التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

فضلهم على درجاتهم في السبق إليه ، فجعل لكل امرىء منهم على درجة سبقه لا ينقصه فيها من حقّه ، ولا يتقدم مسبوق سابقا ، ولا مفضول فاضلا ، تفاضل بذلك أوائل هذه الأمّة وأواخرها ، ولو لم يكن للسابق إلى الإيمان فضل على المسبوق إذن للحق آخر هذه الأمة أولها ، نعم ولتقدموه إذا لم يكن لمن سبق إلى الإيمان الفضل على من أبطأ عنه ، ولكن بدرجات الإيمان قدم الله السابقين ، وبالإبطاء عن الإيمان أخّر الله المقصرين ، لأنّا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الأولين ، وأكثرهم صلاة وصوما وحجّا وزكاة وجهادا وإنفاقا ، ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل متقدّمين على الأولين ، [لكن] أبى الله عزوجل أن يدرك آخر درجات الإيمان أوّلها ، ويقدم فيها من أخّر الله ، أو يؤخر فيها من قدّم الله.

قلت : أخبرني عما ندب الله عزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الإيمان. فقال : «قول الله عزوجل : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) ، وقال : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(١) ، وقال : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(٢) ، فبدأ بالمهاجرين الأولين على درجة سبقهم ، ثم ثنى بالأنصار ، ثم ثلّث بالتابعين لهم بإحسان ، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده ، ثم ذكر ما فضل الله عزوجل به أولياءه بعضهم على بعض ، فقال عزوجل : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ) فوق بعض (دَرَجاتٍ)(٣) إلى آخر الآية ، وقال : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ)(٤) ،

__________________

(١) الواقعة : ١٠ ، ١١.

(٢) التوبة : ١٠٠.

(٣) البقرة : ٢٥٣.

(٤) الإسراء : ٥٥.

٤٤١

وقال : (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)(١) ، وقال : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ)(٢) ، وقال : (يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ)(٣) ، وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ)(٤) ، وقال : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً)(٥) ، وقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا)(٦) ، وقال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ)(٧) ، وقال : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ)(٨) ، وقال : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ)(٩) ، وقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا)(١٠) فهذا ذكر درجات الإيمان ومنازله عند الله تعالى (١١).

وقال الرضيّ في (الخصائص) : بإسناد مرفوع إلى أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام ، قال : «قدم أسقف نجران على عمر بن الخطاب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن أرضنا أرض باردة شديدة المؤونة لا تحتمل الجيش ، وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في كل عام كملا ، فكان يقدم هو بالمال بنفسه ومعه أعوان له حتى يوفّيه بيت المال ، ويكتب له عمر البراءة.

__________________

(١) الإسراء : ٢١.

(٢) آل عمران : ١٦٣.

(٣) هود : ٣.

(٤) التوبة : ٢٠.

(٥) النساء : ٩٥ ، ٩٦.

(٦) الحديد : ١٠.

(٧) المجادلة : ١١.

(٨) التوبة : ١٢٠.

(٩) البقرة : ١١٠.

(١٠) الزلزلة : ٧ ، ٨.

(١١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٤ ، ح ١.

٤٤٢

قال : «فقدم الأسقف ذات عام ، وكان شيخا جميلا ، فدعاه عمر إلى الله وإلى دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنشأ ، يذكر فضل الإسلام ، وما يصير إليه المسلمون من النعيم والكرامة ، فقال له الأسقف : يا عمر ، أنتم تقرءون في كتابكم أن [لله] جنّة عرضها كعرض السماء والأرض ، فأين تكون النار؟ قال : فسكت عمر ، ونكّس رأسه ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وكان حاضرا ـ : أجب هذا النصراني. فقال له عمر : بل أجبه أنت. فقال عليه‌السلام له : يا أسقف نجران ، أنا أجيبك أرأيت ، إذا جاء النهار أين يكون الليل ، وإذا جاء الليل أين يكون النهار؟ فقال الأسقف : ما كنت أرى [أن] أحدا يجيبني عن هذه المسألة : ثم قال : من هذا الفتى ، يا عمر؟ قال عمر : هذا علي بن أبي طالب ، ختن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابن عمه وأول مؤمن معه ، هذا أبو الحسن والحسين.

قال الأسقف : أخبرني ـ يا عمر ـ عن بقعة في الأرض طلعت فيها الشمس ساعة ، ولم تطلع فيها قبلها ولا بعدها؟ قال عمر : سل الفتى ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا أجيبك ، هو البحر حيث انفلق لبني إسرائيل ، فوقعت الشمس فيه ، ولم تقع فيه قبله ولا بعده ، قال الأسقف : صدقت يا فتى.

ثم قال الأسقف : أخبرني ـ يا عمر ـ عن شيء في أيدي أهل الدنيا شبيه بثمار أهل الجنة؟ فقال : سل الفتى. فقال عليه‌السلام : أنا أجيبك : هو القرآن ، يجتمع أهل الدنيا عليه ، فيأخذون منه حاجتهم ، ولا ينقص منه شيء ، وكذلك ثمار الجنة. قال الأسقف : صدقت يا فتى.

ثم قال الأسقف : يا عمر ، أخبرني هل للسماوات من أبواب؟ فقال عمر : سل الفتى ، فقال عليه‌السلام : نعم يا أسقف ، لها أبواب. فقال : يا فتى هل لتلك الأبواب من أقفال؟ فقال عليه‌السلام : نعم يا أسقف ، أقفالها الشرك بالله. قال الأسقف : صدقت يا فتى. فما مفتاح تلك الأقفال؟ فقال عليه‌السلام : شهادة أن لا

٤٤٣

إله إلا الله ، لا يحجبها شيء دون العرش ، فقال : صدقت يا فتى.

ثم قال الأسقف : يا عمر ، أخبرني عن أول دم وقع على وجه الأرض ، أي دم كان فقال : سل الفتى. فقال عليه‌السلام : أنا أجيبك يا أسقف نجران ، أما نحن فلا نقول كما تقولون أنه دم ابن آدم الذي قتله أخوه ؛ وليس هو كما قلتم ، ولكن أول دم وقع على وجه الأرض مشيمة حواء حين ولدت قابيل بن آدم. قال الأسقف : صدقت يا فتى.

ثم قال الأسقف : بقيت مسألة واحدة ، أخبرني أنت ـ يا عمر ـ أين الله تعالى؟ قال : فغضب عمر ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : أنا أجيبك وسل عما شئت ، كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم ، إذا أتاه ملك فسلّم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين أرسلت؟ قال : من سبع سماوات من عند ربي. ثم أتاه ملك آخر ، فسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين أرسلت؟ قال : من سبع أرضين من عند ربي. ثم أتاه ملك آخر فسلم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين أرسلت؟ قال : من مشرق الشمس من عند ربي. ثم أتى ملك آخر ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين أرسلت؟ فقال : من مغرب الشمس من عند ربي. فالله ها هنا وها هنا ، في السماء إله ، وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم.

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «معناه من ملكوت ربي في كل مكان ، ولا يعزب عن علمه شيء تبارك وتعالى (١).

وقال السيد الرضيّ ، في (فضائل العترة) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث ـ وقد سأله جاثليق : أخبرني عن الجنة والنار ، أين هما؟ قال عليه‌السلام : «الجنة تحت العرش في الآخرة ، والنار تحت الأرض السابعة السفلى فقال الجاثليق : صدقت.

__________________

(١) خصائص الأئمة عليهم‌السلام : ص ٩٠.

٤٤٤

وقال ابن شهر آشوب : عن الباقر والصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) من عباده ، وفي قوله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ)(١) : «إنهما نزلتا في أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٢٢) [سورة الحديد : ٢٢]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) : «صدق الله وبلغت رسله ، كتابه في السماء علمه بها ، وكتابه في الأرض إعلامنا في ليلة القدر وفي غيرها (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «لمّا أدخل رأس الحسين عليه‌السلام على يزيد لعنه الله ، وأدخل عليه علي بن الحسين عليهما‌السلام وبنات أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان علي بن الحسين عليهما‌السلام مقيدا مغلولا ، فقال يزيد : يا علي بن الحسين ، الحمد لله الذي قتل أباك. فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : لعن الله من قتل أبي. قال : فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه عليه‌السلام فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : فإذا قتلتني فبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يردهن إلى منازلهن ، وليس لهن محرم غيري؟ فقال : أنت تردهن إلى منازلهن ، ثم دعا بمبرد ، فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده.

ثم قال : يا علي بن الحسين ، أتدري ما الذي أريد بذلك؟ قال : بلى ، تريد أن لا يكون لأحد عليّ منة غيرك. فقال يزيد : هذا والله [ما] أردت.

ثم قال : يا علي بن الحسين (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ

__________________

(١) النساء : ٣٢.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٩٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥١.

٤٤٥

أَيْدِيكُمْ)(١) فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : كلا ما هذه فينا نزلت ، إنما نزلت فينا : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) الآية ؛ فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ، من الدنيا ولا نفرح بما آتانا منها (٢).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «تعتلج (٣) النطفتان في الرحم ، فأيتهما كانت أكثر جاءت تشبهها ، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت تشبه أخواله ، وإن كانت نطفة الرجل أكثر جاءت تشبه أعمامه.

وقال : «تحول النطفة في الرحم أربعين يوما ، فمن أراد أن يدعو الله عزوجل ففي تلك الأربعين قبل أن تخلق ، ثم يبعث الله عزوجل ملك الأرحام إليها ، فيأخذها ، فيصعد بها إلى الله عزوجل ، فيقف حيث يشاء الله ، فيقول : يا إلهي ، أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله تعالى ما يشاء ، ويكتب الملك ، ثم يقول : يا إلهي أشقي أم سعيد؟ فيوحي الله عزوجل من ذلك ما يشاء ، ويكتب الملك ، ويقول اللهم كم رزقه ، وما أجله؟ ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه في الدنيا بين عينيه ، ثم يرجع به فيرده في الرحم ، فذلك قوله عزوجل : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها)(٤).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)(٢٣) [سورة الحديد : ٢٣]؟!

الجواب / روي : إن رجلا سأل علي بن الحسين عليهما‌السلام عن الزهد فقال :

__________________

(١) الشورى : ٣٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥٢.

(٣) اعتلجت الأمواج : إذا التطمت. «النهاية : ج ٣ ، ص ٢٨٦.

(٤) علل الشرائع : ص ٩٥ ، ح ٤.

٤٤٦

«عشرة أشياء ، فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع ، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين ، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا ، [ألا] وإن الزهد كله في آية من كتاب الله عزوجل : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)(١).

وقال حفص بن غياث : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، فما حد الزهد في الدنيا؟ قال : فقال : «قد حد الله في كتابه ، فقال عزوجل : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله ، وأخوفهم له أعلمهم به ، وأعلمهم به أزهدهم فيها.

فقال له رجل : يا ابن رسول الله ، أوصني. فقال : «اتق الله حيث كنت ، فإنك لا تستوحش عنه (٢).

وقال أبو جعفر الثاني عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) ، قال : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : سأل رجل أبي عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : نزلت في أبي بكر وأصحابه ، واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ) من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال الرجل : أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ، ثم قام الرجل فذهب فلم أره (٣).

أقول : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ : مُخْتالٍ) أخذت من مادة (خيال) بمعنى متكبر ، لأن التكبر من التخيل أي من تخيل الإنسان الفضل لنفسه ، وتصوره أنه أعلى من الآخرين. و (فَخُورٍ) صيغة مبالغة من مادة (فخر) بمعنى الشخص الذي يفتخر كثيرا على الآخرين.

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٤ ، ح ٤.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٤٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥١.

٤٤٧

والشخص الذي يبتلى بهذه الحالات هو المغرور الذي أسكرته النعم ، ولم توقظه المصائب والآفات عن هذا السكر والغفلة وتهديه إلى سير التكامل.

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٢٤) [سورة الحديد : ٢٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم بين صفة المختال الفخور ، فقال (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بما أوجب الله عليهم من الحقوق في أموالهم (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أيضا. وقيل : نزلت في اليهود الذين بخلوا بذكر صفة النبي على ما وجدوه في كتبهم وأمروا غيرهم بذلك. والبخل هو منع الواجب. ثم قال (وَمَنْ يَتَوَلَ) يعني ومن يعرض عما ذكره الله وخالف (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ومعناه إنه تعالى الغني عن جميع خلقه محمود في جميع أفعاله ، فمنع هؤلاء حقوق الله لا يضره ، وإنما ضرر ذلك عليهم (١).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥) [سورة الحديد : ٢٥]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أوصى موسى عليه‌السلام إلى يوشع بن نون ، وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ، ولم يوص إلى ولده ، ولا إلى ولد موسى ، إن الله عزوجل له الخيرة ، يختار ما يشاء ممن يشاء ، وبشر موسى ويوشع بالمسيح عليهم‌السلام ، فلما أن بعث الله عزوجل المسيح عليه‌السلام ، قال

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥٣٣.

٤٤٨

المسيح عليه‌السلام لهم : إنه سوف يأتي من بعدي نبي اسمه أحمد من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، يجيء بتصديقي وتصديقكم وعذري وعذركم ، وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين ، وإنما سماهم الله عزوجل المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر ، وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شيء ، الذي كان مع الأنبياء (صلوات الله عليهم) يقول الله عزوجل : (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وأنزلنا معهم الكتاب والميزان) (١) الكتاب : الاسم الأكبر ، وإنما عرف مما يدعى الكتاب التوراة والإنجيل والفرقان ، فيها كتاب نوح عليه‌السلام ، وفيها كتاب صالح وشعيب وإبراهيم عليهم‌السلام فأخبر الله عزوجل : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى)(٢) وأين صحف إبراهيم؟ إنما صحف إبراهيم الاسم الأكبر ، وصحف موسى الاسم الأكبر.

فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم ، حتى دفعوها إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما بعث الله عزوجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسلم له العقب من المستحفظين ، وكذبه بنو إسرائيل ، ودعا إلى الله عزوجل ، وجاهد في سبيله ، ثم أنزل الله جل ذكره عليه : أن أعلن فضل وصيّك. فقال : [رب] إن العرب قوم جفاة ، لم يكن فيهم كتاب ، ولم يبعث إليهم نبيّ ، ولا يعرفون نبوّة الأنبياء ولا شرفهم ، ولا يؤمنون بي إن أنا أخبرتهم بفضل أهل بيتي ، فقال الله جلّ ذكره : (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ)(٣) (وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٤) فذكر من فضل وصيّه ذكرا ، فوقع النفاق في قلوبهم ، فعلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك وما يقولون ، فقال الله جلّ ذكره : ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولن فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين

__________________

(١) لم ترد هذه الآية بهذا الوجه في القرآن.

(٢) الأعلى : ١٨ ، ١٩.

(٣) النحل : ١٢٧.

(٤) الزخرف : ٨٩.

٤٤٩

بآيات الله يجحدون (١) لكنهم يجحدون بغير حجة لهم.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئا في فضل وصيّه حتى [نزلت] هذه السورة ، فاحتّج عليهم حين أعلم بموته ونعيت إليه نفسه ، فقال الله عزّ ذكره : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ)(٢) يقول : إذا فرغت فانصب علمك وأعلن وصّيك ، فأعلمهم فضله علانية ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ـ ثلاث مرات ـ ثم قال : لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ليس بفرار ـ يعرض بمن رجع يجبن أصحابه ويجبنونه ـ وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : علي سيد المؤمنين. وقال : علي عمود الدين ، وقال : هذا هو الذي يضرب الناس بالسيف على الحق بعدي. وقال : الحق مع علي أينما مال. وقال : إني تارك فيكم أمرين ، إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله عزوجل ، وأهل بيتي عترتي. أيها الناس : اسمعوا وقد بلّغت ، إنكم ستردون علي الحوض ، فأسألكم عما فعلتم في الثقلين ، [و] الثّقلان : كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي ، فلا تسبقوهم فتهلكوا ،. ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. فوقعت الحجة بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالكتاب الذي يقرأه الناس.

فلم يزل يلقي فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم بالقرآن : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) ، وقال عزّ ذكره :

__________________

(١) لم ترد هذه الآية بهذا الوجه في القرآن ، بل الذي في سورة الحجر الآية ٩٧ و ٩٨ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ، وفي سورة الأنعام الآية ٣٣ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

(٢) الانشراح : ٧ ، ٨.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

٤٥٠

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى)(١) ، ثم قال جل ذكره : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ)(٢) ، وكان علي عليه‌السلام وكان حقه الوصية التي جعلت له ، والاسم الأكبر ، وميراث العلم ، وآثار علم النبوّة ، فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(٣) ، ثم قال : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)(٤) ، يقول : أسألكم عن المودة التي أنزلت عليكم فضلها ، مودة القربى ، بأي ذنب قتلتموهم؟

وقال جل ذكره : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٥) ، قال :

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) الإسراء : ٢٦.

(٣) الشورى : ٢٣.

(٤) التكوير : ٨ ، ٩. قال المجلسي : قوله : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) ، أقول : القراءة المشهورة : الموءودة بالهمزة ، قال الطبرسي : الموءودة : هي الجارية المدفونة حية ، وكانت المرأة إذا حان وقت ولادتها حفرت حفرة وقعدت على رأسها ، فإن ولدت بنتا رمتها في الحفرة ، وإن ولدت غلاما حبسته ، أي تسئل فيقال لها : بأي ذنب قتلت؟ ومعنى سؤالها توبيخ قاتلها ، وقيل : المعنى : يسئل قاتلها ، بأي ذنب قتلت؟

وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام: (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) بفتح الميم والواو. وروي عن ابن عباس أنه قال : هو من قتل في مودتنا أهل البيت. وعن أبي جعفر عليه‌السلام : «يعني قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قتل في جهاد وفي رواية أخرى ، قال : «هو من قتل في مودتنا وولايتنا انتهى.

وأقول : الظاهر أن أكثر تلك الأخبار مبنية على تلك القراءة الثانية ، إما بحذف المضاف ، أي أهل المودة يسئلون بأي ذنب قتلوا ، أو بإسناد القتل إلى المودة مجازا ، والمراد قتل أهلها ، أو بالتجوز في القتل ، والمراد تضييع مودة أهل البيت عليهم‌السلام وإبطالها وعدم القيام بها وبحقوقها ، وبعضها على القراءة الأولى المشهورة بأن يكون المراد بالموؤدة النفس المدفونة في التراب مطلقا أو حية ، إشارة إلى أنهم لكونهم مقتولين في سبيل الله تعالى ، ليسوا بأموات ، بل أحياء عند ربهم يرزقون ، فكأنهم دفنوا أحياء ، وفيه من اللطف ما لا يخفى ، وهذا الخبر يؤيد الوجه الأول لقوله : (قَتَلْتُمُوهُمْ). «مرآة العقول : ج ٣ ، ص ٢٨١.

(٥) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

٤٥١

الكتاب [هو] الذّكر ، وأهله آل محمد عليهم‌السلام ، أمر الله عزوجل بسؤالهم ، ولم يأمر بسؤال الجهال ، وسمى الله عزوجل القرآن ذكرا ، فقال تبارك وتعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(١) ، وقال عزوجل : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ)(٢).

وقال عزوجل ؛ (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(٣) ، وقال عزوجل : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى) الله وإلى (الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا)(٤) فردّ الله أمر الناس إلى أولي الأمر منهم ، الذين أمر بطاعتهم وبالرد إليهم.

فلما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام وقال : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ)(٥) ، فنادى الناس فاجتمعوا ، وأمر بسمرات فقم (٦) شوكهن ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أيها الناس ، من وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟ فقالوا : الله ورسوله. فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ـ ثلاث مرات ـ فوقعت حسكة النفاق في قلوب القوم ، وقالوا : ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع (٧) ابن عمه.

__________________

(١) النحل : ٤٤.

(٢) الزخرف : ٤٤.

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) النساء : ٨٣.

(٥) المائدة : ٦٧.

(٦) السمر : نوع من الشجر ، وقم : كنس.

(٧) الضبع : ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاها. «المعجم الوسيط ـ ضبع ـ ج ١ ، ص ٥٣٣.

٤٥٢

فلما قدم المدينة أتته الأنصار ، فقالوا : يا رسول الله ، إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا ، فقد فرح الله صديقنا وكبت عدوّنا ، وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم ، فيشمت بك العدو ، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد مكة وجدت ما تعطيهم. فلم يرد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم شيئا ، وكان ينتظر ما يأتيه من ربه ، فنزل عليه جبرئيل عليه‌السلام وقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، ولم يقبل أموالهم ، فقال المنافقون : ما أنزل هذا على محمد ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ، ويحمل علينا أهل بيته ، يقول أمس : من كنت مولاه فعلي مولاه ، واليوم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، ثم نزلت عليه آية الخمس ، فقالوا : يريد أن يعطيهم أموالنا وفيئنا. ثم أتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال : يا محمد ، إنك قد قضيت نبوتك ، واستكملت أيامك ، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوّة عند علي ، فإني لم أترك الأرض إلا وفيها عالم ، تعرف به طاعتي ، وتعرف به ولايتي ، ويكون حجّة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر. قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب ، تفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة وألف باب (١).

وقال سعد بن طريف ، كنا عند أبي جعفر عليه‌السلام ، ثمانية رجال ، فذكرنا رمضان ، فقال : «لا تقولوا هذا رمضان ، [ولا ذهب رمضان] ولا جاء رمضان ، [فإن رمضان اسم من أسماء الله لا يجيء ولا يذهب. وإنما يجيء ويذهب الزائل ولكن قولوا : شهر رمضان] ، فالشهر المضاف إلى الاسم [والاسم] اسم الله ، وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن ، جعله الله ـ سقط في

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٢٣٢ ، ح ٣.

٤٥٣

هذا المكان في الأصل ـ لا يفعل الخروج في شهر رمضان لزيارة الأئمة عليهم‌السلام وعيدا ، ألا ومن (١) خرج في شهر رمضان من بيته في سبيل الله ، ونحن سبيل الله الذي من دخل فيه يطاف بالحصن ، والحصن هو الإمام ، فيكبّر عند رؤيته كانت له يوم القيامة صخرة في ميزانه أثقل من السماوات السبع والأرضين السبع وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ.

قلت : يا أبا جعفر ، وما الميزان؟ فقال : «إنك قد ازددت قوة ونظرا يا سعد ، رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصخرة ، ونحن الميزان ، وذلك قول الله عزوجل في الإمام : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ، ومن كبر بين يدي الإمام وقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له. كتب الله له رضوانه الأكبر ، ومن كتب له رضوانه الأكبر يجمع بينه وبين إبراهيم ومحمد عليهما‌السلام والمرسلين في دار الجلال.

فقلت : وما دار الجلال؟ فقال : «نحن الدار ، وذلك قول الله عزوجل : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٢) [فنحن العاقبة يا سعد ، وأما مودتنا للمتّقين] فيقول الله عزوجل : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٣) فنحن جلال الله وكرامته التي أكرم الله تبارك وتعالى العباد بطاعتنا (٤).

٢ ـ قال الطبرسي في (الاحتجاج) : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث ـ وقال : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) فإنزاله ذلك : خلقه [إيّاه] (٥).

__________________

(١) في البحار : جعله الله مثلا وعيدا ، ألا ومن.

(٢) القصص : ٨٣.

(٣) الرحمن : ٧٨.

(٤) مختصر بصائر الدرجات : ص ٥٦ ، بحار الأنوار : ج ٢٤ ، ص ٣٩٦ ، ح ١١٦.

(٥) الاحتجاج : ص ٢٥٠.

٤٥٤

وقال ابن عباس ، في قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) قال : أنزل الله آدم معه من الجنة سيف ذي الفقار ، خلق من ورق آس الجنّة ، ثم قال : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) ، فكان به يحارب آدم أعداءه من الجن والشياطين ، وكان عليه مكتوبا : لا يزال أنبيائي يحاربون به ، نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صديق ، حتى يرثه أمير المؤمنين فيحارب به عن النبي الأمي ، (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) لمحمد وعلي (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) منيع بالنقمة من الكفار بعلي بن أبي طالب عليه‌السلام.

قال : وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية ذو الفقار ، أنزل من السماء على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعطاه عليا عليه‌السلام (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦) [سورة الحديد : ٢٦]؟!

الجواب / عن الريان بن الصلت ، عن الرضا عليه‌السلام ـ في حديث المأمون مع العلماء ، وقد أشرنا له غير مرة ـ قالت العلماء : أخبرنا ـ يا أبا الحسن ـ عن العترة ، أهم الآل أم غير الآل؟ فقال الرضا عليه‌السلام : «هم الآل.

فقالت العلماء : فهذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤثر عنه أنه قال : «أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه : آل محمد : أمّته.

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : «أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا : نعم. قال : «فتحرم على الأمة؟ قالوا : لا. قال : «هذا فرق بين الآل والأمّة ، ويحكم أين يذهب بكم؟ أضربتم عن الذّكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون؟ أما

__________________

(١) المناقب : ج ٣ ، ص ٢٩٤.

٤٥٥

علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم؟ قالوا : ومن أين ، يا أبا الحسن؟ فقال عليه‌السلام : «من قول الله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أن نوحا عليه‌السلام حين سأل ربه تعالى ذكره ، فقال : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ)(١) وذلك أن الله عزوجل وعده أن ينجيه وأهله ، فقال له ربه عزوجل : (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ)(٢)؟ (٣).

* س ٢٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٢٧) [سورة الحديد : ٢٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) أي : ثم أتبعنا بالإرسال على آثار من ذكرناهم من الأنبياء ، برسل آخرين إلى قوم آخرين ، وأنفذناهم رسولا بعد رسول. (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) بعدهم. فأرسلناه رسولا. (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) أي وأعطينا عيسى بن مريم الإنجيل (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه ، يعني الحواريين ، وأتباعهم ، اتبعوا عيسى «رأفة وهي أشد الرقة و «رحمة وإنما أضاف الرأفة والرحمة إلى

__________________

(١) هود : ٤٥.

(٢) هود : ٤٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٢٩ ، ح ١.

٤٥٦

نفسه ، لأنه سبحانه جعل في قلوبهم الرأفة والرحمة بالأمر به ، والترغيب فيه ، ووعد الثواب عليه. وقيل : لأنه خلق في قلوبهم الرأفة والرحمة ، وإنما مدحهم على ذلك ، وإن كان من فعله ، لأنهم تعرضوا لهما. (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) وهي الخصلة من العبادة ، يظهر فيها معنى الرهبة ، إما في كنيسة ، أو انفراد عن الجماعة ، أو غير ذلك من الأمور التي يظهر فيها نسك صاحبه ، والمعنى : ابتدعوا رهبانية لم نكتبها عليهم. وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها هي رفض النساء ، واتخاذ الصوامع ، عن قتادة قال : وتقديره ورهبانية ما كتبناها عليهم (إِلَّا) أنهم اتبعوها (ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) وقيل : إن الرهبانية التي ابتدعوها لحاقهم بالبراري والجبال في خبر مرفوع عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما رعاها الذين بعدهم حق رعايتها ، وذلك لتكذيبهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ... وقيل : إن الرهبانية هي الانقطاع عن الناس للانفراد بالعبادة. ما كتبناها أي : ما فرضناها عليهم. وقال الزجاج : إن تقديره ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله ، وابتغاء رضوان الله : اتباع ما أمر به. فهذا وجه ، قال : وفيها وجه آخر ، جاء في التفسير أنهم كانوا يرون من ملوكهم ما لا يصبرون عليه ، فاتخذوا أسرابا وصوامع ، وابتدعوا ذلك. فلما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع ، ودخلوا عليه ، لزمهم تمامه ، كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما ، لم يفرض عليه. لزمه أن يتمه. قال : وقوله (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) على ضربين أحدهما : أن يكونوا قصروا فيما ألزموه أنفسهم. والآخر : وهو الأجود أن يكونوا حين بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يؤمنوا به ، كانوا تاركين لطاعة الله ، فما رعوا تلك الرهبانية حق رعايتها. ودليل ذلك قوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) يعني الذين آمنوا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي كافرون. انتهى كلام الزجاج. ويعضد هذا ما جاءت به الرواية ، عن ابن مسعود قال : كنت رديف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حمار ، فقال : يا بن أم

٤٥٧

عبد! هل تدري من أين أحدثت بنو إسرائيل الرهبانية؟ فقلت : الله ورسوله أعلم. فقال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى ، يعملون بمعاصي الله ، فغضب أهل الإيمان ، فقاتلوهم فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل فقالوا : إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ، ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرق في الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى عليه‌السلام ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فتفرقوا في غيران الجبال ، وأحدثوا رهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ، ومنهم من كفر. ثم تلا هذه الآية : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) إلى آخرها. ثم قال : يا بن أم عبد! أتدري ما رهبانية أمتي؟ قلت : الله ورسوله أعلم. قال : الهجرة ، والجهاد ، والصلاة ، والصوم ، والحج ، والعمرة. وعن ابن مسعود قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا بن مسعود! اختلف من كان قبلكم على اثنتين وسبعين فرقة ، نجا منها اثنتان ، وهلك سائرهن. فرقة قاتلوا الملوك على دين عيسى عليه‌السلام ، فقتلوهم. وفرقة لم تكن لهم طاقة لموازاة الملوك ، ولا أن يقيموا بين ظهرانيهم ، يدعونهم إلى دين الله تعالى ، ودين عيسى عليه‌السلام ، فساحوا في البلاد ، وترهبوا ، وهم الذين قال الله لهم (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) ثم قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آمن بي ، وصدقني ، واتبعني ، فقد رعاها حق رعايتها ، ومن لم يؤمن بي ، فأولئك هم الهالكون (١).

* س ٢٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢٨) [سورة الحديد : ٢٨]؟!

الجواب / قال أبو الجارود : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : لقد آتى الله أهل

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٠٣ ـ ٤٠٤.

٤٥٨

الكتاب خيرا كثيرا ، قال : «وما ذاك؟ قلت : قول الله عزوجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا)(١).

قال : فقال : «قد آتاكم الله كما آتاهم ، ثم تلا : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) «يعني إماما تأتمّون به (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، قال : «الحسن والحسين عليهما‌السلام. (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، قال : «يجعل لكم إمام عدل تأتمّون به ، وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام (٣).

وقال علي بن إبراهيم القمي : في قوله تعالى : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) : نصيبين من رحمته : أحدهما أن لا يدخله النار ، والثانية أن يدخله الجنّة ، وقوله تعالى : (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ) ، يعني الإيمان (٤).

أقول : وأخيرا فإن جزاء المؤمنين المتقين هو (غفران الذنوب) لأن بدونه لا يكون للإنسان هناء بأي نعمة تفضل بها الله عليه ، حيث يجب أن يكون في البداية في مأمن من العذاب الإلهي ثم ينتقل إلى المسير في طريق النور والتقوى لينال الرحمة الإلهية المضاعفة.

* س ٢٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢٩) [سورة الحديد : ٢٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا

__________________

(١) القصص : ٥٢ ـ ٥٤.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ١٥٠ ، ح ٣.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٩ ، ح ٢٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥٢.

٤٥٩

يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) معناه ليعلم أهل الكتاب الذين يتشبهون بالمؤمنين منهم (أَلَّا يَقْدِرُونَ) أي أنهم لا يقدرون (عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ) ... وقيل : معناه ليعلم أهل الكتاب الذين حسدوا المؤمنين بما وعدوا أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله ، فيصرفوا النبوة عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى من يحبونه ...

وقوله : (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ) معناه ليعلموا أن الفضل بيد الله (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) أي يعطيه من يحب من عباده ممن يعلم أنه يصلح له. ثم قال (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) معناه ذو تفضل على خلقه وإحسان على عباده تعظيم لا يحصى كثرة ولا يعد (١).

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥٣٨.

٤٦٠