دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

وأمّا هو فالظاهر ـ أيضا ـ وقوع الخلاف فيه ، كما يظهر من إنكار السيّد قدس‌سره للاستصحاب في البلد المبني على ساحل البحر ، وزيد الغائب عن النظر ، وإنّ الاستصحاب لو كان حجّة لكانت بيّنة النافي أولى ، لاعتضادها بالاستصحاب.

وكيف كان ، فقد يفصّل بين كون الشكّ من جهة المقتضي وبين كونه من جهة الرافع ، فينكر الاستصحاب في الأوّل ، وقد يفصّل في الرافع بين الشكّ في وجوده والشكّ في رافعيّته ، فينكر الثاني مطلقا ، أو إذا لم يكن الشكّ في المصداق الخارجي.

هذه جملة ما حضرني من كلمات الأصحاب ، والمتحصّل منها في بادئ النظر أحد عشر قولا :

الأوّل : القول بالحجيّة مطلقا.

الثاني : عدمها مطلقا.

الثالث : التفصيل بين العدمي والوجودي.

____________________________________

(وأمّا هو فالظاهر ـ أيضا ـ وقوع الخلاف فيه) ، أي : في الشكّ في وجود الرافع (كما يظهر من إنكار السيّد للاستصحاب في البلد المبني على ساحل البحر ، وزيد الغائب عن النظر) مع كون الشكّ فيهما من قبيل الشكّ في وجود الرافع ، ويظهر ـ أيضا ـ من بعض أدلّة النافين ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وإنّ الاستصحاب لو كان حجّة ، لكانت بيّنة النافي أولى ، لاعتضادها بالاستصحاب).

أي : استصحاب العدم ، ومن المعلوم أنّ الشكّ في بقاء الأعدام شكّ في الرافع أيضا ، والباقي واضح لا يحتاج إلى الشرح والبيان.

ثمّ إنّ الأقوال في مسألة الاستصحاب أحد عشر قولا : نقلها المصنّف قدس‌سره بالتفصيل حيث قال قدس‌سره :

(الأوّل : القول بالحجيّة مطلقا).

وقد نسبه الشهيد الثاني قدس‌سره إلى أكثر المحقّقين ، بل لعلّه المشهور عند الفقهاء ، يظهر بالتتبع في أبواب الفقه.

(الثاني : عدمها مطلقا) كما يظهر من السيّدين وصاحبي المدارك والمعالم قدس‌سرهما.

(الثالث : التفصيل بين العدمي والوجودي) باعتبار الاستصحاب في الأوّل دون الثاني ،

٣٤١

الرابع : التفصيل بين الامور الخارجيّة وبين الحكم الشرعي مطلقا ، فلا يعتبر في الأوّل.

الخامس : التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي وغيره ، فلا يعتبر في الأوّل إلّا في عدم النسخ.

السادس : التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره ، فلا يعتبر في غير الأوّل. وهذا هو الذي تقدّم أنّه ربّما يستظهر من كلام المحقّق الخوانساري في حاشية شرح الدروس ، على ما حكاه السيّد في شرح الوافية.

السابع : التفصيل بين الكلّي التكليفي الغير التابع للحكم الوضعي وغيره ، فلا يعتبر في الأوّل. [التفصيل بين الأحكام الوضعيّة ، يعني نفس الأسباب والشروط والموانع والأحكام التكليفيّة التابعة لها ، وبين غيرها من الأحكام الشرعيّة ، فيجري في الأوّل دون الثاني].

____________________________________

كما يظهر من الحنفيّة على ما تقدّم سابقا.

(الرابع : التفصيل بين الامور الخارجيّة وبين الحكم الشرعي مطلقا) باعتباره في الثاني دون الأوّل ، كما عرفت فيما مضى ، وحكاه المحقّق الخوانساري قدس‌سره عن بعضهم ، وسيأتي من المصنّف قدس‌سره عند بيان أدلّة الأقوال إنكار وجود القائل بهذا التفصيل ، كما في الأوثق.

(الخامس : التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي وغيره ، فلا يعتبر في الأوّل إلّا في عدم النسخ) ويعتبر في الثاني ، واختاره الأخباريّون كما في الأوثق.

(السادس : التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره) باعتباره في الأوّل دون الثاني ، كما ربّما يستظهر من كلام المحقّق الخوانساري.

(السابع : التفصيل بين الأحكام الوضعيّة ، يعني : نفس الأسباب والشروط والموانع والأحكام التكليفيّة التابعة لها ، وبين غيرها من الأحكام الشرعيّة ، فيجري في الأوّل دون الثاني).

أمّا مثال الأوّل كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، فهو كالمتيمّم الواجد للماء في الأثناء ، فإنّه يستصحب نفس الشرط ، أي : كونه على حال يصحّ منه الصلاة ، لا شرطيّة ذلك ، لعدم الشكّ فيه ، ويستصحب ـ أيضا ـ التكليف التابع له ، كوجوب المضي في الصلاة ، وكذا في الكرّ المتغيّر الزائل تغيّره بنفسه يستصحب نفس المانع ، أعني : النجاسة ، لا مانعيّة

٣٤٢

الثامن : التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وغيره ، فلا يعتبر في الأوّل.

التاسع : التفصيل بين كون المستصحب ممّا ثبت بدليله أو من الخارج استمراره ، فشكّ في الغاية الرافعة وبين غيره ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، كما هو ظاهر المعارج.

العاشر : هذا التفصيل مع اختصاص الشكّ بوجود الغاية ، كما هو الظاهر من المحقّق السبزواري فيما سيجيء من كلامه.

الحادي عشر : زيادة الشكّ في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي دون المفهومي ، كما هو ظاهر ما سيجيء من المحقّق الخوانساري.

ثمّ إنّه لو بني على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرّض لهذه المسألة في الاصول والفروع لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير ، بل يحصل لعالم واحد قولان أو أزيد في المسألة ، إلّا

____________________________________

النجاسة لعدم الشكّ فيه أيضا ، ويستصحب الحكم التكليفي التابع له ، كحرمة استعماله للصلاة.

وأمّا مثال الثاني فهو كالأحكام الشرعيّة مطلقا تكليفيّة كانت كالوجوب والحرمة وغيرهما ، أو وضعيّة كالشرطيّة والمانعيّة وغيرهما ، وهذا التفصيل هو الذي تقدّم من الفاضل التوني قدس‌سره الذي بناه على عدم تصوّر الشكّ في الأحكام الشرعيّة.

(الثامن : التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وغيره ، فلا يعتبر في الأوّل) ويعتبر في الثاني.

(التاسع : التفصيل بين كون المستصحب ممّا ثبت بدليله أو من الخارج استمراره ، فشكّ في الغاية الرافعة ، وبين غيره ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني).

وحاصل هذا التفصيل ، هو اعتبار الاستصحاب في موارد الشكّ في الرافع دون موارد الشكّ في المقتضي ، وهو مختار المصنّف قدس‌سره.

(العاشر : هذا التفصيل مع اختصاص الشكّ بوجود الغاية) فلا يعتبر في الشكّ في المقتضي ، ولا في الشكّ في رافعيّة الموجود بصورة الأربع.

(الحادي عشر) : اعتبار الاستصحاب في صورة الشكّ في وجود الرافع مع (زيادة) وهي صورة (الشكّ في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي) ، كتردّد الرطوبة بين البول والمذي (دون المفهومي) ، كالشكّ في رافعيّة الخفقة لاحتمال دخولها في مفهوم النوم ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، ثمّ إنّ المراد من الغاية هو الغاية الرافعة.

٣٤٣

أنّ صرف الوقت في هذا ممّا لا ينبغي ، والأقوى هو القول التاسع ، وهو الذي اختاره المحقّق ، فإنّ المحكي عنه في المعارج أنّه قال :

«إذا ثبت حكم في وقت ، ثمّ جاء وقت آخر ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، هل يحكم ببقائه على ما كان ، أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دلالة كما يفتقر نفيه إلى الدلالة؟. حكي عن المفيد رحمه‌الله أنّه يحكم ببقائه ما لم تقم دلالة على نفيه ، وهو المختار.

وقال المرتضى قدس‌سره : لا يحكم ، ثمّ مثّل بالمتيمّم الواجد للماء في أثناء الصلاة ، ثمّ احتجّ للحجيّة بوجوه :

منها : إنّ المقتضي للحكم الأوّل موجود ، ثمّ ذكر أدلّة المانعين وأجاب عنها ثمّ قال :

____________________________________

(والأقوى هو القول التاسع ، وهو الذي اختاره المحقّق قدس‌سره) في المعارج.

قال الاستاذ الاعتمادي ما نصّه : وفيه ما مرّ من أنّ المحقّق فصّل بين دلالة الدليل على الاستمرار إلى حصول الرافع ، وبين عدمها ، ومحلّ هذا التفصيل هو الشبهات الحكميّة ، والمصنّف قدس‌سره فصّل بين الشكّ في الرافع والشكّ في المقتضي ، وهو يعمّ موارد الشبهة الحكميّة والموضوعيّة ، فما قوّاه المصنّف قدس‌سره من التفصيل غير ما اختاره المحقّق قدس‌سره.

وقال صاحب الأوثق : إنّ في استفادة القول التاسع ممّا نقله المصنّف قدس‌سره عن المعارج إشكالا قد اعترف به عند نقل أدلّة الأقوال.

وكيف كان : (فإنّ المحكي عنه في المعارج أنّه قال : إذا ثبت حكم في وقت) كالتيمّم عند تعذّر الماء (ثمّ جاء وقت آخر) ، كما إذا وجد الماء في أثناء الصلاة فاريق بلا مهلة». انتهى.

(ولم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، هل يحكم ببقائه على ما كان أم يفتقر الحكم به في الوقت الثاني إلى دلالة ...؟ ، حكي عن المفيد قدس‌سره أنّه يحكم ببقائه ما لم تقم دلالة على نفيه وهو المختار. وقال المرتضى قدس‌سره : لا يحكم ، ثمّ مثّل بالمتيمّم الواجد للماء في أثناء الصلاة ، ثمّ احتجّ للحجيّة بوجوه :

منها : إنّ المقتضي للحكم الأوّل موجود).

أي : احتجّ المحقّق قدس‌سره لإثبات حجيّة الاستصحاب بوجوه :

منها : إنّ المقتضي للحكم الأوّل موجود ، وظاهر هذا الوجه هو أنّ نظيره في اعتبار الاستصحاب وفاقا للمفيد قدس‌سره هو مورد إحراز المقتضي والشكّ في الرافع ، إلى أن قال :

٣٤٤

«والذي نختاره : أن ننظر في دليل ذلك الحكم ، فإن كان يقتضيه مطلقا ، وجب الحكم باستمرار الحكم ، كعقد النكاح ، فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا.

فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق ، فالمستدلّ على أنّ الطلاق لا يقع بها لو قال : حلّ الوطء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ ، فكذا بعده ، كان صحيحا ، لأنّ المقتضي للتحليل ـ وهو العقد ـ اقتضاه مطلقا ، ولا يعلم أنّ الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء ، فيثبت الحكم عملا بالمقتضي ، لا يقال : إنّ المقتضي هو العقد ، ولم يثبت أنّه باق ، لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا بوقت ، فيلزم دوام الحلّ نظرا إلى وقوع المقتضي ، لا إلى دوامه. فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع.

____________________________________

(والذي نختاره : أن ننظر في دليل ذلك الحكم ، فإن كان يقتضيه مطلقا ، وجب الحكم باستمرار الحكم ... إلى آخره).

أي : يقتضي الدليل ، ويدلّ على كون المستصحب مقتضيا للدوام والاستمرار لو لا الرافع له ، كما يظهر من تمثيله بعقد النكاح ، حيث قال :

(فإنّه يوجب حلّ الوطء مطلقا ، فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق) ، كأنت خليّة أو أنت بريّة ، فللمستدلّ أن يستدلّ بالاستصحاب على بقاء حلّ الوطء ، وليس مراده من الاقتضاء اقتضاء الدليل ثبوت الحكم في الزمان الثاني بإطلاقه ، حتى يقال : إنّه خارج عن الاستصحاب ، كما استظهر من كلامه صاحب المعالم رحمه‌الله.

إلى أن قال : (لا يقال : إنّ المقتضي هو العقد ، ولم يثبت أنّه باق ، لأنّا نقول : وقوع العقد اقتضى حلّ الوطء لا مقيّدا بوقت).

أي : وقوع العقد يقتضي حلّية الوطء إلى حصول الرافع ، لا إلى وقت معيّن وإن لم يحصل الرافع.

(فيلزم دوام الحلّ نظرا إلى وقوع المقتضي ، لا إلى دوامه).

أي : دوام الحلّ يلاحظ بالنسبة إلى أصل وقوع المقتضي للاستمرار ، لا بالنسبة إلى دوام المقتضي ، كي يقال بأنّ دوامه غير محرز ، وبعد توقّف الحلّ على وجود أصل المقتضي لا على دوامه يكون المقتضي محرزا وارتفاعه يحتاج إلى الإحراز.

(فيجب أن يثبت الحلّ حتى يثبت الرافع).

٣٤٥

ثمّ قال : فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه ، فليس هذا عملا بغير دليل ، وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه». انتهى.

ويظهر من صاحب المعالم اختياره ، حيث جعل هذا القول من المحقّق نفيا بحجيّة الاستصحاب ، فيظهر أنّ الاستصحاب المختلف فيه غيره.

____________________________________

أي : يثبت الحلّ بانضمام بناء العقلاء وأخبار الاستصحاب إلى وجود المقتضي ، وهو معنى اعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ في وجود الرافع.

(ثمّ قال : فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه ، فليس هذا عملا بغير دليل ، وإن كان يعني أمرا آخر وراء هذا) كالاستصحاب ، في موارد الشكّ في المقتضي كما في شرح الاعتمادي ، (فنحن مضربون عنه» انتهى). كلام المحقّق قدس‌سره.

وبالجملة ، إنّ العمل بالاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع بعد إحراز المقتضي ليس عملا بغير دليل ، بل العمل إنّما هو بوجود المقتضي الذي يدلّ على الاستمرار ، غاية الأمر مع ضمّ بناء العقلاء أو الأخبار إليه ، لأنّ المقتضي بمجرّده لا يكفي في العمل على طبق الحالة السابقة.

(ويظهر من صاحب المعالم اختياره).

أي : حجيّة الاستصحاب في الشكّ في الرافع دون الشكّ في المقتضي ، حيث قال صاحب المعالم قدس‌سره بخروج الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع عن محلّ النزاع لكونه حجّة بلا خلاف ، وإنّما النزاع في الاستصحاب في مورد الشكّ في المقتضي (حيث جعل هذا القول من المحقّق نفيا بحجيّة الاستصحاب) في مورد الشكّ في المقتضي الذي هو محلّ للخلاف ، وبذلك يكون المحقّق قدس‌سره من النافين على ما توهّمه صاحب المعالم رحمه‌الله.

(فيظهر أنّ الاستصحاب المختلف فيه غيره).

أي : يظهر من صاحب المعالم قدس‌سره أنّ الاستصحاب الذي وقع الخلاف فيه هو غير الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع.

٣٤٦

لنا على ذلك وجوه :

أدلة القول التاسع

لأوّل : ظاهر كلمات جماعة الاتّفاق عليه.

فمنها : ما عن المبادئ ، حيث قال :

«الاستصحاب حجّة ، لإجماع الفقهاء على أنّه متى حصل حكم ثمّ وقع الشكّ في أنّه طرأ ما يزيله أم لا ، وجب الحكم ببقائه على ما كان أوّلا ، ولو لا القول بأنّ الاستصحاب حجّة لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح». انتهى.

ومراده ـ وإن كان الاستدلال به على حجيّة مطلق الاستصحاب ، بناء على ما ادّعاه ـ من أنّ الوجه في الإجماع على الاستصحاب مع الشكّ في طروّ المزيل ، هو اعتباره الحالة السابقة مطلقا ، لكنّه ممنوع ، لعدم الملازمة ، كما سيجيء.

____________________________________

(لنا على ذلك وجوه : الأوّل : ظاهر كلمات جماعة الاتّفاق عليه ، فمنها : ما عن المبادئ حيث قال : «الاستصحاب حجّة ، لإجماع الفقهاء على أنّه متى حصل حكم ثمّ وقع الشكّ في أنّه طرأ ما يزيله أم لا ، وجب الحكم ببقائه على ما كان أوّلا ، ولو لا القول بأنّ الاستصحاب حجّة لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح». انتهى).

وتقريب ما ذكر من الاستدلال على حجيّة مطلق الاستصحاب ، كما هو مراد المستدلّ مبني على أحد وجهين :

أحدهما : ما هو ظاهره من أنّ معقد الإجماع وإن كان هو خصوص الشكّ في الرافع ، إلّا أنّ المناط في حجيّة الاستصحاب مع الشكّ في الرافع إجماعا هو اعتبار الحالة السابقة ، وهذا المناط موجود في مورد الشكّ في المقتضي أيضا ، فلازمه ـ حينئذ ـ هو اعتبار الاستصحاب مطلقا.

وقد أجاب عنه المصنّف قدس‌سره بقوله : (لكنّه ممنوع ، لعدم الملازمة) بين اعتبار الاستصحاب في الشكّ في الرافع والشكّ في المقتضي ، وذلك لوجود الفرق بينهما ، كما سيجيء.

وثانيهما : أن يكون معقد إجماعه ما هو الأعمّ من الشكّ في الرافع ، إلّا أنّ المراد

٣٤٧

ونظير هذا ما عن النهاية ، من : «أنّ الفقهاء بأسرهم ـ على كثرة اختلافهم ـ اتّفقوا على أنّا متى تيقّنّا حصول شيء وشككنا في حدوث المزيل له ، أخذنا بالمتيقّن». وهو عين الاستصحاب ، لأنّهم رجّحوا إبقاء الثابت على حدوث الحادث.

____________________________________

بالحكم في قوله : (متى حصل حكم) ليس نفس المستصحب ، بل هو الأثر المترتّب عليه ، وبذلك يصحّ إطلاق الشكّ في طروّ المزيل بالنسبة إلى الأثر ولو كان نفس المستصحب غير محرز الاستعداد ، حتى يكون الشكّ فيه من قبيل الشكّ في المقتضي.

وبالجملة ، إنّ معقد الإجماع وإن كان يشمل مورد الشكّ في المقتضي ، إلّا أنّ دعوى الإجماع مدفوعة بأنّ الإجماع في مثل هذه المسألة التي لها مدارك مختلفة على فرض تحقّقه لا يشكف عن رأي المعصوم عليه‌السلام.

والحاصل أنّ دعوى الإجماع مردودة بأحد وجهين :

أحدهما : عدم تحقّق الإجماع لوجود الخلاف.

وثانيهما : عدم اعتباره لما مرّ من عدم كونه كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام.

فالمتيقّن هو اعتبار الاستصحاب في الشكّ في الرافع ، وذلك لدلالة الأخبار على حجيّة الاستصحاب في الشكّ في الرافع ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

(ونظير هذا ما عن النهاية ، من : «أنّ الفقهاء بأسرهم ـ على كثرة اختلافهم ـ اتّفقوا على أنّا متى تيقّنّا حصول شيء وشككنا في حدوث المزيل له ، أخذنا بالمتيقّن». وهو عين الاستصحاب ، لأنّهم رجّحوا إبقاء الثابت على حدوث الحادث).

فما في النهاية ـ خصوصا قوله : (لأنّهم رجّحوا إبقاء الثابت على حدوث الحادث) ، أي : الرافع ـ صريح في حجيّة الاستصحاب في الشكّ في الرافع.

ثمّ إنّ الفرق بين هذا الإجماع والإجماع المتقدّم ، هو أنّ معقد الإجماع المتقدّم مختصّ باستصحاب الحكم ، فيحتاج في إلحاق استصحاب الموضوعات به إلى ضميمة القول بعدم الفصل.

أمّا معقد هذا الإجماع فيشمل استصحاب الموضوعات ، كما لا يخفى.

وجوابه كما عرفت من عدم تحقّق الإجماع أوّلا ، وعدم كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام ثانيا.

٣٤٨

ومنها : تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بأنّ ما ذكره المحقّق أخيرا في المعارج راجع إلى قول السيّد المرتضى المنكر للاستصحاب ، فإنّ هذا شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقّق عن مورد النزاع وكونه موضع وفاق. إلّا أنّ في صحّة هذه الشهادة نظرا ، لأنّ ما مثّل في المعارج من الشكّ في الرافعيّة من مثال النكاح هو بعينه ما أنكره الغزالي. ومثّل له بالخارج من غير السبيلين ، فإنّ الطهارة كالنكاح ، في أنّ سببها مقتض لتحقّقه دائما إلى أن يثبت الرافع.

الثاني : حكم الشارع بالبقاء : إنّا تتبّعنا موارد الشكّ في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع ، فلم نجد من أوّل الفقه إلى آخره موردا إلّا حكم الشارع فيه بالبقاء ، إلّا مع

____________________________________

(ومنها : تصريح صاحب المعالم والفاضل الجواد بأنّ ما ذكره المحقّق أخيرا في المعارج) من اختصاص اعتبار الاستصحاب بالشكّ في الرافع (راجع إلى قول السيّد المرتضى المنكر للاستصحاب ، فإنّ هذا شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقّق عن مورد النزاع وكونه موضع وفاق).

وظاهر كلامهما قدس‌سرهما بل صريحه وإن كان هو الاتّفاق على حجيّة الاستصحاب في الشكّ في الرافع إلّا أنّه يردّ :

أوّلا : بما عن الغزالي من إنكاره لاعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع ، كما هو واضح في المتن.

وثانيا : بما عرفت من عدم كون الإجماع في ما نحن فيه كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام حتى يكون حجّة.

فالمتحصّل من الجميع : إنّ دعوى الاتفاق على حجيّة الاستصحاب في الشكّ في الرافع فقط غير صحيحة.

الوجه الثاني : هو حكم الشارع بالبقاء في موارد الشكّ في الرافع ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(الثاني : حكم الشارع بالبقاء : إنّا تتبّعنا موارد الشكّ في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع ، فلم نجد من أوّل الفقه إلى آخره موردا إلّا حكم الشارع فيه بالبقاء).

مثل الحكم بالطهارة عند الشكّ في الحدث وبالعكس ، وبطهارة الثوب ونحوه عند

٣٤٩

أمارة توجب الظنّ بالخلاف ، كالحكم بنجاسة الخارج قبل الاستبراء ، فإنّ الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة ـ وإلّا لوجب الحكم بالطهارة ، لقاعدة الطهارة ـ بل لغلبة بقاء جزء من البول أو المني في المخرج ، فرجّح هذا الظاهر على الأصل ، كما في غسالة الحمّام عند بعض ، والبناء على الصحّة المستند إلى ظهور فعل المسلم.

والإنصاف : إنّ هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع ، وهو أولى من الاستقراء الذي ذكره غير

____________________________________

الشكّ في طروّ النجاسة وبالعكس ، وبقاء الزوجيّة عند الشكّ في حصول البينونة والملكيّة عند الشكّ في الانتقال ، إلى غير ذلك من الموارد التي حكم الشارع فيه بالبقاء.

(إلّا مع أمارة توجب الظنّ بالخلاف).

إذ الأمارة المعتبرة شرعا إذا قامت على خلاف الحالة السابقة كانت حاكمة على الاستصحاب ، سواء كانت معتبرة بالنوع كخبر العادل والبيّنة ، أو اعتبرها الشارع في موارد خاصّة في قبال الاستصحاب ، كموارد تقديم الظاهر ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، وذلك (كالحكم بنجاسة الخارج قبل الاستبراء ، فإنّ الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة ـ وإلّا لوجب الحكم بالطهارة ، لقاعدة) اخرى غير الاستصحاب ، وهي قاعدة (الطهارة ـ بل لغلبة بقاء جزء من البول أو المني في المخرج ، فرجّح هذا الظاهر على الأصل) حتى على أصالة الطهارة مع كونها معتبرة بلا كلام ، إذ لو لا الحكم بالنجاسة من باب ترجيح الظاهر على الأصل وكان من جهة عدم اعتبار الاستصحاب ، لكان اللازم هو الحكم بالطهارة لقاعدتها ، لا الحكم بالنجاسة.

فمن الحكم بالنجاسة نكشف أنّه كان من باب تقديم الظاهر على الأصل ، لا لعدم اعتبار الاستصحاب (كما في غسالة الحمّام) حيث إنّها محكومة بالنجاسة شرعا(عند بعض) من باب تقديم الظاهر وغلبة وجود النجاسة في الأبدان على أصالة الطهارة ، (والبناء على الصحّة المستند إلى ظهور فعل المسلم) حيث يكون الظنّ بالصحّة الناشئ عن ظاهر حال المسلم مقدّما على قاعدة الاشتغال فيما إذا صلّى على ميّت ، وشككنا في صحّتها المستلزمة لبراءة ذمّتنا ، وفسادها المستلزم لاشتغال ذمّتنا.

(والإنصاف : إنّ هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع) ، فيكون حجّة من غير كلام ، وليس هذا من الأمارات الظنيّة التي لم يقم على اعتبارها دليل بالخصوص حتى يقال بأنّه ليس بحجّة

٣٥٠

واحد ، كالمحقّق البهبهاني وصاحب الرياض ، أنّه المستند في حجيّة شهادة العدلين على الإطلاق.

الثالث : الأخبار المستفيضة ، منها : صحيحة زرارة ـ ولا يضرّها الإضمار ـ :

____________________________________

(وهو أولى من الاستقراء الذي ذكره غير واحد ... إلى آخره).

وحاصل الكلام في الأولويّة ـ كما في شرح التنكابني والاعتمادي ـ هو أنّ بعضهم استدلّ على حجيّة شهادة العدلين في مطلق الموضوع المشتبه ، عدا ما خرج بالدليل كالزنا والقتل والارتداد المحتاج إلى شهادة أكثر من اثنين ، بأنّا تتبّعنا موارد الشكّ في الموضوع ، ووجدنا من أوّل الفقه إلى آخره أنّه كلّما مرّ البحث باشتباه الموضوع حكم الشرع فيه باعتبار شهادة العدلين ، ثمّ وجه أولويّة الاستقراء في باب الاستصحاب على الاستقراء في باب الشهادة هو وجود موارد التخلّف في باب الشهادة ، كالشهادة على الزنا وغيره ، وعدم وجود مورد التخلف في المقام بزعم المصنّف قدس‌سره ، فالاستقراء في المقام أولى بإفادة القطع على حجيّة الاستصحاب من الاستقراء في باب الشهادة على حجيّة شهادة العدلين في الموضوعات.

وكيف كان ، فظاهر المصنّف قدس‌سره هو تماميّة الاستدلال بالاستقراء على حجيّة الاستصحاب ، ولهذا أورد عليه المحقّق الآشتياني قدس‌سره بأمرين :

أمّا الأوّل : فهو أنّ المصنّف قدس‌سره كيف يدّعي عدم وجدان المخالفة مع تتبّع الفقه من أوّله إلى آخره ، مع أنّ مورد عدم حكم الشارع على طبق الحالة السابقة مع كون الشكّ فيه من الشكّ في الرافع كثير ، كما في شكوك الصلاة في الركعات وغيرها ، حيث إنّه لم يعتبر أصالة عدم الزيادة فيها ، وكما في أيّام الاستظهار على مذهب جماعة ، حيث إنّه يعتبر فيها استصحاب الطّهر!

وأمّا الثاني : فهو أنّ الموارد المستقرأ فيها ، إنّما هي الشبهات الموضوعيّة ، والمدّعى أعمّ منها ومن الشبهات الحكميّة.

(الثالث : الأخبار المستفيضة) وهي العمدة في المقام (منها : صحيحة زرارة ، ولا يضرّها الإضمار) وذلك بأحد وجهين :

الأوّل : إنّ الإضمار من مثل زرارة يكون بمنزلة الإظهار ، فلا يوجب القدح في اعتبار

٣٥١

قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟.

قال : (يا زرارة! قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ، فإذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء) ، قلت : فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال : (لا ، حتى يستيقن إنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بين ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن ينقضه بيقين آخر) (١).

____________________________________

الرواية ، إذ مثل زرارة لا يسأل عن غير المعصوم عليه‌السلام ، لأنّ نقل الرواية عن غير المعصوم عليه‌السلام للغير من دون نصب قرينة على تعيين المسئول خيانة لا تصدر عن مثل زرارة ، فيكون الإضمار من دون نصب قرينة على تعيين المسئول دليلا على كون المسئول هو المعصوم عليه‌السلام.

الثاني : إنّ هذه الرواية ممّا رويت مسندة إلى الإمام الباقر عليه‌السلام في بعض الكتب ، حيث كان صدرها «قلت للباقر عليه‌السلام» ، فالإضمار ـ حينئذ ـ عرضي ناشئ من تقطيع الأخبار ، لأنّ الفقهاء والرواة ذكروا كلّ فقرة منها في ما يناسبه من الأبواب الفقهيّة ، فهذا الإضمار لا يقدح في اعتبارها لكونه ناشئا عن التقطيع ، وإنّما القادح هو الإضمار الذاتي ، وهو ما يكون مضمرا في الأصل ، وكيف كان ، فالرواية ممّا لا إشكال فيها من جهة السند ، فلا بدّ من الكلام فيها من حيث دلالتها على حجيّة الاستصحاب في جميع الأبواب ، سنذكر متن الرواية أوّلا ثمّ تفصيل البحث في دلالتها على حجيّة الاستصحاب ثانيا.

أمّا الرواية فهذا نصّها : (قال : قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء ، أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ قال : (يا زرارة! قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والأذن فقد وجب الوضوء) ، قلت : فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ قال : (لا ، حتى يستيقن إنّه قد نام ، حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ، ولكن ينقضه بيقين آخر).

وأمّا تفصيل البحث عنها فيحتاج إلى مبسوط الكلام ، فنقول :

إنّ الفقرة الاولى ـ وهي : قول الراوي قلت له ... إلى قول الإمام عليه‌السلام يا زرارة قد تنام العين

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١. الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

٣٥٢

وتقرير الاستدلال : إنّ جواب الشرط في قوله عليه‌السلام : (وإلّا فإنّه على يقين) ، محذوف قامت العلّة مقامه ، لدلالة ما عليه ، وجعله نفس الجزاء يحتاج إلى تكلّف. وإقامة العلّة مقام الجزاء

____________________________________

... إلى آخره ـ لا ربط لها بمحلّ الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب سواء قلنا بأنّ الشبهة العارضة للراوي التي أوجب السؤال عن بقاء الوضوء مع الخفقة والخفقتين شبهة موضوعيّة ، بأن كان الراوي لا يعلم دخولهما في مفهوم النوم بعد علمه بكون النوم ناقضا ، كما هو ظاهرها ، أو قلنا بأنّها حكميّة بأن كان الراوي عالما بعدم كون الخفقة والخفقتين من أفراد النوم ، إلّا أنّه شكّ في كون الخفقة ـ وهي حركة الرأس بسبب النعاس ـ ناقضا مستقلا شرعا.

وكيف كان ، فقد أجاب الإمام عليه‌السلام بعدم انتقاض الوضوء بالخفقة والخفقتين ، ولازم هذا الجواب هو عدم كونهما من أفراد النوم ولا من الناقض المستقلّ.

فهذا الجواب لا يرتبط بالاستصحاب أصلا ، وإنّما مورد الاستدلال هو الفقرة الثانية وهي قول الراوي :

(فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم؟ ... إلى آخره).

حيث إنّ السؤال عن تحقّق النوم الناقض للوضوء بعد عروض هذه الحالة ، فأجاب الإمام بعدم وجوب الوضوء مع الشكّ في تحقّق النوم ، حيث قال عليه‌السلام :

(لا ، حتى يستيقن إنّه قد نام).

أي : لا يجب عليه الوضوء في صورة الشكّ ما لم يحصل له اليقين بالنوم.

والشبهة هنا موضوعيّة ، لأنّ الشكّ إنّما هو في تحقّق النوم بعروض الحالة المذكورة ، بعد علم الراوي من الكلام السابق بأنّ النوم عبارة عن نوم العين والقلب والاذن ، ولا إشكال هنا في دلالة الرواية على حجيّة الاستصحاب في موردها ، وهو استصحاب بقاء الوضوء مع الشكّ في الحدث ، إلّا أنّه لا ينفع في المقام ، لأنّ المقصود منه هنا هو إثبات حجيّة الاستصحاب في جميع الأبواب الشرعيّة لا في باب الوضوء فقط ، ولا بدّ ـ حينئذ ـ أوّلا : من تقريب الاستدلال ، وثانيا : من تعدّي الحكم عن المورد ، والحكم بالتعميم.

أمّا تقريب الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب فهو مبني على أن يكون جواب الشرط في قوله : (وإلّا) محذوفا ، والتقدير : وإلّا ، أي : وإن لم يستيقن إنّه قد نام ، فلا يجب

٣٥٣

لا تحصى كثرة في القرآن وغيره ، مثل قوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)(١) ، و (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ)(٢) ، (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(٣) ، (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ)(٤)(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(٥)(إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٦)(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ)(٧) إلى غير

____________________________________

عليه الوضوء (قامت العلّة) ، أي : علّة عدم وجوب الوضوء وهو قوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين من وضوئه) (مقامه ، لدلالة ما عليه) ، أي : لدلالة قوله : (فإنّه على يقين من وضوئه) على الجواب المحذوف ، ووجه الدلالة تصديره بالفاء الجزائيّة.

والحاصل أنّ علّة عدم وجوب الوضوء ـ وهي اليقين بالوضوء ـ قد قامت مقام الجواب وهو المعلول ، وقيام علّة جواب الشرط مقامه كثير في الآيات وغيرها (مثل قوله تعالى : (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)) حيث يكون التقدير : إن تجهر بالقول فقد تتعب نفسك بما لا حاجة إليه من الجهر بالقول ، لأنّ الله (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى).

و (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ، أي : وإن تكفروا فلن يضرّ الله كفركم ، بل يعود ضرره عليكم ، لأنّ الله سبحانه غني عنكم ، وقد اقيم السبب مقام المسبّب على احتمال ، وعلى احتمال آخر يكون نفس قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) جزاء للشرط.

(وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) والجواب في كلا الموردين هو فلن يضرّ الله.

(فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) ، أي : وإن يكفر بالكتاب والحكمة والنبوّة فلا تلغى أو لا تتعطل ، هذا على احتمال ، وعلى احتمال آخر أنّ الجزاء هو

__________________

(١) طه : ٧.

(٢) الزمر : ٧.

(٣) النمل : ٤٠.

(٤) آل عمران : ٩٧.

(٥) الأنعام : ٨٩.

(٦) يوسف : ٧٧.

(٧) فاطر : ٤.

٣٥٤

ذلك.

فمعنى الرواية : إن لم يستيقن أنّه قد نام ، فلا يجب عليه الوضوء ، لأنّه على يقين من وضوء في السابق. وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء وجعل العلّة نفس اليقين يكون

____________________________________

قوله تعالى : (فَقَدْ وَكَّلْنا ...) إلى آخره.

(إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ) ، أي : وإن يسرق «بن يامين» فلا بعد فيه فقد سرق أخ له ، يعني : يوسف عليه‌السلام كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هذا وفي بعض الكتب أنّ الجزاء هو فقد سرق ... إلى آخره.

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ) ، أي : وإن يكذبوك فتأسّ بتكذيب الرسل من قبلك ، أو فلا تحزن.

وكيف كان ، فقد قامت العلّة والسبب مقام المعلول والمسبّب وهو الجزاء للشرط في هذه الموارد ، فليكن المقام من هذا القبيل أيضا.

فتحصّل من الجميع أنّ جواب الشرط محذوف ويكون التقدير ، كما عرفت وإن لم يستيقن أنّه قد نام فلا يجب عليه الوضوء ولا يصحّ أن يجعل قوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين من وضوئه) جوابا للشرط المذكور ، إلّا بارتكاب تكلّف وهو كونه إنشاء في المعنى ، بمعنى أنّه يجب عليه المضي على يقينه من حيث العمل ، حتى تكون الجملة إنشائيّة فتصلح للجواب ، وإلّا فالجملة في الظاهر خبريّة لا يصحّ أن تجعل جوابا لعدم ترتّبها معنى على الشرط المذكور ، كما لا يخفى.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إليه بقوله :

(وجعله نفس الجزاء يحتاج إلى تكلّف).

وبقي هنا احتمال ثالث في الجزاء وهو قوله : (ولا ينقض اليقين بالشك) وكان قوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين من وضوئه) توطئة للجواب ، إلّا أنّ «الواو» تكون مانعا عن كونه جوابا ، فانحصر الجواب في ما هو المحذوف ، وحاصل الاستدلال هو البناء على الوضوء مع الشكّ في الحدث وهو معنى حجيّة الاستصحاب. هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال.

وأمّا تعدّي الحكم من باب الوضوء إلى سائر الموارد والقول بحجيّة الاستصحاب مطلقا ، فقد أشار المصنّف قدس‌سره بقوله :

٣٥٥

قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين) بمنزلة كبرى كلّيّة للصغرى المزبورة.

هذا ، ولكنّ مبنى الاستدلال على كون (اللام) في (اليقين) للجنس ، إذ لو كانت للعهد لكانت الكبرى المنضمّة إلى الصغرى : ولا ينقض اليقين بالوضوء بالشكّ فيفيد قاعدة كلّية في باب الوضوء وأنّه لا ينقض إلّا باليقين بالحدث.

____________________________________

(وبعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء وجعل العلّة نفس اليقين يكون قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين) بمنزلة كبرى كليّة للصغرى المزبورة).

وهي قوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين من وضوئه) واليقين في الصغرى وإن كان متعلّقا بالوضوء ، إلّا أنّ المراد به هو مطلق اليقين بإلغاء خصوصيّة تعلّقه بالوضوء ، بمعنى أنّ إضافة اليقين بالوضوء وتعلّقه به ليس لبيان تقييد اليقين بالوضوء ، بل لمجرّد بيان أحد المصاديق التي قد يتعلّق بها اليقين ، ويكون اختيار هذا المصداق بالذكر لكونه مورد السؤال ، وعلى هذا يكون المحمول مطلق اليقين وكان من مصاديق ما هو الموضوع في الكبرى ، وهو قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين أبدا بالشك) إلّا أنّ كلّية الكبرى مبنيّة على كون (اللام) في (اليقين) للجنس المفيد للعموم إذا وقع بعد النفي ، كما في الرواية ، ففي الحقيقة يصير معنى الرواية أنّه كان متيقّنا بالوضوء فشكّ فيه ، وكلّ يقين لا ينقض بالشكّ.

وبالجملة ، إنّ المستفاد من الرواية هي قاعدة كلّية تفيد عدم جواز نقض كلّ يقين بكلّ شكّ ، سواء كان في باب الوضوء أو غيره ، وهو معنى اعتبار الاستصحاب في جميع الأبواب.

فالعمدة ـ حينئذ ـ هو إثبات كون (اللام) للجنس ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ولكنّ مبنى الاستدلال على كون (اللام) في (اليقين) للجنس).

إذ لو كان (اللام) للعهد كان المقصود منه بيان كلّية الكبرى في باب الوضوء ، فلا يتمّ الاستدلال بها ـ حينئذ ـ على إثبات ما هو المطلوب.

فلا بدّ من إثبات كون (اللام) للجنس أو الاستغراق ، والأوّل ما ذهب إليه جمع من علماء الاصول ، والبيان من أنّ المفرد المحلّى باللام حقيقة في الجنس ، ثمّ كونها للجنس يستلزم العموم هنا ، وذلك لأنّ عدم جواز نقض جنس اليقين بجنس الشكّ يستلزم عدم جواز نقض فرد من اليقين بفرد من الشكّ ، والثاني ما ذهب إليه جمع من المحقّقين كالسيد الرضي قدس‌سره

٣٥٦

واللام وإن كان ظاهرا في الجنس ، إلّا أنّ سبق يقين الوضوء ربّما يوهن الظهور المذكور ، بحيث لو فرض إرادة خصوص يقين الوضوء لم يكن بعيدا عن اللفظ من احتمال أن لا يكون قوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين) علّة قائمة مقام الجزاء ، بل يكون الجزاء مستفادا من قوله : (ولا تنقض) وقوله : (فإنّه على يقين) توطئة له.

والمعنى : إنّه إن لم يستيقن النوم فهو مستيقن لوضوئه السابق ، ويثبت على مقتضى يقينه ولا ينقضه ، فيخرج قوله : (لا تنقض) عن كونه بمنزلة الكبرى ، فيصير عموم اليقين وإرادة الجنس منه أوهن.

لكنّ الإنصاف أنّ الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظهور ، خصوصا بضميمة الأخبار الأخر الآتية المتضمّنة لعدم نقض اليقين بالشكّ.

وربّما يورد على إرادة العموم من (اليقين) أنّ النفي الوارد على العموم لا يدلّ على السلب الكلّي.

____________________________________

وابن الحاجب على ما حكي عنهما من أنّ الاسم المحلّى باللام لاستغراق الجنس ، فحينئذ كلمة (اللام) في (اليقين) و (الشكّ) تفيد العموم في كلّ يقين وشكّ ، فلا يجوز نقض كلّ فرد من أفراد اليقين بكلّ فرد من أفراد الشكّ ، وهو المطلوب.

إلّا أن يقال بأنّ (اللام) وإن كان ظاهرا في الجنس أو الاستغراق ، إلّا أنّ سبق اليقين المتعلّق بالوضوء يوجب وهن الظهور المذكور ، إذ ليس من البعيد ـ حينئذ ـ أن يكون المراد باليقين في الكبرى هو اليقين المتعلّق بالوضوء ، فتختصّ ـ حينئذ ـ بباب الوضوء.

أو يقال بأنّ الجزاء ليس محذوفا ، بل جزاء الشرط مستفاد من قوله عليه‌السلام : (ولا تنقض اليقين أبدا بالشك) وقوله عليه‌السلام : (فإنّه على يقين من وضوئه) توطئة للجواب ، فيكون مفاد الرواية ـ حينئذ ـ وإن لم يستيقن النوم فحيث إنّه على يقين من وضوئه فلا ينقضه بالشك فيه ، فيصير ـ حينئذ ـ عموم اليقين وإرادة الجنس منه أوهن ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (واللام وإن كان ظاهرا في الجنس ... إلى آخره).

(لكنّ الإنصاف أنّ الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظهور) في عموم اليقين وإرادة الجنس منه.(وربّما يورد على إرادة العموم من (اليقين) أنّ النفي الوارد على العموم لا يدلّ على

٣٥٧

وفيه : إنّ العموم مستفاد من الجنس في حيّز النفي. فالعموم بملاحظة النفي ـ كما في «لا رجل في الدار» ـ لا في حيّزه ، كما في : «لم آخذ كلّ الدّراهم».

ولو كان (اللام) لاستغراق الأفراد ، كان الظاهر ـ بقرينة المقام والتعليل وقوله (أبدا) ـ

____________________________________

السلب الكلّي).

أي : عموم السلب ، بل يدلّ على سلب العموم ، لأنّ السلب دائما يتوجّه إلى ما هو قيد في الكلام ، فإذا كان القيد ممّا يفيد العموم ينفى بما يدلّ على النفي ، فيفيد النفي سلبا جزئيّا ، كما يتّضح ذلك بقولك : لم آخذ كلّ الدراهم ، حيث يكون معناه : أخذت بعضها دون بعض ، فيكون معنى قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين أبدا بالشّك) على فرض العموم لا ينقض كلّ يقين ، بل ينقض بعضه دون بعض ، فلا يستفاد من الرواية ـ حينئذ ـ ما هو المطلوب من الكبرى الكلّية.

(وفيه : إنّ العموم مستفاد من الجنس في حيّز النفي ... إلى آخره).

وجواب الإيراد المذكور يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي :

هناك فرق بين العموم الثابت قبل دخول النفي أو النهي ، كقولك : أخذت كلّ الدراهم ، وبين العموم الثابت من جهة دخول النفي ، كقولك : لا رجل في الدار ، حيث إنّ النفي في المثال الأوّل ، كقولك : ما أخذت كلّ الدراهم ، يدلّ على سلب العموم فيفيد سلبا جزئيّا كما عرفت ، وفي المثال يدلّ على عموم السلب فيفيد سلبا كليّا.

ومن هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ النفي في المقام يدلّ على عموم السلب ، لكونه من القسم الثاني الذي جاء العموم من جانب النفي ، لأنّ نفي الجنس يستلزم الاستغراق للأفراد ، فيقتضي نفي جميع الأفراد.

قوله : (ولو كان (اللام) لاستغراق الأفراد ... إلى آخره).

دفع لما قد يتوهّم من أنّ العموم في المقام من القسم الأوّل وهو العموم الثابت قبل دخول النفي ، وذلك فيما إذا كان (اللام) في (اليقين) لاستغراق الأفراد ، فيدلّ النفي ـ حينئذ ـ على سلب العموم لا على عموم السلب ، ويفيد سلبا جزئيّا ، كما هو المذكور في تقريب الإيراد.

وحاصل الدفع : إنّ المقام قرينة على أنّ المراد هو عموم النفي لا نفي العموم ، وهي كون

٣٥٨

هو إرادة عموم النفي ، لا نفي العموم.

وقد اورد على الاستدلال بالصحيحة بما لا يخفى جوابه على الفطن ، والمهمّ في هذا الاستدلال إثبات إرادة الجنس من اليقين.

ومنها : صحيحة اخرى لزرارة مضمرة أيضا : قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني ، فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك؟

قال عليه‌السلام : (تعيد الصلاة وتغسله). قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه

____________________________________

المقام مقام ضرب القاعدة ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(بقرينة المقام والتعليل وقوله (أبدا) هو إرادة عموم النفي).

لأنّ مقتضى التعليل والتأكيد بقوله : (أبدا) هو إعطاء القاعدة الكلّية وإرادة السلب الكلّي لا السلب الجزئي ، إذ التعليل يقتضي التعدّي والتعميم ، فالمقام ، أي : كون الإمام عليه‌السلام في مقام بيان حرمة نقض اليقين بالشكّ يقتضي العموم.

(وقد اورد على الاستدلال بالصحيحة بما لا يخفى جوابه على الفطن).

ككونها مضمرة وخبرا واحدا ، فلا يجوز الاستدلال بها على إثبات ما هو من المسائل الاصوليّة ، أو إنّها لو دلّت على اعتبار الاستصحاب لمنعت من اعتبار نفسها ، لأنّ صدورها عن المعصوم عليه‌السلام مشكوك ، ومقتضى الاستصحاب هو عدم الصدور ، وما يستلزم من وجوده عدمه فهو محال.

أو أنّ مضمون الرواية هو اجتماع اليقين والشكّ في زمان واحد وهو محال ، أو أنّ (اللام) في (اليقين) للعهد فلا تدلّ الرواية على حجيّة الاستصحاب في جميع الأبواب ، وغيرها من الإيرادات الواهية التي تندفع بالتأمّل. هذا تمام الكلام في الصحيحة الاولى.

(ومنها : صحيحة اخرى لزرارة مضمرة أيضا).

وهذه الصحيحة وإن كانت مشتملة على مسائل متعدّدة ، إلّا أنّ ما يمكن الاستدلال به منها هي المسألة الثالثة والأخيرة ، فلا بدّ أوّلا من ذكرها تماما فنقول :

(قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المنيّ ، فعلّمت أثره إلى أن اصيب له الماء ، فحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصليت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك؟

٣٥٩

فطلبته ولم أقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته؟ قال عليه‌السلام : (تغسله وتعيد).

قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصلّيت فيه فرأيت ما فيه؟ قال : (تغسله ولا تعيد الصلاة). قلت : لم ذلك؟

قال : (لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا).

قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فأغسله؟ قال : (تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك) ، قلت : فهل عليّ إن شككت أنّه أصابه شيء أن انظر فيه؟

قال : (لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع من نفسك) ، قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟

قال : (تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي

____________________________________

قال عليه‌السلام : (تعيد الصلاة وتغسله). قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه فطلبته ولم أقدر عليه فلمّا صليت وجدته؟ قال عليه‌السلام : (تغسله وتعيد).

قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصلّيت فيه فرأيت ما فيه؟ قال عليه‌السلام : (تغسله ولا تعيد الصلاة). قلت : لم ذلك؟

قال عليه‌السلام : (لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت ، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا).

قلت : فإنّي قد علمت أنّه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله؟

قال : (تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك).

قلت : فهل عليّ إن شككت أنّه أصابه شيء أن انظر فيه؟

قال : (لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب بالشكّ الذي وقع من نفسك). قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة؟

قال : (تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثم رأيته رطبا ، قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة ، لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي

٣٦٠