دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

نعم (١) ؛ ربما يجري نظير مقدمات الانسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية من (٢) انسداد باب العلم به غالبا.

واهتمام (٣) الشارع به ؛ بحيث علم بعدم الرضاء بمخالفة الواقع بإجراء (٤) الأصول

______________________________________________________

(١) استدراك على عدم حجية الظن في غير إثبات الأحكام الكلية من الموضوعات الخارجية ؛ كالإتيان والانطباق ، «وفي الأحكام» متعلق ب «الانسداد» ، و «في بعض» متعلق ب «يجري».

وغرضه : إثبات حجية الظن في بعض الموضوعات بدليل يحتوي على مقدمات تشبه مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام ، بعد وضوح عدم وفاء دليل الانسداد المعروف بحجية الظن في الموضوعات ؛ وذلك يتحقق في موضوع ثبت له أحكام شرعية كالضرر الذي أنيط به بعض الأحكام ؛ كجواز التيمم والإفطار ، فيقال : إن باب العلم والعلمي إلى الضرر منسد غالبا ، ولا يجوز مخالفته لاهتمام الشارع به ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، والاحتياط فيه غير واجب شرعا أو غير ممكن عقلا ، وعليه : فإذا دار حكم الوضوء مثلا بين الوجوب إن لم يكن ضرريا ، والحرمة إن كان ضرريا ولم يثبت بعلم ولا علمي كونه ضرريا ، فلا محيص حينئذ عن اعتبار الظن في تشخيص الضرر ؛ إذ ليس شيء أقرب إليه من الظن.

(٢) بيان لقوله : «نظير» ، فما ذكره بقوله «من انسداد باب العلم ـ إلى قوله : ـ أو عدم إمكانه عقلا» مقدمات تجري في بعض الموضوعات الخارجية ، وهي نظير مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام الكلية. وضمير «به» في الموضعين راجع على بعض الموضوعات.

(٣) عطف على «انسداد». ثم إن هذه المقدمة مما لا بد منها لإجراء مقدمات الانسداد في مثل الضرر ، ولم يذكرها الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، مع الاحتياج إليها ؛ إذ مجرد انسداد باب العلم بالضرر واستلزام إجراء الأصل للوقوع في مخالفة الواقع كثيرا لا يوجب حجية الظن فيه ؛ ما لم ينضم إليهما علمنا باهتمام الشارع ، وعدم رضاه بمخالفة الواقع ، فإن مجرد الوقوع في الخلاف ليس محذورا حتى يستكشف منه حجية الظن ، ولذا لا محذور في اتباع أصالة الطهارة في باب النجاسات ، مع العلم بالمخالفة في بعض الموارد واقعا فضلا عن الظن.

(٤) متعلق ب «بمخالفة الواقع» ، وضمير «فيه» راجع على بعض الموضوعات.

٨١

فيه مهما أمكن ، وعدم وجوب الاحتياط شرعا أو عدم إمكانه عقلا ؛ كما (١) في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلا ، فلا محيص (٢) عن اتباع الظن حينئذ (٣) أيضا ، فافهم (٤).

______________________________________________________

«ومهما أمكن» قيد ل «عدم الرضاء».

(١) مثال لعدم إمكان الاحتياط عقلا ؛ لدورانه بين المحذورين ، كما أن المراد من «شرعا» قيام الدليل النقلي على عدم وجوب الاحتياط أو عدم جوازه.

(٢) هذه نتيجة جريان مقدمات الانسداد في بعض الموضوعات.

(٣) يعني : حين جريان مقدمات الانسداد في بعض الموضوعات الخارجية. وقوله : «أيضا» يعني : كما لا محيص عن اتباع الظن في الأحكام حال الانسداد.

(٤) لعله إشارة إلى عدم الحاجة إلى اعتبار الظن في مثل الضرر ونحوه بإجراء نظير مقدمات الانسداد ؛ كما نبّه عليه الشيخ «قدس‌سره» بقوله : وأما إذا أنيط ـ أي : الضرر ـ بموضوع الخوف فلا حاجة إلى ذلك ؛ بل يشمل حينئذ الشك أيضا ؛ وذلك لأن إجراءها فيه منوط بعدم الخوف موضوعا في الأدلة الشرعية كما في الإفطار والتيمم وغيرهما ، فإن الخوف فيهما موضوع ، أو طريق إلى الموضوع ، ومن المعلوم : أن الخوف يحصل بالاحتمال العقلائي ، ولا يحتاج إلى الظن ، فلا مانع من ترتيب أحكام الضرر بمجرد الاحتمال الموجب للخوف.

وخلاصة الكلام في المقام : أن الغرض من عقد هذا الفصل هو بيان عدم اعتبار الظن الانسدادي في مقام الامتثال ، بمعنى : أن الثابت بمقدمات الانسداد هو حجية الظن في إثبات التكليف لا في إسقاطه وامتثاله وتطبيق المأتي به على المأمور به.

فلو ظن المكلف بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال : كان هذا الظن حجة. وأما لو شك في الساعة الثانية في أنه هل أتى بالدعاء أم لا؟ ثم حصل له الظن بالإتيان لم يكن ظنّه هذا حجة ؛ بل يجب عليه الإتيان بالدعاء ؛ لأن مقدمات الانسداد لم تدل على حجية الظن في مقام الامتثال ، فلا بد من الرجوع في مقام الامتثال إلى القواعد الخاصة بهذا المقام ؛ كالاستصحاب وقاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز ونحوها.

ومن هنا يظهر ما هو رأي المصنف «قدس‌سره» من أن الظن الانسدادي إنما يكون حجة في مقام إثبات التكليف كما عرفت ، ولا يكون حجة في مقام إسقاط التكليف وامتثاله.

٨٢

خاتمة يذكر فيها أمران استطرادا :

الأول (١) : هل الظن كما يتبع عند الانسداد ـ عقلا ـ في الفروع العملية المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح ، يتبع في الأصول الاعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من

______________________________________________________

الظن في الأمور الاعتقادية

(١) الغرض من عقد هذا الأمر الأول : هو بيان حكم الظن الانسدادي من حيث الحجية وعدمها في الأمور الاعتقادية حال الانسداد ، بمعنى : أن الظن الانسدادي هل يكون حجة في الأمور الاعتقادية حال الانسداد كما هو حجة في الفروع العملية أم لا؟ يقول المصنف «قدس‌سره» : إن الحق عدم حجيته فيها ؛ كما أشار إليه بقوله : «الظاهر لا».

توضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي إن الأمور الاعتقادية ـ على ما يظهر من المصنف «قدس‌سره» ـ على قسمين :

الأول : ما لا يجب على المكلف تحصيل العلم واليقين به لا عقلا ولا شرعا ، وهو ما يكون متعلق الوجوب فيه نفس عقد القلب والالتزام بما هو الواقع ، من دون أن يتعلق تكليف بلزوم تحصيل المعرفة به ، ثم عقد القلب به عن علم ؛ إلا إذا حصل له العلم به أحيانا ، فيجب بحكم العقل والشرع الاعتقاد به وعقد القلب له ، ولا يجوز له الإنكار والجحود كتفاصيل البرزخ والمعاد ؛ من سؤال القبر والصراط والحساب والكتاب والميزان والجنة والنار وغيرها. هذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «فإن الأمر الاعتقادي وإن انسد باب القطع به إلا إن باب الاعتقاد إجمالا ـ بما هو واقعه والانقياد له وتحمله ـ غير منسد» ، فهذا القسم ما لا يجب فيه تحصيل العلم حال الانفتاح حتى يجب تحصيل الظن حال الانسداد.

والقسم الثاني : ما يكون متعلق الوجوب فيه معرفته والعلم به ليكون الاعتقاد به عن علم ، فيجب على المكلف تحصيل العلم به تفصيلا بحكم العقل ، ثم الاعتقاد به وعقد القلب عليه عن علم ؛ كالتوحيد والنبوة والإمامة. وهذا ما أشار إليه المصنف بقوله : «نعم ؛ يجب تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب المعرفة لنفسها».

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحق عدم حجية الظن في الأمور الاعتقادية.

أما عدم اعتبار الظن في القسم الأول : فلما عرفت من عدم اعتبار العلم فيه حتى يقوم الظن مقامه مع الانسداد ، فإن المطلوب فيه ـ وهو الاعتقاد والتسليم بما هو في الواقع ـ يحصل بدون العلم والظن ، بداهة : حصول الانقياد بمجرد عقد القلب على الأمر

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاعتقادي على ما هو عليه في الواقع ، فيحصل ما هو المطلوب في هذا القسم بمجرد الاعتقاد على ما هو عليه في الواقع.

وهذا بخلاف الفروع العملية ، حيث إن المطلوب فيها : مطابقة عمل الجوارح مع الواقع ، فإذا انسد باب العلم فيها لا يمكن العلم بمطابقة عمل الجوارح مع الواقع إلا بالاحتياط التام في الشبهات.

ولما كان الاحتياط كذلك موجبا للعسر والحرج أو الاختلال : فليس هنا شيء أقرب إلى الواقع من العمل على وفق الظن.

فالمتحصل : أنه لا تجري مقدمات الانسداد في هذا القسم ، ولا يكون مجال لحجية الظن فيه ؛ لأنه إذا انسد باب العلم فيه يمكن العلم بمطابقة عمل الجوانح مع الواقع بالاعتقاد الإجمالي بما هو واقعه.

وأما عدم اعتبار الظن في القسم الثاني : ـ وهو ما يكون متعلق الوجوب فيه معرفته والعلم به ؛ ليكون الاعتقاد به عن علم ـ فلعدم جواز الاكتفاء بالظن فيه قطعا ؛ لأن الواجب عقلا عند العدلية وشرعا عند الأشاعرة : إنما هو المعرفة ، ومن البديهي : أن الظن ليس بمعرفة قطعا ، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن ، ومع العجز عنه : كان معذورا ، ولا دليل حينئذ على جريان مقدمات ، أي : لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن عند اليأس عن تحصيل العلم في المقام ؛ لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه ؛ بل بعدم جوازه.

فحاصل الكلام في المقام : أنه لا مجال للظن في مطلق الأمور الاعتقادية ، وهناك أقوال وفي نقلها والنقض والإبرام فيها يخرج الكلام عن الاختصار المطلوب في هذا الشرح.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية» :

قوله : «عقلا» إشارة إلى ما اختاره من حجية الظن حال الانسداد على الحكومة دون الكشف.

قوله : «المطلوب فيها أولا العمل بالجوارح» إشارة إلى ما قيل في تعريف الحكام الفرعي من كونه مما يتعلق بالعمل بلا واسطة ، فالمطلوب أولا : هو العمل بالجوارح ، والالتزام النفساني لو كان مطلوبا في الفروع كان مطلوبا ثانيا.

قوله : «يتبع في الأصول» خبر «هل الظن» ، و «من الاعتقاد» بيان لعمل الجوانح.

٨٤

الاعتقاد به ، وعقد (١) القلب عليه ، وتحمله والانقياد له ، أو لا؟.

الظاهر : لا ، فإن (٢) الأمر الاعتقادي وإن انسد باب القطع به ؛ إلا إن باب الاعتقاد إجمالا ـ بما هو واقعه والانقياد له وتحمله ـ غير (٣) منسد ، بخلاف العمل بالجوارح ، فإنه لا يكاد يعلم مطابقته (٤) مع ما هو واقعه إلا بالاحتياط ، والمفروض (٥):

______________________________________________________

(١) هذا وما بعده بيان للاعتقاد والضمائر الأربعة المجرورة راجعة على الأصل الاعتقادي المستفاد من «الأصول الاعتقادية» ، وتأنيثها أولى.

ثم إن العلم والاعتقاد ليسا متلازمين ؛ بل النسبة بينهما عموم من وجه ؛ لاجتماعهما في بعض الموارد كمن يعلم بأصول العقائد ويعقد قلبه عليها ، ويفترقان في عقد القلب على ما هو عليه من دون علم به ؛ كاعتقاد أكثر المؤمنين بخصوصيات البرزخ والحشر مع عدم علمهم بها ، وفي علم بعض ببعض أصول العقائد ، مع عدم عقد القلب عليه كالمنافقين ، حيث إنهم يعلمون ببعض الأمور الاعتقادية ولا يعتقدون بها ؛ كما يشهد به قوله تعالى : (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١).

(٢) تعليل لعدم حجية الظن في الأصول الاعتقادية. وحاصله : أن اعتبار الظن في الأصول الاعتقادية منوط بتمامية مقدمات الانسداد التي منها عدم إمكان الاحتياط المحرز عملا لمطابقة المأتي به للواقع ؛ ليدور الأمر بين الأخذ بالمظنون وطرفه ، ويقدم الأخذ بالمظنون نظرا إلى قبح ترجيح المرجوح على الراجح.

وهذا بخلاف الأصول الاعتقادية ، فإن باب الاعتقاد فيها ولو إجمالا مفتوح ، ومعه لا دوران حتى تصل النوبة إلى اعتبار الظن فيها.

(٣) خبر «إن باب» ، وقوله : «إجمالا» قيد للاعتقاد أي : الاعتقاد الإجمالي ، و «بما» متعلق ب «الاعتقاد» ، وضمير «واقعه» راجع على الأمر الاعتقادي.

وقوله : «والانقياد له وتحمله» عطف تفسيري للاعتقاد ، وضميرا «له ، تحمله» راجعان على الموصول في «بما هو».

(٤) أي : مطابقة العمل حال الانسداد كما هو مفروض البحث ، وضمير «فإنه» للشأن ، وضمير «واقعه» راجع على العمل بالجوارح.

(٥) والواو في «والمفروض» للحال أي : والحال أن الاحتياط غير واجب شرعا ، أو غير جائز عقلا ؛ كما تقدم في مقدمات الانسداد.

__________________

(١) النمل : ١٤.

٨٥

عدم وجوبه شرعا أو عدم جوازه عقلا ، ولا أقرب من العمل على وفق الظن (١).

وبالجملة : لا موجب مع انسداد باب العلم في الاعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية (٢) على الظن فيها ، مع إمكان ترتيبها على ما هو الواقع فيها ، فلا يحتمل (٣) إلا لما هو الواقع ولا ينقاد إلا له ؛ لا لما هو مظنونه.

وهذا بخلاف العمليات (٤) ، فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد.

نعم ؛ يجب (٥) تحصيل العلم في بعض الاعتقادات لو أمكن من باب وجوب

______________________________________________________

(١) يعني : وليس شيء أقرب إلى الواقع من العمل بالظن ، فلو لم يعمل به بل عمل بما دونه لزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وقد عرفت قبحه في مقدمات الانسداد.

(٢) من الانقياد والاعتقاد المقابل للجحود والإنكار ، وضمير «فيها» في الموضعين راجع على الاعتقاديات.

(٣) هذا نتيجة لقوله : «لا موجب مع انسداد باب العلم ...».

(٤) وهي الفروع التي يكون المطلوب فيها العمل الخارجي. هذا تمام الكلام في القسم الأول من الأصول الاعتقادية.

(٥) هذا شروع في بيان القسم الثاني من الأمور الاعتقادية ، وهو ما يكون متعلق الوجوب فيه معرفته والعلم به ؛ ليكون الاعتقاد به عن علم ، وعرفت توضيح ذلك.

وحاصل الكلام فيه : أن تحصيل المعرفة بالله تعالى واجب نفسي عقلي عند العدلية ، وشرعي عند الأشاعرة لإنكارهم التحسين والتقبيح العقليين ، والوجه في وجوبه عقلا : هو وجوب شكر المنعم ، والمعرفة تكون أداء له ، فتجب ، فنفس المعرفة شكر للمنعم ، وهذا المناط يوجد في معرفة الأنبياء والأئمة «عليهم‌السلام» فتجب معرفتهم من باب شكر المنعم ؛ لأنهم وسائط نعمه وفيضه «جل وعلا».

ولا دليل على وجوب المعرفة بأمر آخر غير ما ذكر إلا أن ينهض من الشرع ما يدل عليه. وزاد الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» عليها : وجوب تحصيل المعرفة بالمعاد الجسماني حيث قال «قدس‌سره» : «وبالجملة : فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات ، المنزه عن النقائض وبنبوة محمد «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» وبإمامة الأئمة ، والبراءة من أعدائهم والاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السابقة غير بعيد بالنظر إلى الأخبار والسيرة المستمرة ...» (١) الخ. «الوصائل

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٦٨.

٨٦

المعرفة لنفسها (١). ؛ كمعرفة الواجب تعالى وصفاته ، أداء (٢) لشكر بعض نعمائه ، ومعرفة (٣) أنبيائه ، فإنهم وسائط نعمه وآلائه ؛ بل وكذا معرفة الإمام «عليه‌السلام» على وجه صحيح (٤) ، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك (٥) ، ولاحتمال الضرر (٦) في تركه (٧) ، ولا يجب (٨) عقلا معرفة غير ما ذكر ؛ إلا ما وجب

______________________________________________________

إلى الرسائل ، ج ٥ ، ص ٨٠». ومراده بالاعتقادات السابقة : تفاصيل المعاد من الحساب والصراط والميزان وغيرها.

(١) صريح العبارة : أن وجوب المعرفة نفسي لا غيري ، والوجه فيه كونه «تبارك وتعالى» مستجمعا لجميع صفات الكمال ، فيستحق أن يعرف.

(٢) ظاهره : أن وجوب المعرفة غيري مقدمة لشكر المنعم الواجب وهو ينافي وجوبها نفسيا ؛ كما أفاده المصنف. إلا أن يقال : إن المراد من وجوب المعرفة نفسيا إن وجوبها ليس كالوجوبات المقدمية الناشئة من وجوب الغير ، فلا ينافي كونه لأجل الغير وهو أداء الشكر. أو يقال : مقصوده «قدس‌سره» : أن نفس المعرفة بما هو شكر واجب ؛ بل أعلى مراتب الشكر من العلم والحال والعمل.

(٣) عطف على «معرفة الواجب».

(٤) وهو كون الإمامة كالنبوة من المناصب الإلهية ، فالإمام كالنبي منصوب من قبله «سبحانه وتعالى» ، ومن وسائط نعمه وآلائه ، فتجب معرفته «عليه‌السلام» كمعرفة النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

(٥) أي : لأداء شكر المنعم.

(٦) هذا وجه ثان لوجوب تحصيل المعرفة به تعالى وبنبيه ووصيه ، يعني : أن وجوب معرفة الباري «عزوجل» والنبي والوصي يكون لأداء الشكر ، ولاحتمال الضرر في ترك المعرفة. هذا لكن التعليل باحتمال الضرر ينافي نفسية وجوب المعرفة ويجعله غيريا. إلا أن يوجه بما تقدم من أن المراد بنفسية الوجوب عدم كونه ناشئا عن وجوب الغير ، فلا ينافي كونه لأجل الغير وهو الضرر.

(٧) الأولى أن يقال : «في تركها» لرجوع الضمير إلى المعرفة.

(٨) يعني : أن الأمور الاعتقادية التي يجب عقلا تحصيل المعرفة بها ثم عقد القلب عليها ـ الذي هو المطلوب في جميع الأمور الاعتقادية على ما تقدم في صدر البحث ـ منحصرة في الأمور الثلاثة المذكورة ، أعني : ذات الباري تعالى ، والنبي والإمام «عليهما‌السلام» ، ولا دليل عقلا على وجوب المعرفة في غيرهم من الاعتقاديات.

٨٧

شرعا معرفته ؛ كمعرفة الإمام «عليه‌السلام» على وجه آخر (١) غير صحيح ؛ أو أمر آخر مما دل الشرع على وجوب معرفته.

وما لا دلالة (٢) على وجوب معرفته بالخصوص ، لا من العقل ولا من النقل كان (٣) أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة.

ولا دلالة لمثل قوله تعالى (٤): (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ)(*) ...

______________________________________________________

(١) وهو عدم كون الإمامة من المناصب الإلهية كما يقوله به غيرنا ، ووجوب معرفته حينئذ لا يكون عقليا ؛ لأنه على هذا المبنى الباطل ليس من وسائط نعمه «جل وعلا» ، فلو وجب معرفته لكان شرعيا كما ادعى دلالة الروايات المدعى تواترها مثل : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (١) على ذلك.

قوله : «أو أمر آخر» عطف على «الإمام» ؛ وذلك كالمعاد الجسماني ، فإنه مما استقل العقل بوجوب وجوده ؛ لكن لم يحكم بوجوب معرفته ؛ لعدم وجود مناط الحكم العقلي ـ وهو شكر المنعم ـ فيه حتى تحصيل العلم به ، بل ولا يتم الحكم بوجوب العلم به بمناط دفع الضرر المحتمل أيضا.

نعم ؛ مقتضى كون المعاد من ضروريات الدين هو وجوب العلم به شرعا. وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٢) غرضه من هذا الكلام : تمهيد قاعدة في موارد الشك في وجوب المعرفة فيما لم يثبت وجوب معرفته عقلا ولا شرعا ، وأن أصالة البراءة محكمة فيها ، فينفي وجوبها ؛ لأنها المرجع فيها ، ولا تختص أصالة البراءة بالفروع العملية لعموم أدلتها.

(٣) خبر الموصول في «وما لا دلالة» المراد به الأصل الاعتقادي الذي لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص ، وضمير «معرفته» راجع على هذا الموصول أيضا.

(٤) إشارة إلى توهم وإشكال ودفعه ، والإشكال : أن ما ذكره المصنف من الرجوع إلى البراءة عند الشك وعدم دلالة على وجوب المعرفة مجرد فرض لا واقع له ؛ إذ هناك جملة من الآيات والروايات تدل على وجوب معرفة جميع ما جاء به النبي ، سواء كان من الأمور الاعتقادية أو الفرعية ، فليس هناك ما لا دلالة له على وجوب معرفته حتى يرجع فيه إلى أصالة البراءة ؛ بل المرجع عند الشك هو : عموم وجوب المعرفة المستفاد من

__________________

(*) الذاريات : ٥٦.

(١) الإيضاح : ٧٦ ، كمال الدين : ٤٠٩ / ٥ ، ينابيع المودة ٣ : ٣٧٣.

٨٨

الآية (١) ، ولا لقوله (٢) : «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «وما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» (*) ، ولا لما دل على وجوب التفقه (٣) وطلب العلم من الآيات وروايات على وجوب معرفته بالعموم.

ضرورة (٤) : أن المراد من (يَعْبُدُونَ) هو خصوص عبادة الله ومعرفته ، والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات ؛ لا بيان حكم المعرفة ، فلا إطلاق فيه أصلا ، ومثل آية

______________________________________________________

جملة من الآيات والروايات ، فلا بد أولا من تقريب الاستدلال بهما كي يتضح الجواب عنهما ثانيا.

(١) وأما تقريب الاستدلال بالآية المباركة بعد البناء على تفسير (لِيَعْبُدُونِ) ب «يعرفون» ـ كما حكي اتفاق المفسرين عليه ، حيث فسرت العبادة بالمعرفة ـ فيقال : أن الغاية المطلوبة من الخلقة هي المعرفة وهي مطلقة ، ومقتضى إطلاقها : عدم اختصاص وجوب المعرفة بذاته «تبارك وتعالى» وبصفاته ، وبالنبي والإمام «عليهما‌السلام» ، فحينئذ : كل مورد شك في وجوب تحصيل المعرفة فيه يتمسك بالإطلاق المزبور.

(٢) عطف على «لمثل قوله تعالى» ، وتقريب الاستدلال بقول النبي «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : أن الصلوات الخمس الواجبة جعلت متأخرة عن المعرفة ، فيعلم من وجوبها وجوب المعرفة ، ولما كان وجوبها مطلقا فمقتضى إطلاقه جواز التمسك به في موارد الشك في وجوب المعرفة.

(٣) إشارة إلى تقريب الاستدلال بآية النفر ، فيقال في تقريب الاستدلال بها : أن الآية المباركة ـ لمكان قوله تعالى : (لِيَتَفَقَّهُوا) ـ تدل على وجوب التفقه والتعلم ، ومقتضى إطلاقه : عدم اختصاصه بمورد دون آخر.

وكذا ما ورد من الروايات في الحث على طلب العلم ، فإن إطلاق الأمر بتحصيله يشمل الأصول الاعتقادية وتفاصيلها. هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال بجملة من الآيات والروايات على وجوب المعرفة ، ومقتضى الإطلاق أو العموم فيهما هو : الرجوع إلى الإطلاق والعموم في موارد الشك في وجوب المعرفة ، لا إلى أصالة البراءة ؛ إذ لا يجوز الرجوع إلى الأصول العملية مع وجود الأدلة الاجتهادية.

(٤) تعليل لقوله : «ولا دلالة» ، وشروع في الجواب عن الاستدلال بجملة من الآيات والروايات على وجوب المعرفة مطلقا.

__________________

(*) الكافي ٣ : ٢٦٤ / ١ ، تهذيب الأحكام ٣ : ٢٣٦ / ٩٣٢ ، وفيهما : «من هذه الصلاة» بدل «الصلوات الخمس».

٨٩

النفر ، إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلى التفقه الواجب ؛ لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته ، كما لا يخفى.

وكذا ما دل على وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث على طلبه ؛ لا بصدد بيان ما يجب العلم به (١).

______________________________________________________

توضيح الجواب : أن الأدلة المتقدمة لا تنهض لإثبات وجوب تحصيل المعرفة مطلقا ؛ حتى يندرج المقام فيه ، فلا دلالة لشيء مما ذكر من الآيات والروايات بالعموم على وجوب المعرفة في جميع المسائل الاعتقادية تفصيلا. وأما الآية الشريفة ـ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) ـ فلأن المستفاد منها هو خصوص معرفة الله ، فالمعرفة فيها تختص به سبحانه ولا تعم غيره ؛ لأن النون في (لِيَعْبُدُونِ) للوقاية ، وقد حذف ياء المتكلم وكان في الأصل «ليعبدوني» ، ومعه فلا إطلاق فيه حتى يستدل به على وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور الاعتقادية.

وأما النبوي : فلأنه ليس بصدد بيان حكم المعرفة حتى يكون له إطلاق يؤخذ به في مورد الشك في وجوب المعرفة ؛ بل إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات الخمس وأهميتها وأنها أفضل من سائر الواجبات بعد المعرفة ، فلا يستفاد منه إطلاق ولا عموم لوجوب المعرفة.

وأما آية النفر : فهي في مقام كيفية النفر للتفقه ؛ لا في مقام ما يجب فقهه ومعرفته. وبعبارة أخرى : إنها ليست بصدد بيان موضوع التعلم حتى يكون إطلاقها قاضيا بعدم الاختصاص ببعض الموارد ؛ بل إنما هي بصدد بيان ما يجعل وسيلة إلى التفقه الواجب ، وطريق يسهل معه التعلم الواجب ، وأنه يحصل بأن ينفر من كل فرقة طائفة للتفقه ، ولا يجب نفر الجميع ، وعليه : فلا إطلاق فيها من حيث المورد.

وأما الروايات الدالة على طلب العلم : فلأنها في مقام وجوب طلب العلم ، من دون نظر إلى ما يجب العلم به ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يجب علمه. حتى يتمسك به في موارد الشك في وجوب المعرفة.

وبالجملة : فلا دليل على وجوب المعرفة مطلقا حتى يصح التمسك به في موارد الشك في وجوبها.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : والإطلاق فرع كونها في مقام بيان ما يجب العلم به.

٩٠

ثم إنه (١) لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا ، حيث إنه ليس بمعرفة قطعا ، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن ، ومع العجز عنه : كان معذورا إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب ، مع قلة الاستعداد كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال ، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد ، ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد ، واتباع سيرة السلف ، فإنه كالجبلي للخلف ، وقلّما عنه تخلف.

والمراد من المجاهدة في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(*) هو المجاهدة مع النفس ؛ بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل ، وهي التي كانت أكبر

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن غرضه بيان قيام الظن مقام العلم بعد الفراغ مما يجب تحصيل المعرفة به عقلا أو شرعا وعدم قيامه مقامه ، ومرجعية البراءة في موارد الشك.

وتوضيح ما أفاده : أنه قد استدل على كفاية الظن في أصول الدين بوجوه :

الأول : أن الظن معرفة مطلقا ، سواء في حال الانفتاح أم الانسداد ؛ بحيث تصدق المعرفة عليه كصدقها على العلم ، فيكتفى بالظن في الأصول حتى في حال انفتاح باب العلم بها. وفيه ما أشار إليه المصنف بقوله : «حيث إنه ليس بمعرفته قطعا». وحاصله : أن الظن ليس مصداقا للمعرفة الواجبة في بعض الأصول الاعتقادية ؛ إذ المعرفة عرفا هي العلم ولا تصدق على غيره ، فمع التمكن من تحصيل العلم يجب تحصيله ، ولا يجوز الاكتفاء بالظن. ومع عدم التمكن منه : يكون معذورا إن كان العجز عن تحصيل العلم مستند إلى القصور الناشئ عن عدم المقتضي ؛ كقلة الاستعداد وغموض المطلب ، أو وجود المانع كغفلته وعدم التفاته.

وإن كان العجز عنه مستندا إلى التقصير في الاجتهاد ؛ ولو لأجل حب طريقة الآباء : فإن هذا الحب ربما يوهم كون تلك الطريقة حقا ، فيورث الخطأ في الاجتهاد ، فهو غير معذور ؛ بل مقصر لأجل الحب المزبور الملقى له في الخطأ.

قوله : «كما هو المشاهد ...» الخ. إشارة إلى دفع ما قيل : من عدم وجود القاصر استنادا إلى حصر المكلف في المؤمن والكافر ، وخلود الكافر في النار ، وإلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

وأما دلالة حصر المكلف في المؤمن والكافر على نفي الجاهل القاصر : فيتوقف على مقدمة وهي : أن هناك ما دل على خلود الكافر في النار ، وهناك حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر.

__________________

(*) العنكبوت : ٦٩.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن انضمام حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر ، مع ما دل على خلود الكافر في النار ينتج : أن يكون كل كافر إما عالما أو جاهلا عن تقصير ، فحينئذ : ما تراه قاصرا عاجزا عن العلم قد يمكن عليه تحصيل العلم بالحق ؛ ولو في زمان ما وإن صار عاجزا قبل ذلك أو بعده ، والعقل لا يقبح عقاب مثل هذا الشخص.

وأما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) على نفي الجاهل عن قصور : فلأن الآية المباركة تدل على انفتاح الطريق إلى معرفة الحق في جميع الحالات ، والطريق هو الجهاد في سبيل الوصول إلى الحق ، فقد وعد الله تعالى في هذه الآية : أن كل من جاهد في الحق وتفحص عنه يهتدي إلى سبيل الهداية ويصل إلى مطلوبه وهو الحق.

فالمتحصل : أن الآية المباركة تدل على أن من جاهد في سبيله تعالى بتحصيل المعرفة به وبأنبيائه وأوصيائه «عليهم‌السلام» فقد هداه الله تعالى وجعل له مخرجا ، فالمكلف إما عالم مؤمن وهو المجاهد في سبيل ربه لتحصيل المعرفة ، وإما جاهل مقصر كافر ، وهو التارك للمجاهدة بتحصيل المعرفة ، فلا وجود للقاصر.

وحاصل جواب المصنف «قدس‌سره» عن الأول ـ وهو حصر الناس في المؤمن والكافر ـ وجود القاصر في أصول الدين كما هو المشاهد والمحسوس «في كثير من النساء» والأطفال في أوائل البلوغ ؛ «بل الرجال» ، ولذا قال الشيخ «قدس‌سره» : «ولكن الذي يقتضيه الإنصاف : شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين» ، إلى أن قال : «مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن والكافر» (١) ، وتركنا ذكر تلك الأخبار رعاية للاختصار.

وأما الجواب عن آية المجاهدة : فلأنه ليس المراد من المجاهدة الواردة في الآية النظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة ؛ بل هو المجاهدة مع النفس التي هي أكبر من الجهاد مع الكفار ، كما في حديث أن رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» قال لأصحابه : ـ بعد رجوعهم من محاربة المشركين ـ «قد بقي عليكم الجهاد الأكبر». قالوا : وما هو يا رسول الله؟ قال : «الجهاد مع النفس» (٢). فالآية أجنبية عن المقام.

وكيف كان ؛ فليس المراد من المجاهد في الآية المباركة : النظر والاجتهاد في المطالب

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٦.

(٢) الكافي ٥ : ٣٨٢ ، أمالي الصدوق : ٥٥٣ / ٧٤٠ ، وبلفظ : «مجاهدة العبد هواه» ؛ كما في فيض القدير ٤ : ٦٦٩ / ٦١٠٧ ، أو «جهاد القلب» كما في كشف الخفاء ١ : ٤٢٤ / ١٣٦٢.

٩٢

من الجهاد ؛ لا النظر والاجتهاد (١) وإلا (٢) لأدى إلى الهداية ، مع أنه يؤدي إلى الجهالة والضلالة إلا إذا كانت هناك منه تعالى عناية ، فإنه (٣) غالبا بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق لا بصدد الحق ، فيكون مقصرا مع اجتهاده ، ومؤاخذا (٤) إذا أخطأ على قطعه واعتقاده.

ثم لا استقلال للعقل (٥) بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم ، فيما (٦)

______________________________________________________

العلمية التي منها أصول الدين ؛ حتى تكون المجاهدة مؤدية إلى الواقع ، ولا يقع فيها الخطأ أصلا ؛ إذ لو كان المقصود من المجاهدة النظر في المطالب العلمية لزم ـ بمقتضى قوله تعالى : (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) ـ إصابة الاجتهاد بالواقع دائما ، مع وضوح التخلف في كثير من الاجتهادات ، وهذا التخلف يشاهد على أن المقصود من الآية المباركة هو الحث على مجاهدة النفس بترك العمل بمشتهياتها ؛ لا الترغيب على خصوص تحصيل العلم.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : ليس المراد من المجاهدة النظر والاجتهاد.

(٢) أي : ولو كان المراد بالمجاهدة الاجتهاد والنظر : لزم إصابته دائما ، مع أنه يخطئ كثيرا بشهادة الوجدان ، فضمير «أنه» راجع على النظر والاجتهاد.

(٣) تعليل لقوله : «يؤدي» ، والضمير راجع على المجتهد والناظر.

(٤) أي : فيكون الناظر والمجتهد مؤاخذا على عدم إصابة الواقع لتقصيره بعدم طلبه للحق ، وقوله : «على قطعه» متعلق ب «مؤاخذا».

(٥) هذا إشارة إلى أحد الوجوه التي استدل بها على وجوب تحصيل الظن في أصول الدين عند تعذر العلم ، وحاصله : دعوى استقلال العقل بلزوم تحصيل الظن عند انسداد باب العلم في أصول العقائد ؛ لأن الظن من مراتب العلم ، فيكون كالعلم شكرا للمنعم.

وملخص جواب المصنف عنه : هو منع استقلال العقل ؛ لعدم الحاجة إلى الظن بعد عدم توقف امتثال التكليف ـ أعني : وجوب الاعتقاد ـ على الظن.

قال الشيخ : ـ بعد إثبات وجود القاصر خارجا ـ ما لفظه : «والمقصود فيما نحن فيه الاعتقاد ، فإذا عجز عنه فلا دليل على وجوب تحصيل الظن الذي لا يغني من الحق شيئا» (١).

(٦) متعلق ب «تحصيل الظن» ، والمراد بالموصول في «فيما» : الموارد التي يجب تحصيل العلم فيها ، وضمير «تحصيله» راجع على العلم يعني : لا يستقل العقل بوجوب تحصيل الظن في هذه الموارد عند اليأس عن تحصيل العلم فيها ، وهي المعرفة بالصانع «عزوجل»

__________________

(١) فرائد الأصول ١ : ٥٧٧.

٩٣

يجب تحصيله عقلا لو أمكن (١) ، لو لم نقل (٢) باستقلاله بعدم وجوبه ؛ بل (٣) بعدم جوازه ؛ لما (٤) أشرنا إليه من إن الأمور الاعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الاعتقاد بما هو واقعها والانقياد لها ، فلا (٥) إلجاء فيها أصلا إلى التنزل إلى الظن فيما انسد فيه باب العلم ، بخلاف الفروع العلمية ، كما لا يخفى.

وكذلك (٦) لا دلالة من النقل على وجوبه ، فيما يجب معرفته مع الإمكان

______________________________________________________

وبالنبي والأئمة «عليهم‌السلام».

(١) قيد ل «يجب» ، والضمير المستتر فيه راجع على تحصيل العلم.

(٢) قيد لقوله : «لا استقلال» ، وهو إضراب عن عدم استقلال العقل بالوجوب إلى استقلاله بعدم الوجوب ، وحاصله : أن العقل لا يحكم بلزوم تحصيل الظن عند تعذر العلم ؛ بل يحكم بعدم لزومه ؛ لما عرفت من : عدم الحاجة إلى الظن في عقد القلب الذي هو المطلوب في الأصول الاعتقادية.

(٣) متعلق ب «لو لم نقل» وإضراب عن استقلال العقل بعدم الوجوب إلى استقلاله بعدم جواز تحصيل الظن ؛ لأن عقد القلب على المظنون تشريع محرم.

(٤) تعليل لعدم الوجوب لا عدم الجواز ، وحاصله : ما تقدم من : أنه مع انسداد باب العلم في الأمور الاعتقادية لا موجب للتنزل إلى الظن فيها ؛ لإمكان عقد القلب على ما هو واقعها ، وعليه : فلا استقلال للعقل بحجية الظن في الاعتقاديات.

وهذا بخلاف الأمور العملية ، فإن امتثال الأحكام الفرعية موقوف على العلم بمطابقة العمل لمتعلق الحكم ، أو الاحتياط ، والثاني غير واجب أو غير جائز ، وقد أشار إلى ذلك بقوله سابقا : «فلا يتحمل إلا لما هو الواقع ، ولا ينقاد إلا له ؛ لا لما هو مظنونه». وهذا بخلاف العمليات ، فلا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الانسداد.

(٥) هذا قرينة على أن قوله : «لما أشرنا» علة لعدم تحصيل الظن لا لعدم جوازه ؛ لأن الإلجاء يوجب حجية الظن ، وهو مفقود هنا ؛ إذ ليس في مرحلة العمل حتى يتعذر التوقف فيه ويتعين العمل بالعلم إن أمكن تحصيله ، أو بالظن مع تعذره ؛ لكونه أقرب إلى الواقع من غيره ، مع فرض عدم جواز إجراء الأصول النافية لاستلزامه الخروج عن الدين ، ولا الاحتياط لعدم وجوبه أو عدم جوازه ، وهذا السبب لجواز العمل بالظن مفقود هنا ، وبانتفائه بالنسبة إلى الأصول الاعتقادية ينتفي المسبب ، وهو حجية الظن فيها.

(٦) عطف على قوله : «لا استقلال للعقل» يعني : كما أنه لا استقلال للعقل بلزوم تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم بالاعتقاديات ، كذلك لا دلالة للنقل على وجوب تحصيل الظن عند تعذر العلم فيما يجب معرفته عن علم مع الإمكان ؛ بل في

٩٤

شرعا (١) ؛ بل الأدلة الدالة على النهي عن اتباع الظن ، دليل على عدم جوازه أيضا (٢).

وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا (٣) : أن القاصر يكون في الاعتقاديات (٤) للغفلة ،

______________________________________________________

وجوب تحصيل الظن عند تعذر العلم فيما يجب معرفته عن علم مع الإمكان ؛ بل في النقل ما يدل على عدم الجواز ، وهو ما دل على النهي عن متابعة الظن ، فإنه إما مختص بأصول الدين وإما عام ، وعلى التقديرين : يثبت المقصود وهو النهي عن اتباع الظن في الأصول ، غاية الأمر : أن الأثر الشرعي تارة : يترتب على العمل الجوانحي ، وهو الاعتقاد كما هو المطلوب في أصول العقائد ، وأخرى : على العمل الجوارحي كما هو المطلوب في الفروع ، وهذا الاختلاف غير قادح في شمول الدليل وعمومه.

(١) قيد ل «وجوبه» ، وضمير «وجوبه» راجع على تحصيل الظن ، و «مع الإمكان» قيد «يجب» يعني : لا يدل النقل على وجوب تحصيل الظن شرعا ، كما لا يدل العقل على وجوبه.

(٢) يعني : كما كان العقل دالا على عدم جواز تحصيل الظن كما تقدم في قوله : «لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه ، بل بعدم جوازه».

(٣) وهو قوله : «ومع العجز عنه كان معذورا إن كان عن قصور لغفلته».

وغرضه : بيان وجود القاصر في الخارج ، ولعل إعادته مع بنائه على مراعاة الإيجاز لأجل الإشارة إلى بعض صور القاصر من حيث المعذورية وعدمها ؛ إذ القاصر على قسمين :

أحدهما : أن يكون غافلا محضا.

الثاني : أن يكون ملتفتا مع قصوره عن الوصول إلى الواقع ؛ لعدم استعداده وهو على وجوه : أحدها : أن يكون منقادا لما يحتمله واقعا.

ثانيها : أن لا يكون منقادا ولا معاندا له.

ثالثها : أن يكون معاندا لما يحتمله حقا في الواقع.

لا إشكال في المعذورية في القسم الأول ، وهو كونه غافلا محضا ، وكذا في الوجه الأول من القسم الثاني ، وهو كونه منقادا لما يحتمله واقعا.

وأما الوجهان الأخيران منه : فالظاهر عدم كونه معذورا ، خصوصا الأخير وهو المعاند لما يحتمله.

(٤) بمعنى : أن القاصر يوجد في الاعتقاديات ، ف «يكون» تامة ، وفاعله ضمير مستتر راجع على القاصر ، يعني : أن القاصر يوجد في الاعتقاديات. وقوله : «للغفلة» علّة لوجود القاصر.

٩٥

أو عدم الاستعداد للاجتهاد (١) فيها ؛ لعدم (٢) وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن تقصير كما لا يخفى. فيكون (٣) معذورا عقلا.

ولا يصغى (٤) إلى ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها ؛ لكنه (٥) إنما يكون معذورا غير معاقب على عدم معرفة الحق إذا لم يكن يعانده ؛ بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله (٦).

هذا بعض الكلام مما يناسب (٧) المقام.

وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والإسلام : فهو مع عدم مناسبته (٨) خارج عن وضع الرسالة (٩).

______________________________________________________

(١) متعلق ب «الاستعداد» ، يعني : أو لعدم استعداده للبحث والفحص في الاعتقاديات عن الحق لينقاد له.

(٢) علة لوجود القاصر في الاعتقاديات ؛ لعدم الاستعداد ، وحاصله : أن الاعتقاديات ليست في كمال الوضوح حتى يكون الجهل بها عن تقصير فقط ، ولا يتصور فيها الجهل القصوري فقط ؛ بل قد يكون الجهل ـ بسبب عدم وضوح الأمر ـ عن قصور ، وقد يكون عن تقصير ، فقوله : «لا يكون» صفة لقوله «مثابة».

(٣) نتيجة لما ذكرناه من استناد الجهل بالأصول الاعتقادية ـ لعدم استعداده ـ إلى القصور دون التقصير ، فيكون هذا الجاهل القاصر معذورا عقلا.

(٤) إشارة إلى ما نسب إلى بعض ؛ بل إلى المشهور من عدم وجود القاصر.

وقد عرفت الإشارة إليه سابقا ، وضمير «فيها» راجع على الاعتقاديات.

(٥) استدراك على قوله : «فيكون معذورا عقلا» ، وضميره راجع على الجاهل القاصر ، يعني : أن معذورية الجاهل القاصر إنما هي في بعض صوره وهو القسم الأول ، والوجه الأول من القسم الثاني كما تقدم.

(٦) الضمائر الأربعة راجعة على الحق.

(٧) من حيث البحث عن حجية الظن في الأصول وعدمها ؛ لأنه المناسب للأصول.

(٨) وجه عدم المناسبة : أن البحث عن كفر الجاهل وإسلامه من المباحث الفقهية من جهة ، والكلامية من جهة أخرى ، وعلى كل حال : ليس بحثا أصوليا ، فلا يناسب ذكره في المقام.

(٩) لبناء وضع الرسالة على نهاية الإيجاز.

هذا تمام الكلام في باب الظن في أصول الدين حسب اقتضاء المقام.

٩٦

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ المقصود من الأمر الأول : هو بيان حجية الظن الانسدادي في الأمور الاعتقادية ، والحق عند المصنف هو : عدم الحجية ؛ وذلك لأن الأمور الاعتقادية على قسمين : القسم الأول ـ وهو ما يكون متعلق الوجوب فيه نفس الاعتقاد والالتزام بما هو الواقع ـ لا حاجة فيه إلى العلم ولا إلى الظن ، إذ يكفي الاعتقاد بما هو الواقع.

وأما القسم الثاني ـ وما يكون متعلق الوجوب فيه معرفة شيء والعلم به ليكون الاعتقاد به عن علم ـ فلا يجوز الاكتفاء بالظن فيه ؛ لأن الواجب هو المعرفة والظن ليس بمعرفة قطعا ، فلا بد من تحصيل العلم مع الإمكان وكان معذورا عند العجز عن تحصيل العلم.

٢ ـ المرجع : هو أصالة البراءة عن وجوب المعرفة عند الشك ، وعدم ثبوت وجوبها عقلا أو شرعا.

وأما توهم : كون المرجع هو عموم أو إطلاق جملة من الآيات والروايات ، ومقتضى عمومها أو إطلاقها هو : وجوب المعرفة ، فلا مجال لأصالة البراءة ؛ فمدفوع : بأن شيئا مما ذكر لا يدل على وجوب المعرفة مطلقا ؛ لأن المراد من المعرفة في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١) أي : ليعرفون هو معرفة الله تعالى ؛ لا معرفة من سواه.

وأما النبوي ـ وهو قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس» ـ فهو في مقام بيان فضيلة الصلوات الخمس وأهميتها ، ولا يستفاد منه إطلاق ولا عموم لوجوب المعرفة مطلقا.

وأما آية النفر : فلأنها في مقام بيان كيفية النفر للتفقه ؛ لا في مقام بيان ما يجب فقهه ومعرفته.

وأما ما دل على وجوب طلب العلم : فلأنه في صدد الحث على طلب العلم ؛ لا في مقام بيان ما يجب علمه.

٣ ـ توهم : عدم وجوب الجاهل القاصر في الأمور الاعتقادية استنادا إلى حصر المكلف في المؤمن والكافر.

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وإلى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) ؛ مدفوع : لوجود الجاهل القاصر بالوجدان كما هو المشاهد في كثير من النساء ؛ بل الرجال.

وليس المراد من المجاهدة الواردة في الآية الشريفة : النظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة ؛ بل المراد من المجاهدة هو : المجاهدة مع النفس التي هي أكبر من الجهاد ؛ كما في حديث أن رسول «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» قال لأصحابه ـ بعد رجوعهم من محاربة المشركين : ـ «قد بقى عليكم الجهاد الأكبر». قالوا : وما هو يا رسول الله؟ قال : «الجهاد مع النفس».

وحينئذ : فالآية المباركة أجنبية عن المقام.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ عدم حجية الظن في الأمور الاعتقادية.

٢ ـ المرجع عند الشك في وجوب معرفة شيء هو : أصالة البراءة.

٣ ـ وجود الجاهل القاصر في الأمور الاعتقادية.

__________________

(١) العنكبوت : ٦٩.

٩٨

الثاني (١) : الظن الذي لم يقم على حجيته دليل ، هل يجبر به ضعف السند أو

______________________________________________________

جبر السند أو الدلالة بالظن غير المعتبر

(١) هذا هو الأمر الثاني من الأمرين اللذين يذكران في الخاتمة استطرادا ، والمقصود من عقده : هو بيان حكم الظن غير المعتبر من حيث كونه جابرا لضعف سند رواية أو كاسرا لصحته أو قوته ، أو مرجحا لدلالة رواية على دلالة رواية أخرى حال التعارض ، وقد جعل البحث فيه في مقامين :

الأول : في الظن غير المعتبر الذي يكون عدم اعتباره بمقتضى الأصل الأولي ، المقتضي لحرمة العمل بالظن ، من دون قيام دليل على حجيته لا بالخصوص ولا بدليل الانسداد ؛ كالشهرة في الفتوى ، والأولوية الظنية ، والاستقراء إذا فرضنا فيها ذلك.

الثاني : في الظن غير المعتبر ، الذي يكون عدم اعتباره للدليل على عدم حجيته بالخصوص كالقياس.

أما المقام الأول : فقد اختلفوا فيه ، وأن هذا الظن غير المعتبر هل يكون جابرا لضعف سند الرواية أو دلالتها ؛ بحيث يوجب حجية الرواية سندا أو دلالة ، أو يكون موهنا لهما ؛ كما إذا كان الخبر صحيحا مثلا ولكن قام الظن غير المعتبر على خلافه ، فهل هذا الظن موهن لصحته وكاسر لسورة حجيته ، أو يكون مرجحا لأحد المتعارضين إذا كان على طبق أحدهما ، أم لا يكون كذلك؟

ومجمل ما أفاده المصنف في المقام : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ١٢٦» ـ أن المعيار في الجبر بهذا الظن غير المعتبر هو : كونه موجبا. لاندراج ما يوافقه من الخبر مثلا تحت دليل الحجية ، فإن أوجب اندراجه في دليل الحجية كان جابرا له ؛ وإلا فلا ، فإذا كان هناك خبر ليس بنفسه مظنون الصدور ، وفرضنا أن موضوع دليل الاعتبار هو الخبر المظنون صدوره مطلقا ، يعني : سواء حصل الظن بالصدور من نفس السند لوثاقة الرواة ، أم غير السند ؛ كالظن غير المعتبر المبحوث عنه في المقام الموافق للخبر المذكور : كانت موافقة هذا الظن لهذا الخبر جابرة لضعف سنده ؛ لأنها موجبة لاندراج الخبر المذكور تحت موضوع دليل الاعتبار.

وذا كان هناك خبر ضعيف ـ لعدم كون جميع رواته عدولا ـ وفرضنا أن موضوع دليل الاعتبار هو خبر العادل أي : الذي يكون جميع رواته عدولا : لم تكن موافقة الظن غير المعتبر للخبر المذكور جابرة لضعف سنده ، وموجبة لاندراجه في موضوع دليل الاعتبار وهو خبر العادل ؛ لعدم كون جميع رواته عدولا حسب الفرض.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكذا ترجيح مضمون أحد الخبرين المتعارضين على الآخر ، فإن المعيار أيضا في ترجيح أحدهما ـ لأجل موافقته لهذا الظن غير المعتبر ـ على الآخر هو اندراج ما يوافقه تحت دليل الحجية ، فإن أوجبت موافقته للظن المذكور دخوله تحت دليل الحجية كانت موجبة له ؛ وإلا فلا ، هذا.

وترجيح مضمون أحد الخبرين المتعارضين على الآخر يتصور على وجهين :

أحدهما : أن يتعارض الخبران من جميع الجهات ؛ إلا إن أحدهما موافق لظن غير معتبر كالشهرة الفتوائية إذا فرضناها ظنا غير معتبر.

ثانيهما : أن يتعارض الخبران من جميع الجهات أيضا ، سوى أن أحدهما أرجح من الآخر من حيث الظهور ، والآخر المرجوح موافق لظن غير معتبر كالشهرة الفتوائية المذكورة ؛ كما إذا ورد في أحد الخبرين «لا تبل تحت شجرة مثمرة» فإنه ظاهر في الحرمة ، وورد في الآخر : «لا ينبغي أن تبول تحت شجرة مثمرة» فإنه ظاهر في الكراهة ، ولا ريب : في أن الجمع العرفي يقتضي بتقديم ظهور «لا تبل» على ظهور «لا ينبغي» لأقوائية ظهور «لا تبل» في الدلالة على الحرمة من ظهور «لا ينبغي» في الكراهة ، فإذا وجدت الشهرة الفتوائية على وفق أحد الخبرين المتعارضين في الوجه الأول ، أو وجدت على الكراهة في مثال الوجه الثاني ، فهذه الشهرة الفتوائية إنما توجب رجحان ما يوافقها من الخبرين المتعارضين ، أو رجحان الخبر المرجوح منها في المثال المذكور إذا أوجبت اندراج أحدهما تحت دليل الحجية ؛ وإلا لم توجب رجحان شيء منهما.

كما أن المعيار في الوهن بهذا الظن غير المعتبر هو : خروج ما يخالفه من الخبر المعتبر مثلا عن دليل الاعتبار والحجية ، فإن أوجبت مخالفته لهذا الظن غير المعتبر خروجه عن موضوع دليل الاعتبار كان هذا الظن موهنا له ؛ وإلا فلا.

هذا مجمل القول في المقام الأول.

وأما بيان ما هو مختار المصنف فيتوقف على مقدمة : وهي : إن الوجوه المحتملة في أدلة الحجية ثلاثة :

الأول : أن يكون موضوعها الخبر المظنون صدوره بنفس السند لكون رواته ثقات مثلا.

الثاني : أن يكون موضوعها الخبر المظنون صدوره ؛ وإن كان الظن بصدوره مستندا إلى غير السند كعمل الأصحاب به واستنادهم إليه الموجب للظن بصدوره.

١٠٠