دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

الجاهل على ترك التعلّم بقبح تكليف الغافل.

____________________________________

(وقد خالف فيما ذكرنا) من أنّ العقاب على مخالفة الواقع لا على ترك التعلّم (صاحب المدارك تبعا لشيخه المحقّق الأردبيلي ، حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلّم بقبح تكليف الغافل).

وتوضيح الكلام في هذا المقام بما لا يبقى معه إبهام يحتاج إلى بيان امور :

منها : ما هو محلّ الكلام في هذا المقام ، حيث إنّ محلّ الكلام هو الجاهل البسيط الذي كان شاكّا متردّدا في السابق ، فلم يتفحّص عن الحكم ولم يتعلّمه ، ثمّ عرضت له الغفلة أو الجهل المركّب حين ارتكابه محتمل الحرمة كشرب العصير العنبي مثلا وإلّا فالغافل والجاهل المركّب لا يتصوّر في حقّهما الرجوع إلى البراءة ، لكي يكون الكلام في عقابهما محلّا للاختلاف ، وطرحهما هنا من باب الاستطراد.

ومنها : ذكر كلام صاحب المدارك قدس‌سره لكي نرى ما يظهر منه من ترتّب العقاب على ترك التعلّم لا على مخالفة الواقع ، فنقول : إنّه قال في المدارك في مسألة الإخلال بالنجاسة ذاكرا لها ما هذا نصّه :

إنّ إطلاق كلام الأصحاب يقتضي أنّه لا فرق في العالم بالنجاسة بين أن يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا ، بل صرّح العلّامة وغيره بأنّ جاهل الحكم عامد ؛ لأنّ العلم ليس شرطا في التكليف وهو مشكل لقبح تكليف الغافل ، والحقّ أنّهم إن أرادوا بكون الجاهل كالعامد أنّه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الإخلال فهو حقّ ، لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء التكليف تحت العهدة.

وإن أرادوا أنّه كالعامد في وجوب القضاء فهو على إطلاقه مشكل ؛ لأنّ القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل فإن ثبت مطلقا ، أو في بعض الموارد ثبت الوجوب ، وإلّا فلا.

وإن أرادوا أنّه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل أيضا ؛ لأنّ تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق ، نعم هو مكلّف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل والشرع ، فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول ، كما هو واضح. انتهى كلامه.

وكلامه هذا صريح في أنّ العقاب على ترك البحث والنظر لا على ترك الواقع ، فلا يمكن حمله على ما ذكره المصنّف قدس‌سره هذا أوّلا.

١٤١

وفهم منه بعض المدقّقين أنّه قول بالعقاب على ترك المقدّمة دون ذي المقدّمة.

ويمكن توجيه كلامه بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدّمة حين ترك المقدّمة ، فإنّ من شرب العصير العنبي غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراما قبح توجّه النهي إليه في هذا الزمان ، لغفلته وإنّما يعاقب على النهي الموجّه إليه قبل ذلك حين التفت إلى أنّ في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلّا بعد معرفتها ، فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف. ففي زمان الارتكاب لا تكليف ، لانقطاع التكاليف حين ترك المقدّمة وهي المعرفة.

____________________________________

وثانيا : إنّ تعليله لتكليف الجاهل بكونه تكليفا بما لا يطاق صريح في أنّ المراد من الجاهل هو الجاهل المركّب الذي هو خارج عن محلّ الكلام ، كما عرفت في الأمر الأوّل من أنّ محلّ الكلام هو الجاهل البسيط ، ومن المعلوم أنّ تكليف الجاهل البسيط بما هو جاهل به ليس تكليفا بما لا يطاق ، كما لا يخفى.

ومنها : إنّ الاحتمالات في كلام صاحب المدارك قدس‌سره وموافقيه هي ثلاثة ، كما في الأوثق وشرح الاستاذ الاعتمادي :

أحدهما : ما(فهم منه بعض المدقّقين أنّه قول بالعقاب على ترك المقدّمة دون ذي المقدّمة) ، والمراد به هو المحقّق الخوانساري قدس‌سره حيث حكي عنه الإيراد على الاحتمال المذكور بأنّ العقاب على المقدّمة لازمه كون الثواب عليها أيضا وهو باطل ، كما في التعليقة ، إذ لم يقل به أحد.

وثانيها : إنّ الغافل لا يتوجّه إليه التكليف ، والعقاب يترتّب على ترك التعلّم لكونه واجبا نفسيّا ، وفيه أنّه لا وجه لمعذوريّة الغافل المقصّر عن عقاب مخالفة الواقع. وأدلّة وجوب التعلّم ظاهرة في الإرشاد لا في الوجوب النفسي ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

وثالثها : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ويمكن توجيه كلامه بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدّمة حين ترك المقدّمة).

وحاصل التوجيه المذكور كما في التعليقة ، هو أنّ المراد بترتّب العقاب ليس هو العقاب الفعلي ، كيف وترتّبه إنّما هو في الآخرة ، بل المراد إنّما هو استحقاق العقاب ، وهذا لا يكون حين ترك ذي المقدّمة ، كيف وهو حينئذ غير ملتفت إلى الحكم لفرض غفلته عنه ،

١٤٢

ونظيره من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان ، حيث إنّه يستحقّ أن يعاقب عليه ، لإفضائه إلى ترك أفعال الحجّ في أيّامها ، ولا يتوقف استحقاق عقابه على حضور زمان أيّام الحجّ وأفعاله.

وحينئذ : فإن أراد المشهور توجّه النهي إلى الغافل حين غفلته ، فلا ريب في قبحه.

____________________________________

فيقبح توجّه النهي إليه فلا يستحق العقاب على مخالفته ، وإنّما يستحق العقاب على النهي المتوجّه إليه حين الالتفات ، وبذلك لا يكون استحقاقه إلّا حين ترك المقدّمة.

نعم ، يتحقّق كاشف هذا الاستحقاق حين ترك ذي المقدّمة ، ولازم هذا هو صحّة عمل الغافل وكذلك الجاهل بالجهل المركّب ؛ لأنّه حين العمل لم يتوجّه إليه نهي لكي يقتضي فساده ، ومجرّد ثبوت ملاك النهي ـ أعني : المبغوضيّة الواقعيّة ـ غير كاف في الحكم بالفساد ، ولذا حكموا بصحّة صلاة من توسط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها.

وكيف كان فاستحقاق العقاب في المقام إنّما هو على مخالفة الواقع ، كما عليه المشهور ، إلّا أنّ هذا الاستحقاق يحصل في زمان ترك المقدّمة ، وهو تعلّم الأحكام في المقام.

(ونظيره من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان ، حيث إنّه يستحقّ أن يعاقب عليه) ، أي : على ترك الواجب فيما بعد ، إلّا أنّ استحقاقه للعقاب يكون حين ترك المقدّمة ، وهو قطع المسافة لإفضاء ترك قطع المسافة (إلى ترك أفعال الحجّ في أيّامها).

هذا إذا عرفت هذه الامور يتّضح لك أنّ كلام صاحب المدارك قدس‌سره صريح في العقاب على ترك التعلّم ، فيكون كلامه مخالفا للمشهور ، إلّا أنّه قد تقدّم توجيه كلامه بحيث يمكن توافقه للمشهور.

(وحينئذ) ، أي : حين إمكان إرادة صاحب المدارك قدس‌سره ومن تبعه ما ذكر في التوجيه ، (فإن أراد المشهور توجّه النهي إلى الغافل حين غفلته ، فلا ريب في قبحه).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في المقام ، هو أنّ في كلام المشهور أيضا ثلاثة احتمالات كما في شرح الأستاذ الاعتمادي :

أحدها : توجّه النهي إلى الجاهل المقصّر حين المخالفة كالعامد.

وفيه : أنّ توجّهه إلى الغافل قبيح ، وإن لم يقبح توجّهه إلى الجاهل البسيط.

١٤٣

وإن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة وإن لم يتوجّه إليه نهي وقت المخالفة ، فإن أرادوا أنّ الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها لعدم تحقّق معصيته. ففيه : أنّه لا وجه لترقّب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدّمة ، مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدّة مديدة بمجرّد الرمي.

وإن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة ، فهو حسن لا محيص عنه.

هذا ، ولكنّ بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأوّل ، وهو توجّه النهي إلى الجاهل حين

____________________________________

وثانيها وثالثها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وإن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة وإن لم يتوجّه إليه نهي وقت المخالفة) وهذا يتصوّر على وجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله :

(فإن أرادوا أنّ الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة لا قبلها) ، أي : لا من حين ترك المقدّمة وهو تعلّم الأحكام.

(ففيه : أنّه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع لأجل ترك المقدّمة) ؛ لأنّ المخالفة قد تحقّقت حين ترك المقدّمة ، والتكليف قد انقطع بعد للاستحالة ، فكيف يترقّب الاستحقاق على المخالفة حضور زمان المخالفة؟!

هذا(مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا ولا يقتله إلّا بعد مدّة) ، فإنّهم يحكمون بحسن مؤاخذة الرامي (بمجرّد الرمي).

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وإن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة) ، كما تقدّم هذا الوجه في توجيه كلام صاحب المدارك قدس‌سره من قبل المصنّف قدس‌سره ، (فهو حسن لا محيص عنه).

وحينئذ يرتفع الخلاف بين المشهور وصاحب المدارك قدس‌سره كما عرفت. هذا تمام الكلام في الاحتمالات الثلاث في كلام المشهور.

١٤٤

عدم التفاته ، فإنّهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم ؛ لأنّ الجاهل كالعامد وأنّ التحريم لا يتوقف على العلم به.

ولو لا توجّه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه للبطلان ، بل كان كناسي الغصبيّة.

والاعتذار عن ذلك ـ بأنّه يكفي في البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض

____________________________________

(ولكنّ بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأوّل ، وهو توجّه النهي إلى الجاهل حين عدم التفاته) فيخالف حينئذ كلامهم كلام صاحب المدارك قدس‌سره والشاهد هو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فإنّهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم) ، أي : جاهلا بحرمة الغصب سواء كان جهله بسيطا أو مركّبا. ثمّ قالوا في وجه هذا الحكم.

(لأنّ الجاهل كالعامد وأنّ التحريم لا يتوقف على العلم به) ؛ لأنّ توقف التحريم على العلم مستلزم للدور.

(ولو لا توجّه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه للبطلان).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في المقام ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي والتنكابني ، هو أنّ بطلان الصلاة في الدار المغصوبة مبني على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم جانب النهي الظاهر في الحرمة على الأمر.

وهذا الحكم يتمّ في حقّ العالم بحرمة الغصب والجاهل بها بسيطا مقصّرا ، وذلك لوجود النهي في حقّهما فعلا.

ولا يتمّ في حقّ الغافل والجاهل المركّب المقصّرين ، لانقطاع النهي فيهما قبل الصلاة حينما تركا التعلّم ، فتصح صلاتهما ـ حينئذ ـ لعدم النهي المبطل ، هذا مع أنّ المشهور حكموا بالبطلان في حقّهما أيضا.

ومن هذا الحكم يظهر إنّهم قائلون بتوجّه النهي إلى الغافل حين الغفلة ، وإلّا لم يكن وجه لحكمهم بالبطلان ، (بل كان) جاهل الغصبيّة حال عدم الالتفات والغفلة ، (كناسي الغصبيّة) في عدم توجّه النهي إليه ، لعدم وجوب الفحص والحفظ في الموضوعات ، فتصح صلاته حينئذ كما لا يخفى ، فحكم المشهور بالبطلان لا يصح إلّا بتوجّه النهي إليه ، فتأمّل!!

١٤٥

في الواقع ومعاقب عليه ، ولو لم يكن منهيّا عنه بالفعل ـ مدفوع ـ مضافا إلى عدم صحّته في نفسه ـ بأنّهم صرّحوا بصحّة صلاة من توسّط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها ، لعدم النهي عنه وإن كان آثما بالخروج.

____________________________________

(والاعتذار عن ذلك بأنّه يكفي في البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض في الواقع ومعاقب عليه ، ولو لم يكن منهيّا عنه بالفعل).

وملخّص تقريب اعتذار المشهور عن حكمهم بفساد صلاة الغافل في المغصوب مع إمكان توجّه النهي إليه ، هو أنّ البطلان مستند إلى اجتماع الأمر مع المبغوضيّة لا إلى النهي ، لكي يرد عليه بقبح توجّه النهي إلى الغافل.

فالحاصل ، هو أنّ نفس كون الفعل مبغوضا ـ ولو لأجل النهي السابق المنقطع فعلا بسبب الغفلة ـ يكفي في البطلان ، لأنّ الفعل المبغوض غير صالح لأن يحصل به ما يعتبر في العبادة من القرب.

ـ مدفوع ـ خبر لقوله : (والاعتذار ... إلى آخره) ، وقد أجاب المصنّف قدس‌سره عن الاعتذار المذكور بوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : (مضافا إلى عدم صحّته في نفسه) ؛ لأنّ مستند البطلان هو تقديم جانب النهي على الأمر بعد امتناع اجتماعهما ـ كما عرفت ـ لا اجتماع الأمر والمبغوضيّة.

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (بأنّهم صرّحوا بصحّة صلاة من توسّط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها ، لعدم النهي عنه وإن كان آثما بالخروج).

وملخّص الوجه الثاني نقلا عن شرح الاستاذ الاعتمادي هو أنّ في خروج من توسّط أرضا مغصوبة أقوال :

منها : إنّه مأمور به ، لأنّه تخلّص عن الغصب وليس بمنهي عنه من جهة الغصبيّة ، لامتناع اجتماع الأمر والنهي ، نعم هو مبغوض معاقب عليه ، وفرّعوا على ذلك صحّة صلاته حال الخروج.

ومن هنا يظهر أنّ مجرّد اجتماع الأمر مع المبغوضيّة لا يوجب الفساد عند المشهور ، فحكمهم ببطلان صلاة الغافل يكون من جهة توجّه النهي إليه لا من جهة اجتماع الأمر

١٤٦

إلّا أن يفرّق بين المتوسّط للأرض المغصوبة وبين الغافل بتحقّق المبغوضيّة في الغافل ، وإمكان تعلّق الكراهة الواقعيّة بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعي بالنسبة إليه ، لبقاء الاختيار فيه وعدم ترخيص الشارع للفعل في مرحلة الظاهر ، بخلاف المتوسّط ، فإنّه يقبح منه تعلّق الكراهة الواقعيّة بالخروج ، كالطلب الفعلي لتركه ، لعدم التمكّن من ترك الغصب.

وممّا ذكرنا من عدم الترخيص يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع المحكوم

____________________________________

والمبغوضيّة على ما في الاعتذار ، وإلّا لحكموا ببطلان صلاة المتوسّط أيضا لوجود المناط.

ومنها : إنّ من توسّط أرضا مغصوبة مأمور بالخروج مطلقا ، أو بقصد التخلّص ، وعاص به ، كما نسب هذا القول إلى الفخر الرازي وصاحب الفصول قدس‌سره.

ومنها : إنّه منهي عن الخروج ومأمور بالخروج ، إمّا مطلقا أو بقصد التخلّص عن الغصب ، فهو عاص بالفعل والترك كليهما ، ونسب هذا القول إلى أبي هاشم وأفاضل المتأخّرين.

وكيف كان ، فالمشهور عند المشهور هو القول الأوّل الذي ابتني عليه الوجه الثاني لردّ الاعتذار.

(إلّا أن يفرّق بين المتوسّط للأرض المغصوبة وبين الغافل بتحقّق المبغوضيّة في الغافل ... إلى آخره).

وحاصل الفرق بينهما : إنّ الغافل قادر تكوينا على ترك الغصب ، ولذا يقال بتحقّق المبغوضيّة في فعله وإمكان تعلّق الكراهة الواقعيّة بالفعل المغفول عن حرمته وبقاء الحكم الواقعي بالنسبة إليه ، فلذا تبطل صلاة الغافل ولو من جهة اجتماع الأمر والمبغوضيّة.

وهذا بخلاف المتوسّط للأرض المغصوبة ، فإنّه لا يتمكّن من ترك الغصب بعد التوسّط ، فلذا رخّص الشارع في خروجه ، وأمر به من دون مبغوضيّة في الخروج ، ويقبح منه تعلّق الكراهة الواقعية بالخروج ، وكذا يقبح منه توجّه النهي إليه فعلا ، لعدم تمكّنه من ترك الغصب ، فتكون صلاته حال الخروج صحيحة.

١٤٧

بصحّة عبادته مع الغصب وإن فرض فيه الحرمة الواقعيّة.

نعم ، يبقى الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصّر. وللتأمّل في حكم عبادته مجال.

____________________________________

(وممّا ذكرنا من عدم الترخيص يظهر الفرق بين جاهل الحكم وجاهل الموضوع ... إلى آخره).

أي : ممّا ذكرنا من عدم الترخيص في الغافل المقصّر يظهر الفرق بين الجاهل بالحكم المقصّر ـ كالجاهل بالحرمة ، حيث لم يرخّص الشارع في جريان أصل البراءة إلّا بعد الفحص ، سواء كان الجاهل جاهلا بالجهل البسيط أو المركّب ، أو كان غافلا ـ وبين الجاهل بالموضوع ، كالجاهل بالغصب فقد رخّص الشارع له في الرجوع إلى البراءة من دون اعتبار الفحص سواء كان جهله بسيطا أو مركّبا ، أو كان غافلا فيحكم بصحة عبادته مع الغصب.

وبالجملة ، إنّ الترخيص للفعل من الشارع ثابت مع الجهل بالموضوع دون الجهل بالحكم ، وذلك لعدم وجوب الفحص عند الشبهة في الموضوعات ووجوبه عند الشبهة في الأحكام.

(نعم ، يبقى الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصّر) ، بأن ترك التحفظ حتى نسي في مقابل الناسي القاصر.

ووجه الإشكال أنّ المشهور قد حكموا بصحّة عبادة ناسي حرمة الغصب ، والحال أنّ الشارع لم يرخّص فيه ؛ لأنّ الناسي كالغافل غير قابل لتوجّه الخطاب إليه واقعيّا أو ظاهريّا ، والفعل مبغوض واقعا سيما في المقصّر ، لقدرة الناسي على الترك ، نعم يمكن الحكم برفع المؤاخذة بحديث الرفع.

وبالجملة (وللتأمّل في حكم عبادته مجال).

وذلك فإن قلنا بأنّ البطلان مستند إلى توجّه النهي فعلا ، كما هو مختار المصنّف قدس‌سره لقلنا بصحّة عبادة الغافل أيضا لعدم توجّه النهي إليه فعلا.

وإن قلنا بأنّ ملاك صحّة العبادة هو الترخيص من الشارع ، فلا بدّ أن نقول ببطلان عبادة الناسي أيضا لما تقدّم من عدم الترخيص فيه ، فإنّه غير قابل للخطاب بالترخيص كالغافل ، فالفرق بين الناسي والغافل محلّ للإشكال.

١٤٨

بل تأمّل بعضهم في ناسي الموضوع ، لعدم ترخيص الشرعي من جهة الغفلة ، فافهم.

وممّا يؤيّد إرادة المشهور للوجه الأوّل دون الأخير أنّه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجّز على المكلّف إلّا بعد دخول أوقاتها. فإذا فرض غفلة المكلّف عند الاستطاعة عن تكليف الحجّ ، والمفروض أنّ لا تكليف قبلها ، فلا سبب هنا لاستحقاق العقاب رأسا. أمّا حين الالتفات إلى امتثال تكليف الحجّ ، فلعدم التكليف به لفقد الاستطاعة ، وأمّا بعد الاستطاعة فلفقد الالتفات وحصول الغفلة ، وكذلك الصلاة والصيام بالنسبة إلى أوقاتها.

____________________________________

إلّا أن يقال بكفاية المبغوضيّة في بطلان العبادة ، وأنّها موجودة في الغافل لوجوب التعلّم ، لا في الناسي لعدم وجوب الحفظ بعد التعلّم ، كذا في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(بل تأمّل بعضهم في ناسي الموضوع) ، أي : تأمّل في صحة عبادة ناسي الموضوع ـ أي : الغصبيّة ـ وذلك من جهة عدم وجود الترخيص فيه لعدم قابليته للخطاب أصلا ، كما عرفت غير مرة من أنّ الغافل غير قابل للخطاب ، نعم إنّ الشارع قد رخّص في جاهل الموضوع دون غافله.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى كون غافل الموضوع مرخّصا بطريق أولى بعد كون جاهل الموضوع مرخّصا من الشارع ، وذلك لعدم تمكّن الغافل من الاحتياط مع تمكّن الجاهل منه ، نقلا عن شرح الاستاذ الاعتمادي بتصرّف.

والحقّ أنّه إشارة إلى كون ناسي الموضوع مرخّصا بطريق أولى بعد كون جاهل الموضوع مرخّصا من الشارع لكونه جاهلا حال النسيان.

(وممّا يؤيّد إرادة المشهور للوجه الأوّل دون الأخير أنّه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجّز على المكلّف إلّا بعد دخول أوقاتها ... إلى آخره) ، ويمكن إرجاع التأييد المذكور إلى قياس استثنائي شرطي ، وبيان ذلك :

أنّه لو لم يرد المشهور تسوية العالم والغافل في توجّه الخطابات إليهما للزم عدم عقاب الغافل التارك للتكاليف الموقتة التي لا تتنجّز على المكلّف ، إلّا بعد دخول أوقاتها أو تحقّق شرائطها ، والتالي باطل ، فالمقدّم مثله.

والوجه لبطلان التالي هو عدم الخلاف في عقاب الغافل المقصّر التارك للتكاليف

١٤٩

ومن هنا قد يلجأ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك ومن تبعه من أنّ العلم واجب نفسي والعقاب على تركه من حيث هو ، لا من حيث إفضائه إلى المعصية ، أعني : ترك الواجبات وفعل المحرّمات المجهولة تفصيلا.

وما دلّ بظاهره من الأدلّة المتقدّمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدّمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه ، وأنّ الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرّمات حتى لا تفوته منفعة التكليف بها ولا تناله مضرّة إهماله

____________________________________

الموقتة ، كالحج والصوم ، والصلاة ، وهذا إنّما يتمّ بناء على الوجه الأوّل وهو توجّه التكليف إلى الغافل لا على الوجه الأخير ؛ وهو كون العقاب على ترك ذي المقدّمة من حين ترك المقدّمة من دون ترقّب حضور زمان المخالفة ، بل يلزم على الأخير عدم عقاب الغافل المقصّر رأسا لا حين الالتفات ولا حال الغفلة.

وأمّا عدم العقاب حين الالتفات ، فلأجل عدم كونه مكلّفا أصلا ، وذلك لعدم تحقّق الشرط.

وأمّا عدم العقاب بعد تحقّق الشرط ، فلأجل كونه غافلا لا يتوجّه إليه التكليف حتى يعاقب على مخالفته ، ومن المعلوم أنّ عدم العقاب مخالف لنفي الخلاف على عقاب الغافل المقصّر التارك للتكاليف الموقتة ، كما عرفت ، فلا بدّ من الالتزام بالوجه الأوّل دون الأخير.

(ومن هنا قد يلجأ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك ومن تبعه من أنّ العلم واجب نفسي) ، أي : من لزوم عدم العقاب على ترك التكاليف الموقتة حال الغفلة بناء على عدم توجّه الخطاب إلى الغافل (قد يلجأ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك ومن تبعه من أنّ العلم واجب نفسي) (والعقاب على تركه من حيث هو ، لا من حيث إفضائه إلى المعصية ، أعني : ترك الواجبات وفعل المحرّمات المجهولة تفصيلا).

وحينئذ (وما دلّ بظاهره من الأدلّة المتقدّمة على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدّمة محمول على بيان الحكمة في وجوبه) ، بمعنى أنّ الحكمة في إيجاب تحصيل العلم بالأحكام هو (صيرورة المكلّف قابلا للتكليف بالواجبات والمحرّمات حتى لا تفوته منفعة التكليف بها ولا تناله مضرّة إهماله عنها).

١٥٠

عنها. فإنّه قد تكون الحكمة في وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلّف قابلا للخطاب ، بل الحكمة الظاهرة في الإرشاد وتبليغ الأنبياء والحجج ليست إلّا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف.

لكنّ الإنصاف : ظهور أدلّة وجوب العلم في كونه واجبا غيريّا ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث ، الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة.

ويمكن أن يلتزم حينئذ باستحقاق العقاب على ترك تعلّم التكاليف الواجب مقدّمة ، وإن كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا من الواجبات المطلقة والمشروطة ، لاستقرار بناء العقلاء في مثال الطومار المتقدّم على عدم الفرق في المذمّة

____________________________________

إلّا أنّ حمل ما دلّ على وجوب تحصيل العلم من باب المقدّمة على بيان الحكمة لا يتمّ ؛

أوّلا : لأنّ ظاهر أدلّة وجوب العلم في كونه واجبا غيريّا ، فحملها على بيان الحكمة حمل على خلاف ظاهرها من دون قرينة.

وثانيا : إنّك قد عرفت ما تقدّم من الأخبار في الوجه الثالث ، حيث كانت ظاهرة في المؤاخذة على نفس مخالفة الواقع ، لا على ترك التعلّم.

(ويمكن أن يلتزم حينئذ) ، أي : حين عدم كون التعلّم واجبا نفسيّا وعدم توجّه التكليف إلى الغافل (باستحقاق العقاب على ترك تعلّم التكاليف الواجب مقدّمة ، وإن كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا من الواجبات المطلقة أو المشروطة).

والمقصود هو الالتزام باستحقاق العقاب على نفس التكاليف ولو كانت مشروطة بسبب ترك التعلّم ، وإن كانت عبارة المصنّف قدس‌سره قاصرة عن إفادة هذا المقصود.

وبيان ذلك كما في شرح الاستاذ الاعتمادي أنّ ما تقدّم من أنّه لا تكليف بالمشروط قبل حصول الشرط فاسد ، بل التكاليف المشروطة كالمطلقة متحقّقة حين الالتفات الإجمالي.

غاية الأمر أنّ تحقّق كلّ شيء بحسبه ، حيث إنّ التكاليف المطلقة متحقّقة على وجه الإطلاق ، والمشروطة على نحو الاشتراط ، وهو نوع من التكليف في مقابل عدمه ،

١٥١

على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة ، فتأمّل.

هذا خلاصة الكلام بالنسبة إلى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة.

وأمّا الكلام في الحكم الوضعي : وهي صحّة العمل الصادر من الجاهل وفساده ، فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات ، واخرى في العبادات.

أمّا المعاملات : فالمشهور فيها أنّ العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفته ، سواء

____________________________________

فالواجب يصدق على المشروط حقيقة ، وحينئذ فكما تنقطع التكاليف المطلقة بترك التعلّم ، ويحصل عنده استحقاق العقاب.

كذلك تنقطع به التكاليف المشروطة ، ويحصل عنده استحقاق العقاب ، فلا حاجة حينئذ إلى ذهاب المشهور إلى توجّه الخطاب إلى الغافل في إثبات استحقاق العقاب ، ولا إلى ذهاب صاحب المدارك قدس‌سره إلى كون التعلّم واجبا نفسيّا.

والشاهد على ما ذكر من استحقاق العقاب على التكاليف المشروطة بسبب ترك التعلّم هو استقرار بناء العقلاء (في مثال الطومار المتقدّم على عدم الفرق في الذمّة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة والمشروطة ، فتأمّل) لعلّه إشارة إلى كفاية المبغوضيّة في استحقاق العقاب ، وعدم توقفه على توجّه الخطاب أصلا ، أو إلى أنّ المسألة نظريّة قابلة للنقض والإبرام وإن كانت لا تخلو من إشكال.

(وأمّا الكلام في الحكم الوضعي : وهي صحّة العمل الصادر من الجاهل وفساده ، فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات ، واخرى في العبادات).

(أمّا المعاملات) والمراد منها هو المعنى الأعمّ في مقابل العبادات فيشمل العقود والإيقاعات ، وغيرهما ، كالواجبات التوصليّة وسائر الأسباب الشرعيّة من قبيل الذبح لحليّة اللحم والغسل للطهارة ، وحكمها في الظاهر هو الفساد ما لم تنكشف الصحّة ؛ وذلك لأصالة الفساد في المعاملات.

وأمّا حكمها في الواقع (فالمشهور فيها أنّ العبرة فيها بمطابقة الواقع ومخالفته) فتكون صحيحة على فرض مطابقتها له وباطلة على فرض مخالفتها له.

ثمّ إنّ المراد بالواقع هو الواقع الأوّلي بقرينة قوله :

١٥٢

وقعت عن أحد الطريقين ـ أعني : الاجتهاد والتقليد ـ أم لا عنهما ، فاتفقت مطابقته للواقع ، لأنّها من قبيل الأسباب لامور شرعيّة. فالعلم والجهل لا مدخل له في تأثيرها وترتّب المسبّبات عليها ، فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره في حلّيّة الوطء ، فانكشف بعد ذلك صحّته ، كفى في صحّته من حين وقوعه.

وكذا لو انكشف فساده رتّب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع ، وكذا من ذبح ذبيحة بفري

____________________________________

(سواء وقعت عن أحد الطريقين ـ أعني : الاجتهاد والتقليد ـ أم لا عنهما) بأن وقعت عن جهل.

نعم إنّ المناط في معرفة الواقع هو العلم ، أو الظنّ المعتبر ، وكيف كان ، فالوجه ـ في كون صحّة المعاملات بمطابقتها للواقع وفسادها بمخالفتها له ـ هو أنّ المعاملات ممّا لا تصرّف للشارع فيه أصلا ولم يجعلها ، بل هي موضوع خارجي ، أو فعل إنشائي أو غير إنشائي للمكلّف تعلّق به الحكم الشرعي.

غاية الأمر اعتبر الشارع في ترتيب حكمه عليه شروطا ، فكلّ معاملة تكون واجدة للشرائط الشرعيّة يحكم بصحتها ، بمعنى ترتّب الآثار الشرعيّة عليها ، وكلّ معاملة لم تكن كذلك يحكم شرعا بفسادها ، بمعنى عدم ترتّب الآثار الشرعيّة عليها ، من غير فرق بين كون الفاعل في زمان إيجادها معتقدا بوجود الشرائط أو بعدمها ، أو شاكّا فيها.

وهذا معنى كونها من قبيل الأسباب للامور الشرعية ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(لأنّها من قبيل الأسباب لامور شرعيّة) ، فإنّ ترتّب المسبّب على السبب كترتّب الإحراق على النار لا يتوقف على العلم بالسببية أصلا ، إذ الأسباب لا تنفك عن مسبّباتها وجودا وعدما.

فالحاصل أنّ المعاملة إن كانت مطابقة للواقع ، صحّت بأيّ وجه وقعت ومن أيّ شخص صدرت ، وإن لم تكن كذلك ، فسدت كذلك.

(فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره في حلّيّة الوطء) كأن يكون بالفارسية مثلا (فانكشف بعد ذلك صحّته ، كفى في صحّته من حين وقوعه) لا من حين الكشف والتقليد حتى يلزم الفصل بين العقد وأثره ، كما زعم النراقي قدس‌سره.

(وكذا لو انكشف فساده رتّب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع).

١٥٣

ودجيه ، فانكشف كونه صحيحا أو فاسدا ، ولو رتّب عليه أثرا قبل الانكشاف ، فحكمه في العقاب ما تقدّم من كونه مراعى بمخالفة الواقع كما إذا وطأها ، فإنّ العقاب عليه مراعى. وأمّا حكمه الوضعي ـ كما لو باع لحم تلك الذبيحة ـ فكما ذكرنا هنا من مراعاته حتى ينكشف الحال.

ولا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلّة سببيّة تلك المعاملات ، ولا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلّا من بعض مشايخنا المعاصرين قدس‌سره.

حيث أطال الكلام هنا في تفصيل ذكره بعد مقدّمة هي : «أنّ العقود والإيقاعات ، بل كلّ ما جعله الشارع سببا لها حقائق واقعيّة هي ما قرّره الشارع أوّلا ، وحقائق ظاهريّة هي

____________________________________

وأمّا لو استمر الجهل ولم ينكشف حال العقد صحة وفسادا لحكم بفساده ظاهرا ، بمقتضى أصالة الفساد في المعاملات ، وحينئذ لا يترتّب عليه الأثر ، وأمّا حكمه في الواقع ، فتابع للواقع.

(وكذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه) وهما عرقان في جانبي الحلقوم (فانكشف كونه صحيحا) يترتّب عليه الأثر(أو فاسدا) من جهة عدم قطع الحلقوم والمريء ، فلا يترتّب الأثر كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(ولو رتّب عليه أثرا قبل الانكشاف) بأن أكل لحم تلك الذبيحة أو باعه (فحكمه في العقاب ما تقدّم) في بحث عقاب الجاهل (من كونه مراعى بمخالفة الواقع) عند المصنّف قدس‌سره.

(وأمّا حكمه الوضعي) فهو الفساد ظاهرا ، وحرمة ترتيب الأثر ما لم ينكشف حاله ، كما عرفت.

(ولا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلّا من بعض مشايخنا المعاصرين) وهو الفاضل النراقي قدس‌سره في المناهج حيث حكم بصحّة معاملة الجاهل المركّب بعد كشف الخلاف ، وبطلان معاملة الجاهل البسيط المطابقة لفتوى من يقلّده في مثال العقد دون الذبح ، كما ستعرفه على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، ونذكر ما ذكره في توضيح كلام النراقي (حيث أطال الكلام هنا في تفصيل ذكره بعد مقدّمة هي : أنّ العقود والإيقاعات ، بل كلّ ما جعله الشارع سببا) كسببيّة الذبح لحلّ اللحم مثلا (لها حقائق واقعيّة هي ما قرّره الشارع

١٥٤

ما يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع ، وهي قد تطابق الواقعيّة وقد تخالفها. ولمّا لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهاديّة إلى الواقعيّة ، فالسبب والشرط والمانع في حقّنا هي الحقائق الظاهريّة.

ومن البديهيات التي انعقد عليها الإجماع ـ بل الضرورة ـ أنّ ترتّب الآثار على الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فإنّ ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجّسه عند واحد دون غيره ، وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسي للتمليك أو الزوجيّة».

وحاصل ما ذكره من التفصيل : أنّ غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام ، لأنّه إمّا غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع ، وإمّا أن يكون غير غافل ، بل يترك

____________________________________

أوّلا) ، كما إذا فرضنا أنّ الشارع جعل العقد العربي سببا للزوجيّة ، وقطع الأوداج الأربعة سببا للحلّية.

(وحقائق ظاهريّة هي ما) يعتقده الجاهل أو (يظنّه المجتهد أنّه ما وضعه الشارع) ، كما إذا قطع الجاهل أو ظنّ المجتهد بأنّ السبب أعمّ من العقد العربي والفارسي ومن فري الودجين والأوداج.

(وهي قد تطابق الواقعيّة وقد تخالفها) ، فالأحكام الوضعيّة كالتكليفيّة تنقسم إلى واقعيّة ثابتة في اللوح وظاهريّة هي مؤدّى الأمارات.

(ولمّا لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهاديّة) الظنيّة (إلى الواقعيّة ، فالسبب والشرط والمانع في حقّنا هي الحقائق الظاهريّة) وهي ما أدّى إليه ظنّ المجتهد أو اعتقاد الجاهل.

(ومن البديهيات التي انعقد عليها الإجماع ـ بل الضرورة ـ أنّ ترتّب الآثار على الحقائق الظاهريّة يختلف بالنسبة إلى الأشخاص ، فإنّ ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجّسه عند واحد دون غيره ، وكذا قطع الحلقوم للتذكية والعقد الفارسي للتمليك أو الزوجيّة).

والتصويب وإن كان باطلا في الأحكام الواقعيّة إلّا أنّه ضروري في الظاهريّة ، بمعنى أنّ الحكم الظاهري في حقّ كلّ أحد هو مؤدّى ظنّه.

(وحاصل ما ذكره من التفصيل) بعد المقدّمة أنّ غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام ، حاصلة من تقسيمين :

التقسيم الأوّل : ما أشار إليه بقوله : (لأنّه إمّا غافل عن احتمال كون ما أتى به من المعاملة

١٥٥

التقليد مسامحة.

فالأوّل : في حكم المجتهد أو المقلّد ، لأنّه يتعبّد باعتقاده كتعبّد المجتهد باجتهاده والمقلّد بتقليده ما دام غافلا ، فإذا تنبّه فإن وافق اعتقاده قول من يقلّده فهو ، وإلّا كان كالمجتهد المتبدّل رأيه ، وقد مرّ حكمه في باب رجوع المجتهد.

وأمّا الثاني : وهو المتفطّن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع ، فإمّا أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، بل كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهاديّة.

فالأوّل : يترتّب عليه الأثر مع الموافقة ، ولا يترتّب عليه مع المخالفة ، إذ المفروض أنّه ثبت من الشارع قطعا أنّ المعاملة الفلانيّة سبب لكذا ، وليس معتقدا لخلافه ، حتى يتعبّد

____________________________________

مخالفا للواقع ، وإمّا أن يكون غير غافل ، بل يترك التقليد مسامحة) ، ثمّ المراد من الغافل هو الجاهل المركّب لا الغافل المصطلح.

ثمّ القسم الأوّل من هذا التقسيم وهو الغافل يكون (في حكم المجتهد أو المقلّد ، لأنّه يتعبّد باعتقاده) والقطع حجّة من أيّ سبب كان ولأيّ شخص حصل ، كما تقدّم في بحث القطع ، (فإذا تنبّه) بفساد مدرك قطعه (فإن وافق اعتقاده قول من يقلّده فهو ، وإلّا كان كالمجتهد المتبدّل رأيه) ؛ لأنّه قبل كشف الخلاف كان حكما ظاهريا.

ثمّ أشار إلى التقسيم الثاني بقوله : (وأمّا الثاني : وهو المتفطّن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع) على قسمين :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله : (أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع) كما إذا علم الفقهاء بالتواتر مثلا أنّ السبب الواقعي هو العقد العربي ، فعقد الجاهل إن وقع عربيا فهو موافق للواقع ، وإلّا فمخالف له.

والثاني : ما أشار إليه بقوله : (وإمّا أن لا يكون كذلك ، بل كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهاديّة) كما إذا ظنّ الفقهاء بخبر الثقة باعتبار العقد العربي.

والحاصل من هذين التقسيمين هو كون غير المجتهد والمقلّد على ثلاثة أقسام.

ثمّ أشار إلى حكم القسم الأوّل من التقسيم الثاني بقوله : (فالأوّل : يترتّب عليه الأثر مع الموافقة ، ولا يترتّب عليه مع المخالفة) ، وذلك لأنّ المكلّف يعلم بأنّ المعاملة الفلانيّة تكون

١٥٦

بخلافه ولا دليل على التقييد في مثله بعلم واعتقاد ولا يقدح كونه محتملا للخلاف أو ظانّا به ، لأنّه مأمور بالفحص والسؤال ، كما أنّ من اعتقد حلّيّة الخمر مع احتمال الخلاف يحرم عليه الخمر وإن لم يسأل ، لأنّه مأمور بالسؤال.

وأمّا الثاني : فالحقّ عدم ترتّب الأثر في حقّه ما دام باقيا على عدم التقليد ، بل وجود المعاملة كعدمها سواء طابقت على أحد الأقوال أم لا ، إذ المفروض عدم القطع بالوضع الواقعي من الشارع ، بل هو مظنون للمجتهد ، فترتّب الأثر إنّما هو في حقّه.

____________________________________

على خلاف الواقع ، وليس معتقدا لخلاف الواقع حتى يترتّب عليه الأثر ظاهرا.

وبعبارة اخرى : إنّ المفروض أنّه كان جاهلا بسيطا لا معتقدا بخلاف الواقع حتى يتعبّد باعتقاده ، فلا يكون عمله المخالف للواقع باطلا ، بل يكون كالمجتهد المتبدّل رأيه.

قوله : (ولا دليل على التقييد ... إلى آخره) هذا دفع لما قد يتوهّم من الحكم ببطلان العمل في صورة موافقته للواقع أيضا ؛ وذلك لعدم علمه بالموافقة حين العمل.

وحاصل الدفع أنّه (لا دليل على التقييد في مثله) ، أي : العمل (بعلم واعتقاد) ، بل يكفي في صحّة العمل والمعاملة مجرّد الموافقة الاتفاقيّة للواقع.

وهذا بخلاف العبادة فإنّها تحتاج إلى العلم بالصحّة حين العمل ، لعدم إمكان قصد التقرّب بدونه.

قوله : (ولا يقدح كونه محتملا للخلاف ... إلى آخره) وهذا دفع آخر لما قد يتوهّم من أنّ معاملة الجاهل في صورة مخالفة الواقع أيضا صحيحة ؛ لأنّ الجاهل حين العمل كان محتملا لكفاية العقد الفارسي أو ظانّا به فعمل على طبق احتماله أو ظنّه ، فيصحّ عمله ، كما يصحّ عمل معتقد الخلاف.

وحاصل دفعه ، هو أنّه لا يقدح في عدم الصحّة كونه محتملا للخلاف أو ظانّا به ؛ لأنّه مأمور بالفحص والسؤال ولا يجوز له العمل بالظنّ أو الاحتمال ، لعدم اعتبارهما.

وهذا بخلاف الجاهل المعتقد ، فإنّ اعتقاده حجّة يجب أن يتعبّد باعتقاده.

ثمّ أشار إلى القسم الثاني من التقسيم الثاني بقوله : (وأمّا الثاني) وهو ما إذا كان حكم المسألة ثابتا بالظنون الاجتهاديّة (فالحقّ عدم ترتّب الأثر في حقّه ما دام باقيا على عدم التقليد) ولو انكشفت مطابقته لفتوى المجتهد ، كما أشار إليه بقوله : (بل وجود المعاملة

١٥٧

ثمّ إن قلّد ـ بعد صدور المعاملة ـ المجتهد القائل بالفساد ، فلا إشكال فيه ، وإن قلّد من يقول بترتّب الأثر ، فالتحقيق فيه التفصيل بما مرّ في نقض الفتوى بالمعنى الثالث.

____________________________________

كعدمها سواء طابقت أحد الأقوال أم لا ، إذ المفروض عدم القطع بالوضع الواقعي من الشارع ، بل هو مظنون للمجتهد).

وحاصل الكلام ، هو الفرق بين انكشاف مطابقة الواقع وبين انكشاف مطابقة الفتوى ، فإنّ الأوّل مفيد لكلّ أحد ؛ لأنّ الحكم الواقعي مشترك بين الكلّ ، فإذا كان العمل مطابقا له كان صحيحا ، وأمّا الثاني وهو مطابقة الفتوى فلا ينفع إلّا المجتهد ومقلّديه ، والمفروض أنّ الجاهل لم يدخل بعد في مقلّديه حتى يصحّ عمله.

(ثمّ إن قلّد ـ بعد صدور المعاملة ـ المجتهد القائل بالفساد ، فلا إشكال فيه ، وإن قلّد من يقول بترتّب الأثر ، فالتحقيق فيه التفصيل بما مرّ في نقض الفتوى بالمعنى الثالث) ، فلا بدّ من ذكر ما أفاده في نقض الفتوى من المعاني الثلاثة حتى يتّضح لك نقض الفتوى بالمعنى الثالث ، فنقول :

إنّه ذكر في باب تبدّل الرأي للنقض معاني ثلاثة ، كما في شرح التنكابني والاعتمادي : أحدها : هو نقض فتوى المجتهد بالفتوى الثانية في الزمان الثاني ، بمعنى إبطالها رأسا وعدم كونها حكم الله فيما مضى ، وجعلها لاغية بالمرّة ، ولازم ذلك هو الحكم بفساد الأعمال السابقة وتجديد الصوم والصلاة ، ثمّ قال : إنّ النقض بهذا المعنى خلاف الإجماع ، بل الضرورة تقتضي عدم جوازه.

وثانيها : هو إبطال الفتوى السابقة في الزمان الثاني ، والعمل بالفتوى الثانية في المستقبل ، والنقض بهذا المعنى لا خلاف في جوازه ، بل هو ضروري.

وثالثها : هو إبطال الآثار المترتّبة على المعاملات الماضية الصادرة بفتواه الاولى ، مثل أن ينكح بفتواه الاولى بكرا بغير إذن الولي ، وأن يغسل الثوب النجس بالبول مرّة ، فتصير الزوجة أجنبيّة ، والطاهر نجسا ، بمقتضى فتواه الثانية.

والنقض بهذا المعنى فيه تفصيل ، وهو عدم الجواز في الأثر الشخصي كزوجيّة حميدة لمحمد مثلا ؛ وذلك لأنّ إبطال العقد الواقع بغير إذن الولي أو بالفارسية من الأوّل ينافي وقوعه صحيحا ، وإبطاله من الآن لا معنى له ، لعدم وجوده فعلا حتى يكون موردا للفتوى

١٥٨

فيقال : من أنّ ما لم يختصّ أثره بمعيّن أو بمعيّنين ـ كالطهارة والنجاسة ، والحلّيّة والحرمة ، وأمثالها ـ يترتّب عليه الأثر ، فإذا غسل ثوبه من البول مرّة بدون تقليد ، أو اكتفى في الذبيحة بقطع الحلقوم مثلا كذلك ، ثمّ قلّد من يقول بكفاية الأوّل في الطهارة والثاني في التذكية ، ترتّب الأثر على فعله السابق ، إذ المغسول يصير طاهرا بالنسبة إلى كلّ من يرى ذلك.

وكذا المذبوح حلالا بالنسبة إلى كلّ من يرى ذلك ولا يشترط كونه مقلّدا حين الغسل والذبح.

وأمّا ما يختصّ أثره بمعيّن أو معيّنين ، كالعقود والإيقاعات وأسباب شغل الذمّة وأمثالها ،

____________________________________

الثانية.

والجواز في الأثر النوعي كطهارة الثوب ، لأنّ الغسل مرّة مثلا قد أثّر من الأوّل في طهارة الثوب في حقّ كلّ من يرى كفاية الغسل مرّة ، ولم يؤثر من الأوّل في حقّ من لا يرى كفايته.

غاية الأمر أنّه إلى الآن كان داخلا في العنوان الأوّل فكان طاهرا في حقّه ، والآن داخل في العنوان الثاني فنجس في حقّه. هذا ملخّص التفصيل في نقض الفتوى بالمعنى الثالث ، وهذا التفصيل يجري هنا أيضا ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فيقال : من أنّ ما لم يختصّ أثره بمعيّن ـ أو بمعيّنين كالطهارة والنجاسة ، والحلّيّة والحرمة ، وأمثالها ـ يترتّب عليه الأثر ، فإذا غسل ثوبه من البول مرّة بدون تقليد ، أو اكتفى بالذبيحة بقطع الحلقوم) فقط(مثلا كذلك) ، أي : بلا تقليد ، (ثمّ قلّد من يقول بكفاية الأوّل في الطهارة والثاني في التذكية ، ترتّب الأثر على فعله السابق ، إذ المغسول يصير طاهرا) من حين الغسل قبل دخول الغاسل في التقليد ، (بالنسبة إلى كلّ من يرى ذلك) ، أي : يرى كفاية الغسل مرّة ، سواء كان مجتهدا أو مقلدا.

(وكذا المذبوح حلالا بالنسبة إلى كلّ من يرى ذلك) فالأثر في كلا المثالين حاصل قبل التقليد متصلا بالغسل والذبح.

غاية الأمر تأخّر دخول الجاهل في هذا العنوان ، (ولا يشترط) في ترتّب الأثر(كونه مقلّدا حين الغسل والذبح).

ثمّ أشار قدس‌سره إلى ما يختصّ ، بقوله : (وأمّا ما يختصّ أثره بمعيّن أو معيّنين ، كالعقود

١٥٩

فلا يترتّب عليه الأثر ، إذ آثار هذه الامور لا بدّ أن تتعلّق بالمعيّن ، إذ لا معنى لسببيّة عقد صادر عن رجل خاصّ على امرأة خاصّة لحليّتها على كلّ من يرى جواز هذا العقد ومقلّديه ، وهذا الشخص حال العقد لم يكن مقلّدا فلم يترتّب في حقّه الأثر كما تقدّم ، وأمّا بعده وإن دخل في مقلّديه لكن لا يفيد لترتّب الأثر في حقّه.

إذ المظنون لمجتهده سببيّة هذا العقد متصلا بصدوره للأثر ، ولم يصر هذا سببا كذلك ، وأمّا السببيّة المنفصلة فلا دليل عليها ، إذ ليس هو مظنون المجتهد ، ولا دليل على كون الدخول في التقليد كإجازة المالك ، والأصل في المعاملات الفساد ، مع أنّ عدم ترتّب الأثر كان ثابتا قبل التقليد فيستصحب». انتهى كلامه ملخّصا.

والمهمّ في المقام بيان ما ذكره في المقدّمة ، من أنّ كلّ ما جعله الشارع من الأسباب لها

____________________________________

والإيقاعات وأسباب شغل الذمّة) كالنذر مثلا (وأمثالها) كحقّ السبق في المدارس مثلا (فلا يترتّب عليه الأثر ، إذ آثار هذه الامور) ليست نوعيّة حتى تترتّب عليها متصلة بصدورها في حقّ المجتهدين والمقلّدين القائلين بها.

بل (لا بدّ أن تتعلّق بالمعيّن ، إذ لا معنى لسببيّة عقد صادر عن رجل خاصّ على امرأة خاصّة لحليّتها على كلّ من يرى جواز هذا العقد ومقلّديه ، وهذا الشخص حال العقد لم يكن مقلّدا فلم يترتّب في حقّه الأثر) متصلا بصدور العقد.

بل وجود المعاملة كعدمها(كما تقدّم ، وأمّا بعده وإن دخل في مقلّديه لكن لا يفيد لترتّب الأثر في حقّه) ؛ وذلك لأنّ الفصل بين العقد وبين أثره يوجب بطلان العقد ، إذ المفتي إنّما يفتي بأنّ العقد الفارسي صحيح ، بمعنى أنّه يفيد الزوجيّة متصلا بصدوره ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(إذ المظنون لمجتهده سببيّة هذا العقد متصلا بصدوره للأثر ، ولم يصر هذا سببا كذلك ، وأمّا السببيّة المنفصلة فلا دليل عليها ، إذ ليس هو مظنون المجتهد ، ولا دليل على كون الدخول في التقليد كإجازة المالك) كاشفا عن اتصال الأثر بالعقد ، (والأصل في المعاملات الفساد ، مع أنّ عدم ترتّب الأثر كان ثابتا) في الظاهر(قبل التقليد فيستصحب. انتهى كلامه ملخّصا).

(والمهمّ في المقام بيان ما ذكره في المقدّمة ، من أنّ كلّ ما جعله الشارع من الأسباب لها

١٦٠