دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأما الثاني : فلعدم كون الأقل موردا للأصل ؛ للعلم بوجوبه تفصيلا

المتحصل : هو جريان البراءة مطلقا.

ثم تعرض الشيخ لكلام صاحب الفصول الذي منع من جريان البراءة في التكليف ، وحكم بجريانها في الحكم الوضعي ، قال : «والتحقيق التمسك بهذه الأخبار على نفي الحكم الوضعي وهي الجزئية والشرطية» (١). وناقش الشيخ فيه بوجوه ، قال في جملتها :

«ومنع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي ، وهو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء». هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح كلام الشيخ «قدس‌سره».

والمصنف أورد على الشيخ بوجهين من الإشكال تعرض لأحدهما في المتن وللآخر في حاشية الرسائل.

وأما توضيح ما في المتن حيث يكون إشكالا من المصنف على كلام الشيخ ردا لصاحب الفصول حيث قال : بأن أخبار البراءة تدل على نفي الحكم الوضعي كالجزئية والشرطية دون الحكم التكليفي حيث قال : «والتحقيق التمسك بهذه الأخبار على نفي الحكم الوضعي وهي الجزئية والشرطية» فقال الشيخ «قدس‌سره» ردا عليه بوجوه منها : ما لفظه : «ومنع كون الجزئية أمرا مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي وهو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء» (٢) ، فلا بد أولا من توضيح إشكال الشيخ على صاحب الفصول. وثانيا من توضيح إشكال المصنف على الشيخ «قدس‌سرهما».

وأما توضيح إشكال الشيخ على صاحب الفصول فيتوقف على مقدمة وهي : أن أدلة البراءة تنفي وترفع ما يكون وضعه بيد الشارع ، وكل ما يكون وضعه بيد الشارع كان قابلا للرفع بأخبار البراءة ؛ وإلا فلا.

إذا عرفت هذه المقدمة فيقال في تقريب إشكال الشيخ على صاحب الفصول : إن الجزئية ليست مجعولة شرعا ، فلا تكون قابلة للرفع بأدلة البراءة ، والمجعول شرعا هو الحكم التكليفي كالوجوب والحرمة ونحوهما.

وأخبار البراءة تنفي ما يكون مجعولا شرعا ، فمجراها مختص بالحكم التكليفي ، والجزئية ليست من الأحكام التكليفية فلا تجري فيها البراءة الشرعية.

__________________

(١) فرائد الأصول ٢ : ٣٣٠.

(٢) فرائد الأصول ٢ : ٣٣٣.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

فما ذكره صاحب الفصول من جريانها في الجزئية لا يرجع إلى محصل صحيح.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح إشكال الشيخ على صاحب الفصول.

وأما توضيح إشكال المصنف على الشيخ : فأيضا يتوقف على مقدمة وهي :

أن المجعول على قسمين :

الأول : أن يكون الشيء مجعولا بالأصالة وعلى نحو الاستقلال كالحكم التكليفي.

الثاني : أن يكون مجعولا بتبع الجعل الشرعي لمنشا انتزاعه كجزئية السورة للمأمور به ، حيث تكون مجعولة بتبع جعل وجوب المركب من الأجزاء.

إذا عرفت هذه المقدمة فيقال في توضيح إشكال المصنف على الشيخ إن أدلة البراءة تشمل كلا القسمين. ولا تختص بالقسم الأول لعدم الدليل على اختصاص مجراها بما هو مجعول بالأصالة والاستقلال ، بل يشمل المجعول الانتزاعي والتبعي أيضا ، فما أفاده صاحب الفصول من أن أدلة البراءة ترفع جزئية ما شك في جزئيته كالسورة مثلا في محله ؛ لأن جزئيتها وإن لم تكن مجعولة بالأصالة بعنوان أنها جزء ، ولكنها مجعولة تبعا وبلحاظ منشأ انتزاعها حيث إنه إذا أمر الشارع بمركب من الأجزاء وتكون منها السورة مثلا ، يتنزع العقل من ذلك جزئية السورة ، فإذا شك في جزئيتها للمركب ترفع بالأصل ولو برفع الأمر عن الأكثر وهو منشأ انتزاعها. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح إشكال المصنف على الشيخ «قدس‌سرهما».

وأما ما في حاشية الرسائل فهذا لفظه : «يمكن أن يقال : إن وجوب واحد من الأقل والأكثر نفسيا مما لم يحجب علمه عنا ولسنا في سعة منه كما هو قضية العلم به بحكم العقل أيضا حسب الفرض ، وهذا ينافي الحكم على الأكثر على التعيين بأنه موضوع عنا ونحن في سعته ، فإن نفي الوضع والسعة عما علم إجمالا وجوبه مع العلم تفصيلا بوجوب أحد طرفيه يستدعي نفيهما عنه ، ولو كان هو الطرف الآخر ، فلا بد إما من الحكم بعدم شمول هذه الأخبار لمثل المقام مما علم إجمالا وجوب شيء إجمالا ، وإما من الحكم بأن الأكثر ليس مما حجب علمه ، فإنه يعلم الإتيان به بحكم العقل مقدمة للعلم بإتيان ما لسنا بسعته ...». فما ذكر الشيخ من البراءة الشرعية عن الأكثر مما ليس في محله. وفي المقام مناقشة تركناها رعاية للاختصار.

ولكن المصنف عدل عن جريان الأصل في التكليف ـ كما في كلام الشيخ ـ إلى

٤٠٢

لا يقال (١) : إن جزئية السورة المجهولة ـ مثلا ـ ليست بمجعولة وليس لها أثر

______________________________________________________

جريانه في الوضع وهو الجزئية ـ كما في كلام صاحب الفصول ـ.

في وجه عدول المصنف عن البراءة عن الحكم التكليفي إلى الوضعي

وأما توضيح وجه العدول : فيتوقف على مقدمة وهي : أن الأصل السببي دائما يتقدم على الأصل المسببي من باب الحكومة ، بمعنى : أن الأصل السببي حاكم على الأصل المسببي.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الأصل في الحكم التكليفي في الشك في الجزئية مسببي ، والأصل في الجزئية سببي ؛ لأن الجزئية موضوع للحكم بوجوب الجزء ، فلا تصل النوبة إلى الأصل في نفي وجوب شيء بعد الأصل لنفي جزئية ذلك الشيء ؛ لما عرفت من : أن الأصل في جانب الموضوع يكون سببيا ، وفي جانب الحكم مسببيا ، فلا يجري الأصل في جانب الحكم مع وجود الأصل في جانب الموضوع ، ولازم ذلك عدم جريان الأصل في جانب الوجوب عند جريان الأصل في نفي الجزئية.

(١) هذا إشكال على جريان البراءة الشرعية في وجوب الأكثر المشكوك فيه بالتقريب الذي ذكره المصنف من جريانها في الوضع وهو الجزئية.

وهذا ناظر إلى ما تقدم نقله من كلام الشيخ في جواب صاحب الفصول «قدهما».

وتوضيح الإشكال : أن البراءة إنما تجري فيما إذا كان المجهول أثرا شرعيا ؛ لأن مجرى البراءة ـ على ما قرر في محله ـ لا بد وأن يكون مما تناله يد الوضع والرفع التشريعيين ، والمفروض : أن الجزئية ليست أثرا شرعيا كحرمة شرب التتن ووجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، ولا مما يترتب عليها أثر شرعي. وعليه : فلا مجال لجريان البراءة في الجزئية ؛ بل لا بد من إجرائها في التكليف مثل : وجوب الجزء المشكوك فيه أو وجوب الأكثر.

ودعوى : أن الجزئية مما يترتب عليه أثر شرعي وهو وجوب الإعادة ـ على تقدير كون الواجب الواقعي هو الأكثر ـ فالبراءة تجري في الجزئية بلحاظ أثرها وهو وجوب الإعادة ، مدفوعة :

أولا : بأن وجوب الإعادة أثر لبقاء الأمر الأول أي : الأمر بالأكثر ، لا جزئية السورة ؛ لأن الأمر بنفسه ـ ما لم يمتثل ـ يقتضي الإعادة عقلا دون الجزئية ، فالإعادة أثر لبقاء الأمر الأول ، لا أثر للجزئية.

وثانيا : بأن وجوب الإعادة لا يرتفع بمثل حديث الرفع لكونه عقليا من باب وجوب الإطاعة عقلا.

٤٠٣

مجعول ، والمرفوع (١) بحديث الرفع إنما هو المجعول بنفسه أو أثره ، ووجوب (٢) الإعادة إنما (٣) هو أثر بقاء الأمر الأول بعد العلم مع (٤) أنه عقلي ، وليس إلا من باب وجوب الإطاعة عقلا.

لأنه يقال (٥) : إن الجزئية وإن كانت غير مجعولة بنفسها ، إلا إنها مجعولة بمنشإ انتزاعها ، وهذا (٦) كاف في صحة رفعها.

لا يقال (٧) : إنما يكون ارتفاع الأمر الانتزاعي برفع منشأ انتزاعه وهو الأمر

______________________________________________________

وبالجملة : فلا مجال للبراءة في جزئية المشكوك فيه ، لعدم كونها أثرا شرعيا ولا مما له أثر شرعي.

(١) الواو للحال ، يعني : والحال أنه يعتبر أن يكون المرفوع بحديث الرفع حكما أو موضوعا لحكم شرعي ، فالمراد ب «بنفسه» الحكم وب «أثره» الموضوع للحكم.

(٢) هذا تقريب توهم ترتب الأثر على جريان الحديث في الجزئية. وقد تقدم توضيح هذا التوهم مع جوابه بقولنا : «ودعوى أن الجزئية ...».

(٣) هذا إشارة إلى الجواب الأول عن الدعوى المذكورة.

(٤) أي : مع أن وجوب الإعادة عقلي ، وهذا إشارة إلى الجواب الثاني عن تلك الدعوى المذكورة. وقد تقدم بقولنا : «وثانيا بأن وجوب الإعادة لا يرتفع ...» الخ. وضمير «ليس» راجع على وجوب الإعادة.

(٥) هذا دفع الإشكال وإيراد على كلام الشيخ «قدس‌سره».

ومحصله : أن الجزئية وإن لم تكن مجعولة لكونها أمرا انتزاعيا ، إلا أن منشأ انتزاعها وهو الأمر مجعول شرعي ، وهذا يكفي في جريان البراءة فيها ، إذ المهم كون مجرى الأصل مما تناله يد التشريع وضعا ورفعا ولو بالواسطة ، سواء كان مجعولا بالاستقلال كالأحكام التكليفية المستقلة كوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، أم بالتبع كالأحكام الوضعية نظير الجزئية والشرطية ونحوهما ، فمجرد تبعية الوضع للتكليف لا يمنع من شمول الحديث له ، لإمكان رفعه برفع منشأ الانتزاع ، وهو تعلق الأمر النفسي بالأكثر ، وضمائر «بنفسها ، أنها ، انتزاعها» راجعة على الجزئية.

(٦) أي : الجعل التبعي للجزئية كاف في صحة جريان البراءة فيها. وضمير «رفعها» راجع على الجزئية.

(٧) هذا إشكال على كون الرفع بلحاظ الأمر الذي هو منشأ انتزاع الجزئية مثل قوله تعالى : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) المشكوك تعلقه بالسورة مثلا.

٤٠٤

الأول (١) ، ولا دليل (٢) آخر على أمر آخر (٣) بالخالي عنه (٤).

لأنه يقال : نعم (٥) ؛ وإن كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه ؛ إلا إن نسبة حديث

______________________________________________________

توضيح هذا الإشكال ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٢٣٤» ـ هو : أنه بعد جريان أصالة البراءة في الأمر بالأكثر ـ الذي هو منشأ انتزاع الجزئية ـ لا يبقى أمر يتعلق بالأقل ، والمفروض : عدم دليل آخر يدل على كون الواجب هو الأقل ، وأصالة البراءة أيضا لا تثبته إلا على القول بحجية الأصول المثبتة ، فلا وجه حينئذ لما أفيد قبيل هذا من «أن عموم حديث الرفع يرفع الإجمال والتردد عن الواجب المردد بين الأقل والأكثر ويعينه في الأقل» ؛ وذلك لبداهة : ارتفاع الأمر بأصل البراءة ولا أمر آخر يدل على كون الواجب هو الأقل الخالي عما شك في جزئيته.

فالنتيجة : أن البراءة الشرعية لا تجري حتى يثبت أن الواجب هو الأقل وينحل به العلم الإجمالي ؛ بل يجب الاحتياط عقلا بإتيان الأكثر.

(١) وهو الأمر المتعلق بالأكثر المفروض ارتفاعه بحديث الرفع.

(٢) أي : والحال أنه لا دليل آخر على تعلق طلب آخر بالأقل.

(٣) يعني : غير الأمر الأول المتعلق بالأكثر المرتفع بحديث الرفع.

(٤) أي : بالخالي عما شك في جزئيته ، والمراد بالخالي عن المشكوك : هو الأقل.

(٥) أي : وإن لم يكن دليل آخر على وجوب الأقل بعد نفي الأكثر بالبراءة ؛ إلا إنه يمكن إثبات وجوب الأقل بطريق آخر سيأتي بيانه.

وهذا جواب الإشكال ومحصله : ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٢٣٥» ـ أن الوجه في ثبوت الأمر بالأقل ليس هو البراءة الشرعية حتى يقال : إن الأصل لا يثبت اللوازم ؛ بل الوجه في ذلك هو : الجمع بين أدلة الأجزاء وبين أدلة البراءة الشرعية ، حيث إن وجوب الأقل معلوم بنفس أدلة الأجزاء ، ووجوب الأكثر منفي بالبراءة الشرعية ، فيكون مثل حديث الرفع بمنزلة الاستثناء وتقييد إطلاقها لحالتي العلم والجهل بجزئية الأجزاء ، فإذا فرض جزئية السورة مثلا للصلاة واقعا كان مثل حديث الرفع نافيا لجزئيتها في حال الجهل بها ، فكأن الشارع قال : «يجب في الصلاة التكبير والقراءة والركوع والسجود والتشهد مطلقا علم بها المكلف أم لا ، وتجب السورة إذا علم بجزئيتها». وهذا التحديد نشأ من حكومة حديث الرفع على أدلة الأجزاء والشرائط حكومة ظاهرية موجبة لاختصاص الجزئية بحال العلم بها على نحو لا يلزم التصويب ؛ كما مر في بحث أصل البراءة ، كما أن إطلاق دليل الجزئية لحالتي التذكر والنسيان يتقيد بفقرة «رفع النسيان» بصورة التذكر.

٤٠٥

الرفع الناظر (١) إلى الأدلة على بيان الأجزاء إليها نسبة (٢) الاستثناء ، وهو (٣) معها يكون دالا «دالة» على جزئيتها إلا مع الجهل بها كما لا يخفى. فتدبر جيدا.

______________________________________________________

وبالجملة : فوجوب الأقل مستند إلى أدلة الأجزاء لا إلى حديث الرفع حتى يتوهم أن إثبات ذلك به يتوقف على القول بالأصل المثبت ، والحديث ينفي خصوص الوجوب الضمني المتعلق بما شك في جزئيته ، ولا ينفي تمام الوجوب على تقدير ثبوته للأكثر. وضميرا «ارتفاعه ، انتزاعه» راجعان على الأمر الانتزاعي ، وهذا كارتفاع جزئية السورة بارتفاع منشأ انتزاعه ، وهو الأمر الضمني المتعلق بها.

(١) صفة ل «حديث الرفع» ، وإشارة إلى الحكومة التي أشرنا إليها بقولنا : «وهذا التحديد نشأ من حكومة حديث الرفع ...» الخ. وضمير «إليها» راجع على «الأدلة».

(٢) خبر «أن نسبة» فكأنه قيل : «السورة مثلا واجبة في الصلاة إلا مع الجهل بجزئيتها» ، وهذا الاستثناء مفاد حديث الرفع ، فبعد انضمامه إلى أدلة الأجزاء يستفاد وجوب الأقل وعدم جزئية مشكوك الجزئية وإن كان جزءا واقعا.

(٣) يعني : وحديث الرفع مع أدلة الأجزاء يكون دالا على جزئية الأجزاء إلا مع الجهل بجزئيتها ، وهذا محصل الجمع بين أدلة الأجزاء وحديث الرفع الذي جعل كالاستثناء بالنسبة إليها. وضمير «هو» راجع على «حديث الرفع» ، وضمير «معها» راجع على «الأدلة» ، وضمير جزئيتها راجع على «الأجزاء» ، وضمير «بها» إلى «جزئيتها».

وهنا تطويل الكلام بالنقض والإبرام تركناه رعاية للاختصار.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ بيان محل الكلام في المقام يتوقف على أمور :

الأول : الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر الارتباطيين : أن المتباينين ما لا ينطبق أحد طرفي الترديد على الطرف الآخر ، بخلاف الأقل والأكثر ، فطرفا الترديد يمكن اجتماعهما بإتيان الأكثر.

الثاني : الفرق بين الارتباطيين والاستقلاليين : أن الأمر بالمركب يسقط بمقدار الأقل إذا أتى به ؛ كتردد ما في الذمة من الدين بين خمسة آلاف ليرة سورية وبين عشرة آلاف ، فإذا دفع الخمسة يسقط الدين مقدار الخمسة لو كان الدين عشرة. هذا بخلاف الارتباطيين كالصلاة المرددة بين التسعة الأجزاء وعشرة الأجزاء ، فإذا أتى بالتسعة الأجزاء وكان الواجب العشرة الأجزاء تقع الصلاة باطلة.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : أن نزع الأقل والأكثر الارتباطيين لا يختص بالشبهات التحريمية ؛ بل يجري في الشبهات الوجوبية أيضا.

إذا عرفت هذه الأمور من باب المقدمة فاعلم : أن محل الكلام هو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشبهات الوجوبية.

٢ ـ الأقوال فيه ثلاثة :

الأول : ما اختاره الشيخ الأنصاري من جريان البراءة العقلية والشرعية في الأكثر.

الثاني : عدم جريان شيء منهما ؛ بل الحكم هو وجوب الاحتياط بإتيان الأكثر كما نسب إلى المحقق السبزواري.

الثالث : التفصيل بين البراءة العقلية والشرعية بجريان الثانية دون الأولى ، فلا بد من الاحتياط عقلا. هذا هو مختار المصنف «قدس‌سره».

فللمصنف دعويان :

الأولى : عدم جريان البراءة العقلية.

الثانية : جريان البراءة الشرعية.

ثم الدعوى الأولى مبنية على عدم انحلال العلم الإجمالي بالتكليف إلى العلم التفصيلي والشك البدوي ؛ لأن أساس القول بالبراءة على الالتزام بالانحلال ، والمصنف أنكر الانحلال وقال باستحالته بوجهين :

الأول : أن الانحلال يستلزم الخلف.

الثاني : أنه يستلزم التناقض ، كما عرفت تفصيل ذلك.

٣ ـ وأما توهم الانحلال ـ كما عن الشيخ «قدس‌سره» ـ فتوضيحه : أن العلم الإجمالي بالوجوب النفسي المردد بين الأقل والأكثر ينحل إلى وجوب الأقل تفصيلا والشك في وجوب الأكثر فتجري البراءة بالنسبة إلى وجوب الأكثر مطلقا ؛ لأنه شك في أصل التكليف الزائد.

وقد أجاب المصنف عن هذا التوهم بعدم الانحلال ؛ لما عرفت من : أن البراءة مبنية على الانحلال وهو محال ؛ لكونه مستلزما للخلف والتناقض.

نعم ؛ ينحل العلم الإجمالي في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين فتجري البراءة بالنسبة إلى الأكثر ؛ لكون الشك فيه شكا في أصل التكليف.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

٤ ـ استدلال المصنف على التفصيل بوجهين :

أحدهما : عدم انحلال العلم الإجمالي ؛ بل إنه محال لما عرفت : من المحذور العقلي.

هذا هو الدليل على وجوب الاحتياط عقلا.

وثانيهما : أن الغرض الداعي إلى الأمر لا يحصل إلا بالأكثر فيجب الإتيان به تحصيلا للغرض ، فالمقام يكون من صغريات الشك في المحصل وهو مجرى قاعدة الاشتغال.

٥ ـ جواب الشيخ «قدس‌سره» عن الاستدلال لوجوب الأكثر بدليل لزوم تحصيل الغرض بوجهين :

الأول : الالتزام بالغرض مبني على مذهب مشهور العدلية من تبعية الأوامر والنواهي للمصالح والمفاسد في متعلقاتهما ، ومسألة البراءة والاحتياط ليست مبنية على ذلك ؛ بل تجري على مذهب بعض العدلية المكتفي بوجود المصلحة في نفس الأمر ، وعلى مذهب الأشعري القائل بعدم التبعية أصلا ، فيمكن المصير إلى أحد هذين القولين ، فليس غرض في متعلق الأمر حتى يجب تحصيله بإتيان الأكثر.

الثاني : أن الغرض وإن كان موردا لقاعدة الاشتغال على مذهب مشهور العدلية ؛ إلا إنه فيما يمكن تحصيل العلم بوجوب الغرض ولا يمكن تحصيل العلم بوجود الغرض ، وذلك لاحتمال دخل قصد وجه الأجزاء في تحقق الإطاعة ، وهذا القصد يتوقف على معرفة وجه الأجزاء ، ومع الجهل به ـ كما هو المفروض ـ لا يتمشى قصد الوجه ، فلا يحصل العلم بالغرض ، فلا وجه لوجوب الأكثر احتياطا من ناحية تحصيل الغرض ؛ لعدم إمكانه ولازم ذلك هو : إتيان الأقل تخلصا عن تبعة التكليف المنجز بالعلم الإجمالي دون الأكثر ، فلا ملزم بإتيان الأكثر احتياطا.

هذا تمام الكلام في جواب الشيخ عن الاستدلال لوجوب الأكثر بدليل لزوم تحصيل الغرض بالوجهين المذكورين ؛ إلا إن هذا الجواب من الشيخ مدفوع : بأن إنكار أصل الغرض على مذهب الأشعري لا يجدي من يلتزم في التخلص عن برهان الغرض على مذهب غيره.

وأما ما أفاده الشيخ من إمكان كون الغرض في نفس الأمر ـ كما هو مذهب بعض العدلية ـ فمردود : بأن مقصود ذلك البعض من العدلية القائل بتبعية الأمر لمصلحة في نفسه هو ردّ من التزم بوجوب كون المصلحة في المأمور به بأنه يجوز أن تكون المصلحة في نفس الأمر ؛ لا إنه يجب أن تكون في المأمور به ، فيحتمل أن تكون في نفس الأمر ،

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع هذا الاحتمال لا يمكن الاقتصار على الأقل لعدم العلم بحصول الغرض منه.

«فافهم» لعله إشارة إلى أن من ذهب إلى ما عليه غير المشهور لا يقول بالمصلحة إلا في الأمر فقط من غير أن يحتملها في المأمور به وعليه : فكما أن العقل يحكم بالبراءة على مذهب الأشعري المنكر للمصلحة والغرض ، فكذلك يحكم على مذهب بعض العدلية القائل بوجود المصلحة في الأمر دون المأمور به.

٦ ـ الإشكال على ما أفاده الشيخ : من تعذر استيفاء الغرض في العبادات بعد احتمال دخل قصد وجه أجزائها في تحققه ، فيصير الشك في حصول الغرض الداعي إلى الأمر بدون قصد الوجه شكا في المحصل الذي يكون المرجع فيه قاعدة الاشتغال لا البراءة ؛ لكن يتعذر الاحتياط هنا لعدم المعرفة بوجه الأجزاء حتى يقصد ، فلا يبقى إلا الإتيان بما قام عليه البيان وهو الأقل تخلصا عن تبعة مخالفته.

٧ ـ والمصنف أورد عليه بوجوه :

الأول : أن حصول المصلحة في العبادات وإن كان بقصد الامتثال ؛ لكن لا يتوقف على قصد وجه الأجزاء ؛ إذ مع هذا الاحتمال يتعذر الاحتياط ، ويندرج المقام فيما يتعذر فيه الاحتياط ، فيخرج عن محل الكلام وهو إمكان الاحتياط كالمتباينين.

فحاصل هذا الوجه : أنه لا دليل على اعتبار قصد الوجه في أجزاء العبادات حتى يتم كلام الشيخ بعدم إمكان الاحتياط بإتيان الأكثر ؛ بل الدليل على خلافه ، وهو كون المقام كالمتباينين في إمكان الاحتياط.

الثاني : أنه على تقدير اعتبار الجزم بالنيّة في العبادة ليس المقصود منه اعتباره في كل واحد من الأجزاء ؛ بل المقصود منه اعتباره في العبادة في الجملة. وهذا المقدار يمكن تحققه بالاحتياط بإتيان الأكثر بقصد وجوبه النفسي في الجملة. ومن المعلوم : أن الاحتياط بفعل الأكثر بقصد مطلوبيته النفسية بمكان من الإمكان ، وليس المقصود لزوم قصد الوجوب في كل واحد من الأجزاء كي يكون متعذرا مع عدم معرفة الأجزاء ، ومع عدم اعتبار قصد وجوب كل واحد من الأجزاء فللمكلف إيقاع العبادة بنية وجوبها النفسي في الجملة أي : بلا تعيين أن فرد الواجب تمام المأمور به أو بعضه.

الثالث : أن القطع بعدم دخل قصد الوجه أصلا.

«فافهم» لعله إشارة إلى أن حصول الغرض بالأكثر الموجب للاحتياط بإتيانه خلاف الغرض ، إذ المفروض : اعتبار قصد الوجه المنوط بمعرفة الأجزاء تفصيلا في العبادات ،

٤٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومقتضى توقف الغرض على قصد الوجه بهذا النحو هو : عدم إمكان إحرازه لا بالأقل ولا بالأكثر ، فلا موجب للإتيان بالأكثر أيضا.

٨ ـ أما عدم وجوب الاحتياط شرعا : فلجريان حديث الرفع والحجب ونحوهما في وجوب الجزء المشكوك وجوبه ، وأن وجوب الأكثر مما حجب علمه فهو موضوع عن العباد ، ولا يعارضه أصل البراءة عن وجوب الأقل ؛ للعلم بوجوبه المردد بين النفسي والغيري.

وكيف كان ؛ فالمقتضي للبراءة الشرعية موجود ، وهو كون المرفوع مجعولا شرعيا مجهولا وفي رفعه منّة. والمانع مفقود ، فإن المانع إما العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل والأكثر وإما معارضة الأصل مع أصالة عدم وجوب الأقل ، وكلا الأمرين مفقود.

أما العلم الإجمالي : فلارتفاعه بأخبار البراءة لأنها حاكمة عليه وموجبة لانحلاله.

وأما التعارض : فلعدم كون الأقل موردا للأصل للعلم بوجوبه تفصيلا مع جريان الأصل في الأكثر فقط.

٩ ـ وأما إشكال الشيخ على صاحب الفصول : ـ حيث قال بجريان البراءة في الحكم الوضعي وهو الجزئية ـ فلأن الجزئية غير مجعولة فلا ترتفع بأدلة البراءة.

ثم أورد المصنف على الشيخ : بأن الجزئية وإن لم تكن مجعولة بالأصالة والاستقلال ، إلا إنها مجعولة بتبع الحكم التكليفي ، وهذا المقدار يكفي في جريان البراءة ، فما أفاده صاحب الفصول من أن أدلة البراءة ترفع جزئية ما شك في جزئيته صحيح وفي محله.

١٠ ـ أما وجه عدول المصنف عن البراءة في الحكم التكليفي إلى البراءة في الحكم الوضعي : فلأن الأصل في جانب الحكم الوضعي كالجزئية يكون سببيا ، وفي جانب الحكم التكليفي يكون مسببيا ، ومن المعلوم : أن الأصل السببي يتقدم على الأصل المسببي من باب الحكومة ، فلا يجري الأصل المسببي مع جريان الأصل السببي.

١١ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ التفصيل بين البراءة العقلية والشرعية ، حيث قال بجريان الثانية دون الأولى ؛ بل حكم العقل هو وجوب الاحتياط.

٢ ـ ثم البراءة تجري في الجزئية وهو الحكم الوضعي لا في نفي وجوب الجزء وهو الحكم التكليفي.

٤١٠

الأجزاء التحليلية

بعد ما فرغ المصنف عن حكم الأجزاء الخارجية من حيث جريان البراءة وعدم جريانها فيها ، شرع في حكم الأجزاء التحليلية.

وقبل الخوض في البحث ينبغي بيان ما هو محل الكلام في الأمر الأول.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : أن الأجزاء على قسمين :

١ ـ الخارجية. ٢ ـ التحليلية العقلية.

والفرق بينهما : أن الأولى لا تحتاج إلى دقة فكر وتأمل عقل ، نظير الأمر بالصلاة مع السورة مثلا ، فإن نفس قول القائل : «صل مع السورة» يدل على التركيب وكاشف عنه ، وأما الثانية : فهي تحتاج إلى تأمل عقل وإعمال فكر ، نظير الأنواع والأجناس كالإنسان والحيوان ، حيث كل واحد منهما يحلل بالدقة العقلية إلى الأجزاء ؛ كتحليل الإنسان إلى حيوان ناطق ، وتحليل الحيوان إلى جسم نام متحرك بالإرادة.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن محل الكلام هو المركب من الأجزاء التحليلية ، كما أن المراد بالمركب في المباحث المتقدمة هو المركب من الأجزاء الخارجية.

وقد تقدم : أن المصنف قال في الأجزاء الخارجية بالتفصيل بين حكم العقل والشرع بمعنى : أن مقتضى حكم العقل هو الاحتياط دون البراءة ، ومقتضى حكم الشرع هو البراءة. وقد تقدم وجه ذلك تفصيلا.

ثم يقول المصنف في المقام : إنه قد ظهر ـ مما مر من دوران الأمر بين الأقل والأكثر في المركب من الأجزاء الخارجية ، حيث قلنا بالاحتياط عقلا والبراءة شرعا ـ حال دوران الأمر بين المشروط بشيء كقوله «صل مع الطهارة» ، «ومطلقه» أي : الخالي من الشرط ؛ كأن شككنا في أن الواجب مثلا هل هو الصلاة أو الصلاة حال الطهارة ، ودوران الأمر بين العام والخاص ؛ كأن شككنا في أن الواجب هو الإتيان بالإنسان أو بالحيوان في قول المولى : «ائتني بشيء» ، ونعلم إجمالا بأن المراد بالشيء هو الحيوان ، ولكن لا نعلم بأن المراد هو الجنس أو النوع كالإنسان. ويقول المصنف : إنه لا مجال هاهنا للبراءة عقلا ؛ «بل كان الأمر فيهما أظهر» يعني : بل كان الاشتغال في المطلق والمقيد والعام والخاص «أظهر ، فإن الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر» باليقين التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالنسبة إلى الزائد الذي هو مجرى البراءة «لا يكاد يتوهم هاهنا بداهة :

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

أن الأجزاء التحليلية» كالحيوان والرقبة في المثالين «لا تكاد تتصف باللزوم من باب المقدمة عقلا».

فالمتحصل : أن الأجزاء الخارجية قابلة للاتصاف بالأقل والأكثر ، ولازم ذلك هو : الانحلال إلى اليقين التفصيلي بالنسبة إلى الأقل ، والشك البدوي بالنسبة إلى الزائد.

هذا بخلاف الأجزاء التحليلية ، حيث لا تقبل الاتصاف بالأقل والأكثر ، بل المطلق والمقيد والعام والخاص من الأمور المتباينة ؛ إذ المطلق اعتبر لا بشرط والمقيد اعتبر بشرط شيء فهما متباينان ، وكذلك العام والخاص فهما أيضا متباينان.

ومقتضى القاعدة في دوران الأمر بين المتباينين هو : الاحتياط عقلا وشرعا ، ولازم ذلك هو : الإتيان بالمقيد والخاص.

فحاصل كلام المصنف في الأمر الأول هو : عدم جريان البراءة العقلية في الشك في الشرط والعام والخاص ؛ بل عدم جريان البراءة العقلية هنا أولى من عدم جريانها فيما تقدم من الشك في الجزئية في الأجزاء الخارجية ، وذلك لعدم توهم انحلال العلم الإجمالي هنا وتوهمه في الشك في الجزئية في الأجزاء الخارجية.

وكيف كان ؛ فقبل توضيح مرامه ينبغي التعرض لما أفاده الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» هنا لأن كلام المصنف ناظر إليه وإشكال عليه.

فنقول : إن حاصل كلام الشيخ في المقام : أنه قسم الأجزاء الذهنية إلى قسمين :

الأول : ما يكون ناشئا ومنتزعا من فعل خارجي مغاير للمقيد في الوجود الخارجي بحيث لا وجود له ؛ بل الوجود يكون لمنشا انتزاعه ؛ كتقيد الصلاة بالطهارة المعنوية المنتزعة من الوضوء والأفعال الخارجية ، حيث إن الوضوء ولو كان له وجود مغاير لوجود المأمور به أي : الصلاة ، ويكون منشأ لانتزاع الطهارة المعنوية منه ؛ ولكن الطهارة المعنوية لا وجود لها في الخارج.

والثاني : ما يكون متحدا مع المقيد في الوجود الخارجي كالإيمان بالنسبة إلى الرقبة مثلا.

وبعبارة أخرى : الثاني : عبارة عن خصوصية تتحقق في المأمور به ، ويكون لها الوجود ، غاية الأمر : لا تتحقق ولا توجد تلك الخصوصية إلا بتحقق المأمور به كالإيمان في الرقبة مثلا ، ثم حكم بجريان البراءة العقلية والنقلية في القسم الأول ، وأنه لو شك في وجوب الوضوء وتقيد الصلاة بالطهارة المنتزعة منه ينحل التكليف إلى معلوم تفصيلي

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو الصلاة المركبة من الأجزاء المعلومة ، وشك بدوي في الطهارة وتقيد الصلاة بها فيدفع بالأصل.

وكذا في القسم الثاني وإن استشكل فيه أولا بعدم انحلال التكليف بواسطة عدم تعدد الوجود ؛ إلا إنه حكم أخيرا بجريان البراءة فيه أيضا ، وأنه لو شك في اعتبار الإيمان ولزوم تحصيل وجوده في الرقبة يدفع وجوب تحصيله بالأصل. راجع «دروس في الرسائل ، ج ٣ ، ص ٤٩٨».

ولكن المصنف قسم الأجزاء الذهنية إلى ثلاثة أقسام :

الأول : ما يكون من قبيل القيود والشروط.

الثاني : الخصوصية التي لا تتحقق إلا بتحقق المأمور به كما عرفت.

الثالث : العام والخاص كالحيوان والإنسان ، وأن الأمر تعلق بالحيوان أو الإنسان مثلا.

ثم أورد المصنف على الشيخ الأنصاري بما حاصله : من الحكم بعدم جريان البراءة العقلية في الكل وذلك لعدم انحلال العلم الإجمالي في الأجزاء التحليلية بالطريق الأولى.

وتوضيح ذلك يتوقف على مقدمة وهي : الفرق بين الأجزاء الخارجية والأجزاء التحليلية وهو : أن الأجزاء الخارجية لكون وجوداتها المستقلة يمكن أن تتصف بالوجوب مطلقا نفسيا أو غيريا ، فيدعى العلم التفصيلي بوجوبها كذلك الموجب لانحلال العلم الإجمالي بوجوب الأقل أو الأكثر إلى علم تفصيلي بوجوب الأقل وشك بدوي في وجوب الأكثر.

وهذا بخلاف الأجزاء التحليلية التي لا يميزها إلا العقل ، ولا ميّز لها في الخارج أصلا ، ويعد واجد الجزء التحليلي وفاقده من المتباينين لا من الأقل والأكثر ؛ إذ كون الأقل معلوما مبني على تصور وجود له غير وجود الأكثر ، وفي الجزء التحليلي لا وجود للأقل في الخارج في قبال الأكثر ، فلا ينحل التكليف إلى معلوم تفصيلي وشك بدوي حتى يكون مجرى البراءة ، فلا تجري البراءة إذ جريان البراءة مبني على الانحلال ، ويشترط في الانحلال : أن يكون في البين وجود معلوم الوجوب ـ أي : الأقل ـ ووجود آخر مشكوك الوجوب مغاير للمعلوم أي : الزائد.

إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن قياس الأجزاء التحليلية بالأجزاء الخارجية مع الفارق ، لوضوح : أن كل واحد من الأجزاء الخارجية كالتكبيرة والقراءة والسجود

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوها لما كان موجودا مستقلا أمكن اتصافه بالوجوب ، ويقال : إن هذه الأشياء واجبة قطعا والزائد عليها مشكوك الوجوب ، فتجري فيه البراءة ، هذا بخلاف ذات المشروط للأقل في المقام أي : الصلاة ؛ لعدم وجود مغاير لها في قبال وجود الأكثر حيث إنها مع الطهارة المعنوية موجودة بوجود واحد في عالم الخارج.

وبخلاف ذات المقيد كالرقبة أو ذات العام كالحيوان فإن شيئا منهما لا يتصف بالوجوب حتى يقال وجوب ذاتهما معلوم تفصيلا إما نفسيا أو غيريا ؛ وذلك لعدم وجود مغاير للحيوان والرقبة مع الناطق والإيمان في الخارج ، فلا تتصف الأجزاء التحليلية باللزوم والوجوب من باب المقدمة عقلا ، فلا يتصور فيها الانحلال ، فلا تجري البراءة العقلية فيها فدوران الأمر بين المطلق والمقيد أو المشروط وبين العام والخاص من دوران الأمر بين المتباينين لا بد من الاحتياط بالإتيان بالصلاة مع الطهارة ، وبالرقبة مع الإيمان ، وبالحيوان الناطق.

وأما البراءة النقلية : فلا تجري إلا بالنسبة إلى ما يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ، فتجري في دوران الأمر بين المشروط ومطلقه ؛ لأن الشرط ينتزع من أمر الشارع ، فلا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشك فيه.

وهذا بخلاف دوران الأمر بين العام والخاص كالحيوان والناطق ، فإن خصوصية الإنسان منتزعة عن ذات المأمور به لا من أمر خارج عنه حتى ينتفي بالأصل ، وحينئذ فيكونان من قبيل المتباينين.

والاشتغال يقتضي الإتيان بالخاص تحصيلا للفراغ اليقيني.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

قوله : «مما مر» يعني : في دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين بالنسبة إلى الأجزاء الخارجية من امتناع الانحلال عقلا لوجهين من الخلف والاستحالة. ووجه ظهور حكم المقام مما مر هو : وحدة المناط في استحالة انحلال العلم الإجمالي.

قوله «حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه» ؛ كالشك في شرطية الإقامة للصلاة مع خروج ذاتها عنها ، وإنما اعتبر التقيد بها في ماهيتها ، وكلام المصنف يشمل المطلق والمشروط والمطلق والمقيد ، لدخل التقيد في كل منهما في الواجب وإن كان منشأ التقيد في المشروط موجودا خارجيا كالطهارة ، وفي المقيد أمرا متحدا معه كالإيمان.

٤١٤

وينبغي التنبيه على أمور :

الأول : أنه ظهر مما مرّ : حال دوران الأمر بين المشروط بشيء ومطلقه ، وبين الخاص كالإنسان وعامه كالحيوان (١) ، وأنه (٢) لا مجال هاهنا للبراءة عقلا (٣) ؛ بل كان الأمر فيهما (٤) أظهر ، فإن (٥) الانحلال المتوهم في الأقل والأكثر لا يكاد يتوهم هاهنا ، بداهة : أن (٦) الأجزاء التحليلية (٧) لا يكاد يتصف باللزوم من باب المقدمة

______________________________________________________

(١) المراد بالعام والخاص هنا هو : العام المنطقي كالحيوان والخاص المنطقي كالإنسان كما مثل بهما في المتن ، وهذا إشارة إلى موارد الدوران بين التعيين والتخيير كما إذا أمر المولى بإطعام حيوان وشك في دخل خصوصية الإنسانية فيه.

والوجه في كونه مثالا للتعيين والتخيير هو : أن الحيوان حيث لا تحقق له خارجا وذهنا بدون فصل من فصوله ، لأنه علة لوجود ماهية الجنس ، ولذا لا يكون عروض الوجود لها كعروض الأعراض لموضوعاتها ؛ بل عروضه لها مجرد التصور مع اتحادهما هوية ، وأن الوجود لها من قبيل الخارج المحمول ، فمرجع الشك فيه إلى أنه أمر بإطعام حيوان مخيرا بين فصوله ، أو معينا في فصل الناطقية مثلا ، وقد يمثل شرعا بدوران مطلوبية مطلق الذكر في الركوع والسجود أو خصوص التسبيحة.

(٢) عطف تفسيري لقوله : «حال دوران» ، وضمير «أنه» للشأن.

(٣) وأما نقلا : فسيأتي الكلام فيه ، والمراد بقوله : «هاهنا» الأجزاء التحليلية.

(٤) يعني : في المطلق ومشروطه والعام وخاصه ، ووجه أظهرية المقام من الواجب المردد بين الأقل والأكثر في الأجزاء الخارجية هو : توقف الانحلال أولا : على الالتزام بوجوب المقدمة غيريا ، وثانيا : على تعميم المقدمة لما يكون مستقلا في الوجود كالسورة ، ولما لا يكون كذلك وهو التقيد ولو فرض تسليم الأمر الأول لكن الثاني ممنوع.

(٥) تعليل للإضراب المدلول عليه بكلمة «بل كان» فهو تعليل للأظهرية.

(٦) تعليل لفساد توهم الانحلال هنا.

(٧) قد يطلق الجزء التحليلي ويراد منه الجزء المقوم كالفصل للنوع.

وقد يطلق ويراد به كل ما يقابل الجزء الخارجي ، فيعم موارد الدوران بين الجنس والفصل ، وبين المطلق والمشروط ، وبين المطلق والمقيد. وغرضه هنا : كل ما يكون في قبال الجزء الخارجي ، وذلك بقرينة قوله : «بين المشروط بشيء ومطلقه» حيث إن التقيد جزء ذهني.

٤١٥

عقلا (١) ، فالصلاة مثلا (٢) في ضمن الصلاة المشروطة أو الخاصة موجودة بعين وجودها ، وفي ضمن صلاة أخرى فاقدة لشرطها (٣) وخصوصيتها تكون متباينة (٤) للمأمور بها كما لا يخفى.

نعم (٥) ؛ لا بأس بجريان البراءة النقلية في خصوص دوران الأمر بين المشروط

______________________________________________________

(١) قيد للمقدمة ، يعني : أن الأجزاء التحليلية ليست مقدمة عقلا حتى يعلم بوجوبها تفصيلا كي ينحل به العلم الإجمالي.

(٢) غرضه : بيان وجه عدم اتصاف الجزء التحليلي باللزوم ، وحاصله : أن الصلاة الفاقدة للطهارة مثلا مباينة للصلاة المأمور بها التي هي المشروطة بالطهارة ، وليست جزءا من الصلاة المأمور بها حتى يعلم وجوبها تفصيلا ، والمفروض : أنه على تقدير الانحلال لا بد أن يكون الأقل معلوم الوجوب تفصيلا وموجودا بوجود على حدة ، كما هو الحال في المركب الخارجي ، سواء كان الزائد عليه واجبا أم لا. كما عرفت في الصلاة المؤلفة من عشرة أجزاء مثلا ، فإنها لا تتغير بلحوق الجزء المشكوك فيه وعدمه ، وهذا بخلاف الصلاة الفاقدة للشرط أو الخصوصية فإنها مباينة للمأمور به ، وليست جزءا منه أصلا حتى يكون الفاقد مقدمة عقلية للواجد ، ومع عدم كون الفاقد جزءا للمأمور به لا مجال لدعوى انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل.

قوله : «أو الخاصة» عطف على «المشروطة» ، وذلك كالصلاة المقصورة المباينة للتامة ، وليست مقدمة لها حتى تجب بوجوب غيري مقدمي ، فضابط الانحلال مفقود ؛ لعدم العلم التفصيلي بشيء واحد مع تعلق العلم الإجمالي بالمتباينين ، وضمير «وجودها» راجع على المشروطة أو الخاصة ، فلا تعدد في الوجود بأن تكون ذات الصلاة غير الصلاة الخاصة كي تتحقق المقدمية ، ويدعى العلم بوجوبها تفصيلا.

(٣) كالفاقدة للطهارة مثلا ، وفاقدة الخصوصية كصلاة الفجر الفاقدة لخصوصية صلاة الآيات إذا كانت هي الواجبة.

(٤) بحيث لا مقدمية بينهما ؛ لعدم وقوع الصلاة الفاقدة للطهارة في صراط تحقق الصلاة عن طهارة حتى تجب بوجوب غيري ، فالمراد بالمتباينين هنا : عدم مقدمية أحدهما للآخر لا مجرد المباينة ، لمغايرة كل مقدمة لذيها وجودا.

وقوله : «تكون» خبر للصلاة المقدرة قبل قوله : «وفي ضمن».

(٥) غرضه : إبداء الفرق بين المشروط ومطلقه ، وبين الخاص وغيره بجريان البراءة النقلية في الأول وعدمه في الثاني ، وحاصله : أن الشرط ينتزع من أمر الشارع كقوله :

٤١٦

وغيره ، دون دوران الأمر بين الخاص وغيره ؛ للدلالة (١) مثل (٢) حديث الرفع على عدم شرطية ما شك في شرطيته. وليس كذلك (٣) خصوصية الخاص ، فإنها نما تكون منتزعة عن نفس الخاص (٤) فيكون الدوران بينه (٥) وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين (٦) ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

«أعتق رقبة مؤمنة» ، فإن شرطية الإيمان تكون بأمر الشارع ، ولا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشك فيه ، وهذا بخلاف خصوصية الإنسان ، فإنها منتزعة عن ذات المأمور به لا من أمر خارج عنه حتى ينفى بالأصل ، وحينئذ : يدور الأمر بين وجوب الخاص ووجوب العام ، فيكونان من قبيل المتباينين ، والاشتغال يقتضي الإتيان بالخاص تحصيلا للفراغ اليقيني. وضمير «غيره» راجع على الخاص ، والمراد بالغير العام.

(١) تعليل لقوله : «لا بأس» ، وقد عرفت توضيحه.

(٢) التعبير بالمثل لأجل دلالة سائر أخبار البراءة أيضا على نفي الشرطية.

(٣) أي : وليست خصوصية الخاص موردا للبراءة النقلية ، «فإنها إنما تكون منتزعة عن نفس الخاص».

(٤) أي : لا بجعل الشارع ، والفرق : أنه يتعلق التكليف بالخاص وتنتزع الخصوصية منها ، بخلاف المشروط ، لتعلق الأمر بكل من الشرط والمشروط.

(٥) أي : بين الخاص كالإنسان ، وبين غيره من الخاص الآخر كالفرس ، وقوله «فيكون» تفريع على الفرق بين المقامين.

(٦) في لزوم الاحتياط عقلا ، لكن بالإتيان بالخاص لا بالجمع بين الأطراف كما كان في المتباينين حقيقة.

وفي هامش منتهى الدراية ما لا يخلو ذكره عن فائدة علمية حيث قال : «الحق جريان البراءة عقلا ونقلا في الأقل والأكثر مطلقا ، سواء كانا من قبيل الجزء والكل كتردد أجزاء الصلاة بين ثمانية وعشرة مثلا ، أم من قبيل الشرط والمشروط بأقسامه من كون منشأ انتزاع الشرطية شيئا خارجا عن المشروط مباينا له في الوجود كالوضوء للصلاة ، وكون منشئه أمرا داخلا في المشروط متحدا معه في الوجود كالإيمان والعدالة بالنسبة إلى الرقبة والشاهد مثلا ، أم كان الأقل والأكثر من قبيل الجنس والنوع كالحيوان والإنسان.

والوجه في جريان البراءة في مطلق الأقل والأكثر الارتباطيين ولو كانت أجزاؤهما تحليلية هو : اجتماع أركان البراءة فيهما ، فإن أركانها من قابلية موردها للوضع والرفع

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تشريعا ، ومن تعلق الجهل به ، ومن كون رفعه منة على العباد موجودة في جميع أقسام الأقل والأكثر ، ضرورة : أن الشك في شرطية شيء للمركب سواء كان منشأ انتزاعها موجودا مغايرا للمشروط كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة ، أم متحدا معه في الوجود كالعدالة بالنسبة إلى الشاهد مثلا يرجع إلى الشك في جعل الشارع ، بداهة : أن الشرطية مما تناله يد التشريع ، فتجري فيها البراءة ، فإذا أمر الشارع بعتق رقبة وشككنا في اعتبار خصوصية الإيمان فيها ، ولم يكن لدليله إطلاق جرت فيه البراءة.

وكذا إذا أمر المولى بإطعام حيوان وشككنا في أنه اعتبر ناطقيته أولا ، فلا مانع من جريان البراءة في اعتبار الناطقية فيه ؛ لأن اعتبارها مما تناله يد التشريع ، فيصح أن يقال : إطعام الحيوان معلوم الوجوب ، وتقيده بالناطقية مشكوك فيه ، فتجري فيه البراءة.

وكذا يصح أن يقال : إن عتق الرقبة معلوم الوجوب ، وتقيدها بالإيمان مشكوك فيه ، فينفى بالبراءة ، ولا يعتبر في الانحلال وجريان أصل البراءة إلا المعلوم التفصيلي والشك البدوي ، وأما اعتبار كون الشيء المعلوم وجوبه تفصيلا موجودا كأجزاء المركب الخارجي كالصلاة ، فلا دليل عليه لا عقلا ولا نقلا ، وإنما المعتبر فيه هو كونه قابلا لتعلق الحكم الشرعي به ، وذلك حاصل ، لإمكان إيجاب عتق مطلق الرقبة وإطعام مطلق الحيوان بدون تقيد الرقبة بالإيمان ، وتقيد الحيوان بفصل خاص من فصوله وإن توقف وجوده على أحد فصوله ، إلا إنه يمكن لحاظه موضوعا بدون اعتبار فصل خاص من فصوله ، فيكون المطلوب حينئذ مطلق وجود الحيوان من دون دخل فصل خاص في موضوعيته.

وعليه : فتجري البراءة في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، ففي مثال إطعام الحيوان إذا شك في اعتبار خصوصية الإنسان كان من صغريات التعيين والتخيير ؛ لأنه يجب إطعام الإنسان إما تخييرا إن كان الواجب إطعام مطلق الحيوان ، وإما تعيينا إن كان الواجب إطعام الحيوان ، وكونه خصوص فيصح أن يقال : إن المعلوم وجوبه تفصيلا هو إطعام الحيوان ، وكونه خصوص الإنسان مشكوك فيه ، ولم يقم بيان على اعتباره ، فتجري فيه البراءة العقلية ، وكذا النقلية ؛ للجهل باعتبار الخصوصية الموجب لجريان البراءة الشرعية فيه.

نعم ؛ إذا علم إجمالا بتقيد الجنس كالحيوان بنوع خاص ، وتردد بين نوعين أو أنواع دخل في دوران الأمر بين المتباينين ، لتباين الحصص الجنسية بالفصول المحصلة لها ، فإن

٤١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإنسان مباين لسائر أنواع الحيوان من الفرس والبقر وغيرهما ، فلا بد من الاحتياط ولا مجال لجريان البراءة فيها ، فإنها متعارضة في الأنواع ، والمفروض : أن الواجب إطعام نوع خاص لا مطلق الحيوان حتى يقال : إن وجوب إطعامه معلوم تفصيلا وخصوصية النوع مشكوكة ، حيث إن دخل نوع خاص معلوم إجمالا ، فلا تجري فيه البراءة ، كسائر أقسام المتباينين بل يجب فيه الاحتياط.

وبالجملة : فلا فرق في جريان البراءة عقلا ونقلا بين أقسام الأقل والأكثر من الأجزاء الخارجية والتحليلية ؛ إذ المناط في جريانها عدم البيان وقابلية المورد للجعل الشرعي ، والمفروض : وجودهما في جميع أقسام الأقل والأكثر. انتهى ما في «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٢٦٧».

ومما ذكره ظهر : ضعف ما في المتن من عدم جريان البراءة مطلقا إلا في المطلق والمشروط ، حيث إنه أجرى فيه البراءة الشرعية دون العقلية.

خلاصة البحث مع رأي المصنف «قدس‌سره»

يتلخص البحث في أمور :

١ ـ الفرق بين الأجزاء الخارجية والتحليلية : أن الأولى لا تحتاج إلى دقة فكر نظير الأمر بالصلاة مع السورة.

وأما الثانية : فتحتاج إلى إعمال فكر نظير الأنواع والأجناس ، ومحل الكلام هنا هو : المركب من الأجزاء التحليلية ، كما أن المراد بالمركب في المباحث المتقدمة هو : المركب من الأجزاء الخارجية.

وكذا الفرق بينهما من حيث جريان البراءة وعدم جريانها ، حيث قال المصنف في الأجزاء الخارجية بالاحتياط عقلا والبراءة شرعا ، ويقول هنا بعدم جريان البراءة العقلية بالطريق الأولى ، وذلك لعدم توهم انحلال العلم الإجمالي هنا وتوهمه هناك ، وتجري البراءة النقلية في الشك في الشرطية دون دوران الأمر بين العام والخاص أو المطلق والمقيد.

٢ ـ أن كلام المصنف في هذا الأمر الأول ناظر إلى كلام الشيخ الأنصاري وإشكال عليه ، فينبغي عرض ما أفاده الشيخ أولا كي يتضح ما أورده المصنف عليه.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصل ما أفاده الشيخ في المقام : أنه قسم الأجزاء الذهنية إلى قسمين :

الأول : ما يكون ناشئا ومنتزعا عن فعل خارجي مغاير للمقيد والمشروط في الوجود الخارجي ؛ كتقيد الصلاة بالطهارة المعنوية المنتزعة من الوضوء ، وللوضوء وجود في الخارج وليس للطهارة المعنوية المنتزعة عنه وجود في الخارج.

الثاني : ما يكون متحدا مع المقيد في الوجود الخارجي كالإيمان بالنسبة إلى الرقبة مثلا. ثم حكم الشيخ «قدس‌سره» بجريان البراءة العقلية والنقلية في كلا القسمين ؛ وإن استشكل في القسم الثاني في البداية.

ثم أورد المصنف على الشيخ ، حيث حكم بعدم جريان البراءة العقلية في كلا القسمين ، وذلك لعدم انحلال العلم الإجمالي في الأجزاء التحليلية بطريق أولى.

٣ ـ أن قياس الأجزاء التحليلية بالأجزاء الخارجية على ما يظهر من الشيخ قياس مع الفارق ، فيكون باطلا.

وحاصل الفرق : أن كل واحد من الأجزاء الخارجية لما كان موجودا مستقلا أمكن اتصافه بالوجوب ويقال : هذا واجب قطعا والزائد عليه مشكوك الوجوب ، فتجري البراءة.

وهذا بخلاف ذات المشروط كالصلاة في المقام حيث إنها مع الطهارة المعنوية موجودة بوجود واحد في عالم الخارج ، فليس هنا ما هو معلوم الوجوب وما هو مشكوكه ، وكذا الأمر في المطلق والمقيد والعام والخاص ، فإن شيئا منهما لا يتصف بالوجوب حتى يقال : إن وجوب ذاتهما معلوم تفصيلا ، ووجوب القيد والخاص مشكوك حتى تجري فيه البراءة العقلية.

وأما البراءة النقلية : فتجري في الشرط ؛ لأنه منتزع من أمر الشارع ، فلا مانع من نفيه بحديث الرفع.

٤ ـ رأي المصنف «قدس‌سره» :

١ ـ وجوب الاحتياط مطلقا في دوران الأمر بين العام والخاص.

٢ ـ وجوب الاحتياط مطلقا في دوران الأمر بين المطلق والمقيد.

٣ ـ وجوب الاحتياط عقلا والبراءة شرعا في دوران الأمر بين المشروط ومطلقه.

٤٢٠