دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

وقد خفي ذلك على بعض المعاصرين ، فزعم جواز إرادة القاعدة والاستصحاب معا ، وأنكر ذلك على صاحب القوانين فقال : «إنّ الرواية تدلّ على أصلين :

أحدهما : إنّ الحكم الأوّلي للأشياء ظاهرا هي الطهارة مع عدم العلم بالنجاسة. وهذا لا تعلّق له بمسألة الاستصحاب.

الثاني : إنّ هذا الحكم مستمرّ إلى زمن العلم بالنجاسة ، وهذا من موارد الاستصحاب وجزئيّاته». انتهى.

أقول : ليت شعري! ما المشار إليه بقوله : «هذا الحكم مستمرّ إلى زمن العلم بالنجاسة»؟ فإن كان هو الحكم المستفاد من الأصل الأوّلي ، فليس استمراره ظاهرا ولا واقعا مغيّا بزمان العلم بالنجاسة ، بل هو مستمر إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة.

____________________________________

(وقد خفي ذلك) ، أي : عدم الجامع (على بعض المعاصرين) وهو النراقي قدس‌سره (فزعم جواز إرادة القاعدة والاستصحاب معا).

وهذا أحد الاحتمالات السبعة في معنى الرواية حيث جمع المرحوم النراقي قدس‌سره بين القاعدة والاستصحاب ، حيث قال بدلالة الرواية على أصلين ، كما هو مبيّن في المتن ، فراجع.

(أقول : ليت شعري! ما المشار إليه بقوله : «هذا الحكم مستمرّ إلى زمن العلم بالنجاسة»؟).

إذ المراد من الحكم المشار إليه ؛ إمّا الحكم الظاهري المستفاد من الأصل الأوّلي ، أعني : قاعدة الطهارة أو الحكم الواقعي ، وعلى كلا التقديرين لا يصحّ ما ذكره الفاضل النراقي قدس‌سره من دلالة الرواية على القاعدة والاستصحاب معا.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ الرواية تدلّ على قاعدة الطهارة فقط ولا يمكن حملها على الاستصحاب ـ أيضا ـ وذلك لوجهين :

الأوّل : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فليس استمراره ظاهرا ولا واقعا مغيّا بزمان العلم بالنجاسة ، بل هو مستمر إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة).

أي : ليس استمرار الطهارة مغيّا بزمان العلم بالنجاسة حتى يقال بأنّه معنى استصحاب

٤٠١

مع أنّ قوله : (حتى تعلم) إذا جعل من توابع الحكم الأوّل الذي هو الموضوع للحكم الثاني ، فمن أين يصير الثاني مغيّا به؟ إذ لا يعقل كون شيء في استعمال واحد غاية لحكم ولحكم آخر يكون الحكم الأوّل المغيّى موضوعا له ، وإن كان هو الحكم الواقعيّ المعلوم ، يعني : أنّ الطهارة إذا ثبتت واقعا في زمان فهو مستمر ـ في الظاهر ـ إلى زمن العلم بالنجاسة. فيكون الكلام مسوقا لبيان الاستمرار الظاهري في ما علم ثبوت الطهارة له واقعا في زمان.

____________________________________

الطهارة إلى العلم بالنجاسة ، بل مفاد الرواية هو الطهارة المستفادة من قاعدة الطهارة ، ومن المعلوم أنّ ثبوت القاعدة في مورد الشكّ في الطهارة أبديّ لا رافع له إلّا النسخ ، لأنّه إذا علم بالقذارة ينتفي موضوع الحكم الظاهري ، والحكم ينتفي بانتفاء الموضوع ولا يصدق عليه الرفع ، لأنّ معنى رفع الحكم هو رفعه مع بقاء الموضوع ، والحاصل أنّ الرواية تدلّ على قاعدة الطهارة فقط.

والوجه الثاني ـ الذي يرد على تقدير كون المراد من الحكم المشار إليه هو الحكم الظاهري ـ : هو ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(مع أنّ قوله : (حتى تعلم) إذا جعل من توابع الحكم الأوّل الذي هو الموضوع للحكم الثاني).

والمراد من الحكم الأوّل هو أصل الطهارة المستفادة من قاعدة الطهارة ، والمراد من الحكم الثاني استمرارها المستفاد من الاستصحاب على الفرض ، ومن الواضح أنّ الحكم الأوّل يكون بمنزلة الموضوع للحكم الثاني ، إذ ما لم يثبت أصل الطهارة لا يعقل الحكم باستمرارها. إذا عرفت هذا يتّضح لك الإشكال بالوجه الثاني.

وحاصل الإشكال : إنّ مقتضى قاعدة الطهارة أن يكون قوله عليه‌السلام : (حتى تعلم أنّه قذر) غاية وقيدا للموضوع ، فلا يمكن أن يكون غاية للحكم الثاني ، كما هو مقتضى الاستصحاب ، إذ جعله غاية لكلا الحكمين مستلزم لتقدّم الشيء على نفسه ، وذلك لما عرفت من أنّ الحكم الثاني بمنزلة المحمول بالنسبة إلى الحكم الأوّل الذي هو بمنزلة الموضوع ، فمقتضى جعله قيدا للموضوع هو تقدّمه على كلا الحكمين ، ومقتضى جعله غاية للمحمول هو تأخّره عن المحمول وهو ما ذكرناه من لزوم تقدّم الشيء على نفسه. هذا تمام الكلام فيما إذا كان المراد من الحكم المشار إليه هو الحكم الظاهري ، حيث تدلّ

٤٠٢

فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة من حيث هي للشيء المشكوك من حيث هو مشكوك؟.

ومنشأ الاشتباه في هذا المقام ملاحظة عموم القاعدة لمورد الاستصحاب ، فيتخيّل أنّ الرواية تدلّ على الاستصحاب ، وقد عرفت أنّ دلالة الرواية على طهارة مستصحب الطهارة غير دلالتها على اعتبار استصحاب الطهارة ، وإلّا فقد أشرنا إلى أنّ القاعدة تشمل مستصحب النجاسة أيضا ، كما سيجيء.

____________________________________

الرواية ـ حينئذ ـ على قاعدة الطهارة فقط.

وأمّا لو كان المراد من الحكم المشار إليه هو الحكم الواقعي وذلك بأن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : (طاهر) هي الطهارة الواقعيّة والمراد بالاستمرار استمرارها في مرحلة الظاهر ، لكان المستفاد من الرواية هو الاستصحاب فقط فلا تدلّ الرواية ـ حينئذ ـ على قاعدة الطهارة أصلا ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة؟).

أي : أين بيان الاستصحاب من بيان قاعدة الطهارة؟ بل هما متباينان مناطا وغاية كما عرفت.

(ومنشأ الاشتباه في هذا المقام) حيث توهّم النراقي قدس‌سره إرادة الأصلين معا من الرواية هو (ملاحظة عموم القاعدة لمورد الاستصحاب) لما عرفت من كون القاعدة أعمّ من الاستصحاب من حيث المورد(فيتخيّل أنّ الرواية تدلّ على الاستصحاب) في موارد الشكّ مع سبق الطهارة ، مع الغفلة عن أنّ القاعدة لم يلاحظ فيها إلّا مجرّد الشكّ حتى في مورد سبق العلم بالطهارة ، وقد مرّ التباين بينهما من حيث المناط.

(وقد) يقال : (إنّ دلالة الرواية على طهارة مستصحب الطهارة غير دلالتها على اعتبار استصحاب الطهارة ، وإلّا فقد أشرنا إلى أنّ القاعدة تشمل مستصحب النجاسة أيضا).

وحاصل الكلام في المقام ـ كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ـ هو أنّ الرواية تدلّ على طهارة مطلق المشكوك حتى مستصحب الطهارة ، لكن بلحاظ مجرّد الشكّ لا من باب استصحاب الطهارة ، إذ لو كانت دلالتها على طهارة مستصحب الطهارة من باب اعتبار

٤٠٣

ونظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية ، حيث ذكر روايات أصالة الحلّ الواردة في مشتبه الحكم أو الموضوع في هذا المقام.

ثمّ على هذا كان ينبغي ذكر أدلّة أصالة البراءة ، لأنّها ـ أيضا ـ متصادقة مع الاستصحاب من حيث المورد.

____________________________________

الاستصحاب لكانت دلالتها على طهارة مستصحب النجاسة ، كما هو الأقوى من باب اعتبار استصحاب النجاسة أيضا ، وهو بديهي الفساد ، بل دلالتها على الطهارة تكون بمجرّد لحاظ الشكّ حتى في مستصحب الطهارة.

(ونظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية).

أي : نظير ما ذكره الفاضل النراقي قدس‌سره من استدلاله بأدلّة قاعدة الطهارة على اعتبار استصحاب الطهارة ما صنعه صاحب الوافية قدس‌سره ، حيث ذكر روايات أصالة الحلّ واستدلّ بها على اعتبار الاستصحاب ومنشأ اشتباهه ـ أيضا ـ هو عموم قاعدة الحلّ لمورد استصحاب الحلّ ، وذلك لأنّ الحكم بحلّ المشكوك يشمل المسبوق بالحلّ أيضا ، كالخلّ المحتمل انقلابه خمرا ، والمسبوق بالحرمة كالخمر المحتمل انقلابه خلّا ، وما لا سابقة له كشرب التتن ، وما لا يعلم سابقته كالمردّد بين الخمر والخلّ ، إلّا أنّ الحكم بالحلّ في الكلّ إنّما هو بلحاظ مجرّد الشكّ لا بلحاظ استصحاب الحلّ في المسبوق بالحلّ ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(ثمّ على هذا) ، أي : كون روايات الحلّ دليلا على اعتبار الاستصحاب من جهة عموم قاعدة الحلّ لمورد الاستصحاب (كان ينبغي ذكر أدلّة أصالة البراءة) كحديث الرفع مثلا ، (لأنّها ـ أيضا ـ متصادقة مع الاستصحاب من حيث المورد) لأنّ الحكم بالبراءة عن التكليف المشكوك يشمل المسبوق بالتكليف كصوم يوم الشكّ من شوّال ، والمسبوق بالبراءة كصوم يوم الشكّ من شعبان ، وما لا سابقة له كشرب التتن بعد البلوغ ، وما لا يعلم سابقته ، كما إذا شكّ في تقدّم الحدث أو الطهارة ، إلّا أنّ أدلّة البراءة تدلّ عليها في جميع الموارد بملاحظة الشكّ في التكليف لا بملاحظة استصحاب البراءة في المسبوق بالبراءة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وفي بحر الفوائد : إنّ ما ذكره المصنّف قدس‌سره من اجتماع أصالة البراءة واستصحابها

٤٠٤

فالتحقيق أنّ الاستصحاب من حيث هو مخالف للقواعد الثلاث ـ البراءة والحلّ والطهارة ـ وإن تصادقت مواردها.

فثبت من جميع ما ذكرنا : أنّ المتعيّن حمل الرواية المذكورة على أحد المعنيين ، والظاهر إرادة القاعدة ، نظير قوله : (كلّ شيء لك حلال) (١) ، لأنّ حمله على الاستصحاب وحمل الكلام على إرادة خصوص الاستمرار في ما علم طهارته سابقا خلاف الظاهر ، إذ ظاهر الجملة الخبريّة إثبات أصل المحمول للموضوع ، لا إثبات استمراره في مورد الفراغ عن ثبوت أصله.

____________________________________

بحسب المورد مبني على ما عليه المشهور من تمسّكهم كثيرا باستصحاب البراءة.

والتحقيق عند المصنّف قدس‌سره هو عدم جريان استصحاب البراءة أصلا ، لأنّ نفس الشكّ في التكليف علّة تامّة لحكم العقل بالبراءة من دون حاجة إلى استصحابها أصلا.

وكيف كان (فالتحقيق أنّ الاستصحاب من حيث هو) على ما عرفت (مخالف للقواعد الثلاث) مناطا(وإن تصادقت مواردها) إلّا أنّ تصادقها من حيث المورد لا يكفي في إرادة الاستصحاب وقاعدة الطهارة من أدلّة قاعدة الطهارة ، وكذلك إرادة الاستصحاب وقاعدة الحلّ من روايات الحلّ ، فلا بدّ من حمل الرواية المذكورة إذن ؛ إمّا على الاستصحاب ، أو قاعدة الطهارة.

(والظاهر إرادة القاعدة ، نظير قوله عليه‌السلام : (كلّ شيء لك حلال)).

حيث يكون ظاهرا في قاعدة الحلّ ، ثمّ الفرق بين أصالة البراءة والحلّ والإباحة هو أنّ الأوّل يجري في التكليف ، والثاني في الأفعال ، والثالث في الأشياء.

والمتحصّل من الجميع ، أنّ موثّقة عمّار لا تدلّ على حجيّة الاستصحاب بل تدلّ على قاعدة الطهارة ، والمحتملات المتصوّرة في الرواية المذكورة وفي ما يذكره المصنّف قدس‌سره من قوله عليه‌السلام : (الماء كلّه طاهر حتى يعلم أنّه نجس) (٢) سبعة كما في مصباح الاصول :

الأوّل : أن يكون المراد منها الحكم بالطهارة الواقعيّة للأشياء بعناوينها الأوّليّة ، بأن يكون العلم المأخوذ غاية طريقيّا محضا ، والغاية في الحقيقة هو عروض النجاسة ، فيكون المراد

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٩. الوسائل ١٧ : ٨٩ ، أبواب ما يكتسب به ، ب ٤ ، ح ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢١٥ / ٦١٩. الوسائل ١ : ١٣٤ ، أبواب الماء المطلق ، ب ١ ، ح ٥.

٤٠٥

نعم ، قوله : (حتى تعلم) يدلّ على استمرار المغيّى ، لكنّ المغيّى به الحكم المنشئ للطهارة ، يعني : هذا الحكم الظاهري مستمرّ له إلى كذا ، لا أنّ الطهارة الواقعيّة المفروغ عنها مستمرّة ظاهرا إلى زمن العلم.

ومنها : قوله عليه‌السلام : (الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه نجس). وهو وإن كان متّحدا مع الخبر السابق من حيث الحكم والغاية إلّا أنّ الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء

____________________________________

أنّ كلّ شيء بعنوانه الأوّلي طاهر حتى تعرضه النجاسة.

الثاني : أن يكون المراد منها هو الحكم بالطهارة الظاهريّة للشيء المشكوك كما عليه المشهور ، بأن يكون العلم قيدا للموضوع دون المحمول ، فيكون المعنى : كلّ شيء لم تعلم نجاسته طاهر.

الثالث : أن يكون المراد بها قاعدة الاستصحاب ، بأن يكون المعنى : إنّ كلّ شيء طهارته مستمرة إلى زمان العلم بالنجاسة.

الرابع : أن يكون المراد بها الأعمّ من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة ، بأن يكون المعنى : إنّ كلّ شيء معلوم العنوان أو مشكوكه طاهر بالطهارة الواقعيّة في الأوّل ، وبالطهارة الظاهريّة في الثاني إلى زمان العلم بالنجاسة.

الخامس : أن يكون المراد منها الطهارة الظاهريّة والاستصحاب ، كما عليه صاحب الفصول ، بأن يكون المعنى : إنّ كلّ شيء مشكوك العنوان طاهر ظاهرا ، وطهارته مستمرة إلى زمان العلم بالنجاسة ، فيكون المعنى ـ وهو قوله عليه‌السلام : (طاهر) ـ إشارة إلى زمان العلم بالنجاسة.

السادس : أن يكون المراد بها الطهارة الواقعيّة والاستصحاب ، كما في الكفاية بأن يكون المغيّى إشارة إلى الطهارة الواقعيّة وأنّ كلّ شيء بعنوانه الأوّلي طاهر ، وقوله عليه‌السلام : (حتى تعلم) إشارة إلى استمرار الحكم إلى زمان العلم بالنجاسة.

السابع : أن يكون المراد منها الطهارة الواقعيّة والظاهريّة والاستصحاب. هذا تمام الكلام في الاحتمالات وقد تقدّم بعضها في المتن ، ومن يريد التحقيق فيها فعليه بالكتب المبسوطة.

(ومنها : قوله عليه‌السلام : (الماء كلّه طاهر حتى تعلم أنّه نجس) وهو وإن كان متّحدا مع الخبر

٤٠٦

غير متحقّق غالبا.

فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب ، والمعنى : «إنّ الماء المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر ، حتى تعلم ...» أي : مستمرّ طهارته المفروضة إلى حين العلم بعروض القذارة له ، سواء كان الاشتباه وعدم العلم من جهة الاشتباه في الحكم ، كالقليل الملاقي للنجس والبئر ، أم كان من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي ، كالشكّ في ملاقاته للنجاسة أو نجاسة ملاقيه.

____________________________________

السابق من حيث الحكم والغاية).

إذ في كلا الخبرين الحكم هو طهارة ما شكّ في طهارته ، والغاية هي العلم بالنجاسة ، فمقتضى اتّحادهما فيهما هو جريان ما جرى في سابقه في هذا الخبر ، إلّا أنّ الفرق بينهما موضوعا يقتضي الفرق بينهما ظهورا ، بأن يكون ظهور الرواية السابقة في قاعدة الطهارة وظهور هذه الرواية في الاستصحاب ، وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الفرق بينهما بقوله :

(إلّا أنّ الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقّق غالبا).

وحاصل الفرق ، هو أنّ الموضوع في الرواية السابقة هو كلّ شيء ، ومن المعلوم أنّ بعض الأشياء ما يشكّ في طهارته بحسب خلقته الأصليّة ، كخرء الطير غير المأكول مثلا ، فيناسب فيها إرادة قاعدة الطهارة وبيان أنّ كلّ شيء محكوم ظاهرا بالطهارة إلى زمان العلم بالنجاسة ، وهذا بخلاف الرواية الثانية حيث إنّ الموضوع فيها خصوص الماء ، ولا شكّ في طهارة المياه بحسب خلقتها الأصليّة حتى يكون ظهور الرواية في بيان قاعدة الطهارة كالرواية الاولى ، بل الشكّ في الماء غالبا يتحقّق من جهة عروض النجاسة مع سبق العلم بالطهارة ، فحينئذ يكون ظهور الرواية الثانية في الاستصحاب.

نعم ، قد يشكّ في طهارة الماء ـ أيضا ـ من غير جهة عروض النجاسة كالشكّ في طهارة الكرّ المتغيّر الزائل تغيّره بنفسه ، ولذا قال : (إنّ الاشتباه) والشكّ (في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقّق غالبا) لا دائما ، وكيف كان ، فالفرق المذكور يوجب ظهور الرواية الثانية في الاستصحاب ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب).

وقد يقال بظهور هذه الرواية كالرواية السابقة في قاعدة الطهارة أيضا ، وما ذكره من الغلبة لا يكفي في حمل الرواية على إرادة الاستصحاب مع ظهور مثل هذا التركيب في

٤٠٧

ومنها : قوله عليه‌السلام : (إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوء حتى تستيقن أنّك أحدثت) (١). ودلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة.

ثمّ إنّ اختصاص ما عدا الأخبار العامّة بالقول المختار واضح. وأمّا الأخبار العامّة ، فالمعروف بين المتأخّرين الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب في جميع الموارد.

وفيه تأمّل قد فتح بابه المحقّق الخوانساري في شرح الدروس ، توضيحه : إنّ حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ، كما في نقض الحبل ، والأقرب إليه على تقدير مجازيّته هو

____________________________________

إثبات القاعدة دون الاستصحاب ، ولا معنى لرفع اليد عن الظهور اللفظي من جهة الغلبة الخارجيّة.

(ومنها : قوله عليه‌السلام : (إذا استيقنت أنّك توضّأت فإيّاك أن تحدث وضوء حتى تستيقن أنّك أحدثت)).

ودلالة هذه الرواية على حجيّة استصحاب الطهارة ممّا لا إشكال فيه ، إلّا أنّها تدلّ على حجيّة الاستصحاب في خصوص مورد اليقين بالوضوء والشكّ في الحدث ، فلا تدلّ على حجيّته في جميع الموارد.

(ثمّ إنّ اختصاص ما عدا الأخبار العامّة بالقول المختار) وهو اعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع (واضح).

وذلك لأنّ مورد جميع الأخبار الخاصّة هو سبق الطهارة عن الخبث أو الحدث ، ومن المعلوم أنّ الخبث والحدث يكون من قبيل الرافع ، فيكون الشكّ في الطهارة شكّا في الرافع ، إذ الطهارة إذا حصلت لا ترتفع إلّا برافع كالحدث مثلا ، فهذه الأخبار واردة في مورد الشكّ في الرافع.

(وأمّا الأخبار العامّة ، فالمعروف بين المتأخّرين الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب في جميع الموارد) ، أي : موارد الشكّ من جهة المقتضي والرافع.

(وفيه تأمّل قد فتح بابه المحقّق الخوانساري في شرح الدروس ، توضيحه : إنّ حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ، كما في نقض الحبل ، والأقرب إليه على تقدير مجازيّته هو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٣ / ١. التهذيب ١ : ١٠٢ / ٢٦٨. الوسائل ١ : ٢٤٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٧ ، باختلاف يسير في جميعها.

٤٠٨

رفع الأمر الثابت ، وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم المقتضي له بعد أن كان أخذا به. فالمراد من النقض عدم الاستمرار عليه والبناء على عدمه بعد وجوده.

إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ الأمر يدور بين أن يراد بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب

____________________________________

رفع الأمر الثابت).

والتأمّل والإشكال على الاستدلال بالأخبار العامّة المشتملة على جملة (لا ينقض) أو (لا تنقض اليقين بالشكّ) على حجيّة الاستصحاب في جميع الموارد يتّضح بعد بيان مقدّمة في بيان ما يطلق عليه لفظ النقض حقيقة أو مجازا فنقول :

إنّ لفظ النقض بحسب اللغة حقيقة في رفع الهيئة الاتّصاليّة الحسيّة مع بقاء المادة على حالها ، لأنّ النقض عند اللغويين هو ضدّ الإبرام ، فلا بدّ أن يتعلّق بما له أجزاء مبرمة قابلة للإبانة ، كقولهم : نقض الحبل ، وقد يطلق على رفع الأمر الموجود الثابت مع وجود المقتضي لبقائه لو لا الرافع ، كالطهارة مثلا ، وقد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء ولو لعدم وجود المقتضي ، كرفع اليد عن الواجب الموقت بعد خروج وقته.

ثمّ المراد بالنقض في الأخبار العامّة إن كان المعنى الثاني ، لكان مقتضاه اعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع بعد فرض وجود المقتضي كما يقول به المصنّف قدس‌سره ، وإن حمل على المعنى الثالث كان مقتضاه هو اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد حتى في مورد الشكّ في المقتضي.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك الإشكال في الاستدلال بهذه الأخبار على اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد ، وذلك لأنّه لا يمكن أن يكون المراد بالنقض المعنى الأوّل ، وهو المعنى الحقيقي ، وذلك لأنّ اليقين أمر معنوي ليس له اتّصال حسّي حتى يطلق على رفعه النقض بالمعنى الحقيقي ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من حمله على المعنى المجازي ، والمعروف هو حمل اللفظ على أقرب المجازات بعد تعذّر الحقيقة ، والأقرب إلى المعنى الحقيقي في المقام هو المعنى الثاني ومقتضاه اعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع فقط ، وهو المطلوب ، هذا ملخّص ما أفاده المصنّف قدس‌سره في المقام ، ونكتفي في توضيح العبارة هنا بما ذكره الاستاذ الاعتمادي بتصرّف.

(إذا عرفت هذا ، فنقول : إنّ) إرادة المعنى الحقيقي متعذّرة لعدم كون اليقين من

٤٠٩

الأثر ـ وهو المعنى الثالث ـ ويبقى المنقوض عامّا لكلّ يقين ، وبين أن يراد من النقض ظاهره ـ وهو المعنى الثاني ـ فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى.

ولا يخفى رجحان هذا على الأوّل ، لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه العامّ ، كما في قول القائل : لا تضرب أحدا ، فإنّ الضرب قرينة على اختصاص العامّ بالأحياء ، ولا يكون عمومه للأموات قرينة على إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.

____________________________________

الأجسام المتّصلة الأجزاء ليكون قابلا لرفع الهيئة الاتّصاليّة بين أجزائه ، وحينئذ(الأمر يدور بين أن يراد بالنقض مطلق ترك العمل وترتيب الأثر) ، فيكون معنى قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) ، أي : لا ترفع اليد عن اليقين بسبب الشكّ سواء كان الشكّ من جهة المقتضي أو الرافع.

(وهو المعنى الثالث ، ويبقى المنقوض عامّا لكلّ يقين) ، أي : اليقين المنقوض يبقى على عمومه ، بأن تعلّق بأمر لا يرتفع إلّا برافع كالوضوء ، أو تعلّق بأمر يرتفع بتمام استعداده كالتيمّم.

فيكون مفاد قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) هو اعتبار الاستصحاب مطلقا(وبين أن يراد من النقض ظاهره ـ وهو المعنى الثاني ـ فيختصّ متعلّقه بما من شأنه الاستمرار المختصّ بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى) ، أي : الاستمرار لو لا الرافع ، فيكون مفاد قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) هو اختصاص حجيّة الاستصحاب في مورد الشكّ في الرافع.

(ولا يخفى رجحان هذا على الأوّل ، لأنّ الفعل الخاصّ) وهو النقض (يصير مخصّصا لمتعلّقه) هو اليقين ، بمعنى أنّ اليقين وإن كان عامّا يشمل كلّ يقين ، إلّا أنّ النقض لظهوره في رفع الأمر الثابت يصير قرينة على إرادة اليقين الخاصّ وهو اليقين المستمر بالشأن المتعلّق بالأمر المستمر لو لا الرافع كالطهارة ، وهذا معنى قول المصنّف قدس‌سره : (لأنّ الفعل الخاصّ يصير مخصّصا لمتعلّقه) حيث يختص متعلّق اليقين بما له مقتضى البقاء ، ونظير ذلك (كما في قول القائل : لا تضرب أحدا) حيث يكون الفعل الخاصّ وهو الضرب بناء على ظهوره في المؤذي مخصّصا لمتعلّقه ، فيختصّ متعلّق الضرب بمن يقبل الألم والأذية به كالأحياء ، فالضرب ـ حينئذ ـ قرينة على اختصاص العامّ ـ وهو أحد ـ بالأحياء.

٤١٠

ثمّ لا يتوهّم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه ، لأنّ التصرّف لازم على كلّ حال. فإنّ النقض الاختياري القابل لورود النهي عليه لا يتعلّق بنفس اليقين على كلّ تقدير ، بل المراد نقض ما كان على يقين منه ، وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين.

والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين ، إذ لو فرضنا حكما شرعيّا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشكّ قطعا ، كمن نذر فعلا في مدّة اليقين بحياة زيد ، بل المراد أحكام المتيقّن المثبتة له من جهة اليقين. وهذه الأحكام كنفس المتيقّن ـ أيضا ـ لها استمرار شأني لا يرتفع إلّا بالرافع. فإنّ جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستقرّ إلى أن يحدث ناقضها.

____________________________________

(ثمّ لا يتوهّم الاحتياج ـ حينئذ ـ إلى تصرّف في اليقين بإرادة المتيقّن منه).

وحاصل التوهّم : إنّ حمل النقض بمعنى رفع الأمر الثابت وإن كان أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي ، إلّا أنّه لا يتمّ إلّا بجعل اليقين بمعنى المتيقّن ، لأنّ الأمر الثابت هو المتيقّن كالطهارة لا نفس اليقين ، فيكون معنى قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) : لا ترفع المتيقّن الذي هو أمر ثابت ، وهذا بخلاف حمل النقض بالمعنى الثالث وهو رفع اليد عن الشيء ، إذ يمكن رفع اليد عن اليقين من دون حاجة إلى التصرّف المذكور.

فالأولى ـ حينئذ ـ اختيار المعنى الثالث لئلّا يحتاج إلى التصرّف في لفظ اليقين.

وحاصل الدفع : إنّ نسبة النقض إلى نفس اليقين فاسد على كلّ حال ، وذلك لأنّ اليقين يرتفع قهرا بعروض الشكّ ـ فليس نقضه في اختيار المكلّف حتى ينهى عنه الشارع ، فلا بدّ من التصرّف في اليقين ـ حينئذ ـ سواء اريد من النقض المعنى الثاني أو المعنى الثالث.

(بل المراد نقض ما كان على يقين منه ، وهو الطهارة السابقة أو أحكام اليقين) كجواز الدخول في الصلاة في مورد سبق اليقين بالطهارة مثلا.

(والمراد بأحكام اليقين ليس أحكام نفس وصف اليقين).

وذلك لأنّ الحكم المتعلّق على صفة اليقين ينتفي بانتفاء المتعلّق والموضوع ، مثل من نذر اعطاء درهم للفقير في كلّ يوم ما دام متيقّنا بحياة ولده ، فبالشكّ فيها يرتفع موضوع وجوب الدراهم ولا ينفع فيه الاستصحاب.

(بل المراد أحكام المتيقّن المثبتة له من جهة اليقين).

٤١١

وكيف كان ، فالمراد إمّا نقض المتيقّن ـ والمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه ـ وإمّا نقض أحكام اليقين ، أي : الثابتة للمتيقّن من جهة اليقين به ، والمراد ـ حينئذ ـ رفع اليد عنها.

ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث ، مثل قوله عليه‌السلام : (بل ينقض الشكّ باليقين) ، وقوله : (ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات) (١) وقوله في الرواية الأربعمائة : (من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه ، فإنّ اليقين لا يدفع بالشكّ) (٢) ، وقوله : (إذا شككت فابن على اليقين) (٣).

____________________________________

كجواز الدخول في الصلاة حيث يكون من أحكام المتيقّن وهو الطهارة من جهة اليقين بها.

قوله : (وهذه الأحكام كنفس المتيقّن ـ أيضا ـ لها استمرار شأني).

دفع لما يقال من : أنّ الثابت هو المتيقّن كالطهارة ، لا أحكامها كجواز الدخول في الصلاة ، فالنقض بالمعنى الثاني لا يتمّ بالنسبة إلى أحكام المتيقّن كأحكام نفس اليقين.

وحاصل الدفع ، هو أنّ هذه الأحكام ، أي : أحكام المتيقّن كنفس المتيقّن ، لها استمرار شأني لا يرتفع إلّا بالرافع فتصحّ نسبة النقض بالمعنى الثاني إليها.

(وكيف كان ، فالمراد إمّا نقض المتيقّن) كالطهارة والحياة مثلا(والمراد بالنقض رفع اليد عن مقتضاه) كجواز الدخول في الصلاة مثلا.

(ويمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث) وهو مطلق رفع اليد عن الشيء (مثل قوله عليه‌السلام : (بل ينقض الشكّ باليقين)).

فإنّ النقض قد اسند فيه إلى الشكّ مع أنّ الشكّ ليس أمرا ثابتا ، فيكون المراد بالنقض هو مجرّد رفع اليد عن الشكّ وعدم الاعتناء به ، وبالمقابلة يكون المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ نفس هذا المعنى ، فيكون معنى قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) : لا ترفع اليد عن اليقين بالشكّ ، ولا يعتدّ به ، كما هو المستفاد من قوله عليه‌السلام : (ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات)).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٣. الوسائل ٨ : ٢١٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٣.

(٢) الخصال ٢ : ٦١٩ / ١٠. الوسائل ١ : ٢٤٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.

(٣) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٥. الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٢.

٤١٢

فإنّ المستفاد من هذه وأمثالها أنّ المراد بعدم النقض عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق. نظير قوله عليه‌السلام : (إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء) (١) وقوله : (اليقين لا يدخله الشكّ ، صم للرؤية وافطر للرؤية) (٢) فإنّ مورده استصحاب بقاء رمضان ، والشكّ فيه ليس شكّا في الرافع ، كما لا يخفى.

ولكنّ الإنصاف أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره ، لأنّ قوله : (بل ينقض الشكّ باليقين) معناه رفع الشكّ ، لأنّ الشكّ ممّا إذا حصل لا يرتفع إلّا برافع.

وأمّا قوله عليه‌السلام : (من كان على يقين فشكّ) ، فقد عرفت أنّه كقوله : (إذا شككت فابن على اليقين) غير ظاهر في الاستصحاب. مع إمكان أن يجعل قوله : (فإنّ اليقين لا ينقض بالشكّ ، أو لا يدفع به) قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض. مع أنّ الظاهر من المضيّ الجري على مقتضى الداعي السابق وعدم الوقف إلّا لصارف ، نظير قوله : (إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك) (٣) ونحوه. فهو أيضا مختصّ بما ذكرنا.

____________________________________

وكيف كان ، فالمستفاد من هذه الرواية وأمثالها(أنّ المراد بعدم النقض عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق) فالمستفاد من جميع ما ذكر هو إرادة المعنى الثالث ، ولازم ذلك هو اعتبار الاستصحاب في جميع الموارد.

(ولكنّ الإنصاف أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ النقض عن ظاهره ، لأنّ قوله : (بل ينقض الشكّ باليقين) معناه رفع الشكّ) والشكّ هو الأمر الثابت كالطهارة ، لا يرتفع إلّا برافع.

(وأمّا قوله عليه‌السلام : (من كان على يقين فشكّ) ، فقد عرفت) الإشكال في ظهوره في اعتبار الاستصحاب ، لاحتمال إرادة قاعدة اليقين منه ، كما أنّ (قوله عليه‌السلام : (إذا شككت فابن على اليقين) محتمل لإرادة اليقين بالبراءة (مع أنّ الظاهر من المضيّ الجري على مقتضى الداعي السابق وعدم الوقف إلّا لصارف) ، أي : رافع ، فيكون قرينة على أنّ المراد بالمضي هو

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٥٢ / ١٤٥٩. الوسائل ٨ : ٢٣٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٢٣ ، ح ١.

(٢) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٥ ، الوسائل ١٠ : ٢٥٦ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ٣ ، ح ١٣.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٩ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٣٤٣ / ١٤٢٤. الوسائل ٨ : ٢٢٨ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٦ ، ح ١.

٤١٣

وأمّا قوله : (اليقين لا يدخله الشكّ) فتفرّع الإفطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلى أن يحصل الرافع.

وبالجملة ، فالمتأمّل المنصف يجد أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشكّ في الارتفاع برافع.

____________________________________

المضي في ما له مقتضي.

(وأمّا قوله : (اليقين لا يدخله الشكّ) فتفرّع الإفطار للرؤية عليه ... إلى آخره).

والحاصل : إنّ المتفرّع عليه بالنسبة إلى يوم الشكّ من شوال ليس هو استصحاب رمضان بل استصحاب الاشتغال ، والشكّ في شكّ فيه الرافع.

(وبالجملة ، فالمتأمّل المنصف يجد أنّ هذه الأخبار لا تدلّ على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشكّ في الارتفاع برافع).

هذا تمام الكلام في ما يمكن أن يستدلّ به على حجيّة الاستصحاب ، وبعده يقع الكلام في البحث عن تنبيهات الاستصحاب إن شاء الله ، فانتظر.

* * *

٤١٤

تنبيهات

وينبغي التنبيه على امور :

وهي بين ما يتعلّق بالمتيقّن السابق ، وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه ، وما يتعلّق بالشكّ اللّاحق في بقائه.

[الأمر] الأوّل : إنّ المتيقّن السابق إذا كان كلّيّا في ضمن فرد وشكّ في بقائه ، فإمّا أن يكون الشكّ من جهة الشكّ في بقاء ذلك الفرد ، وإمّا أن يكون من جهة الشكّ في تعيين ذلك الفرد وتردّده بين ما هو باق جزما وبين ما هو مرتفع ، وإمّا أن يكون من جهة الشكّ في قيام فرد آخر مقامه مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

____________________________________

(وينبغي التنبيه على امور : وهي بين ما يتعلّق بالمتيقّن) السابق (وما يتعلّق بدليله الدالّ عليه ، وما يتعلّق بالشكّ اللّاحق في بقائه.

الأمر الأوّل : إنّ المتيقّن السابق إذا كان كلّيّا في ضمن فرد وشكّ في بقائه ... إلى آخره).

وهذه الامور وإن كانت أكثر من العشرة عددا إلّا أنّها تنقسم إلى ثلاثة أقسام ، كما في المتن ، وغالبها ما يتعلّق بالمتيقّن والمستصحب ، والأمر العاشر هو ما يتعلّق بالدليل ، كما أنّ الأمر الثاني عشر يكون ممّا يتعلّق بالشكّ.

وحاصل الكلام في الأمر الأوّل ـ وهو ما إذا كان المتيقّن والمستصحب كلّيّا ـ يتّضح بعد ذكر مقدّمة وهي : إنّ الشكّ في بقاء الكلّي في ضمن أفراده يتصوّر على ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في بقاء ذلك الفرد المعيّن الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه ، كما إذا علم بوجود الإنسان في ضمن زيد في الدار ، ثمّ شكّ في وجود الإنسان فيها من جهة الشكّ في خروج زيد منها.

القسم الثاني : أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة تردّد الفرد الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه ، بين ما هو مقطوع الارتفاع ، وما هو مقطوع البقاء ، ومثاله الشرعي هو ما إذا علم المكلّف بخروج بلل مردّد بين البول والمني ثمّ توضأ ، فإنّه يشكّ حينئذ في بقاء الحدث الكلّي ، لاحتمال وجوده في الحدث الأكبر ، مع أنّ الكلّي يدور أمره بين ما هو باق قطعا ، وما هو مرتفع كذلك.

٤١٥

أمّا الأوّل : فلا إشكال في جواز استصحاب الكلّي ونفس الفرد وترتيب أحكام كلّ منهما عليه.

وأمّا الثاني : فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلّي مطلقا ، على المشهور.

____________________________________

(والأوّل) فيما إذا كان البلل من الحدث الأكبر.(والثاني) فيما إذا كان من الحدث الأصغر ، والمثال الآخر المعروف هو كوجود الحيوان المردّد بين كونه قصير العمر أو طويله ، مع مضي زمان يقطع عادة بعدم بقاء القصير فيه.

القسم الثالث : أن يكون الشكّ في بقاء الكلّي من جهة الشكّ في وجوده في ضمن فرد آخر ، مع العلم بارتفاع الفرد الأوّل الذي كان الكلّي متحقّقا في ضمنه. ثمّ احتمال بقاء الكلّي في ضمن فرد آخر على قسمين :

الأوّل : هو احتمال وجود فرد آخر في زمان الفرد الأوّل من الأوّل.

والثاني : هو احتمال وجود الفرد الثاني مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل ، كما إذا علم بوجود الإنسان بوجود زيد في الدار ، وعلم بخروج زيد عنها إلّا أنّه يحتمل وجود الإنسان فيها ، لاحتمال وجوده بوجود عمرو فيها من الأوّل ، أو بدخوله فيها مقارنا لخروج زيد عنها.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك حكم الأقسام المذكورة من حيث جريان الاستصحاب بلا إشكال ، أو معه.

وقد أشار إلى القسم الأوّل بقوله :

(أمّا الأوّل : فلا إشكال في جواز استصحاب الكلّي ونفس الفرد ... إلى آخره) ، وذلك لتماميّة أركان الاستصحاب ، والعمدة منها هو اليقين والشكّ الموجودان في كليهما ، فيترتّب على كلّ منهما أثره الشرعي.

وقد أشار إلى القسم الثاني بقوله :

(وأمّا الثاني : فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي مطلقا) ، أي : سواء كان الشكّ في الرافع أم في المقتضي (على المشهور) ، أمّا على ما ذهب إليه المصنّف قدس‌سره فلا يجوز الاستصحاب إلّا في الشكّ من جهة الرافع.

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في القسم الثاني هو التفصيل بين الكلّي والفرد ، فيجري الاستصحاب في الأوّل دون الثاني ، لتحقّق ما يعتبر في الاستصحاب من وجود المتيقّن ،

٤١٦

نعم ، لا تتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي ، سواء كان الشكّ من جهة الرافع ، كما إذا علم بحدوث البول أو المني ولم يعلم الحالة السابقة ، وجب الجمع بين الطهارتين ،

____________________________________

والشكّ في بقائه بالنسبة إلى الكلّي ، فإنّ اليقين بوجود أحد الفردين لا على التعيين يلازم اليقين بوجود القدر المشترك بينهما.

ثمّ العلم بارتفاع أحد فردي الترديد يوجب الشكّ في بقاء القدر المشترك ، لاحتمال أن يكون الحادث هو الفرد الباقي الذي يلازم بقاؤه بقاء الكلّي في ضمنه ، فقد تحقّق كلا ركني الاستصحاب بالنسبة إلى القدر المشترك والكلّي ، وهذا بخلاف الفرد حيث يدور أمره بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ، وما هو محكوم بالانتفاء بحكم أصالة عدم حدوث الكلّي في ضمنه من الأوّل.

ففي مثال دوران الحدث بين الأصغر والأكبر ، يجري استصحاب كلّي الحدث بعد الوضوء ، فلا يجوز للمكلّف مسّ المصحف ، ويجب عليه الغسل مقدّمة للعلم بفراغ الذمّة عمّا اشتغلت به بعد العلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو الغسل ، ومقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الطهارتين بالنسبة إلى الآثار المشتركة ، وأمّا الآثار المختصّة بالجنابة مثلا فلا يمكن إثباتها بالاستصحاب ، بل تنفى بأصالة عدم الجنابة ، كما أشار إليه بقوله :

(نعم ، لا تتعيّن بذلك أحكام الفرد الباقي ... إلى آخره).

ثمّ الظاهر من كلام المصنف قدس‌سره هو جريان الاستصحاب في الكلّي مع الجهل بالحالة السابقة ، بأن لا يعلم قبل حدوث الحدث المردّد بين البول والمنيّ بحدوث أحدهما معيّنا ، كما أشار إليه بقوله :

(ولم يعلم الحالة السابقة) ، إذ مع العلم بحدوث أحدهما معيّنا قبل حدوث الحدث المردّد بينهما ، لا وجه للتمسّك باستصحاب الكلّي لإثبات وجوب الجمع بين الطهارتين ؛ وذلك فإنّ الحالة السابقة المعلومة إمّا هي الحدث الأكبر أو الحدث الأصغر ، ولا وجه للتمسّك باستصحاب الكلّي لوجوب الجمع بين الطهارتين على كلا التقديرين.

أمّا على تقدير كون الحالة السابقة هو الحدث الأكبر ، فلأن مقتضى ذلك هو وجوب الغسل فقط ، وهو يغني عن وجوب الوضوء فلا أثر للحدث المردّد بين البول والمنيّ سواء كان بولا أو منيّا.

٤١٧

فإذا فعل إحداهما وشكّ في رفع الحدث ، فالأصل بقاؤه ، وإن كان الأصل عدم تحقّق الجنابة فيجوز له ما يحرم على الجنب ، أم كان الشكّ من جهة المقتضي ، كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلّا سنة ، وكونه حيوانا يعيش مائة سنة ، فيجوز بعد السنة الاولى

____________________________________

وأمّا على تقدير كونها هو الحدث الأصغر ، فلأنّ مقتضى استصحابه هو وجوب الوضوء فقط ، وذلك فإنّ الحدث الجديد إمّا حدث أصغر أو أكبر ، وعلى التقديرين لا أثر له.

أمّا على تقدير كونه أصغر ، فلأجل أنّه لا أثر للحدث بعد الحدث ، بل يجب وضوء واحد ، وأمّا على تقدير كونه حدثا أكبر ، فلأنّ مقتضى الأصل هو عدم حدوثه ، لأنّ الشكّ بالنسبة إليه شكّ بدويّ في أصل حدوثه ، فتجري أصالة عدم الحدوث فيه. ويترتّب عليها جواز الدخول في الصلاة بعد الوضوء من دون حاجة إلى الغسل.

نعم لو كان المكلّف عالما بسبق الطهارة أو جاهلا بحاله ثمّ علم إجمالا بالحدث الأصغر أو الأكبر وجب عليه حينئذ الجمع بين الطهارتين ؛ وذلك ليس من جهة اقتضاء استصحاب الحدث بنفسه لذلك حتى يقال بأنّ وجوب الغسل يكون من الأحكام الخاصّة للحدث الأكبر ، كما أنّ وجوب الوضوء من الأحكام الخاصّة للحدث الأصغر ؛ فكيف يمكن الحكم بوجوب الغسل بعد الوضوء باستصحاب كلّي الحدث؟!.

بل الجمع بين الطهارتين يكون من جهة اقتضاء استصحاب الكلّي عدم جواز الدخول في الصلاة إلّا بعد إحراز الطهارة ، وإحرازها لا يحصل إلّا بإتيان كلّ من الوضوء والغسل ، ولهذا يجب الجمع بينهما ، ثمّ الجمع بينهما إنّما هو للآثار المشتركة ، كما أشار إليه بقوله :

(فإذا فعل إحداهما وشكّ في رفع الحدث ، فالأصل بقاؤه) ، أي : بقاء الحدث وترتيب الأثر المشترك ، كعدم جواز مسّ المصحف عليه.

(وإن كان الأصل عدم تحقّق الجنابة فيجوز له ما يحرم على الجنب) ، فلا يترتّب على استصحاب كلّي الحدث أثر خصوص الجنابة ، بأن يحكم بحرمة ما يحرم على الجنب ، كدخول المساجد وقراءة العزائم.

وما ذكر من تردّد الحدث بين الأصغر والأكبر مثال للشكّ في الرافع ، وقد أشار إلى مثال الشكّ من جهة المقتضي بقوله :

٤١٨

استصحاب الكلّي المشترك بين الحيوانين ويترتّب عليه آثاره الشرعيّة الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيّتين ، بل يحكم بعدم كلّ منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الاصلين ، كما في الشبهة المحصورة.

وتوهّم : «عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع

____________________________________

(كما لو تردّد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلّا سنة ، وكونه حيوانا يعيش مائة) ، كالعصفور والفيل فرضا.

(فيجوز بعد السنة الاولى استصحاب الكلّي المشترك بين الحيوانين ويترتّب عليه آثاره الشرعيّة الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيّتين ، بل يحكم بعدم كلّ منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الاصلين).

بأن يكون إجراء الأصلين مستلزما للمخالفة العمليّة القطعيّة ، كما إذا علم إجمالا بثبوت التكليف الإلزامي بين المشتبهين ، لأنّ الرجوع إلى الأصلين النافيين يوجب المخالفة القطعيّة ، فلا يجوز الرجوع إليهما لمانع ، وهو المخالفة العمليّة القطعيّة ، ومثال ذلك ، كما لو نذر زيد دفع درهم للفقير إن كان العصفور أو الفيل في الدار ، فلا يجوز له إجراء الأصلين لكونه مستلزما للمخالفة العمليّة بعد علمه إجمالا بوجوب دفع درهم عليه.

(كما في الشبهة المحصورة) حيث لا يجوز الرجوع إلى أصالة الحلّيّة والطهارة في كلّ من الطرفين بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، لوجود مانع ، وهو لزوم المخالفة القطعيّة وطرح العلم الإجمالي.

وبالجملة ، إنّ كلّي الحيوان يجوز استصحابه إن كان له أثر ، أمّا خصوص الفردين فلا يجوز استصحابهما ؛ وذلك لانتفاء ما يعتبر في الاستصحاب من اليقين بالثبوت والشكّ في البقاء ، لانتفاء اليقين بالثبوت بالنسبة إلى خصوص الفرد الطويل ، والشكّ في البقاء بالنسبة إلى الفرد القصير ، لكون الشكّ في ثبوت الأوّل ، واليقين بارتفاع الثاني.

والمتحصّل من جميع ما ذكر هو جريان الاستصحاب في القسم الثاني.

إلّا أنّ المصنّف قدس‌سره قد ذكر ما يمكن أن يكون مانعا عن جريان الاستصحاب في القسم الثاني ، وهو وجهان :

الأوّل ما أشار إليه بقوله :

٤١٩

الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ، وهو محكوم الانتفاء بحكم الأصل» مدفوع ، بأنّه لا يقدح ذلك في استصحابه بعد فرض الشكّ في بقائه وارتفاعه ، كاندفاع توهّم كون الشكّ في بقائه مسبّبا عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الحدوث. فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع القدر المشترك ، لأنه من آثاره.

____________________________________

(وتوهّم عدم جريان الأصل في القدر المشترك من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مشكوك الحدوث ، وهو محكوم الانتفاء بحكم الأصل مدفوع ، بأنّه لا يقدح ذلك في استصحابه ... إلى آخره).

والتوهّم المذكور يتّضح بعد تقديم مقدّمة مشتملة على أمرين :

الأوّل : إنّ وجود الكلّي في الخارج هو عين وجود أفراده ، فله وجودات بعدد وجودات الأفراد.

والثاني : إنّ أهمّ أركان الاستصحاب هو اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء. إذا عرفت هذه المقدّمة ، يتّضح لك وجه عدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني ؛ وذلك لانتفاء اليقين بالحدوث أو الشكّ في البقاء ، فإنّ أمر الكلّي في الواقع دائر بين وجوده في الفرد القصير ، أو الفرد الطويل.

وعلى الأوّل ينتفي الشكّ في البقاء لكونه مقطوع الانتفاء ، وعلى الثاني ينتفي اليقين بالحدوث مع كونه محكوما بالانتفاء بالأصل ، فيكون الكلّي مرتفعا في الزمان الثاني إمّا وجدانا ، كما في الفرض الأوّل ، أو تعبّدا بالأصل ، كما في الفرض الثاني ، وعلى التقديرين لا يبقى شكّ في البقاء حتى يجري الاستصحاب.

وحاصل الجواب : إنّ دوران أمر الكلّي في الواقع بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مقطوع البقاء ، لا يمنع عن استصحاب نفس الكلّي بالنسبة إلى الآثار المترتّبة عليه ؛ وذلك لتحقّق اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء بالنسبة إلى نفس الكلّي ، فإنّ كلّي الحيوان في فرض دورانه بين الفرد القصير والطويل يقينيّ الحصول ، ومشكوك البقاء ، فيجري فيه الاستصحاب.

نعم ، ما ذكر من دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وما هو مقطوع البقاء مانع عن جريان الاستصحاب في خصوص الفردين كما عرفت. هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل.

٤٢٠