دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

لك أن تنقض اليقين بالشكّ) (١) الحديث.

والتقريب كما تقدّم في الصحيحة الاولى ، وإرادة الجنس من اليقين لعلّه أظهر.

____________________________________

هنالك أن تنقض اليقين بالشكّ) الحديث).

وأمّا فقه الحديث اللازم بيانه في هذه الرواية وبيان توضيح الأسئلة المذكورة فيها مع أجوبتها فنكتفي في ذلك بما في تقريرات سيّدنا السيد الخوئي دام ظلّه العالي ، فنقول :

(إنّ السؤال الأوّل : وهو قوله : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف ... إلى آخره ، أي : الدم الخارج من الأنف ، ويكون السؤال المذكور سؤالا عن حكم الإتيان بالصلاة مع النجاسة نسيانا مع العلم بالنجاسة أوّلا ، فأجاب الإمام عليه‌السلام بوجوب إعادة الصلاة ووجوب الغسل ، وهذا الحكم قد ورد في عدّة من الروايات ولا إشكال فيه.

ثمّ السؤال الثاني : هو السؤال عن العلم الإجمالي بنجاسة الثوب والصلاة معها ، فأجاب عليه‌السلام بوجوب الإعادة وعدم الفرق بين العلم الإجمالي بالنجاسة والعلم التفصيلي بها.

ثمّ السؤال الثالث : هو السؤال عن الظنّ بالنجاسة والصلاة معها ، فأجاب عليه‌السلام بوجوب الغسل وعدم وجوب الإعادة ، أمّا وجوب الغسل فلأجل ما رأى فيه بعد الصلاة من النجاسة ، وأمّا عدم وجوب الإعادة فلأجل استصحاب الطهارة وكفاية إحراز الطهارة الظاهريّة في عدم وجوب الإعادة ، وهذا مبني على أن يكون المراد من الشكّ عدم اليقين الشامل للظنّ المفروض في السؤال.

ثمّ السؤال الرابع : هو السؤال عن كيفيّة التطهير مع العلم الإجمالي بالنجاسة ، فأجاب عليه‌السلام بوجوب تطهير الناحية التي علم إجمالا بنجاستها حتى يحصل له اليقين بالطهارة.

ثمّ السؤال الخامس : هو السؤال عن وجوب الفحص وعدمه مع الشكّ في الإصابة ، فأجاب عليه‌السلام بعدم وجوبه ، بل بعدم وجوب النظر. وملخّص الجواب أنّه ليس عليك تكليف بالفحص والنظر ، إلّا أن تريد إذهاب الشكّ عن نفسك فلك النظر ، إلّا أنّه لا يجب عليك

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٥. الاستبصار ١ : ١٨٣ / ٦٤١. علل الشرائع ٢ : ٥٩ / ١. الوسائل ٣ : ٤٨٢ ، أبواب النجاسات ، ب ٤٤ ، ح ١.

٣٦١

____________________________________

السؤال.

ثمّ السؤال السادس : هو السؤال عن رؤية النجاسة وهو في الصلاة ، فأجاب عليه‌السلام بأنّ هذه الرؤية إن كانت بعد العلم الإجمالي بالنجاسة ـ قبل الدخول في الصلاة والشكّ في موضعها ، وجبت الإعادة ، وإن كانت الرؤية غير مسبوقة بالعلم الإجمالي فرأى النجاسة وهو في الصلاة ولم يدر أكانت النجاسة قبل الصلاة أم حدثت في الأثناء ، فلا تجب عليه الإعادة ، بل يغسلها ويبني على الصلاة إذا لم يلزم ما يوجب البطلان كالاستدبار مثلا ، وعلّل الحكم بعدم وجوب الإعادة باحتمال حدوث النجاسة في الأثناء ، فلا ينبغي نقض اليقين بالشكّ.

ثمّ لرؤية النجاسة في أثناء الصلاة صورتان :

الصورة الاولى : هي رؤية النجاسة في الأثناء مع العلم بكونها قبل الصلاة.

والصورة الثانية : هي الصورة الاولى مع الشكّ في كونها قبل الصلاة واحتمال عروضها في الأثناء.

وأمّا الصورة الثانية فهي التي ذكرت في الرواية وحكم الإمام عليه‌السلام بعدم وجوب الإعادة فيها.

وأمّا الصورة الاولى فهي غير مذكورة في صريح الرواية ، لأنّ المذكور فيها حكم العلم الإجمالي بالنجاسة قبل الصلاة مع الشكّ في موضعها ، وحكم رؤية النجاسة في الأثناء مع الشكّ في كونها قبل الصلاة ، وأمّا رؤية النجاسة في الأثناء مع العلم بكونها قبل الصلاة فغير مذكورة فيها من حيث المنطوق ، ولذا اختلفت كلماتهم في حكمها من حيث وجوب الإعادة وعدم وجوبها ، أمّا عدم وجوب الإعادة فبالأولويّة ، وهي أنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة فيما لو علم بالنجاسة بعد إتمام الصلاة ، يدلّ على عدم وجوب الإعادة فيما لو رآها في الأثناء بطريق أولى ، لأنّه لو لم تجب الإعادة مع وقوع جميع أجزاء الصلاة مع النجاسة ، فعدم وجوب الإعادة مع وقوع بعضها مع النجاسة أولى.

وأمّا وجوب الإعادة فلما ذكره السيّد الاستاذ دام ظلّه حيث قال بعد ردّ الأولويّة المذكورة : بل التحقيق أنّ الصورة المذكورة وإن كانت غير مذكورة في صريح الرواية ، إلّا

٣٦٢

____________________________________

أنّها تدلّ على حكمها وهو وجوب الإعادة دلالة قويّة ، لأنّ الإمام عليه‌السلام علّل عدم وجوب الإعادة في الصورة الثانية ، وهي صورة رؤية النجاسة في الأثناء مع الشكّ في كونها قبل الصلاة ، باحتمال عروض النجاسة في الأثناء ، وقال عليه‌السلام : (لعلّه شيء أوقع عليك) فيدلّ على وجوب الإعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة ، وكذا قوله عليه‌السلام بعد التعليل المذكور : (فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ) فإنّ ظاهره أنّ عدم وجوب الإعادة إنّما هو للشكّ في كونها قبل الصلاة ، فيدلّ على وجوب الإعادة مع العلم بكونها قبل الصلاة». انتهى كلام السيّد دام ظلّه بتلخيص وتصرّف. هذا تمام الكلام في شرح الرواية.

وأمّا تقريب الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب فهو ما جاء في قوله عليه‌السلام : (وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك) الذي ذكر في موردين من الصحيحة :

الأوّل : بعد الجواب عن السؤال الثالث.

والثاني : بعد الجواب عن السؤال الأخير ، وكذلك قوله عليه‌السلام : (فلا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ) يدلّ على حجيّة الاستصحاب ، بل هو أوضح دلالة من الصحيحة الاولى لاشتماله على كلمة (لا ينبغي) والتصريح بالتعليل في قوله عليه‌السلام : (لأنّك كنت على يقين من طهارتك) كما في تقريرات السيّد الاستاذ دام ظلّه.

وبذلك تكون كلمة (لا ينبغي) مع التعليل المذكور أظهر في الدلالة على كبرى كلّية ارتكازيّة بعد كون (اللام) في (اليقين) بمعنى الجنس ، وهي عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشكّ.

قال المصنّف قدس‌سره : (إرادة الجنس من اليقين أظهر هنا) من إرادة الجنس منه في الصحيحة الاولى ، ووجه أظهريّة كون (اللام) بمعنى الجنس في الفقرة الثانية من هذه الصحيحة ، فهو لأجل عدم تقدّم لفظ اليقين عليها حتى تكون (اللام) للعهد الذكري.

وأمّا وجه أظهريّة كون (اللام) بمعنى الجنس في الفقرة الاولى ، فهو لأجل التعليل المذكور فيها وقوله عليه‌السلام : (أبدا) حيث إنّ كلّ واحد منهما يكون بمنزلة قرينة على إرادة عموم النفي من قوله عليه‌السلام : (وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا).

ومن المعلوم أنّ عموم النفي لا يحصل إلّا بكون (اللام) للجنس كما عرفت سابقا ، وكيف

٣٦٣

____________________________________

كان ، فلا إشكال في إمكان استفادة قاعدة كلّية من هذه الصحيحة وهي : عدم جواز نقض اليقين بالشكّ.

وإنّما الإشكال أوّلا : من جهة أنّ تلك القاعدة هل هي الاستصحاب أو قاعدة اليقين؟.

وثانيا : في كيفيّة تطبيق كلّ واحدة من الفقرتين على الاستصحاب ، على تقدير كون تلك القاعدة هي الاستصحاب لا قاعدة اليقين ، كما هو الحقّ ، وذلك لأنّ الظاهر منها هو الاستصحاب فلا بدّ من بيان كيفيّة تطبيق كلّ واحدة من الفقرتين على الاستصحاب.

أمّا تقريب دلالة الفقرة الاولى على حجيّة الاستصحاب ، فهو أنّ المفروض في السؤال هو الظنّ بالإصابة وعدم اليقين بها ، فيكون المراد من قوله عليه‌السلام : (وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ) هو عدم جواز نقض اليقين السابق بهذا الظنّ ، لأنّ المراد بالشكّ هو خلاف اليقين فيصدق على الظنّ أيضا ، فالمستفاد من هذه الفقرة هو اعتبار الاستصحاب.

نعم ، يمكن الإيراد على الاستدلال بهذه الفقرة على حجيّة الاستصحاب ، وذلك لإمكان أن يقال بأنّ وجوب الإعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة ليس من نقض اليقين بالشكّ ، بل من نقض اليقين باليقين ، كما يدلّ عليه قوله : (فصلّيت فيه فرأيت ما فيه) ، ومن المعلوم أنّه بعد أن رأى النجاسة فيه وتيقّن بها لا يكون المورد من نقض اليقين بالشكّ ، بل يكون من موارد نقض اليقين باليقين ، وحينئذ تدلّ هذه الفقرة على حجيّة الاستصحاب ، ولكن يمكن الإجابة عن هذا الإيراد ، وحاصل الجواب هو أن تقول :

إنّ الإيراد المذكور مبني على أن يكون المراد بالنجاسة التي رآها بعد الصلاة هي النجاسة المظنونة ، ولكن ليس الأمر كذلك ، لإمكان أن يكون المراد بالنجاسة المذكورة هي النجاسة الحادثة لا المظنونة ، إذ لو كان المراد بها هي النجاسة المظنونة لقال زرارة : «فرأيتها فيه» حتى يكون الضمير راجعا إلى تلك النجاسة المظنونة ، فبناء على هذا لا يبقى إشكال في دلالة الرواية بهذه الفقرة على حجيّة الاستصحاب. هذا ملخّص ما يمكن أن يقال في تقريب دلالة الفقرة الاولى على حجيّة الاستصحاب ، ومن يريد التفصيل فعليه بالكتب المبسوطة.

٣٦٤

وأمّا فقه الحديث ، فبيانه : أنّ مورد الاستدلال يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يكون مورد السؤال فيه أن يرى بعد الصلاة نجاسة يعلم أنّها هي التي خفيت عليه قبل الصلاة ، وحينئذ فالمراد اليقين بالطهارة قبل ظنّ الإصابة ، والشكّ حين إرادة الدخول في الصلاة ، لكن عدم نقض ذلك اليقين بذلك الشكّ إنّما يصلح علّة لمشروعيّة الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشكّ فيها ، وأنّ الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقّنة ، لا لعدم وجوب الإعادة على من تيقّن أنّه صلّى في النجاسة ـ كما جزم به السيّد الشارح للوافية ـ إذ الإعادة ليست نقضا لأثر الطهارة المتيقّنة بالشكّ ، بل هو نقض باليقين بناء على أنّ من آثار حصول اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة ولو بعدها وجوب إعادتها.

____________________________________

وأمّا تقريب دلالة الفقرة الثانية على حجيّة الاستصحاب فهو أوضح من تقريب دلالة الفقرة الاولى بعد قوله عليه‌السلام : (لعلّه شيء أوقع عليك) حيث إنّ الإمام عليه‌السلام علّل الحكم بعدم وجوب الإعادة بإبداء هذا الاحتمال ، أي : احتمال حدوث النجاسة بعد الصلاة ، ثمّ لتقوية هذا الاحتمال قيّد الحكم بعدم الإعادة بكون النجاسة التي رآها رطبة ، وكان الحاصل هو استصحاب الطهارة المقتضي لعدم الإعادة المستفاد من قوله : (فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ). هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالصحيحة الثانية على حجيّة الاستصحاب.

ويبقى الكلام في ما يرد على الاستدلال المذكور من وجوه :

منها : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(لكن عدم نقض ذلك اليقين بذلك الشكّ إنّما يصلح علّة لمشروعيّة الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشكّ فيها ، وأنّ الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقّنة ، لا لعدم وجوب الإعادة على من تيقّن أنّه صلّى في النجاسة ، كما جزم به السيّد الشارح للوافية).

وحاصل الإيراد ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي والتنكابني ، هو أنّ المطلوب هنا أثران :

أحدهما : ـ وهو المطلوب حين الشروع ـ جواز الدخول في العبادة.

٣٦٥

وربّما يتخيّل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء ، فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها.

____________________________________

وثانيهما : وهو المطلوب بعد الإتمام ـ عدم وجوب الإعادة.

وما يترتّب على الاستصحاب هو الأثر الأوّل ، أي : جواز الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة ، لأنّ الاستصحاب يجري قبل الشروع في العبادة فيصلح علّة لمشروعيّة الدخول في العبادة ، بمعنى أنّ الشاكّ لا يجوز له الدخول في الصلاة إلّا مع الحكم الظاهري بامتناع تأتّي قصد القربة مع عدم التمسّك بالحكم الظاهري ، ولا يصلح الاستصحاب علّة لعدم وجوب الإعادة فلا يترتّب عليه الأثر الثاني ، وذلك لأنّ وجوب الإعادة ليس مستلزما لنقض اليقين بالشكّ ، بل هو نقض اليقين باليقين ، لأنّ المفروض هو حصول اليقين بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الصلاة ، ومن آثار اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة وجوب إعادتها ، وقد تقدّم الجواب عن هذا الإيراد ، فراجع.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى ما يمكن أن يكون الجواب عنه بقوله :

(وربّما يتخيّل حسن التعليل لعدم الإعادة بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء).

وحاصل الجواب ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي وغيره ، هو أنّ الاستصحاب يقتضي جواز الدخول المعبّر عنه بالأمر الظاهري ، وهذا الأمر الظاهري يقتضي الإجزاء المستلزم لعدم وجوب الإعادة ، فالإعادة ـ حينئذ ـ تكون نقضا للأمر الظاهري ، ونقض الأمر الظاهري نقض لليقين بالشكّ ، فالإعادة نقض لليقين بالشكّ الذي نهى الشارع عنه ، فتعليل عدم الإعادة بالاستصحاب حسن.

(فتكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة).

أي : قاعدة الاستصحاب ، غاية الأمر من طريق اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء ، فالصحيحة إذن تدلّ على أمرين :

أحدهما : اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء.

وثانيهما : اعتبار الاستصحاب. إلّا أنّ دلالتها على الأوّل تكون بالتضمّن وعلى الثاني بالمطابقة.

٣٦٦

وفيه : إنّ ظاهر قوله : (فليس ينبغي) يعني : ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضا.

كما أنّ قوله عليه‌السلام في الصحيحة : (لا ينقض اليقين بالشكّ أبدا) (١) عدم إيجاب إعادة الوضوء ، فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقّة.

ودعوى : «إنّ من آثار الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها وعدم وجوب الإعادة لها ، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة».

____________________________________

(وفيه : إنّ ظاهر قوله : (فليس ينبغي) يعني : ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضا).

أي : ظاهر الرواية هو أنّ الإعادة بنفسها نقض لليقين بالشكّ لا أنّها نقض للأمر الظاهري ، وهو نقض لليقين بالشكّ ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(كما أنّ) معنى (قوله عليه‌السلام في الصحيحة) الأولى (لا ينقض اليقين بالشكّ أبدا) عدم إيجاب إعادة الوضوء).

حيث يكون ظاهره كون إعادة الوضوء نقضا لليقين بالشكّ من دون واسطة أصلا ، إذ ليس هناك أمر ظاهري حتى يكون هو الواسطة ، ففي المقام كذلك حيث إنّ الظاهر هو كون إعادة الصلاة نقضا لليقين بالشكّ بلا واسطة مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل إعادة الصلاة نقض لليقين باليقين لا بالشك.

(فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقّة).

أي : عدم صحّة تعليل عدم الإعادة بعدم النقض لا يخلو عن دقّة ، وقد تقدّم وجه عدم صحّة التعليل المذكور ، ولعلّه إشارة إلى ما تقدّم من الجواب عن الإيراد ، فراجع.

(ودعوى : «إنّ من آثار الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها وعدم وجوب الإعادة لها ، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة»).

وحاصل الدعوى المذكورة أنّ طهارة الثوب ممّا يترتّب عليه جواز الدخول في الصلاة وعدم إعادتها إذا كانت متيقّنة ، وأمّا إذا شكّ فيها فكذلك يترتّب عليها جواز الدخول وعدم الإعادة ، وذلك لتنزيل الشارع الطهارة المشكوكة منزلة المتيقنة في ترتيب الآثار ، فيصحّ ـ حينئذ ـ تعليل عدم الإعادة كجواز الدخول بعدم النقض.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٨ / ١١. الوسائل ١ : ٢٤٥ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ١.

٣٦٧

مدفوعة : بأنّ الصحّة الواقعيّة وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحقّقة سابقا من الآثار العقليّة الغير المجعولة للطهارة المتحقّقة لعدم معقوليّة عدم الإجزاء فيها ، مع أنّه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد ، وبين وقوع بعضها معها فيعيد ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : (وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته).

____________________________________

(مدفوعة بأنّ الصحّة الواقعيّة وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحقّقة سابقا من الآثار العقليّة الغير المجعولة للطهارة المتحقّقة).

وحاصل دفع الدعوى المذكورة ، هو أنّ وجوب الإعادة وعدمه والإجزاء وعدمه من الآثار العقليّة للطهارة الواقعيّة لا من الآثار الشرعيّة ، فلا يترتّب ـ حينئذ ـ عدم وجوب الإعادة على الاستصحاب لكونه من الآثار العقليّة ، ولا يترتّب على الاستصحاب إلّا الآثار الشرعيّة بلا واسطة.

نعم ، جواز الدخول في الصلاة أثر شرعي للطهارة فيترتّب على استصحابها ، هذا(مع أنّه يوجب الفرق) ، أي : عدم وجوب الإعادة يوجب الفرق (بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد ، وبين وقوع بعضها معها فيعيد ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام بعد ذلك : (وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته)).

وحاصل الفرق : إنّ الإمام عليه‌السلام قد حكم بوجوب الإعادة على من دخل في الصلاة شاكّا ورأى النجاسة في الأثناء ، ثمّ حكم بعدم وجوب الإعادة على من دخل فيها شاكّا ورأى النجاسة بعد إتمام الصلاة كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : (وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا ... إلى آخره) مع أنّ هذا الفرق غير صحيح ، إذ لا يعقل صحّة ما وقع تمامه مع النجاسة من الصلاة وبطلان ما وقع بعضه معها منها ، إلّا أن يحمل قوله عليه‌السلام : (وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته) على صورة العلم إجمالا بالإصابة والشكّ في موضعها ولم يغسلها نسيانا فرآها في الأثناء ، كما استظهر ذلك شارح الوافية.

لكنّ هذا الحمل مخالف لظاهر الكلام ، لأنّ ظاهر الشكّ في قوله : (إذا شككت في موضع منه) هو الشكّ البدوي ، فتكون الشبهة بدويّة لا المقرونة بالعلم الإجمالي كما هو ظاهر قوله بعد ذلك : (وإن لم تشكّ ثمّ رأيته) حيث يكون ظهور الشكّ فيه في الشبهة البدويّة واضحا ، لعدم تقييد الشكّ بموضع منه ليتوهّم كونه قرينة على إرادة الشبهة

٣٦٨

إلّا أن تحمل هذه الفقرة ـ كما استظهره شارح الوافية ـ على ما لو علم الإصابة وشكّ في موضعها ولم يغسلها نسيانا ، وهو مخالف لظاهر الكلام وظاهر قوله بعد ذلك : «وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ... إلى آخره).

والثاني : أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ، فالمراد : أنّه ليس ينبغي أن تنقض يقين الطهارة بمجرّد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة ، وهذا الوجه سالم ممّا يرد على الأوّل ، إلّا أنّه خلاف ظاهر السؤال.

____________________________________

المقرونة بالعلم الإجمالي.

والحاصل أنّ حمل الشبهة على الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي وإن كان موجبا لبطلان الصلاة ووجوب إعادتها ، إلّا أنّه مخالف للظاهر. هذا تمام الكلام في الوجه الأوّل الذي يمكن الاستدلال به على حجيّة الاستصحاب.

وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى الوجه الثاني بقوله :

(والثاني : أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ، فالمراد : أنّه ليس ينبغي أن تنقض يقين الطهارة بمجرّد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة ، وهذا الوجه سالم ممّا يرد على الأوّل).

إذ بناء على هذا يستمر الاستصحاب إلى ما بعد التمام ، فيترتّب عليه قبل الشروع جواز الدخول وبعد الإتمام عدم الإعادة ، (إلّا أنّه) مشكل من وجهين :

أحدهما : إنّ عدم وجوب الإعادة في فرض عدم كشف الخلاف إنّما هو لموافقة الأمر الظاهري لا الاستصحاب ، وذلك لأنّ الأثر العقلي لا يترتّب على الاستصحاب الموضوعي لأنّه أصل مثبت ، إلّا أن يقال بأنّ الطهارة من الأحكام الجعليّة لا من الموضوعات ، كما هو مذهب جمع من العلماء في جميع الأحكام الوضعيّة ، فيترتّب على استصحابها جميع الآثار.

وثانيهما : إنّه (خلاف ظاهر السؤال) لأنّ ظاهره أنّه رأى بعد الصلاة نجاسة علم بأنّها هي التي شكّ فيها قبل الصلاة ، وحينئذ لا بدّ من ارتكاب خلاف الظاهر ؛ إمّا بحمل كلام الإمام عليه‌السلام على أنّ الإعادة نقض لجواز الدخول ونقضه نقض لليقين وأنّه متضمّن لمسألة الإجزاء.

٣٦٩

نعم ، مورد قوله عليه‌السلام أخيرا : (فليس ينبغي لك ... إلى آخره) هو الشكّ في وقوعه أوّل الصلاة أو حين الرؤية ، ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلّل المنافي لا إبطالها ، ثمّ البناء عليها الذي هو خلاف الإجماع ، لكن تفريع عدم نقض اليقين على احتمال تأخّر الوقوع يأبى عن حمل (اللام) على الجنس ، فافهم.

____________________________________

وإمّا بحمل كلام السائل على أنّه تردّد بين كون النجس من الأوّل أو وقوعه بعد الإتمام ، فقد يرجّح الثاني ، لأنّ ارتكاب خلاف الظاهر في كلام السائل أولى من ارتكابه في كلام الإمام عليه‌السلام ، خاصّة ، وأنّ ارتكاب مخالفة الظاهر في كلام السائل كان من جهة واحدة ، بينما في كلامه عليه‌السلام من جهتين : الاولى : اعتبار الواسطة ، والثانية : تضمّن مسألة الإجزاء ، وقد يرجّح الأوّل ؛ لأنّ تعليل عدم الإعادة بعدم النقض لا يصحّ حتى على الاحتمال الثاني ، لعدم ترتّب الأثر العقلي على الاستصحاب ، فيحمل على الاحتمال الأوّل ، ويلتزم بالواسطة ومسألة الإجزاء ليكون عدم الإعادة لأجل الإجزاء دون الاستصحاب.

وفيه : إنّه يمكن الحمل على الاحتمال الثاني أيضا ، وكون تعليل عدم الإعادة بعدم النقض من حيث الإجزاء لا الاستصحاب ، وعلى تقدير عدم ترجيح أحد الاحتمالين في نظر الفقيه تحمل الرواية على الإجمال من جهة الفقه.

(نعم ، مورد قوله عليه‌السلام أخيرا : (فليس ينبغي لك ... إلى آخره) هو الشكّ في وقوعه أوّل الصلاة أو حين الرؤية) في الأثناء ، فيصحّ تعليل عدم الإعادة بعدم النقض ، وإن جاء الإشكال من جهة أنّ عدم الإعادة لموافقة الأمر لا الاستصحاب.

(ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلّل المنافي لا إبطالها) بارتكاب المنافي (ثمّ البناء عليها) ، أي : على الصلاة بإتيان البقية (الذي هو خلاف الإجماع ، لكن) لا يستفاد من هذه الفقرة حجيّة الاستصحاب ، لأنّ (تفريع عدم نقض اليقين على احتمال تأخّر الوقوع) حيث قال عليه‌السلام : (لعلّه شيء اقع عليك فليس ينبغي ... إلى آخره) فأتى بحرف الفاء (يأبى عن حمل (اللام) على الجنس) ، فإنّ (اللام) في المتفرّع يكون للإشارة إلى المتفرّع عليه ، يعني : فليس ينبغي نقض اليقين بطهارتك بالشكّ.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ حمل قوله عليه‌السلام : (فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ) على بيان قاعدة كلّية في جميع الموارد أولى من الحمل على قاعدة كلّية في باب الطهارة

٣٧٠

ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة : (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات) (١).

وقد تمسّك بها في الوافية وقرّره الشارح وتبعه جماعة ممّن تأخّر عنه.

____________________________________

فقط ، وذلك لكون الإمام عليه‌السلام في مقام الاستدلال وبيان القاعدة الكلّية مع كون هذه الجملة واردة في كثير من الروايات لبيان حجيّة الاستصحاب.

(ومنها : صحيحة ثالثة لزرارة) وهذه الصحيحة ـ أيضا ـ مضمرة في بعض النسخ وتقريب الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب ثمّ بيان ما يرد عليها يتوقّف على ما ذكرها بكاملها أيضا فنقول :

روى زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو أم في اثنين وقد أحرز الاثنين ، قال : (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه) ، (وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد أحرز الثلاث ، قام فأضاف إليها اخرى ، ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشكّ في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات).

ومحلّ الاستدلال هو قوله عليه‌السلام : (ولا تنقض اليقين بالشكّ).

وأمّا تقريب الاستدلال ، فهو مبني على امور :

الأوّل : أن يكون المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين ... إلى آخره) هو اليقين بعدم الإتيان بالركعة الرابعة قبل دخوله في الركعة المشكوك كونها ثالثة أو رابعة.

والثاني : أن يكون قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) بمنزلة الكبرى الكلّية وكانت صغراها مطويّة في الكلام ، فكأنّه قال : إنّه كان على يقين بعدم إتيان الركعة الرابعة ولا ينقض اليقين بالشكّ.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٢ / ٣. التهذيب ٢ : ١٨٦ / ٧٤٠. الاستبصار ١ : ٣٧٣ / ١٤١٦. الوسائل ٨ : ٢١٧ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٠ ، ح ٣.

٣٧١

وفيه تأمّل : لأنّه إن كان المراد بقوله عليه‌السلام : (قام فأضاف إليها اخرى) القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة ، حتى يكون حاصل الجواب هو البناء على الأقلّ ، فهو مخالف للمذهب وموافق لقول العامّة ، ومخالف لظاهر الفقرة الاولى من قوله : (يركع ركعتين بفاتحة الكتاب) فإنّ ظاهره ـ بقرينة تعيين الفاتحة ـ

____________________________________

والثالث : أن يكون المراد بالركعة المضافة إلى الركعات السابقة هي الركعة الموصولة ، لا الركعة المفصولة عنها ، إذ على الثاني لا تنطبق الرواية على الاستصحاب ، وذلك لأنّ المراد من قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) ـ حينئذ ـ هو قاعدة البناء على اليقين بفراغ الذمّة ، أي : يجب على المكلّف إذا قام بعمل أن يحصل على اليقين بالفراغ ، واليقين بفراغ الذمّة في الشكّ في عدد الركعات البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بركعة الاحتياط منفصلة.

وبالجملة ، إنّ الاستدلال بهذه الصحيحة على حجيّة الاستصحاب إنّما يتمّ إذا كان المراد من اليقين هو اليقين بعدم إتيان الركعة الرابعة لا اليقين بتحصيل فراغ الذمّة ، كما هو المستفاد من أخبار أخر ، كقوله عليه‌السلام : (ألا اعلّمك شيئا إذا فعلته ، ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت لم يكن عليك شيء) (١). هذا تمام الكلام في تقريب الاستدلال بالصحيحة الثالثة على حجيّة الاستصحاب ، وسيأتي تقريب الاستدلال بها بوجهين آخرين أيضا ، إلّا أنّ هذه الوجوه والاحتمالات ضعيفة ، ويظهر ضعفها ممّا يرد على الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب ، فلا بدّ من بيان الإيراد أوّلا ، وهو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (وفيه تأمّل).

وحاصل الإيراد ، هو أنّ المراد من الركعة في قوله عليه‌السلام : (قام فأضاف إليها أخرى) إمّا الركعة الموصولة بالركعات السابقة ، وإمّا المفصولة عنها بتكبير وتسليم.

فعلى الأوّل وإن كان ينطبق على الاستصحاب ، إذ حاصل جواب الإمام عليه‌السلام ـ حينئذ ـ هو البناء على الأقلّ والإتيان بالركعة الاخرى متّصلة ، كما هو مقتضى استصحاب عدم الإتيان بالركعة الرابعة ، إلّا أنّه مخالف للمذهب وموافق للعامّة ، وذلك لأنّ ما استقرّ عليه مذهب الإماميّة هو البناء على الأكثر والإتيان بالركعة الاخرى منفصلة ، هذا أوّلا.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨. الوسائل ٨ : ٢١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٣.

٣٧٢

إرادة ركعتين منفصلتين ، أعني : صلاة الاحتياط ، فتعيّن أن يكون المراد به القيام بعد التسليم في الركعة المردّدة إلى ركعة مستقلّة ، كما هو مذهب الإماميّة.

فالمراد باليقين ـ كما في اليقين الوارد في الموثّقة الآتية ، على ما صرّح به السيّد المرتضى واستفيد من قوله عليه‌السلام في أخبار الاحتياط : (إن كنت قد نقصت فكذا ، وإن كنت قد أتممت فكذا) (١) ـ هو اليقين بالبراءة ، فيكون المراد وجوب الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة ، بالبناء على الأكثر وفعل صلاة مستقلّة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه.

____________________________________

وثانيا : إنّه مخالف لما في صدر الحديث وهو قوله عليه‌السلام في من لم يدر في أربع هو أم في اثنتين : (يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ، ويتشهد ولا شيء عليه) فإنّ ظاهره ـ بقرينة تعيين فاتحة الكتاب وعدم التخيير بينها وبين التسبيحات ـ هو إرادة البناء على الأكثر والتسليم عليه ثمّ إتيان (ركعتين منفصلتين ، أعني : صلاة الاحتياط).

والحاصل ، تقريب الاستدلال بهذه الصحيحة على حجيّة الاستصحاب مبني على أن يكون المراد من الركعة الاخرى هي الركعة المتّصلة ، وأن يكون المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : (لا ينقض اليقين بالشكّ) هو اليقين بعدم إتيان الأكثر ، إلّا أنّه مردود من وجوه :

منها : لزوم حملها على التقيّة مع كونها على خلاف الأصل.

ومنها : لزوم المخالفة للفقرة الأولى.

ومنها : لزوم المخالفة لسائر الأخبار الواردة في باب الشكّ في عدد الركعات.

ومنها : لزوم حمل المورد على التقيّة وحمل القاعدة على بيان الواقع ، كما سيأتي في كلام المصنّف قدس‌سره.

ومنها : لزوم المخالفة لفهم الأصحاب كما في شرح الاستاذ الاعتمادي وبحر الفوائد بتصرّف منّا.

(فتعيّن أن يكون المراد به القيام بعد التسليم في الركعة المردّدة إلى ركعة مستقلّة ، كما هو مذهب الإماميّة).

أي : فلا بدّ ـ حينئذ ـ من أن يكون المراد بقوله عليه‌السلام : (قام فأضاف إليها اخرى) هو القيام

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٤٩ / ١٤٤٨. الوسائل ٨ : ٢١٣ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٣.

٣٧٣

وقد اريد من اليقين والاحتياط في غير واحد من الأخبار هذا النحو من العمل ، منها قوله عليه‌السلام في الموثّقة الآتية : (إذا شككت فابن على اليقين) (١).

فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على اليقين وعدم نقضه ، يراد منها البناء على ما هو المتيقّن من العدد ، والتسليم عليه مع جبره بصلاة الاحتياط.

ولهذا ذكر في غير واحد من الأخبار ما يدلّ على أنّ العمل محرز للواقع مثل قوله عليه‌السلام :

____________________________________

إلى ركعة مستقلّة منفصلة بعد التسليم في الركعة المردّدة ، كما هو مذهب الإماميّة.

وعليه فلا تنطبق الرواية على الاستصحاب إذن ، إذ المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : (لا ينقض اليقين بالشكّ) ليس هو اليقين السابق بعدم إتيان الأكثر ، بل المراد به هو اليقين بالبراءة الحاصل بالبناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط ، كما المستفاد من عدّة روايات مذكورة في المتن.

فالرواية ـ حينئذ ـ لا ترتبط بالاستصحاب أصلا ، وهذا الاحتمال فيها أقوى من الاحتمالات التي يمكن الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب.

وبالجملة ، إنّ مقتضى الاستصحاب هو الإتيان بالركعة الاخرى متّصلة ، وفي الرواية قرينتان على كون المراد من الركعة الاخرى هي الركعة المنفصلة :

إحداهما : ما تقدّم من تعيين فاتحة الكتاب.

والاخرى : هي قوله عليه‌السلام : (ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر) فإنّ ظاهره ـ بعد حمل الشكّ على المشكوك واليقين على المتيقّن ـ هو عدم خلط المشكوك بالمتيقّن بإتيانه متّصلا معه ، بل يؤتى بالمشكوك منفصلا عن المتيقّن.

فالمستفاد من هذه الرواية هي قاعدة البناء على اليقين بالبراءة ، وذلك بأن يبني المكلّف على الأكثر ثمّ يأتي بركعة اخرى منفصلة ، فإنّه ـ حينئذ ـ يتيقّن ببراءة ذمّته ، إذ على تقدير الإتيان بالثلاث تكون هذه الركعة متمّمة لها ، ولا تقدح زيادة التكبير والتشهّد والتسليم ، وعلى تقدير الإتيان بالأربع تكون هذه الركعة نافلة ، بخلاف ما إذا بنى على الأقلّ وأضاف ركعة متّصلة ، فإنّه يحتمل ـ حينئذ ـ الإتيان بخمس ركعات ، أو بنى على

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣١ / ١٠٢٥. الوسائل ٨ : ٢١٢ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٨ ، ح ٢.

٣٧٤

وقد تصدّى جماعة ـ تبعا للسيّد المرتضى ـ لبيان أنّ هذا العمل هو الأخذ باليقين والاحتياط دون ما يقوله العامّة من البناء على الأقلّ ومبالغة الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشكّ ، وتسمية ذلك في غيرها بالبناء على اليقين والاحتياط تشعر بكونه في مقابل العامّة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ وضمّ الركعة المشكوكة.

ثمّ لو سلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقلّ المطابق للاستصحاب ، كان هناك صوارف عن هذا الظاهر ، مثل تعيّن حملها ـ حينئذ ـ على التقيّة ، وهو مخالف للأصل.

____________________________________

الأكثر ولم يأت بركعة منفصلة ، لاحتمال النقصان فلا يحصل على يقين بالبراءة.

(ألا اعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت لم يكن عليك شيء).

فالإمام عليه‌السلام قد بيّن لزرارة طريق الاحتياط وتحصيل اليقين بالبراءة ، كما صرّح به في رواية اخرى وهي قوله عليه‌السلام : (ألا أعلّمك شيئا إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك نقصت أو أتممت لم يكن عليك شيء) فتكون الصحيحة بناء على هذا الاحتمال إذن أجنبيّة عن الاستصحاب.

(ومبالغة الإمام عليه‌السلام في هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشكّ) سبع مرات ، ومبالغته عليه‌السلام ب(تسمية ذلك) العمل (في غيرها) ممّا ورد في الشكّ في عدد الركعات (بالبناء على اليقين والاحتياط تشعر بكونه في مقابل العامّة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقلّ وضمّ الركعة المشكوكة) وهذا الزعم منهم فاسد ، لما عرفت من أنّ مقتضى البناء على اليقين بالبراءة هو البناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط منفصلة.

(ثمّ لو سلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقلّ المطابق للاستصحاب ، كان هناك صوارف عن هذا الظاهر).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره ، هو أنّ الصحيحة ظاهرة في قاعدة البناء على اليقين بالبراءة فلا ظهور لها في الاستصحاب ـ حينئذ ـ أصلا ، وحتى على فرض ظهورها الناشئ عن ذكرها في أخبار الاستصحاب ، لكنّ هناك صوارف قد تقدّم ذكرها في الشرح تصرفها عنه :

منها : ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(مثل تعيّن حملها ـ حينئذ ـ على التقيّة ، وهو مخالف للأصل).

٣٧٥

ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة في مورد الرواية ، وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على بيان الواقع ، لتكون التقيّة في إجراء القاعدة في المورد ـ لا في نفسها ـ مخالفة اخرى للظاهر وإن كان ممكنا في نفسه ، مع أنّ هذا المعنى مخالف لظاهر صدر الرواية الآبي عن الحمل على التقيّة ، مع أنّ العلماء لم يفهموا منها إلّا البناء على الأكثر ، إلى غير ذلك

____________________________________

لأنّ مقتضى الأصل في جهة الصدور هو الصدور لبيان الحكم الواقعي لا التقية.

(ثمّ ارتكاب الحمل على التقيّة في مورد الرواية ، وحمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على بيان الواقع ، لتكون التقيّة في إجراء القاعدة في المورد ـ لا في نفسها ـ مخالفة اخرى للظاهر).

والغرض من هذا الكلام هو أنّ قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) جاء لبيان الواقع وهو قاعدة الاستصحاب وعدم جواز نقض اليقين بالشكّ من دون تقيّة فيه أصلا ، وإنّما التقيّة في تطبيقها على المورد بناء على أنّ المورد يكون من موارد البناء على الأقلّ ، والإتيان بالركعة المشكوكة موصولة عند العامّة ، كما وقع نظيره في قوله عليه‌السلام للخليفة العباسي : (ذلك إلى إمام المسلمين إن صام صمنا معه وإن أفطر أفطرنا معه) (١) ، فإنّ أصل الكبرى ، أي : الحكم بكون اليوم الفلاني عيدا من وظائف إمام المسلمين والأمر بيده ، ولا شكّ في هذا الحكم وليس فيه تقيّة ، بل هو حكم واقعي ، والتقيّة في تطبيق عنوان إمام المسلمين على ذلك الرجل خوفا منه ، ففي المقام ـ أيضا ـ يكون الأمر كذلك ، وذلك بأن يكون قوله عليه‌السلام : (لا ينقض اليقين بالشكّ) لبيان قاعدة الاستصحاب ولا تقيّة فيه ، بل التقيّة في تطبيقها على المورد ليكون موافقا لمذهب العامّة القائلين بالبناء على الأقلّ ، ثمّ الإتيان بالركعة المشكوكة متّصلة ببقيّة الركعات عملا بالاستصحاب.

ثمّ إنّ حاصل ردّ المصنّف قدس‌سره لهذا الحمل هو قوله : إنّ هذا الحمل وإن كان ممكنا في نفسه إلّا أنّه مخالف للظاهر ، والأصل من جهة اخرى ، وذلك لأنّ الأصل في التطبيق هو التطبيق الحقيقي لا التطبيق تقيّة.

ومنها : ما أشار إليه بقوله : (مع أنّ هذا المعنى) ، أي : البناء على الأقلّ (مخالف لظاهر صدر

__________________

(١) الكافي ٤ : ٨٣ / ٧. الوسائل ١٠ : ١٣٢ ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ، ب ٥٧ ، ح ٥ ، باختلاف فيهما.

٣٧٦

ممّا يوهن إرادة البناء على الأقلّ.

وأمّا احتمال : «كون المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرّد الشكّ ، كما هو مقتضى الاستصحاب ، فيكون مفاده عدم جواز الاقتصار على الركعة المردّدة بين الثالثة والرابعة.

وقوله : (لا يدخل الشكّ في اليقين) ، يراد به أنّ الركعة المشكوك فيها ـ المبني على عدم

____________________________________

الرواية الآبي عن الحمل على التقيّة) بقرينة تعيين فاتحة الكتاب على ما عرفت.

ومنها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(مع أنّ العلماء لم يفهموا منها إلّا البناء على الأكثر ، إلى غير ذلك).

كمخالفتها لسائر الأخبار الواردة في شكوك الصلاة الآمرة بالبناء على الأكثر.

(ممّا يوهن إرادة البناء على الأقلّ).

فالحاصل من الجميع ، هو أنّه لو سلّم ظهور الصحيحة في البناء على الأقلّ المطابق للاستصحاب لكان هناك ما ذكره من الصوارف عن الظهور المذكور. هذا تمام الكلام في الاحتمال الثاني ، وهو أن يكون المراد باليقين في قوله عليه‌السلام : (لا ينقض اليقين بالشكّ) هو اليقين بالبراءة الحاصل بالبناء على الأكثر ثمّ الإتيان بصلاة الاحتياط كما مرّ.

وأمّا الاحتمال الثالث الذي يدلّ على الاستصحاب ، فهو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله : (وأمّا احتمال : كون المراد من عدم نقض اليقين بالشكّ عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرّد الشكّ ، كما هو مقتضى الاستصحاب ... إلى آخره).

والمحتمل لهذا الاحتمال هو صاحب الفصول قدس‌سره كما في بحر الفوائد والتنكابني.

وحاصل هذا الاحتمال دفعا لإشكال التنافي بين دلالة الصحيحة على اعتبار الاستصحاب ، وبين ما استقرّ عليه المذهب من وجوب البناء على الأكثر عند الشكّ في عدد الركعات هو الحكم بعدم التنافي بين دلالتها على اعتبار الاستصحاب وبين وجوب البناء على الأكثر ، كما استقرّ عليه مذهب الإماميّة وبذلك يمكن الجمع بينهما.

بل إنّ في الرواية ما يدلّ على الجمع المذكور ، وذلك لأنّ المستفاد من الرواية صدرا هو اعتبار الاستصحاب ، وذيلا هو البناء على الأكثر والإتيان بالركعة المشكوكة منفصلة.

وبيان ذلك : إنّ صدر الرواية وهو قوله عليه‌السلام : (لا ينقض اليقين بالشكّ) يدلّ على اعتبار

٣٧٧

وقوعها ـ لا يضمّها إلى اليقين ـ أعني : القدر المتيقّن من الصلاة ـ بل يأتي بها مستقلّة على ما هو مذهب الخاصّة».

ففيه من المخالفة لظاهر الفقرات الستّ أو السبع ما لا يخفى على المتأمّل.

____________________________________

الاستصحاب ، كما تقدّم ذلك في الاحتمال الأوّل ، ومقتضى الاستصحاب ليس إلّا لزوم الإتيان بالركعة المشكوكة ، وأمّا كيفيّة إتيانها موصولة أو مفصولة فلا دخل لها بالاستصحاب ، فلا بدّ من بيان آخر للاستدلال عليها.

نعم ، لو لم يكن هناك بيان لكيفيّة إتيانها كان مقتضى إطلاق الأمر بإتيانها هو الإتيان بها موصولة ، إلّا أنّ البيان لكيفيّة الإتيان موجود في ذيل الرواية وهو قوله عليه‌السلام : (ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر) لأنّ المراد من عدم إدخال الشكّ في اليقين وعدم خلط أحدهما بالآخر هو عدم وصل الركعة المشكوكة بالركعات المتيقّنة ، فإنّ إدخال المشكوك في المتيقّن ، وخلط أحدهما بالآخر إنّما يكون بوصل المشكوك في المتيقّن وعدم الفصل بينهما ، وبذلك يكون قد بيّن الإمام عليه‌السلام كيفيّة الإتيان بالركعة المشكوكة ـ أيضا ـ وهي الإتيان بها مفصولة ، كما هو مذهب الخاصّة ، ومع هذا البيان يقيّد ما تقدّم من إطلاق الأمر بالإتيان المقتضي للإتيان بها موصولة ، فيكون مقتضى التقييد هو الإتيان بفعل المشكوكة مفصولة عن سائر الركعات.

وبالجملة ، إنّ الرواية تدلّ على أمرين :

أحدهما : هو اعتبار الاستصحاب.

وثانيهما : هو الإتيان بالركعة المشكوكة مفصولة.

هذا تمام الكلام في الاحتمال الثالث ، وقد أشار المصنّف قدس‌سره إلى ما فيه بقوله :

(ففيه من المخالفة لظاهر الفقرات الستّ أو السبع ما لا يخفى على المتأمّل).

والترديد في الفقرات المذكورة في الرواية بين كونها ستّا أو سبعا ناشئ من أن يكون قوله عليه‌السلام (فيبني عليه) متفرّعا على ما قبله من دون أن يحتسب فقرة على حدة ، أو أن لا يكون كذلك.

فعلى الأوّل تكون الفقرات ستّا ، وعلى الثاني سبعا ، ويحتمل ـ أيضا ـ أن يكون المراد إنّه بدون قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) ـ كما هو ظاهر كلام المحتمل ـ تكون الفقرات

٣٧٨

فإنّ مقتضى التدبّر في الخبر أحد معنيين ؛ إمّا الحمل على التقيّة ، وقد عرفت مخالفته للاصول والظواهر ، وإمّا حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الأحوط.

وهذا الوجه وإن كان بعيدا في نفسه ، لكنّه منحصر بعد عدم إمكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب ، ولا أقلّ من مساواته لما ذكره هذا القائل ، فيسقط الاستدلال بالصحيحة ،

____________________________________

ستّا ومعه تكون سبعا ، كما في شرح التنكابني. هذا تمام الكلام في الترديد في الفقرات.

وأمّا ما يرد على هذا الاحتمال فحاصله : إنّ ظاهر الفقرات هو بيان أمر واحد على نحو التأكيد والاهتمام ، فالمراد بالصحيحة بجميع فقراتها ؛ إمّا هو بيان قاعدة الاستصحاب ، كما هو ظاهر الفقرة الاولى وهي قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) ، أو بيان كيفيّة عمل الشاكّ ، كما هو ظاهر الفقرة الثانية والثالثة.

فحينئذ يكون التفكيك بين الفقرة الاولى والثانية والثالثة ، بأن تكون الاولى لبيان قاعدة الاستصحاب ، والثانية والثالثة لبيان كيفيّة العمل مخالفا لظاهر الفقرات الست أو السبع ، هذا مع أنّه لا يمكن الجمع بين العمل بالاستصحاب في المقام وبين ما استقرّ عليه مذهب الإماميّة من البناء على الأكثر والإتيان بالمشكوك مستقلّا ، وذلك لأنّ مقتضى الاستصحاب هو فرض المشكوك كأن لم يكن كما في صورة القطع بعدمه ، ولازمه هو البناء على الأقلّ والإتيان بالمشكوك متّصلا ، فكيف يجمع مع البناء على الأكثر والإتيان منفصلا؟!.

وبعد بطلان الاحتمال المذكور لا بدّ من حمل الرواية على أحد معنيين ، كما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(فإنّ مقتضى التدبّر في الخبر أحد معنيين ؛ إمّا الحمل على التقيّة ، وقد عرفت مخالفته للاصول والظواهر ، وإمّا حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الأحوط).

وهو ما عرفت من البناء على اليقين بالبراءة الحاصل من البناء على الأكثر والإتيان بصلاة الاحتياط.

(وهذا الوجه وإن كان بعيدا في نفسه) بناء على ظهور قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين

٣٧٩

خصوصا على مثل هذه القاعدة.

وأضعف من هذا دعوى : «أنّ حملها على وجوب تحصيل اليقين في الصلاة بالعمل على الأكثر ، والعمل على الاحتياط بعد الصلاة على ما هو فتوى الخاصّة ، وصريح أخبارهم الآخر لا ينافي إرادة العموم من القاعدة لهذا ، وللعمل على اليقين السابق في الموارد الأخر».

ويظهر اندفاعها ـ بما سيجيء في الأخبار الآتية ـ من عدم إمكان الجمع بين هذين المعنيين في المراد من العمل على اليقين وعدم نقضه.

____________________________________

بالشكّ) في الاستصحاب لا اليقين بالبراءة (لكنّه منحصر بعد عدم إمكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب ، ولا أقلّ من مساواته لما ذكره هذا القائل).

وحاصل الكلام ، هو أنّ حمل الخبر على تحصيل اليقين بالبراءة في الشكّ في عدد الركعات بفعل صلاة الاحتياط أولى من حمله على ما ذكره صاحب الفصول قدس‌سره ، وعلى تقدير عدم كونه أولى ، فلا أقلّ من مساواته لما ذكره صاحب الفصول قدس‌سره من حمل قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) على الاستصحاب وحمل جملة من فقرات الرواية على تحصيل اليقين بفعل صلاة الاحتياط بعد الصلاة ، فتكون الرواية ـ حينئذ ـ مجملة ولا يصحّ الاستدلال بها على حجيّة الاستصحاب.

وبقي هنا الاحتمال الرابع وهو الذي يتمّ معه الاستدلال على حجيّة الاستصحاب ، وهو ما أشار إليه المصنّف قدس‌سره بقوله :

(وأضعف من هذا دعوى : أنّ حملها على وجوب تحصيل اليقين ... إلى آخره).

أي : وأضعف من الاحتمال الثالث هو الاحتمال الرابع الذي يمكن معه الاستدلال على اعتبار الاستصحاب وهو حمل قوله عليه‌السلام : (ولا ينقض اليقين بالشكّ) على حرمة نقض اليقين بالبراءة واليقين السابق بالشكّ ، لكي تدلّ الصحيحة على قاعدة البناء على اليقين بالبراءة في باب الشكّ في عدد الركعات ، وعلى حجيّة الاستصحاب في غيره ، وذلك لعدم التنافي بين المعنيين ، أي : الاستصحاب وقاعدة البناء على اليقين.

وقد أجاب عنه المصنّف قدس‌سره بأنّه أضعف من الاحتمال الثالث ، ووجه الأضعفيّة هو عدم وجود القدر الجامع بين المعنيين ، وذلك لأنّ مناط الاستصحاب هو لحاظ الحالة السابقة ومناط قاعدة البناء على اليقين بالبراءة هو دفع العقاب المحتمل.

٣٨٠