دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

المقام الثاني

في الاستصحاب

وهو ـ لغة ـ أخذ الشيء مصاحبا ، ومنه : استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة ، وعند الاصوليّين عرّف بتعاريف ، أسدّها وأخصرها : «إبقاء ما كان».

____________________________________

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الطاهرين.

(المقام الثاني : في الاستصحاب وهو ـ لغة ـ أخذ الشيء مصاحبا).

فمعنى استصحبت هذا الشيء ، أي : أخذته مصاحبا ، واستصحبت هذا الشخص ، أي : اتخذته صاحبا ، فإطلاقه على القاعدة المعروفة بالاستصحاب عند الاصوليّين إنّما هو باعتبار أنّ العامل بها يتخذ ما تيقّن به سابقا صحيبا له إلى الزمان اللاحق في مقام العمل ، كما في اصول المظفر.

(ومنه : استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة).

أي : الاستصحاب في قول الفقهاء في مقام بيان مبطلات الصلاة ، بأنّ استصحاب أجزاء ما لا يؤكل لحمه مبطل للصلاة يكون بالمعنى اللغوي.

وتحقيق الكلام في المقام يقتضي ذكر امور :

الأوّل : بيان المناسبة بين المعنى اللغوي للاستصحاب والمعنى المصطلح عند الاصوليّين.

الثاني : بيان مقوّمات الاستصحاب عند الاصوليّين.

الثالث : بيان ما ترجع إليه تعاريفهم للاستصحاب.

الرابع : بيان ما يمكن أن يكون مدركا لحجيّة الاستصحاب عندهم.

أمّا المناسبة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي فواضحة على تقدير كون

٢٦١

____________________________________

الاستصحاب اصطلاحا بمعنى حكم الشارع ببقاء الحكم الثابت في الزمان الأوّل في الزمان الثاني ، إذ فيه جعل الزمان الثاني مصاحبا للزمان الأوّل في الحكم ، ويكون ـ حينئذ ـ المعنى الاصطلاحي أخصّ من المعنى اللغوي ، إذ أنّ المعنى اللغوي هو مطلق جعل الشيء مصاحبا ، والمعنى الاصطلاحي هو نوع خاصّ منه ، ولو قلنا بالنقل لكان النقل من المعنى اللغوي إلى الاصطلاحي من قبيل نقل العامّ إلى الخاصّ.

ويحتمل أن يكون من قبيل نقل المباين إلى المباين ، لكون المعنى الاصطلاحي مباينا للمعنى اللغوي ، وذلك لأنّ معنى الاستصحاب اصطلاحا على تقدير كون مدركه هو الأخبار والأدلّة اللفظيّة هو : حكم الشارع ببقاء المتيقّن السابق إلى زمان الشكّ ، وهذا المعنى ليس من أفراد المعنى اللغوي ، إذ ليس فيه جعل الشيء مصاحبا ، لأنّ مرجعه إلى حكم الشارع ببقاء الحكم المتيقّن السابق للمكلّف إلى زمان شكّه تعبّدا.

ومن المعلوم أنّ الشارع ـ حينئذ ـ ليس بمستصحب للحكم بمعنى أخذه مصاحبا له ، إذ لم يتّخذه مصاحبا له ، ولا للمكلّف ، بل الشارع جعل الحكم مصاحبا للمكلّف تعبّدا.

نعم ، لو قلنا : بأنّ مدرك الاستصحاب هو العقل وبناء العقلاء ، فيمكن اعتباره من أفراد المعنى اللغوي ولو مسامحة ، فيقال : إنّ العقل هو الذي يحكم بثبوت ما هو المتيقّن في الزمن السابق في زمن الشكّ أيضا ، وحينئذ يصدق عليه أنّ المكلّف هو المستصحب للحكم إلى زمان الشكّ ، لا الإبقاء الشرعي التعبّدي.

وأمّا مقوّمات الاستصحاب ، ففي بدء النظر وإن كانت ثلاثة وهي :

١ ـ اليقين بثبوت حكم ، أو موضوع ذي حكم شرعي في السابق.

٢ ـ والشكّ في بقاء ذلك الحكم ، أو الموضوع في الزمن اللاحق.

٣ ـ فعليّة الشكّ واليقين ، إذ لا يكفي في إجراء الاستصحاب الشكّ واليقين التقديريّان.

إلّا أنّ التحقيق هو أنّ مقوّمات الاستصحاب أكثر من ذلك ، إذ ترتقي إلى سبعة امور على ما في اصول الفقه للمظفّر قدس‌سره :

الأوّل : اليقين بتحقّق شيء ، سواء كان حكما شرعيّا ، أو موضوعا ذا حكم شرعي.

الثاني : الشكّ في بقاء ما كان متيقّنا ، غاية الأمر أنّ المقصود من الشكّ ما هو أعمّ من

٢٦٢

____________________________________

الشكّ بمعناه الحقيقي ومن الظنّ غير المعتبر.

الثالث : اجتماع اليقين والشكّ في زمان واحد ، بمعنى أن يتّفق في آن واحد حصول اليقين بالنسبة إلى تحقّق شيء والشكّ في بقائه ، لا بمعنى كون مبدأ حصولهما وحدوثهما في آن واحد ، بل من حيث مبدأ الحدوث يكون اليقين قبل الشكّ غالبا ، وقد يكونا متقارنين حدوثا ، كما لو تيقّن المكلّف يوم الجمعة مثلا بطهارة ثوبه يوم الخميس ، وفي نفس الوقت وفي آن حصول العلم واليقين حصل له الشكّ في بقاء الطهارة السابقة إلى يوم الجمعة.

وقد يكون مبدأ حدوث اليقين متأخّرا عن حدوث الشكّ ، كما لو حدث الشكّ يوم الجمعة في طهارة ثوبه ، واستمرّ الشكّ إلى يوم السبت ، ثمّ حدث له اليقين يوم السبت في أنّ الثوب كان طاهرا يوم الخميس ، فإنّ كلّ هذه الفروض هي مجرى للاستصحاب.

فلو لم يجتمع اليقين والشكّ في آن واحد ، بأن تبدّل اليقين بالشكّ وسرى الشكّ إليه ، كان موردا لقاعدة اليقين المغايرة لقاعدة الاستصحاب ، كما إذا علم باجتهاد زيد ، ثمّ شكّ في أصل حدوث هذه الصفة له ، حيث يسري هذا الشكّ إلى اليقين ، فيرتفع اليقين به ، ولهذا يسمّى هذا المورد من اليقين والشكّ بالشكّ الساري ، وبهذا البيان ظهر الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين والشكّ الساري.

واجمال الفرق أنّ الشكّ إذا تعلّق ببقاء ما تيقّن به ، فهو الاستصحاب ، وإذا تعلّق بأصل حدوث ما تيقّن به ، فهو قاعدة اليقين.

الرابع : تعدّد زمان المتيقّن والمشكوك ، إذ لو اتّحد زمان متعلّق اليقين والشكّ ، لزم منه اجتماع اليقين والشكّ في شيء واحد ، وهو محال ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من الالتزام بأحد أمرين :

الأوّل : أمّا بوحدة زمان الوصفين وتعدّد زمان متعلّقهما ، فيكون موردا للاستصحاب.

الثاني : وأمّا بوحدة زمان المتعلّقين وتعدّد زمان الوصفين ، فيكون موردا لقاعدة اليقين.

هذا هو الفرق الأساسي بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ، وللكلام في شمول أدلّة الاستصحاب لقاعدة اليقين وعدم شمولها لها محلّ آخر ، فنرجئه إلى محلّه.

٢٦٣

____________________________________

الخامس : وحدة متعلّق اليقين والشكّ ، بأن يكون الشكّ متعلّقا بما تعلّق به اليقين مع قطع النظر عن اعتبار الزمان ، وبهذا يحصل الفرق بين الاستصحاب ، وبين قاعدة المقتضي والمانع ، حيث إنّ متعلّق اليقين فيها هو المقتضي ، ومتعلّق الشكّ هو المانع ، فيكون المشكوك فيها غير المتيقّن.

السادس : سبق زمان المتيقّن على زمان المشكوك ، بأن يكون الشكّ متعلّقا في بقاء ما هو متيقّن الوجود سابقا ، فلو انعكس الأمر ، بأن كان زمان المتيقّن متأخّرا عن زمان المشكوك ، كأن يشكّ في مبدأ حدوث ما هو متيقّن الوجود في الزمان الحاضر ، لكان هذا الاستصحاب قهقرائيّا ، والاستصحاب القهقرائي لا دليل على اعتباره ، ولتوضيح بطلانه نذكر لك مثالا ، فنقول :

لو علم بأنّ صيغة افعل حقيقة في الوجوب فعلا ، وشكّ في مبدأ حدوث وضعها لهذا المعنى ، هل هي من الأوّل وضعت لهذا المعنى ، أم كان لمعنى آخر ثمّ نقلت منه إلى الوجوب؟.

فيقال : إنّ الأصل عدم النقل ، لإثبات أنّها موضوعة لهذا المعنى من الأوّل ، وبهذا العمل نكون قد أرجعنا معنى هذا الاستصحاب إلى جرّ اليقين اللاحق إلى الزمن المتقدّم ، ومثل هذا الاستصحاب يحتاج إلى دليل خاصّ ، ولا دليل خاصّ عليه ، وأخبار الاستصحاب لا تشمله ، وذلك لأنّ أخبار الاستصحاب تدلّ على اعتباره من باب عدم جواز نقض اليقين السابق بالشكّ اللاحق ، أمّا الاستصحاب القهقرائي فيرجع إلى نقض الشكّ السابق باليقين اللاحق.

السابع : فعليّة الشكّ واليقين ، فلا يكفي الشكّ التقديري ولا اليقين التقديري ، لأنّ ظاهر أخبار الاستصحاب في كونهما فعليّين. هذا تمام الكلام في الأمر الثاني وهي مقوّمات الاستصحاب الاصطلاحي.

وأمّا ما ترجع إليه تعاريف العلماء للاستصحاب فهي ثلاثة :

الأوّل : هو تعريف الاستصحاب بالمحلّ ، كما يظهر من المحقّق القمّي قدس‌سره حيث قال في تعريف الاستصحاب ما حاصله :

٢٦٤

____________________________________

من أنّ الاستصحاب هو كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق ومشكوك البقاء في الآن اللاحق.

والثاني : هو تعريفه بالحال ، وهو الغالب في التعاريف حيث عرّفوه : تارة : بإبقاء ما كان على ما كان.

واخرى : بالاستمرار ، كما حكي عن بعضهم ، حيث قال : إنّ الاستصحاب عبارة عن الحكم باستمرار أمر كان يقيني الحصول في وقت ومشكوك البقاء بعد ذلك الوقت.

وثالثة : بإثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه.

والثالث : هو تعريفه بالحال والمحلّ معا ، كما هو ظاهر شارح المختصر ، حيث قال فيما حكي عنه : إنّ معنى استصحاب الحال ، إنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء.

هذا تمام الكلام في الأمر الثالث ، وبقي الكلام في الأمر الرابع وهو مدرك الاستصحاب فنقول :

إنّ مدرك الاستصحاب يمكن أن يكون الأخبار ، كما يأتي تفصيله في كلام المصنّف قدس‌سره ، ويمكن أن يكون حكم العقل ، فعلى الأوّل يكون الاستصحاب من الاصول العمليّة ، وعلى الثاني يكون من الأمارات الظنيّة والأدلّة الاجتهاديّة. هذا تمام الكلام في ذكر الامور باختصار.

وأمّا تعريف الاستصحاب في اصطلاح الاصوليّين فقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وعند الاصوليّين عرّف بتعاريف ، أسدّها وأخصرها : «إبقاء ما كان»).

وأمّا كونه أخصر التعاريف المنقولة عنهم فواضح لا يحتاج إلى الكلام ، وإنّما الكلام في كونه أسدّها من حيث السلامة عن الإيراد ، فلا بدّ أوّلا : من بيان ما يرد على غيره ، وثانيا : من بيان أسدّيّة ما اختاره المصنّف قدس‌سره فنقول :

إنّك قد عرفت إنّ تعاريفهم للاستصحاب ؛ إمّا ترجع إلى تعريفه بالمحلّ فقط ، أو بالحال فقط ، أو بهما معا.

والإيراد على ما يرجع إلى تعريفه بالمحلّ ـ كما يظهر عن المحقّق القمّي قدس‌سره من أنّ

٢٦٥

____________________________________

الاستصحاب هو كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق ـ يمكن أن يتصوّر بامور :

أمّا الأوّل : إنّ هذا التعريف ليس جامعا ، إذ قوله : «يقيني الحصول» ظاهر في اعتبار تقدّم وصف اليقين زمانا على الشكّ ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، وذلك لما عرفت من أنّ المعتبر في الاستصحاب إنّما هو تقدّم نفس المتيقّن على المشكوك من غير فرق بين أن يكون زمان نفس اليقين والشكّ متّحدا أو مختلفا ، وعلى الاختلاف لا فرق بين تقدّم زمان اليقين على الشكّ وبين عكس ذلك فهذه الصور كلّها مندرجة في الاستصحاب ، ولكن التعريف المذكور لا يشملها.

وأمّا الثاني : فإنّ التعريف المذكور ليس بمانع أيضا ، وذلك لشموله للشكّ الساري ، فإنّ ظاهر قوله : «يقيني الحصول في الآن السابق» هو حصول اليقين في السابق ، سواء كان الموصوف باليقين باقيا على وصفه في زمان عروض الشكّ ، كما هو مورد الاستصحاب أم لا ، كما هو مورد الشكّ الساري ، والتعريف المذكور لا يمنع من دخول الشكّ الساري فيه.

وأمّا الثالث : فهو ما ذكره المصنّف قدس‌سره من أنّ هذا التعريف محقّق لمورد الاستصحاب ولا يكون تعريفه لنفسه ، ولهذا حكم بأنّه أزيف التعاريف.

ثمّ إنّ الإيراد على تعريف الاستصحاب بالمحلّ والحال معا يظهر ممّا تقدّم من الإيراد على تعريفه بالمحلّ ، بأنّه محقّق لمورد الاستصحاب ، لا معرّفا لنفس الاستصحاب إن كان المقصود من حدّ الاستصحاب هو خصوص الصغرى ، وإن كان المراد من الحدّ هو خصوص الكبرى ، انطبق التعريف المذكور على تعاريف المشهور ، ولذلك قال المصنّف قدس‌سره : إنّ أسدّ التعاريف وأفضلها هو إبقاء ما كان.

وكيف كان ، فلا بدّ من بيان وجه أسدّيّة ما ذكره المصنّف قدس‌سره بهذا التعريف ، ولعلّ الوجه في ذلك هو لأنّ هذا التعريف ـ أي : «ابقاء ما كان» ـ مشتمل على الأركان المعتبرة في الاستصحاب وهي : ١ ـ اليقين. ٢ ـ الشكّ. ٣ ـ وكونهما فعليّين.

وذلك لأنّ كلمة «كان» تدلّ على ثبوت الحكم أو الموضوع وتحقّقه في الزمان السابق ، ولازمه هو اليقين بتحقّق الحكم أو الموضوع في السابق.

٢٦٦

والمراد بالإبقاء الحكم بالبقاء.

ودخل الوصف في الموضوع مشعر بعلّيّته للحكم ، فعلّة الإبقاء هو أنّه كان ، فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دليله.

____________________________________

ثمّ كلمة «ابقاء» تدلّ على الحكم بالبقاء في ظرف الشكّ في بقاء ما ثبت سابقا ولو لا الشكّ فهو باق لا يحتاج إلى الإبقاء أصلا.

كما أنّ الظاهر من المجموع هو كون اليقين والشكّ فعليّين ، وذلك لأنّ العلّة للحكم بالبقاء هو اليقين ؛ ولازمه هو كون اليقين الفعلي علّة للحكم بالبقاء في ظرف الشكّ الفعلي.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه أسدّيّة تعريف المصنّف قدس‌سره للاستصحاب ، ومع ذلك فقد اوردت عليه جملة إشكالات تجنّبنا ذكرها رعاية للاختصار ، فراجع الشروح المفصّلة في ذلك.

(والمراد بالإبقاء الحكم بالبقاء).

بأن يحكم العقل ـ على القول بأنّ مدركه هو العقل ـ ببقاء ما هو الموجود والمتحقّق في الزمن السابق في الزمن اللاحق وظرف الشكّ ، أو يحكم الشرع كذلك على القول بأنّ مدركه هو الأخبار ، فيكون ـ حينئذ ـ نقل الاستصحاب عن معناه اللغوي إلى هذا المعنى الاصطلاحي نقلا إلى المباين ، لأنّ المعنى اللغوي على ما عرفت هو أخذ الشيء مصاحبا ، والحكم بالبقاء ليس أخذ الشيء مصاحبا ، فيكون مباينا له ، فتأمّل.

(ودخل الوصف) والمراد به هو كون المستفاد من «كان» وليس المراد به خصوص الوصف النحوي المفقود في المقام ، حتى يقال : إنّه ليس هناك وصف (في الموضوع مشعر بعلّيّته للحكم) ، والمراد من الموضوع هو مصداق كلمة «ما» الموصولة.

وحاصل الكلام : إنّ تعليق الحكم وهو الإبقاء بمعنى الحكم بالبقاء بالوصف ، وهو كون المستفاد من «كان» مشعر بعلّيّة الوصف للحكم ، فيكون الحكم بالبقاء لأجل أنّه كان.

(فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دليله).

فإبقاء الحكم لأجل بقاء علّة ذلك الحكم ، كالحكم ببقاء حرمة مائع لأجل بقاء سكره ، ليس استصحابا ، وكذلك إبقاء الحكم لأجل وجود دليله ، كحلّيّة دقيق الحنطة بما دلّ على حلّيّتها على جميع الحالات ليس استصحابا كذلك ، بل الاستصحاب هو ما كان الحكم

٢٦٧

وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة ب «أنّه إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل».

بل نسبه شارح الدروس إلى القوم ، فقال : «إنّ القوم ذكروا أنّ الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه».

وأزيف التعاريف تعريفه ب «أنّه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق». إذ لا يخفى أنّ كون حكم أو وصف كذلك هو محقّق

____________________________________

بالبقاء فيه بمجرّد ما كان.

وبالجملة ، إنّ التعبير بإبقاء ما كان مشعر بالركنين من أركان الاستصحاب.

أمّا الأوّل : وهو اليقين السابق فيفهم من كلمة «ما كان» ، لأنّه لا يعقل فرض ما كان إلّا إذا كان متيقّنا.

وأمّا الثاني : وهو الشكّ اللاحق فيفهم من كلمة «الإبقاء» ، إذ معنى الإبقاء هو الحكم بالبقاء تعبّدا ، ولا يعقل إلّا في مورد الشكّ بالواقع ، وكذلك التعبير «بإبقاء ما كان» مشعر بأنّ علّة الإبقاء أنّه كان ، وبذلك فيخرج من التعريف إبقاء الحكم لأجل وجود علّته أو دليله ، فتأمّل جيّدا.

(وإلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة ب «أنّه إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمان الأوّل»).

إذ لا فرق بين ما تقدّم من المصنّف قدس‌سره وبين المحكي عن الشيخ البهائي قدس‌سره في الزبدة في تعريف الاستصحاب إلّا بالإجمال والتفصيل ، لأنّ الاستصحاب بمعنى إثبات الحكم في الزمان الثاني ... إلى آخره ـ أي : الحكم بثبوت الحكم في الزمان الثاني ، وهو زمان الشكّ تعويلا واعتمادا على ثبوته في الزمان الأوّل ، وهو اليقين بثبوته في الزمان الأوّل ـ عين ما ذكره المصنّف قدس‌سره من أنّه : «إبقاء ما كان» ، أي : الحكم ببقاء الحكم في الزمان اللاحق بمجرّد ثبوته في الزمان السابق.

ثمّ أشار المصنّف قدس‌سره إلى ما تقدّم من أنّ أزيف التعاريف هو تعريف المحقّق القمّي قدس‌سره بقوله :

(وأزيف التعاريف تعريفه ب «أنّه كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق

٢٦٨

مورد الاستصحاب ومحلّه ، لا نفسه.

ولذا صرّح في المعالم ـ كما عن غاية المأمول ـ ب «أنّ استصحاب الحال ، محلّه أن يثبت حكم في وقت ، ثمّ يجيء وقت آخر ، ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على ما كان؟ وهو الاستصحاب» ، انتهى.

ويمكن توجيه التعريف المذكور : بأنّ المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلّة. وليس الدليل إلّا ما أفاد العلم أو الظنّ بالحكم ، والمفيد للظنّ بوجود الحكم في الآن اللاحق ليس إلّا كونه يقيني الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق ، فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الأمارات إلّا بما ذكره قدس‌سره.

____________________________________

مشكوك البقاء في الآن اللاحق»).

وقد تقدّم الإيراد عليه ؛ تارة : بعدم كونه جامعا ، واخرى : بعدم كونه مانعا ، وثالثة : بما ذكره قدس‌سره بقوله :

(إذ لا يخفى أنّ كون حكم أو وصف كذلك هو محقّق مورد الاستصحاب ومحلّه ، لا نفسه).

والشاهد على كون ذلك بيانا لمورد الاستصحاب ومحلّه ، هو ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(ولذا صرّح في المعالم ـ كما عن غاية المأمول ـ ب «أنّ استصحاب الحال ، محلّه أن يثبت حكم في وقت ، ثمّ يجيء وقت آخر ، ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم ، فهل يحكم ببقائه على ما كان؟ وهو الاستصحاب»).

أي : الاستصحاب هو الحكم ببقاء الحكم الثابت في وقت ، ومحلّه أن يثبت حكم في وقت ... إلى آخره ، فهذا صريح في أنّ كون حكم يقيني الثبوت والحصول في وقت ، ومشكوك البقاء في وقت آخر ، بيان لمحلّه لا لنفسه.

(ويمكن توجيه التعريف المذكور) الذي كان من أزيف التعاريف (بأنّ المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلّة) الاجتهاديّة ، لا من الاصول العمليّة.

ومن المعلوم أنّ الدليل إمّا مفيد للعلم أو الظنّ ، والاستصحاب ممّا يفيد الظنّ لا العلم.

(والمفيد للظنّ بوجود الحكم في الآن اللاحق ليس إلّا كونه يقيني الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق).

فإذا كان المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلّة (فلا مناص عن تعريف

٢٦٩

لكن فيه : إنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدس‌سره في أوّل كتابه ـ : «إن اخذ من العقل كان داخلا في الدليل العقلي ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة» ، وعلى كلّ تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره ، لأنّ دليل العقل هو حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي. وليس هنا إلّا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان. والمأخوذ من السنّة ليس إلّا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان ، فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين.

نعم ، ذكر شارح المختصر : «إنّ معنى استصحاب الحال : إنّ الحكم الفلاني قد كان ولم

____________________________________

الاستصحاب) إلّا بما ذكره قدس‌سره في القوانين ، لما عرفت من أنّ الظنّ ببقاء الحكم لا يحصل إلّا أن يكون يقيني الحصول في الآن السابق ، مشكوك البقاء في الآن اللاحق.

و (لكن فيه) ، أي : في التوجيه المذكور ، مضافا إلى كونه مخالفا للأصل من وجهين :

الأوّل : إنّ الأصل في نقل لفظ من معنى إلى آخر أن يكون النقل من الكلّي إلى بعض أفراده ، لا النقل من المباين إلى المباين ، والتعريف مع التوجيه المذكور مستلزم لنقل اللفظ من المباين إلى المباين.

والثاني : إنّ الأصل في المشتقّات هو اشتراكها مع المشتقّ منه في المعنى الأصلي ، مع أنّ المشتقّات في المقام ، كاستصحب ، يستصحب ، مستصحب ، ونحوها من الألفاظ الدائرة على ألسنتهم ليست بالمعنى المذكور في التوجيه.

كما يرد على التوجيه المذكور مضافا إلى هذا الإشكال ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(إنّ الاستصحاب ـ كما صرّح به هو قدس‌سره في أوّل كتابه ـ : «إن اخذ من العقل كان داخلا في الدليل العقلي ، وإن اخذ من الأخبار فيدخل في السنّة». وعلى كلّ تقدير فلا يستقيم تعريفه بما ذكره).

لأنّ التعريف المذكور ـ وهو كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق ـ بيان لمورد حكم العقل أو الشرع ، كما لا يخفى.

نعم ، إطلاق الاستصحاب المعدود من الأدلّة على كون شيء يقيني الحصول في السابق مشكوك البقاء في الزمان اللاحق ، يكون من باب إطلاق اسم المسبّب على السبب ، لأنّ كون شيء يقيني الحصول ... إلى آخره ، سبب للظنّ بالبقاء ، فتأمّل.

٢٧٠

يظنّ عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء».

فإن كان الحدّ هو خصوص الصغرى انطبق على التعريف المذكور ، وإن جعل خصوص الكبرى انطبق على تعاريف المشهور ، وكأنّ صاحب الوافية استظهر منه كون التعريف مجموع المقدّمتين ، فوافقه في ذلك ، فقال : «إنّ الاستصحاب هو التمسّك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال ، فيقال : إنّ الأمر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق» ، انتهى. ولا ثمرة مهمّة في ذلك.

بقي الكلام في امور :

____________________________________

(نعم ، ذكر شارح المختصر : «إنّ معنى استصحاب الحال : إنّ الحكم الفلاني قد كان ولم يظنّ عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو مظنون البقاء»).

وهذا التعريف المحكي عن شارح المختصر مشتمل على مقدّمتين ، نسبة أحدهما إلى الاخرى بمنزلة الصغرى بالنسبة إلى الكبرى ، وحينئذ(فإن كان الحدّ هو خصوص الصغرى) ، أي : المقدّمة الاولى (انطبق على التعريف المذكور) في القوانين الذي كان تعريفه من أزيف التعاريف عند المصنّف قدس‌سره.

(وإن جعل خصوص الكبرى) ، أي : المقدّمة الثانية (انطبق على تعاريف المشهور) لأنّ مرجعها إلى إبقاء ما كان ، ولعلّ المراد من الاستصحاب هو الكبرى ، وذكر الصغرى كان لبيان مورد الاستصحاب.

(وكأنّ صاحب الوافية استظهر منه كون التعريف مجموع المقدّمتين ، فوافقه في ذلك) ، وجعل الاستصحاب مجموع المقدّمتين ، والشاهد على ذلك هو تعبيره عن الاستصحاب بالتمسّك بثبوت ما ثبت في وقت ، كوجوب الصوم في رمضان ، أو حال ، كتنجّس الماء حال التغيّر على بقائه فيما بعد ذلك الوقت كيوم الشكّ من شوال ، أو في غير تلك الحال كزوال التغيّر بنفسه.

(فيقال : إنّ الأمر الفلاني قد كان ولم يعلم عدمه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق).

والظاهر من هذا الكلام هو أنّ النتيجة ، وهي قوله : (فهو باق) حاصلة من مجموع المقدّمتين ، وكيف كان ، (ولا ثمرة مهمّة في ذلك).

(بقي الكلام في امور :)

٢٧١

الأوّل : إنّ عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهريّة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم ـ نظير أصل البراءة وقاعدة الاشتغال ـ مبني على استفادته من الأخبار.

وأمّا بناء على كونه من أحكام العقل ، فهو دليل ظنّي اجتهادي ، نظير القياس والاستقراء على القول بهما ، وحيث إنّ المختار عندنا هو الأوّل ، ذكرناه في الاصول العمليّة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم.

لكنّ ظاهر كلمات الأكثر ـ كالشيخ والسيّدين ، والفاضلين ، والشهيدين ، وصاحب

____________________________________

(الأوّل : إنّ عدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهريّة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم ـ نظير أصل البراءة وقاعدة الاشتغال ـ مبني على استفادته من الأخبار).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في الأمر الأوّل ، هو بيان الملازمة بين كون الاستصحاب من الاصول العمليّة ، وبين كون دليل اعتباره هو الأخبار ، وكذلك الملازمة بين كونه من الأمارات الظنيّة ، وبين كون دليل اعتباره هو حكم العقل ، وهذا بخلاف سائر الاصول العمليّة كالبراءة والاشتغال والتخيير ، فإنّها اصول عمليّة سواء كان دليل اعتبارها هو الأخبار ، أو حكم العقل.

ومراد المصنّف قدس‌سره من الأحكام الظاهريّة الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم هي الاصول العمليّة في مقابل الأمارات الظنّيّة التي هي أدلّة اجتهاديّة ، وإلّا فمؤدّى الأمارات الظنيّة على القول باعتبارها من باب الطريقيّة أيضا أحكام ظاهريّة ، غاية الأمر الفرق بينهما بأنّ الحكم الظاهري في مورد الاصول العمليّة ثابت للشاكّ بالواقع ، وفي مورد الأمارات للجاهل بالواقع.

وبعبارة أوضح : إنّ للحكم الظاهري إطلاقين :

أحدهما : هو الحكم الذي ثبت للشيء من حيث الشكّ في حكمه الواقعي الأوّلي.

وثانيهما : ما ثبت للشيء من حيث الجهل بحكمه الواقعي.

وعدّ الاستصحاب من الأحكام الظاهريّة جار على الإطلاق الأوّل ، فالأحكام الظاهريّة بهذا الإطلاق هي الاصول العمليّة ، ولذا قال المصنّف قدس‌سره : (ذكرناه في الاصول العمليّة المقرّرة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم) وإن كان الفرق بينهما بحسب المفهوم واضحا.

٢٧٢

المعالم ـ كونه حكما عقليّا ، ولذا لم يتمسّك أحد هؤلاء فيه بخبر من الأخبار.

نعم ، ذكر في العدّة ـ انتصارا للقائل بحجيّته ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، من : (أنّ الشيطان ينفخ بين أليتي المصلّي فلا ينصرفنّ أحدكم إلّا بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا) (١).

ومن العجب أنّه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختصّ بمورد خاصّ ، ولم يتمسّك بالأخبار الصحيحة العامّة المعدودة في حديث الأربعمائة من أبواب العلوم.

وأوّل من تمسّك بهذه الأخبار في ما وجدته والد الشيخ البهائي ، فيما حكي عنه ، في العقد الطهماسبي ، وتبعه صاحب الذخيرة وشارح الدروس ، وشاع بين من تأخّر عنهم.

____________________________________

فالمتحصّل من الجميع أنّ جعل الاستصحاب من الاصول العمليّة كالبراءة والاشتغال ، كما هو الحقّ عند المصنّف قدس‌سره مبني على استفادته من الأخبار.

وبعد ذلك يقول المصنّف قدس‌سره : إنّ ظاهر كلمات الأكثر كون الاستصحاب حكما عقليّا ، وبذلك يكون من الأمارات الظنيّة ، لا من الاصول العمليّة (ولذا لم يتمسّك أحد هؤلاء فيه بخبر من الأخبار).

نعم ، ذكر بعضهم بعض الأخبار من باب التأييد ، وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

(إنّ الشيطان ينفخ بين أليتي المصلّي فلا ينصرفنّ أحدكم إلّا بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا).

حيث يستفاد منه بقاء المصلّي على الطهارة وعدم نقضه لها بشكّه فيها بسبب نفخ الشيطان ، إلّا أن يحصل له اليقين بانتقاضها ، وذلك بأنّ يسمع صوتا أو يجد ريحا ، فحكم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بوجوب إبقاء ما كان من الطهارة ، يدلّ على الاستصحاب في مورد خاصّ وهو الطهارة.

(ومن العجب أنّه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختصّ بمورد خاصّ ، ولم يتمسّك بالأخبار الصحيحة العامّة المعدودة في حديث الأربعمائة من أبواب العلوم).

والمصنّف قدس‌سره يتعجّب من الشيخ قدس‌سره في العدّة حيث تمسّك بهذا الخبر الضعيف ولم يستدلّ على حجيّة الاستصحاب بالأخبار المعروفة للاستصحاب ، مع أنّها قد وصلت إلينا

__________________

(١) عدّة الاصول (الطوسي) : ٣٠٤.

٢٧٣

نعم ، ربّما يظهر من الحلّي ـ في السرائر ـ الاعتماد على هذه الأخبار ، حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه ب «نقض اليقين باليقين» ، وهذه العبارة ظاهرة في أنّها مأخوذة من الأخبار.

الثاني : إنّ عدّ الاستصحاب ـ على تقدير اعتباره من باب إفادة الظنّ ـ من الأدلّة العقليّة ، كما فعله غير واحد منهم ، باعتبار أنّه حكم عقلي يتوصّل به إلى حكم شرعي بواسطة خطاب الشارع. فنقول :

إنّ الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقا ولم يعلم ارتفاعه ، وكلّ ما كان كذلك فهو باق ، فالصغرى شرعيّة والكبرى عقليّة ظنّيّة ، فهو والقياس والاستحسان والاستقراء ـ نظير المفاهيم والاستلزامات ـ من العقليّات الغير المستقلّة.

____________________________________

بتوسّطه وبتوسط غيره! فترك التمسّك بالأخبار الصحاح الواردة في باب الاستصحاب حقّا لمن دواعي العجب!!.

(نعم ، ربّما يظهر من الحلّي ـ في السرائر ـ الاعتماد على هذه الأخبار ، حيث عبّر عن استصحاب نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره من قبل نفسه) بعدم نقض اليقين بالشكّ ، (وهذه العبارة ظاهرة في أنّها مأخوذة من الأخبار) ، فيكون ظاهر الحلّي قدس‌سره اعتبار الاستصحاب من جهة الأخبار ، ويحتمل عدم استناده في حجيّة الاستصحاب إلى الأخبار ، إذ الاتّفاق في التعبير لا يدلّ على الاستناد ، فتأمّل!!

(الثاني : إنّ عدّ الاستصحاب ـ على تقدير اعتباره من باب إفادة الظنّ ـ من الأدلّة العقليّة ... إلى آخره).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا الأمر ـ الثاني ـ هو بيان كون الاستصحاب ـ على تقدير اعتباره من باب إفادة الظنّ ـ من الأدلّة العقليّة غير المستقلّة ، لا من الأدلّة العقليّة المستقلّة.

وتوضيح ذلك يستدعي بيان مقدّمة وهي : التفريق بين الدليل العقلي المستقلّ وبين الدليل العقلي غير المستقلّ.

فنقول : إنّ المراد بالدليل العقلي المستقلّ ما تكون الصغرى والكبرى المؤدّيتين إلى النتيجة كلتاهما من العقل ، كالحكم بحرمة الظلم ، حيث يستنتج من المقدّمتين العقليتين ، وهما : الظلم قبيح ، وكلّ قبيح عقلا حرام شرعا ، هذا على تقدير ثبوت قاعدة الملازمة بين

٢٧٤

الثالث : إنّ مسألة الاستصحاب ـ على القول بكونه من الأحكام العقليّة ـ مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعي ، نظير حجيّة القياس والاستقراء.

____________________________________

حكم العقل والشرع.

والمراد من الدليل العقلي غير المستقلّ ما لا تكون كلتا مقدّمتيه عقليّة ، بل تكون إحداهما شرعيّة والاخرى عقليّة ، كباب الاستلزامات ، مثل استلزام وجوب شيء شرعا وجوب مقدّمته عقلا ، واستلزام وجوب شيء كذلك حرمة ضدّه عقلا ، واستلزام التعليق شرعا الانتفاء عند الانتفاء عقلا ، ومثال الأوّل كقولك : الصلاة واجبة ، وكلّ واجب تجب مقدّمته ، حيث تكون الصلاة واجبة مقدّمة شرعيّة ، وكلّ واجب تجب مقدّمته عقليّة.

ونفس هذا المثال يصلح مثالا للثاني بتبديل قولك : كلّ واجب تجب مقدّمته ، بقولك : كلّ واجب يحرم ضدّه ، فتكون المقدّمة الثانية فيه ـ أيضا ـ عقليّة ، ومثال المفهوم قوله عليه‌السلام : (الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شيء) (١) ثمّ يحكم العقل بالانتفاء عند الانتفاء ، أي : الماء إذا لم يبلغ قدر كرّ ينفعل وينجّسه شيء.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك أنّ الدليل العقلي في المقام من العقليّات غير المستقلّة ، وذلك لاحتياجه إلى خطاب شرعي يجعل صغرى للكبرى العقليّة ، بأن يقال : هذا الحكم كان ثابتا شرعا ، وكلّ ما ثبت دام ، فهذا الحكم دام فهو باق. غاية الأمر يجب أن يكون المستصحب حكما شرعيا ، لا موضوعا خارجيا.

(الثالث : إنّ مسألة الاستصحاب ـ على القول بكونه من الأحكام العقليّة ـ مسألة اصوليّة يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعي).

وقبل الخوض في البحث لا بدّ من بيان ما هو المناط في كون المسألة اصوليّة ، ثمّ تطبيقه على الاستصحاب ؛ تارة : على تقدير كونه من الأحكام العقليّة والأمارات الظنيّة ، واخرى : على تقدير كونه من الاصول العمليّة فنقول :

إنّ المناط والمدار في كون المسألة اصوليّة ، هو أن يكون البحث فيها عن عوارض

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ / ١. الفقيه ١ : ٨ / ١٢. التهذيب ١ : ٤٠ / ١٠٩. الاستبصار ١ : ٦ / ١. الوسائل ١ : ١٥٨ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٩ ، ح ١.

٢٧٥

نعم ، يشكل ذلك بما ذكره المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين ، وحاشيته من : أنّ مسائل الاصول ما يبحث فيها عن حال الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلا ، لا عن دليليّة الدليل.

____________________________________

موضوع علم الاصول ، وأن تقع نتيجة البحث في طريق استنباط الحكم الشرعي ، وذلك بأن تقع النتيجة في كبرى القياس الذي يستنتج منه الحكم الشرعي ، هذا مضافا إلى ما يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره من أنّ المسألة الاصوليّة هي : أن يكون البحث فيها من خواصّ المجتهد. هذا تمام الكلام في بيان ما هو المناط في كون المسألة اصوليّة.

وتطبيق هذا المناط على الاستصحاب بناء على كونه من الأحكام العقليّة ، يصحّ بلا إشكال على القول بأنّ موضوع علم الاصول هو ذوات الأدلّة الأربعة ، إذ البحث عن حجيّتها ودليليّتها ـ حينئذ ـ يدخل في البحث عن عوارضها ، والمفروض أنّ الاستصحاب من الأدلّة الأربعة ، فيكون البحث عن حجيّته بحثا عن عوارضه ، وهو ما ذكرناه من المناط في كون المسألة اصوليّة ، وتقع نتيجة البحث حينئذ ـ أي : بحث حجيّة الاستصحاب ـ في طريق استنباط الحكم الشرعي.

فالمتحصّل من كلّ ذلك هو اعتبار الاستصحاب من المسألة الاصوليّة لوجود مناطها فيه ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

وإنّما الإشكال في كونه منها ، على القول بأنّ موضوع علم الاصول هو الأدلّة الأربعة بعد الفراغ عن دليليّتها ، فالموضوع هو الأدلّة الأربعة مع قيد الدليليّة ، لا ذواتها ، كما ذهب إليه المحقّق القمّي قدس‌سره.

وبيان الإشكال : إنّ البحث عن حجيّتها ودليليّتها يدخل ـ حينئذ ـ في البحث عن إثبات موضوعيّة الموضوع ، فيدخل البحث عن حجيّة الاستصحاب في المبادئ التصديقيّة ، إلّا أنّه لمّا لم يكن محلّ آخر يناسب ذكر الاستصحاب فيه ذكره في نفس بحث هذا العلم ، أي : الاصول ، لأنّ المبادئ غالبا تبحث في علوم اخرى غير هذا العلم.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى هذا الإشكال بقوله :

(نعم ، يشكل ذلك بما ذكره المحقّق القمّي قدس‌سره في القوانين ، وحاشيته من : أنّ مسائل الاصول ما يبحث فيها عن حال الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلا).

كالبحث عن حالات الكتاب والسنّة من النسخ والتعارض وغيرهما بعد الفراغ عن

٢٧٦

وعلى ما ذكره قدس‌سره ، فتكون مسألة الاستصحاب كمسائل حجيّة الأدلّة الظنّيّة ، كظاهر الكتاب وخبر الواحد ونحوهما ، من المبادئ التصديقيّة للمسائل الاصوليّة. وحيث لم يتبيّن في علم آخر احتيج إلى بيانها في نفس العلم ، كأكثر المبادئ التصوّريّة.

نعم ، ذكر بعضهم : «إنّ موضوع الاصول ذوات الأدلّة ، من حيث يبحث عن دليليّتها أو عمّا يعرض لها بعد الدليليّة».

ولعلّه موافق لتعريف الاصول ب «أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الفرعيّة عن أدلّتها».

أمّا على القول بكونه من الاصول العمليّة ، ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض ،

____________________________________

دليليّتهما في علم الكلام ، على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(نعم ، ذكر بعضهم : إنّ موضوع الاصول ذوات الأدلّة من حيث يبحث عن دليليّتها أو عمّا يعرض لها بعد الدليليّة) من التعارض وغيره ممّا يعرض على الدليل.

والمراد من البعض هو صاحب الفصول قدس‌سره حيث جعل موضوع الاصول ذوات الأدلّة مع قطع النظر عن وصف دليليّتها ، ثمّ جعل البحث عن دليليّتها من العوارض ، كالبحث عن التعارض وغيره ، فجعل مثلا ذات الاستصحاب موضوعا للاصول ، وجعل البحث عن دليليّته بحثا عن عوارض الموضوع ، وبذلك يدخل في المسائل بلا إشكال.

(ولعلّه موافق لتعريف الاصول ب «أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الفرعيّة عن أدلّتها»).

فإنّ ظاهر هذا التعريف هو أنّ وظيفة علم الاصول ، تعليم القواعد التي بها تستنبط الأحكام الشرعيّة ، وبعبارة اخرى : تعليم الحجّة ، فالبحث عن الحجيّة يعدّ من المسائل ، كما في شرح الاعتمادي. هذا تمام الكلام في تطبيق المناط على الاستصحاب على القول بكونه من الأدلّة الظنيّة والأحكام العقليّة.

وأمّا على القول بكونه من الاصول العمليّة ، فقد أشار المصنّف قدس‌سره بقوله :

(أمّا على القول بكونه من الاصول العمليّة ، ففي كونه من المسائل الاصوليّة غموض).

إذ يحتمل أن يكون الاستصحاب ـ حينئذ ـ من القواعد الفقهيّة ، ويحتمل أن يكون من المسائل الاصوليّة.

٢٧٧

من حيث إنّ الاستصحاب ـ حينئذ ـ قاعدة مستفادة من السنّة ، وليس التكلّم فيه تكلّما في أحوال السنّة ، بل هو نظير سائر القواعد المستفادة من الكتاب والسنّة ، والمسألة الاصوليّة هي التي بمعونتها تستنبط هذه القاعدة من قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشّكّ) ؛ وهي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر ، وعن أحوال الألفاظ الواقعة فيه.

فهذه القاعدة كقاعدة البراءة والاشتغال ، نظير قاعدة نفي الضرر والحرج ، من القواعد

____________________________________

أمّا وجه كونه من القواعد الفقهيّة ، فقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(من حيث إنّ الاستصحاب ـ حينئذ ـ قاعدة مستفادة من السنّة).

كقاعدة الطهارة ، وقاعدة التجاوز ، وقاعدة لا ضرر ، لأنّ الاستصحاب ـ حينئذ ـ عبارة عن مضمون قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) (١) ، كما أنّ قاعدة الطهارة عبارة عن مضمون قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر) (٢) ، وقاعدة نفي الضرر عبارة عن مضمون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) (٣) فليس البحث فيه بحثا عن أحوال الطريق والدليل ، كالتعارض والتخصيص ونحوهما حتى يكون من المسائل الاصوليّة ، إذ المسألة الاصوليّة هي ما يبحث فيها عن أحوال الدليل والطريق ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وهي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر) صحّة وضعفا ، (وعن أحوال الألفاظ الواقعة فيه) من حيث الظهور وعدمه.

فالمسألة الاصوليّة هي ما يبحث فيه عن أحوال الطريق من السند أو الدلالة أو المعارض ، وعن حجيّة ظواهر الألفاظ الواقعة فيه.

وبعد حجيّة الخبر يمكن أن يقال بوجوب إبقاء ما كان ، لكونه مستفادا من قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) ومن المعلوم أنّ البحث عن مضمون الطريق ليس بحثا عن أحواله حتى يدخل في المسألة الاصوليّة.

(فهذه القاعدة كقاعدة البراءة والاشتغال ، نظير قاعدة نفي الضرر والحرج ، من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٣. التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٤٠. الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٦. الوسائل ٨ : ١٢٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٥ / ٨٣٢. الوسائل ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٤.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧. الوسائل ٢٦ : ١٤ ، أبواب موانع الإرث ، ب ١ ، ح ١٠.

٢٧٨

الفرعيّة المتعلّقة بعمل المكلّف.

نعم ، يندرج تحت هذه القاعدة مسألة اصوليّة يجري فيها الاستصحاب ، كما تندرج المسألة الاصوليّة أحيانا تحت أدلّة نفي الحرج ، كما ينفى وجوب الفحص عن المعارض حتى يقطع بعدمه بنفي الحرج.

____________________________________

القواعد الفرعيّة المتعلّقة بعمل المكلّف).

غاية الأمر أنّ القواعد الفرعيّة ، إمّا قاعدة كلّية واقعيّة أوّليّة كقاعدة : «كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» وإمّا واقعيّة ثانويّة كقاعدة نفي الحرج ، حيث يكون نفي التكليف الحرجي عارضا للأفعال الحرجيّة ، وإمّا ظاهريّة كقاعدة الطهارة والاستصحاب ونحوهما.

ثمّ إنّ الفرق بين المسألة الاصوليّة والقاعدة الفقهيّة هو أنّ النتيجة في المسألة الاصوليّة دائما تكون حكما كلّيا لا يتعلّق بعمل آحاد المكلّفين إلّا بعد التطبيق الخارجي ، ولهذا تكون من خواصّ المجتهد ولا حظّ للمقلّد فيها.

هذا بخلاف القاعدة الفقهيّة حيث تكون النتيجة فيها جزئيّة غالبا لا تحتاج في تعلّقها بعمل الآحاد إلى التطبيق ، وما يحتاج إلى التطبيق يجوز للمجتهد الفتوى بالقاعدة ، بأن يفتي بقاعدة التجاوز والفراغ وغيرهما ، ويكون أمر تطبيقها بيد المقلّد.

وكيف كان ، فيمكن أن يكون الاستصحاب من القواعد الفقهية أيضا.

(نعم ، يندرج تحت هذه القاعدة مسألة اصوليّة يجري فيها الاستصحاب) كالاستصحاب الجاري في باب الألفاظ ، مثل استصحاب العموم والإطلاق ، أو استصحاب عدم التخصيص وعدم التقييد ونحوها.

(كما تندرج المسألة الاصوليّة أحيانا تحت أدلّة نفي الحرج ، كما ينفى وجوب الفحص عن المعارض حتى يقطع).

فيقال بكفاية الظنّ بعدم المعارض ، وعدم لزوم الفحص إلى حصول القطع ، لكونه حرجيّا فينفى (بنفي الحرج).

غاية الأمر أنّ الاستصحاب ـ حينئذ ـ مسألة اصوليّة من جهة جريانه في الاصول. هذا تمام الكلام في الاحتمال الأوّل ، وهو احتمال أن يكون الاستصحاب من القواعد الفقهيّة.

٢٧٩

نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة بأنّ إجراءها في موردها ـ أعني : صورة الشكّ في بقاء الحكم الشرعي السابق ، كنجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره ـ مختصّ بالمجتهد وليس وظيفة للمقلّد. فهي ممّا يحتاج إليه المجتهد فقط ولا ينفع للمقلّد. وهذا من خواصّ المسألة الاصوليّة ، فإنّ المسائل الاصوليّة لمّا مهّدت للاجتهاد واستنباط الأحكام من الأدلّة اختصّ التكلّم فيها بالمستنبط ، ولا حظّ لغيره فيها.

فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ، لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعي وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلّا للمجتهد ، وإلّا فمضمونه ـ وهو العمل على طبق الحالة السابقة وترتيب آثارها ـ مشترك بين المجتهد والمقلّد.

____________________________________

ثمّ أشار المصنّف قدس‌سره إلى الاحتمال الثاني ـ وهو أن يكون الاستصحاب من المسائل الاصوليّة ـ بقوله :

(نعم ، يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعيّة).

وحاصل الإشكال : إنّ الاستصحاب نظرا إلى أنّ البحث فيه بحث عن مفاد السنّة لا عن عوارضها ، وإن لم يكن من المسائل الاصوليّة ، إلّا أنّه من المسائل الاصوليّة نظرا إلى أنّ إجراءه في الشبهات الحكميّة وظيفة المجتهد فقط ، وقد عرفت في بيان مناط كون المسألة اصوليّة أنّ المناط لا ينحصر في أن يكون البحث فيها عن عوارض الموضوع ، بل أن يكون البحث فيها من خواصّ المجتهد ، وهذا المناط موجود في الاستصحاب أيضا ، لأنّ المجتهد هو الذي يتفحّص عن الدليل ، ثمّ يتمسّك بالاستصحاب عند اليأس عنه ، والمطلب واضح في المتن من دون حاجة إلى تكلّف البيان ، فراجع.

(فإن قلت : إنّ اختصاص هذه المسألة بالمجتهد ، لأجل أنّ موضوعها ـ وهو الشكّ في الحكم الشرعي وعدم قيام الدليل الاجتهادي عليه ـ لا يتشخّص إلّا للمجتهد ... إلى آخره).

وحاصل الإشكال : إنّ مسألة الاستصحاب من حيث تشخيص موضوعها وإن كانت مختصّة بالمجتهد ، إلّا أنّ مضمون الاستصحاب بعد تشخيص الموضوع ليس مختصّا بالمجتهد ، فالعمل على طبق الحالة السابقة مشترك بين المجتهد وغيره ، وهذا المقدار من الاختصاص لا يكفي في كون المسألة اصوليّة لكي تكون مسألة الاستصحاب اصوليّة.

٢٨٠