره هو الفرق بين الاحتياط في المقام ، وبينه في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، بأنّ وجوب الاحتياط عند الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة لا ينافي الجزم بالنيّة ، إذ الاحتياط يتحقّق بإتيان الأكثر مع الجزم بالنيّة من دون حاجة إلى تكرار العبادة.

وهذا بخلاف ما نحن فيه حيث إنّ الاحتياط هنا مستلزم لتكرار العبادة ؛ تارة مع ذلك الشيء ، واخرى بدونه ، فينافي الجزم بالنيّة ، فيدور الأمر بين وجوب مراعاة ذلك الشرط المردّد بين الفعل والترك بتكرار العبادة ، وبين مراعاة شرط الجزم بالنيّة ، فيأتي بالعبادة مرّة واحدة بنيّة الوجوب ، ومن المعلوم أنّ مراعاة شرط الجزم بالنيّة أولى لشبهة قصد الوجه ، مع أنّ المفروض إمكان قصد الوجه بترك الاحتياط والالتزام بالتخيير.

(وبالجملة ، فعدم وجوب الاحتياط في المقام يكون لمنع اعتبار ذلك الأمر المردّد بين الفعل والترك في العبادة واقعا) حيث يكون المرجع في هذا المقام هو البراءة لا الاحتياط ؛ لأنّ الشكّ في أصل بقاء وجوب الشرط المردّد بين الفعل والترك ، لكونه منافيا لشرط الجزم بالنيّة ، نظير عدم وجوب الاحتياط بتكرار الصلاة عند اشتباه القبلة ، وذلك لمنع شرطيّة القبلة مع الجهل بها ، (لا لعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في المكلّف به).

هذا تمام الكلام في ترجيح الوجه الأوّل وهو التخيير والبراءة. ثمّ أشار إلى ترجيح الوجه الثاني ، وهو وجوب الاحتياط بقوله قدس‌سره :

(وقد يرجّح الثاني ، وإن قلنا بعدم وجوبه في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة).

حاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو وجوب الاحتياط حتى على القول بعدم وجوبه ، بل البراءة في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ينحلّ إلى علم تفصيلي بالنسبة إلى الأقلّ وشكّ بدوي بالنسبة إلى الزائد ، كما عرفت.

٩٩

الشكّ هنا إلى المتباينين ، لمنع جريان أدلّة نفي الجزئيّة والشرطيّة عند الشكّ في المقام من العقل والنقل.

وما ذكر من «أنّ إيجاب الأمر الواقعي المردّد بين الفعل والترك مستلزم لإلغاء الجزم بالنيّة» مدفوع بالتزام ذلك ، ولا ضير فيه.

ولذا وجب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، وإلى الجهات الأربع ، وتكرار الوضوء بالماءين عند اشتباه المطلق والمضاف مع وجودهما ، والجمع بين الوضوء والتيمّم إذا فقد أحدهما.

مع أنّ ما ذكرنا في نفي كلّ من الشرطيّة والمانعيّة بالأصل إنّما يستقيم لو كان كلّ من

____________________________________

أمّا في ما نحن فيه فلا ينحلّ العلم الإجمالي ؛ وذلك (لأنّ مرجع الشكّ هنا إلى المتباينين) ، فإنّ الصلاة مع القراءة جهرا تباين الصلاة معها إخفاتا ، والعلم الإجمالي في دوران الواجب بين المتباينين لا ينحلّ ؛ لعدم وجود القدر المتيقّن ، ولذلك يجب التمسّك بالاحتياط ، كما عرفت في مسألة دوران الواجب بين المتباينين.

وبالجملة ، إنّ وجود العلم الإجمالي وعدم وجود القدر المتيقّن في البين يأبى عن الرجوع إلى البراءة ، فيكون المرجع فيه هو الاحتياط.

(وما ذكر من «أنّ إيجاب الأمر الواقعي المردّد بين الفعل والترك مستلزم لإلغاء الجزم بالنيّة») ، فالأولى هو مراعاة الجزم بالنيّة ، لا الشرط الواقعي المردّد بين الفعل والترك.

(مدفوع) خبر لقوله : (وما ذكر ... إلى آخره).

وحاصل الدفع أنّه لا ضير في التزام إلغاء الجزم بالنيّة في المقام ؛ وذلك لأنّ أولويّة الجزم بالنيّة مسلّمة في صورة التمكّن من رعايته ، والمقام فاقد له ، كما في تعليقة المرحوم غلام رضا قدس‌سره.

أو يقال : إنّه قد تقدّم من المصنّف قدس‌سره أنّ اعتبار الجزم بالنيّة يكون متأخرا عن سائر الشرائط ، فإذا دار الأمر بين سقوطه وبين سقوط غيره ، فيكون هو المتعيّن للسقوط.

(ولذا وجب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، وإلى الجهات الأربع ... إلى آخره) إلى أن قال المصنّف قدس‌سره :

(مع أنّ ما ذكرنا في نفي كلّ من الشرطيّة والمانعيّة بالأصل إنّما يستقيم لو كان كلّ من

١٠٠