دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

المترتّبة على الشيء المنسي لو لا النسيان ؛ فإنّه لو ترك السورة لا للنسيان يترتّب حكم الشارع عليه بالفساد ووجوب الإعادة ، وهذا مرفوع مع ترك السورة نسيانا.

وإن شئت قلت : إنّ جزئيّة السورة مرتفعة حال النسيان.

قلت ـ بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ـ : إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ، بل هي كلّيّة الكلّ.

____________________________________

الخطأ والنسيان ...) بناء على أنّ المقدّر ليس خصوص المؤاخذة ، بل جميع الآثار الشرعيّة ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال ، هو أنّ مقتضى الأصل الأوّلي وإن كان هو الفساد لما تقدّم من أصالة عدم كفاية ما أتى به الناسي عن الواقع ، إلّا أنّ مقتضى الأصل الثانوي كحديث الرفع مثلا هو الصحة ، بناء على أنّ الحديث يرفع جميع الآثار لا خصوص المؤاخذة ؛ لأنّ رفع خصوص المؤاخذة لا يوجب صحّة عمل الناسي ، ولا يثبت عدم وجوب الإعادة ، أمّا على التعميم فيمكن التمسّك بالحديث لنفي وجوب الإعادة ؛ لأنّ وجوب الإعادة أثر من آثار ترك الجزء ، وقد رفع بحديث الرفع عن الناسي.

(وإن شئت قلت : إنّ جزئيّة السورة مرتفعة حال النسيان) ، فالواجب في حقّ الناسي هي الصلاة بلا سورة ، فيكون ما أتى به مطابقا لما هو المأمور به ، وهو معنى الصحّة في العبادات.

(قلت ـ بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار ـ : إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا ، بل هي ككلّيّة الكلّ) وما ذكره المصنّف قدس‌سره في الجواب يرجع إلى وجهين :

الأوّل : عدم تسليم إرادة التعميم فيما هو المقدّر المرفوع بحديث الرفع ، بل المرفوع هو خصوص المؤاخذة ، فلا يمكن ـ حينئذ ـ التمسّك بحديث الرفع لإثبات صحة عمل الناسي ؛ لأنّ رفع المؤاخذة لا يوجب صحة العمل.

والوجه الثاني : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة) للسورة شرعا حتى ترفع بحديث الرفع على فرض إرادة التعميم من الحديث ، إذ أنّ الشارع يرفع بالحديث ما هو مجعول له ، ولا يرفع ما كان جعله ليس بيده ، وجزئيّة السورة

٢١

وإنّما المجعول الشرعي وجوب الكلّ ، والوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية ، ووجوب الإعادة بعد التذكّر مترتّب على الأمر الأوّل لا على ترك السورة.

____________________________________

ليست مجعولة شرعا ، ولذلك لا يمكن التمسّك بالحديث لرفعها حال النسيان.

(وإنّما المجعول الشرعي وجوب الكلّ ، والوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية ، ووجوب الإعادة بعد التذكّر مترتّب على الأمر الأوّل لا على ترك السورة) حتى يتمسّك بالحديث على نفيه بالنسبة إلى الناسي.

ونورد هنا ما جاء في تعليقة المرحوم غلام رضا قدس‌سره فإنّه لا يخلو من فوائد ، حيث قال في شرح كلام المصنّف قدس‌سره (إنّ جزئيّة السورة ليست من الأحكام المجعولة) ما هذا نصه :

أقول : شرح كلامه بحيث يفي بمرامه ، أنّ الجزئيّة ليست إلّا من المنتزعات كالكلّيّة حتى على القول بثبوت الجعل في الأحكام الوضعيّة ، فلا يرتفع بالحديث الشريف.

وإن اريد بالأثر المرتفع وجوب الإعادة ففيه أنّه أثر عقلي ؛ لأنّه عبارة عن وجوب الامتثال الثابت من قبل العقل ، فإنّه لا يفرّق في حكمه بذلك بين ما إذا لم يأت بالمأمور به رأسا أو أتى به فاقدا للجزء ، فإنّه في كلا الحالتين يحكم بوجوب الامتثال ، وإذ قد علم أنّه أثر عقلي فلا يكون الحديث المزبور ناظرا إلى رفعه ، ولو سلّم كونه حكما شرعيّا فهو مترتّب على مخالفة المأمور به للمأتي به وهي ليست من الآثار الشرعيّة.

وإن اريد بالأثر المرتفع وجود الأمر الأوّل بأن يقال : إن النسيان سبب لترك الجزء ، كيف والمفروض ثبوت الداعي له على الإتيان ، وترك الجزء سبب لترك الكلّ وهو سبب لبقاء الأمر الأوّل ، وهو من المجعولات القابلة للارتفاع في الزمان الثاني.

ففيه : إنّ الآثار المرفوعة في هذا الخبر نظير الآثار الثابتة للمستصحب ، فكما أنّ الاستصحاب لا يثبت الآثار مع الواسطة ولو كانت شرعيّة فكذلك الخبر المزبور أيضا لا يرفعها ، ولا يختصّ ذلك بهما ، بل جميع التنزيلات الشرعيّة عدا الطرق من هذا القبيل ؛ وذلك لأنّ دلالتها على الآثار رفعا وإثباتا ليست إلّا من باب دلالة الاقتضاء المنتهية إلى الدلالات الالتزاميّة التي لا إطلاق لها حتى يأخذ به.

٢٢

ودعوى : «أنّ ترك السورة سبب لترك الكلّ الذي هو سبب وجود الأمر الأوّل ؛ لأنّ عدم الرافع من أسباب البقاء ، وهو من المجعولات القابلة للارتفاع في الزمان الثاني.

فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الجزء ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الكلّ ، ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو وجود الأمر في الزمان الثاني».

مدفوعة بما تقدّم في بيان معنى الرواية في الشبهة التحريميّة في الشكّ في أصل التكليف ، من أنّ المرفوع في الرواية الآثار الشرعيّة الثابتة لو لا النسيان ، لا الآثار الغير الشرعيّة ولا ما يترتّب على هذه الآثار من الآثار الشرعيّة.

فالآثار المرفوعة في هذه الرواية نظير الآثار الثابتة للمستصحب بحكم أخبار الاستصحاب ، في أنّها هي خصوص الآثار الشرعيّة المجعولة للشارع دون الآثار العقليّة والعاديّة ، ودون ما يترتّب عليها من الآثار الشرعيّة.

____________________________________

فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن ، وهو ليس إلّا الآثار الشرعيّة المترتّبة على الشيء بلا واسطة. انتهى.

(ودعوى : «أنّ ترك السورة سبب لترك الكلّ الذي هو سبب وجود الأمر الأوّل ؛ لأنّ عدم الرافع من أسباب البقاء» ... إلى آخره).

وحاصل تقريب الدعوى كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ وجود الأمر الأوّل يكون من الآثار الشرعيّة المترتّبة على ترك السورة لكن مع الواسطة ؛ لأنّ النسيان سبب لترك السورة وترك السورة سبب لترك الكلّ الذي هو سبب وجود الأمر الأوّل ؛ لأنّ عدم الرافع من أسباب البقاء ، فإتيان الكلّ سبب لارتفاع الأمر الأوّل ، وتركه سبب لبقائه ، وبقاؤه سبب لوجوب الإعادة.

(فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الجزء) فكأنّه لم يترك.

(ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو ترك الكلّ) فكأنّه لم يترك.

(ومعنى رفعه رفع ما يترتّب عليه وهو وجود الأمر في الزمان الثاني) فكأنّه سقط ، ومعنى رفعه رفع وجوب الإعادة ، وهو المطلوب.

(مدفوعة بما تقدّم في بيان معنى الرواية في الشبهة التحريميّة في الشكّ في أصل التكليف ، من أنّ المرفوع في الرواية الآثار الشرعيّة الثابتة لو لا النسيان) ، كوجوب الكفّارة المترتّب

٢٣

نعم لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أنّ نسيانه كعدم نسيانه ، أو أنّه لا حكم لنسيان السورة مثلا ، وجوب حمله ـ تصحيحا للكلام ـ على رفع الإعادة وإن لم يكن أثرا شرعيّا ، فافهم.

____________________________________

شرعا على إفطار الصوم لو لا النسيان ، (لا الآثار الغير الشرعيّة) ، كترك الجزء وترك الكلّ المترتّبان عقلا على نسيان السورة (ولا ما يترتّب على هذه الآثار من الآثار الشرعيّة) ، كبقاء الأمر المستلزم لوجوب الإعادة على ما شرح الأستاذ الاعتمادي ، فوجوب الإعادة وإن كان أثرا شرعيّا إلّا أنّه مع الواسطة كما عرفت.

وحديث الرفع كالاستصحاب لا يرفع إلّا الآثار الشرعيّة المترتّبة عليه بلا واسطة ، كما أنّ الاستصحاب لا يثبت الآثار العقليّة أو الآثار الشرعيّة المترتّبة على المستصحب بواسطة الآثار العقليّة ، أو العاديّة على ما يأتي تفصيله في بحث الاستصحاب في باب حجيّة الأصل المثبت.

وبالجملة ، إنّ المرفوع بحديث الرفع كالمثبت بالاستصحاب يجب أن يكون من الآثار الشرعيّة المترتّبة بلا واسطة.

(نعم لو صرّح الشارع بأنّ حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع ، أو أنّ نسيانه كعدم نسيانه ، أو أنّه لا حكم لنسيان السورة مثلا ، وجب حمله ـ تصحيحا للكلام ـ على رفع الإعادة وإن لم يكن أثرا شرعيّا).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره كما في بحر الفوائد هو الفرق بين الدليل الخاصّ الدالّ على رفع أثر النسيان وبين الدليل العامّ كحديث الرفع ، حيث يجب حمل الأوّل على رفع الأثر الشرعي المترتّب على النسيان بواسطة أثر عقلي أو عادي تصحيحا لكلام الشارع ، فيدلّ على رفع الأثر الشرعي المترتّب على النسيان مع الواسطة بدلالة الاقتضاء.

والثاني يحمل على رفع الأثر الشرعي إذا كان بلا واسطة كما عرفت ، فيرتفع وجوب الإعادة بالأوّل ولو كان أثرا عقليّا ولا يرتفع بالثاني.

وبالجملة ، إنّ وجوب الإعادة وإن كان حكما شرعيّا إلّا أنّه حكم شرعي مع الواسطة ، والحكم الشرعي كذلك لا يمكن أن يكون مرتفعا بحديث الرفع.

لكن إذا ورد حديث خاصّ ، كما في المتن وجب حمله على رفع الحكم المذكور ولو

٢٤

وزعم بعض المعاصرين الفرق بين أصالة عدم الجزئيّة ومضمون النبوي ، حيث حكم في مسألة البراءة والاشتغال في الشكّ في الجزئيّة بأنّ أصالة عدم الجزئيّة لا يثبت بها ما يترتّب عليه من كون المأمور به هو الأقلّ ؛ لأنّه لازم غير شرعي ، أمّا رفع الجزئيّة الثابتة بالنبوي فيثبت به كون المأمور به هو الأقلّ.

وذكر في وجه الفرق ما لا يصلح له من إرادة راجعة فيما ذكره في أصالة العدم ، وكيف كان ، فالقاعدة الثانويّة في النسيان غير ثابتة.

نعم ، يمكن دعوى القاعدة الثانويّة في خصوص الصلاة من جهة قوله عليه‌السلام : (لا تعاد

____________________________________

كان حكما عقليّا ، على ما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره لأجل دلالة الاقتضاء وتوقف تصحيح الكلام عليه ، كما في التنكابني.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ رفع وجوب الإعادة بالدليل الخاصّ ـ ولو كان أثرا عقليّا ـ إنّما يصح فيما إذا كان الأثر منحصرا به ، بحيث لو لم يرتفع به لزم أن يكون الكلام لغوا.

(وزعم بعض المعاصرين الفرق بين أصالة عدم الجزئيّة ومضمون النبوي ... إلى آخره).

والمراد من بعض المعاصرين هو صاحب الفصول قدس‌سره حيث فرّق بين أصالة عدم الجزئيّة ـ أي : استصحاب عدم الجزئيّة ـ وبين حديث الرفع.

وحاصل الفرق ، هو عدم ثبوت كون المأمور به هو الأقلّ بالاستصحاب المذكور ، وثبوت كون الأقلّ هو المأمور به بالنبوي.

ولعلّ الوجه في الفرق المذكور هو أنّ استصحاب عدم الجزئيّة مثبت بالنسبة إلى ترتّب كون المأمور به هو الأقلّ ، والأصل المثبت ليس بحجّة ، وهذا بخلاف النبوي حيث يرتفع به جزئيّة المشكوك ، ويترتّب على نفي الجزئيّة جميع الآثار ، ومنها كون المأمور به هو الأقلّ.

إلّا أنّ هذا الفرق غير صحيح عند المصنّف قدس‌سره ؛ لأنّ الجزئيّة ليست من الأحكام الشرعيّة حتى ترتفع بحديث الرفع ليثبت به كون المأمور به هو الأقلّ ، وقد عرفت أنّ المرتفع بحديث الرفع هو الحكم الشرعي من دون واسطة لا غير ، فالحاصل من الجميع هو عدم ثبوت أصل ثانوي يقتضي صحة ما يأتي به الناسي.

٢٥

الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود) (١).

وقوله عليه‌السلام في مرسلة سفيان : (يسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة ونقيصة) (٢).

وقوله عليه‌السلام في من نسي الفاتحة : (أليس قد أتممت الركوع والسجود؟) (٣) وغيره.

ثمّ إنّ الكلام في الشرط كالكلام في الجزء ، والأصل الأوّلي والثانوي المزيّف والمقبول ، وهو غاية المسئول.

____________________________________

(نعم ، يمكن دعوى القاعدة الثانويّة في خصوص الصلاة من جهة قوله عليه‌السلام : (لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود)) ، فإنّ المستفاد من هذه الرواية في خصوص الصلاة هو عدم وجوب الإعادة إذا كان ما ترك سهوا من غير الخمسة المذكورة ، فتثبت بها القاعدة المقتضية لعدم البطلان إلّا من جهة الخمسة.

(وقوله عليه‌السلام في مرسلة سفيان : (يسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة ونقيصة)) ، حيث تدلّ على الصحة بمطلق الزيادة والنقيصة.

(وقوله عليه‌السلام في من نسي الفاتحة : (أليس قد أتممت الركوع والسجود؟)) ، حيث إنّه ظاهر في كون المأتي به هو المأمور به فيكون صحيحا ، فالمستفاد من هذه الأخبار هو صحة ما أتى به الناسي ، وإثبات كون ما عدا الجزء المنسي هو المأمور به.

(ثمّ إنّ الكلام في الشرط كالكلام في الجزء).

أي : الكلام في نسيان شرط المأمور به كالكلام في نسيان الجزء ، فكما أنّ مقتضى الأصل الأوّلي في الثاني هو البطلان على ما تقدّم ، كذلك مقتضى الأصل الأوّلي في الشرط المنسي هو البطلان ، وكما أنّ الأصل الثانوي في الجزء المنسي مردود ، كذلك في الشرط المنسي ، وكما أنّ الأصل الثانوي في خصوص الصلاة مقبول في الجزء المنسي ، كذلك مقبول في الشرط المنسي ، نعم ذكر في الفقه تقسيم الشرط إلى الواقعي ، والعلمي ، والذكري.

والأوّل : ما يبطل المشروط بإخلاله مطلقا ، أي : سواء كان مع العلم والتذكر أو مع الجهل

__________________

(١) الخصال ١ : ٢٨٥ / ٣٥. الوسائل ٥ : ٤٧١ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨ ، الوسائل ٨ : ٢٥١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣٢ ، ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٤٨ / ٣. الوسائل ٦ : ٩٠ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٢٩ ، ح ٢.

٢٦

____________________________________

والغفلة ، كالطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة.

والثاني : ما يبطل المشروط بإخلاله عن علم فقط ، كالطهارة من الخبث بالنسبة إلى الصلاة.

والثالث : ما لا يبطل المشروط بالإخلال به إذا كان عن غفلة ، كإباحة المكان بالنسبة إلى الصلاة بناء على صحة الصلاة في المكان المغصوب مع الغفلة عن كونه مغصوبا ، وفي هذا المقام تحقيق مفصّل ذكره في الأوثق ، والبحث في المقام عن الشرط الواقعي.

٢٧

المسألة الثانية

في زيادة الجزء عمدا

وإنّما يتحقّق في الجزء الذي لم يعتبر فيه اشتراط عدم الزيادة ، فلو اخذ بشرطه فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة.

لأنّ فاقد الشرط كالمتروك ، كما أنّه لو أخذ في الشرع لا بشرط الوحدة والتعدّد فلا

____________________________________

(المسألة الثانية : في زيادة الجزء عمدا.

وإنّما يتحقّق في الجزء الذي لم يعتبر فيه اشتراط عدم الزيادة ... إلى آخره) ، وتحرير الكلام في الجزء الذي شكّ في كون زيادته عمدا مبطلا للعبادة أم لا ، يحتاج إلى مقدّمة وهي :

إنّ الجزء يمكن اعتباره في المأمور به على أنحاء وأقسام :

الأوّل : اعتباره بشرط شيء ، بمعنى كون الجزء الموجود يجب أن يكون منضمّا مع مثله كالسجود للصلاة في كلّ ركعة.

الثاني : اعتباره بشرط لا ، أي : بشرط عدم الزيادة.

والثالث : اعتباره لا بشرط ، واعتباره كذلك يكون على قسمين أيضا :

أحدهما : هو اللابشرط القسمي ، وهو بمعنى الطبيعة الصادقة على القليل والكثير ، والماهيّة بهذا الاعتبار تكون كلّيّا طبيعيّا ، وهو الذي اختلف في كونه موجودا في الخارج أم لا؟.

وثانيهما : هو اللابشرط المقسمي ، وهو الذي اعتباره وأخذه في المأمور به من دون ملاحظة شيء من الملاحظات ، حتى اللابشرطيّة ، والماهيّة بهذا الاعتبار ليست إلّا هي ، بمعنى أنّها ليست موجودة ولا معدومة ، ولا جزئيّة ، ولا كلّية ، ولا واحدة ، ولا كثيرة ، فيصح عنها سلب جميع المتقابلات. إذا عرفت ذلك فنقول :

إنّ الكلام في المقام هو في القسم الثاني من القسمين الآخرين ، وهو القسم الرابع ولا يمكن اعتباره على نحو بشرط لا ، إذ لو اخذ بشرط عدم الزيادة ، لكان الإخلال به ، أي بالشرط مبطلا من حيث النقيصة ؛ (لأنّ فاقد الشرط كالمتروك) كما أنّه لو اخذ على نحو

٢٨

إشكال في عدم الفساد.

ويشترط في صدق الزيادة قصد كونه من الأجزاء ، أمّا زيادة صورة الجزء لا بقصدها ـ كما لو سجد للعزيمة في الصلاة ـ لم تعدّ زيادة في الجزء.

نعم ورد في بعض الأخبار : (أنّها زيادة في المكتوبة) (١). وسيأتي الكلام في معنى الزيادة في

____________________________________

اللابشرط القسمي ، أي : لوحظ فيه الإطلاق كمطلق الذكر في الركوع مثلا لا يبطل العمل بالزيادة.

وكيف كان (ويشترط في صدق الزيادة قصد كونه من الأجزاء) واعتبار القصد في صدق زيادة الجزء يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي : إنّ المركّبات على قسمين : خارجيّة واعتباريّة :

والاولى : ما كانت أجزاؤه بموادها وهيئتها التركيبيّة موجودة في الخارج ، كالدار والسرير ونحوهما.

والثانية : ما لم يكن كذلك كالمركّبات الشرعيّة مثل الصلاة ونحوها ، حيث تكون تابعة للاعتبار والقصد.

ومن هذه المقدّمة يتّضح أنّ تحقّق الزيادة في الاولى لا يتوقف على القصد أصلا ، بخلاف الثانية ، فإنّ الزيادة فيها لا تحقّق إلّا بعد القصد ، ومن هنا يعتبر في زيادة الجزء أمران :

أحدهما : أن يكون المزيد من سنخ المزيد عليه.

وثانيهما : أن يكون الإتيان به بقصد الجزئيّة لا لداع آخر ، فحينئذ لا تتحقّق الزيادة بإتيان صورة الجزء لا بقصد الجزئيّة ، كأن يسجد في الصلاة لأجل قراءة آية السجدة لا لإيقاع سجدة الصلاة.

(نعم ، ورد في بعض الأخبار : (أنّها زيادة في المكتوبة)) ، أي : سجدة العزيمة زيادة.

فالمستفاد منه عدم اعتبار ما تقدّم من الأمرين في صدق زيادة الجزء ، بمعنى أنّه لا يعتبر أن يكون المزيد من سنخ المزيد عليه ، ولا قصد الجزئيّة ، فلا بدّ من الأخذ ببعض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٦. التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦١. الوسائل ٦ : ١٠٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٤٠ ، ح ١.

٢٩

الصلاة ، ثمّ الزيادة العمديّة تتصوّر على وجوه :

أحدها : أن يزيد جزء من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزء مستقلا ، كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا أنّ الواجب في كلّ ركعة ركوعان ، كالسجود.

الثاني : أن يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزء واحدا ، كما لو اعتقد أنّ الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدّد.

الثالث : أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد بعد رفع اليد عنه ؛ إمّا اقتراحا ـ كما لو قرأ سورة ـ ثمّ بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ ، وقرأ سورة اخرى لغرض ديني كالفضيلة ، أو دنيوي كالاستعجال ، وإمّا لإيقاع الأوّل على وجه فاسد بفقد بعض الشروط ، كأن يأتي ببعض الأجزاء رياء أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها ، ثمّ يبدو له في إعادته على وجه صحيح.

____________________________________

الأخبار في مورده فقط لكونه مخالفا للإجماع وظاهر الأصحاب بعدم تحقّق الزيادة المبطلة من دون قصد بزيادة شيء غير مسانخ للمزيد عليه.

(ثمّ الزيادة العمديّة تتصور على وجوه) وهذه الأقسام يمكن فرضها في كلّ واحد من الأقسام المذكورة في اعتبار الجزء.

(أحدها : أن يزيد جزء من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزء مستقلا ، كما لو اعتقد شرعا) بأن يكون جاهلا بالجهل المركّب الناشئ عن الخطأ والاشتباه في دليل المسألة.

(أو تشريعا) بأن يكون اعتقاده ناشئا عن التقصير ، بأن حصل اعتقاده ممّا لم يكن حجّة شرعا كقول أبويه مثلا ، كما هو الغالب في اعتقاد العوام ، أو قصد بالزائد أنّه جزء مستقلّ وهو قاطع بعدم كونه جزء مستقلا في الواقع.

(الثاني : أن يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزء واحدا) ، كاعتقاده بأنّ الواجب في الركوع هو مطلق الذكر.

(الثالث : أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد بعد رفع اليد عنه ؛ إمّا اقتراحا) ، أي : من دون علّة توجب ذلك ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي (وإمّا لإيقاع الأوّل على وجه فاسد بفقد بعض الشروط ، كأن يأتي ببعض الأجزاء رياء) ، بناء على عدم كون الرياء في الجزء موجبا لبطلان الكلّ ، بل يبطل الجزء المأتي به رياء فقط.

وأمّا على تقدير كون الرياء في الجزء موجبا لبطلان الكلّ من جهة صدق الرياء في

٣٠

أمّا الزيادة على الوجه الأوّل ، فلا إشكال في فساد العبادة إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء ؛ لأنّ ما أتى به وقصد الامتثال به ، وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به ، وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به.

____________________________________

الكلّ عرفا ، فإنّه خارج عن محلّ الكلام. هذا تمام الكلام في الوجوه التي يمكن فرضها في الزيادة العمديّة.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى حكم الوجه الأوّل بقوله :

(أمّا الزيادة على الوجه الأوّل ، فلا إشكال في فساد العبادة إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء) ، وحاصل كلامه قدس‌سره في وجه بطلان العبادة يتّضح بعد بيان مقدّمة وهي :

إنّ المفروض هو عدم أخذ الجزء بعنوان لا بشرط شيء في العبادة ؛ لأنّه لو كان مأخوذا بشرط شيء لا تبطل العبادة بالزيادة قطعا ، وإنّما لا بدّ أن يوقع الجزء بعنوان بشرط لا أو لا بشرط ؛ لأنّه على كلا التقديرين تبطل العبادة بسببهما ، لأنّ ما أتى به (وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به ، وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به).

وبهذه المقدّمة يتّضح لك بطلان العبادة مع زيادة الجزء على الوجه الأوّل ؛ لأنّ الامتثال لا يتحقّق إلّا مع قصد إتيان المأمور به ، ثمّ ما أتى به مع القصد لم يكن مأمور به ، وما هو المأمور به لم يقصد به الامتثال ، فيكون المأتي به مع القصد غير مطابق للمأمور به وهو معنى بطلان العبادة.

ولقد ذكر المرحوم غلام رضا قدس‌سره في تعليقته نظير ما ذكر في وجه فساد العبادة بالزيادة على الوجه الأوّل ، فقال في شرح قول المصنّف قدس‌سره : (فلا إشكال في فساد العبادة) : لا يفرّق في ذلك بين ما إذا اخذ الجزء بشرط لا ، أو لا بشرط ، أو مشكوك الحال.

أمّا على الأوّل فواضح ، وأمّا على الثاني فهو ، فلأنّ زيادة الجزء بنفسها ـ حينئذ ـ وإن لم تكن مفسدة للعمل ؛ لأنّ الجزء إذا اخذ لا بشرط فكلّ ما زاد عليه لا يخرج عن الوحدة ، إلّا أنّ الإتيان بالزائد ـ بقصد أنّه جزء مستقل ـ إتيان للعمل على غير الوجه الذي امر به ، فالمأتي به غير المأمور به ، وما امر به لم يقصد الامتثال ؛ لأنّه قصد بالواجب النفسي كونه

٣١

وأمّا الأخيران فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما ؛ لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة الزيادة ، ومرجعها إلى شرطيّة عدمها ، وقد تقدّم أنّ مقتضى الأصل فيه البراءة.

وقد يستدلّ على البطلان بأنّ الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظّفة فتكون مبطلة ، وقد احتجّ به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة.

____________________________________

غيريّا ، كيف المأمور به بأجزائه الواقعيّة واجب نفسي ، وإذا زيد عليها جزء قاصدا به الجزئيّة على وجه الاستقلال توجب زيادة ذلك خروج تلك الأجزاء عن الوجوب النفسي إلى الغيري ، فلم يقع المأمور به على وجهه.

وفيه : إنّ كون مثل ذلك مضرّا بصحة المأتي به في محلّ المنع غايته وقوع هذا القصد منه لغوا ، كما لو باع مال الغير من قبل نفسه فإنّه يصح في صورة لحوق الإجازة ، وكما لو قصد صوم آخر شعبان في يوم تاليه ثمّ انكشف كونه من رمضان ، فإنّه ـ أيضا ـ يصح ويحتسب منه ، وممّا ذكرنا ظهر حال القسم الثالث. انتهى.

(وأمّا الأخيران) وهما الزيادة على الوجه الثاني والثالث فيمكن الاستدلال على الصحة فيهما بوجوه :

منها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما ؛ لأنّ مرجع الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة الزيادة).

والحاصل : إنّ الشكّ في الصحة والبطلان في الوجهين المذكورين يرجع بالآخرة إلى الشكّ في شرطيّة عدم الزيادة ، وقد تقدّم في مسألة دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر أنّ مختار المصنّف قدس‌سره في الشكّ في الشرطيّة هو الرجوع إلى البراءة ، كالشكّ في الجزئيّة ، فيكون مقتضى نفي شرطيّة عدم الزيادة بأدلّة البراءة في المقام هو صحة العبادة المشتملة على الزيادة.

(وقد يستدلّ على البطلان بأنّ الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظّفة فتكون مبطلة).

وحاصل الاستدلال على البطلان بالزيادة ، هو أنّ بطلان العبادة من جهة الزيادة وإن كان لا يمكن من جهة كون عدم الزيادة شرطا لصحة العبادة ، وذلك لنفي الاشتراط بأصالة البراءة ، إلّا أنّ الاستدلال على بطلان العبادة بالزيادة يمكن من جهة كونها موجبة لتغيير

٣٢

وفيه نظر : لأنّه إن اريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة فالصغرى ممنوعة ، لأنّ اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أوّل الدعوى ، فإذا شكّ فيه فالأصل البراءة.

وإن اريد أنّه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة ، لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا.

ونظير الاستدلال بهذا البطلان في الضعف الاستدلال للصحّة باستصحابها ، بناء على أنّ العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة والأصل بقاؤها وعدم عروض البطلان لها.

وفيه : إنّ المستصحب إن كان صحّة مجموع الصلاة فلم يتحقّق بعد ، وإن كان صحّة

____________________________________

الهيئة المعتبرة في العبادة ، فتكون مبطلة.

وحاصل الجواب عن هذا الاستدلال ، هو أنّ الزيادة لم تكن موجبة لتغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة شرعا ، إذ لا دليل على اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة شرعا ، وفي فرض الشكّ في الاعتبار يرجع إلى أصالة البراءة عنه ، فالحاصل هو منع الصغرى.

(وإن اريد أنّه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة) ، بمعنى أنّ تغيير الهيئة العرفيّة ليس موجبا للبطلان.

ومنها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (الاستدلال للصّحة باستصحابها) ، أي : الاستدلال على الصحة باستصحاب الصحة كما هو مبيّن في المتن ، إلّا أنّ الاستدلال المذكور ضعيف كالاستدلال على البطلان ، بأنّ الزيادة موجبة لتغيير الهيئة ، كما عرفت ، وقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ونظير الاستدلال بهذا البطلان في الضعف الاستدلال للصّحة باستصحابها).

قال المرحوم غلام رضا قدس‌سره في المقام : «قد اشتهر التمسّك بهذا الأصل من أساطين الأوّلين والآخرين في مطلق طريان ما شكّ في بطلان العبادة به ، وما نحن فيه إنّما هو من جملة أفراده ، وفائدة هذا الأصل ـ إن تمّ الاستدلال به على القول بالبراءة في الشكّ في الشرطيّة ـ هو التأييد ، وعلى القول بالاحتياط فيه هو التأسيس ؛ لأنّ الاستصحاب حاكم على قاعدة الاشتغال». انتهى.

ثمّ قال في شرح كلام المصنّف قدس‌سره (وفيه : إنّ المستصحب إن كان صحة مجموع الصلاة) ما نصه :

٣٣

____________________________________

حاصل مراده رحمه‌الله حسبما يستفاد من كلامه صدرا وذيلا هو التفصيل بين ما إذا كان الشكّ في المانع وبين الشكّ في القاطع ، فيجوز التمسّك بهذا الأصل في الثاني دون الأوّل ، وإثبات ذلك يتوقف على بيان الفرق بين المانع والقاطع ، فنقول :

إنّ الأوّل عبارة عمّا يخلّ بالمركّب بحسب مادته ، وبعبارة اخرى أنّ عدمه شرط للمادة ، والثاني ما كان مخلّا بالهيئة الاتصاليّة المعتبرة فيه ، يعني : أنّ عدمه شرط للهيئة ، ومن لوازم الأوّل حصول الإخلال به سواء كان طريانه في الابتداء أو الأثناء كالحدث بالنسبة إلى الصلاة ، ومن لوازم الثاني حصول الإخلال به إذا كان طريانه في الأثناء.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الشكّ إن كان في المانع فلا مسرح لجريان هذا الاستصحاب فيه ، كيف ومن أركانه هو الشكّ اللاحق ، والمقام فاقد له ووجهه مرقوم في المتن بما لا مزيد عليه؟.

وإن كان الشكّ في القاطع فلجريان الاستصحاب فيه مجال ، وتحريره ؛ تارة : بحيث يرجع إلى الاستصحاب التنجيزي ، بأن يقال : إذا شكّ في قاطعيّة شيء للهيئة الاتصاليّة يحكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها.

وإن شئت قلت : إنّ الأجزاء السابقة كان لها قابليّة انضمام الأجزاء اللاحقة بها ، وبعد طريان القاطع الاحتمالي يستصحب تلك القابليّة ؛ واخرى : بحيث يرجع إلى الاستصحاب التعليقي بأن يقال : إنّ الأجزاء السابقة لو انضمّ إليها الباقي لكانت مستلزمة لحصول الكلّ ، وبعد طريان المانع الاحتمالي يستصحب تلك الملازمة نظير استصحاب الملازمة بين الغليان وبين النجاسة في العنب بعد ما صار زبيبا.

بقي شيئان :

أحدهما : إنّ مقتضى الميزان المتقدّم بين المانع والقاطع كون الحدث من الموانع ، والمصرّح به في كلام المصنّف قدس‌سره عدّة من القواطع ، ولعلّ نظره فيه إلى ما جرى عليه اصطلاح الفقهاء من إطلاق القاطع على ما هو أعمّ منه ومن المانع.

وثانيهما : إنّ ظاهر كلامه رحمه‌الله جعل الزيادة مطلقا أو بعض أقسامها من الموانع ، لكي لا يجري الأصل المزبور فيها ، ومقتضى الميزان المتقدّم كونها من القواطع ، ولذا كان طريانها

٣٤

الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية ؛ لأنّ صحّة الأجزاء ؛ إمّا عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلّق بها ؛ وإمّا ترتّب الأثر عليها. والمراد بالأثر المترتّب عليها حصول المركّب بها منضمّة مع باقي الأجزاء والشرائط ، إذ ليس أثر الجزء المنوط به صحّته إلّا حصول الكلّ به منضما إلى تمام غيره ممّا يعتبر في الكلّ ، ولا يخفى أنّ الصحّة بكلا المعنيين باقية للأجزاء السابقة ، لأنّها بعد وقوعها مطابقة للأمر بها لا تنقلب عمّا وقعت عليه ، وهي بعد على وجه لو انضمّ إليها تمام ما يعتبر في الكلّ حصل الكلّ. فعدم حصول الكلّ لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكلّ إلى تلك الأجزاء لا يخلّ بصحّتها.

ألا ترى أنّ صحّة الخلّ من حيث كونه جزء للسكنجبين لا يراد بها إلّا كونه على صفة لو انضمّ إليه تمام ما يعتبر في تحقّق السكنجبين لحصل الكلّ ، فلو لم ينضمّ إليه تمام ما يعتبر فلم يحصل لذلك الكلّ ، لم يقدح ذلك في اتصاف الخلّ بالصحّة في مرتبة جزئيّته ، فإذا كان عدم حصول الكلّ يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكلّ غير قادح في صحّة الجزء ، فكيف إذا شكّ في حصول الكلّ من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر ، كما فيما نحن فيه؟.

فإنّ الشكّ في صحّة الصلاة بعد تحقّق الزيادة المذكورة من جهة الشكّ في انضمام تمام ما يعتبر إلى الأجزاء ، لعدم كون عدم الزيادة شرطا وعدم انضمامه ، لكون عدم الزيادة أحد الشرائط المعتبرة ولم يتحقّق ، فلا يتحقّق الكلّ.

ومن المعلوم أنّ هذا الشكّ لا ينافي القطع بصحّة الأجزاء السابقة ، فاستصحاب صحّة تلك الأجزاء غير محتاج إليه ، لأنّا نقطع ببقاء صحّتها ، لكنّه لا يجدي في صحّة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء والشرائط الباقية.

____________________________________

قادحا في الأثناء فقط. انتهى.

ونرجع إلى توضيح كلام المصنّف قدس‌سره طبقا لما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، فنقول : إنّ المراد بالصحة المستصحبة إن كان صحة مجموع الصلاة لما صح الاستصحاب أصلا ؛ وذلك لعدم تحقّق المجموع بعد ، فكيف يمكن استصحاب صحّة المجموع قبل تحقّقه؟!.

وقد أشار إليه قدس‌سره بقوله : (إنّ المستصحب إن كان صحة مجموع الصلاة فلم يتحقّق بعد).

وإن كان المراد باستصحاب الصحة هو استصحاب صحة الأجزاء السابقة من الصلاة (فهي غير مجدية) ؛ لأنّ صحة الأجزاء السابقة متيقّنة لا شكّ فيها أصلا ، مع أنّ استصحاب

٣٥

فإن قلت : فعلى ما ذكرته فلا يفرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا ، بل هي باقية على الصحّة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع ، من أنّ من الشائع المذكور في النصوص والفتاوى إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة.

قلت : نعم ولا ضير في التزام ذلك ، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكلّ ، لعدم التمكّن من ضمّ تمام الباقي إليها ، فيجب استئناف الصلاة امتثالا للأمر.

نعم إنّ حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا يكشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتصاليّة ترتفع ببعض الأشياء دون بعض ، فإنّ الحدث

____________________________________

صحة الأجزاء السابقة لا يكون مستلزما لصحة الكلّ ، بمعنى كون الصلاة بعد وقوع الزيادة العمديّة فيها جامعة للأجزاء والشرائط.

(فإن قلت : فعلى ما ذكرته فلا يفرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا ، بل هي باقية على الصحّة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع).

وحاصل الإشكال ، هو أنّ ما تقدّم في معنى صحة الأجزاء السابقة من تأثير الأجزاء السابقة في تحقّق الكلّ على فرض انضمام الأجزاء اللاحقة بها ، فإنّ الصحة بهذا المعنى باقية لها دائما ، فلا يعرضها البطلان أصلا مع أنّ الشائع في الفتاوى إطلاق المبطل على مثل الحدث الواقع في الصلاة ، بحيث لا يمكن الحكم بصحة الصلاة بعد ولو انضمت الأجزاء اللاحقة بالأجزاء السابقة ، بل تجب إعادة الصلاة مع الطهارة.

(قلت : نعم ولا ضير في التزام ذلك).

وحاصل الجواب ، هو تسليم بقاء صحة الأجزاء السابقة أبد الدهر ، ولا ضير في التزام ذلك أصلا ، ومعنى بطلان الأجزاء السابقة بعروض الموانع والقواطع هو عدم حصول الكلّ بعد عروض الموانع ، فإنّها تمنع عن انضمام الأجزاء اللاحقة بها ، ولذلك تقع العبادة باطلة.

(نعم إنّ حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا يكشف عن أنّ لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتصاليّة ترتفع ببعض الأشياء دون بعض).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّ الشارع قد حكم بقاطعيّة بعض الأشياء كما حكم

٣٦

يقطع ذلك الاتصال والتجشّؤ لا يقطعه ، والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين ، وهما في ما نحن فيه الأجزاء السابقة والأجزاء التي تلحقها بعد تخلّل ذلك القاطع ، فكلّ من السابق واللاحق يسقط عن قابليّة ضمّه إلى الآخر وضمّ الآخر إليه.

ومن المعلوم أنّ الأجزاء السابقة كانت قابلة للضمّ إليها وصيرورتها أجزاء فعليّة للمركّب ، والأصل بقاء تلك القابليّة وتلك الهيئة الاتصاليّة بينها وبين ما يلحقها ، فيصحّ الاستصحاب في كلّ ما شكّ في قاطعيّة الموجود.

ولكنّ هذا مختصّ بما إذا شكّ في القاطعيّة وليس مطلق الشكّ في مانعيّة الشيء ، كالزيادة فيما نحن فيه ، شكّا في القاطعيّة.

وحاصل الفرق بينهما : أنّ عدم الشيء في جميع آنات الصلاة قد يكون بنفسه من جملة

____________________________________

بمانعيّة بعض الأشياء الأخر ، وسيأتي الفرق بينهما في المتن.

وقد تقدّم أنّ المانع ما يكون عدمه شرطا للصلاة مثلا كالنجاسة والغصبيّة ، كما تقدّم حكم الشكّ فيه حيث يتمسّك بالبراءة على نفي الشرطيّة لا باستصحاب صحة الأجزاء السابقة ؛ لأنّ صحتها متيقّنة على ما عرفت.

وأمّا القاطع فهو ما يكون موجبا لانفصال ما هو المتصل ، فحكم الشارع بقاطعيّة بعض الأشياء ـ كالحدث والقهقهة ، والفعل الكثير للصلاة ـ كاشف عن هيئة اتصاليّة بين أجزاء الصلاة اعتبرها الشارع ، وجعل بعض الأشياء قاطعا لها.

ثمّ (القطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين) بحيث لا يمكن تحقّق الهيئة الاتصاليّة بعد القطع ، فتقع العبادة باطلة ؛ لأنّ كلّ واحد من السابق واللاحق (يسقط عن قابليّة ضمّه إلى الآخر).

ثمّ إنّ الشكّ في قاطعيّة شيء يوجب الشكّ في سقوط الأجزاء عن قابليّة الانضمام مع الأجزاء اللاحقة ، فيصح التمسّك باستصحاب بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الانضمام بالأجزاء اللاحقة ، فتثبت به صحة العمل ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته.

(ولكن هذا مختصّ بما إذا شكّ في القاطعيّة).

يعني : إنّ التمسّك بالاستصحاب مختصّ بالشكّ في القاطعيّة ، ولا يجري في الشكّ في المانعيّة ، وقد عرفت أنّ المرجع في الشكّ في المانعيّة هو البراءة.

٣٧

الشروط ، فإذا وجد آناً ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه ، فلا يتحقّق المركّب من هذه الجهة. وهذا لا يجدي فيه القطع بصحّة الأجزاء السابقة فضلا عن استصحابها ، وقد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا ورافعا للهيئة الاتصاليّة والارتباطيّة في نظر الشارع بين الأجزاء.

فإذا شكّ في رافعيّة شيء لها حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الأجزاء السابقة عمّا يلحقها من سائر الأجزاء.

وربّما يردّ استصحاب الصحّة بأنّه : «إن اريد صحّة الأجزاء المأتي بها بعد طروّ المانع الإجمالي فغير مجد ، لأنّ البراءة إنّما تتحقّق بفعل الكلّ دون البعض ، وإن اريد إثبات عدم مانعيّة الطارئ أو صحّة بقيّة الأجزاء فساقط ، لعدم التعويل على الاصول المثبتة». انتهى.

____________________________________

(وحاصل الفرق بينهما ... إلى آخره).

وملخّص الفرق بين المانع والقاطع ، هو أنّ المانع ما يكون عدمه معتبرا وشرطا للمأمور به من جهة قدحه في صحة العبادة ابتداء ، حيث يمنع وجوده من تحقّق الفعل ، فلا يتحقّق الكلّ بعد عروض الفساد للجزء.

وهذا بخلاف القاطع حيث لا يكون عدمه شرطا للمأمور به ، بل هو رافع للهيئة الاتصاليّة المعتبرة بين الأجزاء في المركّبات الشرعيّة الاعتباريّة ، فإذا وجد في الأثناء ارتفعت تلك الهيئة الاتصاليّة فتخرج الأجزاء عن قابليّة الانضمام حتى يتحقّق الكلّ ، فيكون فساد المركّب مستندا إلى فساد الجزء وفساده مستندا إلى وجود القاطع ، فالقاطع لا بدّ أن يكون في أثناء العمل حتى يوجب قطع الاتصال بين الأجزاء السابقة واللاحقة.

(فإذا شكّ في رافعيّة شيء لها) ، أي : للهيئة الاتصاليّة ، كالأكل والشرب حال الصلاة (حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الأجزاء السابقة عمّا يلحقها من سائر الأجزاء) ، ثمّ يثبت بهذا الاستصحاب صحة العمل.

(وربّما يردّ استصحاب الصحة ... إلى آخره) ، ولعلّ المراد بمن ردّ استصحاب الصحة هو صاحب الفصول قدس‌سره ، كما في بعض الشروح.

وحاصل ردّه لاستصحاب الصحة يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي : إنّ صحة الأجزاء التي يمكن استصحابها على قسمين :

٣٨

وفيه نظر يظهر ممّا ذكرنا ، وحاصله : أنّ الشكّ إن كان في مانعيّة شيء وشرطيّة عدمه للصلاة ، فصحّة الأجزاء السابقة لا يستلزم عدمها ظاهرا ولا واقعا ، حتى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الاصول المثبتة ، وإن كان في قاطعيّة الشيء ورفعه للاتصال والاستمرار الموجود للعبادة في نظر الشارع ، فاستصحاب بقاء الاتصال كاف ، إذ لا يقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتصاليّة. والشكّ إنّما هو فيه ، لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتى يقصد بالاستصحاب دفعة ، ولا في صحّة بقيّة الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتصاليّة بينها وبين الأجزاء السابقة ، والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب.

____________________________________

أحدهما : صحتها في أنفسها مع قطع النظر عن انضمام سائر الأجزاء إليها.

وثانيهما : صحتها مع فرض انضمام سائر الأجزاء إليها ، ولازم هذا الاستصحاب هو عدم مانعيّة الزيادة عن الانضمام.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ المراد بالصحة الثابتة بالاستصحاب إن كان هو القسم الأوّل فهو غير مجد ؛ وذلك لأنّ اليقين بصحة الأجزاء المأتي بها لا يفيد فضلا عن استصحابها ؛ لأنّ البراءة تتحقّق بفعل الكلّ دون البعض.

وإن كان المراد بالصحة هو القسم الثاني لكان الأصل مثبتا ؛ لأنّ ترتّب عدم المانعيّة على استصحاب الصحة بمعنى انضمام الأجزاء اللاحقة إلى الأجزاء السابقة أثر عقلي وهو مثبت ، ومن المعلوم أنّ الأصل المثبت ليس بحجّة.

(وفيه نظر يظهر ممّا ذكرنا) ، حيث قلنا باختصاص صحة استصحاب الصحة بصورة الشكّ في القاطعيّة وعدم استصحاب الصحة في الشكّ في المانعيّة حتى يبحث عن كونه مثبتا أو غير مثبت ، هذا مضافا إلى أنّ استصحاب صحة الأجزاء السابقة لا يكون مستلزما عقلا عدم مانعيّة الشيء حتى يقال بأنّه مثبت ـ حينئذ ـ لا يجوز الاعتماد عليه ، إذ لا ملازمة عقلا بين صحة الأجزاء السابقة وبين عدم مانعيّة الشيء ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فصحّة الأجزاء السابقة لا يستلزم عدمها ظاهرا ولا واقعا ، حتى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الاصول المثبتة).

نعم ، استصحاب بقاء الاتصال يجري فيما إذا كان الشكّ في قاطعيّة الشيء ورفعه للاتصال ، إذ يكفي بقاء الاتصال الثابت بالاستصحاب في الصحة من دون حاجة إلى إحراز

٣٩

ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب : بأنّ المراد بالاتصال والهيئة الاتصاليّة إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع بعض فهو باق لا ينفع ، وإن كان ما بينها وبين ما لحقها من الأجزاء الآتية فالشكّ في وجودها لا بقائها.

وأمّا أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة إلحاق الباقي بها فلا يبعد كونها من الاصول

____________________________________

عدم القاطعيّة حتى يقال أنّه مثبت.

فالظاهر هو الفرق بين استصحاب الصحة في صورة الشكّ في المانعيّة وبين استصحابها في صورة الشكّ في القاطعيّة ، حيث يجري في الثاني دون الأوّل.

لأنّ المقصود من الثاني هو إثبات نفس المستصحب ، أي : الهيئة الاتصاليّة ، فلا يكون الأصل مثبتا ، والمقصود من الأوّل ليس إثبات نفس المستصحب ، بل إثبات شيء آخر ، أعني : نفي المانعيّة وصحة الكلّ ، فيمكن أن يقال أنّه مثبت.

(وبما ذكرنا) من عدم الملازمة بين صحة الأجزاء السابقة ، وبين عدم المانع وصحّة الكلّ كما في شرح الاعتمادي (يظهر سرّ ما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، من عدم الجدوى في استصحاب الصحّة لإثبات صحّة العبادة المنسي فيها بعض الأجزاء ، عند الشكّ في جزئيّة المنسي حال النسيان) ، إذ لا يثبت باستصحاب الصحة كون العبادة مركّبة ممّا عدا الجزء المنسي حال النسيان ، وبعبارة اخرى لا تنفى جزئيّة المنسي باستصحاب الصحة لعدم الملازمة بين الصحة وعدم جزئيّة المنسي حال النسيان.

(ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب : بأنّ المراد بالاتصال والهيئة الاتصاليّة ... إلى آخره).

وملخّص الخدشة في استصحاب بقاء الاتصال ، هو أنّ المراد بالاتصال لو كان هو الاتصال بين الأجزاء السابقة فهو متيقّن فلا يحتاج إلى الاستصحاب أصلا ، وإن كان المراد من الاتصال هو الاتصال بين الأجزاء السابقة وبين ما لحقها من الأجزاء اللاحقة ، فيكون الشكّ في أصل وجوده لا في بقائه بعد اليقين بوجوده حتى يجري الاستصحاب.

وعلى التقديرين لا يجري الاستصحاب ؛ لأنّه مبني على يقين سابق وشكّ لاحق ، أي : اليقين في تحقّق الشيء والشكّ في بقائه ، والمنتفي في الأوّل هو الشكّ في البقاء ، وفي الثاني هو اليقين في التحقّق.

٤٠