دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

الرابع (١) : أنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة (٢) ، ودار الأمر بين أن

______________________________________________________

في تعذر الجزء أو الشرط

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : بيان حال الجزء والشرط من حيث الركنية وعدمها.

وقبل البحث لا بد من بيان ما هو محل الكلام في المقام.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي بيان صور لهذه المسألة

الأولى : أن يكون لكل من دليلي المركب والجزء إطلاق.

الثانية : أن يكون لخصوص دليل المركب إطلاق دون دليل الجزء كقوله : «الصلاة لا تترك بحال» ونفرض عدم إطلاق لدليل الجزء والشرط.

الثالثة : عكس هذه الصورة كما إذا قيس قوله «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» و «لا صلاة إلّا بطهور» (١) إلى قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(٢)».

الرابعة : أن لا يكون لأحدهما إطلاق.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن مورد البحث هو الصورة الرابعة ، لأن حكم الصور الثلاثة المتقدمة واضح ؛ لأنه في الصورة الأولى يقدم إطلاق دليل الجزء على إطلاق دليل المركب لكونه أخص منه وفي الصورة الثانية يؤخذ بإطلاق دليل المركب ويحكم بالإتيان بالباقي ، عكس الصورة الثالثة ، فيؤخذ فيها بإطلاق دليل الجزء ويحكم بكونه مقوّما وركنا.

وإنما الكلام في الصورة الرابعة حيث يدور أمرها بين أن يكون الجزء جزءا والشرط شرطا مطلقا حتى في حال العجز عنه كي يسقط بتعذره أمر سائر الأجزاء أو في خصوص حال التمكن منه حتى لا يسقط بتعذره أمر الكل ، والمرجع هو الأصل العملي من البراءة العقلية فإن العقاب على ترك الباقي الناقص الفاقد للجزء والشرط بلا بيان فيكون قبيحا.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(٢) كما إذا لم يكن الدليل الجزء أو الشرط ولدليل المأمور به إطلاق كما عرفت.

__________________

(١) المحاسن ١ : ٧٨ / ذيل ح ١ ، الفقيه ١ : ٣٣ / ٦٧ ، تهذيب الأحكام ١ : ٥٠ / ١٤٤ ، الوسائل ١ : ٣١٥ / ٨٢٩.

(٢) البقرة : ٤٣ ، ٨٣ ، ١١٠ ، الخ.

٤٤١

يكون جزءا أو شرطا مطلقا ولو (١) في حال العجز عنه ، وبين (٢) أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ، فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول (٣) ؛ لعدم (٤) القدرة حينئذ على المأمور به لا على الثاني (٥) ، فيبقى متعلقا (٦) بالباقي ولم يكن (٧) هناك ما يعين أحد الأمرين من (٨) إطلاق دليل اعتباره جزءا أو شرطا ، أو إطلاق (٩) دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله (١٠) ...

______________________________________________________

(١) بيان للإطلاق ، وضمير «عنه» راجع على «شيء».

(٢) عطف على «بين».

(٣) وهو الجزئية المطلقة أو الشرطية كذلك ، والفاء في «فيسقط» للتفريع ، يعني : أن ثمرة إطلاق الجزئية أو الشرطية هي سقوط الأمر بالكل ، لانتفاء القدرة ـ التي هي شرط التكليف ـ على فعل المأمور به بتمامه ، وضميرا «منه ، عنه» راجعان على «شيء» والمراد «بالأمر» هو الأمر بالكل ، كأمر الصلاة ، والباء في «بالعجز» للسببية ، يعني : أن العجز عن الجزء أو الشرط صار سببا لعدم القدرة على إتيان المأمور به ، فلا محالة يسقط الأمر عن الكل.

(٤) تعليل لسقوط الأمر بالكل بسبب العجز عن الجزء أو الشرط يعني : أن عدم القدرة على المأمور به الناشئ عن العجز المزبور صار علة لسقوط الأمر.

وقوله : «حينئذ» يعني : حين العجز عما علم دخله إجمالا في المأمور به.

(٥) وهو اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال التمكن ، فيبقى الأمر متعلقا بما عدا الجزء أو الشرط غير المقدور.

(٦) هذا هو الصواب ، وما في بعض النسخ من «معلقا» فلعله من سهو الناسخ ، وذلك لأن ظاهر قوله : «معلقا» هو عدم الجزء ببقاء الأمر بالباقي ، وهذا خلاف لازم ما فرضه من دخل التمكن في الشرط والجزء.

(٧) عطف على قوله : «علم» ، وضمير «فيبقى» راجع على «الأمر».

(٨) بيان ل «ما» الموصول والمراد بالأمرين : هو الجزئية أو الشرطية المطلقة أو المقيدة بحال التمكن.

(٩) عطف على «إطلاق دليل» ولازم إطلاق المأمور به وإجمال دليل الجزء والشرط هو وجوب الفاقد للمتعذر ، لكونه مطلوبا سواء تمكن من المتعذر أم لا ، فقوله : «مع إجمال» قيد لإطلاق دليل المأمور به ، إذ لو كان لدليل الجزء إطلاق أيضا قدم على إطلاق دليل المأمور به لحكومته عليه.

(١٠) أي : إهمال الدليل ، وضميرا «اعتباره» في الموردين راجعان على «شيء» والمراد

٤٤٢

لاستقل (١) العقل بالبراءة عن الباقي ، فإن العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال : نعم (٢) ؛ ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلا في حال التمكن منه.

______________________________________________________

بالإجمال : هو قصور الخطاب عن إفادة الإطلاق في مقام الإثبات ، لعدم ظهوره الناشئ عن إجماله ؛ لا اشتراك اللفظ أو غيره ، والمراد بالإهمال : هو عدم كون المولى في مقام البيان الذي هو من مقدمات الإطلاق.

(١) جواب «لو» في قوله : «لو علم بجزئية شيء ...» الخ.

ومحصل ما أفاده المصنف «قدس‌سره» من أول الأمر الرابع إلى هنا هو : أنه مع الشك في كون الجزء أو الشرط دخيلا في حالتي التمكن والعجز معا أو في خصوص حال التمكن ، وعدم دليل اجتهادي يعين إحدى الكفتين تجري البراءة العقلية عن وجوب الباقي إذا تعذر بعض أجزاء الواجب أو شرائطه لأن العقاب على ترك الباقي بلا بيان.

(٢) هذا استدراك على قوله : «لاستقل العقل» وإشكال عليه.

وغرض المستشكل : أن البراءة العقلية وإن كانت جارية في وجوب الباقي ، ورافعة للعقاب على تركه ، إلا إنه لا مانع من جريان البراءة الشرعية الثابتة بحديث الرفع ونحوه في نفي الجزئية أو الشرطية في حال التعذر والبناء على وجوب الباقي بها ، حيث إن حديث الرفع يضيق دائرة الجزئية أو الشرطية ويخصصها بحال التمكن ، فلا يكون للجزء أو الشرط المتعذر دخل في الواجب حتى يقيد الباقي به ، ويلتزم بسقوطه ، بل الباقي مطلق بالنسبة إلى المتعذر ، فيجب الإتيان به ، فوزان التعذر وزان النسيان ، فكما يثبت بحديث الرفع وجوب ما عدا الجزء أو الشرط ، المنسي فكذلك يثبت به وجوب ما عدا المتعذر من الجزء أو الشرط فقوله : «نعم» تصديق لجريان البراءة العقلية ؛ ولكن البراءة الشرعية تثبت وجوب الباقي ، لأن الشك في بقائه نشأ عن الشك في اعتبار المتعذر مطلقا حتى في حال التعذر ، وحديث الرفع يرفع اعتباره كذلك ومقتضاه بقاء وجوب الباقي وعدم تقيده بالمتعذر. وعليه : فالمراد بحديث الرفع هنا : جملة «ما لا يعلمون» لفرض الجهل بكيفية دخل الجزء والشرط في المأمور به. وضمير «منه» راجع على «شيء» والمراد به : الجزء أو الشرط.

٤٤٣

فإنه يقال (١) : إنه لا مجال هاهنا (٢) لمثله ، بداهة (٣) : أنه ورد في مقام الامتنان فيختص (٤) بما يوجب نفي لتكليف لا إثباته (٥).

______________________________________________________

(١) هذا دفع الإشكال المزبور ، ومحصله : عدم جريان البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية في حال التعذر ، بداهة أن من شرائط جريانها حصول الامتنان ، وهو مفقود في تعذر الجزء أو الشرط ، لأن لازم اعتبارهما في خصوص حال التمكن وجوب سائر الأجزاء عند تعذرهما ، وهذا ينافي الامتنان المعتبر في جريان البراءة الشرعية ، فلا يقاس التعذر بحال نسيان الجزء أو الشرط الذي تجري فيه البراءة الشرعية ، وذلك لأن في جريانها هناك كمال الامتنان ، لاقتضائها نفي الإعادة بعد الالتفات والتذكر ، ففرق بين بين النسيان والتعذر ، لوجود الامتنان في جريان البراءة في الأول دون الثاني.

(٢) يعني : في تعذر الجزء أو الشرط ، وغرضه : بيان الفرق بين التعذر وبين النسيان وقد عرفت الفارق بينهما ، وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «لمثله» راجع على «حديث الرفع».

(٣) تعليل لقوله : لا مجال ، وقد مرّ توضيحه : بقولنا بداهة : أن من شرائط جريانها حصول الامتنان وهو مفقود ، وضمير «أنه» راجع على «مثله».

(٤) يعني : فيختص مثل حديث الرفع بنفي التكليف بقرينة قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «عن أمتي» ، وضمير «أنه» راجع على «مثل حديث الرفع».

(٥) أي : إثبات التكليف كالمقام ، فإن لازم اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال التعذر بأصالة البراءة وجوب الباقي ، وهو ينافي الامتنان ؛ لأنه إثبات للتكليف ، مع أن البراءة رافعة له.

فحاصل مرام المصنف «قدس‌سره» هو : أن البراءة العقلية تجري في نفي وجوب الباقي ، وعدم العقاب على تركه ، ولا تجري البراءة الشرعية في نفي الجزئية أو الشرطية لأنها تقتضي وجوب الباقي وهو خلاف الامتنان.

وكيف كان ؛ ففي المسألة قولان : قول بعدم وجوب الباقي بالبراءة العقلية وهو مختار المصنف «قدس‌سره» ، وقول بوجوب الباقي.

وقد استدل عليه بوجوه : منها الاستصحاب كما أشار إليه المصنف بقوله : «نعم ؛ ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي ...» الخ. ويمكن تقريب الاستصحاب بوجهين : على ما هو ظاهر كلام المصنف «قدس‌سره» ، أحدهما : أن يستصحب الوجوب الكلي الجامع بين الضمني والاستقلالي المتعلق بغير المتعذر من

٤٤٤

نعم ؛ ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا.

ولكنه (١) لا يكاد يصح إلا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي ،

______________________________________________________

الأجزاء والشرائط ، فإن وجوبها الضمني قبل طروء التعذر في ضمن وجوب المركب كان ثابتا ونشك في ارتفاع أصل الوجوب بارتفاعه ، فتمسك بالاستصحاب في الحكم ببقائه.

وبعبارة أخرى أن يقال : إن الصلاة كانت واجبة مع السورة والاستقبال والستر مثلا ويشك في حدوث الوجوب لها مقارنا لتعذر بعض أجزائها أو شرائطها ، فيستصحب طبيعي الوجوب الجامع بين الغيري المرتفع بتعذر البعض ، والنفسي المحتمل حدوثه للباقي مقارنا لارتفاع الوجوب الغيري. هذا ثاني وجوه ثالث أقسام استصحاب الكلي ؛ كاستصحاب كلي الاستصحاب مثلا فيما إذا وجد في ضمن زيد وعلم بارتفاعه وشك في وجود عمرو مقارنا لارتفاعه.

والمراد من بعض الصور : ما إذا علم بوجوب الباقي قبل طروء التعذر ، كما إذا تعذر بعض الأجزاء بعد توجه الخطاب وتعلق الأمر بالكل ؛ إذ لو كان التعذر قبل ذلك لم يكن هناك يقين بوجوب الباقي حتى يستصحب ؛ بل الشك حينئذ يكون في أصل الحدوث لا في البقاء ، ومن المعلوم : أن المعتبر في الاستصحاب هو الشك في البقاء دون الحدوث.

قوله : «أيضا» يعني : كوجوب الباقي قبل التعذر.

وثانيهما : كون المستصحب خصوص الوجوب النفسي القائم بالكل بدعوى : بقاء الموضوع بالمسامحة العرفية ، وجعل المتعذر من الجزء أو الشرط من قبيل حالات الموضوع لا من مقوّماته ، فيقال : «هذا الباقي كان واجبا نفسيا سابقا ، والآن كما كان» ، نظير المثال المعروف وهو استصحاب كرّية ماء أو قلته فيما إذا أخذ منه مقدار أو زيد عليه ، فيقال : «إن هذا الماء كان كرّا أو قليلا والآن كما كان» ، مع وضوح : أن هذا الماء بالدقة العقلية ومع الغض عما زيد عليه أو نقص عنه لم يكن كرّا أو قليلا ؛ لكنه بالمسامحة العرفية كذلك. هذا تمام الكلام في إثبات وجوب الباقي بالاستصحاب.

(١) أي : الاستصحاب ، ويمكن أن يكون الضمير للشأن.

وكيف كان ؛ فغرضه «قدس‌سره» : هو الإشكال على أول تقريبي الاستصحاب وحاصله : أن الاستصحاب بالتقريب الأول يكون من القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وهو ليس بحجة كما يأتي في باب الاستصحاب.

٤٤٥

أو على (١) المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب ، وكان ما تعذر مما يسامح به عرفا ؛ بحيث (٢) يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي ، وارتفاعه (٣) لو قيل بعدم وجوبه ، ويأتي (٤) تحقيق الكلام في غير المقام (٥).

______________________________________________________

(١) عطف على «على صحة ...» الخ ، وإشارة إلى التقريب الثاني من الاستصحاب ، وغرضه : التنبيه على أن صحة الاستصحاب على التقريب الثاني منوطة بالمسامحة العرفية في تعيين موضوع الاستصحاب ؛ بأن لا يكون المتعذر جزءا أو شرطا من مقوّمات الموضوع ؛ بل من حالاته المتبادلة حتى يصح أن يقال : إن الفاقد هو الواجد عرفا ليجري فيه الاستصحاب ، فلو كان المفقود قادحا في صدق اتحاد الفاقد مع الواجد عرفا ، كما إذا كان المفقود معظم الأجزاء لم يجر الاستصحاب ؛ لعدم صدق الشك في البقاء حينئذ. ومختار المصنف جواز المسامحة العرفية في الموضوع.

(٢) متعلق ب «يسامح» وبيان لمقدار التسامح ، يعني : أن تكون المسامحة العرفية بمثابة يصدق على الفاقد للمتعذر أنه الموضوع السابق ، كما إذا لم يكن المتعذر معظم الأجزاء والشرائط حتى يكون وجوبه بقاء ذلك الوجوب لا وجوبا حادثا لموضوع جديد ، وعدم وجوبه ارتفاعا له عن ذلك الموضوع ؛ إذ مع عدم صدق الموضوع لا يعدّ رفع الحكم رفعا عنه ونقضا لليقين السابق ؛ بل هو من باب عدم الموضوع.

والحاصل : أنه لا بد في صحة الاستصحاب من صدق النقض على نفي الحكم والإبقاء على إثباته ، وهذا الصدق منوط بوحدة الموضوع ، نظير استصحاب عدالة زيد ، فإن موضوعها لا ينثلم بالمرض والصحة والفقر والغنى ، فإذا شك في عدالته فلا مانع من استصحابها مع عروض هذه العوارض ؛ لأنها من الحالات المتبادلة التي لا يتغير بها الموضوع أعني : زيدا. وضمير «تعذره» راجع على ما شك في كيفية دخله من الجزء والشرط.

(٣) عطف على «بقاء» الذي هو فاعل «يصدق» ، وضمير «ارتفاعه» راجع على «الوجوب» ، وضمير «وجوبه» راجع على «الباقي». و «لو قيل» قيد لبقاء الوجوب.

(٤) بعد التنبيه الرابع عشر من تنبيهات الاستصحاب ، وقد اختار هناك كون المرجع في تعيين الموضوع هو نظر العرف دون غيره من العقل ودليل الحكم ، وضمير «منه» راجع على «تعيين».

(٥) أي : في غير هذا المقام المبحوث عنه فعلا ، وهو أواخر الاستصحاب حيث إنه يبحث هناك عن تعيين الموضوع في الاستصحاب. هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية في المسألة.

٤٤٦

كما أن وجوب الباقي في الجملة (١) ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله

______________________________________________________

وأما حكمها القواعد الثانوية والأدلة الاجتهادية : فقد ادعى ثبوت الأخبار الدالة على وجوب الباقي عند تعذر بعض الأجزاء ، والمستفاد من هذه الأخبار : قاعدة يصطلح عليها ب «قاعدة الميسور».

قاعدة الميسور

(١) أي : في خصوص ما يعد فاقد الجزء أو الشرط ميسورا للواجد لا مطلقا ، كما هو مفاد قوله «عليه‌السلام» : «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، أو في خصوص الجزء دون الشرط كما هو مقتضى الخبر الأول والثالث المذكورين في المتن.

وكيف كان ؛ فغرض المصنف «قدس‌سره» ـ بعد أن اختار هو عدم وجوب الباقي للبراءة العقلية ـ : الإشارة إلى أدلة القائلين بوجوب الباقي ، وهي الاستصحاب الذي تقدم تقريبه بالوجهين ، وقاعدة الميسور التي تعرض لها بقوله : «مقتضى ما يستفاد» ، والفرق بينها وبين الاستصحاب هو : أن القاعدة دليل اجتهادي ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل العملي أعني : الاستصحاب ، كما لا تجري معها البراءة العقلية في وجوب الباقي لورود قاعدة الميسور عليها ، حيث إنها بيان رافع لعدم البيان الذي هو موضوع حكم العقل بقبح المؤاخذة بلا بيان.

وكيف كان ؛ فقد يستدل على وجوب الباقي تحت عنوان قاعدة الميسور المستفادة من الأخبار ، وهذه الأخبار ثلاثة مروية في غوالي اللئالي :

الأول : النبوي الشريف وهو قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «إذا أمرتكم بشيء ، فأتوا منه ما استطعتم».

والثاني ـ العلوي الشريف وهو ـ قول علي «عليه‌السلام» : «الميسور لا يسقط بالمعسور».

والثالث : ـ العلوي الشريف أيضا وهو ـ : قوله «عليه‌السلام» : «ما لا يدرك كله لا يترك كله».

فيقع الكلام في هذه الروايات واحدا بعد واحد. فنقول : إنه قد اشتهر نقل هذه الروايات بين الأصحاب وعملهم بها واستنادهم في فتاويهم إليها ، وهذا يكفي في الوثوق بها وحجيتها وفي عدم لزوم التفتيش عن سندها ، فيقع الكلام في دلالتها فقط. فيقع الكلام في دلالتها إجمالا قبل البحث فيها تفصيلا.

وأما دلالتها على ما هو المقصود إجمالا : فلأن المستفاد منها هو عدم سقوط

٤٤٧

«صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» (*). وقوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (**) ، وقوله : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (***) ، ودلالة

______________________________________________________

التكليف بتعذر بعض الأجزاء والشرائط ، بل يجب على المكلف الإتيان بما يتمكن منه ؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يتمكن المكلف من إتيان كله لا يجوز له ترك الكل ، بل عليه الإتيان بما يتمكن منه. وكذلك النبوي ظاهر في وجوب إتيان ما يتمكن منه المكلف من بعض الأجزاء بعد عدم التمكن من الجميع ؛ لأنه كلمة «من» في قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «فأتوا منه» ظاهرة في التبعيض إن لم تكن حقيقة فيه ، وكلمة «ما» في قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «ما استطعتم» ظاهرة في الموصولة ، فيدل النبوي على وجوب الإتيان بما هو المقدور من المركب. هذا مجمل الكلام في دلالة هذه الأخبار على المطلوب.

وأما تفصيل الكلام في دلالتها فنقول : إن المحتملات في الرواية الأولى ـ أعني : النبوي الشريف ـ هي أربعة :

الأول : أن تكون كلمة «من» تبعيضية بحسب الأجزاء ، ويكون المعنى : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا من أجزائه ما استطعتم» ، وهذا هو المطلوب في المقام.

الثاني : أن تكون كلمة «من» تبعيضية ، ولكن بحسب الأفراد ، والمعنى حينئذ : «فأتوا من أفراده ما استطعتم» ، وهذا خارج عن البحث في ما نحن فيه ولا ينفعنا في المقصود ؛ لأن الكلام في الميسور من الأجزاء لا الأفراد.

ويشهد لهذا الاحتمال : مورد الرواية ؛ لأن سؤال السائل كان عن وجوب الحج في كل سنة ، فكان سؤاله عن الأفراد لا عن الأجزاء.

الثالث : أن تكون كلمة «من» للتعدية بمعنى الباء ، فيكون قوله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «فأتوا به» نظير قولك : أتى به ، أو يأتون به ، والمعنى حينئذ : «فأتوا بالعمل ما استطعتم» ، والمقصود منه : تكرار العمل بقدر الاستطاعة ، وتكون الرواية ناظرة حينئذ إلى الأفراد أيضا.

الرابع : أن تكون كلمة «من» بيانية ، وكلمة «ما» موصولة ، فيكون حاصل المعنى : أنه إذا أمرتكم بطبيعة فأتوا ما استطعتم من أفرادها ، وهذه الاحتمالات متصورة في الرواية

__________________

(*) بحار الأنوار ٢٢ : ٣١ ، مسند أحمد ٢ : ٢٤٧ ، صحيح البخاري ٨ : ١٤٢.

(**) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥.

(***) عوالي اللآلي ٤ : ٥٨ / ٢٠٧.

٤٤٨

الأول مبنية على كون كلمة «من» تبعيضية (١) ...

______________________________________________________

الأولى ؛ ولكن المفيد بالمقصود هو الاحتمال الأول فقط ؛ ولكنه لا يناسب مورد الرواية ، فهذه الرواية أجنبية عن المقام ولا تدل على ما هو المقصود.

وأما الرواية الثانية : وهي قوله «عليه‌السلام» : «الميسور لا يسقط بالمعسور» فتقريب الاستدلال بها وإن كان واضحا ؛ ولكن يرد عليه :

أولا : بمثل ما أورد على الحديث الأول من أن كلمة «الميسور» مردّدة بين الميسور من الأفراد والميسور من الأجزاء ، فلا يمكن الاستدلال به لكونه مجملا وخارجا عن محل الكلام على أحد الاحتمالين.

وثانيا : بأن المجموع من الأجزاء واجب بوجوب استقلالي ، والباقي من الأجزاء واجب بوجوب ضمني ، وليس الواجب بالوجوب الضمني ميسورا للواجب بالوجوب الاستقلالي ، فيتعين أن يكون هذا الحديث مختصا بالميسور من الأفراد ، ولا يشمل الميسور من الأجزاء.

وأما الرواية الثالثة : وهي قوله «عليه‌السلام» : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» فيرد على الاستدلال بها :

أولا : أن كلمة «كل» مجملة لدورانها بين المجموع بحسب الأفراد والمجموع بحسب الأجزاء.

وثانيا : إجمال قوله «عليه وآله السلام» : «لا يترك» ، ودورانه بين إرادة الوجوب بالخصوص وإرادة الأعم من الوجوب والندب ، فلا يمكن الاستدلال ؛ بها لأنه بناء على الاحتمال الثاني لا يستفاد منها وجوب الإتيان بالباقي. فالنتيجة هي : عدم تمامية الاستدلال بهذه الروايات على وجوب الباقي عند تعذر بعض الأجزاء.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في منتهى الدراية.

(١) غرضه : أن الاستدلال بالخبر الأول على قاعدة الميسور مبني على أمرين :

الأول : كون كلمة «من» تبعيضية ؛ إذ لو كانت بيانية أو بمعنى الباء فمعنى الخبر حينئذ : وجوب الإتيان بنفس المأمور به الكلي بقدر الاستطاعة لا وجوب الإتيان ببعضه الميسور كما هو المقصود ، فلا يشمل الخبر الكل والمركب الذي تعذر بعض أجزائه.

الثاني : كون التبعيض بحسب الأجزاء لا الأفراد ؛ إذ مفاد الخبر حينئذ هو وجوب الإتيان بما تيسر من أفراد الطبيعة ، فيدل على وجوب التكرار ، وعدم كون المطلوب صرف الوجود ، ولذا استدل به بعض المحققين كصاحب الحاشية في مبحث الأوامر على وجوب التكرار في قبال القول بالمرة والقول بالطبيعة. ومن المعلوم : أنه أجنبي عن

٤٤٩

لا بيانية (١) ولا بمعنى الباء ، وظهورها (٢) في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى (٣) ؛ إلا إن (٤) كونه بحسب الأجزاء غير واضح ؛ ...

______________________________________________________

المطلوب وهو وجوب ما تيسر من أجزاء المركب الذي تعذر بعض أجزائه.

(١) «المراد بها : كون مدخول «من» هو الجنس الذي يكون المبين ـ بالفتح ـ منه كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) وقوله : «أثوابى من قطن وخواتيمى من فضة» (١) ، وهذا الضابط للبيانية لا ينطبق على المقام ، ضرورة : أن مدخول «من» هنا ليس إلا نفس الشيء المذكور قبله ، حيث إن الضمير عين مرجعه. فكأنه قيل : «إذا أمرتكم بشيء فأوجدوه ما استطعتم» ، وهذا عبارة أخرى عن دخل القدرة في متعلق الخطاب ، وأنه مع التمكن يجب فعل المأمور به ولا يجوز تركه ، وهذا لا يدل على وجوب بعض المركب المأمور به إذا تعذر بعض أجزائه ، لو لم يدل على وجوب تكرار الطبيعة المأمور بها كما مر آنفا» (٢).

وحاصل الكلام في المقام : أن جعل «من» بمعنى الباء في كل مورد ، وبيانية في خصوص هذا المورد خلاف الظاهر الذي لا يصار إليه بلا دليل ، فالمتعين حينئذ : كون كلمة «من» تبعيضية لا بيانية ولا بمعنى الباء ، ومع ذلك لا يدل الخبر الأول على اعتبار قاعدة الميسور في المقام ؛ وذلك لما عرفت : من احتمال الميسور بحسب الأفراد ، ومحل الكلام هو الميسور بحسب الأجزاء لا الأفراد.

(٢) أي : كلمة «من» في التبعيض الذي هو عبارة عن صحة قيام كلمة «بعض» مقام كلمة «من» ، وقد عرفت : تقريب هذا الظهور الذي هو أحد الوجهين اللذين يكون الاستدلال بالخبر الأول مبنيا عليهما.

(٣) لما مر من عدم ثبوت استعمال «من» بمعنى الباء ، وعدم انطباق ضابط البيانية أيضا عليه ، فالمتعين كون «من» هنا للتبعيض ، فهذا الوجه الأول ثابت.

(٤) غرضه : الإشكال على كون التبعيض بحسب الأجزاء لا الأفراد.

ومحصل الإشكال : أن التبعيض إن كان بلحاظ الجامع بين الأجزاء والأفراد ؛ بأن يراد بالشيء ما هو أعم من الكل ذي الأجزاء كالصلاة والحج والكلي وذي الأفراد كالعالم ، أو بلحاظ خصوص الأجزاء ، كان الخبر دليلا على المقصود وهو وجوب بعض أجزاء المركب مع تعذر بعضها الآخر.

__________________

(١) الحج : ٣٠.

(٢) منتهى الدراية ٦ : ٣٣٨.

٤٥٠

لاحتمال (١) أن يكون بلحاظ الأفراد.

ولو سلم (٢) فلا محيص عن أنه ـ هاهنا ـ بهذا اللحاظ (٣) يراد ، حيث (٤) ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أمره به ، فقد روي : «أنه خطب رسول الله ، فقال : «إن الله كتب عليكم الحج» ، فقام عكاشة ويروى سراقة بن مالك فقال : في كل عام يا رسول الله؟ فاعرض عنه حتى أعاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : «ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ، والله لو قلت نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتم ، وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

______________________________________________________

وإن كان بلحاظ الأفراد أو مجملا : لم يصح الاستدلال بالخبر المزبور على المقصود. وضمير «كونه» راجع على «التبعيض».

(١) تعليل لقوله : غير واضح. ومحصله : أن احتمال كون التبعيض بلحاظ الأفراد مانع عن الاستدلال بالخبر المزبور ؛ لما مر من ابتنائه على كون التبعيض بلحاظ الأجزاء دون الأفراد ، ومع هذا الاحتمال المصادم لظهور كون التبعيض بلحاظ الأجزاء يسقط الاستدلال. واسم «يكون» ضمير راجع على التبعيض.

(٢) يعني : ولو سلم ظهور كلمة «من» في التبعيض بلحاظ الأجزاء بحسب الاستعمالات المتعارفة ، ولكنه بقرينة المورد لا بد هنا من إرادة التبعيض بحسب الأفراد ، حيث إن هذا الخبر ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحج بعد أن خطب رسول الله «صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، فقال : «إن الله كتب عليكم الحج» ، فقام عكاشة إلى آخر ما ذكره في المتن ، فلا محيص عن إرادة التبعيض هنا بحسب أفراد العام لا بحسب أجزاء الكل ؛ إذ لا معنى لوجوب بعض أجزاء الحج في كل عام.

(٣) أي : لحاظ الأفراد ، وضمير «أنه» راجع على التبعيض ، والمشار إليه في «هاهنا» هو الخبر النبوي المذكور الوارد في الحج ، و «يراد» خبر «أنه».

(٤) تعليل لقوله : «فلا محيص» ، وقد مر تقريبه بقولنا : «ولكنه بقرينة المورد لا بد هنا من إرادة التبعيض بحسب الأفراد.

فمحصل ما أفاده المصنف «قدس‌سره» في هذا الخبر : عدم تمامية الاستدلال به على وجوب الإتيان بالمركب الذي تعذر بعض أجزائه.

والمراد من الاستطاعة المذكورة في آخر الخبر هو : الاستطاعة العرفية لا العقلية ، ضرورة : أن ترك إطاعة الأمر لعدم الاستطاعة العقلية لا يوجب الكفر كما هو قضية قوله

٤٥١

ومن ذلك (١) : ظهر الإشكال في دلالة الثاني أيضا (٢) ، حيث (٣) لم يظهر في عدم سقوط الميسور من الأجزاء بمعسورها ؛ لاحتمال (٤) إرادة عدم سقوط الميسور من أفراد العام بالمعسور منها (٥).

______________________________________________________

«صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» : «ولو تركتم لكفرتم».

فمعناه : «أنه لو قتل : نعم ، لوجب عليكم الحج في كل عام وكان ذلك عسرا عليكم ، ولو تركتم ولو مع المشقة العرفية لكفرتم».

(١) أي : ومن عدم ظهور الخبر الأول في التبعيض بحسب الأجزاء ظهر الإشكال في دلالة الخبر الثاني وهو : «الميسور لا يسقط بالمعسور».

والإشكال عليه من وجهين :

أحدهما : أن الميسور أن يكون بحسب الأفراد لا بحسب الأجزاء ، والمفروض : أن الاستدلال به منوط بإرادة الميسور من الأجزاء ، ومع احتمال إرادة غيره لا يصلح للاستدلال به على المقام.

ثانيهما : أنه لا يدل على المطلوب وهو وجوب الأجزاء الميسورة بتعذر بعض الأجزاء أو الشرائط ، حيث إن الميسور عام للواجبات والمستحبات ، فإن دل الخبر على وجوب الميسور لزم خروج المستحبات التي تعذر بعض أجزائها أو شرائطها ، فيدور الأمر بين تخصيص الميسور بالواجبات وإخراج المستحبات عنه ، وهو مخالف لبنائهم على جريان قاعدة الميسور فيها أيضا ، وبين التصرف في ظهور الأمر في الوجوب وحمله على مطلق الرجحان ، فلا يدل حينئذ على وجوب الباقي الميسور وهو المطلوب في المقام ، والظاهر عدم أولوية أحد التصرفين من الآخر ، فلا يصح الاستدلال به على وجوب الميسور ؛ كعدم صحته بناء على أظهرية حمل الأمر على مطلق الرجحان والمطلوبية كما قيل من تخصيص الميسور بالواجبات.

(٢) يعني : كالإشكال على الخبر الأول ، والمراد بالثاني : هو خبر «الميسور لا يسقط بالمعسور».

(٣) هذا تقريب الإشكال الأول المتقدم بقولنا : «أحدهما : أن الميسور يحتمل ...» الخ.

(٤) تعليل لقوله : «حيث لم يظهر» وحاصله : أن هذا الاحتمال مصادم لاحتمال «الميسور من الأجزاء» بحيث يبطل الاستدلال على قاعدة الميسور ، والضمير المستتر في «يظهر» راجع على الثاني.

(٥) هذا الضمير راجع على «أفراد» ، و «من أفراد» متعلق «بالميسور» ، و «بالمعسور» متعلق ب «سقوط».

٤٥٢

هذا مضافا (١) إلى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما (٢) ؛ لعدم (٣) اختصاصه بالواجب ، ولا مجال معه (٤) لتوهم دلالته على أنه بنحو اللزوم ؛ إلا (٥) أن يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا بسبب سقوطه (٦) عن المعسور ؛ بأن

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى ثاني وجهي الإشكال المتقدم آنفا بقولنا : «ثانيهما : أنه لا يدل على المطلوب وهو وجوب الأجزاء الميسور ...» الخ.

(٢) يعني : كما هو المطلوب ، فلا يدل الخبر الثاني على وجوب الأجزاء الميسورة ؛ لعدم اختصاصه بالواجبات ؛ لما عرفت : من عموم «الميسور» لكل من الواجب والمستحب ، وضميرا «دلالته ، اختصاصه» راجعان على «الثاني».

(٣) تعليل لعدم دلالة الخبر الثاني على عدم سقوط الميسور لزوما ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : «لعدم اختصاصه بالواجبات لما عرفت من عموم ...» الخ.

(٤) أي : مع عدم اختصاص الخبر الثاني بالواجب لا مجال لتوهم دلالته على أن عدم السقوط يكون بنحو اللزوم ، وهذا من تتمة الإشكال ، فالأولى أن يقال : «فلا مجال» لأنه نتيجة عدم اختصاصه بالواجب. وضمير «دلالته» راجع على «الثاني» ، وضمير «أنه» راجع على «عدم السقوط».

(٥) هذا دفع الإشكال الثاني المذكور بقوله : «مضافا إلى عدم دلالته» ، واستدراك عليه.

ومحصل الدفع : أن «لا يسقط» إن كان إنشاء لوجوب الميسور كانت المستحبات خارجة عن مورد قاعدة الميسور ، واختصت القاعدة بالواجب المتعذر بعض أجزائه ؛ لكنه ليس كذلك ، لظهور «لا يسقط» في حكايته عن عدم سقوط حكم الميسور من الوجوب أو الندب بسقوط حكم المعسور ، فيشمل كلا من الواجب والمستحب المتعذر بعض أجزائهما أو شرائطهما ، فلا تخرج المستحبات عن حيز قاعدة الميسور ، وهذا ك «إبقاء ما كان» في الاستصحاب ، فمعنى «لا تنقض اليقين بالشك» إبقاء المتيقن السابق ، سواء كان حكما تكليفيا أم وضعيا أم موضوعا ، وليس معناه وجوب الإبقاء حتى يختص الاستصحاب بالواجبات.

وثبوت حكم الميسور بلسان ثبوت موضوعه ، وهو الميسور نظير نفي الموضوع المراد به نفي حكمه ك «لا ضرر» ونحوه من العناوين الثانوية الرافعة للحكم الأولي ، فلزوم البيع مثلا منفي إن كان ضرريا.

(٦) أي : سقوط الحكم عن المعسور. وضميرا «سقوطه ، له» راجعان على الميسور ، و «من» بيان ل «ما» الموصول ، و «بسبب متعلق ب «عدم سقوطه».

٤٥٣

يكون (١) قضية الميسور كناية عن عدم سقوطه بحكمه ، حيث (٢) إن الظاهر من مثله هو ذلك (٣) ، كما إن الظاهر من مثل «لا ضرر ولا ضرار» هو نفي ما له من تكليف أو وضع لا (٤) أنها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف كي لا يكون

______________________________________________________

(١) هذا مبين لكون سقوط الميسور بماله من الحكم ، وقد مر آنفا تقريبه بقولنا : «ومحصل الدفع أن لا يسقط ...» الخ. فقوله : «بحكمه» أي : بما للميسور من الحكم واجبا كان أم مستحبا.

(٢) غرضه : الاستشهاد على كون قضية الميسور كناية عن عدم سقوط حكمه بأن الظاهر من مثل هذا الكلام النافي لموضوع أو المثبت له هو نفي الحكم عن الموضوع أو إثباته له ، حيث إن نفي الموضوع أو إثباته شرعا لا يراد منه الرفع التكويني أو الإثبات كذلك ؛ لمنافاة التكوين للتشريع ، ومن المعلوم : أن مورد الرفع والوضع التشريعيين هو الحكم ، فإثبات الموضوع شرعا أو نفيه كذلك لا معنى له إلا إثبات حكمه أو نفيه ، نظير «لا ضرر» ، فإن نفي الضرر الخارجي كذب ، فالمراد به : نفي حكمه مطلقا تكليفيا كان أم وضعيا ، وهذا التعبير عن ثبوت الحكم بلسان ثبوت موضوعه ونفيه بلسان نفي موضوعه شائع متعارف ، وضميرا «سقوطه ، بحكمه» راجعان على الميسور ، وضمير «مثله» راجع على «الثاني» المراد به «الميسور لا يسقط بالمعسور» ، والمراد ب «مثله» : كل ما هو بلسانه من إثبات الموضوع أو نفيه.

(٣) أي : عدم سقوطه بحكمه ، وحاصله : أن إثبات الموضوع ونفيه في الخطابات الشرعية كناية عن إثبات حكمه شرعا أو نفيه كذلك.

(٤) يعني : لا أن قضية الميسور عبارة عن عدم سقوط الميسور بنفسه وبقائه على عهدة المكلف حتى تختص القاعدة بالواجبات ولا تشمل المستحبات ؛ لاختصاص العهدة بالواجبات.

والحاصل : أن الجمود على ظاهر إسناد عدم السقوط إلى نفس الميسور يقتضي أن يكون نفس الميسور ثابتا في الذمة ، وحيث إنه لا عهدة في المستحبات فيختص بالواجبات ، ولا يشمل المستحبات.

ولكن أورد عليه : بأن الظاهر من ثبوت الموضوع شرعا ونفيه كذلك هو ثبوت الحكم أو نفيه عنه ، وعليه : فيدل «الميسور لا يسقط بالمعسور» على ثبوت حكمه مطلقا وجوبا كان أم مستحبا ، فتجري قاعدة الميسور في المستحبات بلا عناية وتكلف ، وضمائر «سقوطه ، بنفسه ، بقائه» راجعة على الميسور.

٤٥٤

له دلالة على جريان القاعدة في المستحبات على وجه (١) ، أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور في الواجبات على آخر (٢) ، فافهم (٣).

وأما الثالث (٤) : فبعد تسليم (٥) ظهور كون الكل في المجموعي لا الأفرادي لا

______________________________________________________

(١) وهو جعل «لا يسقط» للوجوب ، فإنه حينئذ يختص بالواجبات ولا يشمل المستحبات.

(٢) أي : على وجه آخر وهو حمله على الثبوت ومطلق الرجحان والمطلوبية.

(٣) لعله إشارة إلى : أن حمل «عدم السقوط» على عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدته لا يوجب خروج المستحبات عن حيّز قاعدة الميسور ؛ إذ لا مانع من كون المستحبات في عهدة المكلف كالواجبات ، ويدل عليه : مثل ما رواه مرازم ، قال : (سأل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله «عليه‌السلام» ، فقال : أصلحك الله إن عليّ نوافل كثيرة ، فكيف أصنع؟ فقال : «اقضها ، فقال : إنها أكثر من ذلك قال : اقضها ، قلت : لا أحصيها ، قال : توخّ») (١) الحديث.

وعليه : فالمستحب كالواجب يستقر في العهدة ، غاية الأمر : عدم وجوب إبراء الذمة عنه ، نظير كون المال الذي أتلفه الصبي في عهدته مع عدم وجوب إبراء ذمته قبل بلوغه ، فلا ملازمة بين الحكم الوضعي والتكليفي.

أو إشارة إلى : أن ما اختاره من عدم سقوط الميسور بما له من الحكم وجوبا كان أو ندبا يشمل الواجب والمندوب بلا تكلف ، فلا يلزم خروج المستحبات أصلا.

(٤) وهو «ما لا يدرك كله لا يترك كله».

(٥) هذا إشارة إلى أحد الإشكالات التي أوردها الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» على الاستدلال بهذا الخبر.

ومحصل هذا الإشكال : أن الاستدلال به منوط بإرادة الكل ذي الأجزاء من كلمة «كله» كما هو واضح ؛ إذ لو أريد الكل ذو الأفراد كما هو المحتمل كان أجنبيا عن مورد قاعدة الميسور ، فإذا أمر بصوم كل يوم من شهر رمضان أو إكرام كل عالم ، تعذر صوم بعض الأيام أو وجوب إكرام بعض العلماء ، فلا وجه للتمسك بقاعدة الميسور لوجوب صوم بعض الأيام أو وجوب إكرام بعض العلماء ؛ لأن الميسور منهما ليس ميسورا لذلك المعسور بعد وضوح كون صوم كل يوم وإكرام كل فرد من أفراد العالم موضوعا مستقلا

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٥١ / ٤ ، علل الشرائع ٢ : ٣٦٢ / ب ٨٢ ، ح ٢ ، تهذيب الأحكام ٢ : ١٢ / ٢٦ ، الوسائل ٤ : ٧٨ / ٤٥٥٨.

٤٥٥

دلالة له (١) إلا على رجحان الإتيان بباقي الفعل المأمور به ـ واجبا أو مستحبا ـ عند (٢) تعذر بعض أجزائه ؛ لظهور (٣) الموصول فيما يعمها ، وليس ...

______________________________________________________

للحكم بنحو العام الاستغراقي.

والمصنف «قدس‌سره» ـ بعد تسليم ظهور الخبر في الكل المجموعي حتى يشمل المركب ويصح الاستدلال به من هذه الحيثية على قاعدة الميسور ، والغض عن احتمال إرادة الكل الأفرادي من لفظ «كله» الأول ـ يورد على الاستدلال به من جهة أخرى ، وهي : أن الموضوع وهو «ما» الموصول عام يشمل الواجبات والمستحبات ، فلا بد حينئذ أن يراد من «لا يترك» معنى عام وهو مطلق الرجحان ليناسب عمومية الموضوع ؛ لامتناع أخصية المحمول من الموضوع «الحيوان إنسان» ، ولئلا يلزم وجوب الإتيان بالبعض الميسور من المستحب الذي تعذر بعض أجزائه إن أريد به حرمة الترك ، ومن المعلوم : أن مطلق الرجحان لا يدل على حرمة ترك الباقي ووجوب الإتيان بما عدا المتعذر.

لا يقال : إن ظهور «لا يترك» في الوجوب يوجب تخصيص عموم «ما» الموصول بالواجبات ، فيختص الخبر بها ولا يعم المستحبات.

فإنه يقال : إن ظهور الموصول في العموم لكونه بالوضع أقوى من ظهور «لا يترك» في الوجوب لكونه بالإطلاق ، فيمكن أن يكون ذلك قرينة على حمل «لا يترك» على الكراهة ومطلق المرجوحية.

فالنتيجة : أن الخبر لا يدل على وجوب الإتيان بما عدا المتعذر. ولو سلم عدم أقوائية ظهور الموصول في العموم من ظهور «لا يترك» في الوجوب فلا أقل من التساوي ، فيصير الخبر مجملا لا يصح الاستدلال به.

(١) أي : للخبر الثالث وهو «ما لا يدرك كله لا يترك كله».

(٢) متعلق ب «الإتيان» ، وضمير «أجزائه» راجع على «المأمور به».

(٣) تعليل لعدم دلالة هذا الخبر إلا على مجرد رجحان الإتيان بباقي المأمور به ، وقد تقدم آنفا تقريبه بقولنا : «وهي أن الموضوع وهو ما الموصول عام يشمل الواجبات والمستحبات» ، وضمير «يعمهما» راجع على الواجب والمستحب.

وبالجملة : فالإشكالات التي أشار إليها المصنف أمور :

الأول : ما تعرض له الشيخ «قدس‌سره» أيضا من : أنه يحتمل أن يكون المراد بالكل هو الأفرادي ، ومعه لا يمكن الاستدلال به لكونه أجنبيا عن الكل ذي الأجزاء الذي هو مورد البحث ، وقد أشار إليه وإلى دفعه بقوله : «فبعد تسليم ظهور كون الكل في المجموعي».

٤٥٦

ظهور (١) «لا يترك» في الوجوب لو سلم (٢) موجبا لتخصيصه (٣) بالواجب لو لم يكن ظهوره في الأعم قرينة على إرادة خصوص الكراهة أو مطلق المرجوحية من النفي (٤).

وكيف كان ؛ فليس ظاهرا في اللزوم هاهنا (٥) ولو قيل (٦) بظهوره فيه في غير المقام (٧).

______________________________________________________

الثاني : أن أعمية الموصول من الواجبات والمستحبات توجب حمل «لا يترك» على مطلق المرجوحية ، وتمنع عن إرادة حرمة الترك حتى يدل على وجوب الإتيان بباقي المأمور به. وأشار إلى هذا الإشكال بقوله : «لا دلالة له إلا على رجحان الإتيان».

الثالث : أن ظهور الجملة الخبرية مثل «لا يترك» في الوجوب غير مسلم ؛ لذهاب بعض الأعاظم إلى عدم دلالتها على الوجوب. لكن المصنف دفع هذا الإشكال واعترف بدلالة الجملة الخبرية على الوجوب كما أوضحه في مبحث الأوامر.

(١) قد مر توضيحه بقولنا : «لا يقال : إن ظهور لا يترك في الوجوب ...» الخ.

(٢) إشارة إلى الإشكال الذي تقدم آنفا بقولنا : «الثالث : أن ظهور الجملة الخبرية مثل لا يترك في الوجوب ...» الخ.

(٣) أي : الموصول الذي يعم الواجب والمستحب ، وهذا إشارة إلى : أن ظهور «لا يترك» في الوجوب لا يوجب اختصاص الموصول بالواجب لو لم يكن عموم الموصول قرينته على التصرف في ظهور «لا يترك» بحمله على الكراهة ، أو مطلق المرجوحية ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «فإنه يقال : إن ظهور الموصول في العموم أقوى من ظهور لا يترك في الوجوب ...» ، وضمير «ظهوره» راجع على الموصول.

(٤) وهو «لا يترك» ؛ لكن كون «لا» نافية غير معلوم ، لقوة احتمال كونها ناهية. وعلى هذا الاحتمال ينتفي موضوع الإشكال في دلالة الجملة الخبرية على الوجوب لكونها حينئذ جملة إنشائية.

(٥) يعني : في «لا يترك» لمعارضة ظهور الموصول في الأعم من الواجب والمستحب له ، والضمير المستتر في «ليس» راجع على «لا يترك».

(٦) كلمة «لو» وصلية يعني : وأن قلنا : بظهور الجملة الخبرية في سائر الموارد في الوجوب ، إلا إنه لا نقول به في المقام ، للمعارضة المذكورة ، وضمير «بظهوره» راجع على «لا يترك» ، وضمير «فيه» راجع على اللزوم.

(٧) أي : في سائر المقامات.

٤٥٧

ثم إنه (١) حيث كان الملاك في قاعدة الميسور هو صدق الميسور على الباقي عرفا (٢) ، كانت القاعدة جارية مع تعذر الشرط أيضا (٣) ، لصدقه (٤) حقيقة عليه مع

______________________________________________________

(١) «الضمير للشأن وغرضه من هذه العبارة : بيان موارد قاعدة الميسور ، وأنها تجري في تعذر كل من الجزء والشرط ، ولا تختص بتعذر الجزء كما هو خيرة الشيخ «قدس‌سره» حيث قال : «وأما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة ـ يعني : بها قاعدة الميسور ـ فالظاهر عدم جريانها» يعني : عند تعذر أحد الشروط ، وإن اختار في أثناء كلامه جريان القاعدة في بعض الشروط التي يحكم العرف ولو مسامحة باتحاد المشروط الفاقد له مع الواجد له كاتحاد الصلاة الفاقدة للطهارة والستر والاستقبال مثلا للواجدة لها.

وكيف كان ؛ فالمعتبر في جريان قاعدة الميسور عند المصنف «قدس‌سره» هو صدق الميسور عرفا على الفاقد ، سواء كان المفقود جزءا أو شرطا ، حيث إن وزان هذه القاعدة وزان الاستصحاب في إبقاء الحكم السابق للباقي من حيث كون الفاقد هو الواجد ، وإلا لم يكن إبقاء لذلك الحكم بل كان تشريعا لحكم جديد لموضوع مباين» (١).

(٢) الوجه في اعتبار صدق الميسور عرفا على الباقي في جريان القاعدة فيه هو : عدم صدق بقاء الحكم السابق كما مر آنفا ، وعدم سقوطه إلا إذا كان الباقي ميسورا للواجد حتى يكون الفاقد هو الواجد عرفا ، والحكم الثابت له فعلا هو نفس الحكم الذي كان له قبل تعذر بعض الأجزاء. وعليه : فلا يصدق ميسور الشيء إلا على ميسور الأجزاء والشرائط ، ولا يصدق على ميسور الأفراد الملحوظة بنحو العام الاستغراقي كما مر سابقا ، فإن الحج الميسور في هذه السنة ليس ميسور الحج في العام الماضي.

(٣) يعني : كما تجري القاعدة مع تعذر الجزء ، وهذا تعريض بما أفاده الشيخ «قدس‌سره» أولا من عدم جريان قاعدة الميسور في تعذر الشرط وإن عدل عنه أخيرا ، والتزم بجريانها في بعض الشروط كما مر آنفا.

(٤) تعليل لجريان القاعدة في تعذر الشرط.

وحاصل التعليل : صدق الميسور على فاقد الشرط ، وهذا هو المناط في جريان القاعدة ، وضمير «صدقه» راجع على الميسور ، وضمير «عليه» إلى الباقي ، وضمير «تعذره» إلى الشرط و «حقيقة ، عرفا» قيدان ل «صدقه» يعني : أن صدق الميسور على فاقد الشرط يكون بنظر العرف على وجه الحقيقة لا المجاز.

__________________

(١) منتهى الدراية ٦ : ٣٥٤.

٤٥٨

تعذره عرفا ، كصدقه (١) عليه كذلك مع تعذر الجزء في الجملة (٢) ، وإن (٣) كان فاقد الشرط مباينا للواجب عقلا.

ولأجل ذلك (٤) : ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو لركنها موردا لها (٥) فيما إذا لم يصدق عليه الميسور عرفا ؛ وإن كان غير مباين للواجد عقلا (٦).

نعم (٧) ؛ ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا ...

______________________________________________________

(١) يعني : كصدق الميسور على الباقي عرفا مع تعذر الجزء ، فقوله : «كذلك» يعني : عرفا.

(٢) يعني : بعض الأجزاء ، وهو غير المعظم منها كما سيأتي.

(٣) كلمة «إن» وصلية وغرضه : أن المناط في صدق الميسور على الباقي هو نظر العرف ، فلو صدق الميسور عرفا على فاقد الشرط ـ وإن لم يصدق عليه عقلا بل كان فاقده بنظره مباينا لواجده ـ جرت فيه قاعدة الميسور. قوله : «عقلا» قيد لقوله : «مباينا» ، فإن فاقد الشرط مباين عقلا لواجده.

(٤) يعني : ولأجل كون المناط في صدق الميسور على الباقي هو النظر العرفي دون العقلي ربما لا يكون الباقي الفاقد لمعظم الأجزاء أو للركن منها موردا لقاعدة الميسور ؛ لعدم صدق الميسور من الصلاة عرفا على فاقدة الأركان وإن كانت من مراتب الصلاة وميسورها عقلا.

(٥) أي : لقاعدة الميسور ، و «موردا» خبر «يكون» وعدم صدق الميسور عرفا على فاقد الركن مما لم يتعرض له الشيخ «قدس‌سره» ؛ وإن كان الحق ما أفاده المصنف «قدس‌سره» ، وضمير «لركنها» راجع على الأجزاء.

(٦) بأن كان الفاقد بعض مراتب الواجد ، فيكون الفاقد ميسورا عقلا لا عرفا لخفاء كيفية دخل المفقود في المركب على العرف الموجب لعدم حكمهم بكون الفاقد ميسورا عرفيا ، فيفترق الميسور العقلي عن العرفي حينئذ.

(٧) هذا استدراك على ما ذكره من كون الملاك في جريان قاعدة الميسور هو صدق الميسور العرفي على الباقي.

وغرضه : أن هذا الملاك مطرد في جميع الموارد إلا فيما قام الدليل على خروج الميسور العرفي عن حيّز هذه القاعدة وعدم جريانها فيه مع كونه ميسورا عرفيا ، أو قام الدليل على جريان القاعدة فيما ليس بميسور عرفا.

وبالجملة : الضابط المزبور وهو اعتبار كون الميسور عرفيا متبع إلا مع قيام الدليل شرعا

٤٥٩

بتخطئة (١) للعرف ، وأن (٢) عدم العد ـ كان لعدم الاطلاع على ما هو عليه الفاقد من قيامه في هذا الحال (٣) بتمام ما قام عليه الواجد أو بمعظمه في غير الحال (٤) ؛ وإلا (٥)

______________________________________________________

على إلحاق غير الميسور العرفي بالميسور العرفي في جريان قاعدة الميسور فيه كصلاة الغرقى مثلا ، فإنها ليست بنظر العرف ميسور الصلاة ؛ لكن دل الدليل على أنها ميسورها إما تخطئة للعرف ، لعدم اطلاعه على وفاء الفاقد في حال التعذر بجميع مصلحة الواجد أو معظمها ؛ إذ مع اطلاعه على ذلك لعده كالشرع ميسورا ، وإما تشريكا للميسور وتوسعة له في الحكم مع عدم كونه ميسورا حقيقة.

أو مع قيام الدليل على إخراج الميسور العرفي عن حيز قاعدته ، إما تخصيصا لعموم القاعدة على حذو تخصيص سائر القواعد العامة ، وإما تخطئة للعرف في عدّهم الفاقد ميسورا ؛ لعدم قيامه بشيء من مصلحة الواجد ، كأمر الشارع بالتيمم لمن لا يتمكن عن غسل عضو من أعضاء الوضوء ، فإن صدق ميسور الوضوء عرفا على غسل سائر الأعضاء وإن كان مسلما ؛ لكن الشارع لم يعتن بهذا الميسور العرفي وأمر بالتيمم الذي هو بدل الوضوء.

وبالجملة : فنظر العرف في تمييز الميسور متبع ما لم يقم دليل شرعا على الإدراج أو الإخراج.

ومع الشك في صدق الميسور عرفا على الفاقد وعدم دليل خاص على حكمه إلحاقا أو إخراجا لا يرجع إلى قاعدة الميسور ؛ لكونه تشبثا بالدليل لإحراز موضوعه ؛ بل يرجع إلى ما تقدم من استصحاب وجوب الباقي على فرض صحّته ؛ وإلا فإلى البراءة العقلية كما عليه المصنف ، أو النقلية كما عليه الشيخ ، وقد عرفت هناك : أن الحق وجوب الباقي وجريان البراءتين في نفس المتعذر جزءا أو شرطا. «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٣٥٧».

(١) أي : بتخطئة الشرع للعرف ، وضمير «به» راجع على الميسور عرفا.

(٢) عطف على «تخطئة» ومفسر له.

(٣) أي : حال التعذر ، و «من» مفسر ل «ما» الموصول وضمير «قيامه» راجع على الفاقد.

(٤) أي : في غير حال التعذر وهو متعلق ب «قام» ، و «بمعظمه» عطف على «بتمام» ، والمراد بتمام ما قام عليه الواجد أو معظمه هو : الملاك الداعي إلى تشريع الأمر بالكل ، وضمير «بمعظمه» راجع على «ما» الموصول المراد به الملاك.

(٥) أي : وإن اطلع العرف على قيام الفاقد بتمام مصلحة الواجد أو معظمها لعدّ الفاقد

٤٦٠