دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

المثبتة.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ استصحاب الهيئة الاتصاليّة من الاستصحابات العرفيّة الغير المبنيّة على التدقيق ، نظير استصحاب الكريّة في الماء المسبوق بالكريّة.

ويقال في بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الاتصال : إنّه لمّا كان المقصود الأصلي من القطع وعدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة وعدمه ، وكان الحكم بقابليّتها لإلحاق الباقي بها في قوّة الحكم بعدم وجوب استئنافها ، خرج من الاصول المثبتة التي ذكر في محلّه عدم الاعتداد بها في الإثبات ، فافهم.

____________________________________

(وأمّا أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة إلحاق الباقي بها فلا يبعد كونها من الاصول المثبتة) ؛ لأنّ المترتّب على أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الاتصال هو عدم قاطعيّة الشيء ، وهو أثر عقلي فيكون مثبتا.

(اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ استصحاب الهيئة الاتصاليّة من الاستصحابات العرفيّة الغير المبنيّة على التدقيق ... إلى آخره).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في تصحيح استصحاب بقاء الأجزاء السابقة على قابليّة الاتصال ، ثمّ الحكم بصحة الصلاة من دون أن يكون الأصل مثبتا هو أن يقال :

إنّ المستصحب هو مطلق الاتصال الثابت في السابق واللاحق ، وهو شيء واحد في نظر العرف التسامحي ، فيكون استصحاب قابليّة الاتصال نظير استصحاب كريّة الماء الباقي ، مع أنّ الماء الذي كان قدر كر في السابق قد انعدم بعد أخذ شيء منه في نظر العقل ، فلا مجال للاستصحاب لو كان المناط في بقاء الموضوع هو العقل الدقّي ، إلّا أنّه يجري نظرا إلى أنّ المناط في بقاء الموضوع هو نظر العرف التسامحي ، فالماء الموجود سابقا باق عرفا ، فيجري استصحاب بقاء الكريّة.

وكذلك في المقام يجري استصحاب بقاء الاتصال ثمّ يحكم بصحة الصلاة وعدم لزوم استئناف الأجزاء السابقة ، ثمّ إنّ عدم لزوم استئناف الأجزاء السابقة وصحة الصلاة وإن كان مترتّبا على الاتصال الفعلي إلّا أنّ الواسطة خفية لا يدركها العرف ، فكأنّ الأثر يترتّب على المستصحب من دون واسطة ، فيكون الاستصحاب حجّة حيث لا يكون مثبتا.

إذ سيجيء في محلّه أنّ الأثر المترتّب على المستصحب بواسطة خفية يكون حكمه

٤١

وبما ذكرنا يظهر سرّ ما أشرنا إليه في المسألة السابقة ، من عدم الجدوى في استصحاب الصحّة لإثبات صحّة العبادة المنسي فيها بعض الأجزاء ، عند الشكّ في جزئيّة المنسي حال النسيان.

وقد يتمسّك لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ المانع بقوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١) ، فإنّ حرمة الإبطال إيجاب للمضي فيها ، وهو مستلزم لصحّتها ولو بالإجماع

____________________________________

حكم ما يترتّب عليه من دون واسطة أصلا ، والمقام من هذا القبيل ، حيث إنّ الحكم بعدم وجوب استئناف الأجزاء السابقة أثر شرعي يترتّب على بقاء قابليّة الأجزاء السابقة لإلحاق الباقي بها بواسطة عدم قاطعيّة شيء ، وعدم القاطعيّة واسطة خفية فيعدّ ما يترتّب بها ، كما يترتّب بلا واسطة أصلا.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى عدم صحة استصحاب الهيئة الاتصاليّة أصلا ؛ لأنّ المستصحب يجب أن يكون من المجعولات الشرعيّة على نحو مستقل ، كالوجوب والحرمة مثلا ، وليست الهيئة الاتصاليّة كذلك.

ثمّ على فرض عدم كون المستصحب مجعولا شرعا يجب أن يترتّب عليه ما هو مجعول شرعا ، وعدم لزوم الاستئناف ليس أثرا شرعيّا بل هو أثر عقلي ، فيكون الاستصحاب ـ حينئذ ـ مثبتا قطعا.

ومنها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وقد يتمسّك لإثبات صحّة العبادة عند الشكّ في طروّ المانع بقوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)) ، وقد تقدّم الوجهان لعدم بطلان العبادة بالزيادة.

وهذا هو الوجه الثالث الذي يمكن أن يستدلّ به على صحة العبادة التي شكّ فيها ، إذ تكون الزيادة مانعة عن صحتها.

وحاصل الاستدلال بالآية على الصحة يتوقف على ذكر مقدّمة ، وهي : إنّ الآية المباركة تدلّ على حرمة الإبطال المستلزمة لإيجاب المضي في الاعمال المستلزم لصحتها ، فالمستفاد من الآية هو الملازمة بين حرمة الإبطال المستفادة من النهي وبين إيجاب

__________________

(١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

٤٢

المركّب أو عدم القول بالتفكيك بينهما في غير الصوم والحجّ.

وقد استدلّ بهذه الآية غير واحد تبعا للشيخ قدس‌سره.

وهو لا يخلو عن نظر يتوقف على بيان ما تحتمله الآية الشريفة من المعاني.

____________________________________

المضي ، ووجوب المضي ملازم لصحة العمل في نفسه ، إذ لا يجب إتمام العمل الفاسد إلّا إذا دلّ عليه الدليل ، فحينئذ ثبتت الملازمة بين إيجاب المضي في العمل وبين صحته سواء كانت الملازمة المذكورة بالدلالة اللفظيّة عند العرف ، أو بالإجماع المركّب. إذا عرفت هذه المقدّمة ، فنقول :

إنّه إذا وجب المضي بالآية حكم بصحة العمل بالإجماع المركّب ، إذ كلّ من يقول بوجوب المضي يقول بصحة العمل ، فالقول بوجوب المضي وفساد العمل قول ثالث لا يجوز إحداثه.

(أو عدم القول بالتفكيك بينهما في غير الصوم والحجّ) ، أي : عدم القول بالفصل ، والفرق بين المضي والصحة في غير الصوم والحجّ ، حيث إنّهما خرجا بالدليل الدالّ على وجوب المضي في فاسدهما ، والفرق بين الإجماع المركّب وبين القول بعدم الفصل هو أنّ المناط في تحقّق الإجماع المركّب هو الاختلاف على قولين ، والاتفاق على نفي القول الثالث بينهما ، والمناط في الثاني هو تعدّد الموضوع ثمّ عدم التفرقة في الحكم.

ففي المقام اختلف الأصحاب على قولين حيث يقول بعضهم بعدم وجوب المضي وفساد العمل.

وذهب بعضهم إلى وجوب المضي وصحة الفعل والعمل ، فقد اتفقوا بصحة العمل على فرض وجوب المضي.

ويمكن في المقام فرض القول بعدم الفصل بأن يقال : إنّ حكم الموضوعين ـ وهما المضي والعمل ـ واحد عند الأصحاب ، بمعنى أنّه إن وجب الأوّل صح الثاني ، ويكون التفكيك بينهما حكما ، بأن يكون المضي واجبا مع فساد العمل خرقا للإجماع المركّب وقولا بالفصل ، وهو لا يجوز. هذا تمام الكلام في الاستدلال بالآية على صحة العبادة في المقام ، إلّا أنّ الاستدلال المذكور لا يخلو عن إشكال ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وهو لا يخلو عن نظر يتوقف على بيان ما تحتمله الآية الشريفة من المعاني.

٤٣

فنقول : إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعله باطلا ، نظير قولك : أقمت زيدا ، أو أجلسته ، أو أغنيته ، والآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتّب عليه أثر كالمعدوم ، بعد أن لم يكن كذلك.

فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(١) بناء على أنّ النهي عن تعقيبها بهما ، بشهادة قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً)(٢) ، الآية.

الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل ، من قبيل قوله : «ضيّق فم الركيّة» ، يعني : أحدثه ضيّقا ، لا أحدث فيه الضيق بعد السعة ، والآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة ، والنهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد ، إذ لا يترتّب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا ، عدا

____________________________________

فنقول : إنّ حقيقة الإبطال ـ بمقتضى وضع باب الإفعال ـ إحداث البطلان في العمل الصحيح وجعلة باطلا).

وحاصل معنى الآية ، هو النهي عن إبطال العمل بارتكاب المعاصي بعد كونه صحيحا ، (نظير قولك : أقمت زيدا ، أو أجلسته ، أو أغنيته) حيث يكون المعنى هو حدوث القيام أو الجلوس ، أو الغناء واتصاف زيد بها بعد أن لم يكن قائما أو جالسا أو غنيا.

(فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)) حيث يكون النهي عن إبطال الصدقات بعد كونها صحيحة.

(الثاني : أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل) ، أي : المعنى الثاني أن يكون المراد بالإبطال هو إيجاد العمل من الأوّل باطلا ، بأن يأتي بما يكون مشروطا بشيء بلا شرط ، كالصلاة من دون طهارة مثلا ، فيكون (من قبيل قوله : ضيّق فم الركيّة) ، أي : أحدث فم البئر من الأوّل ضيقا.

فالنهي في الآية بالمعنى الثاني يرجع إلى النهي (عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحّتها أو فاقدة للامور المقتضية للصحّة ، والنهي على هذين الوجهين ظاهره

__________________

(١) البقرة : ٢٦٤.

(٢) البقرة : ٢٦٢.

٤٤

فوت مصلحة العمل الصحيح.

الثالث : أن يراد من إبطال العمل قطعه ورفع اليد عنه ، كقطع الصلاة والصوم والحجّ ، وقد اشتهر التمسّك بحرمة قطع العمل بها.

ويمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأوّل ، بأن يراد من الأعمال ما يعمّ الجزء المتقدّم من العمل ؛ لأنّه ـ أيضا ـ عمل لغة وقد وجد على وجه قابل لترتّب الأثر وصيرورته جزء فعليّا للمركّب ، فلا يجوز جعله باطلا ساقطا عن قابليّة كونه جزء فعليّا ، فجعل هذا المعنى مغايرا للأوّل مبني على كون المراد من العمل مجموع المركّب الذي وقع الإبطال في أثنائه.

____________________________________

الإرشاد ، إذ لا يترتّب على إحداث البطلان) ، كما هو مقتضى الوجه الأوّل (أو إيجاده باطلا) ، كما هو مقتضى الوجه الثاني ، (عدا فوت مصلحة العمل الصحيح) ، فلا يترتّب على مخالفته عقاب أصلا ، كما هو شأن كلّ نهي أو أمر إرشادي.

(الثالث : أن يراد من إبطال العمل قطعه ورفع اليد عنه ، كقطع الصلاة والصوم والحجّ) في الوسط ، والنهي في هذا الوجه ظاهر في المولوي ؛ لأنّ نصف العمل لا مصلحة فيه حتى يكون النهي إرشادا إلى حفظها ، فيستدلّ به في ما نحن فيه ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

ولهذا قد اشتهر التمسّك بحرمة قطع العمل بهذه الآية.

وكيف كان.

(ويمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأوّل ، بأن يراد من الأعمال ما يعمّ الجزء المتقدّم من العمل ، لأنّه ـ أيضا ـ عمل لغة) ، فكما أنّ قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١) يدلّ على حرمة إحداث البطلان في العمل التامّ ، كإحداث البطلان في الصلاة التامّة الصحيحة ، كذلك يدلّ على حرمة إحداث البطلان في الجزء ، كإحداث البطلان في الركعتين من الصلاة ؛ لأنّه عمل لغة كنفس الصلاة.

غاية الأمر ، صحة الجزء بحيث يترتّب عليه الأثر كالأجر والثواب ، منوط بإتيان الباقي ؛ لأنّ ترتّب الأثر من لوازم الامتثال ، وهو لا يحصل إلّا بإتيان المركّب بجميع أجزائه ، فعدم

__________________

(١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

٤٥

وكيف كان فالمعنى الأوّل أظهر ، لكونه المعنى الحقيقي ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة ، ومناسبته لما قبله من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١) ، فإنّ تعقيب إطاعة الله وإطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الإحباط ، لا إتيان العمل على الوجه الباطل ؛ لأنّها مخالفة لله والرسول.

____________________________________

الإتيان مبطلا للجزء السابق ، بمعنى عدم ترتّب الأثر عليه ، فيكون منهيّا بالآية ، إلّا أنّ تعميم الأعمال بحيث تشمل الجزء خلاف ظاهر الآية ؛ لأنّ الظاهر من الأعمال هو مجموع الأجزاء.

وكيف كان فالاستدلال بالآية على صحة العبادة إنّما يصح على الوجه الثالث ، إلّا أنّ المعنى الأوّل أظهر ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وكيف كان فالمعنى الأوّل أظهر ، لكونه المعنى الحقيقي ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في المقام ، هو عدم ظهور الآية في خصوص المعنى الثالث حتى يستدلّ بها على صحة العبادة في المقام وعدم ظهورها في المعنى الثاني أيضا ، بل هي ظاهرة في المعنى الأوّل وهو إحداث البطلان في العمل بمقتضى وضع باب الإفعال ، ولموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدّمة وهي قوله تعالى : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(٢).

(ومناسبته لما قبله من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) ، فإنّ تعقيب إطاعة الله وإطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الاحباط).

أي : بطلان العمل بالمعاصي بعد إتيانه صحيحا وجعل الإطاعة الواقعة على وجه الصحة باطلة ، فيكون المعنى : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تحدثوا فيها البطلان ، ولا يكون المعنى هو النهي عن إيجادها باطلة من الأوّل ، كما هو المعنى الثاني ؛ لأنّ العمل فيه

__________________

(١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

(٢) البقرة : ٢٦٤.

٤٦

هذا كلّه مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع ، فيناسب الإحباط بمثل الكفر ، لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب.

ويشهد لما ذكرنا ـ مضافا إلى ما ذكرنا ـ ما ورد من تفسير الآية بالمعنى الأوّل ، فعن الأمالي وثواب الأعمال عن الباقر عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قال : سبحان الله ، غرس له الله بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : الحمد لله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال : لا إله إلّا الله ، غرس الله له بها شجرة في الجنّة) ، فقال له رجل من قريش : إنّ شجرتنا في الجنّة لكثير ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : (نعم ، ولكن إيّاكم أن ترسلوا إليها نارا فتحرقوها ، إنّ الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)(١)) (٢).

____________________________________

ليس بطاعة ، حتى يتحقّق الإحباط بالإبطال.

(هذا كلّه مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع ، فيناسب الإحباط بمثل الكفر ، لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب) ، وقد تقدّمت من المصنّف قدس‌سره القرائن على ظهور الآية بالمعنى الأوّل.

(الاولى) بمقتضى وضع باب الإفعال ، (والثانية) لموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى ، (والثالثة) مناسبته لما قبله ، هذا كلّه مع ظهورها في حرمة إبطال جميع الأعمال الصادرة على نحو الصحيح ؛ لأنّ لفظ الأعمال المضاف ظاهر في العموم لكونه جمعا مضافا ، والجمع المضاف يفيد العموم ، فيكون مفاد الآية ـ حينئذ ـ حرمة إبطال جميع الأعمال ، وهو لا يتحقّق إلّا بمثل الكفر والشرك ، فيناسب الإحباط بمعنى إحداث البطلان في الأعمال الصحيحة بالمعاصي ، وأين هذا من المدّعى وهو إبطال الجزء المتقدّم من العمل بإيجاد القاطع ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب) حتى يستدلّ بها على حرمة إحداث البطلان في أجزاء العمل.

ثمّ ذكر المصنّف قدس‌سره لظهور الآية في المعنى الأوّل شاهدا من بعض الأخبار الذي ورد في تفسير الآية المباركة ، كما هو مذكور في المتن من دون حاجة إلى البيان ، وإنّما المحتاج

__________________

(١) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : ٣٣.

(٢) ثواب الأعمال : ٢٦ / ٣. الأمالي (الصدوق) : ٤٨٦ / ١٤.

٤٧

هذا إن قلنا بالإحباط مطلقا أو بالنسبة إلى بعض المعاصي.

وإن لم نقل به وطرحنا الخبر ، لعدم اعتبار مثله في مثل المسألة ، كان المراد في الآية الإبطال بالكفر ؛ لأنّ الإحباط به اتفاقي ؛ وببالي أنّي وجدت أو سمعت ورود الرواية في تفسير الآية : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) بالشرك.

____________________________________

إلى الشرح هو الإحباط فقط ، حيث أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(إن قلنا بالإحباط مطلقا أو بالنسبة إلى بعض المعاصي).

ولقد أجاد فيما أفاده الاستاذ الاعتمادي دامت إفاداته حيث قال :

اختلف القائلون باستحقاق الثواب والعقاب بين الإحباط والمجازات ، والإحباطيون على ثلاثة أقوال :

أحدها : إنّ المتأخّر يسقط المتقدّم ، ويبقى بحاله فإن عصى ثمّ أطاع سقط العصيان ، وبقيت الطاعة بحالها ، وبالعكس فأخّر عمله إن كان طاعة دخل الجنة ، وإن كان معصية دخل النار.

وثانيها : إنّ الزائد يسقط الناقص ويبقى بحاله ، فإن زادت الحسنات سقطت السيئات ، وتبقى الحسنات بلا كسر فيها ، وبالعكس.

وثالثها : الموازنة وهي أنّ الحسنات إن كانت بقدر السيئات تساقطا فيكون كيوم ولادته من أمّه ، وإن كانت الحسنات مثلا صاعين والسيئات صاعا سقطت السيئات وصاعا من الحسنات ، ويبقى صاع منها ، وبالعكس.

وأهل المجازات ـ أعني : الإماميّة ـ يقولون بأنّ الناس مجزيون بأعمالهم إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا ، وإن خلط عملا صالحا وآخر سيئا فإن تاب دخل الجنة وإلّا فيعاقب ثمّ يغسل في عين الحياة ، ويدخل الجنة.

وأمّا الخروج من الجنة إلى النار فباطل بالإجماع مطلقا ، أي : بكل معصية (أو بالنسبة إلى بعض المعاصي) كالعجب.

(وإن لم نقل به وطرحنا الخبر ، لعدم اعتبار مثله في مثل المسألة) ، أي : إن لم نقل بالإحباط ، بل قلنا بالمجازات ؛ وذلك لعدم اعتبار مثل الخبر المذكور في المسألة الاعتقاديّة (كان المراد في الآية الإبطال بالكفر ؛ لأنّ الإحباط به اتفاقي).

٤٨

هذا كلّه ، مع أنّ إرادة المعنى الثالث الذي يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الأكثر ، فإنّ ما يحرم قطعه من الأعمال بالنسبة إلى ما لا يحرم في غاية القلّة.

فإذا ثبت ترجيح المعنى الأوّل ، فإن كان المراد بالأعمال ما يعمّ بعض العمل المتقدّم ، كان دليلا ـ أيضا ـ على حرمة قطع العمل في الأثناء.

إلّا أنّه لا ينفع في ما نحن فيه ؛ لأنّ المدّعى في ما نحن فيه هو انقطاع العمل بسبب الزيادة الواقعة ، كانقطاعه بالحدث الواقع فيه لا عن اختيار ، فرفع اليد عنه بعد ذلك لا يعلم كونه قطعا له وإبطالا ، فلا معنى لقطع المنقطع وإبطال الباطل.

وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على الصحّة في ما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع ،

____________________________________

إلى أن قال المصنّف قدس‌سره.

(هذا كلّه ، مع أنّ إرادة المعنى الثالث الذي يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الأكثر ، فإنّ ما يحرم قطعه من الأعمال بالنسبة إلى ما لا يحرم في غاية القلّة) ؛ وذلك لاختصاص ما يحرم قطعه بالأعمال الواجبة ، كالصلاة والصوم والحج ، فيخرج عن الآية تمام المعاملات بالمعنى الأعمّ ، والعبادات المستحبة ، والأعمال المباحة ، فما يبقى تحتها بالنسبة إلى ما خرج منها في غاية القلّة ، وهو معنى تخصيص الأكثر.

(فإذا ثبت ترجيح المعنى الأوّل ، فإن كان المراد بالأعمال ما يعمّ بعض العمل المتقدّم ، كان دليلا ـ أيضا ـ على حرمة قطع العمل في الأثناء) ، حيث يكون المراد بالإبطال ـ حينئذ ـ هو الأعمّ من الإبطال بعد العمل ، أو الإبطال في أثنائه حيث يصدق عليه القطع.

(إلّا أنّه لا ينفع في ما نحن فيه) ؛ لأنّ العمل في المقام بعد الزيادة يحتمل أن يكون باطلا بالزيادة ، فلا يصدق الإبطال على رفع اليد عنه ، فيرجع الشكّ إلى الشكّ في الموضوع وهو الإبطال لو لم يكن العمل باطلا ، والقطع لو لم يكن منقطعا.

إذ لا معنى لإبطال ما هو الباطل وقطع ما هو المنقطع ، ومن المعلوم أنّه مع الشكّ في الموضوع لا يمكن التمسّك بالآية ؛ لأنّ التمسّك بالعموم إنّما يمكن بعد إحراز الموضوع.

ومنها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال على الصحّة في ما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع) ، هذا هو الوجه الرابع من الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على صحة العبادة بعد

٤٩

لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا لاحتمال حصول الانقطاع ، فلم يثبت في الآن اللاحق موضوع القطع ، حتى يحكم عليه بالحرمة.

وأضعف منه استصحاب وجوب إتمام العمل للشكّ في الزمان اللاحق في القدرة على إتمامه ، وفي أنّ مجرّد إلحاق باقي الأجزاء إتمام له ، فلعلّ عدم الزيادة من الشروط ، والإتيان بما عداه من الأجزاء والشرائط تحصيل لبعض الباقي لا تمامه حتى يصدق إتمام العمل.

ألا ترى أنّه إذا شكّ بعد الفراغ عن الحمد في وجوب السورة وعدمه ، لم يحكم على إلحاق ما عداها إلى الأجزاء السابقة أنّه إتمام للعمل.

____________________________________

وقوع الزيادة فيها ، وهو استصحاب حرمة القطع الملازم لوجوب المضي المستلزم لصحة العبادة.

إلّا أنّ الاستدلال بالاستصحاب المزبور ضعيف ، وقد ظهر ضعفه ممّا ذكره المصنّف قدس‌سره من الشكّ في صدق القطع ، والإبطال بعد وقوع الزيادة واستصحاب حرمة القطع مبني على إحراز الموضوع وهو صدق القطع على رفع اليد في المقام ، فلا يجري فيما شكّ في أصل الموضوع ، كما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا).

ومنها : ما أشار إليه قدس‌سره بقوله :

(وأضعف منه استصحاب وجوب إتمام العمل ... إلى آخره) ، أي : أضعف من استصحاب حرمة القطع هو استصحاب وجوب إتمام العمل ، وهو الوجه الخامس من الوجوه التي يمكن الاستدلال بها على الصحة.

وحاصل الكلام أنّ الاستدلال باستصحاب وجوب إتمام العمل ، كاستصحاب حرمة القطع في الضعف لأجل الشكّ في الموضوع ، إذ بعد وقوع الزيادة يشكّ في كون الإتيان بباقي الأجزاء والشرائط إتماما للعمل ، إذ يحتمل أن يكون عدم الزيادة شرطا للعبادة ، فلا يمكن الإتمام بعد وقوعها.

وبالجملة ، إنّ الاستصحاب الثاني كالأوّل في نسبة الضعف من أجل الشكّ في الموضوع فيهما ، ولذلك كان الأولى أن يقال : ومثله في الضعف استصحاب وجوب إتمام العمل ، فالتعبير بالأضعف ليس في محلّه.

٥٠

وربّما يجاب عن حرمة الابطال ووجوب الإتمام الثابتين بالأصل بأنّهما لا يدلّان على صحّة العمل ، فيجمع بينهما وبين أصالة الاشتغال بوجوب إتمام العمل ثمّ إعادته ، للشكّ في أنّ التكليف هو إتمام هذا العمل أو عمل آخر مستأنف.

وفيه نظر : فإنّ البراءة اليقينيّة على تقدير العمل باستصحاب وجوب التمام تحصل بالتمام ، وأنّ هذا الوجوب يرجع إلى إيجاب امتثال الأمر بكلّي الصلاة في ضمن هذا الفرد ، وعلى تقدير عدم العمل به تحصل بالإعادة من دون الإتمام.

____________________________________

قال الاستاذ الاعتمادي : لعلّ التعبير بالأضعف من جهة أنّ وجوب الإتمام مسبّب عن حرمة القطع ، فإذا لم يصح استصحابها فلا يصح استصحابه بالطريق الأولى ، وكيف كان فاستصحاب حرمة القطع ووجوب الإتمام باطلان ، للشكّ في القدرة على القطع والإتمام بعد وقوع الزيادة.

(وربّما يجاب عن حرمة الإبطال ووجوب الإتمام الثابتين بالأصل بأنّهما لا يدلّان على صحّة العمل ، فيجمع بينهما وبين أصالة الاشتغال بوجوب إتمام العمل) بمقتضى الاستصحابين (ثمّ إعادته) بمقتضى قاعدة الاشتغال والاحتياط.

وقد نسب هذا الجواب إلى صاحب الرياض قدس‌سره ، وحاصل كلامه في المقام ، هو أنّ ما أفاده من الجمع بين الاستصحابين وبين قاعدة الاشتغال مبني على جريان الاستصحابين في المقام ، فيقال : إنّهما لا يثبتان صحة العمل حتى لا تجب الإعادة ، بل تثبت بهما الحرمة والوجوب فقط.

ومن المعلوم أنّ حرمة الإبطال كوجوب الإتمام لا تلازم شرعا صحة العمل ، فيجمع بينهما وبين قاعدة الاشتغال فيحكم بوجوب إتمام العمل تمسّكا بهما ، ووجوب الإعادة تمسّكا بها ، إذ بعد إتمام العمل بمقتضى الاستصحاب يشكّ المكلّف في أنّ المكلّف به هل هو إتمام العمل أو إعادته؟ فيكون الأمر دائرا بين المتباينين ، فيجب فيه الاحتياط بالجمع بينهما.

(وفيه نظر : فإنّ البراءة اليقينيّة على تقدير العمل باستصحاب وجوب التمام تحصل بالتمام).

وحاصل النظر والإشكال كما أجاب به صاحب الرياض قدس‌سره أنّه لا وجه للجمع بين

٥١

واحتمال وجوبه وحرمة القطع مدفوع بالأصل ؛ لأنّ الشبهة في أصل التكليف الوجوبي أو التحريمي ، بل لا احتياط مستحبا في الإتمام مراعاة لاحتمال وجوبه وحرمة القطع.

لأنه موجب لالغاء الاحتياط من جهة اخرى ، وهي مراعاة نيّة الوجه التفصيلي في العبادة ، فإنّه لو قطع العمل المشكوك فيه واستأنفه نوى الوجوب على وجه الجزم ، وإن أتمّه ثمّ أعاد فاتت منه نيّة الوجوب في ما هو الواجب عليه.

____________________________________

الاستصحابين وبين قاعدة الاشتغال أصلا ؛ وذلك لأنّه إن بنى على وجوب الإتمام ولو بالاستصحاب لحصلت البراءة اليقينيّة بالإتمام ، فلا تجري قاعدة الاشتغال حينئذ حتى يحكم بوجوب الإعادة ؛ وذلك للملازمة بين وجوب الإتمام وصحة العمل بالإجماع المركّب ، أو بعدم القول بالفصل كما عرفت سابقا.

وإن بنى على عدم وجوب الإتمام لعدم جريان الاستصحاب فتصل النوبة إلى قاعدة الاشتغال ، ومقتضاها وجوب الإعادة ، فلا معنى لما ذكر من الجمع بين الاستصحابين وبين أصالة الاشتغال.

وبعبارة أخرى : إنّ وجوب الإتمام الثابت بالاستصحاب يرجع إلى إيجاب امتثال الأمر بكلّي الصلاة في ضمن هذا الفرد ، وحينئذ لا معنى لوجوب الإعادة ثانيا لأنّه امتثال بعد الامتثال ، ولا معنى للامتثال عقيب الامتثال ، نعم على تقدير عدم الإتيان بهذا الفرد تجب الإعادة ، وتحصل البراءة بها.

(واحتمال وجوبه) ، أي : الإتمام (وحرمة القطع مدفوع بالأصل) ، فإنّ الشكّ بالنسبة إلى وجوب الإتمام وحرمة القطع يكون شكّا في أصل التكليف ، فتجري فيه أصالة البراءة.

قوله : (بل لا احتياط مستحبا ... إلى آخره) دفع لما يمكن أن يقال من أنّ المستحب في المقام هو الاحتياط التامّ الحاصل بالإتمام والإعادة معا.

وحاصل الدفع إنّ الاحتياط التامّ غير ممكن في المقام (لأنّه موجب لإلغاء الاحتياط من جهة اخرى ، وهي مراعاة نيّة الوجه التفصيلي في العبادة ، فإنّه لو قطع العمل المشكوك فيه واستأنفه نوى الوجوب على وجه الجزم) حصلت نيّة الوجه التفصيلي المعتبرة في العبادة فتبرأ ذمته يقينا.

وهذا بخلاف ما إذا أتمّ العمل ثمّ أعاده ففاتت نيّة الوجوب حيث لا يعلم وجوب ما

٥٢

ولا شكّ أنّ هذا الاحتياط على تقدير عدم وجوبه أولى من الاحتياط المتقدّم ؛ لأنّه كان الشكّ فيه في أصل التكليف ، وهذا شكّ في المكلّف به.

والحاصل : إنّ الفقيه إذا كان متردّدا بين الإتمام والاستئناف ، فالأولى له الحكم بالقطع ، والأمر بالإعادة بنيّة الوجوب.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من حكم الزيادة وأنّ مقتضى أصل البراءة عدم مانعيّتها إنّما هو بالنظر إلى الأصل الأوّلي ، وإلّا فقد يقتضي الدليل في خصوص بعض المركّبات البطلان ، كما في الصلاة حيث دلّت الأخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها.

____________________________________

يأتيه ثانيا لاحتمال حصول الواجب الواقعي بالإتمام ، فلا يمكن له نيّة الوجوب فيه جزما.

(ولا شكّ أنّ هذا الاحتياط) ، أي : الاحتياط بالنسبة إلى الجزم بالنيّة على تقدير عدم وجوبه كما هو الحقّ عند المحقّقين ومنهم المصنّف قدس‌سره حيث قالوا بعدم اعتبار نيّة الوجه في العبادة أصلا فضلا عن الجزم بها(أولى من الاحتياط المتقدّم) وهو الجمع بين الإتمام والإعادة ؛ وذلك لأنّ الشكّ في مورد الاحتياط المتقدّم يكون في أصل التكليف ، أي : الشكّ في أصل وجوب الإتمام وحرمة القطع.

(وهذا شكّ في المكلّف به) ، أي : الشكّ في وجوب الجزم بالنيّة شكّ في المكلّف به ، بمعنى أنّ المكلّف يشك في أنّ المكلّف به في حقّه هل هو الاستئناف جازما بالنيّة حتى تجب عليه الإعادة بدون الإتمام ، أو هو الاستئناف بدون الجزم بالنيّة فيجمع الاستئناف مع الإتمام؟

(والحاصل : إنّ الفقيه إذا كان متردّدا بين الإتمام والاستئناف) ، بأن يجمع بين الإتمام والإعادة من باب الاحتياط ، وبين الإعادة فقط من أجل تحصيل الجزم بالنيّة احتياطا(فالأولى له الحكم بالقطع ، والأمر بالإعادة بنيّة الوجوب) ، أي : ترجيح الاحتياط بالنسبة إلى تحصيل الجزم بنيّة الوجوب ، لما تقدّم من أنّ الشكّ فيه شكّ في المكلّف به ، والشكّ في الأوّل في أصل التكليف.

ومن المعلوم أنّ الاحتياط في الشكّ في المكلّف به ، أعني : شرطيّة الجزم بالنيّة أولى بالمراعاة من الاحتياط في الشكّ في التكليف ، أعني : وجوب الإتمام ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي بتصرّف.

(ثمّ إنّ ما ذكرناه من حكم الزيادة وأنّ مقتضى أصل البراءة عدم مانعيّتها إنّما هو بالنظر

٥٣

مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (١).

وقوله عليه‌السلام : (وإذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته) (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ فيما حكي عن تفسير العياشي ، في من أتمّ في السفر ـ : (إنّه يعيده) ، قال : (لأنّه زاد في فرض الله عزوجل) (٣) ، دلّ بعموم التعليل على وجوب الإعادة لكلّ زيادة في فرض الله عزوجل.

وما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة من التعليل بقوله عليه‌السلام : (لأنّ السّجود زيادة في المكتوبة) (٤).

وما ورد في الطواف : (لأنّه مثل الصّلاة المفروضة في أنّ الزيادة مبطلة له) (٥).

ولبيان معنى الزيادة وأنّ سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة مقام آخر ، وإن كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة ، إلّا أنّ الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة أهمّ من ذكر ما يناسب.

____________________________________

إلى الأصل الأوّلي ، وإلّا فقد يقتضي الدليل في خصوص بعض المركّبات البطلان ، كما في الصلاة حيث دلّت الأخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها).

ثمّ ذكر المصنّف قدس‌سره عدّة أخبار في المقام ، وما ذكره المصنّف قدس‌سره في المتن من الوضوح بما يغنينا عن الشرح والتوضيح فراجع.

ثمّ قال المصنّف قدس‌سره : (ولبيان معنى الزيادة وأنّ سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة مقام آخر ، وإن كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة ، إلّا أنّ الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة) وهو مباحث الشكوك في التكليف والمكلّف به على ما في شرح الأستاذ الاعتمادي (أهمّ من ذكر ما يناسب). هذا تمام الكلام في المسألة الثانية.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٥. الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ٢. والحديث فيهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢. غوالي اللآلئ ٣ : ٩٤ / ١٠٦.

(٣) تفسير العياشي ١ : ٢٩٧ / ٢٥٣ ، وقد نقله بالمعنى.

(٤) الكافي ٣ : ٣١٨ / ٦. التهذيب ٢ : ٩٦ / ٣٦١. الوسائل ٦ : ١٠٥ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٤٠ ، ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥١ / ٤٩٨. الوسائل ١٣ : ٣٦٦ ، أبواب الطواف ، ب ٣٤ ، ح ١١.

٥٤

المسألة الثالثة

في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا

وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح.

والكلام هنا كما في النقص نسيانا ، لأنّ مرجعه إلى الاختلال بالشرط نسيانا ، وقد عرفت أنّ حكمه البطلان ووجوب الإعادة.

فثبت من جميع المسائل الثلاث أنّ الأصل في الجزء أن يكون نقصه مخلّا ومفسدا دون زيادته ، نعم ، لو دلّ دليل على قدح زيادته عمدا كان مقتضى القاعدة البطلان بها سهوا ، إلّا

____________________________________

(المسألة الثالثة : في ذكر الزيادة سهوا التي تقدح عمدا ، وإلّا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح).

الذي يظهر من كلام المصنّف قدس‌سره أنّ محلّ الكلام في هذه المسألة هو زيادة ما تقدح زيادته عمدا ؛ وذلك لأنّ الزيادة العمديّة على قسمين :

أحدهما : ما لا تقدح زيادته.

وثانيهما : ما تقدح زيادته عمدا.

ومحلّ الكلام في القسم الثاني ؛ لأنّ القسم الأوّل خارج عن محلّ النزاع ، لما ذكره المصنّف قدس‌سره من أنّ ما لا تقدح زيادته عمدا ، لا تقدح زيادته سهوا بطريق أولى ، كالجزء الذي أخذ بنحو (اللابشرط) ، أمّا محلّ الكلام فهو مختص بالجزء الملحوظ(بشرط لا).

وكيف كان فهل أنّ الزيادة سهوا مبطلة أم لا؟ لأنّه يرجع إلى الشكّ في شرطيّة عدم الزيادة ، فيكون مرجع البحث بالنتيجة إلى النقص والاختلال بالشرط نسيانا ، وقد عرفت في المسألة الاولى أنّ مقتضى الأصل في نقص الشرط سهوا ، كنقص الجزء سهوا هو البطلان ووجوب الإعادة ، كما أشار اليه قدس‌سره بقوله :

(وقد عرفت أنّ حكمه البطلان ووجوب الإعادة).

يقول المصنّف قدس‌سره : (فثبت من جميع المسائل الثلاث أنّ الأصل في الجزء أن يكون نقصه مخلّا ومفسدا دون زيادته).

أي : الأصل الأوّلي في الجزء الذي شكّ في ركنيّته بعد ثبوت أصل الجزئيّة هو فساد

٥٥

أن يدلّ دليل على خلافه ، مثل قوله عليه‌السلام : (لا تعاد الصّلاة إلّا من خمسة) (١) بناء على شموله لمطلق الاختلال الشامل للزيادة ، وقوله عليه‌السلام في المرسلة : (تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك) (٢).

فتلخّص من جميع ما ذكرنا : إنّ الأصل الأوّلي في ما ثبت جزئيّته الركنيّة إن فسّر الركن بما تبطل الصلاة بنقصه.

وإن عطف على النقص الزيادة عمدا وسهوا ، فالأصل يقتضي التفصيل بين النقص والزيادة عمدا وسهوا ، لكنّ التفصيل بينهما غير موجود في الصلاة ، إذ كلّ ما تبطل الصلاة بالإخلال به سهوا يبطل بزيادته عمدا وسهوا.

فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة معارضة بضميمة عدم القول بالفصل

____________________________________

العبادة بنقصه مطلقا دون زيادته كذلك ، أمّا الفساد والبطلان بالنقص عمدا فواضح ؛ لأنّ لازم الجزئيّة هو بطلان العبادة بتركه ، وأمّا البطلان بالنقض سهوا ، فلأنّ جزئيّة الجزء لا تختصّ بحال الالتفات ، بل الجزء جزء حال النسيان أيضا ، والوجه في عدم البطلان بالزيادة هو أصالة عدم مانعيّة الزيادة ما لم يقصد بها الجزئيّة.

(فتلخّص من جميع ما ذكرنا : إنّ الأصل الأوّلي في ما ثبت جزئيّته الركنيّة إن فسّر الركن بما تبطل الصلاة بنقصه) ، إذ قد تقدّم أنّ الأصل الأوّلي يقتضي البطلان بالنقص في الجزء ، فحينئذ إذا قلنا بأنّ الركن ما تبطل الصلاة بنقصه كان مقتضى الأصل الأوّلي في جانب النقيصة هو الركنيّة.

(وإن عطف على النقص الزيادة عمدا وسهوا) ، بأن يقال : إنّ الركن ما تبطل الصلاة بنقصه أو زيادته عمدا أو سهوا كان مقتضى الأصل الأوّلي هو التفصيل بين النقص فتبطل الصلاة به وبين الزيادة سهوا فلا تبطل ، إلّا أنّ التفصيل بينهما الذي يقتضيه الأصل غير موجود في الصلاة ؛ لعدم القول بالفصل بينهما حكما ، فكلّ جزء تبطل الصلاة بنقصه سهوا تبطل بزيادته أيضا.

(فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة معارضة بضميمة عدم القول بالفصل

__________________

(١) الخصال ١ : ٢٨٥ / ٣٥. الوسائل ٥ : ٤٧١ ، أبواب أفعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨. الوسائل ٨ : ٢٥١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣٢ ، ح ٨.

٥٦

بأصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا.

فإن جوّزنا القول بالفصل في الحكم الظاهري الذي تقتضيه الاصول العمليّة في ما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعي فيعمل بكلّ من الأصلين ، وإلّا فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة ، كما لا يخفى.

____________________________________

بأصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في تقريب التعارض المذكور كما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ أصالة الاشتغال تقتضي قدح النقص ، وبانضمام عدم الفصل تقتضي قدح الزيادة أيضا ، والحال أنّ البراءة تقتضي عدم قدحها ، فيتعارض الأصلان في الزيادة ، حيث تقتضي أصالة الاشتغال قدح الزيادة ولو بانضمام عدم الفصل ، وتقتضي أصالة البراءة عدم قدح الزيادة.

وعن تعليقة المرحوم غلام رضا قدس‌سره : يقع التعارض بضميمة عدم القول بالفصل بين أصالة الاشتغال الجارية في طرف النقيصة أصالة ، وفي طرف الزيادة بضميمة عدم القول بالفصل ، وبين أصالة البراءة الجارية في طرف الزيادة أصالة ، وفي طرف النقيصة بضميمة عدم القول بالفصل.

(فإن جوّزنا القول الفصل في الحكم الظاهري الذي تقتضيه الاصول العمليّة في ما لا فصل فيه من حيث الحكم الواقعي) لما برهن في محلّه من أنّ عدم جواز خرق الإجماع المركّب والقول بالتفصيل إنّما هو في الحكم الواقعي دون الظاهري ، (فيعمل بكلّ من الأصلين) ، إذ لا تنافي بين الأصلين على تقدير جواز الفصل.

(وإلّا فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة).

أي : وإن لم نجوّز الفصل في الحكم الظاهري كالواقعي ، لكان التعارض والتنافي بين الأصلين باقيا على حاله ، فلا بدّ من ترجيح أحدهما على الآخر ، واختار المصنّف قدس‌سره ترجيح أصالة الاشتغال على أصالة البراءة ، ولعلّ ذلك لكون قاعدة الاشتغال واردة على أصالة البراءة ؛ لأنّ موضوع البراءة العقليّة وهو عدم احتمال العقاب يرتفع بعد احتمال العقاب.

فحينئذ التعبير بترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة لا يخلو من مسامحة ؛ وذلك لعدم

٥٧

هذا كلّه مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الاصول ، وأمّا بملاحظتها فمقتضى : (لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة) (١) والمرسلة (٢) المذكورة ، عدم قدح الزيادة والنقص سهوا ، ومقتضى عموم أخبار الزيادة المتقدّمة قدح الزيادة عمدا وسهوا ، وبينهما تعارض العموم من وجه في الزيادة السهويّة بناء على اختصاص (لا تعاد) بالسهو.

____________________________________

جريان البراءة أصلا ، حتى يحكم بترجيح قاعدة الاشتغال عليها.

وبالجملة ، على فرض التعارض بين الأصلين يكون الأمر دائرا بين الأخذ بأحدهما ، بمعنى ؛ إمّا العمل بأصل البراءة في طرف الزيادة أصالة ، وفي طرف النقيصة بضميمة عدم القول بالفصل ؛ أو العمل بأصل الاشتغال في طرف النقيصة أصالة ، وفي طرف الزيادة بعدم الفصل.

ومفاد الأوّل هو الترخيص ، بخلاف الثاني ، فإنّ مفاده الحكم الإلزامي ، ولا شبهة في أنّه إذا حصل الدوران في ما هو كذلك يكون الحكم الإلزامي هو المتعيّن للأخذ ، كيف واحتمال الضرر موجود ، والحال هذه كما في تعليقة غلام رضا قدس‌سره بتصرّف منّا.

وأوضح من جميع ما ذكر في كون قاعدة الاشتغال واردة على البراءة ما في شرح التنكابني ، وملخّصه : إنّ موضوع البراءة هو عدم البيان في طرف الزيادة ، ثمّ البيان قد حصل في طرف النقيصة ، وبمقتضى عدم الفصل يحصل في جانب الزيادة أيضا ، فينتفي حينئذ موضوع البراءة ؛ لأنّ البيان في أحد المتلازمين بيان في الآخر.

وكيف كان (هذا كلّه مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الاصول ، وأمّا بملاحظتها فمقتضى : (لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة) والمرسلة المذكورة) في آخر المسألة الأولى وهي قوله عليه‌السلام في مرسلة سفيان : (تسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة ونقيصة تدخل عليك) ، (عدم قدح الزيادة والنقص سهوا ، ومقتضى عموم أخبار الزيادة المتقدّمة) في آخر المسألة الثانية ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من زاد في صلاته فعليه الإعادة) (٣) (قدح الزيادة عمدا وسهوا ، وبينهما تعارض العموم من وجه في الزيادة السهويّة بناء على اختصاص (لا تعاد) بالسهو).

__________________

(١) الخصال ١ : ٢٨٥ / ٣٥ ، الوسائل ٥ : ٤٧١ ، أبواب افعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٤.

(٢) التهذيب ٢ : ١٥٥ / ٦٠٨. الوسائل ٨ : ٢٥١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ٣٢ ، ح ٨.

(٣) الكافي ٣ : ٣٥٥ / ٥. الوسائل ٨ : ٢٣١ ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، ب ١٩ ، ح ١٢.

٥٨

والظاهر حكومة قوله : (لا تعاد) على أخبار الزيادة ؛ لأنّها كأدلّة سائر ما يخلّ فعله أو تركه بالصلاة ، كالحدث والتكلّم ، وترك الفاتحة.

____________________________________

وحينئذ يقع التعارض بين (لا تعاد) وبين أخبار الزيادة في مادّة الاجتماع وهي الزيادة السهويّة ، حيث يكون مقتضى (لا تعاد) عدم الإعادة ، ومقتضى أخبار الزيادة وجوب الإعادة ، ومادّة الافتراق من جانب (لا تعاد) هي النقيصة السهويّة ، ومن جانب أخبار الزيادة هي الزيادة العمديّة.

قال الاستاذ الاعتمادي : في قوله عليه‌السلام : (لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة) ثلاثة وجوه :

الأوّل : اختصاصه بالنقص سهوا. أمّا بالنقص ، فلأنّ الطهارة والوقت ، والقبلة لا تقبل الزيادة ، وأمّا بالسهو ، فلأنّ النقص العمدي قادح قطعا وحينئذ لا يعارض بأخبار الزيادة.

والثاني : اختصاصه بالسهو وعمومه للزيادة والنقص. أمّا الاختصاص ، فلأنّ عدم القدح في طرف النقص مختص بالسهو ، فكذا في الزيادة إذ الظاهر تساوي نسبة عدم الإعادة إلى الطرفين.

وأمّا العموم ، فلأنّ الخبر المذكور لا يمنع من حمله على مطلق الإخلال سواء كان بالنقص أو الزيادة فيما تكون ممكنة فيه ، والنسبة حينئذ العموم من وجه ، مادّة الافتراق من جانب (لا تعاد) وعدم قدح النقص سهوا ومادّة الافتراق من جانب أخبار الزيادة وقدح الزيادة عمدا ، ومادّة الاجتماع التي يتعارضان فيها هي الزيادة سهوا ، كما في كلام المصنّف قدس‌سره. وستأتي حكومة (لا تعاد) على أخبار الزيادة في كلام المصنّف قدس‌سره فانتظر.

والثالث : عموم (لا تعاد) بالنسبة إلى النقص والزيادة عمدا وسهوا ؛ وذلك لانتفاء قيد السهو فيه ، والنسبة حينئذ ـ أيضا ـ العموم من وجه ، مادّة الافتراق من جانب (لا تعاد) وهي عدم قدح النقص في غير الخمسة ، ومادّة الافتراق من جانب أخبار الزيادة هي قدحها عمدا وسهوا في الخمسة ، أي : الطهور ، والوقت ، والقبلة ، والركوع ، والسجود ، ويتعارضان في مادّة الاجتماع ، وهي الزيادة عمدا وسهوا إذا كانت من غير الخمسة ، فيرجع إلى قانون التعارض. هذا ما أفاده الاستاذ في هذا المقام بتصرّف.

(والظاهر حكومة قوله : (لا تعاد) على أخبار الزيادة) ؛ وذلك لوجود ملاك الحكومة ، وهو كون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم ومفسّرا له في (لا تعاد) ، بالنسبة إلى

٥٩

وقوله : (لا تعاد) يفيد أنّ الإخلال بما دلّ الدليل على عدم جواز الإخلال به إذا وقع سهوا لا يوجب الإعادة ، وإن كان من حقّه أن يوجبها.

والحاصل : أنّ هذه الصحيحة (١) مسوقة لبيان عدم قدح الإخلال سهوا بما ثبت قدح الإخلال به في الجملة.

ثمّ لو دلّ دليل على قدح الاخلال بشيء سهوا ، كان أخصّ من الصحيحة إن اختصّت

____________________________________

أخبار الزيادة ، فإنّها متعرّضة للزيادة حينما تكون في مقام بيان ماهيّة العمل وتبيّن أنّ من شرائط العمل عدم الزيادة من دون توجّه وتعرض فيها بالنسبة إلى كون الزيادة عمدا أو سهوا.

وأمّا قوله : (لا تعاد) فهو في مقام بيان الإخلال بالشرط المستفاد من أخبار الزيادة ، وهو عدم الزيادة مطلقا ـ كما تقدّم ـ ويبيّن حكم الزيادة بأنّها إذا كانت عن سهو لا تقدح ، ولا توجب الإعادة ، (وإن كان من حقّه أن يوجبها) ، أي : الإعادة نظرا إلى أخبار الزيادة لو لا خبر(لا تعاد) ، فيكون خبر(لا تعاد) مفسّرا لما هو المراد من أخبار الزيادة ، وهذا هو ملاك الحكومة.

هذا تمام الكلام في تقديم خبر(لا تعاد) على أخبار الزيادة حيث يكون بالحكومة ، إلّا أنّ المصنّف قدس‌سره لم يتعرض لعلاج التعارض بين المرسلة المتقدّمة وبين أخبار الزيادة ، وتركه علاج التعارض بينهما لا يخلو من أحد أمرين :

أحدهما : عدم حجّية المرسلة.

وثانيهما : على فرض الحجّية ، لوضوح تقديم المرسلة عليها ؛ إمّا بالحكومة أو بالتخصيص ، لكونها صريحة في عدم الزيادة ، مبطلة إذا كانت عن سهو ، وأخبار الزيادة تشمل الزيادة عن عمد وسهو ، فتكون المرسلة مخصّصة لها.

(ثمّ لو دلّ دليل على قدح الإخلال بشيء سهوا) ، بأن دلّ على قدح الزيادة سهوا كقوله عليه‌السلام : (إذا استيقن أنّه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته) (٢) حيث يكون ظاهرا في الاستيقان على الزيادة الواقعة سهوا.

__________________

(١) الخصال ١ : ٢٨٥ / ٣٥. الوسائل ٥ : ٤٧١ ، أبواب افعال الصلاة ، ب ١ ، ح ١٤.

(٢) الكافي ٣ : ٣٥٤ / ٢ ، غوالي اللآلئ ٣ : ٩٤ / ١٠٦.

٦٠