دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

٣ ـ وأما خلاصة بيان الأمر الثاني : ـ وهو بيان حكم الشك في عروض ما يوجب ارتفاع فعلية التكليف من العسر ونحوه ـ.

فتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي : أن دليل التكليف المعلوم إجمالا على قسمين :

الأول : أن يكون لفظيا مطلقا نحو : «اجتنب عن المغصوب» ، وكان الاجتناب عن جميع الأطراف مستلزما لضرر مالي ، ويكون الشك في جريان نفي الضرر هنا من جهة عدم العلم بحدود مفهومه وقيوده.

فإن كان المقام من موارد الضرر المنفي في الشريعة : كانت القاعدة حاكمة وموجبة لسقوط العلم الإجمالي عن التأثير.

وإن لم يكن من موارده ، أو شك في كونه من موارده : كان المعلوم بالإجمال فعليا منجزا.

القسم الثاني : أن يكون الدليل لبّيا كالإجماع أو مجملا واشتبه الحرام بين أطراف غير محصورة ، وشك في استلزام الاجتناب عن الجميع لعروض مانع عن التكليف من العسر والحرج ونحوهما.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المرجع في القسم الأول هي قاعدة الاشتغال ، فيجب الاجتناب عن جميع الأطراف ، وفي القسم الثاني أصل البراءة للشك في التكليف الفعلي.

٤ ـ وما قيل في ضبط المحصور وغيره لا يخلو عن الجزاف ؛ إذ لا دليل على شيء من الضوابط المذكورة للحصر وعدمه ، مضافا إلى ما ورد من الإشكال على كثير منها كما يظهر من مراجعة الكتب المبسوطة.

٥ ـ نظريات المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ عدم الفرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة في وجوب الاحتياط إذا كان التكليف المعلوم بالإجمال فعليا من جميع الجهات.

٢ ـ الملاك في وجوب الاحتياط هو : فعلية التكليف لا الحصر ، وقلة أطراف العلم الإجمالي.

٣ ـ المرجع عند الشك في عروض ما يوجب ارتفاع فعلية التكليف هو : إطلاق الدليل إن كان وإلا فأصل البراءة.

٤ ـ عدم صحة ما ذكر م الضوابط للشبهة غير المحصورة.

٣٦١

الرابع (١) : أنه إنما يجب عقلا رعاية الاحتياط في خصوص الأطراف ، مما يتوقف

______________________________________________________

في حكم ملاقي بعض أطراف العلم الإجمالي

(١) الغرض من عقد هذا التنبيه هو : بيان حكم ملاقي بعض أطراف الشبهة التي تنجز فيها التكليف ، سواء كانت محصورة أم غيرها ، وإن اشتهر في الألسنة والكتب : جعل العنوان ملاقي الشبهة المحصورة.

قال في العروة : «ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة» (١). إلا إن هذا الاشتهار مبني على مذاق القوم الذين جعلوا مدار تنجيز العلم الإجمالي على حصر الأطراف ، دون المصنف «قدس‌سره» الذي جعل مداره على فعلية التكليف كما عرفت في التنبيه الثالث ، فعلى هذا المسلك يتعين جعل العنوان ملاقي بعض أطراف الشبهة التي تنجز فيها التكليف ؛ محصورة كانت أم غيرها.

وكيف كان ؛ فينبغي قبل الخوض في البحث بيان ما هو محل الكلام في هذا التنبيه فيقال : إن الكلام إنما هو فيما إذا كانت الملاقاة مختصة ببعض الأطراف لا جميعها ؛ إذ لو فرضنا أن شيئا لا في جميع الأطراف فهو معلوم النجاسة تفصيلا وخارج عن محل الكلام ، وكذا لو فرضنا شيئين لاقى أحدهما طرفا من العلم الإجمالي والآخر لاقى الطرف الآخر ، فلا إشكال في وجوب الاجتناب عن كلا الملاقيين ، كوجوب الاجتناب عن نفس الطرفين. فهذا الغرض أيضا خارج عن محل الكلام.

هذا تمام الكلام في بيان ما هو محل الكلام والنزاع.

وكيف كان ؛ فقد وقع الخلاف في حكم ملاقي بعض المشتبهين بالنجس ، بمعنى : أنه هل يحكم بتنجس ملاقيه مطلقا أم لا يحكم بتنجسه مطلقا ، أم فيه تفصيل؟ وجوه ؛ بل أقوال :

الأول : ما حكي عن العلامة في المنتهى وابن زهرة في الغنية من تنجس الملاقي ووجوب الاحتياط مطلقا.

الثاني : ما ذهب إليه المشهور من عدم تنجس ملاقي النجس مطلقا.

الثالث : ما أفاده المصنف في الكفاية من التفصيل بين صور ثلاث.

هذا بيان مجمل الوجوه والأقوال في المسألة. وأما وجه هذه الأقوال فيقال : إن القول الأول والثاني مبنيان على أن وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس هل هو من شئون الحكم وهو وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ من جهة الملازمة عرفا ، بين وجوب

__________________

(١) العروة الوثقى ١ : ١١٤ / المسألة ١٥٤.

٣٦٢

على اجتنابه (١) أو ارتكابه (٢) حصول العلم بإتيان الواجب أو ترك الحرام المعلومين في

______________________________________________________

الاجتناب عن النجس ، وبين وجوب الاجتناب عن ملاقيه ، أو من جهة تحقق الموضوع وهو التنجس بالملاقاة.

فعلى الأول : يجب الاجتناب عن ملاقي أحد الطرفين ؛ وذلك لتحقق الحكم بوجوب الاجتناب في الملاقى ـ بالفتح ـ والمفروض : أن الحكم بوجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ من شئون الحكم بوجوبه عن الملاقى ـ بالفتح ـ والملازمة بينهما وعلى الثاني لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ وذلك لعدم العلم لملاقاته للجنس ؛ لأن المفروض : أن الحكم بوجوب الاجتناب في الملاقي تابع لتحقق نجاسته بالملاقاة مع النجس وهي مشكوكة ، فتجري فيه أصالة الطهارة والحلية.

(١) إشارة إلى الشبهة التحريمية.

(٢) إشارة إلى الشبهة الوجوبية. والضمير في «غيرها» راجع على الأطراف.

وأما توضيح ما أفاده المصنف «قدس‌سره» من التفصيل بين صور ثلاث فيتوقف على مقدمة وهي : بيان تلك الصور الثلاث :

فالصورة الأولى : هي ما إذا تقدم العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين ، وتأخرت الملاقاة والعلم بها.

والصورة الثانية : هي ما إذا لاقى ثوب المكلف الإناء الأحمر ، ثم غفل المكلف عن هذه الملاقاة إلى أن علم إجمالا بنجاسة ثوبه أو الإناء الأبيض ، فوجب الاجتناب عن الثوب والإناء الأبيض بهذا العلم الإجمالي ، ثم ارتفعت الغفلة وعلم بالملاقاة سابقا ، ثم علم إجمالا بالعلم الإجمالي الثاني بنجاسة الإناء الأحمر أو الإناء الأبيض. هذا هو المورد الأول لهذه الصورة ، وهناك مورد ثان وهو : ما إذا لاقى ثوب المكلف أحد الإناءين ، ثم علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، وقد خرج الملاقى ـ بالفتح ـ عن مورد الابتلاء حين العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين.

الصورة الثالثة : هي ما إذا لاقى ثوب المكلف أحد الإناءين ، ثم علم إجمالا بنجاسة أحدهما مع فرض كلا الإناءين موردا لابتلاء المكلف. وبعبارة أخرى : الصورة الثالثة هي حصول العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين بعد العلم بملاقاة الثوب بأحدهما.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن هذه الصور الثلاث تختلف حكما ، بمعنى : أنه لا يجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ في الصورة الأولى ؛ بل يجب الاجتناب عن

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الملاقى ـ بالفتح ـ فقط. ويجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح ـ في الصورة الثانية.

ويجب الاجتناب عنهما معا في الصورة الثالثة.

وأما وجه كل واحدة من هذه الصور الثلاث فيتوقف بيانه على مقدمة : وهي بيان أمور :

١ ـ أن هناك خطابات عديدة في الشرع نحو : «اجتنب عن النجس» و «اجتنب عن المتنجس» و «اجتنب عن ملاقي النجس» و «اجتنب عن ملاقي المتنجس» و «اجتنب عن ملاقي جميع أطراف العلم الإجمالي بالنجس».

٢ ـ التكليف المنجز ـ سواء كان تنجزه بالعلم التفصيلي أو الإجمالي ـ لا يتنجز ثانيا.

٣ ـ أن تنجز التكليف بالعلم الإجمالي إنما هو بتعارض الأصول في أطراف العلم الإجمالي مثلا : أصالة الطهارة أو استصحابها في كل طرف معارض بأصالة الطهارة أو استصحابها في الطرف الآخر ، فعلى فرض تنجز التكليف في أحد الطرفين أو خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء ، ينتفي التعارض بين الأصول ؛ إذ لا يجري الأصل في طرف المنجز أو الخارج عن مورد الابتلاء ، ويجري في الطرف الآخر بلا معارض أصلا.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أنه لا يجب الاجتناب عن ملاقي بعض الأطراف في الصورة الأولى ؛ إذ لا يعلم أنه اجتناب عن ملاقي النجس أو المتنجس ـ كما هو مقتضى الأمر الأولي في المقدمة ـ لاحتمال أن يكون النجس أو المتنجس هو الطرف الآخر غير الطرف الملاقى ـ بالفتح ـ فيجب الاجتناب عن الملاقى ـ بالفتح ـ فقط ـ لكونه من أطراف العلم الإجمالي ، دون الملاقي ـ بالكسر ـ لعدم العلم بكونه ملاقيا للنجس.

وأما الصورة الثانية : فلها موردان ، وحكم كلا الموردين هو وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح ـ.

والمورد الأول : هو ما إذا لاقى ثوب المكلف بالإناء الأحمر مثلا ، ثم حدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ وهو الثوب أو الإناء الأبيض حين كون المكلف غافلا عن ملاقاة الثوب مع الإناء الأحمر ، فتنجز التكليف بوجوب الاجتناب عن الثوب ـ وهو الملاقي ـ وعن الإناء الأبيض بهذا العلم الإجمالي ، ثم علم إجمالا بنجاسة الإناء الأحمر أو الإناء الأبيض.

وهذا العلم الإجمالي الثاني لا يؤثر في وجوب الاجتناب عن الإناء الأبيض لما في

٣٦٤

البين دون غيرها وإن كان حاله حال بعضها (١) في كونه محكوما بحكم (٢) واقعا.

ومنه (٣) ينقدح الحال في مسألة ملاقاة شيء مع أحد أطراف النجس المعلوم

______________________________________________________

المقدمة من أن المنجز لا يتنجز ؛ إذ وجوب الاجتناب فيه قد تنجز بالعلم الإجمالي الأول ، فلا يجري فيه الأصل ويجري الأصل في جانب الإناء الأحمر بلا معارض ، فلا يجب الاجتناب عنه وهو ـ الملاقى ـ بالفتح ـ على الفرض ، فالنتيجة هي : وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ وهو الثوب دون الملاقى ـ بالفتح ـ وهو الإناء الأحمر.

والمورد الثاني هو ما إذا علم بملاقاة ثوب المكلف بالإناء الأحمر مثلا ، ثم حدث العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ وهو الإناء الأحمر ـ أو الطرف الآخر وهو الإناء الأبيض حين خروج الإناء الأحمر عن مورد الابتلاء ، فيجب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ وهو الثوب دون الملاقى ـ بالفتح ـ وهو الإناء الأحمر ؛ لكونه خارجا عن مورد الابتلاء ، وقد عرفت في المقدمة اعتبار الدخول في مورد الابتلاء في تنجز التكليف بالعلم الإجمالي.

فحاصل الكلام في الصورة الثانية هو : وجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ في الموردين دون الملاقى ـ بالفتح ـ.

والصورة الثالثة : هي ما إذا علم بملاقاة ثوب المكلف بالإناء الأحمر ، ثم علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين أعني : الأحمر أو الأبيض ، فيجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا ، وذلك لكون العلم الإجمالي متعلقا بالأطراف الثلاثة دفعة واحدة ؛ إذ تصبح حينئذ جميع الأطراف ـ وهي الملاقي والملاقى والطرف الآخر ـ من أطراف العلم الإجمالي ، فيجب الاجتناب عن الجميع. هذا هو معنى وجوب الاجتناب عنهما معا. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح كلام المصنف في المقام.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : بعض الأطراف ، وضميرا «حاله ، كونه» راجعان على «غيرها».

(٢) الصواب «بحكمه» باتصال الضمير به ، يعني : وإن كان حال ذلك الغير المغاير للأطراف ـ وهو الملاقي ـ حال بعض الأطراف وهو الملاقى بحسب الواقع من حيث الطهارة أو النجاسة.

(٣) أي : ومما ذكرناه ـ من اختصاص حكم العقل بلزوم الاجتناب من باب المقدمة العقلية بخصوص الأطراف دون غيرها كالملاقي لبعضها ـ ظهر : أنه يجب التفصيل في حكم الملاقي لبعض أطراف النجس المعلوم إجمالا بالاجتناب تارة عن الملاقي دون ملاقيه ، وأخرى بالعكس ، وثالثة عن كليهما ، فالصور ثلاث ، وقد عرفت بيانها تفصيلا.

٣٦٥

بالإجمال ، وأنه (١) تارة : يجب الاجتناب عن الملاقى (٢) دون ملاقيه ، فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالا بالنجس بينها (٣) ، ...

______________________________________________________

(١) عطف تفسيري للحال والضمير للشأن.

(٢) بالفتح كالإناء الأحمر في المثال المذكور في مقام توضيح كلام المصنف «قدس‌سره». قوله : «فيما» متعلق ب «يجب».

(٣) أي : بين الأطراف ، وهذا بيان للصورة الأولى ، وقد عرفت حالها ونزيدها توضيحا ، فنقول : إذا علم إجمالا بنجاسة أحد الإناءين المفروض أحدهما أحمر والآخر أبيض ، ثم علم بملاقاة ثوب للأحمر مثلا ، وجب الاجتناب عقلا عن خصوص الطرفين دون الثوب الملاقي لأحدهما ؛ لعدم كون الاجتناب عنه مقدمة علمية لامتثال خطاب «اجتنب عن النجس» المعلوم إجمالا المردد بين الإناءين. واحتمال نجاسة الملاقي وإن كان موجودا ؛ إلا إنه على تقدير نجاسته يتوقف وجوب الاجتناب عنه على خطاب آخر غير الخطاب المعلوم بالإجمال وهو «اجتنب عن ملاقي النجس» ، ولما كانت ملاقاة النجس مشكوكة لأنه لاقى محتمل النجاسة ولم يلاق النجس المعلوم فتوجه خطاب آخر أعني : «اجتنب عن الملاقي للنجس» إلى المكلف غير معلوم ، ومقتضى الأصل الموضوعي أعني : استصحاب عدم الملاقاة للنجس أو الأصل الحكمي كاستصحاب الطهارة أو قاعدتها هو عدم وجوب الاجتناب عنه لسلامة أصله من التعارض والحكومة ، فإن الشك في نجاسته وإن كان ناشئا من الشك في نجاسة الملاقي ومسببا عنه ، ومقتضى حكومة الأصل السببي على المسببي عدم جريان الأصل فيه ؛ إلا إن سقوط أصل الملاقى بالمعارضة مع أصل طرفه أوجب سلامة الأصل وجريانه في ملاقيه بلا مانع من التعارض والحكومة.

لا يقال : إنه يحدث بالملاقاة علم إجمالي آخر طرفاه الملاقي ـ بالكسر ـ وهو الثوب في المثال المذكور وعدل الملاقى ـ بالفتح ـ وهو الإناء الأبيض ، وهو يوجب الاجتناب عن الملاقي أعني : الثوب أيضا ، ولا يجري الأصل النافي فيه للتعارض ، كما لا يجري في الأصلين.

فإنه يقال : إن هذا العلم الإجمالي وإن كان يحدث حينئذ قطعا ؛ لكنه غير مؤثر في توجيه الخطاب بالملاقي ، لتنجز أحد طرفيه ـ أعني به عدل الملاقى ـ بمنجز سابق وهو العلم الإجمالي الأول الدائر بين الأصلين ، فلا أثر للعلم الإجمالي الثاني في تنجزه من جديد ؛ لعدم تنجز المنجز ثانيا.

هذا مجمل الكلام حول عدم تنجز التكليف بالعلم الإجمالي الثاني بالنسبة إلى الملاقي.

٣٦٦

فإنه (١) إذا اجتنب عنه وطرفه (٢) اجتنب عن النجس في البين قطعا ، ولو (٣) لم يجتنب عما يلاقيه ، فإنه (٤) على تقدير نجاسته لنجاسته (٥) كان فردا آخر من النجس قد شك في وجوده كشيء آخر شك في نجاسته بسبب آخر (٦).

ومنه (٧) ظهر : أنه لا مجال لتوهم أن ...

______________________________________________________

(١) هذا تعليل لوجوب الاجتناب عن الملاقى دون ملاقيه ، وقد عرفت توضيحه مفصلا. وضمير «فإنه» إما راجع على المكلف ، وإما للشأن.

(٢) بالجر عطف على ضمير «عنه» وضمير «عنه» راجعان على الملاقى.

والمراد بقوله : «عن النجس» هو النجس المعلوم إجمالا.

(٣) كلمة «لو» وصلية ، يعني : حتى إذا لم يجتنب عن الملاقي ، ولكن اجتنب عن الملاقى وطرفه ؛ لما عرفت : من أن ملاقيه على تقدير نجاسته فرد آخر للنجس ، وليس مما ينطبق عليه المعلوم بالإجمال حتى يشمله خطابه ويتوقف امتثاله على اجتناب ما يلاقي بعض الأطراف.

(٤) تعليل لتحقق امتثال خطاب «اجتنب عن النجس» بمجرد الاجتناب عن الأصلين ، من دون توقفه على الاجتناب عن الملاقي.

(٥) أي : لنجاسة الملاقى ، وضميرا «فإنه ، نجاسته» راجعان على الملاقي ، وقوله : «كان» خبر «فإنه».

(٦) يعني : كشيء آخر لا علاقة له بالطرفين ولا بالملاقي ، حيث لا يجب الاجتناب عنه فيما إذا شك في نجاسته بسبب آخر غير ملاقاته ببعض أطراف العلم الإجمالي ؛ كما إذا شك ـ بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين بالبول مثلا ـ في نجاسة العباءة بالدم أو غيره ، فإن من الواضح عدم توقف اليقين بامتثال «اجتنب عن النجس» المردد بين الإناءين على اجتناب العباءة ؛ لتعدد الخطاب.

هذا كله بناء على أن يكون الاجتناب عن الملاقي للنجس للتعبد وكونه موضوعا آخر. وأما بناء على السراية فسيأتي فانتظر.

(٧) أي : ومن كون الملاقي لبعض الأطراف على تقدير نجاسته بإصابته للنجس واقعا فردا آخر للنجس ، لا علاقة له بأطراف المعلوم بالإجمال حتى يتوقف امتثاله على اجتنابه أيضا ظهر : أنه لا وجه لتوهم اقتضاء نفس دليل وجوب الاجتناب عن النجس لوجوب الاجتناب عن ملاقيه ، بدعوى : أن الملاقي من شئون الملاقى.

وهذا الكلام من المصنف إشارة إلى القول بوجوب الاجتناب عن ملاقي النجس

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المعلوم بالعلم الإجمالي «ولذا استدل السيد أبو المكارم في الغنية (١) على تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دل على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(٢). ويدل عليه أيضا ما في بعض الأخبار من الاستدلال على حرمة الطعام الذي ماتت فيه فارة بأن الله سبحانه حرم الميتة ، فإذا حكم الشارع بوجوب هجر كل واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر كل ما لاقاه ...» (٣).

وكيف كان ؛ فلا بد أوّلا من بيان ما استدل به على توهم وجوب الاجتناب عن الملاقي ، وثانيا من الجواب عن الاستدلال عليه.

وحاصل الاستدلال على التوهم هو : دعوى الملازمة بين المتلاقيين في الحكم ، وقد قيل في وجه ذلك أمران :

أحدهما : ظهور الآية المباركة في الملازمة بين وجوب هجر عين النجس والاجتناب عنه ، وبين وجوب هجر ما يلاقيه ، ولو لا هذا الظهور لم يتجه استدلال السيد أبي المكارم «قدس‌سره» ـ على انفعال الماء القليل بملاقاة النجاسة ووجوب الاجتناب عنه ـ بالآية الشريفة.

وجه الظهور : لزوم هجر النجس بتمام شئونه وتوابعه ، ومن توابعه ملاقيه فيجب هجره أيضا.

ثانيهما : رواية جابر الجعفي عن أبي جعفر «عليه‌السلام» قال «أتاه رجل فقال : وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت ، فما ترى في أكله؟ قال : فقال أبو جعفر «عليه‌السلام» : لا تأكله ، فقال له الرجل : الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها ، فقال «عليه‌السلام» : إنك لم تستخف بالفارة وإنما استخففت بدينك ، إن الله حرّم الميتة من كل شيء» (٤).

وتقريب دلالتها على المدعى ـ أعني به : كون نجاسته الملاقي للميتة عين نجاسة الميتة وحرمته عين حرمتها ـ هو : أن الإمام «عليه‌السلام» علل حرمة أكل السمن الملاقي للميتة بقوله : «إن الله حرم الميتة من كل شيء» ، فلو لا أن وجوب الاجتناب عن الشيء مستلزم لوجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضا لم يكن لهذا التعليل وجه ، ضرورة : أن أكل الطعام

__________________

(١) غنية النزوع : ٤٢.

(٢) المدثر : ٥.

(٣) فرائد الأصول ٢ : ٢٣٩.

(٤) تهذيب الأحكام ١ : ٤٢٠ / ١٣٢٧ ، الاستبصار ١ : ٢٤ / ٦٠.

٣٦٨

قضية (١) تنجز الاجتناب عن المعلوم هو الاجتناب عنه أيضا (٢).

ضرورة (٣) : أن العلم به إنما يوجب تنجز الاجتناب عنه (٤) لا تنجز الاجتناب عن

______________________________________________________

الملاقي للميتة ليس استخفافا بتحريم الميتة ؛ بل هو استخفاف بحرمة أكل ملاقي الميتة الثابت بدليل آخر ، فالتعليل بحرمة الميتة لا يتجه إلا بكون حرمة ملاقي الميتة هي حرمة نفس الميتة.

والمتحصل : أن مقتضى هذا الأمر والوجه هو نجاسة الملاقي. وعليه فلا بد من الاجتناب عن ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة.

هذا تمام الكلام في توضيح الاستدلال على توهم وجوب الاجتناب عن الملاقي.

فأما الجواب عن الاستدلال المذكور : فلمنع كلا الأمرين :

فأما الأمر الأول : فلأن الأمر بالهجر تعلق بعين الرجز ، لا بما هو أعم من العين والملاقي.

وأما الأمر الثاني : فلضعف الرواية سندا ودلالة.

وأما الأول : فبعمرو بن شمر ، حيث أن النجاشي (١) ضعّفه بقوله : «ضعيف جدا».

وأما الثاني : فبأن ظاهرها الملازمة بين حرمة الشيء سواء كان نجسا أم طاهرا وبين حرمة ملاقيه ؛ لأن الميتة المحرمة لا تختص بالنجسة وهي ميتة الحيوان الذي له نفس سائله ، وليس هذا هو المدعى الذي استدل عليه بهذه الرواية ؛ بل المدعى هو الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه ، فالاستدلال بها على المطلوب منوط باختصاص الحرام بما إذا كان نجسا ، وأما إذا كان طاهرا ـ كميتة الحيوان الذي ليس له دم سائل ـ فلا يكون ملاقيه حراما وواجب الاجتناب ، وهذا خارج عن طريق الاستدلال بالرواية.

وعليه : فبعد قصور الدليل عن إثبات نجاسة الملاقي تعيّن الالتزام بمذهب المشهور من كون نجاسة الملاقي ووجوب الاجتناب عنه لأجل التعبّد الخاص ، لا لتبعيته للملاقى أو بمذهب المصنف من التفصيل بين الصور الثلاث كما عرفت توضيح ذلك.

(١) أي : أن مقتضى مثل : «والرجز فاهجر» هو الاجتناب عن النجس المعلوم إجمالا بين الطرفين ، وعن الملاقي لأحدهما ، فضمير «عنه» راجع على الملاقي.

(٢) يعني : كما يجب الاجتناب عن الملاقى.

(٣) تعليل لقوله : «لا مجال» وحاصله : منع الاقتضاء المزبور ، لما عرفت من بطلان مبنى هذا القول.

(٤) هذا الضمير وضمير «به» راجعان على النجس.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٨٧ / ٧٦٥ ، خلاصة الأقوال : ٣٧٨ / ٦.

٣٦٩

فرد آخر (١) لم يعلم حدوثه ؛ وإن احتمل.

وأخرى (٢) : يجب الاجتناب عما لاقاه دونه فيما لو علم إجمالا نجاسته (٣) أو نجاسة شيء آخر ، ثم حدث العلم بالملاقاة والعلم (٤) بنجاسة الملاقي أو ذاك الشيء (٥) أيضا (٦) ، فإن (٧) حال الملاقي في هذه الصورة بعينها بعين ما لاقاه في الصورة السابقة

______________________________________________________

(١) وهو الملاقي ، و «لم يعلم» صفة ل «فرد آخر» يعني : لم يعلم بعلم إجمالي منجز ، وإلا فكون الملاقي موردا لعلم إجمالي آخر حادث بينه وبني طرف الملاقى غير قابل للإنكار ؛ لكنه لا أثر له بعد تنجز العلم الإجمالي الأول الحاصل بين الملاقى وطرفه. وقد عرفت : أن من شرائط مجزية العلم الإجمالي عدم سبق تنجز التكليف إلى بعض الأطراف بمنجّز شرعي أو عقلي. وضمير «حدوثه» راجع على فرد آخر وضمير «احتمل» راجع على حدوثه.

وقد تحصل مما أفاده المصنف في الصورة الأولى وهي الاجتناب عن الملاقى : أن الملاقي على تقدير تنجسه بالملاقاة موضوع آخر لخطاب وجوب الاجتناب ، ومخالفة هذا الخطاب وموافقته أجنبيتان عن إطاعة خطاب الملاقى وعصيانه كما عرفت مفصلا.

(٢) عطف على قوله : «تارة» ، وإشارة إلى الصورة الثانية وهو وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى ، واقتصر المصنف في الفوائد على ذكر المورد الثاني المذكور هنا ، ولم يتعرض للمورد الأول ، ولما كان حكمه بلزوم الاجتناب عن الملاقي دون الملاقي مستبعدا في بادئ النظر ، إذ الملاقي هو المنشأ لاحتمال نجاسة الملاقي ووجوب الاجتناب عنه ، فالحكم به في الملاقي دون الملاقى كأنه من قبيل زيادة الفرع على الأصل ، كان اللازم بيان مقصود المصنف «قدس‌سره» ، كما هو حقه حتى يظهر حال بعض الإشكالات التي توجهت عليه ، وقد ذكر «قدس‌سره» لهذه الصورة الثانية موردين ، وتقدم الكلام فيها فلا حاجة إلى تكرارهما ، وقد أضربنا عن تطويل الكلام في المقام رعاية للاختصار.

(٣) الضمير راجع على الموصول في «عما لاقاه» المراد به الملاقي ، وضمير «دونه» راجع على الملاقي.

(٤) هذا هو العلم الإجمالي الثاني الذي في المثال السابق بين الإناء الأحمر والأبيض فاقدا لشرائط التنجيز.

(٥) المراد به عدل الملاقي وهو الإناء الأبيض في المثال المتقدم ، وفرضنا أن الملاقى هو الإناء الأحمر والملاقي هو الثوب.

(٦) يعني : كما حصل العلم الإجمالي أولا بين الملاقي وطرفه أي : الإناء الأبيض.

(٧) تعليل لقوله : «يجب الاجتناب عما لاقاه دونه» والوجه في كون الملاقى في هذه

٣٧٠

في عدم كونه طرفا للعلم الإجمالي (١) ، وأنه (٢) فرد آخر على تقدير نجاسته واقعا غير معلوم النجاسة أصلا ، لا إجمالا ولا تفصيلا (٣). وكذا (٤) لو علم بالملاقاة ، ثم حدث

______________________________________________________

الصورة كالملاقي في الصورة السابقة في عدم الاجتناب عنه ما تقدم من تنجّز وجوب الاجتناب عن طرفه وهو الإناء الأبيض بالعلم الإجمالي الأول الحادث سابقا بينه وبين الملاقي أعني : الثوب ، فيكون العلم الإجمالي الثاني الحادث لاحقا بين الملاقى أي : الأحمر وطرفه أي : الأبيض فاقدا لصفة التنجيز بالنسبة إليهما ، فلا يجب الاجتناب عنهما بلحاظ هذا العلم ، وإنما يجب الاجتناب عن الإناء الأبيض باعتبار كونه طرفا للعلم الإجمالي الأوّل المنجّز.

(١) أي : العلم الإجمالي المنجّز.

(٢) عطف على «عدم» ، وضميره وضمير «كونه» راجعان على الملاقى.

(٣) أما تفصيلا : فواضح ، وأما إجمالا : فلما عرفت من عدم كون الملاقى طرفا لعلم إجمالي منجّز.

(٤) يعني : يجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى ، وهو إشارة إلى المورد الثاني من الصورة الثانية ، وهي ما يجب فيه الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى وهو حصول العلم بالملاقاة ، ثم العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقي ، وخروج الملاقى عن محل الابتلاء ، وصيرورته مبتلى به ثانيا ، توضيحه : أن إذا علمنا ـ في المثال السابق ـ بنجاسة الثوب أو الإناء الأحمر ثم بملاقاة الثوب للإناء الأحمر في الساعة الأولى ، وخرج الإناء الأحمر الملاقى عن محل الابتلاء ، ثم علمنا في الساعة الثانية بنجاسة الثوب الملاقي أو الإناء الأبيض ، ثم صار الأبيض مبتلى به ثانيا وجب الاجتناب عن الثوب الملاقي والإناء الأبيض دون الإناء الأحمر الملاقى.

والوجه في ذلك : أما وجوب الاجتناب عن الثوب والإناء الأبيض فلتنجز العلم الإجمالي الثاني الحاصل في الساعة الثانية بين نجاسته ونجاسة الإناء الأبيض ، فيكون الاجتناب عن كل منهما مقدمة علمية لامتثال خطاب «اجتنب عن النجس» المردد بينهما. وأما عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى ـ أي : الإناء الأحمر ـ فلعدم توجه تكليف اليد ، لعدم كونه طرفا لعلم إجمالي منجز ، أما بالنسبة إلى العلم الإجمالي الأول الذي كان بينه وبين الثوب فلخروجه عن محل الابتلاء ، وقد عرفت في التنبيه الثاني : أن الخروج عن محل الابتلاء مانع عن فعلية التكليف ، وأن من شروط تنجز العلم الإجمالي الابتلاء بجميع الأطراف ، وأما بالنسبة إلى العلم الثاني الحاصل في الساعة الثانية بين

٣٧١

العلم الإجمالي ، ولكن كان الملاقى خارجا عن محل الابتلاء في حالة حدوثه (١) ، وصار مبتلى به بعده. وثالثة : يجب الاجتناب عنهما (٢) فيما لو حصل العلم الإجمالي

______________________________________________________

ملاقيه ـ أعني : وبين الإناء الأبيض فهو وإن كان منجزا ، لكنه ـ أي : الملاقى ليس طرفا له.

وأما بالنسبة إلى العلم الإجمالي الأول ـ بعد صيرورته مبتلى به ثانيا ـ فلأن تنجز العلم الإجمالي الثاني يكون مانعا عن تنجزه ، لما عرفت سابقا من : أن المنجّز لا يتنجز ثانيا ، ولا يحدث بضمه ـ بعد الابتلاء به ثانيا ـ إلى الأبيض فردا آخر من المشبه يكون الاجتناب عنه مقدمة علمية لامتثال علم إجمالي منجز ، لاحتمال أن يكون النجس الواقعي هو الإناء الأبيض ، فلا يعلم حدوث خطاب ب «اجتنب عن النجس» مردد بينه وبين الإناء الأبيض حتى يكون الاجتناب عنه مقدمة علمية لامتثاله.

فالمتحصل : أن العلم الإجمالي في هذا المورد الثاني من الصورة الثانية غير منجز بالنسبة إلى الملاقى ، كما كان كذلك في المورد الأول منها ، وكالملاقي في الصورة الأولى.

فإن قلت : العلم الإجمالي بوجود النجس بين الملاقى والطرف قد حصل حسب الفرض ، وهو يقتضي تنجز وجوب الاجتناب عنهما فعلا بشرط الابتلاء بهما ، فإذا حصل الشرط ودخل الملاقى في الابتلاء فقد أثر العلم أثره ، وإلا لزم انفكاك العلة التامة ـ وهو العلم الإجمالي بوجود النجس عن معلولها وهو التنجيز ، أو عدم كون العلم بوجود النجس المبتلى علّته ، وهو خلف.

قلت : التكليف بوجوب الاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين الملاقي ـ الثوب ـ وطرفه قبل الابتلاء بالملاقى ـ وهو الإناء الأحمر ـ منجز يجب الاجتناب عن طرفيه من باب المقدمة العلمية ، وبعد الابتلاء بالملاقي لم يعلم حدوث تكليف آخر بالاجتناب عن الملاقي أو الطرف حتى ينتجز بحصول شرط التنجيز وهو الابتلاء ، لفرض قصور هذا العلم عن التأثير بعد تنجّز حكم الطرف بالعلم الأول ، فلا مقتضى لتنجيز العلم الثاني الحاصل بين الملاقى المبتلى به وطرفه ، فضلا عن يكون علّة تامّة له حتى يجب الاجتناب عن الملاقي من باب المقدمة العلمية. وتركنا ما في المقام من التطويل في الكلام رعاية للاختصار.

(١) أي : حدوث العلم الإجمالي ، وضمير «بعده» راجع على حدوثه ، واسم «صار» ضمير راجع على الملاقى.

(٢) أي : عن الملاقى والملاقي. وقوله : «وثالثة» إشارة إلى الصورة الثالثة التي حكم المصنف «قدس‌سره» فيها بوجوب الاجتناب عن المتلاقيين والطرف ، وهو فيما إذا كانت

٣٧٢

بعد العلم بالملاقاة ، ضرورة (١) : أنه حينئذ (٢) نعلم إجمالا إما بنجاسة الملاقى والملاقي ، أو بنجاسة شيء آخر كما لا يخفى ، فيتنجز التكليف بالاجتناب عن النجس في البين ، وهو الواحد (٣) أو الاثنان (٤).

______________________________________________________

الملاقاة قبل العلم الإجمالي بوجود النجس بين الملاقى وطرفه ، كما إذا علم أولا بملاقاة ثوب للإناء الأحمر ، ثم علم إجمالا بإصابة النجس ـ قبل الملاقاة ـ لأحد الإناءين الأحمر والأبيض ، فيجب الاجتناب عن الجميع ، للعلم بتعلق خطاب الاجتناب إما عن الملاقي والملاقى وهما الثوب والإناء الأحمر ، وإما عن الإناء الأبيض الذي هو طرف الملاقى ، فيجب الاجتناب عن كل واحد من الثلاثة مقدمة لحصول العلم بموافقة خطاب «اجتنب عن النجس أو المتنجس» المفروض تنجزه بهذا العلم الإجمالي.

فالمقام نظير العلم الإجمالي بإصابة النجس لإناء كبير أو لإناءين صغيرين في كونه موجبا لوجوب الاجتناب عن الثلاثة.

وعليه فتقدم العلم بالملاقاة على العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي وطرفه يجعل المتلاقيين معا طرفا من أطراف العلم الإجمالي ، والمفروض عدم وجود المانع من منجّزية هذا العلم ؛ لعدم تنجز التكليف قبله بمنجز آخر في بعض الأطراف حتى لا يؤثر هذا العلم الذي له أطراف ثلاثة في التنجيز.

وهذا بخلاف الصورتين المتقدمتين ، فإنه قد سبق التنجز إلى الملاقي والطرف في الصورة الأولى ، وإلى الملاقي والطرف في الصورة الثانية.

وبالجملة : فالعلم الإجمالي هنا بالنسبة إلى الجميع من المتلاقيين والطرف منجز بلا إشكال.

(١) تعليل لوجوب الاجتناب عن المتلاقيين وطرف الملاقى ، وقد عرفته.

(٢) يعني : حين حدوث العلم بالملاقاة الحاصل قبل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما.

(٣) كالإناء الأبيض في المثال ، وضمير «هو» راجع على «النجس».

(٤) وهما المتلاقيان ، كالثوب والإناء الأحمر في المثال المذكور.

لكن هذا إذا كان الملاقي ـ بالكسر ـ في حال العلم محلا للابتلاء ، أما لو لم يكن كما لو لاقى الأحمر إناء فعلمت في حال كون ذلك الإناء خارجا عن محل الابتلاء بنجاسة الواحد أو الاثنين ، ثم صار محلا للابتلاء وجب الاجتناب عن الإناءين الأحمر والأبيض دون ذلك الملاقي ـ بالكسر ـ لما تقدم في الصورة الثانية القائلة بوجوب الاجتناب عن الملاقي ـ بالكسر ـ دون الملاقى ـ بالفتح.

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والكلام في المقام يحتاج إلى بسط خارج عن وضع هذا المختصر ، فتركنا ما في المقام من بسط الكلام رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان ما هو محل الكلام في هذا التنبيه فيقال : إن الكلام إنما هو فيما إذا كانت الملاقاة مختصة ببعض الأطراف ؛ لأن ملاقي جميع الأطراف معلوم النجاسة ، فيكون خارجا عن محل النزاع ، وكذا فرض الملاقيين بأن يكون لكل طرف ملاق حيث لا إشكال حينئذ في وجوب الاجتناب عن كلا الملاقيين كوجوب الاجتناب عن نفس الطرفين ، فهذا الفرض أيضا خارج عن محل الكلام.

٢ ـ قد وقع الخلاف في حكم ملاقي بعض أطراف المشتبهين بالنجس.

فهناك وجوه ؛ بل أقوال :

الأول : ما حكي عن العلامة في المنتهى وابن زهرة في الغنية من تنجّس الملاقي ووجوب الاحتياط مطلقا.

الثاني : ما عن المشهور من عدم تنجّس ملاقي النجس مطلقا.

الثالث : ما هو مختار المصنف «قدس‌سره» من التفصيل بين صور ثلاث.

ثم القول الأوّل والثاني مبنيان على أن وجوب الاجتناب عن النجس هل هو من شئون الحكم وهو وجوب الاجتناب عن الملاقى أو من جهة تحقق الموضوع وهو التنجّس بالملاقاة؟ فعلى الأول : يجب الاجتناب عن ملاقي أحد الطرفين لتحقق الحكم بوجوب الاجتناب في الملاقى.

وعلى الثاني : لا يجب الاجتناب عن الملاقي ؛ وذلك لعدم العلم بالملاقاة للنجس ؛ لأن المفروض : أن الحكم بوجوب الاجتناب في الملاقي تابع لتحقق نجاسته بالملاقاة مع النجس وهي مشكوكة ، فتجرى فيه أصالة الطهارة والحلية.

٣ ـ أما الاستدلال على القول بوجوب الاجتناب عن الملاقي فلوجهين :

أحدهما : ظهور الآية المباركة ـ أعني : قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ـ في الملازمة بين هجر عين النجس وهجر ما يلاقيه.

وجه الظهور : لزوم هجر النجس بتمام شئونه وتوابعه ، ومن توابعه ملاقيه فيجب هجره أيضا.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : رواية جابر الجعفي عن أبي جعفر «عليه‌السلام» حيث فيها قوله «عليه‌السلام» : «إن الله حرم الميتة من كل شيء» ، بتقريب : أن الإمام «عليه‌السلام» علل حرمة أكل السمن الملاقي للميتة بقوله : «إن الله حرم الميتة من كل شيء» فلو لا وجوب كون الاجتناب عن الشيء مستلزما لوجوب الاجتناب عن ملاقيه أيضا لم يكن لهذا التعليل وجه ، فالتعليل بحرمة الميتة لا يتجه إلا بكون حرمة ملاقي الميتة هي حرمة نفس الميتة.

وعليه : فلا بد من الاجتناب عن ملاقي بعض أطراف الشبهة المحصورة.

الجواب عن الاستدلال المذكور : هو المنع عن كلا الوجهين :

أمّا الاستدلال بالآية المباركة : فلأن الأمر بالهجر تعلق بعين الرجز لا بما هو أعم من العين والملاقي.

٤ ـ توضيح ما هو مختار المصنف «قدس‌سره» من التفصيل يتوقف على مقدمة وهي : بيان صور ثلاث :

الأولى : هي ما إذا تقدم العلم الإجمالي بنجاسة أحد الطرفين وتأخرت الملاقاة والعلم بها ، ففي هذه الصورة يجب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي.

الثانية : هي ما إذا لاقى ثوب الإناء الأحمر ، ثم غفل المكلف عن هذه الملاقاة إلى أن علم إجمالا بنجاسة الثوب أو الإناء الأبيض ، ثم ارتفعت الغفلة وعلم بالملاقاة سابقا ، ثم علم إجمالا بالعلم الإجمالي الثاني بنجاسة الإناء الأحمر أو الأبيض ، فوجب الاجتناب عن الملاقي ـ الثوب ـ والإناء الأبيض دون الملاقى وهو الإناء الأحمر. هذا هو المورد الأول.

والمورد الثاني : هو ما إذا لاقى ثوب أحد الإناءين ثم علم إجمالا بنجاسته أحدهما ، وقد خرج الملاقى ـ بالفتح ـ عن محل الابتلاء حين العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين ، فوجب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى في هذين الموردين.

الثالثة : هي ما إذا لاقى ثوب أحد الإناءين ، ثم علم إجمالا بنجاسته أحدهما مع فرض كلا الإناءين محل الابتلاء ، فيجب الاجتناب عن الملاقي والملاقى معا.

٥ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

هو التفصيل بين الصور الثلاث :

١ ـ وجوب الاجتناب عن الملاقى دون الملاقي في الصورة الأولى.

٢ ـ وجوب الاجتناب عن الملاقي دون الملاقى في الصورة الثانية.

٣ ـ وجوب الاجتناب عنهما معا في الصورة الثالثة.

٣٧٥

المقام الثاني (١):

في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، والحق أن العلم الإجمالي بثبوت

______________________________________________________

الأقل والأكثر الارتباطيان

(١) يعني : من الشك في المكلف به ، فإن المقام الأول منه كان في دوران الأمر بين المتباينين ، والمقام الثاني منه يكون في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في المقام.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : بيان أمور :

الأول : بيان الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر الارتباطيين.

وحاصل الفرق بينهما : أن المتباينين ما لا ينطبق أحد طرفي الترديد على الطرف الآخر كالظهر والجمعة والصوم والإطعام إذا تردد المكلف به بينهما ، ويتحقق الاحتياط بالجمع بينهما.

وأما الأقل والأكثر : فطرفا الترديد يمكن اجتماعهما بالإتيان بالأكثر ، فيتحقق الاحتياط بالإتيان بالأكثر.

الثاني : هو بيان الفرق بين الأقل والأكثر الارتباطيين والأقل والأكثر الاستقلاليين.

وحاصل الفرق بينهما : أن المركب الارتباطي يتألف من أشياء يكون بين الأوامر المتعلقة بها ملازمة ثبوتا وسقوطا ؛ كتلازم الأغراض والملاكات الداعية إلى تلك الأوامر التي هي أمر واحد حقيقة منبسط على تلك الأشياء. والمركب الاستقلالي يتألف من أشياء يتعلق بها أوامر لا ملازمة بينها ثبوتا وسقوطا ؛ بل يكون لكل منها إطاعة مستقلة.

وعليه : فالحكم في المركب الارتباطي واحد وفي الاستقلالي متعدد ، فأمر التكبير وغيرها من أجزاء الصلاة ـ التي هي من المركبات الارتباطية ـ لا يسقط إلا مع سقوط أوامر سائر أجزائها من الركوع والسجود والقراءة والتشهد والتسليم وغيرها من الأجزاء.

ولأجل هذا الارتباط : عدّ المقام من صور الشك في المكلف به ، فلو علم إجمالا بوجوب الصلاة وتردد متعلقه بين تسعة أجزاء وعشرة ، فإن مقتضى الارتباطية عدم سقوط أمر الصلاة لو أتى بها مجردة عن مشكوك الجزئية على تقدير جزئيته واقعا.

وهذا بخلاف الاستقلاليين ، فإن وجود الأكثر ـ على تقدير وجوبه واقعا ـ غير معتبر في صحة الأقل وسقوط أمره ، فإن الأمر بالأقل نفسي استقلالي أيضا ، ويترتب الغرض عليه مطلقا ولو مع عدم تحقق الأكثر ؛ نظير الدين وقضاء الفوائت وقضاء صوم رمضان إذا ترددت بين الأقل والأكثر ، فإن أداء الأقل من الدين وقضاء الفوائت وقضاء صوم

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

شهر رمضان يوجب سقوط أوامرها وإن كان الأكثر واجبا واقعا ، ولزم امتثاله أيضا ، حيث إن وجوبه استقلالي كوجوب الأقل ، فلا يعتبر في سقوطه إطاعة الأمر بالأكثر.

والحاصل : أن وحدة التكليف في الارتباطيين وتعدده في الاستقلاليين المستلزم لتعدد الإطاعة والعصيان هو الفارق بينهما.

الثالث : أن نزاع الأقل والأكثر الارتباطيين كما يجري في الشبهات الوجوبية مثل الصلاة كذلك يتصور في الشبهات التحريمية ، ويمكن التمثيل له بحرمة تصوير تمام الجسم من ذوات الأرواح ، فإن الأقل منهما وهو تصوير بعضه مشكوك الحرمة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام في هذا المقام الثاني هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهات الوجوبية ، وأما دوران الأمر بين الاستقلاليين فهو خارج عن محل الكلام ؛ لرجوع الشك فيه إلى الشك في أصل التكليف ، فتجري فيه البراءة بلا خلاف وإشكال ، وكذا دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهات التحريمية خارج عن محل النزاع للعلم بحرمة الأكثر ، فلا بد من تركه.

وكيف كان فمحل الكلام هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهات الوجوبية.

وفيه ثلاثة أقوال :

الأول : ما اختاره الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» من جريان البراءة العقلية والنقلية في الأكثر حيث قال : «فالمختار جريان أصل البراءة ، ولنا على ذلك حكم العقل وما ورد من النقل». «دروس في الرسائل ، ج ٣ ، ص ٤٠٢».

الثاني : عدم جريان شيء منهما ؛ بل الحكم هو وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر وهو المنسوب إلى المحقق السبزواري على ما حكاه عنه الشيخ بقوله : «بل الإنصاف أنه لم أعثر في كلمات من تقدم على المحقق السبزواري على من يلتزم بوجوب الاحتياط في الأجزاء والشرائط». «دروس في الرسائل ، ج ٣ ، ص ٤٠٢».

الثالث : التفصيل بين البراءة العقلية والشرعية ، بجريان الثانية دون الأولى ، فلا بد من الاحتياط عقلا ، وهذا هو مختار المصنف في كفاية الأصول. هذا تمام الكلام في تحرير محل النزاع ومجمل الأقوال في المقام.

وكيف كان ؛ فللمصنف دعويان :

الدعوى الأولى : عدم جريان البراءة العقلية.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الدعوى الثانية : جريان البراءة الشرعية.

والدعوى الأولى مبنية على عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ؛ لأن أساس القول بالبراءة على الالتزام بانحلال العلم الإجمالي وعدم تأثيره.

والمصنف أنكر الانحلال وقال باستحالته بوجهين :

الأول : أن الانحلال يستلزم الخلف.

والثاني : أنه يستلزم التناقض حيث يلزم من فرض الانحلال عدم الانحلال وكلاهما محال.

وأما استلزامه الخلف : فلأن المفروض توقف الانحلال على تنجّز وجوب الأقل على كل تقدير ، سواء كان الواجب الواقعي هو الأقل أو الأكثر مع إنه ليس كذلك ، فإن الواجب الواقعي لو كان هو الأكثر لم يكن وجوب الأقل منجزا ؛ إذ وجوب الأقل حينئذ يكون مقدميا ومن باب تبعية وجوب المقدمة لوجوب ذي المقدمة في التنجز ، والمفروض : عدم تنجز وجوب ذي المقدمة وهو الأكثر لجريان البراءة فيه على الفرض ، فليس وجوب الأقل ثابتا على كل تقدير ، مع أن المعتبر في الانحلال وجوبه كذلك ، وهذا خلاف الفرض.

وأما لزوم محذور عدم الانحلال من الانحلال فتوضيحه : أن انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشك البدوي موقوف على العلم بوجوب الأقل تفصيلا ، وهذا العلم التفصيلي موقوف على تنجز وجوب الأقل مطلقا نفسيا كان أو غيريا ، وتنجز وجوبه الغيري يقتضي تنجز وجوب الأكثر نفسيا حتى يترشح منه الوجوب على الأقل ويصير واجبا غيريا.

ولا يخفى أن تنجز وجوب الأكثر يقتضي عدم الانحلال ، فيلزم من الانحلال عدم الانحلال وهو محال.

هذا تمام الكلام في الوجه الأول الذي استدل به المصنف على لزوم الاحتياط عقلا.

وأما الوجه الثاني على وجوب الاحتياط عقلا : فقد أشار إليه بقوله : «مع أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يكاد يحرز إلا بالأكثر».

وتوضيح الاستدلال بالوجه الثاني على وجوب الاحتياط عقلا يتوقف على مقدمة وهي : أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والأغراض على مذهب العدلية.

٣٧٨

التكليف بينهما (١) أيضا (٢) يوجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر (٣) ؛ لتنجزه به (٤) حيث (٥) تعلق بثبوته فعلا.

وتوهم انحلاله (٦) إلى العلم بوجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الأكثر

______________________________________________________

فلا بد من تحصيل غرض المولى بحكم العقل ، فيجب الإتيان بما يحققه ويحصل به الغرض.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن المقام من صغريات الشك في المحصل وهو مجرى الاحتياط بالاتفاق ، فيجب الإتيان بالأكثر للزوم تحصيل الغرض ، وهو لا يحصل إلا بإتيان الأكثر وهذا معنى الاحتياط في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح استدلال المصنف على وجوب الاحتياط عقلا في المقام ، وهناك كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، وهذا شروع في الاستدلال على مختاره من لزوم الاحتياط عقلا ، وأما جريان البراءة شرعا فسيأتي بعد الفراغ من الاستدلال على وجوب الاحتياط عقلا بالوجهين ، وقد عرفت توضيحهما على وجوب الاحتياط عقلا فلا حاجة إلى التكرار والإعادة.

(٢) أي : كما أن العلم بثبوت التكليف بين المتباينين يوجب الاحتياط.

(٣) قيل : إن مفروض الكلام هو : ما إذا لم يكن الزائد المحتمل وجوبه من الأركان التي يبطل الكل بتركه مطلقا عمدا أو سهوا أو نسيانا كالركوع في الصلاة ؛ بل مثل السورة فيها ، لكنه لا يخلو من التأمل ؛ إذ لا فرق في جريان البراءة على القول به بين كون مجراها محتمل الركنية أو غيره كما هو مقتضى إطلاق دليلها.

(٤) أي : لتنجز التكليف بالأكثر بالعلم الإجمالي.

(٥) تعليل لقوله : «لتنجزه» وحاصله : أن علة تنجز التكليف الموجب للاحتياط عقلا هي كون العلم الإجمالي هنا واجدا لشرط التنجيز وهو العلم بالتكليف الفعلي ، فلا محيص حينئذ من تحصيل العلم بالفراغ بإتيان الأكثر.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(٦) أي : انحلال العلم الإجمالي. هذا إشارة إلى كلام الشيخ الأنصاري القائل بالانحلال وجريان البراءة العقلية والنقلية في المقام ، واستدل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان

٣٧٩

بدوا ، ضرورة (١) : لزوم الإتيان بالأقل لنفسه شرعا أو لغيره كذلك (٢) أو عقلا ،

______________________________________________________

وبأحاديث البراءة ، وذكرنا أن القول بالبراءة يكون مبنيا على انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالنسبة إلى الأكثر ، فالشيخ يقول بانحلال العلم الإجمالي وصيرورة الشبهة بدوية بالنسبة إلى الأكثر.

«وتوهم انحلاله» إشارة إلى قول الشيخ الأنصاري ، ثم حكم المصنف بفساد هذا التوهم بقوله : «فاسد» وقد عرفت : فساد الانحلال بالوجهين اللذين تقدم توضيحهما.

وأما توهم الانحلال المستلزم للبراءة بالنسبة إلى الأكثر فتوضيحه : أن العلم الإجمالي بالوجوب النفسي المردد بين الأقل والأكثر ينحل بوجوب الأقل تفصيلا إما بوجوب نفسي لو كان هو المأمور به ، وإما بوجوب غيري لو كان المأمور به هو الأكثر ، فاجتمع علمان في الأقل أحدهما العلم التفصيلي بتعلق إلزام المولى ، وثانيهما العلم الإجمالي بوجهه ، وهو تردده بين النفسي والغيري ، والمعتبر في الانحلال هو العلم التفصيلي بالإلزام في أحد الطرفين وإن لم يعلم وجهه ، إذ الموضوع لحكم العقل باشتغال الذمة هو العلم بذات الوجوب ، وأما العلم بخصوصيته فلا يعتبر فيه.

وعليه : فالتكليف بالنسبة إلى الأقل منجز ، ويترتب العقاب على مخالفته ؛ لكونه مخالفة لما هو واجب على كل تقدير.

فترك الواجب إذا كان من ناحية الأقل ترتب عليه استحقاق العقوبة ، بخلاف ما إذا كان تركه من ناحية الأكثر ، فإنه لا يترتب عليه استحقاق المؤاخذة ؛ لعدم تنجز وجوبه ، فالتكليف بالنسبة إليه بلا بيان وهو مجرى قاعدة قبح العقاب بلا بيان. هذا بحسب حكم العقل. يعني : ما تقدم من الاحتياط بلزوم إتيان الأكثر كان راجعا إلى إثبات أحد جزءي المدعى ، وهو جريان قاعدة الاشتغال في الأقل والأكثر الارتباطيين ، وعدم جريان البراءة العقلية فيهما.

وأما إثبات جزئه الآخر وهو جريان البراءة النقلية فيهما فخلاصته : أن البراءة الشرعية تجري في جزئية ما شك في جزئيته ؛ لشمول حديث الرفع لها ، فترتفع به ، ويتعين الواجب في الأقل.

(١) تعليل لقوله : «انحلاله» وبيان له ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) أي : شرعا ، وقوله : «لغيره» معطوف على «لنفسه» وضميراهما راجعان على «الأقل». ثم إن هذا الوجوب الشرعي مبني على كون وجوب المقدمة شرعيا كما قيل

٣٨٠