دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

بني على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

ومع ذلك فقد استقرّت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام وعدم رفع اليد عنها ، إلّا بمخصّص قوي في غاية الاعتبار ، بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة.

ولعلّ هذا كاف في جبر الوهن المذكور ، وإن كان في كفايته نظر ، بناء على أنّ لزوم

____________________________________

(بل لو بني على العمل بعموم هذه القاعدة) مع خروج أكثر الأحكام عنها بالتخصيص (حصل منه فقه جديد) ، إذ يلزم منه تعطيل ما ذكر من الحقوق الماليّة والجنائيّة وغيرهما وتغيير الفروع الضرريّة ، كالحجّ والجهاد وغيرهما ، ولو لم يبن على العمل بعمومها ، بل بني على تخصيصها بما ذكر ، لزم تخصيص الأكثر وهو مستهجن في الكلام ، وموجب للإجمال في العموم في المقام ، ومع وجود هذا الوهن في عموم هذه القاعدة (فقد استقرّت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام) حيث استدلّوا بها على عدم وجوب الوضوء الضرري ، وعدم لزوم البيع الغرري وغيرهما ممّا لا يحصى كثرة ، فراجع أبواب الفقه.

(وعدم رفع اليد عنها) ، أي : عن القاعدة (إلّا بمخصّص قوي في غاية الاعتبار) مثل أدلّة وجوب الخمس والزكاة والجهاد وغيرها من الأحكام الضرريّة الثابتة بالأدلّة المعتبرة شرعا.

قوله : (بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة).

هذا دفع لما يمكن أن يقال : من أنّ هذه القاعدة سقطت عن الحجيّة بما ذكر من كثرة التخصيص ، والمسائل التي حكم الفريقان فيها بنفي الحكم كعدم الوضوء الضرري مثلا ، إذ لعل حكمهم كان لدليل خاصّ قام عليه ، لا لقاعدة (لا ضرر).

وحاصل الدفع أنّهم حكموا بذلك بحيث يعلم منه انحصار مدركهم في عموم هذه القاعدة.

إلّا أن يقال في دفع الإشكال المذكور بأنّ عملهم بهذه القاعدة يكفي في جبر الوهن المذكور الناشئ عن كثرة التخصيص ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ولعلّ هذا كاف في جبر الوهن المذكور ، وإن كان في كفايته نظر ، بناء على أنّ لزوم

٢٤١

تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك.

غاية الأمر تردّد الأمر بين العموم وإرادة ذلك المعنى ، واستدلال العلماء لا يصلح معيّنا خصوصا لهذا المعنى المرجوح المنافي لمقام الامتنان وضرب القاعدة ، إلّا أن يقال ـ مضافا إلى منع أكثريّة الخارج وإن سلّمت كثرته ـ : إنّ الموارد الكثيرة الخارجة عن العامّ إنّما خرجت بعنوان واحد جامع لها وإن لم نعرفه على وجه التفصيل.

____________________________________

تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم منه ذلك).

أي : تخصيص الأكثر ، كحمل النفي على النهي حتى يكون مفاد(لا ضرر) حرمة الإضرار بالغير.

أو حمل الضرر المنفي على الضرر الخاصّ ، كإتلاف مال الغير مثلا حتى لا يلزم تخصيص الأكثر ، ولازم ذلك هو الالتزام بإجمال مدلول (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) (١) ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(غاية الأمر تردّد الأمر بين العموم وإرادة ذلك المعنى).

فلا يجوز الاستدلال بالحديث المزبور ، إلّا في المورد المنصوص المتيقّن ، كمورد إتلاف مال الغير مثلا ، وفي مورد الشكّ في نفي ضرر يرجع إلى العمومات دون القاعدة.

(واستدلال العلماء لا يصلح معيّنا) لما يحتمل منها ، من إرادة العموم أو المعنى الآخر(خصوصا لهذا المعنى المرجوح) ، أي : استدلال العلماء لا يوجب تعيين ما يمكن أن يراد من القاعدة من المعنى ، خصوصا وأنّه لا يوجب تعيين المعنى المرجوح وهو العموم ، إذ إرادة العموم مع كثرة التخصيص التي بلغت مرتبة الاستهجان ، تنافي كونها في مقام الامتنان وضرب القاعدة ، لأنّ العموم إذا كان واردا في مقام المنّة وضرب القاعدة ، لكان أبيّا عن التخصيص فضلا عن تخصيص الأكثر. هذا تمام الكلام في الإشكال على القاعدة.

ثمّ أجاب عن ذلك المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إلّا أن يقال ـ مضافا إلى منع أكثريّة الخارج وإن سلّمت كثرته ـ : إنّ الموارد الكثيرة الخارجة عن العامّ إنّما خرجت بعنوان واحد جامع لها).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٢٤٣ / ٧٧٧. الوسائل ٢٦ : ١٤ ، أبواب موانع الإرث ، ب ١ ، ح ١٠.

٢٤٢

وقد تقرّر أنّ تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لأفراد هي أكثر من الباقي ، كما إذا قيل : أكرم النّاس ، ودلّ دليل على اعتبار العدالة ، خصوصا إذا كان المخصّص ممّا يعلم به المخاطب حال الخطاب.

ومن هنا ظهر وجه صحّة التمسّك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها ، كما في قوله عليه‌السلام : (المؤمنون عند شروطهم) (١) وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(٢) ، بناء على إرادة العهود ، كما في الصحيح.

____________________________________

وحاصل كلامه قدس‌سره في الجواب ، هو منع لزوم تخصيص الأكثر أوّلا ، ومنع الاستهجان على فرض لزومه ثانيا ، وذلك لأنّ تخصيص الأكثر على قسمين :

أحدهما : أن يكون بالعناوين المتعدّدة ، كتخصيص : أكرم العلماء ، ب : لا تكرم المنجّمين ، ولا تكرم النحويّين ولا تكرم الفلاسفة ، ولا تكرم الاصوليّين ، هكذا حتى يبقى تحت العامّ ، الفقهاء فقط ، أو العدول منهم فقط.

وثانيهما : أن يكون بعنوان واحد ، كتخصيص : لا تكرم العلماء إلّا الفقهاء ، أو كالمثال المذكور في المتن ، فإنّ الخارج من العموم وإن كان أكثر من الباقي تحته ، إلّا أنّه بعنوان واحد ، وهو عدم العدالة مثلا.

وتخصيص الأكثر الذي لا يجوز عند العقلاء ، هو القسم الأوّل لا الثاني ، وما نحن فيه من قبيل القسم الثاني ، وعليه فلا مانع من التمسّك بعموم القاعدة عند الشكّ في التخصيص (خصوصا إذا كان المخصّص ممّا يعلم به المخاطب حال الخطاب) وكان المتكلّم ممّن يعتمد في مقام تفهيم المخاطب بعلم المخاطب بالمخصّص حال الخطاب ، وإلّا فمجرّد علم المخاطب بالمخصّص حال الخطاب لا يوجب تفاوت الحال في الاستهجان وعدمه ، كما في الفوائد بتوضيح منّا.

(ومن هنا) ، أي : من أنّ كثرة الخارج إذا كان بعنوان واحد لا يوجب وهن العموم ، فلا يجب حمله على معنى آخر(ظهر وجه صحّة التمسّك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها ، كما في قوله عليه‌السلام : (المؤمنون عند شروطهم) وقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بناء على

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣. الاستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥. الوسائل ٢١ : ٢٧٦ ، أبواب المهور ، ب ٢٠ ، ح ٤.

(٢) المائدة : ١.

٢٤٣

ثمّ إنّه يشكل الأمر من حيث إنّ ظاهرهم في الضرر المنفي الضرر النوعي لا الشخصي ، فحكموا بشرعيّة الخيار للمغبون نظرا إلى ملاحظة نوع البيع المغبون وإن فرض عدم تضرّره في خصوص مقام ، كما إذا لم يوجد راغب في المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع ، لكونه في معرض الإباق أو التلف ، أو الغصب ، وكما إذا لم يترتّب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع ، بل كان له فيه نفع.

____________________________________

إرادة العهود ، كما في الصحيح) ؛ لأنّ الشرط لغة عبارة عن مطلق الإلزام والالتزام بشيء ، وهو غير واجب إلّا في مثل النذر ، فالخارج كالشروط الابتدائيّة وغيرها يكون في غاية الكثرة.

نعم ، لو كان المراد به هو الإلزام والالتزام في البيع ونحوه ، كان الخارج عن العموم ما خالف مقتضى العقد أو الكتاب ، والسنّة أيضا.

وكيف كان ، فأكثر العهود المتعارفة بين الناس لا يجب الوفاء بها ، ومع ذلك يصحّ التمسّك بالعموم ، لما عرفت من أنّ تخصيص الأكثر إذا كان بعنوان واحد ، لا يقدح في التمسّك بالعموم ، ولعلّ التخصيص في مورد الشروط يكون من هذا القبيل ، فيكون المعنى : المؤمنون عند شروطهم إلّا ما خالف الكتاب والسنّة.

(ثمّ إنّه يشكل الأمر من حيث إنّ ظاهرهم في الضرر المنفي الضرر النوعي لا الشخصي).

وملخّص وجه الإشكال ، هو التنافي بين ظاهر الروايات في اعتبار الضرر الشخصي ، وبين ظاهر العلماء في اعتبار الضرر النوعي ، فالمنفي نظرا إلى ظاهر الروايات هو الضرر الشخصي ونظرا إلى ظاهر استدلالهم ـ حيث استدلّوا بهذه القاعدة على إثبات خيار الغبن والعيب والشفعة ـ هو الضرر النوعي ، حيث حكموا بخيار البائع المغبون باعتبار كون البيع الغبني مشتملا على الضرر نوعا ، فحكموا بأنّه له الخيار.

(وإن فرض عدم تضرّره في خصوص مقام ، كما إذا لم يوجد راغب في المبيع وكان بقاؤه ضررا على البائع ، لكونه في معرض الإباق أو التلف ، أو الغصب).

وكذلك حكموا بحقّ الشفعة للشريك باعتبار وجود الضرر في ترك الشفعة غالبا ونوعا وإن لم يكن في ترك الشفعة ضرر في بعض الموارد ، بل كان فيه نفع للشريك.

٢٤٤

وبالجملة ، فالضرر عندهم في بعض الأحكام حكمة لا يعتبر اطّرادها ، وفي بعض المقامات يعتبرون اطّرادها ، مع أنّ ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصي ، إلّا أن يستظهر منها انتفاء الحكم رأسا إذا كان موجبا للضرر غالبا وإن لم يوجب دائما ، كما قد يدّعى نظير ذلك في أدلّة نفي الحرج.

ولو قلنا بأنّ التسلّط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا ، صار الأمر أشكل.

____________________________________

(وبالجملة ، فالضرر عندهم في بعض الأحكام حكمة لا يعتبر اطّرادها) كما في الأمثلة المتقدّمة وهي باب الخيارات ، حيث إنّ اعتبار الضرر فيها نوعي (وفي بعض المقامات يعتبرون اطّرادها) كما في باب العبادات مثل الوضوء إذا كان فيه ضررا.

هذا تمام الكلام في اعتبار الضرر النوعي عندهم في باب الخيارات ، وهذا ينافي ظاهر الروايات كما أشار المصنّف قدس‌سره إليه بقوله :

(مع أنّ ظاهر الرواية) ، أي : رواية نفي الضرر(اعتبار الضرر الشخصي) ، إذ لا معنى لنفي الضرر في مورد انتفاء الضرر(إلّا أن يستظهر منها) ، أي : من رواية نفي الضرر بملاحظة بعض القرائن كاستدلال الإمام عليه‌السلام بها لحقّ الشفعة مطلقا ، مع عدم الضرر في جميع الموارد(انتفاء الحكم رأسا) ، أي : انتفاء الحكم بلزوم المعاملة (إذا كان موجبا للضرر غالبا وإن لم يوجب دائما ... إلى آخره) ، فيرتفع ـ حينئذ ـ ما ذكر من التنافي بين ظاهرهم والرواية ، غاية الأمر تحمل الرواية على خلاف ظاهرها ببعض القرائن.

(ولو قلنا بأنّ التسلّط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا ، صار الأمر أشكل).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّ الاستدلال بالقاعدة على نفي الضرر النوعي مشكل بما عرفت من التنافي ، إلّا أنّ الاستدلال بها على نفي الضرر مع تعارضه بضرر آخر أشكل منه.

وبيان التعارض : فكما أنّ بقاء المبيع في البيع الغبني عند المشتري ضرر على البائع ، كذلك إخراج المثمن عن ملك المشتري ضرر عليه أيضا ، وكذلك الأمر في ترك الشفعة ، فكما أنّه ضرر على الشفيع ، فكذلك إخراج المبيع عن ملك المشتري ـ أيضا ـ ضرر عليه ،

٢٤٥

إلّا أن يقال : إنّ الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار ، فتأمّل.

ثمّ إنّه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين ، فمع فقد المرجّح يرجع إلى الاصول والقواعد الأخر ، كما أنّه إذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة

____________________________________

وليس أحدهما أولى بإجراء القاعدة من الآخر ، فكيف ينفى الضرر في أحدهما بها دون الآخر؟!.

(إلّا أن يقال : إنّ الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار) فلا يكون إخراج الملك المتزلزل بالخيار عن يد المالك ضررا ، وإنّما يعدّ إخراجه ضررا عليه فيما إذا استقرّ ملكه عليه ، فالضرر موجب للتزلزل من الأوّل ، فيصير العقد من الأوّل من العقود الجائزة ومن المعلوم أنّ إخراج الملك فيها بفسخها لا يعدّ ضررا.

(فتأمّل) لعلّه إشارة إلى الفرق بين العقد المتزلزل بالضرر ، بحيث لولاه كان مقتضيا للّزوم ، وبين العقد المتزلزل بنفسه من الأوّل ، كالعقود الجائزة ، وذلك بأنّ إخراج الملك في الأوّل يعدّ ضررا بخلاف الثاني حيث لا يصدق عليه الضرر ، فتعارض الضررين باق على حاله في المقام ، ولا بدّ من وجه ـ حينئذ ـ للحكم بتقديم ضرر المغبون والشفيع وغيرهما ، وهو كون ضررهم أقوى مثلا ، أو دعوى الإجماع فيه وما شابه ذلك.

(ثمّ إنّه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين ، فمع فقد المرجّح يرجع إلى الاصول والقواعد الأخر).

وحاصل الكلام في مسألة تعارض الضررين ، هو أنّها ترجع إلى ثلاث مسائل :

الاولى : هي ما إذا دار أمر شخص واحد بين ضررين ، بحيث كان لا بدّ له من الوقوع في أحدهما ، كمن يحتاج إلى حفر بالوعة في داره مثلا ، بحيث يكون حفرها مستلزما للضرر في سردابها ، والمصنّف لم يذكر المثال لهذه المسألة وإنّما اكتفى بالإشارة إليها بقوله : (قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد).

والثانية : هي ما إذا دار أمر الضررين بين شخصين ، كما أشار إليها قدس‌سره بقوله : (أو شخصين) ، أي : قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخصين ، ثمّ ذكر المصنّف قدس‌سره لها مثالين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : (كما أنّه إذا اكره على الولاية من قبل الجائر المستلزمة

٢٤٦

للإضرار على الناس فإنّه يرجع إلى قاعدة نفي الحرج ، لأنّ إلزام الشخص تحمّل

____________________________________

للإضرار على الناس) حيث يدور الأمر بين قبولها وتضرر الغير ، وبين عدمه وتضرّره.

وثانيهما : ما أشار إليه بقوله : (ومثله : إذا كان تصرّف المالك في ملكه موجبا لتضرّر جاره ، وتركه موجبا لتضرّر نفسه).

والثالثة : هي ما إذا دار أمر الضرر بين شخصين في عكس المسألة الاولى ، كما إذا دخل رأس دابة شخص في قدر شخص آخر ، ولم يمكن تخليصها إلّا بكسر القدر أو ذبح الدابة ، والمصنّف قدس‌سره ذكر المسألة الثالثة ، في آخر هذا البحث ، حيث أشار إليها بقوله : (وأمّا في غير ذلك) وسنكتفي فعلا في بيان حكم المسألة الاولى والثانية ، والعمدة هي الثانية وذلك لكثرة الابتلاء بها.

ثمّ إنّ كلمات الاصوليّين في بيان محتملات مسألة تعارض الضررين وفروعها وإن كانت مختلفة بين تفصيل مملّ وإجمال مخلّ ، إلّا أنّ خير الامور أوسطها ، وهو ما أفاده السيد الاستاذ دام ظله ، حيث قال في المسألة الاولى : «وفروعها ثلاثة :

الأوّل : ما إذا دار أمره بين ضررين مباحين ، بناء على ما ذكرناه من عدم حرمة الإضرار بالنفس بجميع مراتبه ، وفي مثله يجوز له اختيار أيّهما شاء بلا محذور.

الثاني : ما إذا دار الأمر بين ضرر يحرم ارتكابه ، كتلف النفس ، وما لا يحرم ارتكابه ، كتلف المال ، وفي مثله لا ينبغي الشكّ في لزوم اختيار المباح تحرّزا عن الوقوع في الحرام.

الثالث : ما إذا دار الأمر بين ضررين محرّمين ، ويكون المقام ـ حينئذ ـ من باب التزاحم ، فلا بدّ له من اختيار ما هو أقلّ ضررا ، والاجتناب عمّا كان محتمل الأهميّة.

نعم ، مع العلم بالتساوي أو احتمال الأهميّة في كلّ من الطرفين يكون مخيّرا في الاجتناب عن أيّهما شاء» انتهى مورد الحاجة من كلامه في المسألة الاولى.

كما قال مفصّلا في المسألة الثانية «وهي ما إذا دار الأمر بين تضرر شخص والإضرار بالغير من جهة التصرّف في ملكه ، كمن حفر في داره بالوعة أو بئرا يكون موجبا للضرر على الجار مثلا ، وتوضيح المقام يقتضي ذكر أقسام تصرّف المالك في ملكه الموجب للإضرار بالجار ، فنقول : إنّ تصرّفه يتصوّر على وجوه :

الأوّل : أن يكون المالك بتصرّفه قاصدا لإضرار الجار ، من دون أن يكون فيه نفع له ، أو

٢٤٧

____________________________________

في تركه ضرر عليه.

الثاني : الصورة مع كون الداعي إلى التصرّف مجرّد العبث والميل النفساني ، لا الإضرار بالجار.

الثالث : أن يكون التصرّف بداعي المنفعة ، بأن يكون في تركه فوات منفعة.

الرابع : أن يكون الداعي ، التحرّز عن الضرر ، بأن يكون في تركه ضرر عليه.

والمنسوب إلى المشهور جواز التصرّف وعدم الضمان في الصورتين الأخيرتين ، بعد التسالم على الحرمة والضمان في الصورتين الاوليين.

أمّا وجه الحرمة والضمان في الصورتين الاوليين فظاهر ، فإنّه لا إشكال في حرمة الإضرار بالغير ، ولا سيّما الجار ، والمفروض أنّه لا يكون فيهما شيء ترتفع به حرمة الإضرار بالغير.

وأمّا الوجه لجواز التصرّف وعدم الضمان في الصورتين الأخيرتين ، فقد استدلّ له بوجهين :

الوجه الأوّل : إنّ منع المالك عن التصرّف في ملكه حرج عليه ، ودليل نفي الحرج حاكم على أدلّة نفي الضرر ، كما أنّه حاكم على الأدلّة المثبتة للأحكام ، وهذا الدليل ممنوع صغرى وكبرى.

أمّا الصغرى ، فلعدم كون منع المالك عن التصرّف في ملكه حرجا عليه مطلقا ، فإنّ الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة إنّما هو بمعنى المشقّة التي لا تتحمّل عادة ، ومن الظاهر أنّ منع المالك عن التصرّف في ملكه لا يكون موجبا للمشقّة التي لا تتحمّل عادة مطلقا ، بل قد يكون وقد لا يكون ، وليس الحرج المنفي في الشريعة المقدّسة بمعنى مطلق الكلفة ، وإلّا كانت جميع التكاليف حرجيّة ، فإنّها كلفة ومنافيّة لحريّة الإنسان وللعمل بما تشتهي الأنفس.

وأمّا الكبرى ، فلأنّه لا وجه لحكومة أدلّة نفي الحرج على أدلّة نفي الضرر ، فإنّ كلّ واحد منهما ناظر إلى الأدلّة الدالّة على الأحكام الأوّليّة وتقييدها بغير موارد الحرج والضرر في مرتّبة واحدة ، فلا وجه لحكومة أحدهما على الآخر.

٢٤٨

____________________________________

الوجه الثاني : إنّ تصرّف المالك في ملكه في المقام ، لا بدّ من أن يكون له حكم مجعول من قبل الشارع ، إمّا الجواز أو الحرمة ، فلا محالة يكون أحدهما خارجا عن دليل (لا ضرر) ، ولا ترجيح لأحدهما على الآخر ، فيكون دليل (لا ضرر) مجملا بالنسبة إليهما ، فلا يمكن التمسّك بحديث (لا ضرر) بشيء منهما ، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الحرمة ، ويحكم بجواز التصرّف.

وفيه : ما تقدّم من أنّ دليل (لا ضرر) لا يشمل إلّا الأحكام الإلزاميّة ، لأنّه ناظر إلى نفي الضرر من قبل الشارع في عالم التشريع. والضرر في الأحكام الترخيصيّة لا يستند إلى الشارع ، حتى يكون مرتفعا بحديث (لا ضرر) ، فحرمة الإضرار بالغير تكون مشمولة لحديث (لا ضرر) ومرتفعة به دون الترخيص.

هذا ولكنّ التحقيق عدم شمول حديث (لا ضرر) للمقام ، لأنّ مقتضى الفقرة الاولى عدم حرمة التصرّف ، لكونها ضررا على المالك ، ومقتضى الفقرة الثانية ، وهي (لا ضرار) حرمة الإضرار بالغير على ما تقدّم بيانه ، فيقع التعارض بين الصدر والذيل ، فلا يمكن العمل بإحدى الفقرتين.

وإن شئت قلت : إنّ الحديث لا يشمل المقام أصلا ، لا صدرا ولا ذيلا ، لما ذكرناه من كونه واردا مورد الامتنان على الامّة الإسلاميّة ، فلا يشمل موردا كان شموله له منافيا للامتنان ، ومن المعلوم أنّ حرمة التصرّف والمنع عنه مخالف للامتنان على المالك ، والترخيص فيه خلاف الامتنان على الجار ، فلا يكون شيء منهما مشمولا لحديث (لا ضرر).

وبما ذكرناه ظهر أنّه لا يمكن التمسّك بحديث (لا ضرر) فيما كان ترك التصرّف موجبا لفوات المنفعة ، وإن لم يكن ضررا عليه ، لأنّ منع المالك عن الانتفاع بملكه ـ أيضا ـ مخالف للامتنان ، فلا يكون مشمولا لحديث (لا ضرر) ، فلا يمكن التمسّك بحديث (لا ضرر) في المقام أصلا ، بل لا بدّ من الرجوع إلى غيره ، فإن كان هناك عموم أو إطلاق دلّ على جواز تصرّف المالك في ملكه ، حتى في مثل المقام يؤخذ به ويحكم بجواز التصرّف ، وإلّا فيرجع إلى الأصل العملي ، وهو في المقام أصالة البراءة عن الحرمة ، فيحكم

٢٤٩

الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج ، وقد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولّي من قبل الجائر من كتاب المكاسب.

____________________________________

بجواز التصرّف.

وبما ذكرناه ظهر الحكم فيما إذا كان التصرّف في مال الغير موجبا للضرر على الغير ، وتركه موجبا للضرر على المتصرّف ، فيجري الكلام السابق من عدم جواز الرجوع إلى حديث (لا ضرر) ، لكونه واردا مورد الامتنان ، فيرجع إلى عموم أدلّة حرمة التصرّف في مال الغير ، كقوله عليه‌السلام : (لا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه) (١) وغيره من أدلّة حرمة التصرّف في مال الغير ويحكم بحرمة التصرّف» انتهى.

ولنرجع إلى كلام المصنّف قدس‌سره حيث قال بقبول الولاية من قبل الجائر في صورة الإكراه ، وتمسّك لذلك بقاعدة نفي الحرج ، وحاصل الكلام في المسألة الثانية التي ذكرها المصنّف قدس‌سره تفصيلا ، هو تقديم قاعدة نفي الحرج على قاعدة نفي الضرر ، على ما يظهر من كلامه حيث قال :

(فإنّه يرجع إلى قاعدة نفي الحرج ... إلى آخره).

والرجوع إلى قاعدة نفي الحرج لا يخلو من أحد احتمالين :

الأوّل : أن يكون الرجوع إليها من جهة حكومتها على قاعدة لا ضرر ، كحكومتها على الأدلّة المثبتة للأحكام.

والثاني : أن يكون الرجوع إليها لأجل كونها مرجعا بعد تعارض قاعدتي لا ضرر كما لا يخفى ، وعلى التقديرين لا بدّ من إحراز الصغرى في المقام ، وهي أن يكون تحمل الضرر لدفع الضرر عن الغير حرجا ، وقد أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(لأنّ إلزام الشخص تحمّل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج).

وقد تقدّم الإشكال على تقديم قاعدة نفي الحرج على قاعدة نفي الضرر في كلام سيّدنا الاستاذ ، فراجع.

ثمّ أشار المصنّف قدس‌سره إلى المثال الثاني بقوله :

__________________

(١) الكافي ٧ : ٢٧٣ / ١٢. الفقيه ٤ : ٦٧ / ١٩٥. غوالي اللآلئ ١ : ٢٢٢ / ٩٨. الوسائل ٥ : ١٢٠ ، أبواب مكان المصلي ، ب ٣ ، ح ١ ، بتفاوت في جميعها.

٢٥٠

ومثله : إذا كان تصرّف المالك في ملكه موجبا لتضرّر جاره ، وتركه موجبا لتضرّر نفسه ، فإنّه يرجع إلى عموم : (النّاس مسلّطون على أموالهم) (١) ولو عدّ مطلق حجره عن التصرّف في ملكه ضررا ، لم يعتبر في ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرّف فيه ، فيرجع إلى عموم التسلّط.

ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج ، لأنّ منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه ، إمّا لحكومته ابتداء على نفي الضرر ، وإمّا لتعارضهما والرجوع إلى الأصل.

____________________________________

(ومثله : إذا كان تصرّف المالك في ملكه موجبا لتضرّر جاره ، وتركه موجبا لتضرّر نفسه).

فيحكم بجواز تصرّف المالك في ملكه بما تقدّم من قاعدة نفي الحرج وبعموم (الناس مسلّطون على أموالهم).

وقد أشار إلى الأوّل بقوله : (ويمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج ، لأنّ منع المالك لدفع ضرر الغير حرج وضيق عليه).

وإلى الثاني بقوله : (فإنّه يرجع إلى عموم (الناس مسلطون على أموالهم)).

ويمكن الإشكال على تقديم كلتا القاعدتين ـ أي : قاعدة نفي الحرج ، والسلطنة ـ على قاعدة لا ضرر فيقال : إنّ قاعدة نفي الحرج في مرتبة قاعدة لا ضرر ، فكيف تقدّم عليها بالحكومة؟! ، وإنّ قاعدة السلطنة محكومة بقاعدة لا ضرر ، فكيف يقدّم ما هو المحكوم على ما هو الحاكم؟!

ويمكن الجواب : بأنّ الرجوع إليهما ليس من جهة حكومتهما عليها ، بل يرجع إليها بعد سقوط قاعدة لا ضرر بالتعارض.

نعم ، يحتمل أن يكون تقديم قاعدة نفي الحرج على قاعدة لا ضرر ابتداء من باب الحكومة ، حيث أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إمّا لحكومته ابتداء على نفي الضّرر).

أي : حكومة نفي الحرج ابتداء على نفي الضرر ، ثمّ إنّ المراد من الأصل ، يمكن أن

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٣ : ٢٠٨ / ٤٩ ، البحار ٢ : ٢٧٢ / ٧.

٢٥١

ولعلّ هذا أو بعضه منشأ إطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرّف المالك في ملكه وإن تضرّر الجار بأن يبني داره مدبغة أو حمّاما أو بيت القصارة أو الحدادة ، بل حكي عن الشيخ والحلبي وابن زهرة دعوى الوفاق عليه.

ولعلّه أيضا منشأ ما في التذكرة من : «الفرق بين تصرّف الإنسان في الشارع المباح بإخراج روشن أو جناح ، وبين تصرّفه في ملكه» حيث اعتبر في الأوّل عدم تضرّر الجار ، بخلاف الثاني ، فإنّ المنع من التصرّف في المباح لا يعدّ ضررا ، بل فوات انتفاع.

____________________________________

يكون ما هو الأعمّ من العموم والأصل العملي ، فالظاهر ـ حينئذ ـ أن يكون المراد من مرجع ضمير التثنية في (تعارضهما) ضررين ، فمعنى عبارة المصنّف قدس‌سره ـ حينئذ ـ أنّه يمكن الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج ، إمّا لحكومتها ابتداء على نفي الضرر ، وإمّا لتعارض الضررين ، ثمّ الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج وعموم (الناس مسلّطون على أموالهم) ، أو إلى الأصل العملي كالبراءة مثلا على فرض عدم الدليل الاجتهادي.

ويحتمل أن يكون المراد بالأصل هو الأصل العملي فقط ، فالظاهر أن يكون المراد من مرجع الضمير هو قاعدة نفي الحرج وقاعدة نفي الضرر ، أي : يرجع إلى الأصل من البراءة واستصحاب السلطنة مع تعارضهما ، إلّا أنّ هذا الاحتمال لا يناسب ما ذكر من الرجوع إلى قاعدة نفي الحرج ، لأنّ الرجوع إلى البراءة أو السلطنة ليس رجوعا إلى قاعدة نفي الحرج ، فتأمّل.

(ولعلّ هذا) ، أي : الرجوع إلى كلتا القاعدتين ، أي : قاعدة نفي الحرج والسلطنة ، (أو بعضه) ، أي : الرجوع إلى إحداهما بعد تعارض الضررين (منشأ إطلاق جماعة وتصريح آخرين بجواز تصرّف المالك في ملكه وإن تضرر الجار ، بأن يبني داره مدبغة) للجلود(أو حماما أو بيت القصارة) للملابس (أو الحدادة ، بل حكي عن الشيخ والحلبي وابن زهرة دعوى الوفاق عليه) ، أي : جواز تصرّف المالك في ملكه.

(ولعلّه أيضا منشأ ما في التذكرة من : الفرق بين تصرّف الإنسان في الشارع المباح بإخراج روشن) وهي جمع الرواشن ، ومعناها بأن يخرج أخشابا إلى الدرب ويبني عليها وتجعل لها قوائم من السقف كما في الأوثق نقلا عن الطريحي ، ويمكن أن يكون المراد بها الشبابيك (أو جناح) بأن يخرج شيء من فوق البناء إلى الطريق ، كما هو المتعارف في بعض

٢٥٢

نعم ، ناقش في ذلك صاحب الكفاية ـ مع الاعتراف بأنّه المعروف بين الأصحاب ـ بمعارضة عموم التسلّط لعموم نفي الضرر ، قال في الكفاية :

«ويشكل جواز ذلك فيما إذا تضرّر الجار تضرّرا فاحشا ، كما إذا حفر في ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير ، أو جعل حانوته في صفّ العطّارين حانوت حدّاد ، أو جعل داره مدبغة أو مطبخة» ، انتهى.

واعترض عليه تبعا للرياض بما حاصله : «إنّه لا معنى للتأمّل بعد إطباق الأصحاب نقلا وتحصيلا ، والخبر المعمول عليه ، بل المتواتر من : (أنّ الناس مسلّطون على أموالهم) (١) ، وأخبار الإضرار ـ على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الأدلّة ـ محمولة على ما إذا لم يكن له

____________________________________

الأبنية القديمة ، وقيل : إنّهما معنى واحد ، وهو إخراج شيء من فوق البناء إلى الطريق.

وكيف كان ، فقد فرّق في التذكرة بين التصرّف في المباح ، وبين التصرّف في الملك ، حيث اعتبر في الأوّل عدم تضرّر الجار دون الثاني ، ولعلّ الوجه في الفرق المذكور هو إجراء قاعدة نفي الحرج وقاعدة السلطنة في الثاني دون الأوّل ، وذلك (فإنّ المنع من التصرّف في المباح لا يعدّ ضررا) حتى يكون في تحمّله حرج ، فتجري قاعدة نفي الحرج (بل فوات انتفاع).

فحاصل الفرق إذن يرجع إلى سقوط قاعدة لا ضرر بالتعارض فيما إذا كان التصرّف في الملك ، فيرجع إلى قاعدة السلطنة أو نفي الحرج.

(نعم ، ناقش في ذلك صاحب الكفاية ـ مع الاعتراف بأنّه المعروف بين الأصحاب ـ بمعارضة ... إلى آخره) متعلّق بقوله : (ناقش).

يعني : ناقش صاحب الكفاية قدس‌سره في جواز التصرّف في الملك تمسّكا بقاعدة السلطنة ، بأنّ عموم (الناس مسلّطون على أموالهم) معارض بقاعدة لا ضرر ، فكيف يتمسّك بها على جواز التصرّف؟! ، إلّا أنّه غفل عن سقوط قاعدة لا ضرر بالتعارض بالمثل ، والمراد بالكفاية هو كتاب كفاية الاحكام ، لا كفاية الاصول للآخوند الهروي الخراساني.

وكيف كان فقد(اعترض عليه تبعا للرياض بما حاصله : «إنّه لا معنى للتأمّل بعد إطباق

__________________

(١) غوالي اللآلئ ٣ : ٢٠٨ / ٤٩ ، البحار ٢ : ٢٧٢ / ٧.

٢٥٣

غرض إلّا الإضرار ، بل فيها ـ كخبر سمرة (١) ـ إيماء إلى ذلك ، سلّمنا ، لكنّ التعارض بين الخبرين بالعموم من وجه ، والترجيح للمشهور للأصل والإجماع» ، انتهى.

ثمّ فصّل المعترض بين أقسام التصرّف بأنّه إن قصد به الإضرار من دون أن يترتّب عليه جلب نفع أو دفع ضرر ، فلا ريب في أنّه يمنع ، كما دلّ عليه خبر سمرة بن جندب ، حيث قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّك رجل مضارّ).

____________________________________

الأصحاب نقلا وتحصيلا ، والخبر المعمول عليه ، بل المتواتر من : (أنّ الناس مسلّطون على أموالهم) ، وأخبار الإضرار ـ على ضعف بعضها وعدم تكافؤها لتلك الأدلّة ـ محمولة على ما إذا لم يكن له غرض إلّا الإضرار ، بل فيها ـ كخبر سمرة ـ إيماء إلى ذلك).

كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّك رجل مضارّ) وعلى فرض التعارض بين عموم (الناس مسلّطون على أموالهم) وبين (لا ضرر ولا ضرار) يكون التعارض بينهما بالعموم من وجه ، ومادّة الافتراق من جانب عموم السلطنة ، وذلك بأن لا يكون التصرّف في الملك موجبا لتضرر الغير ، ومادة الافتراق من جانب الضرر بأن يحصل الضرر من غير التصرّف في الملك ، ومادّة الاجتماع بأن يكون التصرّف في الملك موجبا لتضرر الغير أيضا.

ثمّ الترجيح في مادّة الاجتماع عند المشهور مع المالك (للأصل) ، أي : جواز تصرّفه في ملكه (والإجماع ، انتهى).

(ثمّ فصّل المعترض بين أقسام التصرّف).

وما ذكره من التفصيل والفرق بين أحكام أقسام التصرّف ـ جوازا ومنعا ـ لا يحتاج إلى البيان ، فنكتفي في ذلك على ما ذكره الاستاذ الاعتمادي ، فنقول : إنّ من الأقسام ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(بأنّه إن قصد به الإضرار من دون أن يترتّب عليه جلب نفع أو دفع ضرر ، فلا ريب في أنّه يمنع ، كما دلّ عليه خبر سمرة بن جندب ، حيث قال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إنّك رجل مضارّ)).

حيث يكون ظاهرا في منع التصرّف إذا قصد به الإضرار بالغير.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٤ / ٨. الوسائل ٢٥ : ٤٢٩ ، كتاب إحياء الأموات ، ب ١٢ ، ح ٤.

٢٥٤

وإذا ترتّب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير ، فإنّه جائز قطعا ، وعليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار ، وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمّل عادة ، فإنّه جائز على كراهيّة شديدة ، وعليه بنوا كراهة التولّي من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه ، وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمّل عادة لنفع يصيبه ، فإنّه لا يجوز له ذلك.

وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك ، وعليه بنى جماعة ـ كالفاضل في التحرير والشهيد في اللمعة ـ الضمان إذا أجّج نارا بقدر حاجته مع ظنّه التعدّي إلى الغير.

وأمّا إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك ، فإنّه يجوز له دفع ضرره وإن تضرّر جاره أو أخوه المسلم.

وعليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر ـ إلى أن قال ـ :

والحاصل أنّ أخبار الإضرار فيما يعدّ إضرارا معتدّا به عرفا ، والحال أنّه لا ضرر بذلك

____________________________________

والقسم الثاني ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وإذا ترتّب عليه نفع أو دفع ضرر وعلى جاره ضرر يسير ، فإنّه جائز قطعا) لقاعدة السلطنة والأصل والإجماع.

ثمّ أشار إلى القسم الثالث بقوله :

(وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمّل عادة) كسراية الرطوبة إلى بيته مثلا(فإنّه جائز) لما تقدّم من قاعدة السلطنة وغيرها(على كراهيّة شديدة).

ثمّ أشار إلى القسم الرابع بقوله :

(وأمّا إذا كان ضرر الجار كثيرا ، لا يتحمّل عادة لنفع يصيبه ، فإنّه لا يجوز له ذلك).

إذ يصدق عليه أنّه رجل مضارّ.

(وعليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك).

أي : فيما تضرّر به الغير تضرّرا لا يتحمّل به عادة.

ثمّ أشار إلى القسم الخامس بقوله :

(وأمّا إذا كان ضرره كثيرا وضرر جاره كذلك ، فإنّه يجوز له دفع ضرره وإن تضرّر جاره أو أخوه المسلم).

إذ لا دليل على وجوب تحمّل الضرر لدفع ضرر الغير ، فتجري قاعدة السلطنة.

٢٥٥

على المضرّ ، لأنّ الضرر لا يزال بالضرر». انتهى.

أقول : الأوفق بالقواعد تقديم المالك ، لأنّ حجر المالك عن التصرّف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير ، فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج.

نعم ، في الصورة الاولى التي يقصد المالك مجرّد الإضرار من غير غرض في التصرّف يعتدّ به لا يعدّ فواته ضررا.

والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرّف أشدّ من ضرر الغير أو أقلّ ؛ إمّا لعدم ثبوت الترجيح بقلّة الضرر كما سيجيء ، وإمّا لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر.

____________________________________

(والحاصل أنّ أخبار الإضرار فيما يعدّ إضرارا معتدّا به عرفا ، والحال أنّه لا ضرر بذلك على المضرّ).

وحاصل الكلام : إنّ حرمة إضرار المالك على الجار بتصرّفه في ملكه تتحقّق بشرطين :

أحدهما : كون ضرر الجار معتدّا به.

وثانيهما : عدم تضرّر المالك بترك التصرّف المستلزم لتضرّر الجار.

وهذان الشرطان حاصلان في القسم الرابع من الأقسام المتقدّمة دون غيره.

(لأنّ الضرر لا يزال بالضرر).

أي : لا دليل على وجوب إزالة الضرر عن الغير بتحمّل الضرر ، (انتهى).

ثمّ قال المصنّف قدس‌سره : (الأوفق بالقواعد تقديم المالك) حتى في القسم الرابع ؛ (لأنّ حجر المالك عن التصرّف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير ، فيرجع إلى عموم قاعدة السلطنة ونفي الحرج).

نعم ، في القسم الأوّل الذي يقصد المالك مجرّد الإضرار لا يعدّ ترك التصرّف ضررا حتى يعارض مع ضرر الغير ، ويرجع إلى قاعدة السلطنة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(نعم ، في الصورة الاولى ... إلى آخره).

وحاصل الكلام : إنّ دخول سمرة بن جندب بدون إذن الصحابي كان بقصد الإضرار به ، فمنعه من هذا النحو من التصرّف ليس ضررا عليه حتى يعارض ضرر الصحابي ، فيرجع إلى قاعدة السلطنة ، بل تجري قاعدة لا ضرر في جانب الصحابي فقط.

(والظاهر عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرّف أشدّ من ضرر الغير أو أقلّ ؛

٢٥٦

فإنّ تحمّل الغير على الضرر ولو يسيرا ـ لأجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا ـ حرج وضيق ، ولذا اتفقوا على أنّه يجوز للمكره الإضرار على الغير بما دون القتل ، لأجل دفع الضرر عن نفسه ، ولو كان أقلّ من ضرر الغير ، هذا كلّه في تعارض ضرر المالك وضرر الغير.

____________________________________

إمّا لعدم ثبوت الترجيح بقلّة الضرر).

فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر ولا ضرار) يشمل مطلق الضرر من دون فرق بين القليل والكثير ، فيتعارض الضرر القليل مع الكثير ويتساقطان ، فيرجع ـ حينئذ ـ إلى قاعدة السلطنة.

(وإمّا لحكومة نفي الحرج على نفي الضرر) على فرض عدم ضرر المالك إذا كان قليلا بضرر الجار إذا كان كثيرا ، فتختصّ قاعدة لا ضرر بجانب الجار ، إلّا أنّ قاعدة نفي الحرج في جانب المالك حاكمة على قاعدة لا ضرر في جانب الجار ، وذلك (فإنّ تحمّل الغير على الضرر ولو يسيرا ـ لأجل دفع الضرر عن الغير ولو كثيرا ـ حرج وضيق ، ولذا اتّفقوا على أنّه يجوز للمكره الإضرار على الغير بما دون القتل ، لأجل دفع الضرر عن نفسه ، ولو كان أقلّ من ضرر الغير). هذا تمام الكلام في المسألة الثانية من المسائل الثلاث.

وبقي الكلام في المسألة الثالثة فقط ، والتي أشار اليها المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وأمّا في غير ذلك).

ولهذه المسألة فروع كما في تقريرات سيدنا الاستاذ دام ظلّه ، فلا بدّ أوّلا من ذكر مثال لها ، ثمّ البحث في فروع هذه المسألة ، والمثال المعروف هو ما إذا دخل رأس دابة شخص في قدر شخص آخر ، ولم يمكن تخليصها إلّا بكسر القدر أو ذبح الدابة ، وفروع هذه المسألة ثلاثة :

الأوّل : أن يكون ذلك بفعل أحد المالكين ، والحكم فيه وجوب إتلافه ، وتخليص مال الآخر مقدّمة لردّه إلى مالكه ، وذلك لقاعدة اليد ، ولا يجوز إتلاف مال الغير ، ثمّ دفع مثله أو قيمته إلى مالكه ، لأنّه متى أمكن ردّ العين وجب ردّها ، ولا تصل النوبة إلى المثل أو القيمة ، لأنّ الانتقال إلى المثل أو القيمة إنّما هو بعد تعذّر العين ، وهنا من هذا القبيل.

الثاني : أن يكون ذلك بفعل شخص ثالث غير المالكين ، وفي مثله يتخيّر في إتلاف أيّهما شاء ويضمن مثله أو قيمته لمالكه ، إذ بعد تعذّر إيصال كلا المالين إلى مالكيهما ، عليه

٢٥٧

وأمّا في غير ذلك ، فهل يرجع ابتداء إلى القواعد الأخر ، أو بعد الترجيح بقلّة الضرر؟ وجهان ، بل قولان ، يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكيّة عن التذكرة وبعض موارد الدروس ورجّحه غير واحد من المعاصرين.

____________________________________

إيصال أحدهما بخصوصه ، والآخر بماليّته من المثل أو القيمة ، وذلك لعدم إمكان التحفّظ على كلتا الخصوصيتين.

الثالث : أن يكون ذلك غير مستند إلى فعل شخص أصلا ، وقد نسب إلى المشهور في مثله لزوم اختيار أقلّ الضررين وأنّ ضمانه على مالك الآخر ، ولا نعرف له وجها غير ما ذكره بعضهم ، من أنّ نسبة جميع الناس إلى الله تعالى نسبة واحدة ، والكلّ بمنزلة عبد واحد ، فالضرر المتوجّه إلى أحد شخصين كأحد الضررين المتوجّه إلى شخص واحد ، فلا بدّ ـ حينئذ ـ من اختيار أقلّ الضررين.

وهذا لا يرجع إلى محصّل ، ولا يثبت به ما هو المنسوب إلى المشهور من كون تمام الضرر على أحد المالكين ، وهو من كانت قيمة ماله أكثر من قيمة مال الآخر ، ولا وجه لإلزامه بتحمّل تمام الضرر من جهة كون ماله أكثر من مال الآخر ، مع كون الضرر مشتركا بينهما.

والصحيح هو أن يقال : إنّه إذا تراضى المالكان بإتلاف أحد المالين بخصوصه ، ولو بتحمّلهما الضرر على نحو الشركة ، فلا إشكال ـ حينئذ ـ فيه ، لأنّ (الناس مسلّطون على أموالهم) وإلّا فلا بدّ من رفع ذلك إلى الحاكم ، وله إتلاف أيّهما شاء ، ويقسّم الضرر ـ حينئذ ـ بينهما لقاعدة العدل والإنصاف الثابتة عند العقلاء في الماليات ، إلى أن قال : وأمّا إذا كان أحدهما أقلّ قيمة من الآخر ، فليس للحاكم إلّا إتلاف ما هو أقلّ قيمة ، لأنّ إتلاف ما هو أكثر قيمة سبب لزيادة الضرر على المالكين بلا موجب.

ويكفي في شرح كلام المصنّف هنا ، ما جاء في شرح الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته ، حيث قال في مقام شرح قول المصنّف قدس‌سره : (وأمّا في غير ذلك) كتعارض ضرر صاحبي القدر والدابة ، (فهل يرجع ابتداء إلى القواعد الأخر) كالقرعة وكتخيير الحاكم ، (أو بعد الترجيح بقلّة الضرر؟ وجهان).

وجه الأوّل ـ وهو الرجوع إلى القواعد ابتداء ـ أنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر) يشمل القليل

٢٥٨

ويمكن أن ينزّل عليه ما عن المشهور ، من أنّه لو أدخلت الدابّة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين كسر القدر وضمن قيمته صاحب الدابّة ، معلّلا بأنّ الكسر لمصلحته.

فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب ، من أنّ ما يدخل من الضرر على مالك الدابّة ، إذا حكم عليه بتلف الدابّة وأخذ قيمتها ، أكثر ممّا يدخل على صاحب القدر بتلفه وأخذ قيمته ، وبعبارة اخرى : تلف إحدى العينين وتبدّلها بالقيمة أهون من تلف الاخرى.

وحينئذ فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابّة ، بما في المسالك من «أنّه قد تكون المصلحة لصاحب القدر فقط ، وقد تكون المصلحة مشتركة بينهما» وكذلك حكمهم بضمان صاحب الدابّة إذا دخلت في دار لا تخرج إلّا بهدمها ، معلّلا

____________________________________

والكثير على حدّ سواء.

ووجه الثاني ـ وهو الرجوع إليها بعد الترجيح بقلّة الضرر ـ أنّ الضرر الكثير في مقابل القليل يعدّ ضررين ، أحدهما يعارض الأقلّ ، والآخر يبقى تحت (لا ضرر).

(ويمكن أن ينزّل عليه ما عن المشهور ، من أنّه لو أدخلت الدابّة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين كسر القدر وضمن قيمته صاحب الدابّة) حيث رجّحوا كسر القدر لقلّة ضرره ، (معلّلا بأنّ الكسر لمصلحته) ، أي : لمصلحة صاحب الدابّة ، لأنّ قيمة القدر التي ضمنها يسيرة بالنسبة إلى قيمة الدابّة.

قوله : (فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب ... إلى آخره).

دفع لما يقال : من أنّه كيف ينزّل ما ذهب إليه المشهور من كسر القدر على الترجيح بقلّة القيمة ، والحال أنّ حكمهم يشمل ما لو كانت قيمة القدر أكثر من قيمة الدابّة؟!.

وحاصل الدفع ، هو حمل إطلاق كلامهم على الغالب ، من أنّ الغالب ضرر صاحب الدابّة ـ لو حكم بتلفها ـ أكثر من ضرر صاحب القدر لو حكم بكسره.

(وحينئذ) ، أي : حين حمل إطلاقهم على الغالب (فلا يبقى مجال للاعتراض على تعليل الحكم) بكسر القدر وضمان القيمة (بكونه لمصلحة صاحب الدابّة).

أي : لا وجه للاعتراض عليه (بما في المسالك من أنّه قد تكون المصلحة لصاحب القدر فقط) لشدّة الاعتناء بالقدر لنفاسته ، (وكذلك) يحمل على الغالب (حكمهم بضمان صاحب

٢٥٩

بأنّه لمصلحة صاحب الدابّة ، فإنّ الغالب أنّ تدارك المهدوم أهون من تدارك الدابّة ، والله العالم.

قد تمّ الكتاب بعون الملك الوهّاب وبإعانة جناب المستطاب ميرزا محمّد هادي سلّمه الطالقاني الأصل ، والطهراني المسكن بيد أقلّ الطلاب (...) تحريرا في شهر ذي الحجة الحرام سنة ١٢٦٧.

وقد كتب المصنّف ، عليه الرحمة ، في الهامش :

«بسم الله الرحمن الرحيم»

«قد قوبل بنسخة صحّحها بيده الجانية العبد الأحقر مرتضى الأنصاري».

وفي أدناه نقش خاتمه الشريف :

«لا إله إلّا الله الملك الحقّ المبين ، عبده مرتضى الأنصاري».

____________________________________

الدابّة) قيمة تعمير الدار (إذا دخلت في دار لا تخرج إلّا بهدمها ، معلّلا بأنّه لمصلحة صاحب الدابّة ، فإنّ الغالب أنّ تدارك المهدوم أهون من تدارك الدابّة).

هذا تمام الكلام في بحث البراءة والاشتغال ، وسيقع الكلام بعده في بحث الاستصحاب إن شاء الله تعالى ، والحمد لله أوّلا وآخرا وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

وقد انتهينا من بحث الاشتغال في ليلة ٢٢ من شهر رمضان المبارك سنة ١٤١٠ هجريّة بدمشق الشام ، في جوار السيدة زينب عليها‌السلام ، وفي الختام ، أتقدّم بالشكر والثناء إلى سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ موسى الفرقاني أدام الله بقاءه الشريف لما قدّمه لي من العون والمساعدة في إنجاز هذا الكتاب ، ونسأل الله سبحانه أن يوفّقنا لإتمام ما تبقّى منه ، إنّه نعم المولى ونعم النصير.

* * *

٢٦٠