التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبعض أصحابه : «سلموا على علي بإمرة المؤمنين. فقال رجل من القوم : لا والله لا تجتمع النبوة والإمامة ـ وقيل والخلافة ـ في أهل بيت أبدا. فأنزل الله عزوجل : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(١).

وروى عبد الله بن عباس ، أنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ عليهم الميثاق مرتين لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، الأولى : حين قال : «أتدرون من وليكم من بعدي؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «صالح المؤمنين. وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وقال : «هذا وليكم بعدي.

والثانية : يوم غدير خم يقول : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه. وكانوا قد أسروا في أنفسهم وتعاقدوا : أن لا نرجع إلى أهل هذا البيت هذا الأمر ، ولا نعطيهم الخمس ؛ فأطلع الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أمرهم ، وأنزل عليه : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(٢).

* س ٢٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١) [سورة الزخرف : ٨١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله جل وعز لما أراد أن يخلق آدم عليه‌السلام أرسل الماء على الطين ، ثم قبض قبضة فعركها ، ثم فرقها فرقتين بيده ، ثم ذرأهم فإذا هم يدبون. ثم رفع لهم نارا ، فأمر أهل الشمال أن يدخلوها ، فذهبوا إليها فهابوها ولم يدخلوها ، ثم أمر أهل اليمين أن يدخلوها ، فذهبوا فدخلوها. فأمر الله عزوجل النار فكانت عليهم بردا

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٢ ، ح ٤٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٢ ، ح ٤٩.

٨١

وسلاما ، فلما رأى ذلك أهل الشمال. قالوا : ربنا أقلنا ؛ فأقالهم ، ثم قال لهم : أدخلوها ؛ فذهبوا فقاموا عليها ولم يدخلوها ، فأعادهم طينا وخلق منها آدم عليه‌السلام.

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) «أي الجاحدين التأويل في هذا القول ، باطنه مضادّ لظاهره (١).

* س ٢٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٨٢) [سورة الزخرف : ٨٢]؟!

الجواب / قال يزيد بن الأصم : سأل رجل عمر بن الخطاب : ما تفسير سبحان الله؟ قال : إن في هذا الحائط رجلا إذا سئل أنبأ ، وإذا سكت ابتدأ ، فدخل فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : يا أبا الحسن ، ما تفسير سبحان الله؟ قال : «هو تعظيم جلال الله عزوجل ، وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك ، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ : «فمن اختلاف صفات العرش ، أنه قال تبارك وتعالى : (رَبِّ الْعَرْشِ) رب الوحدانية (عَمَّا يَصِفُونَ) ، وقوم وصفوه بيدين ، فقالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ)(٣) ، وقوم وصفوة بالرجلين ، فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس ، فمنها ارتقى إلى السماء ، ووصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات قال : (رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) ، يقول : رب المثل الأعلى عمّا به مثلوه ، ولله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شيء ، ولا

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٥ ، ح ٣.

(٢) الاحتجاج : ص ٢٥٠.

(٣) التوحيد : ص ٣١١ ، ح ١.

٨٢

يوصف ، ولا يتوهم ، فذلك المثل الأعلى (١).

* س ٢٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٨٣) [سورة الزخرف : ٨٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه التهديد للكافر فقال : (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) فيه بعذاب الأبد ، وهو يوم القيامة (٢).

* س ٢٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)(٨٤) [سورة الزخرف : ٨٤]؟!

الجواب / قال هشام بن الحكم : قال أبو شاكر الديصاني : إن في القرآن آية هي قولنا. قلت : ما هي؟ فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ؛) فلم أدر بما أجيبه ، فحججت ، فخبّرت أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : «هذا كلام زنديق خبيث ، إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول : فلان ، فقل له : ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول : فلان ، فقل : كذلك الله ربّنا في السماء إله ، وفي البحار إله ، وفي الأرض إله ، وفي القفار إله ، وفي كل مكان إله ، قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته ، فقال : هذه نقلت من الحجاز (٣).

وقال أبو أسامة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ، فنظرت والله إليه وقد لزم الأرض ، وهو يقول : «والله عزوجل الذي هو ، والله ربي في السماء إله ، وفي الأرض

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

(٢) التوحيد : ص ٣٢٣ ، ح ١.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٩٧.

٨٣

إله ، وهو الله عزوجل (١).

وقال السيد الرضي في (الخصائص) : قال الأسقف النصراني لعمر : أخبرني ـ يا عمر ـ أين الله تعالى؟ قال : فغضب عمر ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا أجيبك وسل عما شئت ، كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم ، إذ أتاه ملك فسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين أرسلت؟ قال : من سبع سماوات من عند ربي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم ، فقال له رسول الله : من أين أرسلت؟ قال : من سبع أرضين من عند ربّي ، ثم أتاه ملك آخر فسلم ، فقال له رسول الله : من أين أرسلت؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربي ؛ ثم أتاه ملك آخر ، فقال له رسول الله : من أين أرسلت؟ قال : من مغرب الشمس من عند ربّي ؛ فالله ها هنا وها هنا ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «معناه من ملكوت ربي في كل مكان ، ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى (٢).

* س ٣٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨٥) [سورة الزخرف : ٨٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي دامت بركته ، فمنه البركات ، وإيصال السعادات ، وجل عن أن يكون له ولد ، أو شبيه ، من له التصرف في السماوات والأرض ، وفيما بينهما ، بلا دافع ، ولا منازع (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) أي علم يوم القيامة ، لأنه لا يعلم وقته على التعيين غيره (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ، فيجازي كلا

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٩٩ ، ح ١٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٩.

٨٤

على قدر عمله (١).

* س ٣١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٨٩) [سورة الزخرف : ٨٦ ـ ٨٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هم الذين قد عبدوا في الدنيا لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا رب (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) فقال الله : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فلما بعث الله عزوجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلم له العقب من المستحفظين ، وكذبه بنو إسرائيل ، ودعا إلى الله عزوجل ، وجاهد في سبيله ، ثم أنزل الله جل ذكره عليه أن أعلن فضل وصيّك ، فقال : إن العرب قوم جفاة ، ولم يكن فيهم كتاب ، ولم يبعث إليهم نبيّ ، ولا يعرفون فضل نبوّات الأنبياء ، ولا شرفهم ، ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي. فقال الله جلّ ذكره : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)(٣) ، (وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، فذكر من فضل وصيّه ذكرا ، فوقع النفاق في قلوبهم ، فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك ، فقال الله جلّ ذكره : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ)(٤) ، (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ)(٥) ، ولكنهم يجحدون بغير حجة لهم (٦).

__________________

(١) خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : ص ٩٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٩٧.

(٣) النحل : ١٢٧.

(٤) الحجر : ٩٧.

(٥) الأنعام : ٣٣.

(٦) الكافي : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، ح ٣.

٨٥
٨٦

تفسير

سورة الدّخان

رقم السورة ـ ٤٤ ـ

٨٧
٨٨

سورة الدّخان

* س ١ : ما هو فضل سورة الدخان؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ سورة الدّخان في فرائضه ونوافله ، بعثه الله مع الآمنين يوم القيامة تحت عرشه ، وحاسبه حسابا يسيرا ، وأعطاه كتابه بيمينه (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة كان له من الأجر بعدد كل حرف منها مائة ألف رقبة عتيق ، ومن قرأها ليلة الجمعة غفر الله له جميع ذنوبه ؛ ومن كتبها وعلقها عليه أمن من كيد الشياطين ؛ ومن جعلها تحت رأسه رأى في منامه كل خير ، وأمن من قلقه في الليل ، وإذا شرب ماءها صاحب الشقيقة برىء ، وإذا كتبت وجعلت في موضع فيه تجارة ربح صاحب الموضع ، وكثر ماله سريعا (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلقها عليه أمن من شرّ كل ملك ، وكان مهابا في وجه كل من يلقاه ، ومحبوبا عند الناس ، وإذ شرب ماءها نفع من انعصار البطن ، وسهل المخرج بإذن الله (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٤.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٧.

(٣) البرهان : ج ٩ ، ص ٧.

٨٩

إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٩) [سورة الدخان : ١ ـ ٩]؟!

الجواب / قال سفيان بن سعيد الثوري للإمام الصادق عليه‌السلام : أخبرني يا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن (حم) و (حم عسق)(١)؟ قال : «أما (حم) فمعناه الحميد المجيد. وأمّا (حم عسق) فمعناه الحليم المثيب العالم السميع القادر القوي (٢).

وقال النصراني لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : إني أسألك أصلحك الله؟ قال : «سل ، قال : أخبرني عن الكتاب الذي أنزل على محمد ، ونطق به ثم وصفه بما وصفه ، فقال : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ما تفسيرها في الباطن؟ فقال : «أما حم فهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو في كتاب هود الذي أنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأما الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه‌السلام ، وأما الليلة ففاطمة عليها‌السلام ، وأما قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) يقول : يخرج منها خير كثير ، فرجل حكيم ، ورجل حكيم ، ورجل حكيم.

فقال الرجل : صف لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال؟ فقال : «الصفات تشتبه ، ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله ، وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم ، إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا وقديما ما فعلتم.

فقال له النصراني : إني لا أستر عنك ما علمت ، ولا أكذبك ، وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه ، والله لقد أعطاك الله من فضله ، وقسم

__________________

(١) الشورى : ١ و ٢.

(٢) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

٩٠

عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ، ولا يستره الساترون ، ولا يكذب فيه من كذب ، فقولي لك في ذلك الحق ، كل ما ذكرت فهو كما ذكرت ... إلى آخر الحديث (١).

وعن حمران ، أنه سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، قال : «نعم ، ليلة القدر ، وهي في كل سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر ، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر ، قال الله عزوجل : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال : «يقدر في ليلة القدر كل شيء يكون في تلك السنة إلى مثلها من قابل ، خير وشر وطاعة ومعصية ومولود وأجل ورزق ، فما قدر في تلك السنة وقضى فهو المحتوم ، ولله عزوجل فيه المشيئة.

قال : قلت : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)(٢) ، أي شيء عنى بذلك؟ قال : «العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير ، خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ، ولو لا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا ، ولكن الله يضاعف لهم الحسنات بحبّنا (٣).

وقال علي بن إبراهيم : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعني القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) ، وهي ليلة القدر ، أنزل الله القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثم نزل من البيت المعمور على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طول عشرين سنة (فِيها يُفْرَقُ) يعني في ليلة القدر (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي يقدر الله كل أمر من الحق والباطل ، وما يكون في تلك السنة ، وله فيه البداء ، والمشيئة يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٣٩٨ ، ح ٤.

(٢) القدر : ٣.

(٣) الكافي : ج ٤ ، ص ١٥٧ ، ح ٦.

٩١

والأمراض ، ويزيد فيها ما يشاء ، وينقص ما يشاء ، ويلقيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ويلقيه أمير المؤمنين إلى الأئمة عليهم‌السلام حتى ينتهي ذلك إلى صاحب الزمان عليه‌السلام ويشترط له ما فيه البداء والمشيئة والتقديم والتأخير.

ثم قال علي بن إبراهيم : حدثني بذلك أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن عليهم‌السلام (١).

وقال أبو المهاجر : قال أبو جعفر عليه‌السلام ، قال : «يا أبا المهاجر ، لا تخفى علينا ليلة القدر ، إن الملائكة يطوفون بنا فيها.

قوله تعالى : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) إلى قوله تعالى : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ، فهو محكم.

ثم قال : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) ، يعني في شكّ مما ذكرناه مما يكون في ليلة القدر (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦) وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٩٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٠.

٩٢

وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) (٢٨) [سورة الدخان : ١٠ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ) أي اصبر ، (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، قال : ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر (١).

وقال ابن شهر آشوب : روي أن النبي عليه‌السلام قال : «اللهم العن رعلا وذكوان ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعل سنيّهم كسنيّ يوسف. ففي الخبر أن الرجل منهم كان يلقى صاحبه فلا يمكنه الدنوّ ، فإذا دنا منه لا يبصره من شدّة دخان الجوع ، وكان يجلب إليهم من كل ناحية ، فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس وينتن ، فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ، ونبشوا القبور ، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها ، وأكلت المرأة طفلها ، وكان الدخان يتراكم بين السماء والأرض ، وذلك قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ). فقال أبو سفيان ورؤساء قريش : يا محمد ، أتأمرنا بصلة الرحم ، فأدرك قومك فقد هلكوا ؛ فدعا لهم ، وذلك قوله تعالى : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ، فقال الله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، فعاد إليهم الخصب والدعة ، وهو قوله تعالى : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)(٢).

نرجع إلى رواية علي بن إبراهيم : (يَغْشَى النَّاسَ) كلهم الظلمة ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٠.

(٢) المناقب : ج ١ ، ص ٨٢ و ١٠٧ «نحوه ، البحار : ج ١٦ ، ص ٤١١ ، ح ١. والآية من سورة قريش : ٣ و ٤.

٩٣

فيقولون : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ، فقال الله عزوجل ردّا عليهم : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) ، في ذلك اليوم (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) أي رسول قد تبيّن لهم : (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ، قال : قالوا : ذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأخذه الغشي ، فقالوا : هو مجنون ، ثم قال : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، يعني إلى يوم القيامة ، ولو كان قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، في القيامة لم يقل : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها.

ثم قال : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يعني في القيامة : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) ، أي اختبرناهم (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) ، أي ما فرض الله من الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والسنن والأحكام ، فأوحى الله إليه : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ، أي يتبعكم فرعون وجنوده (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) ، أي جانبا ، وخذ على الطرف ، (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ).

قوله تعالى : (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي حسن (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ، قال : النعمة في الأبدان ، قوله تعالى : (فاكِهِينَ) ، أي مفاكهين للنساء (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) ، يعني بني إسرائيل (١).

وقال الشيخ الطبرسيّ : (لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي إن لم تصدقوني فاتركوني ، لا معي ولا علي. وقيل معناه فاعتزلوا أذاي ، ثم ذكر سبحانه تمام قصة موسى بأن قال : (فَدَعا رَبَّهُ) أي فدعا موسى ربه حين يئس من قومه أن يؤمنوا به فقال : (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) أي مشركون لا يؤمنون. فكأنه قال : اللهم عجل لهم مما يستحقونه بكفرهم ما يكونون به نكالا لمن بعدهم.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٠.

٩٤

وما دعا عليهم إلا بعد أن أذن له في ذلك. وقوله : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) الفاء وقعت موقع الجواب. والتقدير فأجيب بأن قيل له : فأسر بعبادي. أمره سبحانه أن يسير بأهله وبالمؤمنين به ليلا ، حتى لا يردهم فرعون إذا خرجوا نهارا ، وأعلمه بأنه سيتبعهم فرعون بجنوده ، بقوله : (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي ساكنا على ما هو به إذا قطعته وعبرته. وكان قد ضربه بالعصا فانفلق لبني إسرائيل ، فأمره الله سبحانه أن يتركه كما هو ، ليغرق فرعون وقومه. وقيل : رهوا أي منفتحا منكشفا حتى يطمع فرعون في دخوله ... قال قتادة : لما قطع موسى البحر ، عطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم ، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) أي كما هو طريقا يابسا. (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) سيغرقهم الله تعالى (١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) (٢٩) [سورة الدخان : ٢٩]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «مر عليه رجل عدو لله ولرسوله ، فقال : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ، ثم مرّ عليه الحسين بن علي عليهما‌السلام ، فقال : لكن هذا لتبكين عليه السماء والأرض ، وقال : وما بكت السماء والأرض إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهم‌السلام (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : إيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليهما‌السلام دمعة حتى تسيل على خده ، بوأه الله في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى تسيل على خده لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوأه الله مبوأ صدق في الجنة ، وأيما

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٠٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩١.

٩٥

مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عينا حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف [الله] عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بكت السماء على يحيى بن زكريا ، وعلى الحسين بن علي عليهما‌السلام ، أربعين صباحا ، ولم تبك إلا عليهما. قال زرارة : قلت : فما بكاؤها؟ قال : «كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٦) [سورة الدخان : ٣٠ ـ ٣٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) يعني قتل الأبناء ، استخدام النساء ، والاستعباد ، وتكليف المشاق (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً) أي متجبرا متكبرا متغلبا. (مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي المجاوزين الحد في الطغيان. وصفه بأنه عال ، وإن جاز أن يكون عال صفة مدح ، لأنه قيده بأنه عال في الإسراف لأن العالي في الإحسان ممدوح ، والعالي في الإساءة مذموم. (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أي اخترنا موسى وقومه بني إسرائيل ، وفضلناهم بالتوراة ، وكثرة الأنبياء منهم. (عَلى عِلْمٍ) أي على بصيرة منا باستحقاقهم التفضيل والاختيار (عَلَى الْعالَمِينَ) أي على عالمي زمانهم ... ويدل عليه قوله تعالى لأمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). وقيل : فضلناهم على جميع العالمين في أمر كانوا مخصوصين به ، وهو كثرة الأنبياء منهم. (وَآتَيْناهُمْ)

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩١.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ص ٩٨.

٩٦

أي وأعطيناهم (مِنَ الْآياتِ) يعني الدلالات والمعجزات مثل فلق البحر ، وتظليل الغمام ، وإنزال المن والسلوى. (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) أي ما فيه النعمة الظاهرة ... وقيل : ما فيه شدة وامتحان مثل العصا ، واليد البيضاء. فالبلاء يكون بالشدة والرخاء ... فيكون في الآيات نعمة على الأنبياء وقومهم ، وشدة على الكفار المكذبين بهم.

ثم أخبر سبحانه عن كفار قوم نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ذكرهم في أول السورة فقال : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) أي ما الموتة إلا موتة نموتها في الدنيا ، ثم لا نبعث بعدها ، وهو قوله : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي بمبعوثين ، ولا معادين (فَأْتُوا بِآبائِنا) الذين ماتوا قبلنا ، وأعيدوهم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في أن الله تعالى يقدر على إعادة الأموات وإحيائهم. وقيل : إن قائل هذا أبو جهل بن هشام قال : إن كنت صادقا فابعث جدك قصي بن كلاب ، فإنه كان رجلا صادقا ، لنسأله عما يكون بعد الموت. وهذا القول جهل من أبي جهل من وجهين أحدهما : إن الإعادة إنما هي للجزاء ، لا للتكليف. وليست هذه الدار بدار جزاء ، ولكنها دار تكليف ، فكأنه قال : إن كنت صادقا في إعادتهم للجزاء ، فأعدهم للتكليف. والثاني : إن الإحياء في دار الدنيا إنما يكون للمصلحة ، فلا يقف ذلك على اقتراحهم ، لأنه ربما تعلق بذلك مفسدة (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : قوله عزوجل : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) ، قال : «الأئمة من المؤمنين ، وفضلناهم على من سواهم (٢).

وقال عبد الله بن عباس : كان رجل على عهد عمر بن الخطاب ، له إبل بناحية أذربايجان ، قد استصعبت عليه جملة فمنعت جانبها ، فشكا إليه ما قد

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١١٠ ـ ١١١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٤ ، ح ٢.

٩٧

ناله وأنه كان معاشه منها ، فقال له : اذهب فاستغث الله عزوجل ، فقال الرجل : ما أزال أدعو وأبتهل إليه ، فكلما قربت منها حملت علي. قال : فكتب له رقعة فيها : من عمر أمير المؤمنين إلى مردة الجن والشياطين أن تذللوا هذه المواشي له. قال : فأخذ الرجل الرقعة ومضى ، فاغتممت لذلك غما شديدا ، فلقيت أمير المؤمنين عليا عليه‌السلام فأخبرته مما كان ، فقال : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليعودن بالخيبة ، فهدأ ما بي ، وطالت علي سنتي ، وجعلت أرقب كل من جاء من أهل الجبال ، فإذا أنا بالرجل قد وافى وفي جبهته شجّة تكاد اليد تدخل فيها ، فلما رأيته بادرت إليه ، فقلت له : ما وراءك؟ فقال : إني صرت إلى الموضع ، ورميت بالرقعة ، فحمل علي عداد منها ، فهالني أمرها ، فلم تكن لي قوة بها ، فجلست فرمحني (١) أحدها في وجهي ، فقلت : اللهم اكفنيها ، فكلّها يشد علي ويريد قتلي ، فانصرفت عني ، فسقطت فجاء أخ لي فحملني ، ولست أعقل ، فلم أزل أتعالج حتى صلحت ، وهذا الأثر في وجهي ، فجئت لأعلمه يعني عمر. فقلت له : صر إليه فأعلمه.

فلما صار إليه ، وعنده نفر ، فأخبره بما كان فزبره ، وقال له : كذبت لم تذهب بكتابي ، قال : فحلف الرجل بالله الذي لا إله إلا هو ، وحق صاحب هذا القبر ، لقد فعل ما أمره به من حمل الكتاب ، وأعلمه أنه قد ناله منها ما يرى ، قال : فزبره وأخرجه عنه.

فمضيت معه إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فتبسم ثم قال : «ألم أقل لك ، ثم أقبل على الرجل ، فقال له : «إذا انصرفت فصر إلى الموضع الذي هي فيه ، وقل : اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، وأهل بيته الذين اخترتهم على علم على العالمين ، اللهم فذلل لي صعوبتها وحزانتها ، واكفني شرها ، فإنك

__________________

(١) رمحت الدابة فلانا : رفسته. «أقرب الموارد ـ رمح ـ ج ١ ، ص ٤٣.

٩٨

الكافي المعافي الغالب القاهر.

فانصرف الرجل راجعا ، فلما كان من قابل قدم الرجل ومعه جملة قد حملها من أثمانها إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فصار إليه وأنا معه ، فقال له : «تخبرني أو أخبرك؟ فقال الرجل : بل تخبرني ، يا أمير المؤمنين ، قال : «كأنك صرت إليها ، فجاءتك ولاذت بك خاضعة ذليلة ، فأخذت بنواصيها واحدا بعد آخر فقال : صدقت يا أمير المؤمنين ، كأنك كنت معي ، فهذا كان ، فتفضل بقبول ما جئتك به. فقال : «امض راشدا ، بارك الله لك فيه ، فبلغ الخبر عمر فغمّه ذلك حتى تبيّن الغمّ في وجهه ، فانصرف الرجل وكان يحج كل سنة ولقد أنمى الله ماله.

قال : وقال : أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كل من استصعب عليه شيء من مال أو أهل أو ولد أو أمر فرعون من الفراعنة فليبتهل بهذا الدعاء فإنه يكفى مما يخاف ، إن شاء الله تعالى (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٣٩) [سورة الدخان : ٣٧ ـ ٣٩]؟! ومن هم قوم تبع؟!

الجواب / أقول : لقد كانت أرض اليمن ـ الواقعة في جنوب الجزيرة العربية ـ من الأراضي العامرة الغنية ، وكانت في الماضي مهد الحضارة والتمدن ، وكان يحكمها ملوك يسمون تبعا ـ وجمعها تبابعة ـ لأن قومهم كانوا يتبعونهم ، أو لأن أحدهم كان يخلف الآخر ويتبعه في الحكم.

__________________

(١) خصائص الأئمة عليهم‌السلام : ص ٤٨.

٩٩

ومهما يكن ، فقد كان قوم تبع يشكلون مجتمعا قويا في عدته وعدده ، ولهم حكومتهم الواسعة المترامية الأطراف. وهذه الآيات تواصل البحث حول مشركي مكة وعنادهم وإنكارهم للمعاد ـ فتهدد أولئك المشركين من خلال الإشارة إلى قصة قوم تبع ، بأن ما ينتظركم ليس العذاب الإلهي في القيامة وحسب ، بل سوف تلاقون في هذه الدنيا أيضا مصيرا كمصير قوم تبع المجرمين الكافرين ، فتقول : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ).

من المعلوم أن سكان الحجاز كانوا مطلعين على قصة قوم تبع الذين كانوا يعيشون في جوارهم ، ولذلك لم تفصل الآية كثيرا في أحوالهم ، بل اكتفت بالقول : أن احذروا أن تلاقوا نفس المصير الذي لاقاه أولئك الأقوام الآخرون الذين كانوا يعيشون قربكم وحواليكم ، وفي مسيركم إلى الشام ، وفي أرض مصر. فعلى فرض أن بإمكانكم إنكار القيامة ، فهل تستطيعون أن تنكروا العذاب الذي نزل بساحة هؤلاء القوم المجرمين العاصين؟

والمراد من (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أمثال قوم نوح وعاد وثمود.

وسنبحث المراد من قوم تبع ، في ما يأتي ، إن شاء الله تعالى.

ثم تعود الآية التي بعدها إلى مسألة المعاد مرة أخرى ، وتثبت هذه الحقيقة باستدلال رائع ، فتقول : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ).

نعم ، فإن لهذا الخلق العظيم الواسع هدفا ، فإذا كان الموت بزعمكم خط نهاية الحياة ، بعد أيام تمضي من المأكل والمشرب والمنام وقضاء الشهوات الحيوانية ، وبعد ذلك ينتهي كل شيء بالموت ، فسيكون هذا الخلق لعبا ولهوا وعبثا ، لا فائدة من ورائه ولا هدف.

١٠٠