دروس في الكفاية - ج ٥

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في الكفاية - ج ٥

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٤

١

٢

٣
٤

فصل

لا يخفى (١) : عدم مساعدة مقدمات الانسداد على الدلالة على كون الظن طريقا منصوبا شرعا ، ضرورة : أنه معها لا يجب عقلا على الشارع أن ينصّب طريقا ؛ لجواز

______________________________________________________

فصل في الكشف والحكومة

(١) المقصود الأصلي من عقد هذا الفصل هو : البحث عن إهمال النتيجة وكليتها.

ولكن حيث يتوقف تحقيق الكلام على البحث عن الكشف والحكومة ، فشرع المصنف أولا في البحث عنهما ، ثم شرع في البحث عن المقصد الأصلي.

وكيف كان ؛ فينبغي توضيح معنى الكشف والحكومة فيقال : إنك قد عرفت : أن مقتضى مقدمات دليل الانسداد ـ على فرض تماميتها ـ هو حكم العقل بجواز العمل بالظن مطلقا ، وقد وقع الخلاف في إن حكمه هذا هل هو من باب الكشف ، بمعنى : أن العقل يكشف عن جعل الشارع الظن حجة حال الانسداد لا أنه ينشئ الحجية له؟ أم من باب الحكومة؟ بمعنى : أن العقل ـ بملاحظة تلك المقدمات يحكم بحجية الظن وينشئها له حال الانسداد كحكمه بحجية العلم حال الانفتاح وإنشائها له.

وبتعبير آخر ـ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٥» ـ : أن العقل بعد ما لاحظ مقدمات الانسداد هل يستكشف منها عن جعل الشارع الظن حجة وإن احتمل مخالفته للواقع ، فالشرع منشئ لحجيته والعقل كاشف عن هذا الإنشاء؟ أم أنه يحكم بوجوب متابعة الظن في مقام الامتثال ، من غير أن يرى للشرع دخلا في ذلك ، فالعقل يحكم بحجيته دون الشرع كحكمه بحجية العلم حال الانفتاح ، من غير دخل للشارع فيها.

إذا عرفت معنى الكشف والحكومة فنقول : غرض المصنف من عقد هذا الفصل بيان أمرين :

أحدهما : أن نتيجة مقدمات الانسداد هل هي حجية الظن من باب الكشف أم حجيته من باب الحكومة.

وثانيهما : بيان ما يترتب على الكشف من إهمال النتيجة وتعيينها.

٥

اجتزائه بما استقل به العقل في هذا الحال ، ولا مجال (١) لاستكشاف نصب الشارع

______________________________________________________

فحاصل الكلام : أن مقتضى مقدمات الانسداد هل هو استكشاف كون الظن في حال الانسداد طريقا منصوبا من قبل الشارع للوصول إلى التكاليف المعلومة بالإجمال ، أو أن مقتضاها : استقلال العقل في الحكم بكون الظن حجة في حال الانسداد ؛ كاستقلاله بكون العلم حجة في حال الانفتاح.

ومختار المصنف : هو الثاني ، وقد استدل عليه بما حاصله : من أن مقدمات الانسداد لا تنتج حجية الظن كشفا يعني : شرعا ؛ بل مقتضاها : حجية الظن حكومة يعني : بحكم العقل ؛ لأنه بعد إبطال المنجز العقلي ـ وهو الاحتياط الذي يقتضيه العلم الإجمالي بالتكاليف ـ بأدلة نفي الحرج قد وصلت النوبة إلى المقدمة الخامسة ـ وهي قبح ترجيح المرجوح على الراجح ـ المقتضية لتعين الإطاعة الظنية عقلا.

ومع هذا الحكم العقلي المستقل في مقام الإطاعة : لا حاجة إلى حكم الشارع بحجية الظن ، فتكون النتيجة : حجية الظن في مقام الإطاعة ، بمعنى : حكم العقل بعدم جواز مطالبة المولى بأزيد من الإطاعة الظنية ، وعدم جواز اقتصار المكلف على ما دونها من الإطاعة الشكية والوهمية وضمير «معها» راجع على المقدمات ، وضمير «أنه» للشأن ، يعني : مع هذه المقدمات الدالة على حجية الظن «لا يجب عقلا على الشارع أن ينصب» للأحكام الواقعية «طريقا لجواز اجتزائه» أي الشارع «بما استقل به» أي : باعتبار الظن «العقل في هذا الحال» أي : حال الانسداد.

(١) إشارة إلى توهم ودفعه ، فلا بد أولا : من تقريب التوهم ، كي يتضح دفعه.

أما تقريب التوهم : فملخصه : إثبات حجية الظن شرعا بقاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وبين ما حكم به الشرع ، بمعنى : أن كل ما حكم به العقل وبين ما حكم به الشرع ، بمعنى : أن كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ؛ إذ المفروض : أن العقل قد حكم باعتبار الظن حال الانسداد ، فيستكشف من حكمه هذا ـ بهذه القاعدة ـ أن الشرع قد حكم باعتباره في هذا الحال أيضا ، فيكون حجة شرعا.

فالمتحصل : أن الإطاعة الظنية حال الانسداد كما أنها عقلية كذلك شرعية بقاعدة الملازمة.

وأما الدفع : فهو أن قاعدة الملازمة أجنبية عن المقام ، أعني : الإطاعة الظنية التي هي من مراتب الإطاعة ، فلا تجري هذه القاعدة فيها حتى تكون الإطاعة موردا للحكم المولوي ؛ وذلك لأن القاعدة تجري في مورد قابل للحكم المولوي ؛ كحسن رد الوديعة

٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقبح الظلم ؛ ولا تجري في مورد غير قابل للحكم المولوي كالمقام أعني : الإطاعة الظنية ، فإنها غير قابلة للحكم المولوي ، فلا تجري القاعدة فيها.

وجه عدم قابليتها له : أن الحكم المولوي متقوم بشرطين مفقودين في المقام.

أحدهما : أن يكون متعلقه فعل العبد لا فعل المولى ؛ إذ الأحكام الشرعية لا تتعلق بفعل الشارع ، وإنما تتعلق بأفعال العباد ، وفعل الشارع لا يتعلق به إلا حكم العقل.

ثانيهما : أن يترتب على تعلقه بالفعل فائدة غير الفائدة التي تترتب على نفس الفعل عقلا أو تكوينا ، حيث إن الحكم الشرعي من الأفعال الاختيارية التي لا تصدر من العاقل فضلا عن الحكيم إلّا بداع عقلائي ، وحيث إن هذين الشرطين مفقودان فيما نحن فيه ـ أعني : الإطاعة الظنية ـ فلا يكون قابلا للحكم المولوي حتى تجري فيه قاعدة الملازمة ؛ لتثبت بها شرعية الإطاعة الظنية.

وجه عدم تحققهما فيه : أن الإطاعة الظنية تنحل إلى أمرين :

أحدهما : عدم وجوب الإطاعة العلمية ؛ لعدم التمكن منها ، ولازم عدم وجوبها : قبح مؤاخذة الشارع على تركها.

ثانيهما : عدم جواز الاكتفاء بما دون الإطاعة الظنية أعني الإطاعة الشكية والوهمية ، ولازم عدم جوازه : حسن الإطاعة الظنية.

وشيء من هذين الأمرين لا يصلح لأن يتعلق به الحكم المولوي.

أما الأول : فلأن المؤاخذة فعل الشارع ، وقد عرفت : أن فعل الشارع لا يكون موردا لحكم نفس الشارع ، فلا يتعلق به حكمه ، وإنما يتعلق به حكم العقل ، فالحاكم بقبح المؤاخذة هو العقل دون الشرع.

وأما الثاني : فلأنه وإن كان في نفسه قابلا لحكم الشرع من جهة أن الموضوع فيه ـ أعني : الإطاعة الظنية أو الإطاعة الشكية والوهمية ـ فعل العبد ، لكن لا يترتب على تعلق الحكم الشرعي بهذا الموضوع فائدة لم يكن أيضا قابلا للحكم المولوي.

توضيح ذلك : أن الاكتفاء بما دون الإطاعة الظنية يكون بنفسه منشأ لاستحقاق العقاب ، كما أن الإطاعة الظنية تكون بنفسها منشأ لاستحقاق الثواب ، فلا حاجة إلى أمر المولى بها ولا إلى نهيه عن الاكتفاء بما دونها ؛ لعدم ترتب فائدة على هذا الأمر أو النهي ؛ إذ لو كان الغرض منهما إيجاد الداعي في نفس العبد إلى العمل بالظن وترك

٧

من حكم العقل ؛ لقاعدة الملازمة ، ضرورة : أنها إنما تكون في مورد قابل للحكم الشرعي ، والمورد هاهنا غير قابل له ، فإن (١) الإطاعة الظنية التي يستقل العقل بكفايتها (٢) في حال الانسداد إنما هي بمعنى : عدم جواز مؤاخذة الشارع بأزيد منها (٣) ، وعدم اقتصار المكلف بدونها (٤) ، ومؤاخذة الشارع غير قابلة لحكمه (٥) ، وهو

______________________________________________________

الاكتفاء بما دونه ، فهو من قبيل طلب الحاصل المحال ؛ لفرض حصول هذا الغرض بحكم العقل بحسن الأول وقبح الثاني ، وإن كانا بدون غرض فهو قبيح على العاقل فضلا عن الحكيم.

وخلاصة الكلام في المقام : فالمورد ـ أعني باب الإطاعة والمعصية الذي منها الإطاعة الظنية فيما نحن فيه ـ غير قابل للحكم المولوي حتى تجري فيه قاعدة الملازمة ، كي تثبت بها حجية الظن حال الانسداد شرعا أيضا ؛ إما لانتفاء الشرط الأول المعتبر فيه وهو كون موضوعه فعل العبد ؛ لما عرفت من : أن الموضوع هنا هو المؤاخذة وهي فعل الشارع ، فلا يتعلق بها حكم نفس الشارع ، وإما لانتفاء الشرط الثاني ، وهو ترتب الفائدة على تعلقه غير أصل الفائدة التكوينية أو العقلية كما عرفت توضيح ذلك ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ١٤» مع توضيح وتصرف منا.

قوله : «من حكم العقل» متعلق ب «استكشاف» ، يعني : أنه لا مجال لأن يستكشف من حكم العقل نصب الشارع.

«لقاعدة» متعلق ب «استكشاف» وتعليل له.

«ضرورة» تعليل لقوله : «لا مجال» ، فهو تقريب لدفع التوهّم ، وضمير «أنها» راجع على قاعدة الملازمة ، «والمورد هاهنا» أي : في باب الإطاعة والمعصية.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) تعليل لعدم قابلية المورد للحكم المولوي.

(٢) أي : بكفاية الإطاعة الظنية.

(٣) أي : من الإطاعة الظنية ، والمراد بالأزيد هو : الإطاعة العلمية ، وهذا إشارة إلى الأمر الأول مما تنحل إليه الإطاعة الظنية.

(٤) أي : بأقل من الإطاعة الظنية هذا إشارة إلى الأمر الثاني مما تنحل إليه الإطاعة الظنية ، والمراد من «بدونها» هو : الإطاعة الشكية والوهمية.

(٥) هذا هو الشرط الأول المعتبر في الحكم المولوي ، وقد تقدم بقولنا : «أحدهما أن يكون متعلقه فعل العبد ...» الخ.

٨

واضح ، واقتصار (١) المكلف بما دونها لما كان بنفسه موجبا للعقاب مطلقا (٢) ، أو فيما أصاب الظن (٣) ، كما (٤) أنها بنفسها موجبة للثواب أخطأ (٥) ، أو أصاب (٦) من (٧) دون حاجة (٨) إلى أمر بها أو نهي عن مخالفتها ، كان (٩) حكم الشارع فيه مولويا بلا ملاك يوجبه ، كما لا يخفى ، ولا بأس به إرشاديا كما هو شأنه في حكمه بوجوب الإطاعة وحرمة المعصية.

______________________________________________________

(١) مبتدأ خبره «لما كان ...» الخ. وضمير «دونها» راجع على الإطاعة الظنية وهذا إشارة إلى بيان انتفاء الشرط الثاني مما يعتبر في الحكم المولوي هنا أي : في الإطاعة الظنية. فقوله : «بنفسه» إشارة إلى وجه عدم الفائدة في النهي المولوي عن الاكتفاء بما دون الإطاعة الظنية ؛ إذ الفائدة ـ وهي إحداث الداعي للعبد إلى الترك ـ موجودة في ذاته ، من دون حاجة إلى نهي الشارع ، حيث إن العقل كاف في إحداث الداعي إلى ترك ما دون الإطاعة الظنية ، فالنهي حينئذ يكون من تحصيل الحاصل.

(٢) يعني : سواء أصاب الظن وأخطأ ما دونه ـ أعني : الشك والوهم ـ فالعقاب يكون على تقويت الواقع أم أخطأ الظن وأصاب ما دونه ، فالعقاب حينئذ : يكون على التجري. وقوله : «أو فيما أصاب الظن» يعني : أن يكون الاقتصار على ما دون الظن موجبا للعقاب في خصوص ما إذا أصاب الظن وأخطأ ما دونه ؛ ليكون العقاب على تفويت الواقع.

(٣) لتفويته الواقع عن اختيار بترك العمل بالظن المفروض كونه مصيبا.

(٤) عدل لقوله : «موجبا» ، وضمير «أنها ، بنفسها» راجعان على الإطاعة الظنية.

(٥) والثواب يترتب حينئذ : على الانقياد.

(٦) والثواب حينئذ : على الإطاعة الحقيقية.

(٧) متعلق بكل من «موجبا للعقاب» و «موجبة للثواب» ، وضميرا «بها» مخالفتها راجعان على الإطاعة الظنية.

(٨) يعني : أن الحكم المولوي يكون لغوا ، لعدم ترتب فائدة عليه كما عرفت.

(٩) هذا جزاء الشرط في قوله : «لما كان» وجملة الشرط والجزاء خبر «واقتصار» ، «ولا بأس به إرشاديا» ، يعني : ولا بأس بحكم الشارع ـ في عدم جواز الاكتفاء بما دون الظن ـ إرشادا إلى حكم العقل به ؛ إذ الممتنع جعل الحكم المولوي لوجوب الإطاعة الظنية لا الحكم الإرشادي.

وضمير «هو» راجع إلى الإرشاد المستفاد من قوله : «إرشاديا». وضميرا «شأنه ، حكمه» راجعان على الشارع ، يعني : كما أن الإرشاد شأن الشارع في حكمه بوجوب الإطاعة.

٩

وصحة (١) نصبه الطريق وجعله في كل حال بملاك يوجب نصبه وحكمة داعية

______________________________________________________

(١) إشارة إلى دفع ما يمكن أن يتوهم في المقام من : أنه إذا كان العقل هو الحاكم في باب الإطاعة والمعصية حتى إنه لا يصح للشرع نصب الطريق ، فكيف يمكن نصبه للطريق في حال الانفتاح ، وأي فرق بين حال الانسداد وحال الانفتاح؟ وهذا ينافي ما تقدم آنفا من كون الظن طريقا عند الانسداد عقلا لا شرعا.

وحاصل الدفع : أن صحة نصب الطريق غير منافية لكون العقل مستقلا في باب الإطاعة ؛ إذ ربما ينصب الشارع طريقا للتسهيل بما ليس للعقل نصبه كما لو نصب الشارع الشهرة طريقا ، فإن العقل لا يرى للشهرة كشفا عن حكم المولى.

فقوله : «لا تنافي» خبر لقوله : «صحة نصبه». والحاصل : أن العقل لا يمنع نصب الشارع للطريق ، وإنما يمنع عن كون الطريق الذي عينه العقل مجعولا للشارع مولويا ، فالعقل يستقل بلزوم الإطاعة «بنحو» الظن «حال الانسداد ، كما يحكم بلزومها» أي : الإطاعة «بنحو آخر» كالقطع «حال الانفتاح ...» الخ.

توضيح التوهم ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ١٦» ـ : أن عدم قابلية الإطاعة الظنية للحكم المولوي إنما هو فيما إذا لوحظ الظن طريقا لإحراز الواقع بالظن ، ضرورة : أنه لا فائدة حينئذ في هذا الحكم المولوي ؛ بعد حكم العقل بلزوم إحراز الحكم الواقعي بالظن ، دفعا للعقوبة المحتملة في صورة ترك العمل به.

وأما إذا لوحظ الظن موضوعيا بحيث يترتب المثوبة على موافقته والعقوبة على مخالفته مع قطع النظر عن الواقع كسائر الأحكام الظاهرية ، فلا وجه لمنع تعلق الحكم المولوي بالعمل بالظن واستكشاف حكمه من حكم العقل بقاعدة الملازمة.

فالمتحصل : أنه يمكن استكشاف حجية الظن شرعا بقاعدة الملازمة.

وأما الدفع فتوضيحه : أن نصب الطريق لا بملاك إحراز الواقع وإن كان جائزا ؛ لكن لا يمكن استكشافه بقاعدة الملازمة ، وذلك لاعتبار وحدة الموضوع في الحكم الشرعي والعقلي في هذه القاعدة كالظلم ، حيث إنه موضوع لحكم العقل ـ أعني : القبح ـ وهو بنفسه موضوع أيضا لحكم الشرع ـ أعني : الحرمة ـ وهذا بخلاف المقام ، فإن الظن الملحوظ طريقا صرفا لإحراز الواقع ـ وهو الموضوع للحجية العقلية ـ غير الظن الملحوظ طريقا شرعا ؛ إذ على التقدير الأول : يكون الفعلي هو الحكم الواقعي ، وعلى الثاني : يكون الفعلي هو الحكم الظاهري ؛ لامتناع فعلية حكمين واقعي وظاهري معا لموضوع واحد ؛ كما عرفت في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري.

١٠

إليه لا تنافي استقلال العقل بلزوم الإطاعة بنحو حال الانسداد ، كما يحكم بلزومها بنحو آخر حال الانفتاح ، من دون استكشاف حكم الشارع بلزومها مولويا ؛ لما عرفت (١).

فانقدح بذلك (٢) : عدم صحة تقرير المقدمات إلا علي نحو الحكومة دون الكشف. وعليها (٣) : فلا إهمال في النتيجة أصلا سببا وموردا ...

______________________________________________________

وبالجملة : لا مانع من تعلق الحكم المولوي بالظن ؛ لكن لا بنحو حكم العقل به ؛ بل بملاك آخر كالتسهيل على المكلف ، فإن نصب طريق خاص لامتثال الأحكام ربما يوجب ضيقا عليه ، فيرفعه الشارع بجعل الحجية لمطلق الظن بالحكم الشرعي.

وضمير «جعله» راجع إلى الشارع «بملاك» أي : لا بملاك حكم العقل به ؛ بل بملاك التسهيل مثلا. وقوله «وحكمة» عطف تفسيري للملاك.

(١) يعني : من عدم قابلية باب الإطاعة للحكم المولوي بقوله : «والمورد هاهنا غير قابل له ...» الخ ، فهو تعليل لقوله : «من دون استكشاف». و «من دون» متعلق بقوله : «يحكم».

(٢) أي : باستقلال العقل بالإطاعة الظنية حال الانسداد ، وعدم استكشاف الحكم المولوي بها بقاعدة الملازمة ظهر : أن نتيجة المقدمات هي الحكومة دون الكشف ، وقد عرفت سابقا : مبنى الكشف والحكومة.

والمتحصل : أن التقرير على وجه الكشف باطل ؛ لأن المقدمات المذكورة لا تستلزم جعل الشارع للظن مطلقا أو بشرط حصوله من أسباب خاصة حجة ؛ لجواز أن لا يجعل الشارع طريقا للامتثال بعد تعذر العلم أصلا.

عدم الإهمال في النتيجة على الحكومة

(٣) أي : على الحكومة. هذا شروع في بيان ثمرة الحكومة والكشف وما يترتب عليهما من إهمال النتيجة وعدم إهمالها. فيقال : إنه بناء على الحكومة لا إهمال في النتيجة أصلا لا سببا ولا موردا ولا مرتبة ؛ بل معينة ، لكنها من حيث الأسباب كلية ، ومن حيث الموارد والمرتبة جزئية ، إذ الإهمال في النتيجة يكون في صورة الشك والترديد في الحكم ، ولا يتصور الشك والترديد من الحاكم ـ وهو هنا العقل ـ في حكمه الفعلي ؛ لأنه إذا أحرز مناط حكمه بشيء حكم به ، وإلا لم يحكم أصلا ، لا أنه يحكم مع الشك والترديد.

أما عدم الإهمال من حيث الأسباب ـ بمعنى : كلية النتيجة وعدم اختصاص حجية الظن الانسدادي بحصوله من سبب دون سبب ـ فلأن المناط في حكم العقل بلزوم

١١

ومرتبة (١) لعدم تطرق الإهمال والإجمال في حكم العقل كما لا يخفى.

وأما بحسب الأسباب فلا تفاوت بنظره فيها (٢).

وأما بحسب الموارد (٣) فيمكن أن يقال : بعدم استقلاله بكفاية الإطاعة الظنية ؛ إلا فيما ليس للشارع مزيد اهتمام فيه بفعل الواجب وترك الحرام ، ...

______________________________________________________

العمل بالظن هو أقربيته إلى الواقع من الشك والوهم ، وهذا المناط لا يختلف باختلاف أسباب الظن ، فالنتيجة كلية ـ وهي معينة ـ لا مهملة.

وأما عدم الإهمال بحسب الموارد ـ المسائل الفقهية ـ وكون النتيجة بحسبها جزئية معينة : فلأن المتيقن من حكم العقل بكفاية الإطاعة الظنية هو : ما إذا لم يكن للشارع مزيد اهتمام به ؛ إذ لو كان كذلك ـ كما في النفوس والأعراض والأموال ـ لم يستقل العقل بكفاية الظن فيه ؛ بل حكم بوجوب الاحتياط فيه ، وحيث كان لحكم العقل بكفاية الإطاعة الظنية حال الانسداد قدر متيقن بحسب الموارد كانت نتيجة مقدمات الانسداد جزئية معينة أيضا ، وليست مهملة.

وأما عدم الإهمال بحسب المرتبة : فلأن النتيجة هي : حجية خصوص الظن الاطمئناني إن كان وافيا ؛ وإلا فيتعدى عنه إلى غيره بمقدار الكفاية ؛ بحيث لا يلزم من الاحتياط في سائر الموارد ـ التي لم يقم ظن اطمئناني على الحكم الشرعي فيها ـ عسر أو حرج ، فإن استلزم الاحتياط فيها عسرا أو حرجا : لم يقتصر على الظن الاطمئناني ؛ بل يتعدى إلى غيره بمقدار ارتفاع الحرج.

وكيف كان ؛ فالنتيجة بحسب المرتبة أيضا معينة جزئية لا أنها مهملة.

(١) قوله : «سببا ، موردا ، مرتبة» بيان لقوله : «أصلا» ، و «لعدم» تعليل لعدم الإهمال ، كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ١٩ ـ ٢١».

(٢) أي : في الأسباب يعني : فلا تفاوت بنظر العقل بين الأسباب ، فكل من الظن الاطمئناني الحاصل من خبر العدل ، والقوي الحاصل من خبر الثقة ، والضعيف الناشئ من الشهرة الفتوائية حجة بحكم العقل ـ في حال الانسداد ـ بوزان واحد ، فالنتيجة من حيث الأسباب على الحكومة كلية ، هي حجية الظن مطلقا من دون تفاوت بين أسبابه.

(٣) أي : الموارد التي يتعلق بها الظن كمورد الطهارة والصلاة والزكاة وغيرها ـ من المسائل الفقهية ـ فقد عرفت كون النتيجة بحسها جزئية معينة وليست بمطلقة ؛ وذلك لعدم استقلال العقل «بكفاية الإطاعة الظنية ...» الخ.

١٢

واستقلاله (١) بوجوب الاحتياط فيما فيه مزيد الاهتمام ، كما في الفروج والدماء ؛ بل (٢) وسائر حقوق الناس مما لا يلزم من الاحتياط فيها العسر.

وأما بحسب المرتبة : فكذلك (٣) لا يستقل إلا بلزوم التنزل إلى مرتبة الاطمئنان من الظن بعدم التكليف ؛ إلا على تقدير عدم كفايتها في دفع محذور العسر (٤).

______________________________________________________

(١) عطف على «عدم» في قوله : «بعدم» ، يعني : فيمكن أن يقال باستقلال العقل بوجوب الاحتياط. وضمير «فيه» في الموضعين راجع على الموصول في «فيما» ، المراد به المورد في الموضعين.

(٢) إضراب عن استقلال العقل بوجوب الاحتياط في الفردين إلى استقلاله بوجوبه في الفرد الخفي أيضا مما يمكن القول بوجوب الاحتياط فيها ؛ ما لم يوجب عسرا أو حرجا ، وأما في الموارد الثلاثة : فيجب فيها الاحتياط مطلقا ، من غير تقييد بعدم استلزامه للحرج.

(٣) أي : فكالمورد فيما ذكرناه من التفصيل بين الظن الاطمئناني وغيره كما عرفت.

وحاصله : أن حكم العقل في المقام معيّن وهو الاكتفاء بالإطاعة الظنية فما ليس للشارع مزيد اهتمام ، ولزوم الاحتياط فيما علم للشارع مزيد اهتمام فيه. فالنتيجة من حيث الموارد معيّنة أيضا ولكنها ليست كلية بل هي حجية الظن في غير ما علم مزيد اهتمام الشارع فيه.

(٤) والحرج ، فيتنزل إلى مرتبة الأقوى فالأقوى. هذا مبني على كون النتيجة التبعيض في الاحتياط بأن يقال : إن مقتضى العلم الإجمالي بالأحكام هو الاحتياط التام ؛ لكنه ـ لإخلاله بالنظام ، أو لإيجابه للعسر والحرج ـ يرفع اليد عنه ، ويقتصر فيه على المقدار غير الموجب للعسر ، فإن ارتفع العسر برفع اليد عن الاحتياط في موهومات التكليف فقط اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في غيرها من المظنونات والمشكوكات ، إذا ارتفع العسر بتركه في بعض موهومات التكليف ـ وإن كان مما ظن اطمئنانا عدم التكليف فيه ـ اقتصر عليه ، ووجب الاحتياط في البعض الآخر من موهومات التكليف ؛ وإن كان من المظنون اطمئنانا عدم التكليف فيه.

وبالجملة : لا بد في رفع اليد عن الاحتياط التام من الاقتصار على ما يرتفع به محذور الاختلال أو العسر ، وهذا هو المراد بقوله : «في رفع محذور العسر» ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٢٢».

١٣

وأما على تقدير الكشف (١) : فلو قيل بكون النتيجة هو نصب الطريق الواصل بنفسه ؛ فلا إهمال فيها أيضا بحسب الأسباب ؛ بل يستكشف حينئذ : أن الكل حجة

______________________________________________________

التفصيل في إهمال النتيجة وتعيينها على الكشف

(١) لما كان معنى حجية الظن على الكشف هو : نصب الشارع الظن ـ حال الانسداد طريقا ، فالوجوه المتصورة في نصب الطريق الظني ثلاثة :

الأول : أن يستكشف بمقدمات الانسداد أن المنصوب هو الطريق الواصل بنفسه ، بمعنى : كون المقدمات الجارية في الأحكام موجبة للعلم بجعل الشارع طريقا معينا وأصلا بنفسه ، فلا حاجة في تعيين ذلك الطريق إلى غير المقدمات الجارية في نفس الأحكام ، وعليه : فالطريق الظني الذي يكشف عنه دليل الانسداد هو كل ما يورث الظن بالحكم مما وصل بنفسه إلى المكلف إذا لم يكن بعض أفراده متيقن الاعتبار بالنسبة إلى بعضها الآخر ، فيكون مثل هذا الظن حجة مطلقا يعني : سواء حصل من الخبر الصحيح أم الموثق أم الحسن أم الضعيف المنجز بعمل المشهور ، أم الإجماع المنقول أم غيرها ، فلو كان بينها تفاوت فالواصل إلى المكلف هو الظن الحاصل من ذلك السبب الخاص كخبر العدل الإمامي دون غيره ؛ لتعلق غرض الشارع بوصول الطريق وتعينه لديه ، فلو لم يكن هذه المزية موجبة لتعينه لزم نقض الغرض ، وسيأتي لازم هذا الوجه من إهمال النتيجة أو تعينها.

الثاني : أن يستكشف بمقدمات الانسداد أن المنصوب هو الطريق الواصل لو بطريقه ، بمعنى : كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع طريقا معينا إلى الأحكام ؛ ولو فرض تعينه لنا بغير هذه المقدمات مما يوجب العلم بطريقيته وتعينه ؛ كإجراء مقدمات الانسداد مرة ثانية في نفس الطريق للكشف عنه ، بأن يقال : إن مطلق الظن صار حجة بدليل الانسداد ، ولم يعلم رضا الشارع بخصوص طريق دون آخر ، والاحتياط في الطرق باطل ، وترجيح المرجوح على الراجح قبيح ، ويستكشف منها حينئذ : نصب طريق خاص ، والفرق بين الانسداد الكبير الجاري في نفس الأحكام ، وبين الجاري في الطرق هو : أن الأول يثبت رضا الشارع بتحصيل المكلف الظن بالحكم الشرعي ، وأن الحجة عنده طبيعة الظن بلا نظر إلى الخصوصيات ، وأما الثاني : فيتكفل تعين تلك الطرق الظنية التي اقتضتها مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام.

وبالجملة : فالمنصوب على هذا الوجه ما عينته المقدمات ولو بإجرائها مرة ثانية ، وسيأتي لازم هذا الوجه أيضا من إهمال النتيجة أو تعينها.

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : أن يستكشف بالمقدمات نصب طريق إلى الأحكام واقعا ؛ بمعنى : كون المقدمات موجبة للعلم بنصب الشارع طريقا إلى الأحكام ؛ ولو لم يصل إلينا ، ولم يتعين لنا لا بنفسه ولا بطريق يؤدي إليه كانسداد آخر جار في نفس الطريق. وعليه : فالثابت بمقدمات الانسداد هو حجية ظن بنحو الفرد المنتشر بين الظنون ، مع فرض عدم سبيل إلى إحراز اعتبار واحد منها بالخصوص ـ كالمستفاد من خبر الثقة مثلا ـ مع فرض اختلافها قوة وضعفا ، وسيأتي لازم هذا الوجه أيضا ؛ كما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٢٣ ـ ٢٤» ـ.

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

قوله : «فلا إهمال فيها أيضا» : أي فلا إهمال في النتيجة ، كما لا إهمال فيها بحسب الأسباب ، بناء على الحكومة. وهذا شروع في بيان لازم الوجه الأول ، وحاصله : أنه ـ بناء على كون نتيجة مقدمات الانسداد على الكشف هو نصب الطريق الواصل بنفسه ـ لا إهمال فيها بحسب الأسباب ، فالنتيجة حينئذ : معينة ، وهي إما كلية ، يعني أن الظن حجة من أي سبب حصل ، وإما جزئية ؛ وذلك لأنه إن كان بين الأسباب ما هو متيقن الاعتبار كخبر العادل المزكى بعدلين مثلا ، وكان وافيا بمعظم الفقه فهو حجة معينا دون سائر المظنون ، أما أن المتيقن الاعتبار حجة معينا : فلفرض أقوائية سببه من سائر الأسباب المفيدة للظن الموجبة لتيقن اعتباره ، وأما أن غيره ـ مما لم يتيقن باعتباره من سائر الظنون ـ لا يكون بحجة : فلعدم المجال لاستكشاف حجية غير متيقن الاعتبار بعد فرض أن الحجة هو خصوص الطريق الواصل بنفسه ، وأنه المتيقن اعتباره دون غيره.

وإن لم يكن بين الأسباب ما هو متيقن الاعتبار ، أو كان ولكن لم يف بمعظم الفقه : كانت الحجة هو الظن الحاصل من أي سبب ، عدا ما نهى الشارع عن اتباعه كالقياس. هذا كله بحسب الأسباب.

وكذا بحسب الموارد ـ وهي الأحكام الفرعية من الطهارة والصلاة وغيرهما من أحكام النفوس والأعراض والأموال ـ فإن النتيجة كلية أيضا ؛ إذ لو لم تكن كلية ولو لأجل التردد في بعض الموارد لزم خلاف الفرض ، وهو وصول الحجة بلا واسطة ، يعني : يلزم عدم وصول الحجة بنفسها إلينا ؛ ولو كان عدم وصولها كذلك لأجل التردد في مواردها.

وأما بحسب المرتبة : فالنتيجة مهملة ؛ لاحتمال كون الطريق المنصوب خصوص الظن

١٥

لو لم يكن بينها ما هو المتيقن. وإلّا فلا مجال لاستكشاف حجية غيره ولا (١) بحسب الموارد ؛ بل يحكم بحجيته في جميعها ؛ وإلا (٢) لزم عدم وصول الحجة ولو لأجل التردد في مواردها كما لا يخفى.

ودعوى الإجماع على التعميم بحسبها (٣) في مثل هذه المسألة المستحدثة مجازفة جدا.

______________________________________________________

الاطمئناني عند وفائه بالمعظم ، فيقتصر عليه ؛ إذ مع فرض الكفاية لا حاجة إلى غير الاطمئناني حتى يتعدى إليه.

قوله : «حينئذ» أي : حين تقرير المقدمات ، على نحو يستنتج منها نصب الطريق الواصل بنفسه يستكشف منها أن كل ظن من أي سبب حصل حجة.

وضمير «بينها» راجع على الظنون «وإلا» يعني : وإن كان بين الظنون ما هو متيقن الاعتبار «فلا مجال لاستكشاف حجية غيره» أي : غير متيقن الاعتبار.

(١) عطف على «بحسب الأسباب» ، وضمير «بحجيته» راجع على الظن ، وضمير «في جميعها» راجع على الموارد.

(٢) أي : وإن لم يحكم بحجية الظن في جميع الموارد والمسائل الشرعية لزم الخلف ، أي : خلاف ما فرضناه من كون النتيجة هي الحجة الواصلة ، يعني : حجية الطريق الواصل بنفسه ، فيلزم من عدم الالتزام بحجية ما وصل إلينا من الطرق في جميع الموارد : عدم كون النتيجة حجية جميع ما وصل إلينا ، ومعنى ذلك : عدم وصول الحجة إلينا ؛ ولو لأجل تردد ذلك الظن بين ظنون متعددة ، للشك في اعتبار أي واحد منها.

(٣) أي : بحسب الموارد. هذا دفع لما يدعيه الشيخ الأنصاري «قدس‌سره» من قيام الإجماع على التعميم بحسب الموارد ، بتقريب : أن النتيجة ليست إلا الحجية في بعض الموارد ، وأما سائر الموارد المشكوكة : فحجية الظن فيها إنما هو بالإجماع ، فالمقدمات إنما تفيد الحجية في بعض الموارد غير المهمة. والإجماع يفيد الحجية في الموارد المهمة ؛ لأنه قام على التعميم.

وأما دفع دعوى الإجماع على التعميم : فحاصله : أن دعوى الإجماع على التعميم بحسب الموارد مجازفة جدا ؛ إذ هذه المسألة ليست معنونة في كتب القدماء حتى يثبت الإجماع فيها ، فالنتيجة بحسب الموارد وإن كانت كلية ؛ ولكن لا للإجماع كما يدعيه الشيخ «قدس‌سره» ؛ بل لمنافاة الإهمال فيها لفرض وصول الطريق بنفسه بناء على الكشف ؛ إذ التردد في الطريق مناف لوصوله وتعينه ، فلا يحصل الإجماع كي

١٦

وأما بحسب المرتبة : ففيها (١) إهمال ؛ لأجل حجية خصوص الاطمئناني منه إذا كان وافيا ، فلا بد من الاقتصار عليه (٢).

ولو قيل بأن النتيجة هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه : فلا إهمال فيها (٣)

______________________________________________________

يستكشف به رأي الإمام «عليه‌السلام».

وبالجملة : أن المفروض وصول الطريق المنصوب شرعا بنفسه ، وقيام الإجماع عليه ينافي الوصول بنفسه.

(١) أي : ففي النتيجة إهمال ؛ «لأجل احتمال حجية خصوص الاطمئناني منه» ، أي : من الظن إذا كان وافيا بجميع الأحكام أو معظمها.

(٢) أي : على الظن الاطمئناني.

وحاصل الكلام في المقام : أنه لو قلنا بكون النتيجة على الكشف هي الطريق الواصل بنفسه فهل يكون كل ظن حجة ، سواء كان ظنا ضعيفا أو ظنا قويا ، أم تختص بالظن القوي فقط؟ ولازم ذلك : عدم الإهمال في النتيجة ؛ وذلك لإن الظن القوي لو كان وافيا بالفقه فلا إهمال من جهة أنه الحجة فقط دون الظن الضعيف ؛ لأنّه وصل الطريق ـ بسبب الظن القوي ـ وإن لم يكن وافيا : فلا إهمال أيضا من جهة أن الجميع حجة ؛ وإلا فليس الطريق واصلا بنفسه ، وهو خلاف الفرض. فحينئذ : ما ذكره المصنف بقوله : «ففيها إهمال» لا يخلو عن إشكال ؛ إذ لا فرق بين المرتبة والسبب ، فما قلنا في السبب يجري هنا أيضا.

هذا كله الأقسام الثلاثة السبب ، والمورد ، والمرتبة بناء ، على كون الطريق واصلا بنفسه ـ وهو القسم الأول بناء على الكشف ـ وأما القسم الثاني بناء على الكشف ، وهو ما أشار إليه بقوله : «لو قيل بأن النتيجة» لمقدمات الانسداد «هو نصب الطريق الواصل ولو بطريقه» ، بمعنى : أن الطريق المكشوف من المقدمات يصل إلينا بواسطة مقدمات أخرى ، فليس الطريق واصلا بنفسه ، بل واصلا بطريقه.

(٣) أي : فلا إهمال في النتيجة بحسب الأسباب ، هذا شروع في بيان لازم الوجه الثاني من الوجوه المحتملة في نتيجة المقدمات بناء على الكشف ، وهو كون النتيجة حجية الطريق الواصل ولو بطريقه.

وتوضيح ما أفاده فيه بالنسبة إلى السبب ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٢٨». هو : أن الظن بالحكم حجة إن كان سببه واحدا ، وكذا إن كان متعددا ؛ لكن مع التساوي في اليقين بالاعتبار أو الظن به.

١٧

بحسب الأسباب ؛ لو لم يكن فيها تفاوت (١) أصلا لو لم يكن بينها إلا ...

______________________________________________________

أما الأول : فلأن الوحدة في السبب توجب التعين الذاتي ، فلا إهمال في النتيجة.

وأما الثاني : فلأن تعين بعض الأفراد مع فرض التساوي بينها ، وعدم التفاوت بين أسبابها يكون من الترجيح بلا مرجح وهو قبيح ، فلا بد من الالتزام بحجية الجميع.

وإن كان سبب الظن بالحكم متعددا ؛ كما إذا نشأ من خبر الواحد والإجماع والشهرة ، وكانت الظنون متفاوتة من حيث الاعتبار ، فإن كان التفاوت بينها باليقين بالاعتبار والظن به : فالمتيقن اعتباره حجة دون غيره ؛ إذ الواصل إلى المكلف هو معلوم الاعتبار ، نعم ؛ مع عدم الكفاية يتعدى عنه إلى غيره.

وإن كان التفاوت بينها لأجل التفاوت في نفس الظن بالاعتبار ؛ بأن يكون بعض الظنون المتعلقة بالواقع مظنون الاعتبار كخبر الإمامي الممدوح بما لا يفيد العدالة ، وبعضها مشكوك الاعتبار كالشهرة وبعضها معلوم الاعتبار كالظن الحاصل من الخبر الصحيح : احتيج في تعيين الحجة الشرعية إلى إجراء مقدمات الانسداد في الطريق المستكشف نصبه في الجملة من مقدمات الانسداد الجارية في الأحكام الواقعية ؛ بأن يقال : إن باب العلم والعلمي بالنسبة إلى الطرق المنصوبة شرعا منسد ، وإهمالها غير جائز ، والاحتياط فيها غير ممكن أو غير واجب ، فيدور الأمر بين العمل بمظنون النصب أو مشكوكه أو موهومه والعقل يحكم ـ بمقتضى قبح ترجيح المرجوح على الراجح ـ بتقديم مظنون الاعتبار على مشكوكه وموهومه. هذا كله بحسب السبب.

وأما بحسب المورد : فالنتيجة ـ بناء على الكشف وكون الطريق واصلا ولو بطريقه ـ عامة بالنسبة إلى الموارد كالواصل بنفسه ؛ وإلا لزم عدم وصوله ولو للتردد في مواردها ؛ كما تقدم في الواصل بنفسه.

وأما بحسب المرتبة : فهي مهملة ؛ لما تقدم أيضا من احتمال حجية خصوص الظن الاطمئناني إذا كان وافيا ، والتعدي إلى غيره مع عدم الوفاء.

(١) يعني : لو لم يكن في الأسباب تفاوت في تيقن الاعتبار وعدمه كما عرفت توضيحه ، وعليه : فلا إهمال في صورتين :

الأولى : إذا لم يكن بين الأسباب الموجبة للظن تفاوت في تيقن الاعتبار ؛ بل كانت متساوية من حيث الاعتبار ؛ كخبر العدل والإجماع والشهرة مثلا.

الثانية : إذا لم يكن سبب للظن إلا واحد نوعي ، فالنتيجة جزئية ، وهي حجية خصوص خبر الواحد مثلا بأقسامه المتعددة ، وعدم حجية غيره.

١٨

واحد (١) ، وإلا (٢) فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار منها (٣) أو مظنونه بإجراء مقدمات دليل الانسداد حينئذ (٤) مرة أو مرات في تعيين الطريق المنصوب ، حتى ينتهي إلى ظن واحد ، أو إلى ظنون متعددة (٥) لا تفاوت بينها ، فيحكم بحجية كلها ،

______________________________________________________

توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».

(١) أي : واحد نوعي ، كخبر الواحد في مقابل الإجماع المنقول والشهرة وغيرهما.

(٢) أي : وإن كان بينها تفاوت في اعتبار بعضها دون الآخر ، «فلا بد من الاقتصار على متيقن الاعتبار» إذا كان التفاوت بين الظنون في اليقين بالاعتبار.

(٣) أي : من الأسباب المتعددة ، والحاصل : أنه لا إهمال أصلا بحسب الأسباب.

أما في صورة وحدة السبب : فلأنها موجبة للتعيين بالذات ، فلا مجال للإهمال والتردد.

وأما في صورة التعدد مع التساوي : فلأن التساوي مانع من تعيين البعض ؛ إذ لا وجه لتعيين الخبر دون الإجماع مثلا ، مع فرض تساويهما من جميع الجهات.

(٤) أي : حين التعدد والتفاوت بالظن باعتبار بعضها دون بعض «مرة : أو مرات».

توضيحه : إن كان بعضها مظنون الاعتبار دون ما سواه : جرى دليل الانسداد في تعيين الحجة على الاعتبار ، فيقال : الظن بالواقع منه مظنون الاعتبار ، ومنه مشكوك الاعتبار ، ومنه موهوم الاعتبار.

ثم يقال : الظن بالاعتبار بعض الظنون المتعلقة بالواقع إما أن يكون واحدا فهو الحجة على الاعتبار أو متعددا ، وكلها متساوية في تيقن الاعتبار أو الظن به كما تقدم ، فكلها حجة أيضا ، أو بعضها متيقن الاعتبار دون غيره ، فهو الحجة دون غيره ، وإن كان متعددا متفاوتا في الظن بالاعتبار : فلا بد من إجراء الدليل ثالثا لتعيين الحجة على اعتبار الظن بالاعتبار ، فيقال كما ذكر ، وهكذا حتى ينتهي الأمر إلى ظن واحد أو ظنون متساوية ، أو بعضها متيقن الاعتبار فيكون ذلك هو الحجة ، ثم ينتقل منه إلى إثبات غيره حتى يتعين الظن الذي هو حجة على الواقع ، ويكون واصلا إلى المكلف بطريقه لا بنفسه ؛ كما في «حقائق الأصول ، ج ٢ ، ص ١٩٣».

(٥) كما عرفت أيضا في الطريق الواصل بنفسه ، غاية الأمر : أن تعيين هذين القسمين ـ أعني الظن الواحد والظنون المتعددة التي لا تفاوت بينها ـ كان في الطريق الواصل بنفسه بإجراء مقدمات الانسداد في نفس الأحكام ، وفي المقام ـ وهو الطريق الواصل ولو بطريقه ـ بإجرائها ثانيا في الطريق إلى الأحكام ، وثالثا وهكذا.

١٩

أو متفاوتة يكون بعضها الوافي متيقن الاعتبار ، فيقتصر عليه (١).

وأما بحسب الموارد والمرتبة : فكما إذا كانت النتيجة هي الطريق الواصل بنفسه (٢) ، فتدبر جيدا.

ولو قيل : بأن النتيجة (٣) هو الطريق ولو لم يصل أصلا ، فالإهمال فيها يكون من

______________________________________________________

(١) أي : فيقتصر على متيقن الاعتبار.

(٢) قد عرفت توضيحه بقولنا : «وكذا بحسب الموارد فالنتيجة ...» الخ ، فالظن في جميع الموارد حجة ـ سواء كان من الأمور المهمة ، كالنفوس أم لا كالطهارة ـ وذلك لأنه لو لم يكن في بعضها حجة كان خلاف الغرض وإنه لم يصل الطريق ولو بطريقه ؛ لكن النتيجة مهملة بالنسبة إلى المرتبة ؛ لاحتمال حجية الظن الاطميناني فقط إذا كان وافيا.

(٣) أي : نتيجة دليل الانسداد «هو الطريق ولو لم يصل أصلا» ، بمعنى : أن المقدمات تنتج أن الشارع جعل طريقا لكنه غير معلوم ومشتبه بين الطرق التي بأيدينا ، «فالإهمال فيها» أي : في النتيجة «يكون من الجهات» أي : الموارد والأسباب والمراتب ؛ لأنه لم يعلم ـ بعد الإهمال ـ خصوصية وتعيين بالنسبة إلى إحدى الجهات ، ولا طريق إلى التعيين.

وكيف كان ؛ فهذا الكلام من المصنف تعرض للازم الوجه الثالث من الوجوه المحتملة في نتيجة المقدمات بناء على الكشف ، وهي كون النتيجة حجية الطريق إجمالا ، يعني : ولو لم يصل أصلا لا بنفسه ولا بطريقه.

وتوضيح ما أفاده في ذلك ـ على ما في «منتهى الدراية ، ج ٥ ، ص ٣١» ـ : أن النتيجة مهملة من الجهات الثلاث ، وتتعين الوظيفة حينئذ بالاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي بالطريق ؛ بأن يؤخذ بكل ما يحتمل كونه طريقا إن لم يلزم منه محذور عقلا كاختلال النظام ، أو شرعا كالعسر.

وإن لزم منه ذلك : فلا بد من التنزل من الكشف إلى حكومة العقل ، بما يظن طريقيته فقط إذا لم يكن بين الظنون ما هو متيقن الاعتبار ؛ وإلا فالمتعين الأخذ به كشفا.

والوجه في تعين الحكومة في صورة تساوي الظنون : أنه لا سبيل لاستكشاف الطريق المنصوب ، والمفروض : عدم وجوب الاحتياط أو عدم جوازه ، فيتعين المصير إلى الحكومة.

وبالجملة : فمع إمكان الاحتياط لا كشف ولا حكومة ، ومع عدمه تتعين الحكومة ؛ لفرض : عدم وصول الطريق المنصوب ولو بالواسطة.

ولا يخفى : أن ما أفاده المصنف «قدس‌سره» ـ من ابتناء إهمال النتيجة وتعيينها على أن تكون نتيجة المقدمات بناء على الكشف نصب الطريق الواصل بنفسه أو بطريقه أو

٢٠