دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

الفعل والترك توصّليّا على تقدير الاعتبار ، وإلّا فيلزم من العمل بالأصلين مخالفة عمليّة ، كما لا يخفى.

والتحقيق : أنّه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، وعدم حرمة المخالفة القطعيّة للواقع إذا لم تكن عمليّة ، فالأقوى التخيير هنا ، وإلّا تعيّن الجمع بتكرار العبادة ، ووجهه يظهر ممّا ذكرنا.

____________________________________

الفعل والترك توصّليّا على تقدير الاعتبار) ؛ لأنّ نفي كلّ واحد منهما بالأصل لا يكون مستلزما للمخالفة العمليّة القطعيّة ؛ لأنّ المكلّف لا يخلو عن الفعل أو الترك.

(وإلّا فيلزم من العمل بالأصلين مخالفة عمليّة ، كما لا يخفى) ، أي : وإن لم يكن كلّ منهما توصّليّا ، بأن كان كلّ منهما تعبّديّا أو أحدهما المعيّن تعبّديّا ، لزمت مخالفة عمليّة من إعمال الأصل في نفي وجوب كلّ منهما على ما في الأوثق.

أمّا لزومها على الأوّل فواضح ؛ وذلك لأنّ المكلّف وإن لم يخلّ من الفعل والترك ، إلّا أنّه إذا أتى بكلّ منهما من دون قصد القربة تحققت المخالفة العمليّة القطعيّة.

وأمّا على الثاني فإنّ الفعل إن كان على تقدير وجوبه تعبّديّا ، والترك على تقدير وجوبه توصّليّا ، فالمخالفة العمليّة إنّما تلزم إذا أتى بالفعل من دون قصد القربة ، وبالعكس في ما إذا كان الترك بناء على وجوبه التعبّدي.

(والتحقيق : أنّه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، وعدم حرمة المخالفة القطعيّة للواقع إذا لم تكن عمليّة ، فالأقوى التخيير هنا).

وحاصل الكلام في القول بالتفصيل ، هو ابتناء هذه المسألة على مسألة الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، فيرجع إلى البراءة المستلزمة للتخيير في هذه المسألة على تقدير القول بها في تلك المسألة ، وإلى الاحتياط إن قيل به هناك.

فقد علم إلى الآن ثلاثة أقوال :

الأوّل : هو الرجوع إلى البراءة ، وبعبارة المتن إلى التخيير مطلقا.

والثاني : هو الرجوع إلى الاحتياط.

والثالث : هو التفصيل (ووجهه يظهر ممّا ذكرنا).

أي : وجه التفصيل المذكور يظهر ممّا ذكرنا من أنّ العلم الإجمالي في المقام يكون

١٠١

____________________________________

كالعدم بعد عدم إمكان المخالفة القطعيّة العمليّة ، وعدم قادحيّة المخالفة القطعيّة الالتزاميّة ، مضافا إلى لزوم الإخلال بقصد الوجه ، فيكون الشكّ في كلّ من الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والزيادة ، شكّا مستقلّا بدويّا ، فيرجع في كلّ منها إلى ما تقتضيه القاعدة في باب الشكّ في الجزئيّة.

فإن قلنا فيه بالبراءة ، نقول بها هنا أيضا ، وإن قلنا فيه بالاحتياط ، أو قلنا بحرمة المخالفة الالتزاميّة كالعمليّة ، فنقول به هنا أيضا.

وقد يقال بوجوب التزام أحد الحكمين ، وإلّا فتلزم المخالفة العمليّة التدريجيّة ، وهي أيضا محرّمة إذا لم يلتزم في كلّ واقعة بحكم ظاهري ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته بتصرّف.

هذا تمام الكلام في المطلب الأوّل والثاني. وبعده يقع الكلام في المطلب الثالث وهو اشتباه الواجب بالحرام.

* * *

١٠٢

المطلب الثالث

في اشتباه الواجب بالحرام

بأن يعلم أنّ أحد الفعلين واجب والآخر محرّم واشتبه أحدهما بالآخر.

وأمّا لو علم أنّ واحدا من الفعل والترك واجب والآخر محرّم ، فهو خارج عن هذا المطلب ، لأنّه من دوران الأمر بين الوجوب والحرمة الذي تقدّم حكمه في «المطلب الثالث» من مطالب الشكّ في التكليف.

والحكم في ما نحن فيه وجوب الإتيان بأحدهما وترك الآخر مخيّرا في ذلك.

____________________________________

(المطلب الثالث : في اشتباه الواجب بالحرام).

وقبل الخوض في البحث لا بدّ من تحرير محلّ النزاع.

فنقول : إنّ محلّ الكلام هو ما إذا تعدّد الموضوع ، بأن يكون هناك فعلان كصلاة الجمعة والظهر يوم الجمعة فرضا ، ويكون أحدهما واجبا والآخر حراما ، ثمّ اشتبه الواجب بالحرام ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(بأن يعلم أنّ أحد الفعلين واجب والآخر محرّم واشتبه أحدهما بالآخر).

وأمّا إذا اتحد الموضوع ، بأن دار أمر فعل واحد بين كونه واجبا أو حراما ، فهو خارج عن محلّ الكلام ؛ لأنّه داخل في مسألة الشكّ في التكليف ، كما أشار إليه بقوله :

(وأمّا لو علم أنّ واحدا من الفعل والترك واجب والآخر محرّم ، فهو خارج عن هذا المطلب).

وظاهر كلام المصنّف هو الحكم بالتخيير في المقام مطلقا ، سواء كانت الشبهة حكميّة بأن يكون منشأ الاشتباه هو فقدان النصّ أو إجماله أو تعارضه ، أو كانت موضوعيّة بأن كانت الشبهة ناشئة عن الامور الخارجيّة.

وكيف كان ، فالمطلب الثالث هذا ـ أيضا ـ مشتمل على المسائل الأربع ، إلّا أنّ الحكم في الجميع هو التخيير عند المصنّف قدس‌سره ، ولذا ترك البحث عن كلّ مسألة مستقلّا.

ونحن نذكر هنا جدولا مشتملا على المسائل الأربع مع أمثلتها تسهيلا للمحصّلين ، فعليك بالجدول :

١٠٣

____________________________________

جدول المطلب الثالث

١٠٤

لأنّ الموافقة الاحتماليّة في كلا التكليفين أولى من الموافقة القطعيّة في أحدهما مع المخالفة القطعيّة في الآخر ، ومنشأ ذلك أنّ الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع ، والله أعلم.

____________________________________

قوله : (لأنّ الموافقة الاحتماليّة في كلا التكليفين أولى من الموافقة القطعيّة في أحدهما مع المخالفة القطعيّة في الآخر) بيان لوجه التخيير ، لأنّ الاحتمالات تنحصر في ثلاث :

الأوّل : ترك أحدهما وفعل الآخر.

والثاني : فعلهما معا.

والثالث : تركهما معا.

ففي الأوّل : تحتمل الموافقة في كلا التكليفين ، وفي الثاني تحصل الموافقة القطعيّة بالنسبة إلى الواجب ، والمخالفة القطعيّة بالنسبة إلى الحرام ، وفي الثالث عكس الثاني ، وكلّ من الاحتمال الثاني والثالث مستلزم للمخالفة القطعيّة من جهة ، والموافقة القطعيّة من جهة اخرى.

ويقول المصنّف قدس‌سره : إنّ الموافقة الاحتماليّة في كلا التكليفين أولى من الموافقة القطعيّة في أحدهما مع المخالفة القطعيّة في الأخرى ، فالأخذ بالاحتمال الأوّل أولى ، إذ فيه احتمال الموافقة لكلا التكليفين ، فتأمّل!!.

١٠٥

خاتمة

فيما يعتبر في العمل بالأصل

والكلام ، تارة في الاحتياط ، واخرى في البراءة.

____________________________________

(خاتمة : فيما يعتبر في العمل بالأصل : والكلام تارة في الاحتياط ، وأخرى في البراءة).

لم يتعرّض المصنّف قدس‌سره في الخاتمة إلّا إلى ما يعتبر في الاحتياط والبراءة ، مع أنّ الاصول العمليّة أربعة ، وقد أهمل المصنّف قدس‌سره ما يعتبر في التخيير والاستصحاب ، ولعلّ الوجه في ذلك هو أنّ التخيير متحد مع البراءة حكما ، فيعرف ما يعتبر فيه ممّا يعتبر فيها ، وقد يبحث في موضوع البراءة.

وأمّا الاستصحاب ، فلأنّ البحث عنه وعمّا يعتبر فيه يأتي في باب الاستصحاب ، من دون حاجة إلى ذكر ما يعتبر فيه قبل بابه.

قال المرحوم غلام رضا قدس‌سره في هذا المقام معلّقا على كلام المصنّف قدس‌سره : «أقول :

إنّ الاصول العمليّة وإن كانت أربعة ، لكنّ محلّ الكلام في المقام إنّما هو الاحتياط والبراءة دون الباقي.

أمّا الاستصحاب ، فلأنّ الكلام في شرائطه مشروحا يأتي في بابه ، وأمّا التخيير فإن كان شرعيّا ، فهو أيضا ليس في هذا الباب محلّ ذكره لكي يتكلّم فيه عن شرطه ، وإن كان عقليّا فهو ، وإن كان البحث عنه وقع في هذا الباب ، ويكون الفحص شرطا لتحقّق موضوعه ، فإنّ العقل لا يحكم بالتخيير إلّا بعد حصول التحيّر ، وتحقّق هذا الموضوع مشروط بالفحص ، إلّا أنّ المصنّف قدس‌سره ترك ذكره ثقة بأنّ ثبوت هذا الشرط له بمكان من الوضوح ، ولذا ما وقع الخلاف فيه من أحد». انتهى.

١٠٦

الاحتياط

أمّا الاحتياط : فالظاهر أنّه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقّق موضوعه ، ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به ، ولو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه ، فإنّ قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه ، لعموم أدلّة رجحان الاحتياط ، غاية الأمر عدم وجوب الاحتياط وهذا ممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.

إنّما الكلام يقع في بعض الموارد من جهة تحقّق موضوع الاحتياط وإحراز الواقع ، كما في العبادات المتوقفة صحّتها على نيّة الوجه ، فإنّ المشهور أنّ الاحتياط فيها غير متحقق إلّا بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعيّة المثبتة لوجه الفعل وعدم عثوره على طريق منها ،

____________________________________

(أمّا الاحتياط : فالظاهر أنّه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقّق موضوعه) وهو إتيان ما يحتمل أن يكون مطلوبا برجاء المطلوبيّة ، أو ترك ما يحتمل أن يكون تركه مطلوبا برجاء مطلوبيّة ذلك الترك.

والأوّل في الشبهة الوجوبيّة والثاني في الشبهة التحريميّة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ويكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به) ، ثمّ إحراز الواقع بالاحتياط في دوران الواجب بين المتباينين ، يتحقّق بالتكرار ، وفي دورانه بين الأقلّ والأكثر يحصل بإتيان الأكثر ، وفي مورد الشكّ البدوي يحصل بإتيان محتمل الوجوب وترك محتمل الحرمة ، كما عرفت.

فيكون مرجع ما ذكره المصنّف قدس‌سره ـ من عدم اعتبار شيء في العمل بالاحتياط سوى تحقّق موضوعه ـ إلى أنّ وجوب الفحص في الاحتياط شرط لتحقّق موضوعه ، لا العمل به ، وهذا بخلاف وجوب الفحص في البراءة حيث يكون شرطا لجريانها والعمل بها. هذا كلّه في التعبّديّات.

وأمّا التوصّليّات فلا كلام في تحقّق موضوع الاحتياط قبل الفحص.

(إنّما الكلام يقع في بعض الموارد).

أي : موارد العبادات حيث يمكن أن يقال بعدم تحقّق موضوعه فيها قبل الفحص ، لكون صحتها متوقفة على نيّة الوجه ، فيجب حينئذ على المجتهد الفحص (عن الطرق

١٠٧

لأنّ نيّة الوجه حينئذ ساقطة قطعا.

فإذا شكّ في وجوب غسل الجمعة واستحبابه ، أو في وجوب السورة واستحبابها ، فلا يصحّ له الاحتياط بإتيان الفعل قبل الفحص عن الطرق الشرعيّة ، لأنّه لا يتمكّن من الفعل بنيّة الوجه.

والفعل بدونها غير مجد ، بناء على اعتبار نيّة الوجه لفقد الشرط ، فلا يتحقّق قبل الفحص إحراز الواقع.

فإذا تفحّص فإن عثر على دليل الوجوب أو الاستحباب أتى بالفعل ناويا لوجوبه أو استحبابه ، وإن لم يعثر عليه فله أن يعمل بالاحتياط ، لأنّ المفروض سقوط نيّة الوجه ، لعدم تمكّنه منها ، وكذا لا يجوز للمقلّد الاحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده ، نعم ، يجوز له بعد الفحص.

ومن هنا اشتهر بين أصحابنا : «إنّ عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد غير صحيحة

____________________________________

الشرعيّة المثبتة لوجه الفعل) ثمّ إتيانه مع نيّة الوجه إن قام عليه الدليل ، إذ لا يصدق الاحتياط على إتيان ما يحتمل أن يكون واجبا تعبّديا قبل الفحص ؛ وذلك لانتفاء قصد الوجه المعتبر ، وإلّا فتسقط نيّة الوجه ، ويصدق الاحتياط على إتيان محتمل الوجوب بعد الفحص لسقوط نيّة الوجه حينئذ.

ويتفرّع على هذا قول المصنّف قدس‌سره : (فإذا شكّ في وجوب غسل الجمعة واستحبابه ، أو في وجوب السورة واستحبابها).

والأوّل مثال للشكّ في التكليف المستقل ، والثاني للشكّ في التكليف الضمني ، وعلى كلا التقديرين (فلا يصحّ له الاحتياط بإتيان الفعل قبل الفحص عن الطرق الشرعيّة) لما تقدّم من عدم صدق الاحتياط بدون قصد الوجه المعتبر ، مع تمكّن المكلّف من إتيان الفعل مع نيّة الوجه بعد التفحص ، (فلا يتحقّق قبل الفحص إحراز الواقع) ، وحينئذ لا يجوز للمجتهد الأخذ بالاحتياط قبل الفحص عن الأدلّة الشرعيّة.

(وكذا لا يجوز للمقلّد الاحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده ، نعم ، يجوز له بعد الفحص) ، أي : يجوز للمقلّد الاحتياط بعد الفحص وعدم العثور على فتوى مجتهده.

(ومن هنا اشتهر بين أصحابنا : «إنّ عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد غير صحيحة

١٠٨

وإن علم إجمالا بمطابقتها للواقع ، بل يجب أخذ أحكام العبادات عن اجتهاد أو تقليد» ثمّ إنّ هذه المسألة ـ أعني : بطلان عبادة تارك الطريقين ـ يقع الكلام فيها في مقامين ، لأنّ العامل التارك في عمله لطريقي الاجتهاد والتقليد ، إمّا أن يكون حين العمل بانيا على الاحتياط وإحراز الواقع ، وإمّا أن لا يكون كذلك. فالمتعلّق بما نحن فيه هو الأوّل ، وأمّا الثاني فسيجيء الكلام فيه في شروط البراءة. فنقول : إنّ الجاهل التارك للطريقين الباقي على الاحتياط على قسمين ، لأنّ إحرازه للواقع تارة لا يحتاج إلى تكرار العمل ، كالآتي بالسورة في صلاته احتياطا وغير ذلك من موارد الشكّ في الشرطيّة والجزئيّة ، واخرى يحتاج إلى التكرار ، كما في المتباينين ، كالجاهل بوجوب القصر والإتمام في مسيرة أربعة فراسخ والجاهل بوجوب الظهر أو الجمعة عليه.

____________________________________

وإن علم إجمالا بمطابقتها للواقع ، بل يجب أخذ أحكام العبادات عن اجتهاد أو تقليد» ثمّ إنّ هذه المسألة ـ أعني : بطلان عبادة تارك الطريقين ـ يقع الكلام فيها في مقامين).

المقام الأوّل : هو أنّ تارك الاجتهاد والتقليد ، يعمل بدونهما ، بانيا على الاحتياط.

المقام الثاني : لا يكون كذلك. والمقام الثاني خارج عن المقام وسيأتي الكلام فيه في شروط البراءة.

وأمّا المقام الأوّل فالعمل بالاحتياط فيه :

تارة يكون في الشبهة البدويّة بأن يأتي بما هو محتمل الوجوب رجاء ، ويترك ما هو محتمل الحرمة كذلك.

واخرى في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي.

وواضح أنّه لا إشكال في حسن الاحتياط وصحّة العمل به في الشبهات البدويّة ، والعمل به في الشبهات الوجوبيّة المقرونة بالعلم الإجمالي ، تارة لا يتوقف على التكرار ، كالإتيان بالجزء المشكوك مثلا في دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين.

واخرى يتوقف على التكرار ، كدوران الواجب بين المتباينين.

فيقع الكلام ؛ تارة في صحّة العمل بالاحتياط لتارك طريقي الاجتهاد والتقليد ، وعدم الصحّة فيما لم يكن الاحتياط محتاجا إلى تكرار العمل ، واخرى فيما إذا كان محتاجا إليه.

وقد أشار قدس‌سره إلى صحّة العمل به في الأوّل بقوله :

١٠٩

أمّا الأوّل فالأقوى فيه الصحة ، بناء على عدم اعتبار نيّة الوجه في العمل ، والكلام في ذلك قد حرّرناه في «الفقه» في نيّة الوضوء.

نعم ، لو شكّ في اعتبارها ، ولم يقم دليل معتبر من شرع أو عرف حاكم بتحقّق الإطاعة بدونها ، كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل ، حتى على المختار من إجراء البراءة في الشكّ في الشرطيّة.

____________________________________

(أمّا الأوّل فالأقوى فيه الصحة ، بناء على عدم اعتبار نيّة الوجه في العمل).

والمصنّف قدس‌سره ممّن لا يرى اعتبار قصد الوجه ، فيصح العمل بالاحتياط عنده ، لأنّ العقل والعقلاء يحكمان بحصول الامتثال به ، ولم يثبت المنع شرعا عن سلوك الطريق العقلائي المذكور.

نعم ، لو شكّ في حصول الإطاعة بالاحتياط من جهة الشكّ في اعتبار نيّة الوجه كان مقتضى الاحتياط هو ترك الاحتياط ، والامتثال التفصيلي بالاجتهاد أو التقليد مع نيّة الوجه ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(نعم ، لو شكّ في اعتبارها ، ولم يقم دليل معتبر من شرع أو عرف حاكم بتحقّق الإطاعة بدونها ، كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل) العامل بالاحتياط ، بل الاحتياط في ترك الاحتياط والعمل بالاجتهاد أو التقليد مع نيّة الوجه ؛ لأنّ الشكّ في اعتبارها يرجع إلى الشكّ في حصول الإطاعة بدونها ، ومع الشكّ في حصول الإطاعة يجب الاحتياط ، بأن يأتي بالواجب على وجه يحصل القطع بحصولها الموجب للخروج عن عهدة التكليف.

وبالجملة ، إنّه يجب الاحتياط بالمعنى المذكور في الشكّ في حصول الإطاعة والامتثال (حتى على المختار من إجراء البراءة في الشكّ في الشرطيّة) ؛ وذلك للفرق بين شرائط المأمور به وشرائط امتثال الأمر ، حيث يجب الاحتياط في الثاني دون الأوّل.

ثمّ إنّ اعتبار قصد الوجه من شرائط امتثال الأمر ، لا من شرائط المأمور به ، بل لا يمكن أن يكون من شرائط المأمور به للزوم الدور ؛ لأنّ قصد الوجه يكون من آثار الأمر ، فيكون متأخرا عن تعلّق الأمر بالمأمور به ، ومتوقفا على الأمر ، فكيف يعقل أن يكون من شرائط المأمور به؟ حيث يكون الأمر متوقفا عليه من باب توقف الحكم على متعلّقه.

١١٠

لأنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر الشروط المأخوذة في المأمور به الواقعة في حيّز الأمر ، حتى إذا شكّ في تعلّق الإلزام به من الشارع حكم العقل بقبح المؤاخذة المسبّبة عن تركه والنقل بكونه مرفوعا عن المكلّف ، بل هو على تقدير اعتباره شرط لتحقّق الإطاعة وسقوط المأمور به وخروج المكلّف عن العهدة.

ومن المعلوم أنّ مع الشكّ في ذلك لا بدّ من الاحتياط وإتيان المأمور به على وجه يقطع معه بالخروج عن العهدة.

وبالجملة : فحكم الشكّ في تحقّق الإطاعة والخروج عن العهدة بدون الشيء غير حكم الشكّ في أنّ أمر المولى متعلّق بنفس الفعل لا بشرط ، أو به بشرط كذا ، والمختار في الثاني البراءة والمتعيّن في الأوّل الاحتياط.

لكنّ الإنصاف : إنّ الشكّ في تحقّق الإطاعة بدون نيّة الوجه غير متحقّق ، لقطع العرف بتحقّقها ، وعدّهم الآتي بالمأمور به بنيّة الوجه الثابت عليه في الواقع مطيعا وإن لم يعرفه تفصيلا ، بل لا بأس بالإتيان به بقصد القربة المشتركة بين الوجوب والندب من غير أن يقصد الوجه الواقعي المعلوم للفعل إجمالا.

____________________________________

وبعبارة أخرى إنّ قصد الوجه من آثار الأمر المتقدّم عليه ، فكيف يلاحظ في المأمور به المتقدّم على الأمر؟!

وكيف كان ، فقصد الوجه من شرائط امتثال الأمر ، فيجب الاحتياط فيه وإن قيل بالبراءة في الشكّ في الشرطيّة للفرق المزبور ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(لأنّ هذا الشرط ليس على حدّ سائر الشروط المأخوذة في المأمور به الواقعة في حيّز الأمر) حيث يحكم العقل في باب الإطاعة بوجوب الاحتياط عند الشكّ في حصولها.

(لكنّ الإنصاف : إنّ الشكّ في تحقّق الإطاعة بدون نيّة الوجه غير متحقّق) بل يحصل القطع بالإطاعة من العمل بالاحتياط قبل الفحص ، إذ لا يعتبر في قصد الوجه ـ على تقدير اعتباره في الإطاعة ـ العلم به تفصيلا ، بل يكفي فيه إتيان الفعل بنيّة الوجه الثابت عليه في الواقع.

إلّا أن يقال بأنّ الأولى هو العمل بالاجتهاد أو التقليد مع قصد الوجه تفصيلا ؛ وذلك لشبهة اعتبار نيّة الوجه تفصيلا ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

١١١

وتفصيل ذلك في «الفقه» ، إلّا أنّ الأحوط عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد أو التقليد بالاحتياط ، لشهرة القول بذلك بين الأصحاب.

ونقل غير واحد اتفاق المتكلّمين على وجوب إتيان الواجب والمندوب ، لوجوبه أو ندبه أو لوجههما.

ونقل السيّد الرضي قدس‌سره إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها ، وتقرير أخيه الأجلّ علم الهدى قدس‌سره له على ذلك في مسألة الجاهل بالقصر.

____________________________________

(إلّا أنّ الأحوط عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد أو التقليد بالاحتياط ، لشهرة القول بذلك) ، أي : بعدم كفاية الاحتياط عن الاجتهاد والتقليد ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، أو لشهرة القول بوجوب قصد الوجه ، كما في الأوثق.

(ونقل غير واحد اتفاق المتكلّمين على وجوب إتيان الواجب والمندوب ، لوجوبه أو ندبه أو لوجههما) ، والفرق بين إتيان الفعل لوجوبه أو ندبه ، وبين إتيانه لوجه وجوبه أو ندبه ، هو أنّ المراد من الأوّل هو إتيان الفعل بقصد أنّه واجب أو ندب ، ومن الثاني هو إتيانه بقصد وجوبه أو استحبابه لطفا ، كما في الأوثق ، أو المصلحة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، حيث إنّ المراد بوجه الوجوب أو الندب هو مصلحتهما ، والمقصود في الحقيقة واحد.

وكيف كان فمقتضى اتفاق المتكلّمين على وجوب إتيان الواجب بقصد أنّه واجب هو ترك الاحتياط ، بل يجب العمل بالاجتهاد إن كان مجتهدا ، أو التقليد إن كان مقلّدا هذا هو الإجماع الأوّل.

والإجماع الثاني ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ونقل السيّد الرضي قدس‌سره إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها).

وحاصل الكلام في الإجماع المستفاد من كلام السيّد الرضي وأخيه السيّد المرتضى قدس‌سرهما هو أنّ السيّد المرتضى قدس‌سره قال بصحة صلاة الجاهل بوجوب القصر تماما ، وكذا بصحة صلاة الجاهل بوجوب الجهر إخفاتا ، وبالعكس.

وأخوه السيّد الرضي قدس‌سره قال ببطلان صلاة الجاهل بوجوب القصر تماما ، واستدلّ على

١١٢

بل يمكن أن يجعل هذان الاتفاقان المحكيّان من أهل المعقول والمنقول المعتضدان بالشهرة العظيمة دليلا في المسألة ، فضلا عن كونهما منشأ للشكّ الملزم للاحتياط ، كما ذكرنا.

____________________________________

بطلانها بالإجماع في مقابل أخيه السيّد المرتضى رحمه‌الله.

فسئل أخاه وقال : إنّ الإجماع واقع على أنّ من صلّى صلاة لا يعلم أحكامها ، فهي باطلة وغير مجزية ، والجهل بعدد الركعات جهل بأحكامها ، فلا تكون صلاة الجاهل بوجوب القصر تماما مجزية.

وقد قرّر أخوه السيّد المرتضى قدس‌سره له هذا السؤال ، إلّا أنّه أجاب بخروج صلاة الجاهل في الموضعين المذكورين بالنصّ عن الإجماع المذكور.

فالمستفاد من كلام السيّد الرضي قدس‌سره وتقرير أخيه له ، هو الإجماع على بطلان صلاة الجاهل الصادق على العامل بالاحتياط في المقام ، ويؤيّده نقل الاتفاق أو الشهرة على أنّ عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد باطلة.

(بل يمكن أن يجعل هذان الاتفاقان المحكيّان من أهل المعقول) ، أي : المتكلمين ، كما عرفت إجماعهم على وجوب إتيان الواجب لوجوبه (والمنقول) كالإجماع المتقدّم في كلام السيّد الرضي قدس‌سره (المعتضدان بالشهرة العظيمة دليلا في المسألة ، فضلا عن كونها منشأ للشكّ الملزم للاحتياط) ، أي : الموجب للاحتياط(كما ذكرنا) وتقدّم ذكره في قوله :

(نعم ، لو شكّ في اعتبارها ، ولم يقم دليل معتبر من شرع أو عرف حاكم بتحقّق الإطاعة بدونها ، كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل).

والمتحصّل أنّ مقتضى الإجماعين المذكورين هو بطلان عمل الجاهل العامل بالاحتياط ، فيجب العمل بالاجتهاد أو التقليد.

إلّا أن يقال بعدم جواز التمسّك بالإجماع في المقام ؛ وذلك لأنّ الإجماع منقول وهو غير حجّة ، وعلى فرض اعتباره يكون اعتباره مشروطا بأن يكون كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام ، وذلك بأن لا تكون المسألة التي قام فيها الإجماع عقليّة ، والمسألة في المقام عقليّة ، لكونها راجعة إلى كيفيّة الإطاعة ، فالمدرك فيها منحصر في العقل ، فلا يكون الإجماع فيها كاشفا عن قول الإمام عليه‌السلام حتى يكون حجّة. هذا تمام الكلام فيما لم يتوقّف الاحتياط على التكرار.

١١٣

وأمّا الثاني : وهو ما يتوقّف الاحتياط فيه على تكرار العبادة. فقد يقوى في النظر ـ أيضا ـ جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة ، بناء على عدم اعتبار نيّة الوجه.

لكنّ الإنصاف عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الاحتماليّة ، وقوّة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيليّة في العبادة ، بأن يعلم المكلّف حين الاشتغال بما يجب عليه أنّه هو الواجب عليه.

ولذا يعدّ تكرار العبادة لإحراز الواقع مع التمكّن من العلم التفصيلي به أجنبيّا عن سيرة المتشرّعة.

____________________________________

وأمّا ما يتوقّف فيه الاحتياط على التكرار فقد أشار قدس‌سره إليه بقوله :

(وأمّا الثاني : وهو ما يتوقّف الاحتياط فيه على تكرار العبادة) كدوران الواجب بين المتباينين ، (فقد يقوى في النظر ـ أيضا ـ جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة) ، إذ لا دليل على اعتبار قصد الوجه ليكون مانعا من الاحتياط ، وقد عرفت حكم العقل والعقلاء بحصول الإطاعة بالاحتياط ، وكون الاعتقاد التفصيلي يقيني الكفاية في تحقّق الامتثال لا يوجب تعيّنه أو رجحانه بعد عدم اعتبار التمييز وقصد الوجه.

نعم ، قد يقال بعدم كفاية الاحتياط قبل الفحص بوجوه :

أحدها : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الاحتماليّة ، وقوّة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيليّة في العبادة ، بأن يعلم المكلّف حين الاشتغال بما يجب عليه أنّه هو الواجب عليه).

وذلك لما عرفت سابقا من أنّ الشكّ في اعتبار نيّة الوجه (ليس على حدّ سائر الشروط المأخوذة في المأمور به) حتى يمكن إجراء البراءة فيه ، بل الشكّ فيه يرجع إلى الشكّ في حصول الإطاعة بدونه ، فيجب التحفظ بهذا الشرط كي يحصل اليقين بحصول الإطاعة.

وثانيها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ولذا يعدّ تكرار العبادة لإحراز الواقع مع التمكّن من العلم التفصيلي به أجنبيّا عن سيرة المتشرّعة).

وحاصل الوجه الثاني ، إنّ سيرة المتشرّعة قد جرت على عدم جواز تكرار العبادة لمن يتمكّن من الامتثال التفصيلي.

١١٤

بل من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة ، بأن صلّى في موضع تردّد فيه القبلة بين أربع جهات في خمسة أثواب ، أحدها طاهر ، ساجدا على خمسة أشياء ، أحدها ما يصحّ السجود عليه ، مائة صلاة مع التمكّن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة ، يعدّ في الشرع والعرف لاعبا بأمر المولى.

والفرق بين الصلاة الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصّل.

نعم ، لو كان ممّن لا يتمكّن من العلم التفصيلي ، كان ذلك منه محمودا مشكورا.

وببالي أنّ صاحب الحدائق قدس‌سره قد يظهر منه دعوى الاتفاق على عدم مشروعيّة التكرار مع التمكّن من العلم التفصيلي.

____________________________________

وثالثها : لزوم اللعب بأمر المولى ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(من أتى بصلوات غير محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة ، بأن صلّى في موضع تردّد فيه القبلة بين أربع جهات في خمسة أثواب ، أحدها طاهر ، ساجدا على خمسة أشياء ، أحدها ما يصحّ السجود عليه ، مائة صلاة مع التمكّن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة ، يعدّ في الشرع والعرف لاعبا بأمر المولى).

قوله : (والفرق بين الصلاة الكثيرة وصلاتين لا يرجع إلى محصّل) دفع لما ربّما يتوهّم من الفرق بين الصلوات الكثيرة وصلاتين ، حيث يكون الأوّل لعبا بأمر المولى دون الثاني.

وحاصل الدفع أنّ الفرق المذكور لا يرجع إلى محصّل ، إذ مطلق تكرار العبادة مع تمكّن المكلّف من تركه يعدّ لعبا بأمر المولى أيضا.

(نعم ، لو كان ممّن لا يتمكّن من العلم التفصيلي ، كان ذلك منه محمودا مشكورا).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّه لو كان المكلّف ممّن لا يتمكّن من الامتثال التفصيلي علميّا كان أو ظنيّا ، كان الاحتياط منه محمودا مشكورا.

والظاهر أنّ ذكر العلم التفصيلي يكون من باب المثال ؛ لأنّ الغرض منه هو عدم جواز الرجوع إلى الاحتياط المستلزم للتكرار مع التمكّن من الاجتهاد أو التقليد ، إذ مفروض الكلام هو في عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد والأخذ بالاحتياط ، فيكون المراد من حسن الاحتياط هو حسنه مع عدم التمكّن من مطلق الطريق التفصيلي ، سواء كان علما أو ظنّا.

١١٥

ولقد بالغ الحلّي في السرائر حتى أسقط اعتبار الشرط المجهول تفصيلا ولم يجوّز التكرار المحرز له ، فأوجب الصلاة عاريا على من عنده ثوبان مشتبهان ، ولم يجوّز تكرار الصلاة فيها مع ورود النصّ به ، لكن من طريق الآحاد.

مستندا في ذلك إلى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه ، وكما لا يجوز الدخول في العمل بانيا على إحراز الواقع بالتكرار ، كذا لا يجوز بانيا على الفحص بعد الفراغ ، فإن طابق الواقع وإلّا أعاده.

ولو دخل في العبادة بنيّة الجزم ، ثمّ اتفق له ما يوجب تردّده في الصحّة ووجوب الإتمام ، وفي البطلان ووجوب الاستئناف ، ففي جواز الإتمام بانيا على الفحص بعد الفراغ والإعادة مع المخالفة وعدمه ، وجهان : من اشتراط العلم بالصحّة حين العمل كما ذكرنا ، ولذا لم يجوّز هذا من أوّل الأمر.

____________________________________

(ولقد بالغ الحلّي في السرائر حتى أسقط اعتبار الشرط المجهول) كالستر ، (فأوجب الصلاة عاريا على من عنده ثوبان مشتبهان ، ولم يجوّز تكرار الصلاة فيها مع ورود النصّ به) ، أي : بالتكرار من طريق أخبار الآحاد ، وهو لا يعمل به.

(مستندا في ذلك) في عدم جواز التكرار(إلى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه ، وكما لا يجوز الدخول في العمل بانيا على إحراز الواقع بالتكرار ، كذا لا يجوز) الدخول في العمل (بانيا على الفحص بعد الفراغ ، فإنّ طابق الواقع) فهو (وإلّا أعاده) ؛ لأنّ الباني على الفحص بعد الفراغ ـ أيضا ـ كالعامل بالاحتياط قد أخلّ بقصد الوجه.

ثمّ نذكر شرح ما بقي من كلام المصنّف قدس‌سره طبقا لما في شرح الأستاذ الاعتمادي دام ظله العالي تتميما للفائدة.

(ولو دخل في العبادة بنيّة الجزم) بالصحة (ثمّ اتفق له ما يوجب تردّده في الصّحة ووجوب الإتمام ، وفي البطلان ووجوب الاستئناف) كالاستدبار والتجشؤ ، وغير ذلك من الخلل الاحتمالي بالفرض.

(ففي جواز الإتمام بانيا على الفحص بعد الفراغ والإعادة مع المخالفة وعدمه) ، أي : عدم جواز الإتمام (وجهان :) ، وقد أشار إلى عدم جواز الإتمام بقوله :

(من اشتراط العلم بالصحّة حين العمل كما ذكرنا) من اعتبار التمييز وقصد الوجه ،

١١٦

وبعبارة اخرى : الجزم بالنيّة معتبر في الاستدامة كالابتداء.

ومن أنّ المضي في العمل ولو متردّدا بانيا على استكشاف حاله بعد الفراغ ، محافظة على عدم إبطال العمل المحتمل حرمته واقعا على تقدير صحّته ، ليس بأدون من الإطاعة التفصيليّة ولا يأباه العرف ولا سيرة المتشرّعة.

وبالجملة : فما اعتمد عليه في عدم جواز الدخول في العمل متردّدا من السيرة العرفيّة والشرعيّة غير جار في المقام.

ويمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردّد في الصحّة ممّا وجب على المكلّف تعلّم حكمه قبل الدخول في الصلاة لعموم البلوى ، كأحكام الخلل الشائع وقوعها وابتلاء المكلّف بها ، فلا يجوز لتارك معرفتها إذا حصل له التردّد في الأثناء ، المضي والبناء على الاستكشاف بعد الفراغ ؛ لأنّ التردّد حصل من سوء اختياره ، فهو في مقام الإطاعة كالداخل في العمل متردّدا ، وبين كونه ممّا لا يتفق إلّا نادرا.

____________________________________

(ولذا لم يجوّز هذا) ، أي : التردّد في الصحّة (من أوّل الأمر).

وقد أشار إلى جواز الإتمام بقوله :

(ومن أنّ المضي في العمل ولو متردّدا بانيا على استكشاف حاله بعد الفراغ ، محافظة على عدم إبطال العمل المحتمل حرمته) ، أي : إبطال العمل (واقعا على تقدير صحّته ، ليس بأدون من الإطاعة التفصيليّة).

فيجوز حينئذ إتمام العمل ، وما دلّ على عدم جواز الدخول في العمل متردّدا لا يجري فيما حصل التردّد في أثناء العمل والمقام من هذا القبيل.

(ويمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردّد في الصحّة ممّا وجب على المكلّف تعلّم حكمه قبل الدخول في الصلاة لعموم البلوى ، كأحكام الخلل الشائع وقوعها وابتلاء المكلّف بها) كالشكوك الصلاتيّة فإنّها ممّا يبتلي به العموم ، فيجب على كلّ مكلّف تعلّمه قبل الصلاة.

(فلا يجوز لتارك معرفتها إذا حصل له التردّد في الأثناء ، المضي والبناء على الاستكشاف بعد الفراغ ... إلى آخره).

إلى أن قال : (وبين كونه ممّا لا يتفق إلّا نادرا) كإنقاذ الغريق وقتل الحيّة.

١١٧

ولأجل ذلك لا يجب تعلّم حكمه قبل الدخول ، للوثوق بعدم الابتلاء غالبا ، فيجوز هنا المضي في العمل على الوجه المذكور ، هذا بعض الكلام في الاحتياط.

____________________________________

(ولأجل ذلك لا يجب تعلّم حكمه قبل الدخول ، للوثوق بعدم الابتلاء غالبا ، فيجوز هنا المضي في العمل على الوجه المذكور) من البناء على الفحص والسؤال بعد الإتمام ، فإن صح ، فهو ، وإلّا أعاده ، هكذا في شرح الاستاذ الاعتمادي.

١١٨

البراءة

وأمّا البراءة : فإن كان الشكّ الموجب للرجوع إليها من جهة الشبهة في الموضوع ، فقد تقدّم أنّها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها ، وإن كان من جهة الشبهة في الحكم الشرعي.

فالتحقيق : أنّ ليس لها إلّا شرط واحد ، وهو الفحص عن الأدلّة الشرعيّة.

والكلام يقع تارة في أصل الفحص واخرى في مقداره.

أمّا وجوب أصل الفحص : وحاصله عدم معذوريّة الجاهل المقصّر في التعلّم ، فيدلّ عليه وجوه :

____________________________________

(وأمّا البراءة : فإن كان الشكّ الموجب للرجوع إليها من جهة الشبهة في الموضوع ، فقد تقدّم أنّها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها ... إلى آخره).

وحاصل الكلام ، هو أنّ الكلام في البراءة ؛ تارة يقع في الشبهة الموضوعيّة ، واخرى في الشبهة الحكميّة.

أمّا الرجوع إليها في الشبهة الموضوعيّة ، فليس مشروطا بالفحص عن الدليل المزيل للشبهة ، كالسؤال عن أهل الخبرة مثلا ؛ وذلك لدلالة النقل والعقل على عدم اعتبار الفحص في الرجوع إليها في الشبهة الموضوعيّة.

وأمّا الرجوع إليها في الشبهة الحكميّة ، فمشروط بشرط واحد ، وهو الفحص عن الأدلّة الشرعيّة ، ولذلك وقع الكلام فيها ؛ تارة في أصل الفحص ، واخرى في مقداره.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الأوّل بقوله :

(أمّا وجوب أصل الفحص : وحاصله عدم معذوريّة الجاهل المقصّر في التعلّم) سواء قطع بأنّه لو تفحّص علم أو احتمل ذلك ، وإن كان في علم الله عاجزا ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

ثمّ اعتبار الفحص في البراءة العقليّة لا يحتاج إلى الدليل ، إذ لا يتحقّق موضوعها وهو عدم البيان إلّا بعد الفحص ، وإنّما المحتاج إليه اعتباره في البراءة الشرعيّة فقط ، (فيدلّ عليه وجوه :

١١٩

الأوّل : الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلّة.

الثاني : الأدلّة الدالّة على وجوب تحصيل العلم ، مثل آيتي النفر للتفقّه وسؤال أهل الذكر ، والأخبار الدالّة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقّه ، والذمّ على ترك السؤال.

____________________________________

الأوّل : الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلّة). قد قام الإجماع على اعتبار أصل الفحص في العمل بأصل البراءة في الشبهات الحكميّة ، من دون فرق بين الشبهة التحريميّة والوجوبيّة.

إلّا أن يقال : إنّ قيام الإجماع في المقام لا يكشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، إمّا لكون المسألة عقليّة ، حيث يكون الحاكم بعدم معذوريّة الجاهل فيها هو العقل ، ومن المعلوم أنّ الإجماع في المسألة العقليّة لا يكون كاشفا عن رضا الشارع ، لاحتمال أن يكون المنشأ في نظر المجمعين هو الحكم العقلي.

وإمّا لاحتمال اتكاء المجمعين على أحد هذه الوجوه والمدارك المذكورة في الاصول ، ومن المعلوم أنّ الإجماع الذي يحتمل استناده إلى بعض الوجوه المذكورة لا يكون حجّة ، لعدم كونه كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام.

(الثاني : الأدلّة الدالّة على وجوب تحصيل العلم ، مثل آيتي النفر للتفقّه وسؤال أهل الذكر) ، وقد تقدّم تقريب دلالتهما على وجوب تحصيل العلم المستلزم لحجيّة أخبار الآحاد في مسألة أخبار الآحاد.

(والأخبار الدالّة على وجوب تحصيل العلم وتحصيل التفقّه).

كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (طلب العلم فريضة على كلّ مسلم) (١).

(والذمّ على ترك السؤال).

كما في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام لحمران بن أعين في شيء سأله : (إنّما يهلك الناس لأنّهم لا يسألون) (٢) ، كما في الأوثق.

وتقريب الجميع على وجوب الفحص ، هو أنّ الظاهر من الجميع أنّه لو جاز الرجوع

__________________

(١) الكافي ١ : ٣١ / ذيل ٥. الوسائل ٢٧ : ٢٦ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٤ ، ح ١٨.

(٢) الكافي ١ : ٤٠ / ٢.

١٢٠