دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

قلت : جميع المسائل الاصوليّة كذلك ، لأنّ وجوب العمل بخبر الواحد وترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصّا بالمجتهد.

نعم ، تشخيص مجرى خبر الواحد وتعيين مدلوله وتحصيل شروط العمل به مختصّ بالمجتهد ، لتمكّنه من ذلك وعجز المقلّد عنه ، فكأنّ المجتهد نائب عن المقلّد في تحصيل مقدّمات العمل بالأدلّة الاجتهاديّة وتشخيص مجاري الاصول العمليّة ، وإلّا فحكم الله الشرعيّ في الاصول والفروع مشترك بين المجتهد والمقلّد.

هذا ، وقد جعل بعض السادة الفحول الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده ، وجعل قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) دليلا على الدليل ـ نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد ـ

____________________________________

(قلت : جميع المسائل الاصوليّة كذلك).

أي : مثل الاستصحاب في أنّ موضوعها لا يتحقّق ولا يتشخّص إلّا بالمجتهد ، فيكون المجتهد في تشخيص الموضوع وتحصيل شرط العمل بها نائبا عن المقلّد ، وهذا المقدار من الاختصاص يكفي في كون المسألة اصوليّة ، وإلّا يجري الإشكال المذكور في جميع المسائل الاصوليّة ، وذلك لأنّ العمل بها لا يختصّ بالمجتهد ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(لأنّ وجوب العمل بخبر الواحد وترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصّا بالمجتهد).

وقد كان معاصرو المعصومين عليهم‌السلام ومقاربو أعصارهم من أهل اللسان يعملون بالروايات ، بل هم المخاطبون بوجوب العمل بروايات الثقات ، لقدرتهم يومئذ على تحصيل شرائط العمل ، أو لصدور الخطاب في زمان الحاجة.

نعم ، ربّما كانوا يقلّدون ـ أيضا ـ من أجاز المعصوم عليه‌السلام تقليده. وأمّا في أمثال زماننا ، فلا بدّ من التقليد ، وذلك لعدم قدرة الجاهل على تحصيل شرائط العمل بالرواية وإن كان من أهل اللسان ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(وقد جعل بعض السادة) وهو السيّد العلّامة الطباطبائي بحر العلوم قدس‌سره في فوائده (الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده ، وجعل قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) دليلا على الدليل ، نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد).

والغرض من ذكر كلام السيّد قدس‌سره هو إثبات كون مسألة الاستصحاب من المسائل

٢٨١

حيث قال : «إنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء دليل شرعيّ رافع لحكم الأصل ومخصّص لعمومات الحلّ ـ إلى أن قال في آخر كلام له سيأتي نقله : ـ وليس عموم قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئيّاته إلّا كعموم آية النبأ بالقياس إلى آحاد الأخبار المعتبرة». انتهى.

أقول : معنى الاستصحاب الجزئي في المورد الخاصّ ، كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر ، ليس إلّا الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا ، وهل هذا إلّا نفس الحكم الشرعي؟! وهل الدليل عليه إلّا قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ)؟!.

____________________________________

الاصوليّة ، لا من القواعد الفقهيّة ، بل هي كمسألة خبر الواحد من المسائل الاصوليّة ، غاية الأمر أنّ الدليل على اعتباره وهو قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) كما أنّ الدليل على اعتبار خبر الثقة هو آية النبأ ، فكما أنّ الدليل على الحكم الفرعي هو خبر الثقة ، وآية النبأ دليل على الدليل ، فكذلك الدليل على نجاسة الماء المتنجّس سابقا هو الاستصحاب ، وقوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) دليل على الدليل.

ومن هنا يظهر إنّه كما أنّ البحث عن حجيّة خبر الثقة في مسألة خبر الواحد مسألة اصوليّة ، كذلك البحث عن اعتبار الاستصحاب في مسألة الاستصحاب مسألة اصوليّة ، وكما أنّ خبر الواحد مخصّص لعمومات الكتاب والسنّة كذلك الاستصحاب ، كما(قال : إنّ استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء دليل شرعيّ رافع لحكم الأصل ومخصّص لعمومات الحلّ) كاستصحاب حرمة العنب بالغليان بعد صيرورته زبيبا ، حيث يكون مخالفا لأصالة الحلّ ، ومخصّصا لعمومات أدلّة الحلّ.

وبالجملة ، إنّ الاستصحاب ليس عين مفاد أخبار(لا تنقض اليقين بالشكّ) حتى يكون قاعدة فقهيّة مستفادة من السنّة كسائر القواعد الفقهيّة ، بل هو دليل معتبر برأسه دلّ على اعتباره قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) وبذلك يكون من المسائل الاصوليّة لا من القواعد الفقهيّة.

ثمّ يردّه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(أقول : معنى الاستصحاب الجزئي في المورد الخاصّ ، كاستصحاب نجاسة الماء المتغيّر ، ليس إلّا الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا ، وهل هذا إلّا نفس الحكم

٢٨٢

وبالجملة فلا فرق بين الاستصحاب وسائر القواعد المستفادة من العمومات.

هذا كلّه في الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكميّة المثبت للحكم الظاهري الكلّي.

أمّا الجاري في الشبهة الموضوعيّة ـ كعدالة زيد ونجاسة ثوبه ، وفسق عمرو وطهارة

____________________________________

الشرعي؟! وهل الدليل عليه إلّا قولهم عليهم‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ)؟!

وحاصل ردّ المصنّف قدس‌سره لقول السيّد قدس‌سره هو أنّ قياس الاستصحاب على مسألة خبر الواحد في كونه مسألة اصوليّة قياس مع الفارق ، وذلك لأنّ الموجود في مورد إجراء الاستصحاب إنّما هو أمران :

أحدهما : هو الحكم الشرعي ، وهو نجاسة الماء النجس سابقا.

والآخر : دليل الحكم المذكور وهو قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) ، فيكون الاستصحاب ـ حينئذ ـ هو نفس الحكم الشرعي المستفاد من السنّة ، إذ ليس هناك شيء آخر على الفرض حتى يكون البحث فيه مسألة اصوليّة.

وهذا بخلاف موارد العمل بخبر الواحد ، حيث تكون فيها ثلاثة امور :

أوّلهما : الحكم الفرعي ، وهو حرمة الخمر مثلا.

وثانيها : الدليل الدالّ على الحرمة وهو خبر الثقة.

وثالثها : الدليل على الدليل وهو آية النبأ ، فلا مانع ـ حينئذ ـ من أن يكون البحث عن حجيّة خبر الواحد من المسائل الاصوليّة ، ويكون الاستصحاب من القواعد الفقهيّة المستفادة من السنّة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وبالجملة فلا فرق بين الاستصحاب وسائر القواعد المستفادة من العمومات) في كونها قواعد فقهيّة ، إلّا أنّ في الاستصحاب خصوصيّة توجب كونه من المسائل الاصوليّة أيضا ، كما عرفت في بيان المناط في كون المسألة اصوليّة.

(هذا كلّه في الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكميّة المثبت للحكم الظاهري الكلّي) كنجاسة الماء الذي زال تغيّره بنفسه ، وطهارة من خرج عنه المذي كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(أمّا الجاري في الشبهة الموضوعيّة ـ كعدالة زيد ونجاسة ثوبه ، وفسق عمرو وطهارة

٢٨٣

بدنه ـ فلا إشكال في كونه حكما فرعيّا ، سواء كان التكلّم فيه من باب الظنّ ، أم كان من باب كونها قاعدة تعبّديّة مستفادة من الأخبار ، لأنّ التكلّم فيه على الأوّل نظير التكلّم في اعتبار سائر الأمارات ، كيد المسلمين وسوقهم والبيّنة والغلبة ونحوها في الشبهات الخارجيّة ، وعلى الثاني من باب أصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ونحو ذلك.

____________________________________

بدنه ـ فلا إشكال في كونه حكما فرعيّا).

فإنّ البحث عنه بحث عن مسألة فقهيّة ، لأنّ المسألة الاصوليّة كما عرفت هي التي تقع نتيجتها في طريق استنباط الحكم الشرعي الكلّي ، والاستصحاب في مورد الشبهة الموضوعيّة ليس كذلك.

فالاستصحاب حينئذ قاعدة فقهيّة من دون فرق بين كونه حجّة من باب الظنّ ، أو من باب قاعدة تعبّديّة مستفادة من الأخبار.

كما أشار قدس‌سره إلى عدم الفرق بقوله :

(سواء كان التكلّم فيه من باب الظنّ ، أم كان من باب كونها قاعدة تعبّديّة مستفادة من الأخبار ، لأنّ التكلّم فيه على الأوّل) ، أي : بناء على كونه حجّة من باب الظنّ ، فيكون ـ حينئذ ـ من الأمارات الظنيّة (نظير التكلّم في اعتبار سائر الأمارات ، كيد المسلمين وسوقهم والبيّنة والغلبة ونحوها) من الأمارات الجارية (في الشبهات الخارجيّة ، وعلى الثاني) ، أي : بناء على كونه من الاصول التعبّديّة (من باب أصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ، ونحو ذلك).

ونكتفي في هذا المقام بما أفاده الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته في توضيح المراد ، حيث قال ما حاصله : والسر في ذلك أنّ الامور التي يتمسّك بها في الأحكام ـ دليلا كان أو أصلا ـ يتوقّف التمسّك بها على مقدّمات لا تحصل إلّا للمجتهد ، كما مرّ ، فهي تقع في طريق الاستنباط المختصّ بالمجتهد ، فيبحث عنها في الاصول ، وتكون من المسائل الاصوليّة.

وأمّا الامور التي يتمسّك بها في الموضوعات ـ أمارة كانت أو أصلا ـ فلا يتوقّف التمسّك بها على مقدّمات مختصّة بالمجتهد كالفحص وغيره ، بل يمكن إجراؤها لكلّ

٢٨٤

الرابع : إنّ المناط في اعتبار الاستصحاب ، على القول بكونه من باب التعبّد الظاهري ، هو مجرّد عدم العلم بزوال الحالة السابقة.

وأمّا على القول بكونه من باب الظنّ ، فالمعهود من طريقة الفقهاء عدم اعتبار إفادة الظنّ في خصوص المقام.

____________________________________

مكلّف ، لأنّها لا تقع في طريق الاستنباط ، كالعمل بالبيّنة والاستصحاب ، حيث يعمل المكلّف بهما بعد قول المجتهد بأنّه لو قامت البيّنة على نجاسة الماء يؤخذ بها ، أو قوله : بأنّه لو كان الماء نجسا فشكّ فيه يستصحب ، فهذه الامور تكون من القواعد الفقهيّة.

فيكون الاستصحاب ـ حينئذ ـ ذا جهتين : فمن جهة كونه حجّة في الأحكام الكلّية مسألة اصوليّة ، ومن جهة كونه حجّة في الأحكام الجزئيّة والموضوعات الخارجيّة قاعدة فقهيّة ، ولا مانع من اجتماع الجهتين فيه بعد شمول إطلاق قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) اليقين والشكّ المتعلّقين بالأحكام الكلّية والجزئيّة معا.

(الرابع : إنّ المناط في اعتبار الاستصحاب ، على القول بكونه من باب التعبّد الظاهري ، هو مجرّد عدم العلم بزوال الحالة السابقة).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو بيان مناط حجيّة الاستصحاب ؛ تارة : على القول بكونه حجّة من باب الأخبار ، وأخرى : على القول بكونه حجّة من باب الظنّ.

أمّا المناط في اعتباره على الأوّل ، فهو مجرّد عدم العلم بالخلاف الشامل لصور الظنّ بالبقاء ، والظنّ بالارتفاع ، والشكّ فيهما ، غاية الأمر أنّه إذا قام الظنّ المعتبر بالخلاف يكون مقدّما على الاستصحاب من باب الحكومة ، فيكون الشكّ في قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) بمعنى خلاف اليقين ، لا بمعنى تساوي الطرفين ، وذلك بقرينة حصر الناقض في أخبار الاستصحاب باليقين بالخلاف ، كما يأتي في تنبيهات الاستصحاب.

وأمّا المناط على القول بكونه حجّة من باب الظنّ ، فهو حصول الظنّ النوعي المطلق بالبقاء ، لا الظنّ النوعي المقيّد بعدم الظنّ على خلافه ، ولا الظنّ الشخصي الفعلي ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وأمّا على القول بكونه من باب الظنّ) وحكم العقل بدوام ما ثبت (فالمعهود من طريقة الفقهاء عدم اعتبار إفادة الظنّ في خصوص المقام).

٢٨٥

كما يعلم ذلك من حكمهم بمقتضيات الاصول كلّية ، مع عدم اعتبارهم أن يكون العامل بها ظانّا ببقاء الحالة السابقة.

ويظهر ذلك لأدنى متتبّع في أحكام العبادات والمعاملات ، والمرافعات والسياسات.

نعم ، ذكر شيخنا البهائي قدس‌سره في الحبل المتين ، في باب الشكّ في الحدث بعد الطهارة ، ما يظهر منه اعتبار الظنّ الشخصي ، حيث قال :

____________________________________

أي : عدم اعتبار الظنّ الشخصي في كلّ مورد ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، لأنّ مرادهم من قولهم : «ما ثبت دام» هو الدوام الظنّي بحسب نوع الثابت لو خلّي ونفسه ، مع قطع النظر عن العوارض والمزاحمات ، كما في بحر الفوائد.

(كما يعلم ذلك من حكمهم بمقتضيات الاصول كلّية) ، أي : الاصول المثبتة والنافية ، فيحكمون مثلا بأنّ من تيقّن بالطهارة وشكّ في الحدث ، فهو متطهّر من دون الاشتراط بالظنّ الفعلي ببقاء الطهارة.

(ويظهر ذلك لأدنى متتبّع في أحكام العبادات).

أي : يظهر عدم اعتبار الظنّ الشخصي بالبقاء في الاستصحاب على القول بكونه حجّة من باب الظنّ لمن تتبّع في أحكام العبادات كالمثال السابق.

(والمعاملات) كأصالة بقاء العدّة ، والوكالة والحياة.

(والمرافعات) كما يحكمون بأنّ المنكر ـ بالكسر ـ هو الذي كان قوله موافقا للأصل ، فيكون من يكون قوله موافقا للاستصحاب ، كأصالة عدم الدّين وعدم النقل منكرا.

(والسياسات) كاستصحاب الحدّ على شارب الخمر إذا تاب بعد قيام البيّنة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

نعم ، يظهر من كلام العضدي ، حيث قال : معنى استصحاب الحال إنّ الحكم الفلاني قد كان ، ولم يظنّ عدمه ... إلى آخره ، إنّه يعتبر عدم الظنّ بالخلاف في حجيّة الاستصحاب ، وكذا يظهر ممّا ذكره الشيخ البهائي قدس‌سره اعتبار الظنّ الشخصي في اعتبار الاستصحاب كما هو واضح في المتن.

ويظهر من المحقّق الخونساري قدس‌سره شارح الدروس ارتضاؤه بما ذكره الشيخ البهائي قدس‌سره ، من اعتبار الظنّ الشخصي في حجيّة الاستصحاب على القول بكونه حجّة من باب الظنّ

٢٨٦

«لا يخفى أنّ الظنّ الحاصل بالاستصحاب في من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث لا يبقى على نهج واحد ، بل يضعف بطول المدّة شيئا فشيئا ، بل قد يزول الرجحان ويتساوى الطرفان ، بل ربّما يصير الراجح مرجوحا ، كما إذا توضّأ عند الصبح وذهل عن التحفّظ ، ثمّ شكّ عند المغرب في صدور الحدث منه ، ولم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت.

والحاصل أنّ المدار على الظنّ ، فما دام باقيا ، فالعمل عليه وإن ضعف». انتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه. ويظهر من شارح الدروس ارتضاؤه ، حيث قال بعد حكاية هذا الكلام :

«ولا يخفى أنّ هذا إنّما يصحّ لو بنى المسألة على أنّ ما تيقّن بحصوله في وقت ولم يعلم أو يظنّ طروّ ما يزيله يحصل الظنّ ببقائه ، والشكّ في نقيضه لا يعارضه ، إذ الضعيف لا يعارض القوي. لكنّ هذا البناء ضعيف جدّا ، بل بناؤها على الروايات مؤيّدة بأصالة البراءة في بعض الموارد وهي تشمل الشكّ والظنّ معا ، فإخراج الظنّ منه ممّا لا وجه له أصلا». انتهى كلامه.

ويمكن استظهار ذلك من الشهيد قدس‌سره ، في الذكرى حيث ذكر : «إنّ قولنا : اليقين لا ينقضه الشكّ ، لا نعني به اجتماع اليقين والشكّ ، بل المراد أنّ اليقين الذي كان في الزمن

____________________________________

(حيث قال بعد حكاية هذا الكلام : ولا يخفى أنّ هذا) ، أي : كون المناط هو الظنّ الشخصي (إنّما يصحّ) بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الأمارة.

وبعبارة اخرى : يصحّ (لو بنى المسألة على أنّ ما تيقّن بحصوله في وقت ولم يعلم أو يظنّ طروّ ما يزيله يحصل الظنّ ببقائه ، والشكّ في نقيضه) ، أي : مجرّد احتمال الارتفاع كما في شرح الاعتمادي (لا يعارضه ، إذ الضعيف لا يعارض القوي ، لكنّ هذا البناء ضعيف جدّا ، بل بناؤها على الروايات مؤيّدة بأصالة البراءة في بعض الموارد) وهي موارد كون الاستصحاب نافيا للتكليف ، كاستصحاب البراءة قبل الشرع أو حال الصغر ، أو الجنون عند الشكّ بوجوب شيء أو حرمته فإنّه يجوز هنا التمسّك بأصل البراءة أيضا.

(ويمكن استظهار ذلك) ، أي : كون المناط هو الظنّ الشخصي (من الشهيد قدس‌سره في الذكرى حيث ذكر : إنّ قولنا : اليقين لا ينقضه الشكّ ، لا نعني به اجتماع اليقين والشكّ) في

٢٨٧

الأوّل ، لا يخرج عن حكمه بالشكّ في الزمان الثاني ، لأصالة بقاء ما كان ، فيؤول إلى اجتماع الظنّ والشكّ في الزمان الواحد ، فيرجّح الظنّ عليه ، كما هو مطّرد في العبادات». انتهى كلامه.

ومراده من الشكّ مجرّد الاحتمال ، بل ظاهر كلامه أنّ المناط في اعتبار الاستصحاب من باب أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ هو الظنّ أيضا ، فتأمّل.

الخامس : إنّ المستفاد من تعريفنا السابق الظاهر في استناد الحكم بالبقاء إلى مجرّد

____________________________________

مورد واحد زمانا ؛ لأنّه محال.

(بل المراد أنّ اليقين الذي كان في الزمن الأوّل ، لا يخرج عن حكمه بالشكّ في الزمان الثاني ، لأصالة بقاء ما كان ، فيؤول إلى اجتماع الظنّ والشكّ في الزمان الواحد ، فيرجّح الظنّ عليه ، كما هو) ، أي : ترجيح الظنّ الشخصي على الشكّ (مطّرد في العبادات).

إذ المعتبر في العبادات ليس إلّا الظنّ الشخصي ، وذلك لأنّ المصلّي إذا شكّ في ركعات الصلاة يقدّم ظنّه الشخصي على شكّه.

(ومراده من الشكّ) ليس هو الشكّ بمعنى تساوي الطرفين ، حتى يقال : إنّه لا يجتمع مع الظنّ كعدم اجتماعه مع اليقين ، بل مجرّد الاحتمال الضعيف الذي يجتمع مع الظنّ.

(بل ظاهر كلامه) وهو قوله : اليقين لا ينقضه الشكّ (أنّ المناط في اعتبار الاستصحاب من باب أخبار عدم نقض اليقين بالشك هو الظنّ أيضا) ، أي : هو الظنّ الشخصي أيضا.

(فتأمل) لعلّه إشارة إلى أنّ مجرّد موافقة تعبير الشهيد قدس‌سره بأنّ اليقين لا ينقضه الشكّ مع ما هو الموجود في الأخبار ، لا يدلّ على أنّه أخذ الاستصحاب من الأخبار ، حتى يكون مراده اعتبار الظنّ الشخصي بالبقاء في حجيّة الاستصحاب بناء على كون اعتباره من باب الأخبار.

أو هو إشارة إلى إمكان كون مراده بالظنّ هو الظنّ النوعي المجامع للشكّ ، بمعنى تساوي الطرفين ، وحينئذ لا يبقى في كلامه قدس‌سره دلالة على اعتبار الظنّ الشخصي ، ثمّ إنّ حمل الظنّ على النوعي وإن كان خلاف الظاهر ، إلّا أنّ حمل الشكّ على الوهم ـ أيضا ـ خلاف الظاهر ، ومع تعارضهما لا يتمّ الاستظهار المذكور ، كما في الأوثق بتلخيص منّا.

(الخامس : إنّ المستفاد من تعريفنا السابق الظاهر في استناد الحكم بالبقاء إلى مجرّد

٢٨٨

الوجود السابق ، أنّ الاستصحاب يتقوّم بأمرين :

أحدهما : وجود الشيء في زمان ، سواء علم به في زمان وجوده أم لا ، نعم ، لا بدّ من إحراز ذلك حين إرادة الحكم بالبقاء بالعلم أو الظنّ المعتبر.

وأمّا مجرّد الاعتقاد بوجود شيء في زمان مع زوال ذلك الاعتقاد في زمان آخر ، فلا

____________________________________

الوجود السابق) ، لأنّ «إبقاء ما كان» مستند إلى مجرّد إنّه كان ، وإن لم يكن معلوما حينما كان ، وإنّما العلم أو الظنّ المعتبر لا بدّ منه حين إرادة الحكم بالبقاء ، لا حال وجود الشيء.

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا الأمر ـ الخامس ـ يرجع إلى امور :

الأوّل : ما يتقوّم به الاستصحاب الاصطلاحي.

والثاني : اختصاص أخبار الاستصحاب بالاستصحاب الاصطلاحي ، فلا تشمل قاعدة اليقين والاستصحاب القهقري.

والثالث : إنّ المعتبر في الاستصحاب هو الشكّ الفعلي.

أمّا الأمر الأوّل ، فهو أمران ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (إنّ الاستصحاب يتقوّم بأمرين :

أحدهما : وجود الشيء في زمان ، سواء علم به في زمان وجوده) كتحقّق عدالة زيد يوم الجمعة والعلم بها فيه (أم لا) بأن لم يعلم بعدالة زيد يوم الجمعة مع وجودها ، بل علم بها يوم الخميس.

(نعم ، لا بدّ من إحراز ذلك) الوجود بالعلم أو الظنّ المعتبر(حين إرادة الحكم بالبقاء) بحيث يكون العلم بوجود الشيء حال الشكّ ، وهو زمان إرادة الحكم بالبقاء باقيا ، والشكّ إنّما تعلّق ببقاء ذلك الشيء ، فيحكم ببقائه بمقتضى قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ).

وسيأتي الأمر الثاني الذي يتقوّم به الاستصحاب في كلام المصنّف قدس‌سره فارتقب.

ومن هنا يظهر اختصاص أخبار الاستصحاب بالاستصحاب الاصطلاحي وعدم شمولها لقاعدة اليقين والاستصحاب القهقري ، وهذا هو الأمر الثاني وقد أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وأمّا مجرّد الاعتقاد بوجود شيء في زمان مع زوال ذلك الاعتقاد في زمان آخر) بأن علم

٢٨٩

يتحقق معه الاستصحاب الاصطلاحي ، وإن توهّم بعضهم جريان عموم (لا تنقض) فيه ، كما سننبّه عليه.

والثاني : الشكّ في وجوده في زمان لاحق عليه ، فلو شكّ في زمان سابق عليه فلا استصحاب ، وقد يطلق عليه الاستصحاب القهقري مجازا.

ثمّ المعتبر هو الشكّ الفعلي الموجود حال الالتفات إليه ، أمّا لو لم يلتفت فلا

____________________________________

بعدالة زيد يوم الجمعة ، ثمّ شكّ يوم السبت في أصل وجود عدالته يوم الجمعة (فلا يتحقّق معه الاستصحاب الاصطلاحي) ، بل تتحقّق قاعدة اليقين المسمّاة بالشكّ الساري ، وذلك لسراية الشكّ إلى المتيقّن ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(وإنّ توهّم بعضهم جريان عموم (لا تنقض) فيه) ، أي : فيما ذكر من الشكّ الساري ، فزعم أنّ قوله عليه‌السلام : (لا تنقض ... إلى آخره) يشمل الاستصحاب وقاعدة اليقين معا.

وسيجيء أنّ الأخبار لا تشملهما ، وذلك لأنّه يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد وهو لا يجوز ، بل لا يمكن.

ثمّ أشار قدس‌سره إلى الأمر الثاني الذي يتقوّم به الاستصحاب بقوله :

(والثاني : الشكّ في وجوده في زمان لاحق عليه) فيخرج بتقييد زمان الشكّ بكونه لاحقا الاستصحاب القهقري ، (فلو شكّ في زمان سابق عليه) بأن ثبتت عدالة زيد يوم الجمعة وشكّ فيها يوم الخميس (فلا استصحاب) اصطلاحا ، (وقد يطلق عليه الاستصحاب القهقري مجازا) لأنّه أيضا جرّ المتيقّن إلى زمان الشكّ ، ولكن لا تشمله الأخبار ، فلا وجه لحجيّته إن لم يرجع إلى الاستصحاب المصطلح.

فالمتحصّل من الجميع أنّه إن كان المتيقّن غير المشكوك ، وكان المشكوك متأخّرا ، فهو مورد الاستصحاب المصطلح الذي تشمله الأخبار وتدلّ على اعتباره ، وإن كان المشكوك متقدّما على المتيقّن فهو مورد الاستصحاب القهقري ، وإن كان المتيقّن عين المشكوك ، فهو مورد قاعدة اليقين ولا تشملهما الأخبار. هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل والثاني.

وبقي الكلام في الأمر الثالث وهو الذي أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(ثمّ المعتبر هو الشكّ الفعلي الموجود حال الالتفات إليه ، أمّا لو لم يلتفت فلا استصحاب

٢٩٠

استصحاب وإن فرض الشكّ فيه على فرض الالتفات.

فالمتيقّن للحدث إذا التفت إلى حاله في اللاحق فشكّ ، جرى الاستصحاب في حقّه ، فلو غفل عن ذلك وصلّى بطلت صلاته ، لسبق الأمر بالطهارة ، ولا يجري في حقّه حكم الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن العمل ، لأنّ مجراه الشكّ الحادث بعد الفراغ ، لا الموجود من قبل.

____________________________________

وإن فرض الشكّ فيه على فرض الالتفات).

وذلك لانتفاء موضوع الاستصحاب ، إذ موضوع الاستصحاب هو اليقين والشكّ الفعليّين ، لما عرفت من أنّ قوله عليه‌السلام : (لا تنقض اليقين بالشكّ) ظاهر في اليقين والشكّ الفعليّين ، فيحرم نقض اليقين الفعلي بالشك الفعلي ، هذا مع أنّ اعتبار الشكّ الفعلي لا يختصّ بالاستصحاب ، بل جميع الاصول الظاهريّة بهذه المثابة ، لأنّ الأحكام الظاهريّة المستفادة منها إنّما هي منوطة بحصول الشكّ فعلا ، فلو لم يحصل الشكّ لم تكن ثابتة ، ولو بحسب الشأنيّة ولو فرض حصول الشكّ على فرض الالتفات.

وهذا بخلاف الأحكام الواقعيّة ، حيث إنّها تكون ثابتة شأنا حال عدم الالتفات إلى موضوعاتها أيضا ، غاية الأمر أنّها ليست فعليّة ، فعلى هذا من كان متيقّنا بالحدث لا يجري في حقّه استصحاب بقاء الحدث ما لم يشكّ في بقائه ، إذ لا معنى لجعل الحكم الظاهري ، أعني : وجوب الطهارة في حقّه ، ما لم يشكّ في بقاء الحدث.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى ثمرة اعتبار الشكّ الفعلي بقوله :

(فالمتيقّن للحدث إذا التفت إلى حاله) بأنّه محدث (في اللاحق) قبل الصلاة (فشكّ ، جرى الاستصحاب في حقّه) لكونه شاكّا في بقاء الحدث فعلا ، ويحكم عليه ظاهرا بوجوب التطهّر.

(فلو غفل عن ذلك) ، أي : عن حاله بأنّه محدث ، فعليه تحصيل الطهارة ولو بالاستصحاب (وصلّى) من دون تحصيل الطهارة (بطلت صلاته ، لسبق الأمر بالطهارة) ولو بالاستصحاب ، إذ جريان الاستصحاب في حقّه قبل الغفلة يوجب كونه مأمورا بتحصيل الطهارة ومحكوما بالحدث ، فلا مجال لاحتمال صحّة الصلاة.

(ولا يجري في حقّه حكم الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن العمل ، لأنّ مجراه) ، أي : مجرى

٢٩١

نعم ، لو غفل عن حاله بعد اليقين بالحدث وصلّى ، ثمّ التفت وشكّ في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهّرا ، جرى في حقّه قاعدة الشكّ بعد الفراغ ، لحدوث الشكّ بعد العمل ، وعدم وجوده قبله ، حتى يوجب الأمر بالطهارة والنهي عن الدخول فيه بدونها.

نعم ، هذا الشكّ اللاحق يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة لو لا حكومة قاعدة الشكّ بعد الفراغ عليه ، فافهم.

السادس : في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام.

ليعرف أنّ الخلاف في مسألة الاستصحاب في كلّها أو بعضها ، فنقول :

إنّ له تقسيما باعتبار المستصحب ، وآخر باعتبار الدليل الدالّ عليه ، وثالثا باعتبار الشكّ المأخوذ فيه.

____________________________________

حكم الشكّ في الصحّة بعد الفراغ باسم قاعدة الفراغ هو (الشكّ الحادث بعد الفراغ ، لا الموجود من قبل) ، أي : قبل الفراغ ، والمفروض في المقام هو حصول الشكّ قبل الصلاة ، ثمّ جرى الاستصحاب في حقّه ، ومقتضى ذلك هو بطلان الصلاة.

نعم ، لو عرضت له الغفلة عن اليقين بالحدث من دون عروض الشكّ ، وصلّى حال الغفلة ، ثمّ التفت إلى كونه محدثا قبل الصلاة ، إلّا أنّه شكّ في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهّرا ، أجري في حقّه قاعدة الفراغ ، لحدوث الشكّ ـ حينئذ ـ بعد الفراغ من العمل ، وفي هذا يكون موردا لقاعدة الفراغ والاستصحاب معا.

غاية الأمر أنّ الاستصحاب يجري بعد الصلاة لا قبلها ، ومقتضى الاستصحاب هو بطلان الصلاة لو لا حكومة قاعدة الفراغ عليه ، ولكن بما أنّ القاعدة حاكمة عليه فيحكم بصحّة الصلاة.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ القاعدة تتقدّم على الاستصحاب من باب الورود ، لا من باب الحكومة ، لأنّ قاعدة الفراغ من الأمارات التي يرتفع بها موضوع الاستصحاب.

أو هو إشارة إلى عدم حجيّة هذا الاستصحاب لكونه مثبتا ، وذلك لأنّ استصحاب الحدث يستلزم عقلا كون المأتي به غير المأمور به ، وهو مستلزم لوجوب الإعادة عقلا.

(السادس : في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هنا هو أنّ للاستصحاب تقسيمات :

٢٩٢

أمّا بالاعتبار الأوّل ، فمن وجوه :

الوجه الأوّل : من حيث إنّ المستصحب قد يكون أمرا وجوديّا ، كوجوب شيء أو طهارة شيء ، أو رطوبة ثوب أو نحو ذلك. وقد يكون عدميّا ، وهو على قسمين :

أحدهما : عدم اشتغال الذمّة بتكليف شرعي ، ويسمّى عند بعضهم بالبراءة الأصليّة وأصالة النفي.

والثاني : غيره ، كعدم نقل اللفظ من معناه وعدم القرينة وعدم موت زيد ورطوبة

____________________________________

منها : تقسيمه باعتبار المستصحب.

ومنها : باعتبار الدليل.

ومنها : باعتبار الشكّ المأخوذ فيه.

وسيأتي تفصيل هذه التقسيمات في كلام المصنّف قدس‌سره.

أمّا تقسيمه باعتبار المستصحب ، فمن وجوه :

منها : إنّ المستصحب قد يكون أمرا وجوديّا ، وقد يكون أمرا عدميّا.

ومنها : إنّه قد يكون حكما شرعيّا ، وقد يكون غيره.

ومنها : إنّه قد يكون حكما تكليفيّا ، وقد يكون وضعيّا.

وسيأتي الخلاف في كلّ واحد من هذه الوجوه في كلام المصنّف قدس‌سره.

وقد أشار قدس‌سره إلى الوجه الأوّل بقوله :

(الوجه الأوّل : من حيث إنّ المستصحب قد يكون أمرا وجوديّا) سواء كان حكما تكليفيّا ، كما أشار إليه بقوله : (كوجوب شيء) أو وضعيّا ، كقوله : (أو طهارة شيء) ، أو موضوعا خارجيّا ، كقوله : (أو رطوبة ثوب).

والحاصل أنّ المستصحب إذا كان أمرا وجوديّا يمكن أن يكون من الأحكام ، ويمكن أن يكون من الموضوعات ، فعلى الأوّل يمكن أن يكون كلّيّا أو جزئيّا ، وعلى التقديرين يمكن أن يكون من الأحكام التكليفيّة أو من الأحكام الوضعيّة.

(وقد يكون عدميّا وهو على قسمين : أحدهما : عدم اشتغال الذمّة بتكليف شرعي).

كاستصحاب عدم التكليف قبل الشرع أو حال الجنون أو الصغر ، وسمّي هذا القسم عند بعضهم بالبراءة الأصليّة.

٢٩٣

الثوب ، وحدوث موجب الوضوء أو الغسل ونحو ذلك. ولا خلاف في كون الوجودي محلّ النزاع.

وأمّا العدمي فقد مال الاستاذ قدس‌سره إلى عدم الخلاف فيه ، تبعا لما حكاه عن أستاذه السيّد صاحب الرياض رحمه‌الله من دعوى الإجماع على اعتباره في العدميّات ، واستشهد على ذلك ـ بعد نقل الإجماع المذكور ـ باستقرار سيرة العلماء على التمسّك بالاصول العدميّة ، مثل أصالة عدم القرينة ، والنقل ، والاشتراك ، وغير ذلك ، وببنائهم هذه المسألة على كفاية العلّة المحدثة للإبقاء.

____________________________________

(والثاني : غيره) ، ثمّ إنّه تارة : يكون راجعا إلى الألفاظ(كعدم نقل اللفظ عن معناه وعدم القرينة) وعدم التخصيص والتقييد.

واخرى : يكون راجعا إلى غير الألفاظ مثل (عدم موت زيد و) عدم (رطوبة الثوب و) عدم (حدوث موجب الوضوء أو الغسل) كما هو واضح في المتن.

ثمّ إنّ المستصحب إذا كان أمرا وجوديّا لكان محلّا للنزاع من دون خلاف.

وإنّما الخلاف فيما إذا كان المستصحب أمرا عدميّا ، إذ قد قيل باعتبار الاستصحاب في العدميّات من دون خلاف ، وذلك لدعوى الإجماع على حجيّة الاصول العدميّة ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (وأمّا العدمي فقد مال الاستاذ) وهو شريف العلماء قدس‌سره كما في شرح الاعتمادي (إلى عدم الخلاف فيه ، تبعا لما حكاه عن استاذه السيد صاحب الرياض رحمه‌الله من دعوى الإجماع على اعتباره في العدميّات).

ثمّ أضاف الاستاذ قدس‌سره على دعوى الإجماع أمرين آخرين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : (واستشهد على ذلك) ، أي : استشهد الاستاذ قدس‌سره على حجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة (باستقرار سيرة العلماء).

وثانيهما : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله : (وببنائهم هذه المسألة على كفاية العلّة المحدثة للإبقاء) ، لأنّ المحتاج إلى العلّة في البقاء هو الوجود دون العدم. ولذا اشتهر أنّ الأعدام لا تعلل ، هذا مضافا إلى أنّ عنوان المسألة في كلماتهم ـ وهو استصحاب الحال ـ موجب لخروج الاستصحاب العدمي عن محلّ النزاع ، إذ قولهم : إنّ استصحاب الحال محلّه أن يثبت حكم في وقت ثمّ يجيء وقت آخر ولا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم فيه ، فهل يحكم ببقائه

٢٩٤

أقول : ما استظهره قدس‌سره لا يخلو عن تأمّل.

أمّا دعوى الإجماع فلا مسرح لها في المقام ، مع ما سيمرّ بك من تصريحات كثير بخلافه ، وإن كان يشهد لها ظاهر التفتازاني في شرح الشرح ، حيث قال : «إنّ خلاف الحنفيّة المنكرين للاستصحاب إنّما هو في الإثبات دون النفي الأصلي».

____________________________________

على ما كان ... إلى آخره ، ظاهر بل نصّ في أنّ محلّ النزاع هو الاستصحاب الوجودي.

والمتحصّل من الجميع هو خروج الاستصحاب العدمي عن محلّ النزاع ، لكونه حجّة إجماعا. هذا تمام الكلام فيما استظهره الاستاذ من خروج الاستصحاب في العدميّات عن محلّ النزاع.

(أقول : ما استظهره) الاستاذ قدس‌سره من خروج الاستصحاب في العدميّات عن محلّ النزاع ، لكونه حجّة فيها بالإجماع (لا يخلو عن تأمّل).

ثمّ أشار إلى ردّ الاستشهاد بالإجماع بقوله :

(أمّا دعوى الإجماع فلا مسرح لها في المقام ... إلى آخره) ، وهذا الكلام من المصنّف قدس‌سره مشتمل على جوابين :

هما منع حجيّة الإجماع في المقام أوّلا ، ومنع تحقّقه ثانيا.

والوجه في عدم اعتبار الإجماع في المقام على فرض تحقّقه ، هو عدم كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام حتى يكون حجّة ، وقد عرفت في باب الإجماع المنقول أنّ المناط في اعتباره عند الإماميّة هو كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام ، والوجه في عدم كونه كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام هو رجوع الكلام في المسألة إلى الصغرى ، بمعنى أنّ الاستصحاب في الامور العدميّة هل يفيد الظنّ أم لا؟.

ومن المعلوم أنّ الاتّفاق في إفادته الظنّ في العدميّات لا يكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ، لأنّ حصول الظنّ ببقاء العدميّات أمر عقلي ، وأمّا منع تحقّق الإجماع في المقام ، فلأجل ما سيجيء من نقل الخلاف ، فانتظر.

(وإن كان يشهد لها) ، أي : لدعوى الإجماع (ظاهر التفتازاني في شرح الشرح) للعضدي لكتاب مختصر الاصول لابن حاجب ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(حيث قال : «إنّ خلاف الحنفيّة المنكرين للاستصحاب إنّما هو في الإثبات دون النفي

٢٩٥

وأمّا سيرة العلماء فقد استقرّت في باب الألفاظ على التمسّك بالاصول الوجوديّة والعدميّة كلتيهما.

قال الوحيد البهبهاني في رسالته الاستصحابيّة ـ بعد نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض وإثباته عن بعض ، والتفصيل عن بعض آخر ـ ما هذا لفظه : «لكنّ الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا ، أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، فيقولون : الأمر حقيقة في الوجوب عرفا ، فكذا لغة ، لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون بأصالة بقاء المعنى اللغوي ، فينكرون الحقيقة الشرعيّة إلى غير ذلك ، كما لا يخفى على المتتبّع».

____________________________________

الأصلي»).

وهذا الكلام من التفتازاني ظاهر في خروج الاستصحاب في الأمر العدمي والنفي الأصلي عن محلّ النزاع ، ولعلّ مراده من استصحاب النفي الأصلي هو استصحاب عدم التكليف قبل الشرع ، المسمّى بالبراءة الأصليّة حيث إنّها حجّة بالإجماع ، كما يظهر من كلام جماعة على ما سيجيء ذكره في كلام المصنّف قدس‌سره.

(وأمّا سيرة العلماء) فخارجة عمّا نحن فيه ، لكونها قد استقرّت في باب الألفاظ ، ومن المعلوم أنّ الاصول في باب الألفاظ حجّة من باب بناء العقلاء وأهل العرف ، وليست مبتنية على حجيّة الاستصحاب ، وإنّما حجيّتها من باب إفادة الظنّ النوعي الذي يعتمد عليه أهل اللسان من غير فرق بين الاصول الوجوديّة والعدميّة ، ولذا تمسّكوا بالاصول الوجوديّة ، كأصالة بقاء المعنى الأوّل ، والاصول العدميّة ، كأصالة عدم القرينة.

فالمتحصّل ، هو أنّ حجيّة الاصول اللفظيّة في باب الألفاظ منوطة بالظهور النوعي المعتبر عند أهل اللسان من دون فرق بين الاصول الوجوديّة والعدميّة ، فلا تكون ـ حينئذ ـ السيرة الجارية في باب الألفاظ دليلا على خروج العدميّات عن محلّ النزاع في باب الاستصحاب ، بل لا ارتباط بينهما أصلا.

وما ذكرناه من اختصاص السيرة المذكورة في باب الألفاظ ظاهر كلام الوحيد البهبهاني قدس‌سره حيث قال ما هذا لفظه :

(«لكنّ الذي نجد من الجميع حتى من المنكر مطلقا ، أنّهم يستدلّون بأصالة عدم النقل ، فيقولون : الأمر حقيقة في الوجوب عرفا ، فكذا لغة ، لأصالة عدم النقل ، ويستدلّون بأصالة

٢٩٦

انتهى.

وحينئذ فلا شهادة في السيرة الجارية في باب الألفاظ على خروج العدميّات. وأمّا استدلالهم على إثبات الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثّر الظاهر الاختصاص بالوجودي ـ فمع أنّه معارض باختصاص بعض أدلّتهم الآتي بالعدمي ، وبأنّه يقتضي أن

____________________________________

بقاء المعنى اللغوي ، فينكرون الحقيقة الشرعيّة إلى غير ذلك ، كما لا يخفى على المتتبّع». انتهى).

هذا تمام الكلام في ردّ الاستشهاد باستقرار سيرة العلماء على حجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة.

وبقي الكلام في الاستدلال على حجيّة الاستصحاب في الامور العدميّة بكفاية العلّة المحدثة للبقاء ، وذلك لأنّ العدم في بقائه غير محتاج إلى العلّة أصلا ، فلا مجال ـ حينئذ ـ للبحث عن أنّ بقاء العدم محتاج إلى المؤثّر والعلّة أم لا؟ وإنّما تكفي العلّة المحدثة.

وقد أشار إلى ردّ هذا الاستدلال المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وأمّا استدلالهم على إثبات الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثّر الظاهر الاختصاص بالوجودي) لما تقدّم من أنّ العدم لا يحتاج إلى المؤثّر لكي يبحث عن علّة بقائه ، فمردود : أوّلا : بمنع اختصاص ظهور استغناء الباقي عن المؤثّر بالعدمي على القول به ، بل الحقّ أنّ الممكن مفتقر في بقائه عدما إلى المؤثّر ، كما أنّ الممكن الموجود يحتاج في بقائه وجودا إليه ، غاية الأمر أنّه يكفي في علّة العدم عدم علّة الوجود ، كما في تجريد الاعتقاد للمحقّق الطوسي قدس‌سره حيث قال : «وعدم الممكن يستند إلى عدم علّته». انتهى.

فالممكن مفتقر إلى المؤثّر في بقائه وجودا وعدما ، لأنّ الممكن ما تساوى طرفاه إلى الوجود والعدم ، فلو لم يحتج طرف العدم إلى المؤثّر خرج عن كونه ممكنا ، كما لا يخفى ، ومن المعلوم أنّ طرفي الممكن كما يحتاج كلّ منهما ابتداء إلى المؤثّر ، كذلك يحتاج كلّ منهما إليه بقاء ، على القول بافتقار الممكن في البقاء إلى المؤثّر ، كما هو الحقّ ، كما في تجريد الاعتقاد ، فحينئذ لا فرق في الاستصحاب بين الأمر الوجودي والعدمي ، بعد كون كليهما محتاجا إلى المؤثّر.

وثانيا : بما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

٢٩٧

يكون النزاع مختصّا بالشكّ من حيث المقتضي لا من حيث الرافع ـ يمكن توجيهه بأنّ الغرض الأصلي هنا لمّا كان هو التكلّم في الاستصحاب ـ الذي هو من أدلّة الأحكام الشرعيّة ـ اكتفوا بذكر ما يثبت الاستصحاب الوجودي ، مع أنّه يمكن أن يكون الغرض

____________________________________

(فمع أنّه معارض باختصاص بعض أدلّتهم الآتي بالعدمي).

مثل قولهم في مقام الاستدلال على حجيّة الاستصحاب : إنّه لو لم يكن الاستصحاب حجّة لم يمكن استفادة الأحكام من الأدلّة اللفظيّة ، لتوقّفها على الاصول العدميّة ، مثل أصالة عدم القرينة ، وعدم المعارض ، وعدم المخصّص ، وعدم المقيّد ، وعدم الناسخ ، فيظهر من هذا الاستدلال اختصاص محلّ النزاع بالعدميّات ، ولازمه خروج الوجوديّات عن محلّ النزاع ، فما ذكر من اختصاص بعض الأدلّة بالوجوديّات معارض باختصاص بعضها الآخر بالعدميّات.

وثالثا : بما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وبأنّه يقتضي أن يكون النزاع مختصّا بالشكّ من حيث المقتضي لا من حيث الرافع).

مع أنّ النزاع في حجيّة الاستصحاب عند المصنّف قدس‌سره إنّما هو في مورد الشكّ من حيث الرافع فقط ، وذلك لأنّ الاستصحاب في مورد الشكّ من حيث المقتضي ليس حجّة عند المصنّف قدس‌سره.

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره هو أنّ ما تقدّم من اختصاص محلّ النزاع بالأمر الوجودي ـ من جهة أنّ العدم لا يحتاج في بقائه إلى المؤثّر ـ يقتضي اختصاص محلّ النزاع بالشكّ من حيث المقتضي فقط ، لأنّ المفروض في مورد الشكّ من حيث الرافع هو القطع بوجود المقتضي والعلّة للبقاء ، ومع إحراز المقتضي والمؤثّر بالقطع لا يتفاوت الحال في اعتبار الاستصحاب بين أن يقال : باستغناء الباقي عن المؤثّر وعدمه ، فيكون اعتبار الاستصحاب في مورد الشكّ من حيث الرافع وفاقيّا ، فالنزاع في اعتباره وعدمه يختصّ بالشكّ من حيث المقتضي ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، كما عرفت.

هذا تمام الكلام في الجواب الثالث عن الدليل الثالث ، ومضافا إلى جميع ذلك يمكن توجيه الاستدلال الثالث بما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(يمكن توجيهه) أيضا(بأنّ الغرض الأصلي هنا لمّا كان هو التكلّم في الاستصحاب ـ

٢٩٨

تتميم المطلب في العدمي بالإجماع المركّب ، بل الأولويّة ، لأنّ الموجود إذا لم يحتج في بقائه إلى المؤثّر ، فالمعدوم كذلك بالطريق الأولى.

نعم ، ظاهر عنوانهم للمسألة باستصحاب الحال وتعريفهم له ظاهر الاختصاص بالوجودي ، إلّا أنّ الوجه فيه بيان الاستصحاب الذي هو من الأدلّة الشرعيّة للأحكام ، ولذا عنونه بعضهم ، بل الأكثر باستصحاب حال الشرع.

____________________________________

الذي هو من أدلّة الأحكام الشرعيّة ـ اكتفوا بذكر ما يثبت الاستصحاب الوجودي).

نظرا إلى أنّ الاستصحاب العدمي لا يصلح دليلا لوجود حكم كلّي شرعي.

وبعبارة اخرى ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّ الاستصحاب العدمي ليس بخارج عن محلّ النزاع ، إلّا أنّ العمدة للاصولي هو البحث عن القواعد الممهّدة لإثبات الأحكام الشرعيّة الكلّية ، ومن جملة هذه القواعد هو الاستصحاب الوجودي إن تمّ اعتباره وحجيّته ، فاكتفوا بذكر ما يثبته.

(مع أنّه يمكن أن يكون الغرض تتميم المطلب في العدمي بالإجماع المركّب).

بمعنى أنّ جمعا منهم قالوا بحجيّة الاستصحاب مطلقا ، وجمع آخر قالوا بحجيّته في العدمي دون الوجودي ، فأصحاب القولين مجمعون على حجيّة الاستصحاب العدمي ، فالاستدلال على حجيّته ، بأنّ العدم لا يحتاج في بقائه إلى المؤثّر ، مع ثبوت حجيّته بالإجماع المركّب يكون من باب تتميم المطلب.

(بل الأولويّة ، لأنّ الموجود إذا لم يحتج في بقائه إلى المؤثر) على القول بكفاية العلّة المحدثة في البقاء ، (فالمعدوم كذلك بالطريق الأولى) ، إلّا أن تمنع الأولويّة المذكورة بسبب تساوي طرفي الممكن في الوجود والعدم ، فلا يكون ـ حينئذ ـ تأثير العلّة المحدثة في بقاء جانب العدم أولى من تأثيرها في بقاء جانب الوجود ، كما لا يخفى.

(نعم ، ظاهر عنوانهم للمسألة باستصحاب الحال) الظاهر في الحال الموجود(وتعريفهم له) بالإثبات والإبقاء ، أي : إبقاء ما كان سابقا(ظاهر الاختصاص بالوجودي) لما عرفت من ظهور الحال في الحال الموجود ، فيكون النزاع في الاستصحاب الوجودي ، والاستصحاب العدمي يخرج عن محلّ النزاع بمقتضى ظاهر العنوان.

(إلّا أنّ) ظهور العنوان أيضا كالوجوه الثلاثة المتقدّمة ، لا يثبت المدّعى ، أعني : خروج

٢٩٩

وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز الاستشهاد على اختصاص محلّ النزاع بظهور قولهم في عنوان المسألة : «استصحاب الحال» في الوجودي ، وإلّا لدلّ تقييد كثير منهم العنوان ب «استصحاب حال الشرع» على اختصاص النزاع بغير الامور الخارجيّة.

وممّن يظهر منه دخول العدميّات في محلّ الخلاف الوحيد البهبهاني في ما تقدّم عنه ، بل لعلّه صريح في ذلك ، بملاحظة ما ذكره قبل ذلك في تقسيم الاستصحاب.

____________________________________

العدميّات عن محلّ الخلاف ، لأنّ (الوجه فيه) ، أي : في العنوان باستصحاب الحال والتعريف بإبقاء ما كان (بيان الاستصحاب الذي هو من الأدلّة الشرعيّة للأحكام ، ولذا عنونه بعضهم ، بل الأكثر باستصحاب حال الشرع) مع أنّ الاستصحاب الذي هو محلّ البحث أعمّ من استصحاب الحكم والموضوع ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز الاستشهاد على اختصاص محلّ النزاع بظهور قولهم في عنوان المسألة : «استصحاب الحال» في الوجودي) لما عرفت من أنّ ظهور العنوان لا يثبت المدّعى ، لأنّ المراد بالعنوان بيان قسم من الاستصحاب ، لا بيان اختصاص محلّ النزاع بالاستصحاب الوجودي.

(وإلّا لدلّ تقييد كثير منهم العنوان ب «استصحاب حال الشرع» على اختصاص النزاع بغير الامور الخارجيّة).

مع أنّ الأمر ليس كذلك ، لأنّ محلّ النزاع أعمّ من الاستصحاب الحكمي ، والموضوعي ، والوجودي ، والعدمي ، فتقييد العنوان باستصحاب الحال ، أو حال الشرع يكون من جهة أنّ العمدة عندهم بيان الاستصحاب الوجودي المثبت للحكم الشرعي الكلّي أو استصحاب نفس الحكم الشرعي ، لا أنّ العدمي أو الموضوعي خارج عن محلّ النزاع ، فتأمّل.

(وممّن يظهر منه دخول العدميّات في محلّ الخلاف الوحيد البهبهاني في ما تقدّم عنه).

من نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض ، وإثباته عن بعض ، والتفصيل عن بعض آخر ، فظاهر مطلقا في قول من أنكر اعتبار الاستصحاب هو الأعمّ من الاستصحاب الوجودي والعدمي ، والحكمي والأمر الخارجي ، فضمّ هذا القول مع القول باعتبار الاستصحاب العدمي ينتج كون الاستصحاب العدمي محلّا للنزاع.

٣٠٠