دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

الثاني (١) : أنه لا يخفى أن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في

______________________________________________________

الشك في إطلاق الجزء والشرط لحال النسيان

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حكم الجزء أو الشرط المتروك نسيانا ، كقراءة السورة والطهارة في الصلاة ، فيقع البحث في أن النسيان هل يوجب ارتفاع الجزئية أو الشرطية أم لا فيما لا يكون لدليليهما إطلاق يشمل حال النسيان؟

وقبل الخوض في البحث ، ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الشك قد يكون في أصل جزئية شيء أو شرطيته ، وهذا خارج عن محل الكلام ، وقد تقدم تفصيل البحث عنه.

وقد يكون الشك في عموم جزئية شيء أو شرطيته لحال النسيان بعد العلم بأصل الجزئية أو الشرطية. وهنا احتمالات :

الأول : هو العلم باختصاص الجزئية والشرطية بحال الذكر والالتفات ، ولازم ذلك : عدم وجوب الإعادة عند ترك الجزء أو الشرط نسيانا.

الثاني : هو العلم بالجزئية أو الشرطية في جميع الأحوال حتى حال السهو والنسيان ، ولازم ذلك : وجوب الإعادة لبطلان الصلاة لأجل نقصان الجزء أو الشرط.

الثالث : هو الشك في اختصاصهما بحال الذكر والالتفات أو عدم الاختصاص بهما ؛ بل كون الجزئية والشرطية في جميع الأحوال. إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام هو هذا الاحتمال الثالث ، فيقع الكلام في أنه إذا نقص جزء من أجزاء العبادة سهوا ونسيانا ، فهل الأصل بطلانها أم لا؟ فاختار الشيخ «أعلى الله مقامه» بطلانها لعموم جزئية الجزء وشمولها لحالتي الذكر والنسيان جميعا ، ثم أشكل على نفسه بما ملخصه : أن عموم جزئية الجزء لحال النسيان إنما يتم إذا أثبتت الجزئية بدليل لفظي مثل قوله : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (١) ، دون ما إذا ثبتت بدليل لبي لا إطلاق له ، كما إذا قام الإجماع على جزئية شيء في الجملة ، واحتمل اختصاصها بحال الذكر فقط. وحينئذ : فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية في حال النسيان ، فيرجع فيها إلى

__________________

(١) الرواية عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر «عليه‌السلام» نصها هكذا : (سألته عن الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته ، قال : «لا صلاة له إلا أن يبدأ بها في جهر أو إخفات». الكافي ٣ : ٣١٧ / ٢٨ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٤٦ / ٥٧٣ ، الاستبصار ١ : ٣١ / ١١٥٢ ، أو قوله لسماعة : «فليقرأها ما دام لم يركع ، فإنه لا قراءة حتى يبدأ بها» ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٤٧ / ٦٧٤. أو عنه «صلى‌الله‌عليه‌وآله» : «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». مسند أحمد ٥ : ٣١٤ ، صحيح البخاري ١ : ١٨٤.

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

البراءة أو الاحتياط على الخلاف المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين.

ثم أجاب عنه بما ملخصه : أنه إن أريد من عدم جزئيته ما ثبتت جزئيته في الجملة ومن ارتفاعها بحديث الرفع في حق الناس إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء المنسي عليه فهو غير قابل لتوجيه الخطاب إليه ؛ إذ بمجرد أن خوطب بعنوان الناسي يتذكر وينقلب الموضوع. وإن أريد منه إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعية ، فهو حسن ولكن الأصل عدمه بالاتفاق وهذا معنى بطلان العبادة الفاقدة للجزء نسيانا ، بمعنى : عدم كونها مأمورا بها. انتهى «عناية الأصول ، ج ٤ ، ص ٢٣١».

وأما المصنف «قدس‌سره» : فيرى المسألة أيضا من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ، ومن جزئيات الشك في الجزئية أو الشرطية ، فلا تجري فيها البراءة العقلية ، وتجري فيها البراءة الشرعية على مسلكه المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين.

وظاهر قوله : «إن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء ...» الخ. أن كلامه مفروض فيما إذا لم يكن دليل الجزء أو الشرط لفظيا له عموم يشمل حالتي الذكر والنسيان جميعا كي يمنع عن البراءة.

ثم إن ارتباط هذه التنبيه بمباحث الأقل والأكثر الارتباطيين إنما هو من جهة العلم بتعلق التكليف بالجزء أو الشرط إجمالا ، والجهل بإطلاقه لحالتي الذكر والنسيان ، أو اختصاصه بحال الالتفات فقط ، والمباحث المتقدمة كانت في مرجعية الأصل عند الشك في أصل الجزئية والشرطية ، وهنا في سعة دائرة المجعول وضيقها بعد العلم بأصله ، للعلم بانبساط الوجوب الضمني على ذكر الركوع والسجود مثلا ، والشك لأجل إجمال النص ونحوه في إطلاق المأمور به وتقييده ، وبهذا يندرج الكلام هنا في كبرى الأقل والأكثر ، أما في الأجزاء الخارجية : فللشك في الجزئية حال النسيان ، وأما في الأجزاء التحليلية : فمن جهة الشك في إطلاق المجعول وتقيده.

وكيف كان ؛ فتنقيح الكلام في المقام يتوقف على بيان أمور :

الأول : فيما يقتضيه الأصل العملي ،

الثاني : فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي ،

الثالث : في صحة العمل الخالي عن المنسي الملزوم لوجوبه ، وكونه مأمورا به.

وأما الأول فحاصله : أن مقتضى قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «رفع ما لا يعلمون» ، وحديث الحجب ونحوهما هو جريان البراءة الشرعية عند الشك في الجزئية

٤٢٢

حال نسيانه عقلا ونقلا ، ما ذكر (١) في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية (٢) ، فلو لا

______________________________________________________

والشرطية دون البراءة العقلية ؛ لما تقدم في الشك في أصل الجزئية والشرطية من جريان البراءة النقلية فيه دون العقلية ؛ لعدم الانحلال وبقاء العلم الإجمالي الموجب للاشتغال على التفصيل المتقدم هناك ، فإن المقام من صغريات تلك المسألة ، فلو لا البراءة الشرعية كان مقتضى قاعدة الاشتغال إعادة المأمور به الناقص ، والإتيان به بجميع ما دخل فيه من الأجزاء والشرائط.

وقوله : «إن الأصل فيما إذا شك ...» الخ. إشارة إلى الأمر الأول ، والمراد به بقرينة قوله : «ما ذكر في الشك في أصل الجزئية أو الشرطية» هو أصل البراءة ، لكن لا يلائمه.

قوله : «ولا تعاد في الصلاة» فإن عطف ذلك على «حديث الرفع» عطف الدليل الاجتهادي على الأصل العملي المستلزم لكونهما في رتبة واحدة ، مع أنه ليس كذلك ، ضرورة : تقدم الدليل الاجتهادي على الأصل العملي من باب الورود أو الحكومة ، وحينئذ :

فلا بد وأن يراد بالأصل ما هو أعم من الأصل العملي والمتصيد من الدليل الاجتهادي.

قوله : «في حال نسيانه» يعني : بعد العلم بجزئيته أو شرطيته في غير حال النسيان ، وإنما الشك فيهما نشأ من نسيان الجزء أو الشرط لا نسيان الجزئية أو الشرطية حتى يندرج في نسيان الحكم المدرج له في الجهل الطارئ بالحكم.

وضميرا «شرطيته ، نسيانه» راجعان على الشيء ، و «في حال» قيد ل «جزئية شيء أو شرطيته».

قوله : «عقلا ونقلا» قيد لقوله : «الأصل» ، والمراد بقوله : «عقلا» هو قاعدة الاشتغال كما مر آنفا.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) خبر «أن» في قوله : «أن الأصل» ، والوجه في كون الشك في جزئية المنسي كالشك في أصل الجزئية هو : اندراجه في كبرى الشك في الأقل والأكثر ، حيث إنه مع عدم إطلاق يدل على جزئية المنسي حال النسيان يشك في جزئيته في هذا الحال ، فإن كان جزءا فالواجب هو الأكثر ، وإلا فالأقل.

(٢) كما لو شك بأن السورة جزء أم لا ، أو الطهارة في سجدة السهو شرط أم لا ، فإن مقتضى الأصل الاحتياط ، فإن حال الجزء والشرط المشكوكين في بعض الأحوال ـ كحال النسيان ـ حالهما في جميع الأحوال. هذا من جهة العقل.

وأما من جهة النقل : فأدلة البراءة وما أشبهها محكمة.

٤٢٣

مثل حديث الرفع (١) مطلقا (٢) و «لا تعاد» في الصلاة (٣) يحكم عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا ، كما هو (٤) الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا (٥) نصا أو إجماعا (٦).

ثم لا يذهب عليك (٧) : أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا ...

______________________________________________________

(١) المراد به «ما لا يعلمون» ؛ لأن رفع النسيان داخل فيما يذكره من قوله : «يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية» ، فحديث الرفع ـ حيث إن نسبته إلى أدلة الأجزاء والشرائط كالاستثناء على ما تقدم بيانه ـ يدل على صحة العمل الفاقد للجزء أو الشرط المنسي.

(٢) يعني : في الصلاة وغيرها.

(٣) يعني : وحديث «لا تعاد الصلاة إلا من خمس» (١) المروي عن الباقر «عليه‌السلام» في خصوص باب الصلاة ، وقد مر آنفا : أن الأنسب ذكر «لا تعاد» في عداد الأدلة الاجتهادية.

قوله : «يحكم عقلا ...» الخ جواب «فلو لا» ، والمراد بحكم العقل هو : قاعدة الاشتغال الثابتة بالعلم الإجمالي الذي لم ينحل على مذهب المصنف «قدس‌سره». كما تقدم ، وضميرا «بجزئه ، شرطه» راجعان على «ما» الموصول.

(٤) يعني : كما أن وجوب الإعادة ثابت في الجزء أو الشرط الذي دل الدليل على جزئيته أو شرطيته في جميع الحالات التي منها النسيان ، غاية الأمر : أن وجوب الإعادة حينئذ مستند إلى نفس دليل اعتبار الجزئية أو الشرطية ، وفي صورة الشك إلى قاعدة الاشتغال لو لم تجر أصالة البراءة.

(٥) يعني : ولو في حال النسيان.

(٦) الأول : كالخمسة المستثناة في حديث «لا تعاد» المعبر عنها بالأركان.

والثاني : كتكبيرة الإحرام ، فإن اعتبارها إنما هو بالإجماع الذي يعم معقده جميع الحالات التي منها النسيان دون الروايات ؛ لعدم نهوضها على ذلك كما لا يخفى على من راجعها.

(٧) هذا إشارة إلى الأمر الثاني ، وهو إمكان إقامة الدليل الاجتهادي على نفي الجزئية أو الشرطية في حال نسيان الجزء أو الشرط ؛ بحيث ينقسم المكلف بحسب

__________________

(١) الخصال : ٢٨٤ / ٣٥ ، الفقيه ١ : ٢٧٨ / ٨٥٧ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٥٢ / ٥٩٧ ، الوسائل ١ : ٣٧١ / ٩٨٠.

٤٢٤

الحال (١) بمثل حديث الرفع ، كذلك يمكن تخصيصها (٢) بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية ، كما إذا وجه الخطاب (٣) على نحو يعم الذاكر والناسي ...

______________________________________________________

الالتفات والنسيان إلى قسمين : الذاكر والناسي ، ويصير الواجب بتمام أجزائه وشرائطه واجبا على الذاكر ، وبما عدا الجزء أو الشرط المنسي منه واجبا على الناشئ خلافا للشيخ الأنصاري «قدس‌سره» ، حيث منع عن تنويع المكلف وجعله قسمين ذاكرا وناسيا ، نظرا إلى أن الغرض من الخطابات لمّا كان هو البعث والزجر المعلوم ترتبهما على إحراز المكلف انطباق العنوان المأخوذ في حيز الخطاب على نفسه ؛ إذ الغافل عن الاستطاعة مثلا لا ينبعث عن إيجاب الحج على المستطيع أصلا ، ومن المعلوم : امتناع خطاب الناسي بهذا العنوان ، ضرورة : أن توجيه هذا الخطاب إليه يخرجه عن عنوان الناسي ويجعله ذاكرا ، فلا بد للناسي في الشك في الجزئية أو الشرطية من الإتيان بالواجب بتمامه ، من دون فرق في إطلاق الجزئية والشرطية بين الذاكر والناسي ، والتفكيك بينهما لا وجه له أصلا.

(١) أي : حال النسيان بحديث الرفع ومثله من سائر أدلة البراءة النقلية.

(٢) أي : تخصيص الجزئية أو الشرطية بهذا الحال أي : حال النسيان بحسب الأدلة الاجتهادية ، بنحو لا يلزم محذورا أصلا ؛ إذ لا يتوقف تنويع المكلف بالذاكر والناسي على جعل الناسي موضوعا للخطاب حتى يمتنع ذلك لانقلابه بالذاكر كما أفاده الشيخ «قدس‌سره».

ولذا حكم بجزئية شيء حال النسيان إن لم يكن لدليلها إطلاق يشمل تلك الحالة ، وإن كان له إطلاق فهو دليل عليها وموجب لبطلان العبادة الفاقدة للجزء المنسي (١).

والحاصل : أنه «قدس‌سره» يقول بأصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا (٢) ، إما لإطلاق دليل الجزئية ، وإما لامتناع خطاب الناسي بما عدا المنسي ، والحكم بالصحة منوط بدليل عام أو خاص يدل على الصحة.

(٣) هذا جواب المصنف عن إشكال الشيخ «قدس‌سره» : وقد أجاب عنه في المتن بوجهين :

أحدهما : وهو الذي أشار إليه بقوله : «كما إذا وجه الخطاب ...» الخ أن يجعل عنوان عام يشمل الذاكر والناسي كعنوان «المكلف» ويخاطب بما عدا المنسي من الأجزاء ، ثم يكلف الملتفت بالمنسي ، فالذاكر الآتي بتمام المأمور به آت بوظيفته ، والناسي الآتي

__________________

(١) منتهى الدراية : ٦ : ٢٧٦.

(٢) فرائد الأصول : ٢ : ٣٦٢.

٤٢٥

بالخالي (١) عما شك في دخله مطلقا (٢) ، وقد دل دليل آخر (٣) على دخله في حق الذاكر ، أو وجه (٤) إلى الناسي خطاب يخصه (٥) بوجوب (٦) الخالي بعنوان آخر عام أو خاص ؛ لا بعنوان الناسي كي (٧) يلزم استحالة إيجاب ذلك (٨) عليه بهذا العنوان ؛ لخروجه (٩) عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة ، كما توهم لذلك (١٠) استحالة

______________________________________________________

بالناقص آت أيضا بوظيفته ، من دون توجه خطاب إليه بعنوان الناسي حتى يلزم محذور الانقلاب ، والخروج عن حيز الخطاب المتوجه إليه.

وبالجملة : فهذا الوجه يدفع استحالة تكليف الناسي بما عدا المنسي.

ثانيهما : أن يكلف الملتفت بتمام المأمور به والناسي بما عدا المنسي ؛ لكن لا بعنوان الناسي حتى يلزم الانقلاب إلى الذاكر بمجرد توجيه الخطاب إليه ، بل بعنوان آخر عام ملازم لجميع مصاديقه كالبلغمي أو قليل الحافظة أو كثير النوم ، أو نحو ذلك أو بعنوان خاص كأخذ العناوين المختصة بأفراد الناسي كقوله : «يا زيد ويا عمرو ويا بكر» إذا كان أحدهم ناسيا للسورة ، والآخر لذكر الركوع ، والثالث لذكر السجود مثلا.

(١) متعلق ب «الخطاب» ، و «على نحو» متعلق ب «وجه» ، كأنه قيل : «إذا وجه الخطاب بالخالي على نحو يعم الذاكر والناسي».

(٢) يعني : حتى في حق الناسي ، وضمير «دخله» راجع على «ما» الموصول.

(٣) يعني : غير ما دل على كون ما عدا المنسي مأمورا به للذاكر والناسى وضمير «دخله» راجع على الموصول في «عما شك».

(٤) هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم بقولنا : «ثانيهما : أن يكلف الملتفت بتمام المأمور به».

(٥) أي : يخص الناسي في مقابل الوجه الأول الذي كان الخطاب فيه شاملا له وللذاكر.

(٦) هذا «وبعنوان» متعلقان ب «خطاب».

(٧) تعليل لعدم صحة توجيه الخطاب بعنوان الناسي ، وقد تقدم بيانه.

(٨) أي : الخالي عن المنسي ، وضمير «عليه» راجع على الناسي ، وهو المراد أيضا بقوله : «بهذا العنوان».

(٩) تعليل للاستحالة ، وضمير «لخروجه» راجع على الناسي ، وضمير «عنه» راجع على عنوان الناسي ، وضمير «إليه» راجع على الناسي.

(١٠) أي : لاستحالة خطاب الناسي بعنوان النسيان ، وهذا إشارة إلى كلام الشيخ

٤٢٦

تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر ، وإيجاب (١) العمل الخالي عن المنسي على الناسي ، فلا تغفل (٢).

______________________________________________________

«قدس‌سره» ، وقد تقدم توضيحه ، وملخصه : أن تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر بالدليل الاجتهادي على النحو المذكور ممتنع ، ولذا ذهب هو «قدس‌سره» إلى استحالته ـ ، وتعبير المصنف بالتوهم إنما هو لأجل عدم التلازم بين التخصيص المزبور واستحالته بالدليل الاجتهادي ، وعدم المانع من التخصيص بالدليل كما أفاده بأحد الوجهين المتقدمين في المتن.

(١) عطف على «تخصيص» ومفسر له ، وإشارة إلى الأمر الثالث وهو كون الخالي عن المنسي واجبا حتى يلزمه الصحة وعدم وجوب الإعادة ، وهو مسألة فقهية وتفصيلها يطلب في الفقه ، ومحصله : أن مقتضى حديث «لا تعاد الصلاة إلا من خمس» ، والنصوص الخاصة وجوب الأركان مطلقا حتى في حق الناسي ، فنسيان شيء منها يوجب الإعادة في الوقت وخارجه. وأما غيرها : فنسيانه لا يوجب الإعادة لا في وقت ولا في خارجه.

(٢) عن إمكان قيام الدليل الاجتهادي بأحد الوجهين المتقدمين في المتن على عدم جزئية المنسي لئلا تقول بالاستحالة كما قال بها الشيخ والنراقي في محكى العوائد.

لا يقال : إنه يمكن توجيه الخطاب إلى كلي الناسي على نحو القضية الحقيقية كإيجاب الحج على المستطيع كذلك وإن لم يصح توجيهه إلى الناسي الخارجي ، لانقلابه إلى الذاكر ، فما أفاده الشيخ من الاستحالة يختص بمخاطبة الناسي الخارجي الشخصي دون الكلي.

فإنه يقال : إن كل خطاب لا يمكن الانبعاث عنه أصلا ولو في زمان من الأزمنة لغو ، ومن المعلوم : أن المقام كذلك ، ضرورة : أن أفراد طبيعة الناسي يمتنع أن يطبقوا هذه الطبيعة عليهم ويرون أنفسهم مأمورين بالأمر الموجه إلى عنوان الناسي ، بداهة : أن إحراز انطباقه عليهم يوجب الانقلاب إلى الذاكر بحيث يمتنع انبعاثهم عن الأمر الموجه إلى كلي الناسي ، وليس كإيجاب الحج على كلي المستطيع ؛ لانبعاث أفراد المستطيع خارجا عن إيجاب الحج على هذا الكلي.

فقياس المقام بمثل إيجاب الحج على المستطيع في غير محله ، ومن البديهي : امتناع صدور اللغو عن الحكيم.

فالمتحصل : أن خطاب الناسي بعنوانه كليا وجزئيا غير سديد ، ومحذور الاستحالة لا

٤٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يندفع بجعله موضوعا للخطاب ولو على نحو القضية الحقيقية فتدبر. وهنا كلام طويل أضربنا عنه رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ محل الكلام : ما إذا شك في جزئية شيء أو شرطيته في جميع الحالات حتى حال السهو والنسيان ، أو اختصاصهما بحال الذكر والالتفات ، فيقع الكلام فيما إذا نقص جزء من أجزاء العبادة سهوا ونسيانا فهل الأصل بطلانها أم لا؟ فاختار الشيخ «قدس‌سره» بطلانها لعموم جزئية الجزء لحالتي الذكر والنسيان جميعا.

ثم أشكل على نفسه : بأن عموم جزئية الجزء لحال النسيان إنما يتم إذا ثبتت الجزئية بدليل لفظي ، دون ما إذا ثبتت بدليل لبي ، كما إذا قام الإجماع على جزئية شيء في الجملة ، واحتمل اختصاصها بحال الذكر فقط.

وحينئذ : فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية في حال النسيان ، فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف المتقدم في الأقل والأكثر الارتباطيين.

ثم أجاب عنه بما حاصله : أنه إن أريد من عدم جزئية ما ثبتت جزئيته في الجملة إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء المنسي عليه : فهو غير قابل لتوجيه الخطاب إليه ؛ إذ بمجرد الخطاب بعنوان الناسي يتذكر وينقلب الموضوع. وإن أريد منه إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعية ، فهو حسن ولكن الأصل عدمه بالاتفاق.

وهذا معنى بطلان العبادة الفاقدة للجزء نسيانا بمعنى عدم كونها مأمورا بها.

٢ ـ وأما المصنف «قدس‌سره» : فيرى المسألة من صغريات الأقل والأكثر الارتباطيين ومن جزئيات الشك في الجزئية أو الشرطية ، فلا تجري فيها البراءة العقلية ، وتجري فيها النقلية.

وظاهر قوله : «إن الأصل فيما إذا شك في جزئية شيء ...» الخ : أن كلامه مفروض فيما إذا لم يكن دليل الجزء أو الشرط لفظيا له عموم يشمل حالتي الذكر والنسيان جميعا كي يمنع عن البراءة.

٣ ـ ثم ارتباط هذا التنبيه بمباحث الأقل والأكثر الارتباطيين إنما هو من جهة العلم

٤٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بتعلق التكليف بالجزاء أو الشرط إجمالا ، والجهل بإطلاقه لحالتي الذكر والنسيان ، والمباحث المتقدمة كانت في مرجعية الأصل عند الشك في أصل الجزئية والشرطية ، وهنا في سعة دائرة المجعول وضيقها بعد العلم بأصله ، للعلم بانبساط الوجوب الضمني على ذكر الركوع والسجود مثلا. والشك لأجل إجمال النص ونحوه في إطلاق المأمور به وتقييده ، وبهذا يندرج الكلام هنا في كبرى الأقل والأكثر الارتباطيين.

٤ ـ وتنقيح الكلام في المقام يتوقف على أمور :

الأول : فيما يقتضيه الأصل العملي.

والثاني : فيما يقتضيه الدليل الاجتهادي.

والثالث : في صحة العمل الخالي عن الجزء المنسي.

وأما الأول فحاصله : أن مقتضى حديث الرفع ونحوه جريان البراءة الشرعية عند الشك في الجزئية والشرطية ، دون البراءة العقلية لعدم انحلال العلم الإجمالي ، ولو لا البراءة الشرعية كان مقتضى قاعدة الاشتغال إعادة المأمور به الناقص والإتيان بجميع ما له دخل فيه من الأجزاء والشرائط.

٥ ـ جواب المصنف «قدس‌سره» عن الشيخ : القائل باستحالة خطاب الناسي للزوم انقلاب الناسي إلى الذاكر.

وقد أجاب المصنف عن هذا المحذور بوجهين :

أحدهما : أن يجعل عنوان عام يشمل الذاكر والناسي كعنوان «المكلف» ، ويخاطب بما عدا المنسي من الأجزاء ، ثم يكلف الملتفت بالمنسي.

فهذا الوجه يدفع استحالة تكليف الناسي بما عدا المنسي.

ثانيهما : أن يكلف الملتفت بتمام المأمور به والناسي بما عدا المنسي ؛ لكن لا بعنوان الناسي حتى يلزم الانقلاب إلى الذاكر ؛ بل بعنوان آخر عام كالبلغمي أو قليل الحافظة أو كثير النوم أو نحو ذلك ، أو بعنوان خاص كقوله : «يا زيد ويا عمر ويا بكر» إذا كان أحدهم ناسيا للسورة ، والآخر ناسيا لذكر الركوع ، والثالث ناسيا لذكر السجود.

٦ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

يرى المصنف هذه المسألة من صغريات مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين ، فلا تجري البراءة العقلية فيها وتجري النقلية ؛ كما هو رأي المصنف في الأقل والأكثر الارتباطيين.

٤٢٩

الثالث (١) : أنه ظهر مما مر : حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو

______________________________________________________

في زيادة الجزء عمدا أو سهوا

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حكم زيادة الجزء عمدا أو سهوا ، لكن الشيخ «قدس‌سره» عقد مسائل ثلاث لبيان حكم الإخلال بالجزء نقيصة وزيادة :

أحدها : لنقيصة الجزء سهوا.

ثانيها : لزيادة الجزء عمدا.

ثالثها : لزيادة الجزء سهوا.

والمصنف تعرض لنقيصة الجزء سهوا في التنبيه المتقدم. وجمع بين الزيادة العمدية والسهوية للجزء في هذا التنبيه الثالث ، والشك في الأمر السابق كان في دخل الوجود وعدمه ، وفي هذا الأمر يكون الشك في دخل العدم شرطا أو شطرا.

وكيف كان ؛ فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأول : في إمكان زيادة الجزء عمدا أو سهوا ، واعتبار القصد في تحققها في المركبات الاعتبارية.

المقام الثاني : في بيان حكم الزيادة العمدية والسهوية.

وأما الكلام في المقام الأول : فيقع من جهتين :

الأولى : في إمكان الزيادة حقيقة في المركبات الاعتبارية وعدم إمكانها.

والثانية : في اعتبار قصد الزيادة في تحققها وعدمه.

وأما الجهة الأولى : فقد يقال فيها باستحالة تحقق الزيادة حقيقة وإن كانت متحققة بالمسامحة العرفية ، نظرا إلى أن كل جزء أخذ في المركب إن كان مأخوذا على نحو لا بشرط ومن غير تقييد بالوجود الواحد ، فلا يعقل فيه تحقق الزيادة ؛ إذ كل ما أتى بفرد من طبيعي ذلك الجزء كان مصداقا للمأمور به ، سواء كان المأتي به فردا واحدا أو أكثر.

وإن كان مأخوذا بشرط لا عن الوجود الثاني : فالإتيان به مرة ثانية مستلزم لفقدان القيد المأخوذ في الجزء المستلزم للنقيصة لا محالة ، وعلى كل حال : فلا يعقل تحقق الزيادة حقيقة.

والجواب عن الإشكال المذكور : أن اعتبار اللاشرطية لا ينافي تحقق الزيادة ، فإن أخذ بشيء جزءا للمأمور به على نحو اللابشرط يتصور على وجهين :

أحدهما : أن يكون طبيعي ذلك الجزء مأخوذا في المركب ، من دون نظر إلى وحدة الفرد وتعدده ، وفي مثل ذلك لا يمكن تحقق الزيادة كما مر.

٤٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيهما : أن يعتبر صرف الوجود المنطبق على أول الوجودات جزءا للمركب ، سواء انضم إليه وجود ثان أم لم ينضم ، ففي مثل ذلك الانضمام وعدمه وإن كانا على حد سواء في عدم دخلهما في جزئية الوجود الأول الذي هو معنى أخذ لا بشرط ؛ إلا إنه لا يقتضي كون الوجود الثاني أيضا مصداقا للمأمور به ، وحينئذ : تتحقق الزيادة مع كون الجزء مأخوذا لا بشرط بهذا النحو ، على أن عدم صدق الزيادة حقيقة وبالدقة العقلية لا يترتب عليه أثر بعد كون الأحكام تابعة للصدق العرفي ، ومن الضروري صدقها عرفا ولو مع أخذ الجزء بشرط لا كما هو ظاهر ، ومما ذكرنا يظهر الحال في صحة صدق الزيادة إذا كان الزائد غير مسانخ للأجزاء المأمور بها. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

وأما الجهة الثانية : فالظاهر اعتبار القصد في تحقق عنوان الزيادة ، والوجه في ذلك : أن المركب الاعتباري كالصلاة مركب من أمور متباينة مختلفة وجودا وماهية ، والوحدة بينها متقومة بالقصد والاعتبار ، فلو أتى بشيء بقصد ذلك العمل كان جزءا له وإلا فلا.

هذا في غير الركوع والسجود ، وأما فيهما : فالظاهر تحقق الزيادة بنفس وجودهما وإن لم يكن الإتيان بهما بعنوان الصلاة ؛ وذلك لما دل على أن الإتيان بسجدة التلاوة زيادة في الفريضة ، مع أن المفروض : عدم الإتيان بها بعنوان الصلاة ، فبالتعبد الشرعي يجري على ذلك حكم الزيادة وإن لم يكن من الزيادة حقيقة. ويلحق بالسجدة الركوع بالأولوية القطعية.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أن الشك في بطلان العمل من جهة الزيادة العمدية أو السهوية يكون ناشئا من الشك في اعتبار عدمها في المأمور به لا محالة ، ومن الظاهر أنه ما لم يقم عليه دليل كان مقتضى الأصل الشرعي عدمه ، فلا بأس بالزيادة العمدية فضلا عن السهوية.

وأما البراءة العقلية : فلا تجري بل يحكم العقل بالاحتياط كما عرفت هذا التفصيل من المصنف في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

ولذا يقول : «الثالث : أنه ظهر مما مر حال زيادة الجزء ...» الخ.

أي : أنه قد ظهر مما مر في التنبيه الثاني «حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا» ، بأن يكون من شرط الصلاة عدم قراءة السورة في الركعة الثالثة ، كما أن من شرط الصلاة عدم الضحك ونحوه ، «أو شطرا» بأن كان العدم جزءا من الواجب ، فإنه كما أن الشيء الوجودي قد يكون شرطا وقد يكون جزءا كذلك عدم الشيء قد يكون

٤٣١

شطرا في الواجب (١) ، مع عدم اعتباره (٢) في جزئيته ؛ وإلّا (٣) لم يكن من زيادته ، بل من نقصانه (٤) ، وذلك (٥) لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا ،

______________________________________________________

شرطا وقد يكون جزءا ، والفرق أن الصلاة لو كانت مركبة من وجودات وأعدام ـ كالحج ـ يكون الأمر العدمي جزءا ، ولو كانت مركبة من وجودات وكان الأمر العدمي خارجا لكن أخذت الصلاة بشرط السكون به كان لعدم شرطا فتدبر (١).

(١) أي : شك في أن عدم الزيادة على الأجزاء والشرائط المسلمة هل هو مأخوذ في الواجب بنحو الشرط أو الشطر؟

أما تصوير الشرطية في الشيء بعدم شيء آخر يكون فيه أو معه فواضح ؛ لكن تصوير أخذ عدم الشيء جزءا في شيء آخر غير صحيح ؛ لأن العدم ليس بمنشإ أثر حتى يصح أخذه جزءا لمركب ذي أثر ؛ كما هو واضح.

(٢) قيد لقوله : «زيادة الجزء» ، توضيحه : أن اتصاف زيادة الجزء بكونها زيادة الجزء إنما هو في مورد لم يؤخذ في جزئية الجزء قيد الوحدة وكونه بشرط لا ؛ إذ لو أخذ ذلك في جزئيته لم يصدق عليه زيادة الجزء ، بل يندرج في نقص الجزء ؛ إذ لو أخذ الجزء بشرط أن لا يتكرر فإنه إذا شرط عدم التكرر وتكرر لم يكن الفرض حينئذ من باب زيادة الجزء ، بل من باب نقصان الجزء ؛ لفرض أن الجزء أخذ بشرط لا ، فإذا تكرر فقد فقد شرطه والمشروط عدم عند عدم شرطه.

وكيف كان ؛ فإذا اعتبر في جزئية الركوع قيد الوحدة ، وأتى به مرتين صدق عليه نقص الجزء ؛ إذ لا فرق في عدم تحقق الركوع مثلا الذي هو جزء للصلاة بين تركه رأسا ، وبين الإتيان به بدون شرطه ، وهو عدم تكرره ، فيصدق على كلا التقديرين أن الصلاة فاقدة للركوع المأمور به ، فتكون باطلة من حيث النقيصة لا من حيث الزيادة.

(٣) يعني : وإن اعتبر عدم زيادة الجزء في جزئيته لم تكن الزيادة من زيادة الجزء ، بل تكون من نقصانه.

(٤) هذا الضمير وضمير «زيادته» راجعان على الجزء.

(٥) تعليل لقوله : «ظهر مما مر حال زيادة الجزء» ، ومحصله : أن الشك في أخذ العدم شطرا أو شرطا في الواجب كالشك في أخذ الوجود شطرا أو شرطا فيه في جريان البراءة الشرعية فيه دون العقلية ، فلو لا البراءة النقلية كان مقتضى الاحتياط العقلي بطلان الواجب ولزوم إعادته ، فيصح العلم ، للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة ، سواء أتى

__________________

(١) الوصول إلى كفاية الأصول ج ٤ ، ص ٤٣٣.

٤٣٢

فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا ، أو سهوا (١) وإن استقل العقل (٢) لو لا النقل بلزوم (٣) الاحتياط لقاعدة الاشتغال.

نعم (٤) ؛ لو كان عبادة وأتى به ...

______________________________________________________

بالزيادة عمدا تشريعا ، كما إذا علم بعدم جزئية الزيادة ومع ذلك قصد الجزئية تشريعا. «أو جهلا» كما إذا اعتقد الجزئية للجهل القصوري أو التقصيري ، فيأتي بالزيادة باعتقاد مشروعيتها.

(١) عطف على «عمدا» ، وهذا إشارة إلى الزيادة السهوية التي عقد لها الشيخ مسألة على حدة.

فالمتحصل : أنه في جميع هذه الصور يصح الواجب.

وضمير «اندراجه» راجع على الشك في اعتبار عدم الزيادة ، وضمير «فيه» راجع على «الواجب».

فالزيادة السهوية تندرج في الشك في شرطية عدمها ، والأصل فيه البراءة وصحة الواجب كما أفاده المصنف.

وأما الشيخ فيحكم بالبطلان لإلحاقه الزيادة السهوية بالنقيصة السهوية ، لأن مرجعه إلى الإخلال بالشرط وهو عدم الزيادة.

(٢) قيد لقوله : «فيصح» وإشارة إلى ما تقدم من جريان البراءة النقلية دون العقلية.

(٣) متعلق ب «استقل» وقوله : «لقاعدة» متعلق ب «لزوم». وحاصله : أن مقتضى قاعدة الاشتغال بالمأمور به التام هو الاحتياط بالإعادة وعدم الاجتزاء بالمأتي به مع الشك في مانعية الزيادة ؛ لكن البراءة النقلية الرافعة لمانعية الزيادة اقتضت صحة العبادة وعدم لزوم الاحتياط بإعادتها.

(٤) استدراك على قوله : «فيصح» ، ومحصله : أن الواجب إن كان توصليا ففي جميع صور الزيادة يصح العمل ، ولا تكون الزيادة من حيث هي موجبة للبطلان.

نعم ؛ إذا كان الواجب عباديا فلا بد من ملاحظة أن الزيادة هل توجب فقدان قصد القربة فيه أم لا؟ فإن أوجبت ذلك أبطلت العبادة ، وإلا فلا ، ولذا أشار إلى بعض الصور التي يكون التشريع فيها منافيا لقصد القربة ومبطلا للعبادة ، وهي ما إذا قصد كون الزيادة جزءا للواجب بحيث لو لم تكن جزءا لما أتى بالواجب.

وبعبارة أخرى : إن كان التشريع على وجه التقييد كان ذلك منافيا لقصد القربة فيبطل مطلقا ، يعني : حتى في صورة الدخل واقعا ، وذلك لعدم انبعاثه عن أمر الشارع ،

٤٣٣

كذلك (١) على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه لكان باطلا مطلقا (٢) أو في (٣) صورة عدم دخله فيه ؛ لعدم (٤) قصد الامتثال في هذه الصورة (٥) ،

______________________________________________________

أو يبطل في خصوص صورة عدم الدخل ؛ لعدم قصد امتثال أمر الشارع ، فالعقل بمقتضى قاعدة الاشتغال حاكم بلزوم الإعادة.

والحاصل : أن التشريع إن كان على وجه التقييد أوجب البطلان لعدم قصد امتثال أمر الشارع ، وإلا فلا.

(١) أي : بقصد جزئية الزائد مطلقا ، سواء كان عمدا تشريعا أم شرعا للجهل قصورا أو تقصيرا أم سهوا. والظاهر أن إطلاق هذا الكلام يشمل جميع الصور الثلاث التي ذكرها الشيخ «قدس‌سره» من قصد كون الزائد جزءا مستقلا ، ومن كون الزائد والمزيد عليه جزءا واحدا ، ومن إتيان الزائد بدلا عن المزيد عليه ، ففي جميع هذه الصورة يحكم المصنف بالصحة إلا في صورة كون التشريع على وجه التقييد.

والشيخ يذهب إلى البطلان في الصورة الأولى دون الأخيرتين ، لرجوع الشك فيهما إلى الشك في شرطية عدم الزيادة ، وأصالة البراءة تقتضي عدمها ، بخلاف الصورة الأولى ، حيث إن المأتي به المشتمل على الزيادة بقصد كونها جزءا مستقلا غير مأمور به ، قال «قدس‌سره» : «فلا إشكال في فساد العبادة ... لأن ما أتى به وقصد الامتثال به وهو المجموع المشتمل على الزيادة غير مأمور به ، وما أمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به» (١).

قوله : «على نحو» متعلق ب «كذلك» وإشارة إلى كون التشريع على وجه التقييد ، وهو المراد ب «على نحو».

(٢) يعني : حتى في صورة الدخل ، فضمائر «به ، فيه ، إليه ، وجوبه» راجعة على الواجب ، و «وجوبه» فاعل «يدعو» ، و «لكان» جواب «لو كان».

(٣) عطف على «مطلقا» ، وضمير «دخله» راجع على الزائد ، وضمير «فيه» راجع على الواجب.

(٤) تعليل للبطلان ، وحاصله : عدم الانبعاث عن الأمر الواقعي على ما هو عليه ، والمفروض : أنه شرط التقرب ، فقاعدة الاشتغال في صورة عدم الدخل واقعا تقضي بلزوم الإعادة ؛ للشك في تحقق الإطاعة المقومة لعبادية العبادة.

(٥) وهي صورة عدم الدخل واقعا ، والإتيان بالعمل المشتمل على الزائد على وجه

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٧١.

٤٣٤

مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال (١) لقاعدة الاشتغال. وأما لو أتى به (٢) على نحو يدعوه إليه (٣) ...

______________________________________________________

التقييد ، فمع عدم الدخل لا أمر واقعا حتى ينبعث عنه.

(١) يعني : مع الجهل بدخل الزيادة واقعا وعدمه ، ومن المعلوم : أنه مع هذا الجهل يشك في تحقق الامتثال الذي هو شرط صحة العبادة بل مقومها ، ولذا يحكم العقل بلزوم الإعادة ؛ لقاعدة الاشتغال الجارية في صورة الشك واشتباه الحال. وأما مع القطع بعدم الدخل فالإعادة إنما هي للقطع بالبطلان ، لا لقاعدة الاشتغال.

فكأن المصنف استدل بوجهين على بطلان العبادة مع التشريع :

الأول : الجزم بعدم امتثال الأمر الواقعي ؛ لكونه قاصدا للأمر التشريعي.

الثاني : أنه مع التنزل وعدم دعوى القطع بالبطلان من جهة عدم قصد الامتثال ، فلا أقل من بطلانها لأجل قاعدة الاشتغال الحاكمة بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ كذلك ، ومن المعلوم : أنه يشك في حصول الامتثال بهذا العمل المشتمل على الزائد مع التقييد.

فالمتحصل : أن المصنف يقول بالصحة في جميع موارد الزيادة العمدية والسهوية ؛ إلّا في العبادة التي يكون التشريع فيها مخلا بقصد القربة ، وهو صورة التقييد ، والشيخ يقول بالبطلان في الزيادة السهوية مطلقا ؛ لأن مرجعه إلى الإخلال بالشرط وهو عدم الزيادة.

وفي الزيادة العمدية في خصوص الصورة الأولى ، وهي ما أتى بالزيادة بقصد كونها جزءا مستقلا ، دون الصورتين الأخيرتين ، لرجوع الشك فيهما إلى الشك في شرطية عدم الزيادة ، ومقتضى أصل البراءة عدمها وصحة الواجب ، وبهذا ظهر موردا اختلاف نظر المصنف والشيخ.

(٢) هذا إشارة إلى التشريع الذي لا يبطل العبادة ؛ لعدم منافاته لقصد القربة ، وهو ما إذا كان التشريع في تطبيق المأمور به الخالي عن الزيادة على المأتي به المشتمل عليها ، بدعوى : أنه المأمور به بأمر الشارع ، فلا يتصرف في المأمور به ولا في الأمر ؛ بل في التطبيق فقط ادعاء ، فداعوية أمر الشارع حينئذ ليست مشروطة بدخل الزيادة في موضوع الأمر ؛ بل الانبعاث عن أمره ثابت مطلقا سواء كانت الزيادة دخيلة في الواجب أم لا ، ولا موجب للبطلان حينئذ ، إذ لا خلل في الامتثال ولا تحكم في مقام العبودية كما كان في صورة التقييد.

(٣) أي : إلى الواجب ، وكذا ضمير «به» والضمير المستتر في «يدعوه» راجع على

٤٣٥

على أي حال كان (١) صحيحا ولو كان (٢) مشرّعا في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه (٣) بدخله ، فإن تشريعه (٤) في تطبيق المأتي مع المأمور به وهو (٥) لا ينافي قصده الامتثال والتقرب (٦) به على كل حال (٧).

ثم إنه (٨) ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة ، ...

______________________________________________________

«وجوبه» والضمير البارز فيه راجع على فاعل «أتى» يعني : وأما لو أتى بالواجب لا على نحو التشريع التقييدي كالصورة السابقة ، بل على نحو يدعوه الوجوب إلى فعل الواجب على أي حال أي : سواء كانت الزيادة دخيلة في الواجب أم لم تكن دخيلة فيه.

(١) جزاء «وأما» ، ووجه الصحة في هذه الصورة ما عرفت من تحقق امتثال أمر الشارع ، وعدم قدح التشريع في تطبيق المأمور به في داعوية الأمر.

(٢) كلمة «لو» وصلية ، يعني : ولو كان المكلف مشرّعا ، وهذا بيان للفرد الخفي من الموردين اللذين تصح العبادة فيهما. وضمير «دخله» راجع على المكلف ، وضمير «فيه» إلى الواجب.

(٣) إذ مع علمه بدخل الزائد في موضوع الأمر لم يكن إدخال الزائد فيه تشريعا ، وإن كان مخطئا في اعتقاده على تقدير عدم الدخل واقعا ، فالتشريع منوط بالعلم بعدم دخل الزيادة في الواجب ، أو عدم العلم بالدخل وعدمه ، وضمير «علمه» راجع على المكلف ، وضمير «دخله» إلى الزائد.

(٤) تعليل لقوله : «كان صحيحا ولو كان مشرعا» ، وقد عرفت تقريبه ، وأن التشريع في التطبيق ليس تشريعا في نفس الأمر ولا في المأمور به ، فلا ينافي داعوية الأمر المقومة للقربة. وقوله : «في تطبيق» خبر «فإن تشريعه».

(٥) أي : التشريع في تطبيق المأمور به لا ينافي قصد الامتثال والتقرب بالأمر ، إذ المفروض : أن التشريع ليس في نفس الأمر حتى يكون الأمر التشريعي داعيا له ومنافيا لإطاعة أمر الشارع ؛ بل الداعي للإطاعة هو أمر الشارع.

(٦) عطف على الامتثال وضمير «به» راجع على «وجوبه».

(٧) يعني : سواء كان للزائد دخل واقعا أم لا ، فإن هذا التشريع لا ينافي التقرب بأمر الشارع. وفي المقام كلام طويل أضربنا عنه رعاية للاختصار.

(٨) غرضه : الإشارة إلى ضعف ما قيل من إثبات صحة العبادة مع الزيادة باستصحاب الصحة لا بأصالة البراءة في الشك في مانعية الزيادة ، بزعم أن الشك يكون في بقاء الصحة المعلومة حدوثا قبل فعل الزيادة المشكوكة بقاء بعد فعلها ؛ للشك في

٤٣٦

وهو (١) لا يخلو من كلام ونقض وإبرام خارج عما هو المهم في المقام (٢) ، ويأتي

______________________________________________________

مانعية الزيادة ، وهو مجرى استصحاب الصحة ، لاجتماع أركانه ، دون أصالة البراءة في مانعية الزيادة ؛ لحكومته عليها.

ولا يخفى : أن مورد هذا الاستصحاب هو ما إذا نشأ احتمال البطلان في أثناء الصلاة بزيادة جزء تشريعا ، وأما إذا قصد التشريع من أول الصلاة بحيث كان الداعي له الأمر التشريعي ، فلا مجال حينئذ للاستصحاب ؛ لانهدام ركنه الأول وهو اليقين السابق بالصحة ؛ بل اليقين بعدمها ثابت ، فالاستصحاب يجري فيما لو علم بالصحة قبل فعل الزيادة ونشأ الشك في البطلان في الأثناء.

إذا عرفت هذا ، فاعلم : أن للاستصحاب تقريبات عديدة نذكر بعضها :

منها : أن المستصحب موافقة الأجزاء السابقة لأوامرها الضمنية.

ومنها : بقاء الأجزاء السابقة على تأثيرها في المصلحة ، بداهة : أن لكل جزء تأثيرا في المصلحة المترتبة على الكل.

ومنها : كون الأجزاء السابقة بحيث لو انضم إليها سائر الأجزاء لالتأم الكل ومنها غير ذلك. راجع لمعرفة جميع تقريبات الاستصحاب : «دروس في الرسائل ، ج ٤ ، ص ٣٣ ـ ٣٥».

(١) هذا إشارة إلى تضعيف الشيخ لهذا الاستصحاب ، وحاصله : أن استصحاب صحة الأجزاء السابقة لا يجدي في صحة الأجزاء اللاحقة ؛ لأن المستصحب إن كان هو الصحة بمعنى موافقة الأجزاء السابقة لأوامرها الضمنية فذلك قطعي البقاء ، ولا شك فيها حتى يجري فيها الاستصحاب ، حيث إن الشيء لا يتغير عما وقع عليه. وهذه الصحة مع القطع بها فضلا عن استصحابها لا تنفع في صحة الأجزاء اللاحقة.

وكذا الحال إن كان المستصحب هو المعنى الثالث ؛ للعلم ببقاء قابلية الأجزاء السابقة للانضمام وعدم الشك فيه ، وإنما الشك في مانعية الزيادة ، والاستصحاب لا يرفع المانعية ، فمع الزيادة لا يعلم بالتئام الكل بانضمام اللاحقة إلى السابقة.

وإن كان المستصحب هو المعنى الثاني ، فلعدم اليقين السابق حتى يكون الشك في البقاء ليستصحب ، ضرورة : أن الشك في البقاء يتصور فيما إذا كان مشكوك المانعية رافعا لأثر الأجزاء السابقة ، وأما إذا احتمل كونه مانعا عن تأثيرها من أول الأمر كان الشك في الحدوث دون البقاء ، ومعه لا مجال للاستصحاب.

(٢) إذ المهم في المقام هو إحراز صحة العبادة مع الزيادة ، بحيث يسقط بها الأمر ، وهي الصحة الفعلية التي لا تثبت بالاستصحاب.

٤٣٧

تحقيقه في مبحث الاستصحاب (١) إن شاء الله تعالى.

______________________________________________________

(١) لا يخفى : أن المصنف «قدس‌سره» لم يف بوعده ولم يتعرض لتحقيقه في مبحث الاستصحاب.

وكيف كان ؛ فالأولى في تضعيف استصحاب الصحة أن يقال : إن أقصى ما صح أن يدعى في تقريب استصحاب الصحة هو : أن المراد منه استصحاب صحة الأجزاء السابقة بمعنى : أنها قبل الزيادة كانت بحيث لو انضم إليها الأجزاء اللاحقة التأمت معها وحصل الكل بالمجموع ، وبعد الزيادة يقع الشك في بقائها على هذه الصفة فتستصحب ، وحينئذ : يرد عليه : أنه لو كان المراد من ذلك أن الأجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها تمام ما يعتبر في الواجب من الأجزاء والشرائط التأم معها وحصل الكل بالمجموع ، فهذا حق ، ولكن لم يعلم حينئذ انضمام التآم ؛ إليها إذ من المحتمل أن يكون من الشرائط عدم الزيادة ولم ينضم إليها إذ المفروض تحقق الزيادة.

وإن كان المراد منه : أن الأجزاء السابقة كانت بحيث لو انضم إليها بقية الأجزاء المعلومة دون المشكوكة لالتأم معها ، وحصل الكل بالمجموع ، فهذا ممنوع جدا إذ لم يكن لنا يقين كذلك كي تستصح الصحة بهذا المعنى. وهذا واضح. وأضربنا عن طول الكلام في المقام رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الكلام في مقامين : المقام الأول : في إمكان تحقق الزيادة عمدا أو سهوا واعتبار القصد في تحققها.

المقام الثاني : في بيان الزيادة العمدية والسهوية.

الكلام في المقام الأول يقع من جهتين :

الأولى : إمكان تحقق الزيادة.

الثانية : اعتبار قصد الزيادة في تحققها.

وأما الجهة الأولى : فقد يقال فيها باستحالة الزيادة حقيقة ؛ لأن الجزء المأخوذ في المركب إما مأخوذ على نحو لا بشرط أو على نحو بشرط لا ، ولا يعقل تحقق الزيادة على كلا التقديرين ؛ إذ على الأول : كل ما أتى به مصداق للمأمور به ، سواء كان المأتي به واحدا أو أكثر.

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى الثاني : فالإتيان به مرة ثانية مستلزم لفقدان القيد المأخوذ في الجزء المستلزم للنقيصة لا محالة.

والجواب عنه : أن اعتبار اللابشرطية لا ينافي تحقق الزيادة ، فإن أخذ شيء جزءا للمركب لا بشرط يتصور على وجهين :

أحدهما : أن يكون طبيعي ذلك الجزء مأخوذا في المركب ، من دون نظر إلى وحدة الفرد وتعدده ، وفي مثل ذلك لا يمكن تحقق الزيادة كما مر.

وثانيهما : أن يعتبر صرف الوجود المنطبق على أول الوجودات جزءا ، ولا بشرط بهذا المعنى لا يقتضي كون الوجود الثاني أيضا مصداقا للمأمور به ، وحينئذ : تتحقق الزيادة مع كون الجزء مأخوذا لا بشرط بهذا المعنى. هذا مضافا إلى : أن الملاك في صدق الزيادة هو نظر العرف لا الدقة العقلية ، ومن الضروري صدقها عرفا ولو مع أخذ الجزء بشرط لا.

وأما الجهة الثانية : فالظاهر اعتبار القصد في تحقق الزيادة ؛ إذ تحقق أجزاء المركبات الاعتبارية متقوم بالقصد.

٢ ـ وأما حكم الزيادة : فهي صحة العبادة معها بمقتضى البراءة الشرعية ؛ لأن الشك في بطلان العمل من جهة الزيادة العمدية أو السهوية يكون ناشئا من الشك في اعتبار عدمها في المأمور به لا محالة ، ومن الظاهر : أنه لو لم يقم عليه دليل كان مقتضى الأصل عدمه ، فلا بأس بالزيادة العمدة فضلا عن السهوية. وأما البراءة العقلية فلا تجري بل يحكم العقل بالاحتياط.

فالمتحصل : أن الشك في أخذ العدم شرطا أو شطرا في الواجب كالشك في أخذ الوجود شرطا أو شطرا فيه في جريان البراءة الشرعية فيه دون البراءة العقلية ، فيصح العمل للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة ، سواء أتى بها عمدا تشريعا أو جهلا أو سهوا. فيصح العمل في جميع هذه الصور.

نعم ؛ إذا كان الواجب عباديا فلا بد من ملاحظة أن الزيادة هل توجب فقدان قصد القربة فيه أم لا؟ فإن أوجبت ذلك أبطلت العبادة وإلا فلا.

والتشريع إذا كان على نحو التقييد كان ذلك منافيا لقصد القربة فيبطل العمل

٤٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

العبادي مطلقا أي : حتى في صورة دخل الزيادة في المأمور به واقعا ؛ لعدم امتثال أمر الشارع.

٣ ـ كأن المصنف استدل بوجهين على بطلان العبادة مع التشريع :

الأول : الجزم بعدم امتثال الأمر الواقعي لكونه قاصدا للأمر التشريعي.

الثاني : أنه مع التنزل وعدم دعوى القطع بالبطلان من جهة عدم قصد الامتثال ، فلا أقل من بطلانها لأجل قاعدة الاشتغال الحاكمة بأن الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ كذلك ، ومن المعلوم : أنه يشك في حصول الامتثال بهذا العمل المشتمل على الزائد مع التقييد.

فالمتحصل : أن المصنف يقول بالصحة في جميع موارد الزيادة العمدية والسهوية إلا في العبادة التي يكون التشريع فيها مخلا بقصد القربة وهو صورة التقييد.

٤ ـ التمسك باستصحاب الصحة لإثبات الصحة لا بأصالة البراءة في الشك في مانعية الزيادة.

بزعم أن الشك يكون في بقاء الصحة المعلومة حدوثا قبل فعل الزيادة وهو مجرى استصحاب الصحة ، ولا يخفى : أن مورد هذا الاستصحاب هو ما إذا نشأ احتمال البطلان في أثناء الصلاة بزيادة الجزء تشريعا.

وأما إذا قصد التشريع من أول الأمر وأول الصلاة ؛ بحيث كان الداعي له الأمر التشريعي ، فلا مجال حينئذ للاستصحاب لانهدام ركنه الأول وهو اليقين السابق بالصحة ، بل اليقين بعدمها ثابت. فالاستصحاب يجري فيما لو علم بالصحة قبل فعل الزيادة ونشأ الشك في البطلان في الأثناء.

ويرد على التمسك بالاستصحاب بما حاصله : أنه إن كان المراد منه استصحاب الصحة الفعلية الكلية فلا يكون لذلك حالة سابقة ، وإن كان المراد منه الصحة التأهلية فغير مفيد ؛ لأنه لا يثبت عدم مانعية الزيادة.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ جريان البراءة الشرعية لنفي مانعية الزيادة.

٢ ـ مقتضى حكم العقل هو الاحتياط بإتيان العمل بدون الزيادة.

٤٤٠