دروس في الرسائل - ج ٤

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الرسائل - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: ياران
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٣

فيكون وجه الحاجة إلى إحراز التذكية ـ مع أنّ الإباحة والطهارة لا تتوقّفان عليه بل يكفي استصحابهما ـ أنّ استصحاب عدم التذكية حاكم على استصحابهما ، فلولا ثبوت التذكية بأصالة عدم الموت حتف الأنف لم يكن مستندا للإباحة والطهارة.

____________________________________

حدوث سبب نجاسة اللحم ـ وهو الموت حتف الأنف ـ سليمة عن المعارض).

وحاصل الكلام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، أنّه لو كان موضوع النجاسة أمرا وجوديّا وهو الموت حتف الأنف والذبح الفاسد ، فمن البديهي أنّه ليس بنفسه مجرى الاستصحاب ، لعدم ثبوته سابقا ، بل من اللوازم العقليّة لاستصحاب عدم التذكية وهو غير جار لكونه أصلا مثبتا.

فإذا لم يجر الأصل المذكور تجري أصالة عدم الموت حتف الأنف سليمة عن المعارض ، إلّا أنّ أصالة عدم الموت حتف الأنف إنّما تنفع لمجرّد نفي موضوع النجاسة ، ولا يثبت بها موضوع الطهارة ، وهي التذكية ، لكون الأصل حينئذ أصلا مثبتا.

ومن هنا ظهر أنّ ما زعمه السيّد الشارح للوافية ـ من أنّ أصالة عدم التذكية تثبت الموت حتف الأنف ، وأصالة عدم حتف الأنف تثبت التذكية ـ مبني على اعتبار الأصل المثبت وهو ممّن يقول به ، فيجري حينئذ الأصلان المذكوران ويتساقطان بالتعارض ، فيرجع إلى أصالة الطهارة واستصحابها من دون حاجة إلى إحراز التذكية بأصالة عدم الموت حتف الأنف في الحكم بالطهارة.

إلّا أنّ أصل الطهارة واستصحابها محكومان باستصحاب عدم التذكية المثبت للموت حتف الأنف ، فلا بدّ حينئذ من إجراء أصالة عدم الموت حتف الأنف المثبتة للتذكية حتى يقع التعارض بينها وبين أصالة عدم التذكية المثبتة للموت حتف الانف لتتساقط به ، وتصل النوبة إلى أصل الطهارة واستصحابها بعد سقوط الأصل الحاكم عليهما بالتعارض ، وإلّا فلا مستند للطهارة.

وقد أشار إلى وجه الحاجة إلى إحراز التذكية بقوله :

(فيكون وجه الحاجة إلى إحراز التذكية ... أنّ استصحاب عدم التذكية حاكم على استصحابهما).

ثمّ أشار المصنّف قدس‌سره إلى منشأ ما زعمه السيّد الشارح للوافية بقوله :

٤٤١

وكأنّ السيّد قدس‌سره ذكر هذا ، لزعمه أنّ مبنى تمسّك المشهور على إثبات الموت حتف الأنف بأصالة عدم التذكية ، فتستقيم ـ حينئذ ـ معارضتهم بما ذكره السيّد قدس‌سره ، فيرجع بعد التعارض إلى قاعدة الحلّ والطهارة واستصحابهما.

لكنّ هذا كلّه مبني على ما فرضناه من تعلّق الحكم على الميتة والقول بأنّها ما زهق روحه بحتف الأنف.

أمّا إذا قلنا بتعلّق الحكم على لحم لم يذكّ حيوانه أو لم يذكر اسم الله عليه ، أو تعلّق الحلّ على ذبيحة المسلم أو ما ذكر اسم الله عليه ـ المستلزم لانتفائه بانتفاء أحد الأمرين ولو بحكم الأصل ، ولا ينافي ذلك تعلّق الحكم في بعض الأدلّة الأخر بالميتة ولا ما علّق فيه الحلّ على ما لم يكن ميتة ، كما في آية : (قُلْ لا أَجِدُ ...)(١) الآية ، أو قلنا : إنّ الميتة هو ما زهق روحه

____________________________________

(وكأنّ السيّد قدس‌سره ذكر هذا) ـ أي : التعارض ـ (لزعمه أنّ مبنى تمسّك المشهور) باستصحاب عدم التذكية في الحكم بالنجاسة (على إثبات الموت حتف الأنف بأصالة عدم التذكية ، فتستقيم ـ حينئذ ـ معارضتهم بما ذكره السيّد قدس‌سره ، فيرجع بعد التعارض) والتساقط(إلى قاعدة الحلّ والطهارة واستصحابهما ، لكنّ هذا كلّه) ، أي : الحكم بطهارة مشكوك التذكية بعد التعارض من شارح الوافية (مبني على ما فرضناه من تعلّق الحكم على الميتة والقول بأنّها ما زهق روحه بحتف الأنف) فتكون أمرا وجوديا.

(أمّا إذا قلنا بتعلّق الحكم على) أمر عدمي مثل (لحم لم يذكّ حيوانه أو لم يذكر اسم الله عليه ، أو تعلّق الحلّ على ذبيحة المسلم أو ما ذكر اسم الله عليه المستلزم لانتفائه) ـ أي : الحلّ ـ (بانتفاء أحد الأمرين) ، أي : كون الذابح مسلما أو ذكر اسم الله عليه (ولو بحكم الاصل) ، أي : أصالة عدم كون الذابح مسلما وعدم تذكية المسلم له ، وأصالة عدم ذكر اسم الله عليه ، لأن كلّا منهما حادث والأصل عدمه.

(ولا ينافي ذلك) ، أي : تعلّق الحكم بالنجاسة على أمر عدمي كعدم التذكية ، والحلّ بالتذكية (تعلّق الحكم في بعض الأدلّة الأخر بالميتة) ؛ لأن المراد بالميتة حينئذ ما لم يذكّ ، (ولا ما علّق فيه الحلّ على ما لم يكن ميتة) ؛ لأنّ المراد من عدم الميتة هو المذكّى.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٥.

٤٤٢

مطلقا ، خرج منه ما ذكّي ، فإذا شكّ في عنوان المخرج فالأصل عدمه ـ فلا محيص عن قول المشهور.

ثمّ إنّ ما ذكره الفاضل التوني ـ من عدم جواز إثبات عمرو باستصحاب الضاحك المحقّق

____________________________________

(كما في آية : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) الآية. أو قلنا :) ـ عطف على قوله : (قلنا بتعلّق الحكم) ـ (إنّ الميتة هو ما زهق روحه مطلقا) ، سواء كان حتف الأنف أو الذبح الفاسد أو التذكية كما في شرح الاعتمادي ، (خرج منه ما ذكّي ، فإذا شكّ في عنوان المخرج فالأصل عدمه) ، أي : عنوان.

(فلا محيص) جواب لقوله : (أمّا إذا قلنا).

يعني : فلا محيص عن قول المشهور بالنجاسة بعد انتفاء عنوان التذكية بالأصل.

والمتحصّل من جميع ما ذكر ، هو أنّ الأقوال في باب المذكّى والميتة ثلاثة ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي :

أحدها : مذهب جمع منهم الفاضل التوني والسيّد الصدر :

وهو أنّ موضوع الطهارة أمر وجودي ـ أعني : المذكّى ـ وموضوع النجاسة أيضا أمر وجودي ، أعني : ما مات بحتف الأنف أو بالذبح الفاسد ، وأنّه المراد من الميتة ، وقد عرفت الحكم بطهارة مشكوك التذكية بقاعدة الطهارة أو استصحابها على هذا القول.

ثانيها : مذهب المشهور : وهو أنّ موضوع الطهارة أمر وجودي ، أعني : المذكّى وموضوع النجاسة أمر عدمي ، أعني : ما لم يذكّ ، وأنّه المراد من الميتة ، وعلى هذا يحكم بنجاسة مشكوك التذكية باستصحاب عدم تذكية ما شكّ في تذكيته.

نعم ، لو لم يكن الاستصحاب حجّة أو تعارض استصحاب عدم التذكية باستصحاب الطهارة ، ولم يكن الأوّل حاكما على الثاني يحكم بالطهارة بأصل الطهارة.

ثالثها : إنّ موضوع النجاسة هو مطلق ما زهق روحه إمّا بحتف الأنف أو بالذبح الفاسد ، أو بالتذكية وهو المراد من الميتة لكن خرج منه المذكّى فحكم بطهارته وحلّيّته بالدليل ، وعلى هذا أيضا يحكم بالنجاسة عند الشكّ في التذكية إذ باستصحاب عدم التذكية يثبت أنّه ليس من أفراد الخاصّ فيتمسّك بعموم نجاسة الميتة. نعم ، لو لم يكن الاستصحاب حجّة جرت أصالة الطهارة لعدم التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة.

٤٤٣

في ضمن زيد ـ صحيح. وقد عرفت أنّ عدم جواز استصحاب نفس الكلّي وإن لم تثبت خصوصيّته لا يخلو عن وجه ، وإن كان الحقّ فيه التفصيل ، كما عرفت.

إلّا أنّ كون عدم المذبوحيّة من قبيل الضاحك محلّ نظر ، من حيث إنّ العدم الأزلي مستمر مع حياة الحيوان وموته حتف الأنف ، فلا مانع من استصحابه وترتيب أحكامه عليه عند الشكّ وإن قطع بتبادل الوجودات المقارنة له.

____________________________________

(ثمّ إنّ ما ذكره الفاضل التوني ـ من عدم جواز إثبات عمرو باستصحاب الضاحك المحقّق في ضمن زيد ـ صحيح. وقد عرفت) في القسم الثالث من استصحاب الكلّي (أنّ عدم جواز استصحاب نفس الكلّي وإن لم تثبت خصوصيّته لا يخلو عن وجه) ، بل الحقّ هو جواز الاستصحاب في بعض الأقسام.

(إلّا أنّ كون عدم المذبوحيّة من قبيل الضاحك محلّ نظر ، من حيث إنّ العدم الأزلي مستمر مع حياة الحيوان وموته حتف الأنف ، فلا مانع من استصحابه وترتيب أحكامه عليه عند الشكّ وإن قطع بتبادل الوجودات المقارنة له).

وحاصل إشكال المصنف قدس‌سره على الفاضل التوني رحمه‌الله على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّ التوني رحمه‌الله أصاب في أمر وأخطأ في أمرين ، فأصاب في إبطال مثل استصحاب كلّي الضاحك عند ارتفاع زيد واحتمال قيام عمرو مقامه للقطع بارتفاع وجوده السابق ، سواء اريد باستصحابه إثبات الضاحك أو إثبات عمرو المحتمل الحدوث ، مضافا إلى أنّه حينئذ مثبت أيضا.

إلّا أنّه أخطأ ؛ تارة في فهم مراد المشهور ، حيث توهّم أنّ موضوع النجاسة عندهم أمر وجودي هو حتف الأنف ، وأنّهم يريدون باستصحاب عدم التذكية إثبات ذلك ، والحال أنّ موضوع النجاسة عندهم نفس عدم التذكية ، وأخطأ اخرى في قوله : بأنّ عدم المذبوحيّة اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحيّة اللازم لحتف الأنف.

وجه الخطأ أنّ ذلك إنّما يتمّ في الوجوديات ، مثلا وجود الإنسان في ضمن زيد غير وجوده في ضمن عمرو ، لا في العدميات ، فإنّ عدم التذكية عدم أزلي مستمر إلى أن يرفعه رافع ، ولا يتبادل بمصادفة الحياة أو الموت حتف الأنف ، فلا مانع حينئذ من استصحابه.

٤٤٤

بل لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب في القسمين الأوّلين من الكلّي ، كان الاستصحاب في الأمر العدمي المقارن للوجودات خاليا عن الإشكال إذا لم يرد به إثبات الموجود المتأخّر المقارن له ، نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية أو ارتباط الموجود المقارن له به.

كما إذا فرض الدليل على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا فهي استحاضة ، فإنّ استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق

____________________________________

(بل لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب في القسمين الأوّلين من الكلّي).

والمراد بالقسمين الأوّلين هو القسمان الأوّلان من أصل أقسام استصحاب الكلّي لا من القسم الثالث منه ، لما عرفت من أنّ الحقّ عند المصنّف ـ في أقسام القسم الثالث ـ هو التفصيل بين القسم الأوّل فيجري الاستصحاب فيه ، وبين القسم الثاني المنقسم إلى القسمين ، فلا يجري فيه الاستصحاب.

وكيف كان ، فجريان الاستصحاب في الأمر العدمي المقارن للوجودات يكون خاليا عن الإشكال إذا اريد به إثبات نفس الأمر العدمي كعدم التذكية ، و (لم يرد به إثبات الموجود المتأخّر) حتى يردّ عليه بوجهين :

أحدهما : إنّه أصل مثبت حينئذ.

وثانيهما : إنّه معارض بأصالة عدم هذا الموجود المتأخّر.

وبالجملة إنّ الأصل المذكور مثبت (نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية) ، حيث يكون أصل عدم التذكية حينئذ مثبتا ، ونظير ارتباط الموجود المقارن للأمر العدمي به حيث يكون استصحاب العدم لارتباط الموجود المقارن له به مثبتا.

والحاصل أنّه يجوز استصحاب الأمر العدمي إذا اريد إثبات نفسه لا إثبات الموجود المتأخّر المشكوك ، ولا إثبات الربط بينه وبين الموجود المتأخّر المعلوم على ما في شرح الاعتمادي.

(كما إذا فرض الدليل على أنّ كلّ ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا فهي استحاضة ، فإنّ) المرأة إذا كانت طاهرة من الدم ثمّ رأت الدم وشكّت في كون ذلك الدم حيضا.

فحينئذ(استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق هذا

٤٤٥

هذا السلب على ذلك الدم وصدقه عليه حتى يصدق «ليس بحيض» على هذا الدم فيحكم عليه بالاستحاضة. إذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض وبين الدم المنفي عنه الحيضيّة.

وسيجيء نظير هذا الاستصحاب في الفرق بين الماء المقارن لوجود الكرّ وبين الماء المتّصف بالكرّيّة.

والمعيار عدم الخلط بين المتصف بوصف عنواني وبين قيام ذلك الوصف بمحلّ ، فإنّ

____________________________________

السلب على ذلك الدم وصدقه عليه) بأن يقال بعد الاستصحاب إنّ هذا الدم ليس بحيض ، فهو استحاضة بقاعدة كلّ دم إن لم يكن حيضا فهو استحاضة.

(إذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض وبين الدم المنفي عنه الحيضيّة) ، فإنّ الأوّل إنّما هو فيما كانت المرأة طاهرة من الدم ثمّ رأته فشكّت في كونه حيضا ، فإنّ الاستصحاب الذي يجري هنا هو عدم كونها حائضا ، وهو لا يثبت أنّ هذا الدم المقارن له ليس بحيض.

والثاني إنّما هو فيما كانت المرأة ذات دم ليس بحيض ثمّ شكّت في أنّه صار حيضا أم لا؟ فإنّ الاستصحاب حينئذ يجري في نفس الدم ويقال بأنّ هذا الدم لم يكن حيضا ، فهو ليس بحيض الآن ، بمقتضى الاستصحاب فهو استحاضة على ما في شرح الاعتمادي.

(وسيجيء نظير هذا الاستصحاب) ـ الوجودي مثل استصحاب الضاحك لإثبات وجود عمرو في الدار ، والعدمي كاستصحاب عدم التذكية لإثبات وجود حتف الأنف ، أو استصحاب عدم الحيض لإثبات الربط بينه وبين الدم الموجود ـ (في الفرق بين الماء المقارن لوجود الكرّ) حيث يكون الاستصحاب فيه مثبتا(وبين الماء المتصف بالكرّيّة) حيث لا يكون الاستصحاب مثبتا.

وتوضيح ذلك على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي : إنّه إذا كان في الحوض ماء بقدر الكرّ ثمّ نقص منه مقدار سطل مثلا ، فلا يجوز استصحاب وجود الكرّ في الحوض لإثبات الربط بينه وبين هذا الماء الباقي المقارن له ، نظير مقارنة حتف الأنف لعدم التذكية ، بأن يحكم بعد الاستصحاب بكرّية الماء الباقي لكون الاستصحاب حينئذ أصلا مثبتا ، لكن يجوز استصحاب الكرّية في نفس الماء المتصف ، بأن يقال هذا الماء كان كرّا فهو كرّ بشرط أن يكون النقص فيه ممّا يتسامح فيه العرف ولا يتغير الموضوع به عند العرف.

(والمعيار عدم الخلط بين المتصف بوصف عنواني وبين قيام ذلك الوصف بمحلّ).

٤٤٦

استصحاب وجود المتصف أو عدمه لا يثبت كون المحلّ موردا لذلك الوصف العنواني ، فافهم.

____________________________________

بمعنى عدم الرجوع إلى الاستصحاب في كلا القسمين ، بل يجوز الرجوع إليه في الأوّل دون الثاني ، فيقال هذا الدم لم يكن حيضا فهو الآن ليس بحيض ، وهذا الماء كان كرّا فهو الآن كرّ ، ولا يقال باستصحاب عدم وجود الحيض ثمّ الحكم بأنّ هذا العدم قائم بهذا الدم فلازم ذلك أنّه ليس بحيض ، وكذا استصحاب وجود الكرّ ثمّ الحكم بأنّ الماء الباقي كرّ ؛ لأنّ الاستصحاب حينئذ مثبت ، وفي بحر الفوائد ما هذا لفظه :

لا يخفى عليك أنّ ما ذكره معيار متين حسن يجب البناء عليه في الوجوديات والعدميات ، فكلّما كان الشيء متصفا بوصف عنواني ثمّ شكّ في زوال هذا الوصف عنه في اللاحق فيرجع إلى استصحاب بقاء الموصوف على وصفه ، وكلّما كان الشيء محلّا لوصف واقعا ثمّ شكّ بعد العلم بثبوت هذا الوصف في المحلّ في زواله فلا يرجع إلى استصحاب بقاء هذا الوصف لإثبات كون المحلّ مشغولا به ؛ لأنّه يلزم التعويل على الأصل المثبت بخلاف الأوّل ، فهذه قاعدة كلّيّة لا ريب ولا إشكال فيها أصلا.

نعم ، قد يقع الإشكال في المصاديق الخارجيّة من أنّها من أيّ القسمين ، فلا بدّ من التأمّل حتى لا يقع في خلاف الواقع. انتهى مورد الحاجة من كلام صاحب بحر الفوائد.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى أنّ ما ذكر من الفرق بين القسمين في المثالين المذكورين بجريان الاستصحاب في أحدهما دون الآخر إنّما يتمّ على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار ، وأمّا على تقدير اعتباره من باب الظنّ فلا فرق بينهما ، وذلك لاعتبار مثبتات الأمارات الظنّيّة ، فيترتّب على المستصحب حينئذ الآثار الشرعيّة مطلقا ، أي : سواء كانت بواسطة أمر عقلي أو عادي أو بلا واسطتهما.

٤٤٧

الأمر الثاني : إنّه قد علم من تعريف الاستصحاب وأدلّته أنّ مورده الشكّ في البقاء ، وهو وجود ما كان موجودا في الزمان السابق ، ويترتّب عليه عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان ، ولا في الزماني الذي لا استقرار لوجوده ، بل يتجدّد شيئا فشيئا على التدريج.

____________________________________

(الأمر الثاني : إنّه قد علم من تعريف الاستصحاب وأدلّته أنّ مورده الشكّ في البقاء ، وهو وجود ما كان موجودا في الزمان السابق ، ويترتّب عليه عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان ، ولا في الزماني الذي لا استقرار لوجوده ، بل يتجدّد شيئا فشيئا على التدريج).

وقد عرفت في أوّل بحث التنبيهات أنّ غالب الامور التي تذكر فيها ما يتعلّق بالمتيقّن ، وهذا الأمر ـ الثاني ـ كالأمر الأوّل متعلّق بالمتيقّن سابقا ، إذ المتيقّن ؛ تارة يكون نفس الزمان كالليل والنهار ، واخرى يكون غيره ، ثمّ الثاني لا يخلو عن أحد أمرين :

الأوّل : أن يكون متصرّم الوجود كنفس الزمان بأن يتجدّد شيئا فشيئا كالتكلّم والكتابة والمشي ، بل مطلق ما يكون من قبيل الحركة ، ويسمى بالزماني باعتبار كون التميّز بين أفراده يتحقّق بالزمان ، فإنّ الكلام الصادر في الآن الأوّل فرد والكلام الصادر في الآن الثاني فرد آخر ، وهكذا.

والثاني : أن لا يكون متصرّم الوجود ، بل كان له قرار وثبات. وهذا القسم أيضا لا يخلو عن أحد أمرين :

الأوّل : أن يؤخذ الزمان قيدا ، كما إذا أمر المولى بالقيام إلى المغرب مثلا.

والثاني : أن لا يكون مقيّدا بالزمان.

والقسم الأخير خارج عن محلّ الكلام في هذا الأمر ـ الثاني ـ لجريان الاستصحاب فيه من دون إشكال أصلا وإنّما الكلام والإشكال في سائر الأقسام الثلاث ، ثمّ الفرق بين القسم الأوّل وغيره من هذه الأقسام في غاية الوضوح.

وأمّا الفرق بين القسم الثاني والثالث ، فهو أنّ الزمان في القسم (الثاني) اخذ قيدا له بحسب التكوين وفي القسم (الثالث) اخذ قيدا له بحسب التشريع.

وكيف كان ، فقد وقع النزاع في جريان الاستصحاب في الأقسام المذكورة.

والمصنّف قدس‌سره يقول : إنّ مقتضى تعريف الاستصحاب بإبقاء ما كان وأدلّته ، كقوله عليه‌السلام :

٤٤٨

وكذا في المستقرّ الذي يؤخذ قيدا له. إلّا أنّه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب في الزمان ، فيجري في القسمين الأخيرين بطريق أولى ، بل تقدّم من بعض الأخباريين أنّ استصحاب الليل والنهار من الضروريات.

____________________________________

(من كان على يقين من شيء فشكّ فيه فليمض على يقينه) (١) هو أنّ مورد الاستصحاب يختصّ بما إذا شكّ في بقاء عين الموجود السابق دون ما إذا شكّ في حدوث مثل الموجود السابق ، فيجري الاستصحاب في الامور المستقرّة غير المقيّدة بالزمان ، كالحياة والطهارة والوجوب وغيرها.

ولا يجري الاستصحاب في الزمان كالليل والنهار ؛ لأنّ الشكّ فيه شكّ في حدوث مثل الموجود السابق لا في بقاء عين الموجود السابق ، فإنّ الزمان المتيقّن كونه من النهار قد زال قطعا والزمان المشكوك كونه من النهار لم يكن موجودا سابقا ، وهكذا لا يجري الاستصحاب في الزماني ؛ لأنّ الفرد المتيقّن قد زال والمشكوك وجوده الآن لم يكن موجودا سابقا.

(وكذا في المستقرّ الذي يؤخذ الزمان قيدا له) ، كوجوب الصوم مقيّدا بيوم الجمعة مثلا ، فإنّ الشكّ في وجوبه يوم السبت شكّ في حدوث المثل ، لا في بقاء الموجود السابق.

(إلّا أنّه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب في الزمان ، فيجري في القسمين الأخيرين بطريق أولى).

وجه الأولوية أنّ التجدّد في الزمان أظهر من غيره ، فإذا جرى الاستصحاب فيه يجري في الزماني والمقيّد بالزمان بما ذكر من الأولوية ، (بل تقدّم من بعض الأخباريين) ، أي : المحدث الاسترابادي :

(أنّ استصحاب الليل والنهار من الضروريات) وجريان الاستصحاب في الليل والنهار يتّضح بعد مقدّمة وهي :

إنّ المناط في جريان الاستصحاب هي وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة بالدّقة العقليّة أو بنظر العرف ، ثمّ الزمان لا يخلو عن أحد أمرين :

__________________

(١) الخصال : ٦١٩ / ١٠. الوسائل ١ : ٢٤٧ ، أبواب نواقض الوضوء ، ب ١ ، ح ٦.

٤٤٩

والتحقيق : أنّ هنا أقساما ثلاثة :

أمّا نفس الزّمان ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه ، لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل أو النهار ، لأنّ نفس الجزء لم يتحقّق في السابق ، فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا.

____________________________________

الأوّل : إنّه موجود واحد مستمر متقوّم بالانصرام.

والثاني : إنّه مركّب من الآنات المنصرمة.

إذا عرفت هذه المقدّمة يتّضح لك وجه جريان الاستصحاب في الزمان على كلا التقديرين ، وذلك لوجود المناط عقلا ، فضلا عن نظر العرف في الفرض الأوّل وهو كون الزمان موجودا مستمرا.

ووجوه المناط عرفا في الفرض الثاني وهو كونه مركّبا من الآنات الصغيرة المنصرمة ، لأنّ المدار في جريان الاستصحاب هو وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة موضوعا بنظر العرف لا بالدّقة العقليّة.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه جريان الاستصحاب في الزمان. هذا تمام الكلام في إجمال ما يقع الكلام فيه من الأقسام ، كما أشار إليه بقوله :

(والتحقيق : أنّ هنا أقساما ثلاثة).

وتفصيل البحث فيها يستدعي أن يقع الكلام في مقامات :

المقام الأوّل في استصحاب الزمان وما يعرضها من العنوان الطارئ ، كاليوم والليل ، والشهر وغيرها من العناوين المنتزعة من مجموع الأزمنة المتعاقبة المحدودة بين الحدّين.

وقد أشار إلى المقام الأوّل بقوله :

(أمّا نفس الزمان ، فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه ، لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل أو النهار ، لأنّ نفس الجزء لم يتحقّق في السابق ، فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي وغيره أنّه إذا شكّ في أنّ هذا الآن هل هو من أجزاء الليل أم لا؟ ، لا يصحّ الاستصحاب في نفس هذا الآن بأن يقال هذا الآن كان من الليل فهو ليل ؛ لأنّ نفس هذا الآن لم يكن موجودا سابقا

٤٥٠

نعم ، لو اخذ المستصحب مجموع الليل ـ مثلا ـ أو النهار ، ولوحظ كونه أمرا خارجيّا واحدا ، وجعل بقاؤه وارتفاعه عبارة عن عدم تحقّق جزئه الأخير وتجدّده ، أو عن عدم تجدّد جزء مقابله وتجدّده (أمكن القول بالاستصحاب بهذا المعنى فيه أيضا) ، لأنّ بقاء كلّ شيء في العرف بحسب ما يتصوّر فيه العرف من الوجود. فيصدق أنّ الشخص كان على يقين من وجود الليل فشكّ فيه.

____________________________________

فضلا عن وصف ليليّته.

وبعبارة اخرى : إنّ المناط في جريان الاستصحاب هو وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ، وهذا المناط مفقود في استصحاب الزمان ، فإنّ الموضوع في القضيّة المتيقّنة ـ وهو الآن السابق ـ مقطوع الارتفاع وفي القضيّة المشكوكة ـ وهو الآن اللاحق ـ مقطوع العدم في زمان اليقين فلا يصدق بقاء ما هو المتيقّن سابقا. هذا على القول بأنّ الزمان مركّب من الآنات حقيقة وعرفا.

وأمّا على القول بأنّ الزمان موجود واحد عرفا ، فلا مانع من جريان الاستصحاب فيه ، كما أشار إليه بقوله :

(نعم ، لو اخذ المستصحب مجموع الليل ـ مثلا ـ أو النهار ، ولوحظ كونه أمرا خارجيّا واحدا) عرفا وإن كان في الحقيقة وجودات متدرجة (وجعل بقاؤه وارتفاعه عبارة عن عدم تحقّق جزئه الأخير وتجدّده ، أو عن عدم تجدّد جزء مقابله وتجدّده أمكن القول بالاستصحاب) في الزمان (بهذا المعنى) ، وذلك لصدق بقاء ما هو المتيقّن سابقا على الآن اللاحق عرفا.

(لأنّ بقاء كلّ شيء في العرف بحسب ما يتصوّر فيه العرف من الوجود. فيصدق أنّ الشخص كان على يقين من وجود الليل فشكّ فيه) فيستصحب وجود الليل لتماميّة أركان الاستصحاب فيه.

غاية الأمر يرجع تصحيح الاستصحاب في الزمان إلى التصرّف في الزمان المستصحب ، بأن يلاحظ كون مجموع الآنات شيئا واحدا باسم الليل أو النهار مثلا.

ومن المعلوم أنّ كيفيّة البقاء تابعة لكيفيّة الوجود في نظر العرف ، فبقاء الموجود القارّ كالإنسان ببقاء جميع الأجزاء ، وبقاء الموجود غير القارّ كالليل مثلا يكون بعدم حصول

٤٥١

فالعبرة بالشكّ في وجوده العلم بتحقّقه قبل زمان الشكّ وإن كان تحقّقه بنفس تحقّق زمان الشكّ.

وإنّما وقع التعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى في الزمانيّات ، حيث جعلوا الكلام في استصحاب الحال ، أو لتعميم البقاء لمثل هذا مسامحة.

____________________________________

الآن الأخير وارتفاعه بحصوله ، فالشكّ في بقائه معناه الشكّ في حصول الجزء الأخير ، كما في بحر الفوائد وشرح الاعتمادي.

(فالعبرة) في استصحاب الزمان (بالشكّ في وجوده) ـ بعد ـ (العلم بتحقّقه قبل زمان الشكّ) ، بمعنى أنّه يكفي في استصحاب الزمان مجرّد الشكّ في الوجود عقيب العلم بالوجود(وإن كان تحقّقه) ، أي : الوجود(بنفس تحقّق زمان الشكّ) ضرورة أنّ وجود الليل في آن الشكّ إنّما هو بنفس حدوث آن الشكّ بوصف الليليّة ، لا ببقاء الآن السابق المتيقّن كونه ليلا ، فالشكّ في أنّ هذا الآن ليل أم لا ، شكّ في بقاء الليل عرفا وإن كان عند الدّقة العقليّة شكّا في حدوث الليل ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي.

(وإنّما وقع التعبير بالبقاء في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى في الزمانيّات ، حيث جعلوا الكلام في استصحاب الحال).

وحاصل الكلام في استصحاب الزمان كالليل والنهار أنّه يمكن توجيهه كما في بحر الفوائد والأوثق وشرح الاعتمادي بأحد وجهين :

الأوّل : ما تقدّم من التصرّف في المستصحب بأن يكون الليل عبارة عن مجموع الآنات الواقعة بين الطلوع والغروب ، وهذه الآنات وإن كانت في الحقيقة وجودات متعدّدة ، إلّا أنّها لوحظت شيئا واحدا محكوما بالبقاء ، ما لم يحصل الجزء الأخير ، ويبقى حينئذ لفظ البقاء في تعريف الاستصحاب بإبقاء ما كان على معناه العرفي الملحوظ في كلّ شيء بحسبه.

والثاني : هو التصرّف في لفظ البقاء بحمله على معنى يشمل للمقام تسامحا ، كما أشار إليه بقوله :

(أو لتعميم البقاء لمثل هذا مسامحة).

وحاصل كلام المصنف في هذا التوجيه الثاني ، هو أنّ البقاء وإن كان عبارة عن بقاء

٤٥٢

إلّا أنّ هذا المعنى ـ على تقدير صحّته والإغماض عمّا فيه ـ لا يكاد يجدي في إثبات كون الجزء المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار أو من الليل ، حتى يصدق على الفعل الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار ، إلّا على القول بالأصل المثبت مطلقا.

أو على بعض الوجوه الآتية.

____________________________________

العين الموجود السابق ، إلّا أنّه في تعريف الاستصحاب يكون بمعنى مجازي عامّ ، وهو بقاء الشيء بعد وجوده أعمّ من أن يكون بالعين ، كما في الامور القارّة ، أو بالمثل ، كما في غيرها.

(إلّا أنّ هذا المعنى) ، أي : التصرّف في المستصحب أو البقاء (على تقدير صحّته والإغماض عمّا فيه) من البعد باعتبار كون التصرّف المذكور محتاجا إلى الدليل (لا يكاد يجدي في إثبات كون الجزء المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار أو من الليل) ، لما عرفت سابقا من أنّ استصحاب الليل لا يثبت كون هذا الآن من الليل ، وكذلك استصحاب النهار لا يثبت كون هذا الآن من النهار(حتى يصدق على الفعل) كالإفطار مثلا(الواقع فيه أنّه واقع في الليل أو النهار ، إلّا على القول بالأصل المثبت مطلقا) ، أي : سواء كانت الواسطة جليّة أو خفيّة.

ومثال الأوّل ، كاستصحاب الحياة لإثبات الشيبة الموجبة للإكرام شرعا ، فإنّ الواسطة ـ بين الحياة المستصحبة وبين وجوب الإكرام شرعا هي الشيبة ـ جليّة ، ومعنى كون الشيبة واسطة أنّ الإكرام مترتّب عليها عرفا لا على مجرّد الحياة.

ومثال الثاني ، كاستصحاب رطوبة النجس الموجبة لتنجّس الملاقي ، فإنّ الواسطة بينهما وهي السراية خفيّة عرفا ، بمعنى أنّ التنجّس مترتّب عرفا على نفس رطوبة الملاقى بالفتح ، كما في شرح الاستاذ الاعتمادي مع تصرّف.

(أو على بعض الوجوه الآتية) في الأصل المثبت كصورة خفاء الواسطة فقط.

وحاصل الكلام أنّ استصحاب الليل أو النهار مثبت ، فإن قلنا باعتبار الأصل المثبت مطلقا أو مع خفاء الواسطة جاز استصحاب الليل والنهار لخفاء الواسطة ، فإنّ وجوب الإمساك وعدمه مترتّب عرفا على نفس بقاء النهار والليل وإن ترتّب حقيقة على كون هذا الآن من النهار أو لليل.

٤٥٣

ولو بنينا على ذلك أغنانا عمّا ذكر من التوجيه.

ثمّ إنّ هنا استصحابات أخر وامورا متلازمة مع الزمان ، كطلوع الفجر وغروب الشمس وذهاب الحمرة ، وعدم وصول القمر إلى درجة يمكن رؤيته فيها.

فالاولى التمسّك في هذا المقام باستصحاب الحكم المرتّب على الزمان لو كان جاريا فيه ، كعدم تحقّق حكم الصوم والإفطار عند الشكّ في هلال رمضان أو شوّال.

____________________________________

(ولو بنينا على ذلك) ، أي : على الأصل المثبت (أغنانا عمّا ذكر من التوجيه).

(ثمّ إنّ هنا استصحابات أخر وامورا متلازمة مع الزمان).

وحاصل الكلام أنّه إذا بنينا على حجّية الأصل المثبت لكانت هناك استصحابات أخر مثبتة غير محتاجة إلى التوجيه يتمسّك بها من دون حاجة إلى استصحاب الليل والنهار المحتاج إلى التوجيه ، (كطلوع الفجر) الملازم لزوال الليل ، فيستصحب عدم طلوع الفجر عند الشكّ فيه ويلزمه بقاء الليل وجواز الأكل من دون حاجة إلى استصحاب الليل أصلا.

(وغروب الشمس وذهاب الحمرة) الملازمين لزوال النهار ، فيستصحب عدم الغروب والذهاب ، ويلزمه بقاء النهار وحرمة الإفطار من دون حاجة إلى استصحاب النهار.

(وعدم وصول القمر إلى درجة يمكن رؤيته فيها) الملازم لعدم تماميّة الشهر ، فيستصحب عدم الوصول وتثبت لوازمه من وجوب الصوم في آخر رمضان وعدم وجوبه في آخر شعبان من دون حاجة إلى استصحاب الشهر.

(فالاولى التمسّك في هذا المقام باستصحاب الحكم المرتّب على الزمان).

وحاصل كلام المصنّف قدس‌سره في هذا المقام ، هو أنّه إذا بني على جريان الاستصحاب في نفس الزمان فإجراء الاستصحاب في الحكم المترتّب على الزمان أولى ، وجه الأولويّة هو عدم كون استصحاب الحكم مثبتا ولا محتاجا إلى التوجيه.

وأمّا بناء على عدم جريان الاستصحاب في الزمان فإجراؤه على الحكم متعيّن ، (كعدم تحقّق حكم الصوم والإفطار عند الشكّ في هلال رمضان أو شوّال).

يعني : يستصحب عدم تحقّق حكم الصوم وهو وجوبه عند الشكّ في رمضان ، ويستصحب عدم تحقّق حكم الإفطار وهو جوازه عند الشكّ في شوال.

وبعبارة واضحة : يستصحب عدم وجوب الصوم عند الشكّ في رمضان ، ويستصحب

٤٥٤

ولعلّه المراد بقوله عليه‌السلام ، في المكاتبة المتقدّمة في أدلّة الاستصحاب : (اليقين لا يدخله الشّكّ ، صم للرّؤية وأفطر للرّؤية) (١).

إلّا أنّ جواز الإفطار للرؤية لا يتفرّع على الاستصحاب الحكمي إلّا بناء على جريان استصحاب الاشتغال والتكليف بصوم رمضان. مع أنّ الحقّ في مثله التمسّك بالبراءة لكون

____________________________________

وجوب الصوم عند الشكّ في شوّال.

ولازم ذلك عدم جواز الإفطار في الثاني وجوازه في الأوّل.

ولعلّه المراد بقوله عليه‌السلام ، في المكاتبة المتقدّمة في أدلّة الاستصحاب : (اليقين لا يدخله الشّك ، صم للرّؤية وأفطر للرّؤية).

أي : لعلّ الاستصحاب الحكمي وهو عدم تحقّق حكم الصوم والإفطار عند الشكّ في هلال رمضان أو شوال يكون المراد بقوله عليه‌السلام : (اليقين لا يدخله الشكّ صم للرؤية وأفطر للرؤية) حيث جعل وجوب الصوم للرؤية ، وكذلك جعل عليه‌السلام جواز الإفطار للرؤية.

فالمعنى حينئذ هو أنّ اليقين بعدم وجوب الصوم لا يدخله الشكّ في الوجوب ، واليقين بحرمة الإفطار لا يدخله الشكّ في الحرمة فلا يصام قبل الرؤية ولا يفطر قبل الرؤية ، وذلك من جهة استصحاب عدم وجوب الصوم أو جواز الإفطار في الأوّل ، واستصحاب وجوب الصوم أو عدم جواز الإفطار في الثاني.

ثمّ التعبير بقوله : (لعلّه) لاحتمال آخر وهو استصحاب الموضوع ، فالمعنى حينئذ أنّ اليقين بوجود شعبان لا يدخله الشكّ في رمضان واليقين بوجود رمضان لا يدخله الشكّ في شوال ، فلا يصام قبل الرؤية ولا يفطر كذلك ، وذلك لاستصحاب شعبان في الأوّل واستصحاب رمضان في الثاني.

(إلّا أنّ جواز الإفطار للرؤية لا يتفرّع على الاستصحاب الحكمي) ، أي : على استصحاب وجوب صوم شهر رمضان إلى زمان الرؤية ، أي : جواز الإفطار ليس من فروع الاستصحاب الحكمي المذكور.

(إلّا بناء على جريان استصحاب الاشتغال والتكليف بصوم رمضان ، مع أنّ الحقّ) عند

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٥٩ / ٤٤٥. الوسائل ١٠ : ٢٥٦ ، أبواب أحكام شهر رمضان ، ب ٣ ، ح ١٣.

٤٥٥

صوم كلّ يوم واجبا مستقلّا.

____________________________________

المصنّف قدس‌سره (في مثله) من موارد دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليين (التمسّك بالبراءة) لا الرجوع إلى استصحاب الاشتغال والتكليف.

وحاصل الكلام في المقام على ما في شرح الاعتمادي ، هو أنّ تفريع وجوب الصوم للرؤية على الاستصحاب الحكمي ـ أعني : عدم الوجوب ـ لا إشكال فيه ؛ لأنّ الشكّ في دخول رمضان شكّ في وجوب الصوم ، وهو شكّ في التكليف فتستصحب البراءة ويصام للرؤية.

وأمّا تفريع جواز الإفطار للرؤية على الاستصحاب الحكمي ـ أعني : الوجوب ـ ففيه إشكال ، لأنّ الشكّ في خروج رمضان شكّ في وجوب الزائد الذي هو مجرى البراءة فلا يصحّ استصحاب الوجوب والاشتغال حتى يتفرّع قوله : (وأفطر للرؤية).

إلّا أن يقال بأنّ الشكّ في وجوب الأكثر مجرى الاشتغال واستصحاب التكليف ، وفيه أنّه على تقدير تماميّته إنّما يتمّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيين لا الاستقلاليين كما فيما نحن فيه ؛ (لكون صوم كلّ يوم واجبا مستقلّا) فيكون مجرى البراءة.

ثمّ عدم صحّة تفرّع جواز الإفطار للرؤية على الاستصحاب الحكمي يكشف عن كون المستصحب في المكاتبة هو نفس الزمان ولو بالتوجيه ، فتدلّ المكاتبة حينئذ على اعتبار الاستصحاب في الزمان ، فإذا دلّت على اعتبار الاستصحاب في الأزمان لدلّت على اعتباره في الزمانيات بطريق أولى ، إلّا أن يقال بعدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان عند المصنّف قدس‌سره من جهة كون الشكّ فيه شكّا في المقتضي.

فمقتضى القاعدة في مورد الشكّ في وجوب الزائد هو البراءة لا استصحابها ، وعلى فرض عدم كونه مجرى البراءة يكون مجرى قاعدة الاشتغال لا استصحاب الوجوب والاشتغال ، كما حكم بالاشتغال في مبحث الأقلّ والأكثر ، حيث قال المصنّف قدس‌سره فيه على ما في شرح الاعتمادي :

إنّه إذا تعلّق الوجوب بمفهوم مبيّن مردّد محصّله بين الأقلّ والأكثر يجري فيه الاشتغال ، ومثّل لذلك بما إذا أمر الشارع بصوم شهر فتردّد بين الكامل والناقص. هذا تمام الكلام في المقام الأوّل ، وقد أشار إلى المقام الثاني بقوله :

٤٥٦

وأمّا القسم الثاني ، أعني : الامور التدريجيّة الغير القارّة ، كالتكلّم والكتابة والمشي ونبع الماء من العين ، وسيلان دم الحيض من الرحم ، فالظاهر جواز إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا مستمرّا ، نظير ما ذكرناه في نفس الزمان ، فيفرض التكلّم ـ مثلا ـ مجموع أجزائه أمرا واحدا ، والشكّ في بقائه لأجل الشكّ في قلّة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه في الخارج وكثرتها ، فيستصحب القدر المشترك المردّد بين قليل الأجزاء وكثيرها.

ودعوى : «أنّ الشكّ في بقاء القدر المشترك ناشئ عن حدوث جزء آخر من الكلام ، والأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك ، فهو من قبيل القسم الثالث من الأقسام

____________________________________

(وأمّا القسم الثاني ، أعني : الامور التدريجيّة الغير القارّة ، كالتكلّم والكتابة والمشي ونبع الماء من العين ، وسيلان دم الحيض من الرحم ، فالظاهر جواز إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا مستمرا ... إلى آخره) ، كنطق الواعظ في مجلس واحد وإن طال ، فإنّه يلاحظ فردا من التكلّم بخلاف نطقه في مجلسين حيث لا يفرض أمرا واحدا.

وحاصل الكلام ، هو أنّ حال القسم الثاني هو بعينه حال القسم الأوّل من دون الفرق بينهما.

فالإشكال الذي تقدّم في القسم الأوّل ـ وهو عدم صدق الشكّ في البقاء في الزمان ـ جار في القسم الثاني.

والجواب عن الإشكال في الزماني هو عين الجواب عن الإشكال في الزمان.

فيقال : إنّ الأمر التدريجي وإن كان كالزمان متقوّما بالانصرام والانقضاء ولا يمكن اجتماع جزءين منه في زمان واحد ، بل يوجد جزء منه بعد انعدام جزئه الآخر كنفس الزمان ، إلّا أنّه يمكن فرضه أمرا واحدا في نظر العرف بأن يكون وجود الأمر التدريجي بوجود أوّل جزء منه ، وبقاؤه إلى وجود آخر جزء منه ، فإذا شكّ في بقائه يحكم بالبقاء ما لم يحصل اليقين بالارتفاع.

(فيفرض التكلّم ـ مثلا ـ مجموع أجزائه أمرا واحدا ، والشكّ في بقائه لأجل الشكّ في قلّة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه في الخارج وكثرتها ، فيستصحب القدر المشترك المردّد بين قليل الأجزاء وكثيرها) ، كاستصحاب كلّي الحيوان المردّد بين قصير العمر وطويله.

(ودعوى : أنّ الشكّ في بقاء القدر المشترك ناشئ عن حدوث جزء آخر من الكلام ،

٤٥٧

الثلاثة المذكورة في الأمر السابق» ، مدفوعة : بأنّ الظاهر كونه من قبيل الأوّل من تلك الأقسام الثلاثة ، لأنّ المفروض في توجيه الاستصحاب جعل كلّ فرد من التكلّم مجموع ما يقع في الخارج من الأجزاء التي تجمعها رابطة توجب عدّها شيئا واحدا وفردا من الطبيعة.

لا جعل كلّ قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة بتبادل أفراده.

____________________________________

والأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك).

وحاصل الإشكال أنّ كلّ جزء من أجزاء التكلّم مصداق لكلّي التكلّم ، فالفرد الذي حصل الكلّي في ضمنه قد ارتفع قطعا ، والفرد الذي يحتمل بقاؤه في ضمنه مشكوك الحدوث والأصل عدمه ، فيرتفع القدر المشترك ، فكيف يستصحب؟.

(فهو من قبيل القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة) ، أي : فاستصحاب كلّي التكلّم من قبيل استصحاب الكلّي (القسم الثالث) وقد عرفت الإشكال فيه.

(مدفوعة) خبر قوله : (ودعوى).

وحاصل الدفع أنّ استصحاب القدر المشترك من التكلّم ليس من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، بل هو من قبيل القسم الأوّل من تلك الاقسام وقد عرفت جريان الاستصحاب فيه من دون إشكال أصلا.

ثمّ الوجه في كون هذا الاستصحاب من قبيل القسم الأوّل ما أشار إليه بقوله : (لأنّ المفروض في توجيه الاستصحاب جعل كلّ فرد من التكلّم مجموع ما يقع في الخارج من الأجزاء التي تجمعها رابطة توجب عدّها شيئا واحدا وفردا من الطبيعة).

وقد علم حصول كلّي التكلّم في هذا الفرد وشكّ في بقائه من جهة الشكّ في بقاء الفرد المعلوم ، فيستصحب بقاء الكلّي كما يستصحب بقاء نفس الفرد ، كما عرفت في استصحاب القسم الأوّل.

وبالجملة ، إنّه بعد التوجيه المذكور يكون استصحاب القدر المشترك من التكلّم من قبيل استصحاب القسم الأوّل من أقسام استصحاب الكلّي ؛ لأنّ المفروض بعد التوجيه المذكور هو جعل فرد التكلّم مجموع الأجزاء المرتبطة.

(لا جعل كلّ قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة بتبادل أفراده) ، فيكون الاستصحاب فيه من قبيل الاستصحاب في بعض أقسام القسم الثالث.

٤٥٨

غاية الأمر كون المراد بالبقاء هنا وجود المجموع في الزمان الأوّل بوجود فرد منه ووجوده في الزمان الثاني بوجود جزء آخر منه.

والحاصل : أنّ المفروض كون كلّ قطعة جزء من الكلّ ، لا جزئيّا من الكلّيّ.

هذا ، مع ما عرفت في الأمر السابق من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث فيما إذا لم يعدّ الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الأوّل ، كما في السواد الضعيف الباقي بعد ارتفاع القويّ ، وما نحن فيه من هذا القسم ، فافهم.

ثمّ إنّ الرابطة الموجبة لعدّ المجموع أمرا واحدا موكولة إلى العرف ، فإنّ المشتغل بقراءة

____________________________________

(والحاصل : أنّ المفروض كون كلّ قطعة جزء من الكلّ ، لا جزئيّا من الكلّي).

والفرق بين جعل كلّ قطعة جزء من الكلّ وبين جعلها جزئيّا من الكلّي أوضح من الشمس ، إذ على الأوّل يكون الاستصحاب من استصحاب الكلّي (القسم الأوّل) وعلى الثاني يكون من استصحاب الكلّي (القسم الثالث) ؛ لأنّ تكلّم الواعظ في مجلس واحد ولو كان بمائة كلام يكون فردا واحدا من التكلّم على الأوّل ومائة فرد على الثاني.

(هذا ، مع ما عرفت في الأمر السابق من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث فيما إذا لم يعدّ الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الأوّل ، كما في السواد الضعيف الباقي بعد ارتفاع القويّ ، وما نحن فيه من هذا القسم).

والمتحصّل من كلام المصنّف قدس‌سره هو تصحيح الاستصحاب في الزمانيات بوجهين :

الأوّل : هو ملاحظة مجموع القطعات المربوطة فردا واحدا ، ليكون الاستصحاب من استصحاب الكلّي (القسم الاول).

والثاني : هو ملاحظة أنّ الفرد اللاحق في نظر العرف عين الفرد السابق ، فيكون الاستصحاب من استصحاب القسم الثالث الجائز كما عرفت سابقا.

(فافهم) لعلّه إشارة إلى ردّ الوجهين وإمكان تصحيح الاستصحاب في مثل التكلّم بوجه ثالث ؛ وذلك أنّ استصحاب كلّي التكلّم ليس من القسم الأوّل ولا من القسم الثالث ، بل يكون من استصحاب الكلّي (القسم الثاني) وهو تردّد الكلّي بين الفرد القصير المعلوم ارتفاعه وبين الفرد الطويل المعلوم بقاؤه. وقد عرفت جريان الاستصحاب فيه.

(ثمّ إنّ الرابطة الموجبة لعدّ المجموع أمرا واحدا موكولة إلى العرف ، فإنّ المشتغل بقراءة

٤٥٩

القرآن لداع يعدّ جميع ما يحصل منه في الخارج بذلك الداعي أمرا واحدا ، فإذا شكّ في بقاء اشتغاله بها في زمان لأجل الشكّ في حدوث الصارف ، أو لأجل الشكّ في مقدار اقتضاء الداعي ، فالأصل بقاؤه. أمّا لو تكلّم لداع أو لدواع ثمّ شكّ في بقائه على صفة التكلّم لداع آخر ، فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقّن.

وكذا لو شكّ بعد انقطاع دم الحيض في عوده في زمان يحكم عليه بالحيضيّة أم لا ، فيمكن إجراء الاستصحاب ، نظرا إلى أنّ الشكّ في اقتضاء طبيعة الرحم لقذف الدم في أيّ مقدار

____________________________________

القرآن لداع) ، كمجلس ترحيم (يعدّ جميع ما يحصل منه في الخارج بذلك الداعي) ، كقراءة القرآن في مدّة ساعة (أمرا واحدا ، فإذا شكّ في بقاء اشتغاله بها في زمان) ، أي : بعد أقلّ من ساعة مثلا (لأجل الشكّ في حدوث الصارف). هذا فيما إذا احرز المقتضي للاستمرار واحتمل طرو المانع.

(أو لأجل الشكّ في مقدار اقتضاء الداعي). هذا فيما إذا شكّ في المقتضي ومقدار الاستعداد على ما في شرح الاعتمادي (فالأصل بقاؤه. أمّا لو تكلّم لداع) في منبر(أو لدواع) في منابر(ثمّ شكّ في بقائه على صفة التكلّم لداع آخر) ومنبر آخر ، (فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقّن. وكذا لو شكّ بعد انقطاع دم الحيض في عوده في زمان يحكم عليه بالحيضيّة) بأن يكون الانقطاع قبل تجاوز العشرة ، (فيمكن إجراء الاستصحاب) ، أي : استصحاب الحيض.

وتفصيل الكلام في هذا المقام على ما في شرح الاستاذ الاعتمادي ، هو أنّه إذا شكّ في بقاء سيلان دم الحيض وانقطاعه يجري استصحاب الحيض بلا إشكال ؛ لأنّ سيلان دم الحيض من أوّله إلى آخره يعدّ أمرا واحدا مستمرا بقاؤه عبارة عن عدم حصول جزئه الأخير.

وأمّا إذا علم انقطاع السيلان واحتمل عوده ولم يتجاوز العشرة فيمكن أيضا استصحاب الحيض ؛ لأنّ سيلان الدم ثانيا يعدّ مع السيلان الأوّل أمرا واحدا لوحدة منشئهما وهو اقتضاء الطبيعة لقذف الرحم الدم في مقدار من الزمان ، فالشكّ في العود ناشئ عن الشكّ في مقدار الاقتضاء ، والشكّ فيه كالشكّ في مقدار اقتضاء الحيوان للبقاء فيستصحب الحيض ، كما يستصحب الحيوان ، وإليه أشار بقوله :

٤٦٠