دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

بالنسيان وعمّمت بالزيادة والنقصان.

والظاهر أنّ بعض أدلّة الزيادة مختصّة بالسهو ، مثل قوله : (إذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة) (١).

الأمر الثاني : إذا ثبت جزئيّة شيء أو شرطيّته في الجملة ، فهل يقتضي الأصل جزئيّته

____________________________________

(كان أخصّ من الصحيحة إن اختصّت بالنسيان) ، أي : كان ما دلّ على قدح الزيادة سهوا أخصّ من الصحيحة إن قلنا باختصاصها بالسهو والنسيان وتعميمها بالنسبة إلى الزيادة والنقصان ؛ لأنّ الصحيحة تدلّ ـ حينئذ ـ على عدم قدح الزيادة والنقصان السهويين ، وخبر الاستيقان يدلّ على قدح الزيادة سهوا ، ومقتضى حمل العامّ على الخاصّ أن يؤخذ بالخاصّ ، فيقال بقدح الزيادة سهوا ويبقى في العامّ عدم قدح النقصان سهوا.

قال الاستاذ الاعتمادي : بل النسبة هو العموم من وجه سواء اختصّت الصحيحة بالسهو أو عمّت به وبالعمد ، مادّة افتراقها عدم قدح النقص سهوا في غير الخمسة ، ومادّة افتراق خبر الاستيقان قدح الزيادة سهوا في الخمسة ، ويتعارضان في الزيادة سهوا في غير الخمسة ، فيرجع إلى قانون التعارض.

وأمّا لو اختصّت بالنقص سهوا ، فينتفي التعارض رأسا ، وأمّا نسبته مع المرسلة ، فهي التباين الكلّي ؛ لأنّ مقتضاه قدح الزيادة سهوا ، ومقتضى المرسلة عدمه ، إلّا أنّ المرسلة نصّ ، وخبر الاستيقان ظاهر لاحتمال إرادة الاستيقان حين الزيادة ، فيحمل على الزيادة عمدا تقديما للنص على الظاهر.

(والظاهر أنّ بعض أدلّة الزيادة مختصّة بالسهو ، مثل قوله : (إذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة) حيث يكون ظاهرا في الاستيقان بعد النسيان ، إلّا أنّ مقتضى الجمع بين هذا الخبر وبين غيره هو أنّ الزيادة عمدا قادحة من جهة تقديم النصّ على الظاهر ، على ما عرفت ، والزيادة والنقيصة السهويتين غير قادحتين في غير الخمسة وقادحتان فيها.

(الأمر الثاني : إذا ثبت جزئيّة شيء أو شرطيته في الجملة ، فهل يقتضي الأصل جزئيّته

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢. غوالي اللآلئ ٣ : ٩٤ / ١٠٦.

٦١

وشرطيّته المطلقتين ، حتى إذا تعذّر سقط التكليف بالكلّ أو المشروط ، أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكّن ، فلو تعذّر لم يسقط التكليف؟ وجهان بل قولان :

للأوّل : أصالة البراءة من الفاقد وعدم ما يصلح لإثبات التكليف ، كما سنبيّن.

____________________________________

وشرطيّته المطلقتين ، حتى إذا تعذّر سقط التكليف بالكلّ أو المشروط ، أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكّن ، فلو تعذّر لم يسقط التكليف؟ وجهان بل قولان :) وقبل بيان الوجهين نذكر مقدّمة لتحرير الكلام ، وهي : إنّ ثبوت الجزء والشرط ؛ تارة يكون بنفس الأمر بالكلّ والمشروط بأن تكون ألفاظ العبادات أسامي للصحيح بمعنى الجامع لجميع الأجزاء والشرائط ، بحيث لو انتفى شيء منهما لا يصدق الاسم على الفاقد ، واخرى بغيره.

وعلى الثاني يمكن أن يكون كلّ واحد من دليلي الكلّ والجزء على نحو الإطلاق ، وكذلك دليل المشروط والشرط ، كقول الشارع فرضا : صلّ على القول بالأعمّ وكونه في مقام البيان ، وكذلك قوله : (لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب) (١) أو (لا صلاة إلّا بطهور) (٢).

حيث يكون الأوّل في مقام بيان الجزء والثاني في مقام بيان الشرط ، ويمكن أن يكون كلّ واحد من دليلي المركّب والجزء والشرط على نحو الإجمال ، بأن يكون دليل الجزء والشرط كنفس دليل المركّب بالإجماع مثلا ، ويمكن أن يكون دليل الكلّ مطلقا ودليل الجزء والشرط غيره ، ويمكن العكس. إذا عرفت ذلك فنقول :

إنّ محلّ الكلام هو الصورة الثالثة ، وهي ما إذا كان كلّ واحد ممّا دلّ على ثبوت المركّب والجزء والشرط مجملا ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (إذا ثبت جزئيّة شيء أو شرطيّته في الجملة) حيث يشكّ ـ حينئذ ـ في ثبوت الجزئيّة والشرطيّة في جميع الحالات حتى حال التعذّر ، فيكون مقتضى الأصل هو سقوط التكليف رأسا ، لعدم تمكّن المكلّف من إتيان الواجب ، وهو واجد الجزء أو الشرط ، لفرض التعذّر ، وعدم كون الفاقد واجبا أصلا ، أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكّن ، فيكون مقتضى الأصل هو الاحتياط والإتيان بالفاقد

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٣ : ٨٢ / ٦٥ ، والحديث فيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقريب منه في الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨ ، وقريب منه أيضا في التهذيب ٢ : ١٤٦ / ٥٧٣ ، ٥٧٤ ، ٥٧٥ ، وكذلك الوسائل ٦ : ٣٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ١ ، ح ١ ، وفي صحيح مسلم ١ : ٢٤٧ / ٣٩٤ : (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب).

(٢) الفقيه ١ : ٣٥ / ١٢٩. التهذيب ١ : ٥٠ / ١٤٤. الوسائل ١ : ٣١٥ ، أبواب أحكام الخلوة ، ب ٩ ، ح ١.

٦٢

ولا يعارضها استصحاب وجوب الباقي ؛ لأنّ وجوبه كان مقدّمة لوجوب الكلّ ، فينتفي بانتفائه ، وثبوت الوجوب النفسي له مفروض الانتفاء.

____________________________________

لعدم سقوط التكليف بالتعذّر.

وأمّا حكم الصورة الأولى ، فهو سقوط التكليف من دون إشكال ، إذ بانتفاء الجزء أو الشرط ينتفي الأمر بالكلّ أو المشروط ؛ وذلك لعدم تمكّن المكلّف من الإتيان بالواجب ، والتكليف مشروط بالقدرة والتمكّن.

وأمّا حكم الصورة الثانية ، فهو ـ أيضا ـ سقوط التكليف ؛ لأنّ مقتضى إطلاق دليل الجزئيّة أو الشرطيّة هو ثبوتهما في جميع الحالات المستلزم لسقوط التكليف حال التعذّر.

نعم ، مقتضى إطلاق دليل المركّب وإن كان عدم سقوط التكليف حال تعذّر الجزء أو الشرط ، إلّا أنّ الإطلاق في دليل الجزء والشرط مقيّد لذلك الإطلاق.

وأمّا الصورة الرابعة ، وهي ما إذا كان دليل ثبوت الكلّ مطلقا دون دليل الجزء والشرط ، فحكمهما عدم سقوط التكليف واختصاص اعتبار الجزء والشرط بحال التمكّن ؛ وذلك للاكتفاء بدليل ثبوت الجزء والشرط على قدر المتيقّن وهو حال التمكّن.

وأمّا الصورة الخامسة ، وهي ما إذا كان دليل الكلّ مجملا ودليل الجزء والشرط مطلقا ، فهو سقوط التكليف حال التعذّر ، كما لا يخفى.

وكيف كان فيقع الكلام في الصورة الثالثة بما هو مقتضى الأصل الأوّلي فيها ، وقد تقدّم الوجهان وهما :

سقوط التكليف بالتعذّر ، وعدم السقوط.

حيث استدلّ على الوجه الأوّل بأصالة البراءة من الفاقد ؛ لكون الشكّ في وجوب الفاقد بعد التعذّر شكّا في أصل التكليف ، والمرجع فيه هو البراءة بعد فرض عدم ما يصلح لإثبات التكليف.

(ولا يعارضها استصحاب وجوب الباقي ... إلى آخره) وفرض جريان الاستصحاب صحيح فيما إذا كان المكلّف قادرا على الإتيان بالواجد ثمّ تعذّر الجزء أو الشرط.

إلّا أنّ الاستصحاب المزبور فاسد من جهة أنّ الثابت سابقا قبل تعذّر بعض الأجزاء هو وجوب الأجزاء الباقية من باب المقدّمة ، وهو قد ارتفع قطعا بانتفاء الكلّ ، ووجوب الباقي

٦٣

نعم ، إذا ورد الأمر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للأعمّ كان ما دلّ على اعتبار الأجزاء الغير المقوّمة فيه من قبيل التقييد ، فإذا لم يكن للمقيّد إطلاق بأن قام الإجماع على جزئيّته في الجملة أو على وجوب المركّب من هذا الجزء في حقّ القادر عليه ، كان القدر المتيقّن منه ثبوت مضمونه بالنسبة إلى القادر ، أمّا العاجز فيبقى إطلاق الصلاة بالنسبة إليه سليما عن القيد ، ومثل ذلك الكلام في الشروط.

نعم ، لو ثبت الجزء والشرط بنفس الأمر بالكلّ والمشروط ، كما لو قلنا بكون الألفاظ أسامي للصحيح ، لزم من انتفائهما انتفاء الأمر ولا أمر آخر بالعاري عن المفقود ، وكذلك لو ثبت أجزاء المركّب من أوامر متعدّدة ، فإنّ كلّا منها أمر غيري ، إذا ارتفع بسبب العجز ارتفع الأمر بذي المقدّمة ـ أعني : الكلّ ـ فينحصر الحكم بعدم سقوط الباقي في الفرض الأوّل كما

____________________________________

بالوجوب النفسي بعد التعذّر لا يمكن إثباته بالاستصحاب ؛ لكونه معلوم الانتفاء سابقا ، مع أنّ المعتبر في الاستصحاب هو اليقين بثبوت شيء سابقا والشكّ في بقائه لاحقا ، فالوجوب الغيري هو مرتفع قطعا فلا يستصحب ، والوجوب النفسي غير متيقّن الثبوت سابقا فلا يجري فيه الاستصحاب كي يكون معارضا لأصالة البراءة.

ثمّ أشار المصنّف قدس‌سره إلى حكم الصورة الرابعة بقوله :

(نعم ، إذا ورد الأمر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للأعمّ) ، أي : لمعظم الأجزاء كالأركان مثلا(كان ما دلّ على اعتبار الأجزاء الغير المقوّمة فيه) ، أي : كان ما دلّ على جزئيّة غير الأركان (من قبيل التقييد) ، فإذا لم يكن له إطلاق ـ كما هو المفروض ـ لوجب الأخذ بالقدر المتيقّن وهو وجوب المركّب من هذا الجزء على القادر ، فيبقى الإطلاق بالنسبة إلى العاجز عن الجزء المزبور باقيا على حاله ، فيجب عليه إتيان الباقي ، والنتيجة هي عدم سقوط التكليف ، كما عرفت.

ثمّ أشار قدس‌سره إلى الصورة الاولى بقوله :

(نعم ، لو ثبت الجزء والشرط بنفس الأمر بالكلّ والمشروط) وقد عرفت حكمها في السابق وهو سقوط التكليف ، ومثل حكم هذه الصورة حكم ما(لو ثبت أجزاء المركّب من أوامر متعدّدة ، فإنّ كلّا منها أمر غيري ، إذا ارتفع بسبب العجز ارتفع الأمر بذي المقدّمة) فيسقط التكليف.

٦٤

ذكرنا.

ولا يلزم فيه من ذلك استعمال لفظ المطلق في المعنيين ، أعني : المجرّد عن ذلك الجزء بالنسبة إلى العاجز ، والمشتمل على ذلك الجزء بالنسبة إلى القادر.

لأنّ المطلق ـ كما بيّن في موضعه ـ موضوع للماهيّة المهملة الصادقة على المجرّد عن القيد والمقيّد ، كيف؟ ولو كان كذلك كان كثير من المطلقات مستعملا كذلك.

فإنّ الخطاب الوارد بالصلاة قد خوطب به جميع المكلّفين الموجودين أو مطلقا ، مع كونهم مختلفين في التمكّن من الماء وعدمه ، وفي الحضر والسفر ، والصحّة ، والمرض وغير

____________________________________

وبيان ذلك ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّه إذا كان هناك عشرة أوامر مثلا ، مثل كبّر اقرأ ، واركع ... إلى آخره ، وانتزع الأمر بالصلاة منها ، فإذا انتفى ينتفي الأمر المنتزع منها وانتزاعه من التسعة الباقية يمنع بالبراءة (فينحصر الحكم بعدم سقوط الباقي في الفرض الأوّل) المذكور في المتن وهو قوله :

(نعم إذا ورد الأمر بالصلاة مثلا وقلنا بكونها اسما للأعمّ) حيث يكون أوّل الاحتمالات التي ذكرها المصنّف قدس‌سره ، بعد ما هو محلّ الكلام منها.

قوله : (ولا يلزم فيه من ذلك استعمال لفظ المطلق في المعنيين ، أعني : المجرّد عن ذلك الجزء بالنسبة إلى العاجز ، والمشتمل على ذلك الجزء بالنسبة إلى القادر) دفع لما يتوهّم من لزوم استعمال لفظ المطلق ـ أيّ : الصلاة حينئذ ـ في معنيين كما هو مبيّن في المتن.

وحاصل الدفع : إنّه لا يلزم ممّا ذكر استعمال لفظ المطلق في المعنيين ؛ (لأنّ المطلق ـ كما بيّن في موضعه ـ موضوع للماهيّة المهملة) المعروفة بلا شرط(الصادقة على المجرّد عن القيد والمقيّد ، كيف؟ ولو كان كذلك).

أي : لو كان إطلاق المطلق وشموله على المعنيين المذكورين استعماله في المعنيين (كان كثير من المطلقات مستعملا كذلك) ، أي : في الأكثر من معنى واحد ، كالمطلقات التي لا يحصل الامتثال بها بإيجاد فرد واحد كأعتق رقبة ، بل لها امتثالات متعدّدة بتعدّد الأشخاص والأوقات ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(فإنّ الخطاب الوارد بالصلاة قد خوطب به جميع المكلّفين الموجودين أو مطلقا ، مع كونهم مختلفين في التمكن من الماء وعدمه ، وفي الحضر والسفر ، والصحة ، والمرض وغير

٦٥

ذلك ، وكذا غير الصلاة من الواجبات.

وللقول الثاني : استصحاب وجوب الباقي إذا كان المكلّف مسبوقا بالقدرة ، بناء على أنّ المستصحب هو مطلق الوجوب ، بمعنى لزوم الفعل من غير التفات إلى كونه لنفسه أو لغيره ،

____________________________________

ذلك).

مع أنّ أحدا لم يقل باستعمال لفظ المطلق في الأكثر من معنى واحد ، وليس ذلك إلّا من جهة عدم استعمال المطلق في الخصوصيات ، حتى يقال باستعماله في الأكثر من معنى واحد.

بل استعمل في القدر المشترك بينها ، وهو الأركان المأخوذة لا بشرط ، فلا يلزم استعمال اللفظ في المعنيين. هذا تمام الكلام في القول الأوّل.

وأمّا القول الثاني فهو ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وللقول الثاني : استصحاب وجوب الباقي ... إلى آخره) وقد عرفت فساد هذا الاستصحاب ، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بأحد وجهين :

أحدهما : هو المسامحة في الاستصحاب المذكور من جهة نفس الحكم المستصحب ، بأن يقال : إنّ المستصحب هو القدر المشترك بين الوجوب النفسي والغيري ، وهو مطلق المطلوبيّة لا الوجوب النفسي فقط حتى يقال : إنّه لم يكن ثابتا سابقا بالنسبة إلى الباقي ، ولا الغيري فقط حتى يقال : إنّه وإن كان ثابتا ، إلّا أنّه قد ارتفع قطعا بعد تعذّر بعض الأجزاء ، ويمكن استصحاب بقاء الكلّي.

غاية الأمر أنّ المتحقّق سابقا بالنسبة إلى الأجزاء الباقية كان هو الوجوب الغيري ، وبعد تعذّر بعض الأجزاء شكّ في بقاء الكلّي من جهة احتمال تبدّل الوجوب الغيري بالوجوب النفسي ، فيستصحب الكلّي. هذا ملخّص الكلام في المسامحة من جهة المستصحب.

وثانيهما : هو المسامحة من جهة الموضوع بدعوى أنّ المستصحب وإن كان هو الوجوب النفسي ، إلّا أنّ موضوعه لم يكن خصوص الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء حتى يقال : إنّ الموضوع قد انتفى بعد تعذّر بعض الأجزاء ، بل الموضوع هو الأعمّ من الجامع لجميع الأجزاء والفاقد لبعضها ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

٦٦

أو الوجوب النفسي المعلّق بالموضوع الأعمّ من الجامع لجميع الأجزاء والفاقد لبعضها ، ودعوى صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الأعمّ الموجود في اللاحق ولو مسامحة ، فإنّ أهل العرف يطلقون على من عجز عن السورة بعد قدرته عليها : إنّ الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة ، ولا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها.

ولو لم يكف هذا المقدار في الاستصحاب لاختلّ جريانه في كثير من الاستصحابات ، مثل استصحاب كثرة الماء وقلّته ، فإنّ الماء المعيّن الذي اخذ بعضه أو زيد عليه ، يقال إنّه كان كثيرا أو قليلا ، والأصل بقاء ما كان ، مع أنّ هذا الماء الموجود لم يكن متيقّن الكثرة أو القلّة ، وإلّا لم يعقل الشكّ فيه ، فليس الموضوع فيه إلّا هذا الماء مسامحة في مدخليّة الجزء الناقص أو الزائد في المشار إليه ، ولذا يقال في العرف : هذا الماء كان كذا وشكّ في صيرورته كذا ، من غير ملاحظة زيادته ونقيصته.

____________________________________

(أو الوجوب النفسي المعلّق بالموضوع الأعمّ) إلى أن قال : (ودعوى صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الأعمّ الموجود في اللاحق ولو مسامحة).

فيقال بعد تعذّر بعض الأجزاء : إنّ الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء كانت واجبة بالوجوب النفسي حينما كانت واجدة لجميع الأجزاء ونشكّ في وجوبها بعد تعذّر بعض الأجزاء ، فيستصحب بقاء وجوبها النفسي ، لأنّ الموضوع باق عند العرف ، لعدم مدخليّة الجزء المتعذّر فيه ، نظير استصحاب الكريّة والقلّة للماء المسبوق بالكريّة ، مع ما اخذ منه في الزمان اللاحق ، أو الماء المسبوق بالقلّة قبل ما زيد عليه لاحقا.

ولو لا المسامحة في بقاء الموضوع في هذه الموارد وكان الملاك في بقائه نظر العقل الدقّي ، لما جرى الاستصحاب في هذه الموارد ، لعدم بقاء الموضوع عقلا بعد تغييره بالنقصان أو الزيادة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ولو لم يكن هذا المقدار) من المسامحة في بقاء الموضوع (في الاستصحاب لاختلّ جريانه في كثير من الاستصحابات). هذا تمام الكلام في مقتضى الأصل الأوّلي في تعذّر بعض الأجزاء والشرائط ، وهو عدم سقوط التكليف والإتيان بالفاقد على القول الثاني ، ثمّ يذكر ما هو مقتضى الأصل الثانوي المستفاد من الأخبار من باب تأييد القول الثاني في مقتضى الأصل الأوّلي حيث يقول :

٦٧

ويدلّ على المطلب أيضا : النبوي والعلويّان المرويّان في غوالي اللآلئ.

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم) (١).

وعن علي عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) (٢) و (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه) (٣).

وضعف إسنادها مجبور باشتهار التمسّك بها بين الأصحاب في أبواب العبادات ، كما لا يخفى على المتتبّع ، نعم ، قد يناقش في دلالتها :

أمّا الاولى : فلاحتمال كون «من» بمعنى الباء أو بيانيّة ، و «ما» مصدريّة زمانيّة.

____________________________________

(ويدلّ على المطلب أيضا : النبوي والعلويّان المرويّان في غوالي اللآلئ.

فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم).

وعن علي عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) و (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه)).

والمستفاد من هذه الروايات هو عدم سقوط التكليف بتعذّر بعض الأجزاء والشرائط ، بل يجب على المكلّف الإتيان بما يتمكّن منه ؛ لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يتمكّن المكلّف من إتيان كلّه لا يجوز له ترك الكلّ ، بل عليه الإتيان بما يتمكّن منه.

وكذلك النبوي ظاهر في وجوب إتيان ما يتمكّن منه المكلّف من بعض الأجزاء بعد عدم التمكّن من الجميع ؛ لأنّ كلمة «من» في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأتوا منه) ظاهرة في التبعيض إن لم تكن حقيقة فيه ، وكلمة «ما» في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ما استطعتم) ظاهرة في الموصولة ، فيدلّ النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله على وجوب الإتيان بما هو المقدور من المركّب.

ثمّ إنّ هذه الأخبار وإن كانت ضعيفة من حيث السند ، إلّا أنّ ضعف سندها مجبور بعمل الأصحاب بها ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وضعف إسنادها مجبور باشتهار التمسّك بها بين الأصحاب في أبواب العبادات ، كما لا يخفى) ، إلّا أنّها قابلة للمناقشة من جهة الدلالة كما أشار إليها بقوله :

(نعم ، قد يناقش في دلالتها) ؛ لأنّ الاستدلال بالنبوي كما عرفت مبني على كون «من» للتبعيض و «ما» موصولة ، ولا يصح الاستدلال به على تقدير كون «من» بمعنى الباء أو بيانيّة

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، وفيه : وقال عليه‌السلام : (إذا امرتم بأمر فأتوا منه بما استطعتم).

(٢) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، وفيه : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يترك الميسور بالمعسور).

(٣) غوالي اللآلئ ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

٦٨

وفيه : أنّ كون «من» بمعنى الباء مطلقا وبيانيّة في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

والعجب معارضة هذا الظاهر بلزوم تقييد الشيء بناء على المعنى المشهور بما كان له أجزاء حتى يصحّ الأمر بإتيان ما استطيع منه ، ثمّ تقييده بصورة تعذّر إتيان جميعه ، ثمّ ارتكاب التخصيص فيه بإخراج ما لا تجري فيه هذه القاعدة اتفاقا ، كما في كثير من المواضع ، إذ لا يخفى أنّ التقييدين الأوّلين يستفادان من قوله : (فأتوا منه ... إلى آخره) ،

____________________________________

و «ما» مصدريّة ؛ لأنّ المعنى سيكون ـ حينئذ ـ فأتوا بالمأمور به ما دامت استطاعتكم ، فيكون النبوي ناظرا إلى اعتبار القدرة والاستطاعة في التكليف ، ولا يدلّ على وجوب الإتيان بالبعض المقدور عند تعذّر الكلّ ، كما هو المطلوب.

(وفيه : أنّ كون «من» بمعنى الباء مطلقا وبيانيّة في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد).

أمّا الأوّل : وهو كون «من» بمعنى الباء ، فلأجل كونه خلاف الموضوع له.

وأمّا الثاني : وهو كون «من» بيانيّة ، فلأنّ البيان وإن كان من جملة معاني «من» إلّا أنّه مخالف للظاهر في خصوص المقام ، إذ ليس في المقام ما يحتاج إلى البيان.

وتعجّب المصنّف قدس‌سره ممّا ذكره صاحب الفصول قدس‌سره في المقام من أنّ ظهور النبوي في المعنى المشهور يصير ضعيفا بلزوم كثرة التقدير من جهة تقييد الشيء في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء) ثمّ تقييده ثانيا بصورة تعذّر بعض أجزائه ، وعدم التمكّن من إتيان الجميع ثمّ ارتكاب التخصيص ثالثا بإخراج ما لا تجري فيه هذه القاعدة كالصوم مثلا ، حيث لا تجري فيه هذه القاعدة بعد تعذّر الصوم الكامل ، فلا يمكن أن يقال بوجوب الصوم المقدور ، أي : الإمساك في نصف اليوم إن لم يتمكّن من الصوم الكامل ، وهو الإمساك تمام اليوم.

والحاصل أنّ صاحب الفصول قدس‌سره حكم بضعف ظهور النبوي في المعنى المشهور بلزوم كثرة التقدير ولزوم التخصيص ، حيث يكون التقدير حينئذ : «إذا أمرتكم بشيء ذي أجزاء ولم تتمكّنوا من إتيان جميعه فأتوا بعضه المقدور ، إلّا الصوم ونحوه» كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

ووجه تعجّب المصنّف قدس‌سره من كلام صاحب الفصول قدس‌سره هو عدم لزوم التقدير المذكور

٦٩

وظهوره حاكم عليهما.

نعم ، إخراج كثير من الموارد لازم ولا بأس به في مقابل ذلك المجاز البعيد.

والحاصل أنّ المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة في فهم الخطابات العرفيّة.

وأمّا الثانية : فلما قيل : من أنّ معناه : أنّ الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسبب سقوط

____________________________________

أصلا فضلا عن كثرته.

بل ما ذكر من التقديرين والتقييدين مستفاد من نفس قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فأتوا منه ما استطعتم) من دون حاجة إلى التقييد أصلا ؛ لأنّ وجوب البعض المقدور المستفاد من النبوي لا يعقل إلّا في شيء ذي أجزاء تعذّر بعضها ، فظهور النبوي في وجوب البعض المقدور(حاكم عليهما) ، أي : دالّ على التقييدين وهذا غير الحكومة المصطلحة عند الاصوليين.

(نعم ، إخراج كثير من الموارد لازم ولا بأس به في مقابل ذلك المجاز البعيد) وهو حمل «من» بمعنى الباء أو البيان ، كما حمل ذلك صاحب الفصول قدس‌سره فرارا عن كثرة التقدير ، والالتزام بالتخصيص أولى من حمل «من» على المعنى المجازي البعيد. هذا تمام الكلام في النبوي على نحو الاختصار ، ومن يريد التفصيل والاحتمالات المتصوّرة فيه فعليه بالكتب المبسوطة كالأوثق وبحر الفوائد.

وفي تعليقة غلام رضا قدس‌سره قال في شرح قول المصنّف قدس‌سره : (كما في كثير من المواضع) : إنّ هذا كالوضوء والصلاة ، والصوم ، والحج ، وأمثالها ، فإنّه لا إشكال في عدم وجوب الإتيان بما تيسّر في مثلها ، فلا يجب على من قدر على إتيان ركعة من صلاة الصبح ، وكذلك الظهر والعصر والمغرب والعشاء دون الباقي أن يأتي بما تيسّر ، وكذلك غسل بعض مواضع الوضوء ، ومسح بعض مواضع المسح ، وهكذا.

إلى أن قال في شرح قول المصنّف قدس‌سره : (أنّ المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة) : وتؤيّده القاعدة المعروفة وهي : أنّ التأسيس أولى من التأكيد ، فإنّ مفادها إن كان اشتراط القدرة في التكاليف يلزم كونه تأكيدا لحكم العقل ، وهذا بخلاف ما لو كان مفادها الإتيان بالبعض عند تعذّر الكلّ ، فإنّه تأسيس. انتهى.

(وأمّا الثانية : فلما قيل ... إلى آخره) والقائل هو صاحب الفصول قدس‌سره كما في شرح

٧٠

المعسور ـ ولا كلام في ذلك ـ لأنّ سقوط حكم شيء لا يوجب بنفسه سقوط الحكم الثابت للآخر ، فتحمل الرواية على دفع توهّم السقوط في الأحكام المستقلّة التي يجمعها دليل واحد ، كما في أكرم العلماء.

____________________________________

التنكابني أو النراقي قدس‌سرهما نقله المرحوم غلام رضا في تعليقته.

وكيف كان ، فحاصل الإشكال على الاستدلال بالرواية الثانية في المقام هو أنّ الاستدلال بها على ما نحن فيه مبنيّ على أن يكون المراد من الميسور والمعسور أجزاء المركّب ، حيث يرجع مفادها ـ حينئذ ـ إلى أنّ وجوب ما هو الميسور من الأجزاء لا يسقط بسقوط وجوب الأجزاء المعسورة.

إلّا أنّ هذا المبنى والمعنى غير صحيح ، بل الصحيح ـ حينئذ ـ هو سقوط وجوب الأجزاء الميسورة بعد سقوط وجوب الكلّ بتعذّر بعض أجزائه ؛ لأنّ وجوب الأجزاء غيري تابع لوجوب ذي المقدّمة وهو الكلّ.

فلا يصح أن يقال : إنّ وجوب الميسور لا يسقط بسقوط وجوب المعسور لما عرفت من سقوط وجوبه المقدّمي بسقوط وجوب المعسور المستلزم لسقوط وجوب الكلّ ، فيجب ـ حينئذ ـ حمل الميسور والمعسور على كلّي له أفراد ، بأن يكون كلّ فرد موضوعا مستقلا ثمّ سقط حكم بعض الأفراد بتعذّره ، فتوهّم سقوط حكم ما هو ميسور من الأفراد أيضا ، فدفع هذا التوهّم بقوله : (الميسور لا يسقط بالمعسور).

ومن المعلوم أنّه لم يكن المراد من سقوط المعسور هو سقوط نفس الفعل المعسور ، بل المراد ولو بدلالة الاقتضاء هو سقوط حكم المعسور ، إذ لا معنى لسقوط المعسور ، وعدم سقوط الميسور إلّا باعتبار الحكم ، فيكون مفاد هذه الرواية ـ حينئذ ـ نفي الملازمة بين سقوط حكم الميسور كإكرام زيد العالم ، وبين سقوط حكم المعسور كإكرام عمرو العالم المتعذّر بعد صدور أكرم العلماء.

غاية الأمر ، يكون مورد الرواية هي الأحكام المستقلة التي يجمعها دليل واحد ، لا الأحكام المستقلة المتغايرة من حيث الأدلّة كأحكام الصلاة والصوم ، والحج ونحوها ، إذ لا ريب عند الجاهل فضلا عن العالم في أنّ وجوب الصلاة الميسورة لا يسقط بسقوط وجوب الحج المعسور.

٧١

وفيه أوّلا : إنّ عدم السقوط محمول على نفس الميسور لا على حكمه ، فالمراد به عدم سقوط الفعل الميسور بسبب سقوط المعسور ، يعني : أنّ الفعل الميسور إذا لم يسقط عند عدم تعسّر شيء فلا يسقط بسبب تعسّره ، وبعبارة اخرى : ما وجب عند التمكّن من شيء آخر فلا يسقط عند تعذّره.

____________________________________

فالحاصل أنّ الشارع حكم بعدم سقوط حكم الأفراد الميسورة بسقوط حكم الأفراد المعسورة دفعا لتوهّم السقوط الناشئ من جهة وحدة الدليل.

وحاصل الدفع : إنّ الحكم الثابت للأفراد الميسورة لا يسقط من جهة سقوط الحكم عن الأفراد المتعذّرة ، وكون الدليل واحدا لا يقتضي وحدة الحكم.

(وفيه أوّلا : إنّ عدم السقوط محمول على نفس الميسور لا على حكمه).

وحاصل الجواب عن الإشكال المتقدّم يتضح بعد ذكر مقدّمة ، وهي :

إنّ الأخذ بظاهر الرواية مهما أمكن أولى من التأويل والتقدير ، وظاهر قوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) هو سقوط نفس المعسور لا سقوط حكمه ، وهكذا عدم سقوط نفس الميسور لا حكمه ، فالسقوط وعدمه ـ حينئذ ـ محمولان على نفس المعسور والميسور لا على حكمهما ؛ لأنّ سقوط الحكم يحتاج إلى التقدير المخالف للظاهر.

مع أنّ الاستدلال بها على المقام يتمّ من دون حاجة إلى التقدير ، حيث يكون مفادها أنّ سقوط فعل ثابت في الذمة من جهة تعذّره ، لا يوجب سقوط الفعل الميسور.

غاية الأمر ، هذا الكلام يقال فيما إذا كان بين حكم الميسور والمعسور ارتباط حقيقة ، أو توهّما ، والأوّل بأن يكون الأمر متعلّقا بالكلّ ، والثاني بأن يكون متعلّقا بالكلّي ، إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك صحة الاستدلال على المقام بظاهر الرواية من دون حاجة إلى التقدير.

فيقال في مقام الاستدلال : إنّ الفعل إذا لم يسقط عند عدم تعذّر شيء ، بأن يكون المركّب بجميع أجزائه ميسورا فلا يسقط بسبب تعذّر ذلك الشيء ، بأن يصير بعض أجزاء المركّب متعذّرا ، وهو المطلوب في المقام.

وللمرحوم غلام رضا قدس‌سره في هذا المقام كلام في شرح كلام المصنّف قدس‌سره (وفيه : أولا : إنّ عدم السقوط محمول ... إلى آخره) يقول فيه : أقول فيه :

٧٢

وهذا الكلام إنّما يقال في مقام يكون ارتباط وجوب الشيء بالتمكّن من ذلك الشيء الآخر محقّقا ثابتا من دليله ـ كما في الأمر بالكلّ ـ أو متوهّما كما في الأمر بما له عموم أفرادي.

____________________________________

إنّ المأخوذ في هذا الجواب ليس سوى مقدّمتين ، كون المراد بالميسور فعله دون حكمه ، وعدم جريان ذلك إلّا في الارتباطيات بقسميها ، وهاتان المقدّمتان ليستا بمحلّ الكفاية في مقام الجواب عن الردّ المزبور.

وبيان ذلك يتوقف على ذكر محتملات الحديث فنقول : إنّها ثلاثة ؛ لأنّها إمّا في مقام الإخبار عن طريقة الناس بأنّهم لا يسقطون الميسور بسبب سقوط المعسور أم لا. لا وجه على الثاني لكون الغرض منها بيان أنّ فعل الميسور بنفسه مع قطع النظر عن حكمه لا يسقط بالمعسور ، كيف؟ وذلك ليس من خواص ذاته ، فلا بدّ من كون الغرض منها بيان عدم السقوط باعتبار حكمه ، وحينئذ يكون محتملها بين وجهين :

أحدهما : أن يقدّر الحكم من باب دلالة الاقتضاء ، كما مضى في كلام الرادّ ، فتكون القضيّة حينئذ خبريّة قصد بها الإخبار عن الحكم المنشأ في متن الواقع.

وثانيهما : أن تكون القضيّة ـ حينئذ ـ خبريّة استعملت في الإنشاء ، يعني : أنّ الميسور يجب الإتيان به ولا يسقط بالمعسور ، فقصد بها إنشاء حرمة السقوط ووجوب الإتيان ، فالمراد بالميسور نفس الفعل ، وحكمه مستفاد من الإنشاء المزبور ، إذا عرفت ذلك ، فنقول :

إنّ المراد بالقضيّة هذه إن كان هو الوجه الأوّل ، فسقوطها عن الاستدلال واضح ، وإن كان الوجه الثاني ، فكذلك ، كيف؟ وهو بعينه ما ذكره الرادّ بعد البناء عليه ، كما تقدّم «لا تكفي بمحلّ المراد».

وإن كان الوجه الثالث ، فإن اختصّت بالمرتبط الوهمي ، فتكون في مقام إنشاء الحكم الإرشادي ، وإن اختصّت بالمركّب الحقيقي ، فتكون في مقام إنشاء الحكم التكليفي ، وإن عمّمت لهما ، فالمستعمل فيه لها مطلق الإلزام الجامع بين الإرشاد والتكليف.

والاستدلال بها إنّما يتمّ على الأخيرين دون الأوّل ، والأمر في الأخيرين دائر بين المجاز إن كان المستعمل فيه هو القدر الجامع ، والتقييد إن اختصّت بالمركّب الحقيقي ، والتقييد أولى من المجاز.

٧٣

وثانيا : إنّ ما ذكر من عدم سقوط الحكم الثابت للميسور بسبب سقوط الحكم الثابت للمعسور ، كاف في إثبات المطلوب.

بناء على ما ذكرنا في توجيه الاستصحاب من أنّ أهل العرف يتسامحون فيعبرون عن وجوب باقي الأجزاء بعد تعذّر غيرها من الأجزاء ببقاء وجوبها ، وعن عدم وجوبها بارتفاع وجوبها وسقوطه ، لعدم مداقّتهم في كون الوجوب الثابت سابقا غيريّا.

____________________________________

فظهر أنّ الاستدلال بالحديث الشريف لا يتمّ إلّا بعد ضمّ هذه المقدّمات ، وليس له بها إشارة في المتن أبدا. انتهى.

(وثانيا : إنّ ما ذكر من عدم سقوط الحكم الثابت للميسور بسبب سقوط الحكم الثابت للمعسور ، كاف في إثبات المطلوب) هذا الجواب راجع إلى فرض تسليم أنّ المراد من قوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) هو عدم سقوط حكم الميسور بسقوط حكم المعسور ، وما ذكر في الإشكال من أنّ حكم الميسور مقدّمي ، فيسقط بعد سقوط حكم الكلّ قطعا.

فلا معنى لقوله : (لا يسقط) قابل للدفع بعين ما ذكر في دفع الإشكال الوارد على استصحاب الوجوب بعد تعذّر بعض الأجزاء ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(بناء على ما ذكرنا في توجيه الاستصحاب من أنّ أهل العرف يتسامحون فيعبّرون عن وجوب باقي الأجزاء بعد تعذّر غيرها من الأجزاء ببقاء وجوبها ، وعن عدم وجوبها بارتفاع وجوبها وسقوطه).

وحاصل الدفع : إنّ أهل العرف لا يفرّقون بين الوجوب النفسي الثابت للكلّ قبل تعذّر بعض الأجزاء ، وبين الوجوب الباقي الثابت للأجزاء الميسورة بعد تعذّر بعض الأجزاء ؛ لأنّ موضوع الوجوب النفسي عندهم هو الأعمّ من الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء والفاقدة لبعضها ، فلا يسقط حكم الميسور بتعذّر بعض الأجزاء.

ولهذا يصحّ قوله عليه‌السلام : (الميسور لا يسقط بالمعسور) ولو كان المراد من السقوط هو سقوط حكم المعسور ، والمراد من عدم السقوط في الميسور هو عدم سقوط حكمه ، فيصحّ ـ حينئذ ـ الاستدلال بالرواية ، ويقال : لا يسقط وجوب الميسور بسبب سقوط وجوب المعسور ، وذلك (لعدم مداقّتهم في كون الوجوب الثابت سابقا غيريّا) يسقط بسقوط

٧٤

وهذا الوجوب الذي يتكلّم في ثبوته وعدمه نفسي ، فلا يصدق على ثبوته البقاء ولا على عدمه السقوط والارتفاع ، فكما تصدق هذه الرواية لو شكّ بعد ورود الأمر بإكرام العلماء بالاستغراق الأفرادي في ثبوت حكم إكرام البعض الممكن الإكرام ، وسقوطه بسقوط حكم إكرام من يتعذّر إكرامه ، كذلك يصدق لو شكّ بعد الأمر بالمركّب في وجوب باقي الأجزاء بعد تعذّر بعضه ، كما لا يخفى.

وبمثل ذلك يقال في دفع دعوى جريان الإيراد المذكور على تقدير تعلّق السقوط بنفس الميسور لا بحكمه ، بأن يقال : إنّ سقوط المقدّمة لمّا كان لازما لسقوط ذيها ، فالحكم بعدم الملازمة في الخبر لا بدّ أن يحمل على الأفعال المستقلّة في الوجوب ، لدفع توهّم السقوط الناشئ عن إيجابها بخطاب واحد.

____________________________________

وجوب الكلّ.

(وهذا الوجوب الذي يتكلّم في ثبوته وعدمه نفسي) لم يثبت في السابق لهذه الأجزاء ، فلا يجوز الحكم بعدم السقوط بناء على النظر الدّقّي العقلي لسقوط الوجوب النفسي بالتعذّر ، والوجوب الغيري بسقوط الوجوب النفسي ؛ لأنّ الوجوب المقدّمي تابع لوجوب ذي المقدّمة وجودا وعدما ، ولكن يجوز الحكم بعدم السقوط نظرا إلى عدم مداقّة أهل العرف ؛ لأنّ الباقي موضوع للوجوب النفسي بالمسامحة العرفيّة ، فتأمّل!!.

(وبمثل ذلك يقال في دفع دعوى جريان الإيراد المذكور على تقدير تعلّق السقوط بنفس الميسور لا بحكمه) ، فلا بدّ أوّلا من تقريب دعوى جريان الإيراد ، وثانيا من بيان الدفع.

أمّا تقريب الإيراد ، فهو أنّ الملازمة بين المقدّمة وذيها من حيث الحكم نفيا وثبوتا واضحة ، وحينئذ إذا سقط حكم ذي المقدّمة يسقط حكم المقدّمة بالضرورة.

فكيف؟ يحكم الإمام عليه‌السلام في هذه الرواية بعدم سقوط حكم المقدّمة بعد سقوط حكم ذيها بالتعذّر قطعا فالحكم بنفي الملازمة بينهما بعد ثبوت الملازمة لغو ، ولا فرق في بطلان الحكم المذكور بين أن يكون المراد من الميسور والمعسور نفسهما أو حكمهما ؛ لأنّ سقوط(لا بدّ أن يحمل على الأفعال المستقلّة في الوجوب ، لدفع توهّم السقوط الناشئ عن إيجابها بخطاب واحد) ، فلا تدلّ الرواية على ما هو المدّعى في المقام ، كما لا يخفى.

هذا تمام الكلام في بيان دعوى جريان الإيراد المذكور.

٧٥

وأمّا في الثالثة : فبما قيل : من أنّ جملة «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان.

____________________________________

وأمّا الدفع ، فحاصله : أنّ ما ذكر من أنّ الملازمة بين المقدّمة وذيها موجبة لأن يكون ثبوتها تابعا لثبوت ذيها وسقوطها كذلك وإن كان صحيحا ، إلّا أنّ المراد بعدم السقوط في الرواية هو الأعمّ من عدم السقوط بمعنى البقاء من الحقيقي والمسامحي ، والبقاء المسامحي موجود في مورد تعذّر بعض أجزاء الكلّ ؛ لأنّ أهل العرف يرون بقاء الأجزاء بعد تعسّر الكلّ من دون التفات إلى أنّ الموجود عند التمكّن من الكلّ هي هذه الأجزاء من حيث كونها مقدّمة له ، والثابت بعد تعسّره هي هذه الأجزاء من حيث مطلوبيتها في نفسها ، وحيث كان المقام مقام توهّم سقوط هذه الأجزاء الميسورة بسبب سقوط الكلّ لأجل تعسّره ، فدفع الإمام عليه‌السلام هذا التوهّم ببيان عدم الملازمة بينهما ، كما في الأوثق.

قال المرحوم غلام رضا قدس‌سره في تعليقته على الرسائل في هذا المقام ما هذا نصه : «إنّه إذا تعذّر الإتيان بذي المقدّمة دون المقدّمة ، كما إذا امر بالكون على السطح مثلا وتعذّر المأمور به مع تيسّر مقدّمته كنصب السلّم ، فإنّ الارتباط بينهما بمثابة الارتباط بين الأجزاء بذاتها وبين المركّب ، فإن التزم المستدلّ بكون مثل ذلك مشمولا للحديث ، فقد خالف الإجماع ، وإن التزم بخروجه عنه فيطالب بوجه الفرق بينه ، وبين الأجزاء بالنسبة إلى المركّب ، فإنّها أيضا مقدّمة لتحصيله ، كيف؟ ولا فرق بين نصب السلّم بالنسبة إلى الكون على السطح والأخشاب بذاتها بالنسبة إلى السرير». انتهى.

(وأمّا في الثالثة : فبما قيل : من أنّ جملة «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان) والقائل هو النراقي قدس‌سره كما في بعض الشروح ، فلا بدّ من بيان الاستدلال بهذه الرواية على ما نحن فيه كي يتّضح ما يرد عليه من الوجوه التي ذكرها المصنّف قدس‌سره فنقول :

إنّ الاستدلال بها على المقام مبني على أمرين :

أحدهما : حمل الموصول في قوله عليه‌السلام : «ما لا يدرك» على المركّب بأن يكون المراد من الموصول هو الكلّ المركّب من الأجزاء ، لا الكلّي المشتمل على الأفراد.

وثانيهما : أن يكون قوله عليه‌السلام : «لا يترك» لإنشاء التحريم ، لا للإخبار ، فيكون مفادها حينئذ المركّب الذي لا يدرك كلّه ، بأن يكون بعض أجزائه متعذّرا لا يجوز ترك كلّه ، بل يجب إتيان ما يتمكّن المكلّف منه وهو المطلوب.

٧٦

مع أنّه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها ، إمّا بحمل الجملة على مطلق المرجوحيّة أو إخراج المندوبات ، ولا رجحان للتخصيص.

مع أنّه قد يمنع كون الجملة إنشاء ، لإمكان كونه إخبارا عن طريقة الناس وأنّهم لا

____________________________________

وأمّا الوجه الأوّل ، فقد أشار إليه قدس‌سره بقوله : (من أنّ جملة «لا يترك» خبريّة لا تفيد إلّا الرجحان).

وحاصل هذا الوجه ، أنّ الاستدلال بالرواية على ما تقدّم مبنيّ على أن تكون جملة «لا يترك» لإنشاء التحريم ، فإذا قلنا بأنّها خبريّة اريد بها الإنشاء ، لا تدلّ على وجوب إتيان الباقي ، كما هو المدّعى ؛ لأنّ الجملة الخبريّة ظاهرة في الرجحان.

ثمّ أشار إلى الوجه الثاني قدس‌سره بقوله :

(مع أنّه لو اريد منها الحرمة لزم مخالفة الظاهر فيها ، إمّا بحمل الجملة على مطلق المرجوحيّة ، أو إخراج المندوبات).

وحاصل تقريب هذا الإشكال على الاستدلال ، هو أنّه لو سلّمنا أنّ الجملة الخبريّة التي اريد بها الإنشاء ظاهرة في الحرمة لا يمكن إبقاؤها على ظاهرها ؛ لعدم حرمة ترك المندوبات ، مع أنّ عموم الموصول شامل لها ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من مخالفة أحد الظاهرين ؛ وذلك :

إمّا بحمل «لا يترك» على مطلق المرجوحيّة وإبقاء الموصول على عمومه ، وحينئذ لا تدلّ الرواية على المدّعى وهو حرمة الترك لا مرجوحيته.

وأمّا بتخصيص الموصول بإخراج المندوبات منه ، وإبقاء «لا يترك» على ظاهره ، فيكون مفادها «أنّ ما لا يدرك كلّه من الواجبات لا يترك كلّه» ، أي : لا يجوز ترك الباقي وهو المطلوب.

إلّا أنّه لا رجحان للتخصيص في خصوص المقام على المجاز الندبي وإن كان أولى من المجاز في غير المقام ؛ وذلك لكون التخصيص في المقام تخصيصا للأكثر ، والمجاز الندبي مجاز شائع ، فتكون الرواية حينئذ مجملة لا يمكن الاستدلال بها أصلا.

وأمّا الوجه الثالث فقد أشار قدس‌سره إليه بقوله :

(مع أنّه قد يمنع كون الجملة إنشاء ، لإمكان كونه إخبارا عن طريقة الناس ... إلى

٧٧

يتركون الشيء بمجرّد عدم إدراك بعضه.

مع احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الأفرادي ، لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكلّ المجموعي ، ولا مشتركا معنويّا بينه وبين الأفرادي ، فلعلّه مشترك لفظي أو حقيقة خاصّة في الأفرادي ، فيدلّ على أنّ الحكم الثابت لموضوع عامّ بالعموم الأفرادي ، إذا لم يمكن الإتيان به على وجه العموم لا يترك موافقته في ما أمكن من الأفراد.

ويرد على الأوّل : ظهور الجملة في الإنشاء الإلزامي ، كما ثبت في محلّه ، مع أنّه إذا ثبت الرجحان في الواجبات ثبت الوجوب ، لعدم القول بالفصل في المسألة الفرعيّة.

____________________________________

آخره).

وحاصل الكلام في بيان هذا الوجه الثالث ، هو منع كون الجملة الخبريّة في الرواية في مقام إنشاء الحرمة ، لإمكان كون الخبر بمعناه وهو الإخبار عن طريقة الناس بأنّهم لا يتركون الشيء بمجرّد عدم إدراك بعضه ، فلا تدلّ الرواية على ما هو المدّعى في المقام أصلا.

والوجه الرابع ما أشار قدس‌سره إليه بقوله :

(مع احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الأفرادي .... إلى آخره) ، كقول المولى : أكرم العلماء ، فإذا لم يتمكّن العبد من إكرام جميع العلماء ، يقال له ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، أي : عليه أن يكرم من يتمكّن من إكرامه.

فلا تكون الرواية مرتبطة بالمقام أصلا ، فلا يمكن للمستدلّ أن يستدلّ بها على المقام ، وإنّما يمكن الاستدلال بها على المقام فيما إذا كان لفظ الكلّ حقيقة في الكلّ المجموعي ، أو مشتركا معنويا بينه وبين الأفرادي ، وهو غير معلوم ، بل يحتمل كونه مشتركا لفظيا ، أو حقيقة خاصّة في العموم الأفرادي.

وعلى كلا التقديرين لا يدلّ على المدّعى ، أمّا على الثاني فلما تقدّم من عدم كونها مرتبطة بالمقام ، وأمّا على الاشتراك اللفظي فلإجماله من دون نصب قرينة معيّنة. هذا تمام الكلام فيما يرد على الاستدلال بالرواية الثالثة.

(ويرد على الأوّل : ظهور الجملة في الإنشاء الإلزامي ، كما ثبت في محلّه) حتى قيل بأنّ الجملة الخبريّة المستعملة للطلب أقوى دلالة من الأمر والنهي ، كما في شرح الاستاذ

٧٨

وأمّا دوران الأمر بين تخصيص الموصول والتجوّز في الجملة ، فممنوع ، لأنّ المراد بالموصول في نفسه ليس هو العموم قطعا ، لشموله للأفعال المباحة ، بل المحرّمة ، فكما يتعيّن حمله على الأفعال الراجحة بقرينة قوله : «لا يترك» ، كذلك يتعيّن حمله على الواجبات بنفس هذه القرينة ، الظاهرة في الوجوب.

____________________________________

الاعتمادي ، هذا (أولا).

(وثانيا) لو سلّمنا ما ذكر من أنّ الجملة الخبريّة لا تفيد إلّا الرجحان ، لكان كافيا في إثبات المدّعى ؛ وذلك لأنّه إذا ثبت الرجحان بالجملة الخبريّة في الواجبات ثبت الوجوب لعدم القول بالفصل ؛ لأنّ الاصوليين وإن كانوا قد اختلفوا في الاصول في أنّ الخبر هل يفيد الالزام أم لا؟ يفيد مطلق الرجحان ، إلّا أنّهم اتفقوا في الفقه على أنّ الميسور من أجزاء الواجب إذا كان راجحا كان واجبا. هذا تمام الكلام في الجواب عن الوجه الأوّل.

وقد أشار قدس‌سره إلى الجواب عن الوجه الثاني بقوله :

(وأمّا دوران الأمر بين تخصيص الموصول والتجوّز في الجملة ، فممنوع) ؛ لأنّ الدوران المذكور على ما عرفت مبني على أن يكون المراد من الموصول هو العموم من الأوّل ، وليس الأمر كذلك ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(لأنّ المراد بالموصول في نفسه ليس هو العموم قطعا) ، بل المراد منه هو الأفعال الواجبة فقط بقرينة قوله : «لا يترك» ، الظاهر في حرمة الترك ، إذ لو كان الموصول شاملا للمستحبات من جهة إرادة العموم منه ، لكان شاملا للمباحات ، بل المحرّمات والمكروهات ، والتالي باطل بالضرورة فالمقدّم مثله.

والنتيجة هي عدم شموله للمستحبات من الأوّل حتى يحكم بإخراجها عنه ، أو بحمل «لا يترك» على مطلق مرجوحيّة الترك لا الحرمة.

(فكما يتعيّن حمله) ، أي : الموصول من الأوّل (على الأفعال الراجحة) فقط(بقرينة قوله : «لا يترك» كذلك يتعيّن حمله) من الأوّل (على الواجبات بنفس هذه القرينة ، الظاهرة في الوجوب).

إلّا أن يقال : إنّ انسلاخ قوله عليه‌السلام : «لا يترك» عن الخبريّة قرينة على خروج المباحات من الأوّل فقط ، دون المستحبات ، فإنّها لا تخرج عن القضيّة الخبريّة المستعملة للطلب ، ولهذا

٧٩

وأمّا احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس ، فمدفوع بلزوم الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم.

وأمّا احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الأفرادي ، فلا وجه له ؛ لأنّ المراد بالموصول هو فعل المكلّف ، وكلّه عبارة عن مجموعه.

____________________________________

قيل بأنّها ظاهرة في مطلق الرجحان ، فيكون قياس خروج المباحات بالمستحبات قياسا مع الفارق.

(وأمّا احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس فمدفوع بلزوم الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم) ، وهذا الجواب من المصنّف قدس‌سره يرجع إلى قياس استثنائي.

وحاصله أنّه لو كان قوله عليه‌السلام : (لا يترك كلّه) إخبارا عن طريقة الناس لزم ؛ إمّا الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم ، والتالي بكلا قسميه باطل ، فالمقدّم مثله.

أمّا الملازمة فواضحة.

وأمّا بطلان الكذب فأوضح من الشمس.

وأمّا بطلان إخراج أكثر الوقائع ، فلكونه مستلزما لتخصيص الأكثر وهو قبيح.

والحاصل : إنّ الناس ربّما يتركون الميسور بالمعسور ، فيلزم حينئذ أحد الأمرين المذكورين ، هذا مضافا إلى أنّ حمل كلام المعصوم عليه‌السلام على الإخبار عن طريقة الناس يكون على خلاف الأصل ؛ لأنّ الأصل في كلام الشارع هو بيان الحكم الشرعي ، وهو في المقام قاعدة كلّيّة ، أي : (الميسور لا يترك بالمعسور) و (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه).

(وأمّا احتمال كون لفظ الكلّ للعموم الأفرادي ، فلا وجه له ؛ لأنّ المراد بالموصول هو فعل المكلّف) فيفيد العموم المجموعي لا الأفرادي ؛ لأنّ إفادة لفظ الكلّ للعموم المجموعي أو الأفرادي تابعة لموارد الاستعمال ، فإن كان مورد استعماله ومدخول لفظ الكلّ امور ذات الأفراد ، مثل قوله : كلّ دابة رزقها على الله تعالى ، يفيد العموم الأفرادي ، وإن كان مدخوله ذا أجزاء يفيد العموم المجموعي ، كقولك : أكلت الرغيف كلّه ، أي : مجموعه.

وهنا كلام للمرحوم غلام رضا قدس‌سره لا يخل وذكره عن فائدة ، حيث قال : بيان ما فيه يتوقّف على شرح حال لفظ الكلّ بحسب الوضع ، فنقول :

إنّه ليس بمشترك لفظي بين الكلّ المجموعي والأفرادي ، ولا حقيقة خاصة في

٨٠