دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

فإنّ ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون الحادث ذلك الأمر المقطوع ، لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر.

____________________________________

والثاني : ما أشار إليه بقوله :

(توهّم كون الشكّ في بقائه مسبّبا عن الشكّ في حدوث ذلك المشكوك الحدوث ... إلى آخره).

وتوضيح هذا التوهّم ـ الثاني ـ يتوقّف على تقديم مقدّمة قصيرة ، وهي :

إنّ الأصل المسبّبي لا يجامع مع الأصل السببي ، بل الثاني يتقدّم على الأوّل بالحكومة ؛ إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول :

إنّ استصحاب الكلّي في المقام أصل مسبّبي محكوم بأصالة عدم حدوث الكلّي في ضمن الفرد الطويل ، لأنّ الشكّ في بقائه مسبّب عن الشكّ في حدوثه في ضمن الفرد الطويل.

ففي مثال دوران أمر الحدث بين الأصغر والأكبر يكون الشكّ في بقاء الحدث مسبّبا عن الشكّ في حدوثه في ضمن الحدث الأكبر وهو الجنابة ، فتجري أصالة عدم الجنابة ، وبانضمام هذا الأصل إلى الوجدان يحكم بارتفاع كلّي الحدث ، إذ الحدث الأصغر مرتفع بالوجدان والحدث الأكبر منفي بالأصل ، فلا يبقى شكّ في بقاء الحدث لكي يقع مجرى الاستصحاب.

وحاصل الدفع ، كما أشار إليه بقوله :

(فإنّ ارتفاع القدر المشترك ... إلى آخره) يتّضح بعد مقدّمة ، وهي :

إنّ ما ذكر من كون الشكّ في بقاء الكلّي مسبّبا عن الشكّ في حدوثه في ضمن الفرد الطويل ، وكون أصالة عدم حدوثه في ضمن الفرد الطويل حاكما على استصحاب بقاء الكلّي مبنيّ على أن يكون ارتفاع الكلّي من لوازم عدم حدوث الفرد الطويل ، بأن يكون احتمال بقائه مستندا إلى احتمال حدوث الفرد الطويل ، واحتمال ارتفاعه مستندا إلى احتمال عدم حدوثه.

وأمّا لو لم يكن احتمال ارتفاع الكلّي مستندا إلى احتمال عدم حدوث الفرد الطويل ، بل كان مستندا إلى احتمال حدوثه في ضمن الفرد القصير المقطوع ارتفاعه ، لما كان الشكّ

٤٢١

نعم ، اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين.

وبينهما فرق واضح ، ولذا ذكرنا أنّه تترتّب عليه أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدّم.

____________________________________

في بقاء الكلّي مسبّبا عن الشكّ في حدوثه في الفرد الطويل ، حتى تكون أصالة عدم حدوث الفرد الطويل حاكمة على استصحاب بقاء الكلّي.

إذا عرفت هذه المقدّمة ، يتّضح لك عدم ورود التوهّم المذكور ؛ لأنّ الشكّ في بقاء الكلّي في المقام مسبّب عن الشكّ في حدوثه في الفرد القصير ، لا عن عدم حدوثه في الفرد الطويل ، حتى يثبت بأصالة عدم حدوث الفرد الطويل عدم بقاء الكلّي أصلا وارتفاعه رأسا.

بل غاية ما يلزم من أصالة عدم حدوث الفرد الطويل هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع القدر المشترك رأسا ، كما أشار إليه بقوله :

(نعم ، اللازم من عدم حدوثه هو عدم وجود ما هو في ضمنه من القدر المشترك في الزمان الثاني ، لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين).

وحاصل الكلام ، هو أنّ اللازم من أصالة عدم حدوث الجنابة في دوران الأمر بين الحدث الأصغر والأكبر ، هو عدم وجود الحدث الأكبر الذي يكون حصّة من كلّي الحدث لا عدم وجود كلي الحدث حتى لا يبقى مجال لاستصحاب الكلي.

(وبينهما فرق واضح) ، أي : بين ارتفاع حصّة الكلّي بالأصل ، وبين ارتفاع نفس الكلّي فرق واضح ، إذ بارتفاع الحدث في ضمن الجنابة بالأصل يرتفع ما هو الأثر الخاصّ للجنابة ، كحرمة الدخول أو المكث في المسجد مثلا ، وهذا بخلاف ارتفاع الكلّي بالأصل حيث يرتفع به ما هو الأثر المشترك ، كحرمة الدخول في الصلاة ، ومسّ الكتاب.

(ولذا ذكرنا أنّه تترتّب عليه) ، أي : على أصالة عدم حدوث الجنابة (أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدّم) ، مثل عدم حرمة المكث ، وقد ذكره المصنف قدس‌سره في السابق ، حيث قال :

«وإن كان الأصل عدم تحقّق الجنابة فيجوز له ما يحرم على الجنب» ، كالدخول

٤٢٢

ويظهر من المحقّق القمّي رحمه‌الله في القوانين ـ مع قوله بحجّيّة الاستصحاب على الإطلاق ـ عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم ، ولم أتحقّق وجهه.

____________________________________

في المسجد والمكث فيه مثلا ، وقد اجيب عن التوهّم المذكور بوجوه أخر :

منها : ما حاصله : من أنّ الأصل السببي معارض بمثله ، فإنّ أصالة عدم حدوث الفرد الطويل معارض بأصالة عدم حدوث الفرد القصير ، وأصالة عدم كون الحادث طويلا معارض بأصالة عدم كون الحادث قصيرا ، وبعد سقوط الأصل السببي للمعارضة تصل النوبة إلى الأصل المسبّبي ، وهو استصحاب بقاء الكلّي ، كما في مصباح الاصول ، ثمّ أورد السيّد الاستاذ «دام ظله» على هذا الجواب تركنا ذكره رعاية للاختصار.

ومنها : إنّه كما أنّ احتمال بقاء الكلّي مسبّب عن كون الحادث هو الأكبر كذلك احتمال الانتفاء مسبّب عن احتمال كونه هو الحدث الأصغر ، فيتعارضان ، فيبقى الأصل في الكلّي سليما عن ورود الأصل الحاكم عليه.

ومنها : إنّ أصالة عدم وجود الحدث الأكبر لإثبات ارتفاع الكلّي مثبت ، فلا يكون حجّة إلّا على القول بحجيّة الأصل المثبت ، وكيف كان ، فالصحيح ما ذكره المصنف قدس‌سره من الجواب ، ويتلخّص في أنّ الشكّ في وجود الكلّي وعدمه في الزمان الثاني ليس مسبّبا عن خصوص احتمال حدوث الفرد الطويل حتى يكون نفيه بالأصل موجبا لنفي الشكّ في وجود الكلّي ، كي يقال بأنّه لا يبقى مجال لاستصحابه.

بل الشك في وجود الكلّي مسبّب عن الشكّ في كون الحادث المعلوم هو الفرد الطويل أو القصير ، فلا بدّ حينئذ من نفي كلّ من الفردين بالأصل حتى يكون ذلك موجبا لارتفاع القدر المشترك ، ومن المعلوم أنّ العلم بحدوث أحد الفردين يمنع عن الأصل ، فلا مانع من استصحاب الكلّي لتماميّة أركانه من اليقين والشكّ.

(ويظهر من المحقّق القمّي رحمه‌الله في القوانين مع قوله بحجّيّة الاستصحاب على الإطلاق) ، أي : سواء كان الشكّ في الرافع أو في المقتضي (عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم) ، أي : القسم الثاني من الكلّي ، فيما إذا كان الشكّ في بقاء الكلّي من جهة المقتضي ، كمثال الحيوان مثلا.

(ولم أتحقّق وجهه) ، بل قوله بحجّية الاستصحاب مطلقا ، ينافي ما ذكره من عدم جواز

٤٢٣

قال : «إنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار قابليّة الامتداد وملاحظة الغلبة فيه ، فلا بدّ من التأمّل في أنّه كلّي أو جزئي ، فقد يكون الموضوع الثابت حكمه أوّلا مفهوما كلّيّا مردّدا بين امور ، وقد يكون جزئيّا حقيقيّا معيّنا.

وبذلك يتفاوت الحال ، إذ قد يختلف أفراد الكلّي في قابليّة الامتداد ومقداره ، فالاستصحاب حينئذ ينصرف إلى أقلّها استعدادا للامتداد.

____________________________________

إجراء الاستصحاب في هذا القسم ، فيما شكّ في بقاء الكلّي من جهة المقتضي ، إلّا أن يقال : بأنّ ما ذكره من عدم جواز إجراء الاستصحاب في بقاء الكلّي فيما شكّ في بقائه من جهة المقتضي مبنيّ على القول باعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، ومن المعلوم أنّ الظنّ ببقاء الكلّي يحصل في زمان يعلم فيه قابليّة البقاء لأقلّ أفراده استعدادا ، كما يظهر من كلامه.

حيث (قال : إنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه في مقدار قابليّة الامتداد) ، فلا يجري فيما لم يكن هناك قابليّة الامتداد والبقاء موضوعا أو حكما ؛ وذلك أنّ الزوج يقبل الحياة إلى مائة عام مثلا ، وحكمه كوجوب نفقة زوجته يمتدّ أيضا إلى ذلك ، فاستصحابه يصحّ إلى ذلك الزمان ، وهذا معنى ما في المتن من (أنّ الاستصحاب يتبع الموضوع وحكمه).

ثم يتبيّن طريق تشخيص مقدار قابليّة الامتداد في مورد الشكّ في القابليّة بقوله :

(وملاحظة الغلبة فيه) ، أي : ملاحظة أغلب الأفراد استعدادا في الاستصحاب ، (فلا بدّ من التأمّل في أنّه كلّي أو جزئي ، فقد يكون الموضوع الثابت حكمه أولا مفهوما كلّيّا مردّدا بين امور) ، كالحيوان المردّد بين البقّ والعصفور والفيل ، (وقد يكون جزئيّا حقيقيّا معيّنا) ، كعمرو مثلا.

(وبذلك يتفاوت الحال ، إذ قد يختلف أفراد الكلّي في قابليّة الامتداد ومقداره) ، فإنّ الحيوان المردّد بين الفيل والعصفور يستصحب فيما إذا شكّ في بقائه إلى سنة فقط ، لأن الاستصحاب ينصرف إلى أقلّ أفراده استعدادا للامتداد ، وهو العصفور.

ثمّ لو فرض عدم اختلاف الكلّي في القابليّة للامتداد ، لكان جريان الاستصحاب في الكلّي مختصّا بالشكّ من جهة الرافع ، ولا يجري في الشكّ من جهة المقتضي ؛ وذلك لعدم

٤٢٤

ثمّ ذكر حكاية تمسّك بعض أهل الكتاب لإثبات نبوّة نبيّه بالاستصحاب وردّ بعض معاصريه له بما لم يرتضه الكتابيّ ، ثمّ ردّه بما ادّعى ابتناءه على ما ذكره وملاحظة مقدار القابليّة ، ثمّ أوضح ذلك بمثال وهو : إنّا إذا علمنا أنّ في الدار حيوانا ، لكن لا نعلم أنّه أيّ نوع هو ، من الطيور ، أو البهائم ، أو الحشار ، أو الديدان ، ثمّ غبنا عن ذلك مدّة ، فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا ، فاذا احتمل كون الحيوان الخاصّ في البيت عصفورا ، أو فأرة ، أو دودة قزّ ، فكيف يحكم بسبب العلم بالقدر المشترك باستصحابها إلى حصول زمان ظنّ بقاء أطول الحيوانات عمرا؟ قال : وبذلك بطل تمسّك الكتابيّ».

____________________________________

تصور الشكّ فيه على فرض انتفاء اختلاف الكلّي في قابليّة الامتداد من حيث الأفراد.

(ثمّ ذكر حكاية تمسّك بعض أهل الكتاب لإثبات نبوّة نبيّه بالاستصحاب) ، أي : ذكر المحقّق القمّي رحمه‌الله حكاية تمسّك بعض أهل الكتاب لإثبات نبوّة نبيّه ـ أي : عيسى عليه‌السلام مثلا ـ بالاستصحاب ، وذكر(ردّ بعض معاصريه) وهو الفاضل القزويني لاستصحاب الكتابي (بما لم يرتضه الكتابي ، ثمّ رده) ، أي : ردّ المحقّق القمّي رحمه‌الله استصحاب الكتابي (بما ادّعى ابتناءه على ما ذكره) من (ملاحظة مقدار القابليّة).

وحاصل كلامه في هذا المقام ، هو أنّ النبوّة قد تكون إلى زمان خاصّ ، وقد تكون إلى الأبد ، فإذا شكّ في نبوّة موسى أو عيسى عليهما‌السلام بأنّها من الأوّل أو من الثاني ، لا يصحّ استصحابها بعد مجيء نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّ النبوّة المؤبّدة هي نبوّة نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(ثمّ أوضح ذلك بمثال وهو : إنّا إذا علمنا أنّ في الدار حيوانا ، لكن لا نعلم أنّه أيّ نوع هو ، من الطيور ، أو البهائم ، أو الحشار ، أو الديدان ، ثمّ غبنا عن ذلك مدّة ، فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدّة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا ، فإذا احتمل كون الحيوان الخاصّ في البيت عصفورا ، أو فأرة ، أو دودة قزّ ، فكيف يحكم بسبب العلم بالقدر المشترك باستصحابهما إلى حصول زمان ظنّ بقاء أطول الحيوانات عمرا؟).

وذلك لاحتمال كون الحيوان الخاصّ في البيت عصفورا أو غيره ، ممّا لا يقبل الحياة إلى أكثر من سنة ، فلا يجوز استصحابه بعد مرور السنة ، ثمّ (قال : وبذلك بطل تمسّك الكتابي). هذا تمام الكلام فيما ذكره المحقق القمي رحمه‌الله.

وقد اشار إلى رد كلام المحقّق القمّي رحمه‌الله بقوله :

٤٢٥

أقول : إنّ ملاحظة استعداد المستصحب واعتباره في الاستصحاب ـ مع أنّه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشكّ في الرافع ـ موجب لعدم انضباط الاستصحاب ، لعدم استقامة إرادة استعداده من حيث تشخّصه ولا أبعد الأجناس ولا أقرب الأصناف ، ولا ضابط لتعيين المتوسّط والإحالة على الظنّ الشخصي. قد عرفت ما فيه سابقا ،

____________________________________

(أقول : إنّ ملاحظة استعداد المستصحب واعتباره في الاستصحاب ـ مع أنّه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشكّ في الرافع ـ موجب لعدم انضباط الاستصحاب ... إلى آخره) ، وقد ردّ المصنّف قدس‌سره ما ذكره المحقّق القمّي رحمه‌الله بوجوه :

الأوّل : ما أشار إليه بقوله : (مع أنّه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشكّ في الرافع) ، والاختصاص المذكور مخالف لما ذهب إليه من حجّية الاستصحاب مطلقا ، فلا بدّ حينئذ من إثبات استلزام الاختصاص فنقول :

إنّ وجه الاستلزام واضح ؛ وذلك أنّ الاستصحاب على ما ذكره لا يجري ما لم يحرز استعداد المستصحب للبقاء ، ولو بملاحظة أغلب أفراد نوعه أو صنفه إن كان كليّا.

ومن المعلوم أنّ الحكم بالبقاء بعد إحراز استعداد المشكوك للبقاء مختصّ بالشكّ من جهة الرافع ؛ لأنّ الشكّ في المقتضي يرجع إلى الشكّ في أصل الاستعداد ؛ فالشكّ في البقاء بعد إحراز الاستعداد يرجع إلى الشكّ في الرافع ، وقبله إلى الشكّ في المقتضي.

وتوضيح ذلك بالمثال هو أنّ الغنم ممّا تقبل البقاء إلى عشر سنين ، فيجوز استصحابه إلى العشر عند الشكّ ، ولا يجوز بعده ، ومن المعلوم أنّ الشكّ في البقاء قبل العشر يكون من جهة الرافع ، وبعده من جهة المقتضي ، فجواز الاستصحاب إلى العشرة وعدمه بعده مستلزم لما ذكر من الاختصاص ، وهو على خلاف مذهبه. هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل.

والوجه الثاني : ما أشار إليه بقوله : (موجب لعدم انضباط الاستصحاب) ، أي : مضافا إلى ما ذكر من الاختصاص يكون اعتبار ملاحظة الاستعداد في المستصحب موجبا لعدم انضباط الاستصحاب ، وذلك (لعدم استقامة إرادة استعداده من حيث تشخّصه ولا أبعد الأجناس ولا أقرب الأصناف ، ولا ضابط لتعيين المتوسّط).

أمّا عدم استقامة إرادة استعداد المستصحب من حيث تشخّصه ، فلوجهين :

٤٢٦

____________________________________

الأوّل : هو تعذّر العلم به ، إذ لا يمكن العلم باستعداد المستصحب من حيث تشخّصه حتى يكون إحرازه مناطا لصحّة الاستصحاب.

(والثاني) خروج هذا الفرض من كلام المحقّق القمّي قدس‌سره ، إذ المفروض في كلامه هو إحراز الاستعداد من جهة ملاحظة غالب الأفراد أو الأصناف.

وأمّا عدم استقامة إرادة استعداد المستصحب من حيث أبعد الأجناس ـ وهو الممكن القارّ ـ فلأنّ ما يتصوّر من الجامع بين أفراد هذا الجنس هو استعداد البقاء ساعة فرضا ، وبقاء الجنس في هذا الزمان قطعي من دون حاجة إلى الاستصحاب ، وبقائه في الزائد وإن كان مشكوكا ، إلّا أنّه يخرج عن كونه أبعد الأجناس.

وأمّا عدم استقامة إرادة الاستعداد من حيث أقرب الأصناف ، فلأنّ العلم باستعداد أقرب الأصناف كالعلم باستعداد شخص المستصحب متعذّر ، فلا يصحّ حينئذ اعتبار إحراز استعداد أقرب الأصناف في الاستصحاب.

وأمّا عدم استقامة إرادة استعداد الصنف المتوسّط ، فلعدم ضابط يتعيّن به الصنف المتوسّط ، كما أشار إليه بقوله : (ولا ضابط لتعيين المتوسط).

فإنّ الغنم تتصوّر فيه أصناف متعدّدة بحسب اللون والهزل والسمن وغيرها إلى ما لا يحصى كثرة ، ولا ضابط يتعيّن به استعداد صنف متوسّط منه دون غيره ، هذا مع أن مقتضى كلام القمّي رحمه‌الله هو الأخذ بالأقرب لا بالمتوسّط ولا بالأبعد.

(والإحالة على الظنّ الشخصي) بأن يستصحب ما دام حصول الظنّ الشخصي بالاستعداد(قد عرفت ما فيه سابقا) من كونه مخالفا للإجماع ، إذ لم يقل أحد بحجيّة الاستصحاب من باب الظنّ الشخصي ، حتى من يقول باعتباره من باب الظنّ.

ومراد المصنف قدس‌سره من قوله : (قد عرفت ما فيه سابقا) هو الأمر الرابع من الامور التي ذكرها في أوّل الاستصحاب قبل الأقوال ، حيث قال في الأمر الرابع ما هذا لفظه :

(وأمّا على القول بكونه من باب الظنّ ، فالمعهود من طريقة الفقهاء عدم اعتبار إفادة الظنّ في خصوص المقام ، فراجع).

وكيف كان ، فقد أشار إلى الوجه الثالث بقوله :

٤٢٧

مع أنّ اعتبار الاستصحاب عند هذا المحقّق لا يختصّ دليله بالظنّ ، كما اعترف به سابقا ، فلا مانع من استصحاب وجود الحيوان في الدار ، إذا ترتّب أثر شرعي على وجود مطلق الحيوان فيها.

ثمّ إنّ ما ذكره من ابتناء جواب الكتابي على ما ذكره سيجيء ما فيه مفصّلا إن شاء الله تعالى. [ثمّ إنّ ما ذكره من ابتناء جواب الكتابي على ما ذكره ممنوع ، لأنّ النبوّة نظير سائر الامور الشرعيّة التي اعترف سابقا بجريان الاستصحاب فيها ، وليس لها أنواع مختلفة الاستعداد ، وإنّما المختلف في الاستعداد أشخاص].

وأمّا الثالث ـ وهو ما إذا كان الشكّ في بقاء الكلّي مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير

____________________________________

(مع أنّ اعتبار الاستصحاب عند هذا المحقّق لا يختصّ دليله بالظنّ ... إلى آخره) ، وهذا الوجه ـ الثالث ـ ردّ لما يمكن أن يقال في توجيه كلام المحقّق القمي قدس‌سره من أنّ نظره في ردّ استدلال الكتابي بالاستصحاب يكون إلى اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ ، ولا يحصل الظنّ ما لم يحرز الاستعداد.

وحاصل الردّ والجواب عن التوجيه المذكور ، هو أنّ دليل اعتبار الاستصحاب عند المحقّق القمّي قدس‌سره لا يختصّ بمورد حصول الظنّ منه ، فلا مانع من استصحاب الكلّي وإن لم يحصل منه الظنّ ، لاحتمال حجيّة الاستصحاب عنده من باب التعبّد ، إلّا أن يقال بعدم اعتبار استصحاب الكلّي عنده على تقدير التعبّد أيضا.

(ثمّ إن ما ذكره من ابتناء جواب الكتابي على ما ذكره) من لزوم إحراز استعداد بقاء الكلّي ولو بملاحظة أغلب الأفراد(ممنوع ، لأنّ النبوّة نظير سائر الامور الشرعيّة ... إلى آخره).

وحاصل المنع ، هو أنّ نبوّة كلّ نبي ليس كليّا له الأنواع حتى يلاحظ في استصحاب نبوّة نبي من الأنبياء استعداد أغلب النبوّات للبقاء ، بل هي فرد من النبوّة فما ذكره من ابتناء جواب الكتابي على عدم إحراز استعداد البقاء للنبوّة ولو بملاحظة أغلب الأنواع ممّا لا وجه له أصلا.

إذ ليس للنبوة (أنواع مختلفة الاستعداد ، وإنّما المختلف في الاستعداد أشخاص). هذا تمام الكلام في القسم الثاني.

٤٢٨

الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ـ فهو على قسمين ، لأنّ الفرد الآخر إمّا أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله ، وإمّا يحتمل حدوثه بعده ، إمّا بتبدّله إليه ، وإمّا بمجرّد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد.

____________________________________

(أمّا الثالث ـ وهو ما اذا كان الشكّ في بقاء الكلّى مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ـ فهو على قسمين ، لأن الفرد الآخر إمّا أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله ، وإمّا يحتمل حدوثه بعده ، إمّا بتبدّله إليه ، وإمّا بمجرّد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد).

ومثال احتمال التبدّل هو ما إذا علمنا بحصول السواد في جسم ثمّ علمنا بزوال ذلك السواد الخاصّ المستلزم لزوال الكلّي في ضمنه واحتملنا تبدّل هذا السواد إلى سواد آخر مستلزم لبقاء الكلّي في ضمنه.

ومثال التقارن هو ما إذا علمنا بوجود الإنسان في الدار في ضمن زيد ثمّ علمنا بخروج زيد عنها ، إلّا أنّه يحتمل دخول عمرو فيها مقارنا لخروج زيد عنها.

وبالجملة ، إنّ القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ـ وهو ما يكون الشكّ في بقاء الكلّي لاحتمال قيام فرد آخر مقام الفرد المعلوم حاله ـ يتصوّر على وجوه :

الأوّل : أن يكون الفرد الآخر موجودا من الأوّل مع الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه ، كما إذا علم بوجود زيد في الدار يوم الجمعة وعلم بخروجه عنها يوم السبت واحتمل وجود عمرو في الدار حال وجود زيد فيها ، فيحتمل بقاء الإنسان فيها بوجود عمرو بعد خروج زيد عنها.

الثاني : أن يكون حدوث الفرد الآخر مقارنا لارتفاع الفرد المعلوم ، كما لو احتمل دخول عمرو في الدار مقارنا لخروج زيد عنها.

وبعبارة اخرى بأن لا يكون الفرد الآخر موجودا من الأوّل مع الفرد المعلوم ، بل احتمل حدوثه بعده ، كما هو ظاهر المصنف قدس‌سره ، ثمّ هذا القسم يكون على قسمين :

أحدهما : أن يكون الفرد الآخر المحتمل بقاؤه فردا مباينا في الوجود مع الفرد المعلوم وإن اشتركا في النوع ، كبقاء الإنسان في ضمن عمرو الذي دخل في الدار مقارنا لخروج زيد عنها.

٤٢٩

وفي جريان استصحاب الكلّي في كلا القسمين نظرا إلى تيقّنه سابقا وعدم العلم بارتفاعه وإن علم بارتفاع بعض وجوداته وشكّ في حدوث ما عداه ، لأن ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلّي ، كما تقدّم نظيره في القسم الثاني. أو عدم

____________________________________

وثانيهما : أن يكون الفرد الآخر من مراتب الموجود السابق ، كالسواد الضعيف المحتمل قيامه مقام السواد الشديد ، كما سيأتي في كلام المصنّف قدس‌سره.

فالوجوه المتصوّرة في القسم الثالث وإنّ كانت ثلاثة ، إلّا أنّ المصنف قدس‌سره جعله قسمين ، حيث قال :

(وفي جريان استصحاب الكلّي في كلا القسمين ... إلى آخره) ، وقد ذكر المصنف قدس‌سره لحكم هذه الأقسام وجوها :

الأوّل : جريان الاستصحاب مطلقا.

والثاني : عدم جريان الاستصحاب مطلقا.

والثالث : التفصيل بين القسم (الأوّل) والقسمين الآخرين ، فيجري استصحاب الكلّي في القسم الأوّل دون الآخرين ، إلى أن قال : (أقواها الأخير) وهو التفصيل.

فلا بدّ من بيان الوجه في كلّ واحد من الوجوه المذكورة.

فنقول : إن الوجه في جريان الاستصحاب مطلقا ، وهو وجود مناط الاستصحاب في جميع الوجوه والأقسام ، فإنّ المناط في جريان الاستصحاب هو كون شيء متيقّن الوجود في السابق مشكوك البقاء في اللاحق ، وهذا المعنى متحقّق بالنسبة إلى وجود الكلّي بنفسه مع قطع النظر عن وجود الفرد ، إذ من المعلوم أنّ وجود الكلّي بنفسه كان متيقّنا سابقا ، ولم يعلم ارتفاعه فلا بدّ من البناء عليه ، وتعدّد الوجودات لا ينافي صدق البناء عليه وإن كان منافيا بالنسبة إلى الفرد ، كما لا يخفى.

وبالجملة ، إنّ أركان الاستصحاب حاصلة بالنسبة إلى نفس الكلّي ؛ لأنّا بالوجدان نقطع بوجد الكلّي سابقا ونشكّ في بقائه لاحقا ، كما عرفت وإن لم تكن الأركان حاصلة بالنسبة إلى كلّ واحد من الفردين ، لأنّه قد(علم بارتفاع بعض وجوداته وشكّ في حدوث ما عداه) ، إلّا أنّ عدم حصول الأركان بالنسبة إلى الأفراد(مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلّي ، كما تقدّم نظيره في القسم الثاني).

٤٣٠

جريانه فيهما ، لأن بقاء الكلّي في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجي المتيقّن سابقا وهو معلوم العدم.

وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والقسم الثاني ، حيث إنّ الباقي في الآن اللاحق بالاستصحاب هو عين الوجود المتيقّن سابقا. أو التفصيل بين القسمين ، فيجري في الأوّل ، لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا ، فيتردّد الكلّي المعلوم سابقا بين

____________________________________

ثمّ أشار المصنف قدس‌سره إلى وجه عدم جريان الاستصحاب مطلقا بقوله :

(لأنّ بقاء الكلّي في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجي المتيقّن سابقا وهو معلوم العدم). ووجه عدم جريان الاستصحاب مطلقا يتضح بعد تقديم مقدّمة مشتملة على امور :

الأوّل : إنّ كلّ واحد من اليقين والشكّ يتعلّق بوجود المستصحب لا بماهيّته.

والثاني : إنّ وجود الكلّي في ضمن فرد هو غير وجوده في ضمن فرد آخر.

والثالث : إنّ المناط في الاستصحاب هو عدم الفرق بين ما تعلّق به اليقين ، وما تعلّق به الشكّ إلّا في الزمان ، بأن يكون زمان اليقين قبل زمان الشكّ.

وبعبارة اخرى أن يكون المشكوك نفس المتيقّن ، إذا عرفت هذه المقدّمة يتضح لك وجه عدم جريان الاستصحاب ، وذلك لانتفاء مناط الاستصحاب في هذا القسم ، لأن ما تعلّق به اليقين يكون غير ما تعلّق به الشكّ ، إذ ما تعلّق به اليقين هو وجود الكلّي في ضمن فرد ، وما تعلّق به الشكّ هو وجوده في ضمن فرد آخر ، ثمّ وجود الكلّي في ضمن الأوّل قد انتفى ووجوده في ضمن الثاني غير متيقّن سابقا ، فلا معنى لاستصحابه اصلا.

(وهذا هو الفارق بين ما نحن والقسم الثاني) ، أي : العلم بارتفاع ما تعلّق به اليقين يكون فارقا بين القسم الثالث والقسم الثاني ، حيث يكون الباقي في القسم الثاني عين ما هو الموجود سابقا بخلاف القسم الثالث ، حيث يكون الباقي غير ما هو الموجود سابقا ، لأن متعلّق اليقين في القسم الثاني هو وجود الكلّي في ضمن أحد الفردين لا على التعيين ، ومتعلّق الشكّ هو بقاء عين ما هو المتيقّن سابقا ، فيمكن جريان الاستصحاب لوجود مناطه ، وهذا بخلاف القسم الثالث فإنّ متعلّق اليقين فيه غير متعلّق الشكّ كما مرّ. بقي الكلام في التفصيل ، وقد أشار إليه بقوله :

(أو التفصيل بين القسمين ، فيجري في الأوّل ... إلى آخره).

٤٣١

أن يكون وجوده الخارجي على نحو لا يرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه ، وأن يكون على نحو يرتفع بارتفاع ذلك الفرد ، فالشكّ حقيقة إنّما هو في مقدار استعداد ذلك الكلّي.

واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلّي ، وجوه أقواها الأخير.

____________________________________

وملخّص الكلام في وجه هذا التفصيل ، هو أنّ وجود الكلّي في القسم الأوّل على تقدير ثبوته في الزمان اللاحق هو عين وجوده في السابق ، وذلك فإنّ الكلّي في هذا القسم مردّد من الأوّل بين حصوله في ضمن فرد فقط كالإنسان في زيد ، وبين حصوله في ضمن فردين كحصول الإنسان في ضمن زيد وعمرو ، وعلى الثاني يستعد الإنسان للبقاء بعد موت زيد ، ثمّ الباقي على فرض البقاء هو عين ما هو الموجود سابقا ، فيصدق في هذا القسم بقاء ما هو الموجود سابقا وهو معنى الاستصحاب.

وهذا بخلاف القسمين الأخيرين حيث يعلم فيهما ارتفاع الوجود(الأوّل) ، وإنّما الشكّ في قيام وجود آخر مقامه ، فلا يصدق فيهما بقاء ما هو الموجود سابقا ، كي يكون مجرى الاستصحاب ، وقد اختار المصنف قدس‌سره هذا التفصيل كما هو في المتن.

قوله : (واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلّي).

دفع لما يتوهّم من أنّ الشكّ في القسم الأوّل إنّما هو في مقدار استعداد الكلّي ، إذ لو كان موجودا في ضمن فرد واحد لا يكون له استعداد البقاء ، وأمّا لو كان موجودا في ضمن فردين كان له استعداد البقاء ، وحينئذ يجري استصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك ، وبه يثبت تعيين الاستعداد وهو عدم كونه مستعدا للبقاء ولازم ذلك عدم جريان الاستصحاب في القسم الأول كالأخيرين ، فبطل التفصيل المذكور.

وحاصل الدفع ، أنّ استصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلّي لكونه من الاصول المثبتة ، والأصل المثبت ليس بحجّة عند المصنف قدس‌سره.

نعم ، يردّ على التفصيل المذكور :

أوّلا : بأنّ ما ذكره المصنف قدس‌سره من أنّ الشكّ (حقيقة إنّما هو في مقدار استعداد ذلك الكلّي) يكون مخالفا لمذهبه ، إذ مذهبه هو عدم جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي ، ومن المعلوم أنّ الشكّ في مقدار استعداد الكلّي شكّ في المقتضي ، فكيف يقول

٤٣٢

ويستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني ما يتسامح فيه العرف ، فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد. مثل ما لو علم السواد الشديد في محلّ وشكّ في تبدّله بالبياض ، أو بسواد أضعف من الأوّل ، فإنّه يستصحب السواد.

وكذا لو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشكّ ، ثمّ شكّ من جهة اشتباه المفهوم أو

____________________________________

المصنف بجريان الاستصحاب فيه؟!.

إلّا أن يقال بأنّ نظر المصنّف قدس‌سره في هذا المبحث إلى أنّ الكلّيّة ليست مانعة عن الاستصحاب مع قطع النظر عن كون الشكّ في المقتضي أو الرافع.

وثانيا : إنّ جريان الاستصحاب في القسم الأوّل مستلزم لفروع لا يلتزم بها أحد :

منها : إنّ المتيقّن بالحدث الأصغر لو احتمل معه الحدث الأكبر لزمه بعد الوضوء استصحاب الحدث والجمع بين الطهارتين ، لتردّد الحدث من الأوّل بين المستعد للبقاء بعد الوضوء وبين غيره ، والحال أنّهم يتمسّكون في الفرض بأصالة عدم الحدث الأكبر ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي مع اختصار. وتركنا سائر الفروع رعاية للاختصار ومن يريدها فعليه بالكتب المبسوطة ، كبحر الفوائد وتعليقة غلام رضا في الرسائل.

(ويستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني) وهو على ما عرفت ـ احتمال حدوث الفرد الآخر بعد ارتفاع الفرد الأوّل إمّا بتبدّله إليه وإمّا بحدوثه بعده على ما في شرح الاعتمادي ـ (ما يتسامح فيه العرف ، فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد. مثل ما لو علم السواد الشديد في محلّ وشكّ في تبدّله بالبياض ، أو بسواد أضعف من الأوّل ، فإنّه يستصحب السواد) ، أي : مطلق السواد.

وذلك لاتحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة من حيث الموضوع عند العرف ، فيصدق بقاء ما هو المتيقّن سابقا بنظر العرف ؛ لأنّ وجود السواد في ضمن السواد الضعيف هو عين وجوده في ضمن السواد الشديد في نظر العرف وإن كان غيره عند الدّقّة العقليّة ، إلّا أنّ الملاك في بقاء الموضوع في الاستصحاب هو التسامح العرفي ، لا الدّقّة العقلية ، وحينئذ فاحتمال تبدّل السواد الشديد إلى السواد الأضعف أو الضعيف يرجع إلى احتمال بقاء ما هو الموجود سابقا ، فيجري الاستصحاب.

(وكذا لو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشكّ ، ثمّ شكّ من جهة اشتباه المفهوم أو

٤٣٣

المصداق في زوالها أو تبدّلها إلى مرتبة دونها.

أو علم إضافة المائع ثمّ شكّ في زوالها أو تبدّلها إلى فرد آخر من المضاف.

وبالجملة : فالعبرة في جريان الاستصحاب عدّ الموجود السابق مستمرا إلى اللاحق ولو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقّة للفرد السابق ، ولذا لا إشكال في استصحاب الأعراض ، حتى على القول فيها بتجدّد الأمثال.

____________________________________

المصداق في زوالها أو تبدّلها إلى مرتبة دونها).

مثال الشكّ في زوال مرتبة كثرة الشكّ أو تبدّلها إلى مرتبة دونها من جهة اشتباه المفهوم ، هو أن يشكّ الشخص في ثلاث صلوات من خمس صلوات ، فيكون في مرتبة كثرة الشكّ ، ثمّ زالت عنه هذه المرتبة بأن يشكّ في الاثنين من الخمس ، فلا يعلم بأنّ كثرة الشكّ زالت بأن لا يصدق مفهوم كثير الشكّ عليه ، أو تبدّلت إلى مرتبة اخرى.

ومثال الاشتباه من حيث المصداق هو نفس المثال المتقدّم ، غاية الأمر أنّ الشكّ في ثلاث صلوات من خمس صلوات مصداق لكثرة الشكّ قطعا ، إلّا أنّه لا يعلم بأنّ الشكّ في اثنين منها هل هو مصداق لكثرة الشكّ ، بأن تبدّلت كثرة الشكّ من مرتبة إلى اخرى وزوالها لا يتحقّق إلّا بالشكّ في خمس صلوات مرة واحدة ، أو لا يكون مصداقا لكثرة الشكّ فيجري الاستصحاب؟.

لأنّ احتمال التبدّل يرجع إلى احتمال بقاء ما هو المتيقّن سابقا ، إذ المرتبة الاخرى تعدّ عرفا استمرار الموضوع السابق.

(أو علم إضافة المائع ثمّ شكّ في زوالها أو تبدّلها إلى فرد آخر من المضاف) ، كما إذا كان هناك جلّاب (١) كامل الطعم والعطر ثمّ علمنا بزوال ذلك وشككنا في أنّه صار ماء مطلقا أو مرتبة اخرى من الجلّاب ، كما في شرح الاعتمادي. فيجري الاستصحاب ، كما مرّ.

ولما هو في المتن من أنّ العبرة في جريان الاستصحاب هو استمرار الموجود السابق إلى اللاحق في نظر العرف.

(ولذا لا إشكال في استصحاب الأعراض) كالألوان والأفعال (حتى على القول فيها

__________________

(١) جلّاب : ماء الورد ، معرّب. القاموس ١ : ١٧٣.

٤٣٤

وسيأتي ما يوضّح عدم ابتناء الاستصحاب على المداقّة العقليّة.

ثمّ إنّ للفاضل التوني كلاما يناسب المقام مؤيّدا لبعض ما ذكرنا ، وإن لم يخل بعضه عن النظر ، بل المنع.

____________________________________

بتجدّد الأمثال) ، بأن تكون الأعراض تتجدّد آناً فآنا كالزمان ، ومع ذلك يجري الاستصحاب فيها ، لأن الوجود الثاني وإن كان مثلا للوجود الأوّل ، إلّا أنّ العرف بنظرهم المسامحي يعدّون الوجود الثاني استمرار الوجود الأوّل.

نعم ، يستثنى من ذلك ما يتجدّد وجوده حتى عند العرف فيوجد شيئا فشيئا ، كالزمان والتكلّم ونحوهما فلا يجري الاستصحاب فيه ، كما لا يجري في جميع الأعراض لو كان المناط في الاستمرار والبقاء هو المداقّة العقليّة ؛ لأنّ الوجود الثاني حينئذ على القول بتجدّد الأمثال في الأعراض مثل جديد للوجود الأوّل ، فلا يكون الشكّ فيه شكّا في بقاء ما هو المتيقّن سابقا ، بل في حدوث المثل الجديد.

وأمّا على القول الآخر وهو أن تكون الأعراض قارّة كالجواهر ، فيجري الاستصحاب فيها حتى على المداقّة العقليّة كما يجري في الجواهر ، إلّا أنّه يستثنى من ذلك ما يكون وجوده غير قارّ بأن يوجد شيئا فشيئا ، كالزمان ونحوه ، فلا يجري فيه الاستصحاب ، كما عرفت.

وبالجملة ، إنّه لا إشكال في استصحاب الأعراض حتى على القول بتجدّد الأمثال فيها ، لأنّ المناط في الاستصحاب هو نظر العرف المسامحي ، فالوجود الثاني حينئذ بقاء واستمرار للوجود الأوّل ، وإن لم يكن الأمر كذلك بالدقّة العقليّة.

(وسيأتي ما يوضّح عدم ابتناء الاستصحاب على المداقّة العقليّة) ، أي : لا يكون الاستصحاب مبنيا على المداقّة العقليّة حتى يقال بعدم جريان الاستصحاب في الأعراض على القول بتجدّد الأمثال فيها لعدم صدق البقاء بالدقّة العقليّة.

(ثم إنّ للفاضل التوني كلاما يناسب المقام مؤيّدا لبعض ما ذكرنا).

وهو عدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني من القسم الثالث وهو احتمال حدوث الكلّي في الآن اللاحق في ضمن فرد حادث عند ارتفاع الفرد الأوّل ، كما أشار إليه بقوله سابقا :

٤٣٥

قال في ردّ تمسّك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية :

«إنّ عدم المذبوحيّة لازم لأمرين : الحياة والموت حتف الأنف ، والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني ، أعني : الموت حتف الأنف ، فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة.

فعدم المذبوحيّة اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة العارض للموت حتف أنفه ، والمعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأوّل لا الثاني ، وظاهر أنّه غير باق في الزمان الثاني.

____________________________________

(وإمّا لمجرّد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد) كاحتمال تحقّق الإنسان في ضمن عمرو عند موت زيد.

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره ، كما عرفت هو التفصيل بين القسم الأوّل والقسمين الآخرين وهو جواز الاستصحاب في القسم الأوّل والمنع في القسمين الآخرين ، ثمّ استثنى القسم الثاني منهما عن المنع ، والفاضل التوني أيضا منع عن استصحاب القسم (الأوّل) منهما ، كما يأتي في كلامه ، فيكون كلامه مؤيّدا لبعض ما ذكره المصنف قدس‌سره.

(قال في ردّ تمسّك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية) ، فلا بدّ أولا من بيان ما تمسّك به المشهور من الاستصحاب ، و (ثانيا) من بيان ردّ الفاضل التوني عليهم ، (وثالثا) من بيان جواب المصنف قدس‌سره عن ردّ الفاضل التوني.

أمّا(الأوّل) ـ وهو حكم المشهور بنجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية ـ فواضح لا يحتاج إلى البيان.

وأما(الثاني) ـ وهو ردّ الفاضل التوني لما تمسكوا به من استصحاب عدم التذكية ـ فحاصله : أنّ عدم التذكية والمذبوحيّة لازم لأمرين :

أحدهما : هو الحياة.

وثانيهما : هو الموت حتف الأنف ، وهو كناية عن الموت من دون تذكية. فعدم التذكية عنوان كلّي يحصل بالفردين المذكورين ، ثمّ النجاسة ليست من آثار نفس الكلّي ، بل هي من آثاره إذا حصل بحتف الأنف ، كما أشار إليه بقوله :

(والموجب للنجاسة ليس هذا اللازم من حيث هو ، بل ملزومه الثاني ، أعني :) به (الموت حتف الأنف ، فعدم المذبوحيّة لازم أعمّ لموجب النجاسة) ؛ لأنّ موجب النجاسة هو

٤٣٦

ففي الحقيقة تخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب ، إذ شرطه بقاء الموضوع ، وعدمه هنا معلوم ـ قال : ـ وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلّا مثل من يتمسّك على وجود عمر في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل ، وفساده غنيّ عن البيان». انتهى.

أقول : لقد أجاد فيما أفاد من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور ونظيره ، إلّا أنّ نظر المشهور ـ في تمسّكهم على النجاسة ـ إلى أنّ النجاسة إنّما رتّبت في الشرع على مجرّد

____________________________________

خصوص الموت حتف الأنف مع أنّ عدم التذكية لازم له وللحياة ، لأنّه قد يتحقّق في فرض الحياة ، وقد يتحقّق في فرض حتف الأنف.

ثمّ ما علم ثبوته في الزمان السابق هو الأوّل ، والمفروض إنّه غير باق في الزمان اللاحق ، وما احتمل بقاءه في الزمان الثاني ـ وهو الموت حتف الأنف ـ غير متيقّن الثبوت في الزمان السابق ، فلا يجري الاستصحاب فيه.

وبعبارة واضحة : إنّ معروض النجاسة هو الموت حتف الأنف وعدم المذبوحيّة لازم أعمّ له ولا يثبت باستصحاب اللّازم الأعمّ ملزومه الخاصّ.

إلى أن (قال : وليس مثل المتمسّك بهذا الاستصحاب إلّا مثل من يتمسّك على وجود عمر في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقّق بوجود زيد في الدار في الوقت الأوّل ، وفساده غنيّ عن البيان).

لأنّ الضاحك المتحقّق في ضمن زيد قد علم ارتفاعه بخروج زيد عن الدار وتحقّقه في عمرو غير متيقّن الثبوت أصلا ، فهذا الكلام من الفاضل التوني يكون مؤيّدا لما تقدّم من المصنف قدس‌سره من منعه عن الاستصحاب في القسم الثالث من القسم الثالث من استصحاب الكلّي. هذا تمام الكلام في ردّ الفاضل التوني على تمسّك المشهور باستصحاب عدم التذكية.

وأمّا بيان جواب المصنف قدس‌سره عن هذا الردّ ، فقد أشار إليه بقوله :

(إلّا أنّ نظر المشهور ـ في تمسّكهم على النجاسة ـ إلى أنّ النجاسة إنّما رتّبت في الشرع على مجرّد عدم التذكية).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا الكلام يرجع إلى أمرين :

٤٣٧

عدم التذكية ، كما يرشد إليه قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)(١) ، الظاهر في أنّ المحرّم إنّما هو لحم الحيوان الذي لم تقع عليه الت ذكية واقعا أو بطريق شرعي ولو كان أصلا ، وقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٢) وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ)(٣).

____________________________________

أحدهما : هو التصويب.

وثانيهما : هو التخطئة. وقد اشار إلى الأوّل بقوله :

(لقد أجاد فيما أفاد من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور) ، أي : مثال استصحاب الضاحك ، فقد أصاب الفاضل التوني في حكمه بفساد مثل استصحاب كلّي الضاحك في المثال ؛ وذلك لعدم بقاء الموضوع.

ثمّ أشار إلى الثاني بقوله : (الّا أنّ نظر المشهور ... إلى آخره) ، أي : الفاضل التوني قد أخطأ في فهم مراد المشهور ، حيث تخيّل أنّ موضوع النجاسة عند المشهور أمر وجودي وهو الموت حتف الأنف أو الذبح الفاسد ، وأنّهم يريدون باستصحاب عدم التذكية إثبات هذا الموضوع ، وليس الأمر كذلك ، بل موضوع النجاسة عندهم أمر عدمي وهو نفس عدم التذكية وهو يثبت بالاستصحاب لكونه بعينه هو المستصحب ، فيحكم بمقتضى استصحاب عدم تحقّق التذكية في اللحم أنّه غير مذكى ، ثمّ يترتّب الحكم بالحرمة والنجاسة عليه.

(كما يرشد إليه) ، أي : إلى كون موضوع النجاسة هو عدم التذكية.

(قوله تعالى : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) الظاهر في أنّ المحرّم إنّما هو لحم الحيوان الذي لم تقع عليه التذكية).

وجه الظهور ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّه إذا جعل الشارع التذكية سببا للحلّ ، فيستلزم الانتفاء عند الانتفاء من دون حاجة إلى سبب وجودي ، أعني : الموت حتف الأنف والذبح الفاسد ، فالحرام هو غير المذكّى واقعا سواء علم وجدانا(أو بطريق شرعي ولو كان أصلا) كاستصحاب عدم التذكية.

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) الأنعام : ١٢١.

(٣) الأنعام : ١١٨.

٤٣٨

وقوله عليه‌السلام في ذيل موثّقة ابن بكير : (إذا كان ذكيّا ذكّاه الذابح) (١) ، وبعض الأخبار المعلّلة لحرمة الصيد الذي ارسل إليه كلاب ولم يعلم أنّه مات بأخذ المعلّم معلّلا بالشكّ في استناد موته إلى المعلّم ، إلى غير ذلك ممّا اشترط فيه العلم باستناد القتل إلى الرمي ، والنهي عن الأكل مع الشكّ.

ولا ينافي ذلك ما دلّ على كون حكم النجاسة مرتّبا على موضوع الميتة بمقتضى أدلّة نجاسة الميتة ، لأنّ الميتة عبارة عن كلّ ما لم يذكّ ، لأنّ التذكية أمر شرعي توقيفي ، فما عدى المذكّى ميتة ، ولذا حكم بنجاستها.

والحاصل : إنّ التذكية سبب للحلّ والطهارة ، فكلّ ما شكّ فيه أو في مدخلية شيء فيه ، فأصالة عدم تحقّق السبب الشرعي حاكمة على أصالة الحلّ والطهارة.

____________________________________

وكذا (قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

وقوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ).

وقوله عليه‌السلام في ذيل موثّقة ابن بكير : (إذا كان ذكيّا ذكّاه الذابح) ... إلى آخره).

والمستفاد من الجميع أنّ موضوع الحرمة هو عدم التذكية وهو ممّا يثبت بالأصل عند الشكّ ، (ولا ينافي ذلك) ، أي : كون موضوع الحرمة عدم التذكية (ما دلّ على كون حكم النجاسة مرتّبا على موضوع الميتة بمقتضى أدلّة نجاسة الميتة ، لأن الميتة) ليس أمرا وجوديا ، بل هي (عبارة عن كلّ ما لم يذكّ ، لأنّ التذكية أمر شرعي توقيفي ، فما عدى المذكّى ميتة). وحاصل الكلام أنّ الشارع جعل التذكية سببا للحلّ تعبّدا فبمجرّد عدمها يحكم بالحرمة.

(والحاصل : إنّ التذكية سبب للحلّ والطهارة ، فكلّ ما شكّ فيه) ، أي : في كونه مذكّى أو غيره (أو في مدخلية شيء فيه) ، أي : شكّ في مدخلية شيء في تحقّق التذكية ، كالاستقبال وكون الذابح مسلما ، (فأصالة عدم تحقّق السبب الشرعي حاكمة على أصالة الحلّ والطهارة) ؛ لأن موضوع أصالة الحلّ والطهارة هو مشكوك الحلّ والطهارة ، وباستصحاب عدم التذكية تثبت الحرمة والنجاسة ؛ لأن التذكية هي السبب الشرعي ـ للحلّ والطهارة ـ

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٩٧ / ١. الوسائل ٤ : ٣٤٥ ، أبواب لباس المصلّي ، ب ٢ ، ح ١. وفيهما : (إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذابح).

٤٣٩

ثمّ إنّ الموضوع للحلّ والطهارة ومقابليهما هو اللحم أو المأكول ، فمجرّد تحقّق عدم التذكية في اللحم يكفي في الحرمة والنجاسة.

لكنّ الإنصاف : إنّه لو علّق حكم النجاسة على من مات حتف الأنف ـ لكون الميتة عبارة عن هذا المعنى ، كما يراه بعض ـ أشكل إثبات الموضوع بمجرّد أصالة عدم التذكية الثابتة حال الحياة ، لأن عدم التذكية السابق حال الحياة المستصحب إلى زمان خروج الروح لا يثبت كون الخروج حتف الأنف فتبقى أصالة عدم حدوث سبب نجاسة اللحم ـ وهو الموت حتف الأنف ـ سليمة عن المعارض وإن لم تثبت به التذكية كما زعمه السيّد الشارح للوافية ، فذكر أنّ أصالة عدم التذكية تثبت الموت حتف الأنف ، وأصالة عدم حتف الأنف تثبت التذكية.

____________________________________

وبانتفائها ينتفي كلّ واحد من الحلّ والطهارة ويحكم بالحرمة والنجاسة.

قوله : (ثمّ إنّ الموضوع للحلّ والطهارة ومقابليهما هو اللحم أو المأكول).

دفع لما يتوهّم من أنّ الرجوع إلى أصالة عدم التذكية مستلزم للاعتماد على الأصل المثبت ؛ لأنّ المستصحب هو عدم التذكية وموضوع الحرمة والنجاسة هو اللحم غير المذكّى أو المأكول غير المذكّى ، وهما من اللوازم العقليّة للمستصحب ، فاستصحاب عدم التذكية لإثبات كون هذا اللحم غير مذكّى أصل مثبت.

وحاصل الدفع : إنّ استصحاب عدم التذكية ليس من الاصول المثبتة ؛ لأنّ الاستصحاب إنّما يجري في نفس اللحم المشكوك ويقال بأنّ هذا اللحم لم يكن مذكّى ، فيحكم بحرمته ونجاسته من دون واسطة أصلا.

(لكنّ الإنصاف : إنّه) إنّما يتمّ حكم المشهور بنجاسة مشكوك التذكية لو علّق حكم النجاسة على أمر عدمي ، أعني : عدم التذكية ، لأنّه يثبت بالاستصحاب فيحكم بالنجاسة ، وقد مرّ أنّه مختار المشهور على ما في شرح الاعتمادي.

وأمّا(لو علّق حكم النجاسة على) أمر وجودي ، أعني : (من مات حتف الأنف ـ لكون الميتة عبارة عن هذا المعنى ، كما يراه بعض ـ أشكل إثبات الموضوع) ـ أعني : الموت حتف الأنف ـ (بمجرّد أصالة عدم التذكية الثابتة حال الحياة ، لأن عدم التذكية السابق حال الحياة المستصحب إلى زمان خروج الروح لا يثبت كون الخروج حتف الأنف فتبقى أصالة عدم

٤٤٠