التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

ثم ذكر المؤمنين الذين ثبتوا على إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ).

[وقد ورد في حديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا تحت شجرة وحده ، فسل أحد المشركين سيفه وهجم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له : من يخلصك مني؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الله ، فأخذت الكافر رعدة ، وهوى على الأرض ، وسقط السيف من يده ، فأخذه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال له : «فمن يخلصك مني الآن؟ قال : لا أحد ، ثم آمن (١).

نعم ، الله مولى الذين آمنوا ، وإنّ الكافرين لا مولى لهم].

ثم ذكر المؤمنين ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) يعني بولاية علي عليه‌السلام : (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا) أعداؤه (يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) يعني أكلا كثيرا (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) قال : الذين أهلكناهم من الأمم السالفة كانوا أشد قوة من قريتك ، يعني أهل مكة الذين أخرجوك منها ، فلم يكن لهم ناصر (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام : (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) يعني الذين غصبوه (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) «نزلت في المنافقين (٣).

__________________

(١) روح البيان : المجلد ٨ ، ص ٥٠٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٢.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٥١.

١٦١

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ)(١٧) [سورة محمّد : ١٥ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم ضرب لأوليائه وأعدائه مثلا ، فقال لأوليائه : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) إلى قوله تعالى : (لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي خمرة إذا تناولها ولي الله وجد رائحة المسك فيها (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ)(١).

وقال علي عليه‌السلام : «الماء سيد شراب الدنيا والآخرة ، وأربعة أنهار في الدنيا من الجنة : الفرات ، والنيل ، وسيحان ، وجيحان (٢) ، الفرات : الماء ، والنيل : العسل ، وسيحان : الخمر ، وجيحان : اللبن (٣).

وقال علي بن إبراهيم : ثم ضرب لأعدائه مثلا ، فقال : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) فقال : ليس من هو في هذه الجنة الموصوفة كمن هو في هذه النار ، كما أنه ليس عدوّ الله كوليّه.

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) فإنّها نزلت في

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

(٢) في النسخ : وسيحون وجيحون.

(٣) كامل الزيارات : ص ٤٧ ، ح ١.

١٦٢

المنافقين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن كان إذا سمع شيئا منه لم يؤمن به ولم يعه ، فإذا خرجوا ، قالوا للمؤمنين : ماذا قال محمد آنفا؟ فقال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدعو أصحابه ، فمن أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعو إليه ، ومن أراد الله به شرّا طبع على قلبه ولا يسمع ولا يعقل ، وهو قول الله تعالى : (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) إلى قوله تعالى : (ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) الآية (٢).

٣ ـ قال علي بن إبراهيم : ثم ذكر المهتدين ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) وهو رد على من زعم أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص (٣).

وقال علي عليه‌السلام : «كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيخبرنا بالوحي ، فأعيه أنا دونهم والله وما يعونه ، وإذا خرجوا قالوا لي : ماذا قال آنفا (٤).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) (١٨) [سورة محمّد : ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم قال تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ) يعني القيامة (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(٥).

وقال علي بن إبراهيم ، قال عبد الله بن عباس : حججنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، ثمّ أقبل علينا بوجهه ، فقال :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

(٤) تأويل الآيات : ٢ ، ص ٥٨٤ ، ح ١٠.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

١٦٣

«ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ ـ وكان أدنى الناس [منه] يومئذ سلمان (رحمة الله عليه) ـ فقالوا : بلى يا رسول الله ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أشراط الساعة إضاعة الصلاة ، واتّباع الشهوات ، والميل إلى الأهواء وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا ، فعندها يذاب قلب المؤمن في جوفه كما يذاب الملح بالماء ، مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، إنّ عندها أمراء جورة ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء خونة.

فقال سلمان : وإنّ هذا لكائن ، يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان إنّ عندها يكون المنكر معروفا ، والمعروف منكرا ، ويؤتمن الخائن ، ويخوّن الأمين ، ويصدق الكاذب ، ويكذب الصادق. قال سلمان : وإنّ هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان فعندها تكون إمارة النساء ، ومشاورة الإماء ، وقعود الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب ظرفا ، والزكاة مغرما ، والفيء مغنما ، ويجفو الرجل والديه ، ويبرّ صديقه ، ويطلع الكوكب المذنب. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها تشارك المرأة زوجها في التجارة ، ويكون المطر قيظا ، ويغاظ الكرام غيظا ، ويحتقر الرجل المعسر ، فعندها تقارب الأسواق ، إذا قال هذا : لم أبع شيئا ، وقال هذا : لم أربح [شيئا] ، فلا ترى إلا ذاما لله. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم وإن سكتوا

١٦٤

استباحوهم ، ليستأثروا بفيئهم ، وليطؤن حرمتهم ، وليسفكنّ دماءهم ، ولتملأن قلوبهم دغلا ورعبا ، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، إن عندها يؤتى بشيء من المشرق وشيء من المغرب يلون أمتي ، فالويل لضعفاء أمتي منهم ، والويل لهم من الله ، لا يرحمون صغيرا ، ولا يوقّرون كبيرا ، ولا يتجاوزون عن مسيء ، جثتهم جثة الآدميين ، وقلوبهم قلوب الشياطين. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها يكتفي الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء ، ويغار على الغلمان كما يغار على الجارية في بيت أهلها ، وتشبه الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، ويركبن ذوات الفروج والسّروج ، فعليهنّ من أمتي لعنة الله. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان إن عندها تزخرف المساجد كما تزخرف البيع والكنائس ، وتحلى المصاحف ، وتطول المنارات ، وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة. قال سلمان : وإنّ هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها تحلّى ذكور أمّتي بالذهب ويلبسون الحرير والديباج ، ويتخذون جلود النّمور صفاقا. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها يظهر الربا ، ويتعاملون بالعينة (١) والرّشا ، ويوضع

__________________

(١) عيّن : أخذ بالعينة بالكسر : أي السلف أو أعطى بها ، وعيّن التاجر : باع سلعته بثمن إلى أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن. «القاموس المحيط : ج ٤ ، ص ٢٥٤.

١٦٥

الدّين ، وترفع الدنيا قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها يكثر الطلاق ، فلا يقام لله حد ، ولن يضر الله شيئا. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها تظهر القينات والمعازف ، ويليهم شرار أمتي. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها تحجّ أغنياء أمتي للنزهة ، وتحجّ أوساطها للتجارة ، وتحجّ فقراؤها للرّياء والسمعة ، فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله ، فيتّخذونه مزامير ، ويكون أقوام يتفقّهون لغير الله ، وتكثر أولاد الزنا ويتغنّون بالقرآن ، ويتهافتون بالدنيا. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، ذاك إذا انتهكت المحارم ، واكتسبت المآثم ، وتسلّط الأشرار على الأخيار ، ويفشوا الكذب ، وتظهر اللجاجة ، وتفشو الفاقة ، ويتباهون في اللباس ، ويمطرون في غير أوان المطر ، ويستحسنون الكوبة (١) ، والمعازف ، وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حتى يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمة ، ويظهر قرّاؤهم وعبّادهم فيما بينهم التلاوم ، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس والأنجاس. قال سلمان : وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، فعندها لا يخشى الغنيّ إلا الفقير ، حتى إن السائل يسأل فيما بين الجمعتين لا يصيب أحدا يضع في كفّه شيئا. قال سلمان ، وإن هذا لكائن ، يا رسول الله؟

__________________

(١) أي الطبل الصغير المحضر.

١٦٦

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إي والذي نفسي بيده.

يا سلمان ، وعندها يتكلم الرّويبضة (١). قال سلمان : وما الرّويبضة ، يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فداك أبي وأمّي ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يتكلّم في أمر العامّة من لم يكن يتكلّم ، فلم يلبثوا إلا قليلا حتى تخور الأرض خورة ، فلا يظنّ كل قوم إلّا أنها خارت في ناحيتهم ، فيمكثون ما شاء الله ، ثمّ يمكثون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها. قال : «ذهب وفضة. ثمّ أومأ بيده إلى الأساطين ، فقال : «مثل هذا ، فيومئذ لا ينفع ذهب ولا فضّة. فهذا معنى قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ)(١٩) [سورة محمّد : ١٩]؟!

الجواب / قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، غرست له شجرة في الجنّة من ياقوتة حمراء ، نبتها في مسك أبيض أحلى من العسل ، وأشدّ بياضا من الثلج ، وأطيب ريحا من المسك ، فيها أمثال ثدي الأبكار ، تفلق عن سبعين حلّة.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خير العبادة قول : لا إله لا الله. وقال : «خير العبادة الاستغفار ، وذلك قول الله عزوجل في كتابه : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)(٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغفر الله عزوجل كل يوم سبعين مرة ، ويتوب إلى الله عزوجل سبعين مرة.

__________________

(١) الرويبضة ، تصغير الرّابضة : وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور ، وقعد عن طلبها.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٣.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٧٥ ، ح ٢.

١٦٧

قال : قلت : كان يقول : أستغفر الله وأتوب إليه؟ قال : «كان يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله ـ سبعين مرة ـ ويقول : وأتوب إلى الله ، وأتوب إلى الله ـ سبعين مرة (١).

وقال الشيخ الطبرسي : ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد به جميع المكلفين : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) قال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى : أقم على هذا العلم ، وأثبت عليه ، واعلم في مستقبل عمرك ما تعلمه الآن ، ويدل عليه ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة. أورده مسلم في الصحيح. وقيل : إنه يتعلق بما قبله على معنى : إذا جاءتهم الساعة ، فاعلم أنه لا إله إلا الله أي يبطل الملك عند ذلك ، فلا ملك ولا حكم لأحد إلا الله. وقيل. إن هذا إخبار بموته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد : فاعلم أن الحي الذي لا يموت هو الله وحده. وقيل : إنه كان ضيق الصدر من أذى قومه ، فقيل له : فاعلم أنه لا كاشف لذلك إلا الله. (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) الخطاب له ، والمراد به الأمة ، وإنما خوطب بذلك لتستن أمته بسنته. وقيل : إن المراد بذلك الانقطاع إلى الله تعالى ، فإن الاستغفار عبادة يستحق به الثواب. وقد صح الحديث بالإسناد عن حذيفة بن اليمان قال : كنت رجلا ذرب اللسان على أهلي ، فقلت : يا رسول الله! إني لأخشى أن يدخلني لساني في النار؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فأين أنت من الاستغفار؟ إني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة. (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أكرمهم الله سبحانه بهذا ، إذ أمر نبيهم أن يستغفر لذنوبهم ، وهو الشفيع المجاب فيهم. ثم أخبر سبحانه عن علمه ، وأحوال الخلق ومآلهم فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) أي متصرفكم في أعمالكم في الدنيا ، ومصيركم في الآخرة إلى الجنة ، أو إلى

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦٦ ، ح ٥.

١٦٨

النار ... وقيل : يعلم متقلبكم في أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ، ومثواكم أي مقامكم في الأرض ... وقيل : متقلبكم من ظهر إلى بطن ، ومثواكم في القبور ... وقيل : يعلم متقلبكم متصرفكم في النهار ، ومثواكم مضجعكم بالليل. والمعنى : إنه عالم بجميع أحوالكم ، فلا يخفى عليه شيء منها (١).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ) (٢٠) [سورة محمّد : ٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم قال سبحانه حكاية عن المؤمنين : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي هلا نزلت ، لأنهم كانوا يأنسون بنزول القرآن ، ويستوحشون لإبطائه ، ليعلموا أوامر الله تعالى فيهم ، وتعبده لهم. (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ) ليس فيها متشابه ، ولا تأويل. وقيل : سورة ناسخة لما قبلها من إباحة التخفيف في الجهاد. قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة ، وهي أشد القرآن على المنافقين. قيل : محكمة أي مقرونة بوعد يؤكد الأمر كقوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً). وقيل : محكمة بوضوح ألفاظها. وعلى هذا القرآن كله محكم. وقيل : هي التي تتضمن نصا لم يختلف تأويله ، ولم يتعقبه نص. وفي قراءة ابن مسعود : «سورة محدثة أي مجددة. (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) أي وأوجب عليهم فيها القتال ، وأمروا به (رَأَيْتَ) يا محمد (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي شك ونفاق (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) قال الزجاج : يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم ، وينظرون إليك نظرا شديدا ، كما ينظر الشاخص

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٠ ـ ١٧١.

١٦٩

ببصره عند الموت ، لثقل ذلك عليهم ، وعظمه في نفوسهم. (فَأَوْلى لَهُمْ) هذا تهديد ووعيد (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) (٢١) [سورة محمّد : ٢١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) قد ذكرنا أن فيه مذهبين أحدهما : أن يكون كلاما متصلا بما قبله ، وقد مر ذكره والآخر : أن يكون كلاما مبتدأ. ثم اختلف في تقديره على وجهين أحدهما : أن يكون مبتدأ محذوف الخبر. ثم قيل : إن معناه طاعة وقول معروف أمثل وأليق من أحوال هؤلاء المنافقين. وقيل : معناه طاعة وقول معروف خير لهم من جزعهم عند نزول فرض الجهاد ... والوجه الآخر. إنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : قولوا أمرنا طاعة وقول معروف أي حسن لا ينكره السامع. وهذا أمر أمر الله به المنافقين ... وقيل : هو حكاية عنهم أنهم كانوا يقولون ذلك ، ويقتضيه قوله : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ. فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) معناه : فإذا جد الأمر ، ولزم فرض القتال ، وصار الأمر معزوما عليه ، والعزم : العقد على الأمر بالإرادة لأن يفعله ، فإذا عقد العازم العزم على أن يفعله قيل : عزم الأمر على طريق البلاغة. وجواب إذا محذوف ، ويدل عليه قوله (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) وتقديره : فإن عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا من أنفسهم ، فلو صدقوا الله فيما أمرهم به من الجهاد ، وامتثلوا أمره ، لكان خيرا لهم في دينهم ودنياهم من نفاقهم (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧١ ـ ١٧٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٣.

١٧٠

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) [سورة محمد : ٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال أبو العباس المكي : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ، يقول : «إن عمر لقي عليا عليه‌السلام ، فقال له : أنت الذي تقرأ هذه الآية : (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ)(١) وتعرض بي وبصاحبي؟ فقال : ا فلا أخبرك بآية ، نزلت في بني أمية؟ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ؛) فقال : كذبت ، بنو أمية أوصل للرحم منكم ، ولكنك أبيت إلا عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أمية (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال علي بن الحسين عليه‌السلام ـ في حديث فيه ـ قال : وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإني وجدته ملونا في كتاب الله عزوجل في ثلاثة مواضع ، قال الله عزوجل : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) ، وقال : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)(٣) ، وقال في البقرة : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٤) (٥).

وقال ابن عباس ، في قوله عزوجل : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ، قال : نزلت في بني هاشم وبني أمية (٦).

__________________

(١) القلم : ٦.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ١٠٣ ، ص ٧٦.

(٣) الرعد : ٢٥.

(٤) البقرة : ٢٧.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٧٩ ، ح ٧.

(٦) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٥ ، ح ١٢.

١٧١

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢٤) [سورة محمد : ٢٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام وأبو الحسن موسى عليه‌السلام : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) بأن يتفكروا فيه : ويعتبروا به. وقيل : ا فلا يتدبرون القرآن ، فيقضوا ما عليهم من الحق (١).

٢ ـ قال سليمان بن خالد : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا سليمان ، إن لك قلبا ومسامع ، وإن الله إذا أراد أن يهدي عبدا فتح مسامع قلبه ، وإذا أراد به غير ذلك ختم مسامع قلبه ، فلا يصلح أبدا ، وهو قول الله عزوجل : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٢).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ)(٢٨) [سورة محمد : ٢٥ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) : «فلان وفلان وفلان ارتدوا عن الإيمان في ترك ولا ية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قلت : قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ)؟

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٤.

(٢) المحاسن : ٢٠٠ ، ح ٣٥ ، ونور الثقلين : مجلد ٥ ، ص ٤١.

١٧٢

قال : «نزلت فيهما وفي أتباعهما ، وهو قول الله عزوجل الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) ، في علي عليه‌السلام : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) قال : «دعوا بني أمية إلى ميثاقهم ألا يصيروا الأمر فينا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يعطونا من الخمس شيئا ، وقالوا : إن أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شيء ، ولم يبالوا أن لا يكون الأمر فيهم ، فقالوا : سنطيعكم في بعض الأمر الذي دعوتمونا إليه ، وهو الخمس ، أن لا نعطيهم منه شيئا ، وقوله تعالى : (كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) ، والذي نزل الله ما افترض على خلقه من ولا ية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكان معهم أبو عبيدة ، وكان كاتبهم ، فأنزل الله عزوجل : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ)(١) الآية (٢).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) ، نزلت في الذين نقضوا عهد الله في أمير المؤمنين عليه‌السلام. [وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الهدى هو سبيل علي بن أبي طالب عليه‌السلام](٣) (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) أي هون [لهم] وهو فلان. [وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (الشَّيْطانُ) يعني الثاني (سَوَّلَ لَهُمْ) يعني بني فلان وبني فلان وبني أمية](٤). (وَأَمْلى لَهُمْ) ، أي بسط لهم أن لا يكون مما يقول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) ، يعني في أمير المؤمنين عليه‌السلام : (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) ، يعن في الخمس أن لا يردوه في بني هاشم (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ).

قال الله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) بنكثهم وبغيهم وإمساكهم الأمر من بعد أن أبرم عليهم إبراما ،

__________________

(١) الزخرف : ٧٩ ، ٨٠.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٤٨ ، ح ٤٣.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٧ ، ح ١٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٨.

١٧٣

يقول : إذا ماتوا ساقتهم الملائكة إلى النار ، فيضربونهم من خلفهم ومن قدامهم (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) يعني موالاة فلان وفلان ظالمي أمير المؤمنين عليه‌السلام : (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) يعني الذين عملوها من الخيرات (١).

وقال الطبرسي : المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : «أنهم بنو أمية ، كرهوا ما أنزل الله في ولا ية علي عليه‌السلام (٢).

وقال جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ، قال : «كرهوا عليا ، وكان علي رضا الله ورضا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمر الله بولايته يوم بدر ، ويوم حنين وببطن نخلة ويوم التروية ، نزلت فيه اثنتان وعشرون آية في الحجة التي صد فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المسجد الحرام بالجحفة وبخم (٣).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ)(٣٠) [سورة محمد : ٢٩ ـ ٣٠]؟!

الجواب / قال أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام : قال جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) : «لما نصب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، عليا عليه‌السلام يوم غدير خم قال قوم : ما باله يرفع بضبع (٤) ابن عمه! فأنزل الله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٨.

(٢) مجمع البيان : ص ١٠ ، ح ١٦٠.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٩ ، ح ١٧ ، والمناقب : ج ٣ ، ص ١٠٠ ، وروضة الواعظين : ص ١٠٦.

(٤) الضبع : ما بين الإبط إلى نصف العضد من أعلاه. «لسان العرب : ج ٨ ، ص ٢١٦.

١٧٤

قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ)(١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله جل وعز أخذ ميثاق شيعتنا بالو لا ية ، فنحن نعرفهم في لحن القول (٢).

وعن أحمد بن محمد بن خالد البرقي : بإسناد مرفوع ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : كان حذيفة بن اليمان يعرف المنافقين؟ فقال : «أجل ، كان يعرف اثني عشر رجلا ، وأنت تعرف اثني عشر ألف رجل ، إن الله تبارك وتعالى يقول : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، فهل تدري ما لحن القول؟ قلت : لا والله. قال : «بغض علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) ورب الكعبة (٣).

وعن أبي عبيدة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قال لي : «يا أبا عبيدة ، إياك وأصحاب الخصومات والكذابين علينا ، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه ، وتكلفوا علم السماء. يا أبا عبيدة ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وزايلوهم بأعمالهم ، إنا لا نعد الرجل فينا عاقلا حتى يعرف لحن القول ، ثم قرأ هذه الآية : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)(٤).

وقال علي بن أبي طالب عليهم‌السلام : «قلت أربعا أنزل الله تعالى تصديقي بها في كتابه ، قلت : المرء مخبوء تحت لسانه ، فإذا تكلم ظهر ؛ فأنزل الله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، وقلت : فمن جهل شيئا عاداه ، فأنزل الله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)(٥) ، وقلت : ـ قدر أو قال : قيمة ـ كل امرء ما يحسن ، فأنزل الله في قصة طالوت : (إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(٦) ، وقلت : القتل يقل القتل ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٩٠ ، ح ١٨.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٩٠ ، ح ٢٠.

(٣) المحاسن : ص ١٦٨ ، ح ١٣٢.

(٤) التوحيد : ص ٤٥٨ ، ح ٢٤.

(٥) يونس : ٣٩.

(٦) البقرة : ٢٤٧.

١٧٥

فأنزل الله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ)(١) (٢).

أقول : وأخيرا تضيف الآية : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) فهو يعلم أعمال المؤمنين ما ظهر منها وما بطن ، ويعلم أعمال المنافقين ، وإذا افترضنا أن هؤلاء قادرون على إخفاء واقعهم الحقيقي عن الناس ، فهل باستطاعتهم إخفاءه عن الله الذي هو معهم في سرهم وعلانيتهم ، وخلوتهم واجتماعهم.

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (٣٤) [سورة محمد : ٣١ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال الطبرسي : قرأ أبو جعفر الباقر عليه‌السلام : وليبلونكم ، وما بعده بالياء (٣).

وقال الطبرسي : عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه‌السلام في رسالته إلى أهل الأهواز ، قال في قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) ... وقوله تعالى : (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ)(٤) ، وغيرها من الآيات : «أن جميعها جاءت في القرآن بمعنى الاختبار (٥).

وقال : الشيخ الطبرسي : ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي نعاملكم معاملة المختبر بما نكلفكم به من الأمور الشاقة (حَتَّى نَعْلَمَ

__________________

(١) البقرة : ١٧٩.

(٢) أما لي الطوسي : ج ٢ ، ص ١٠٨.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٦١.

(٤) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٤.

(٥) الاحتجاج : ص ٤٥٣.

١٧٦

الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) أي حتى يتميز المجاهدون في سبيل الله من جملتكم ، والصابرون على الجهاد. وقيل : معناه حتى يعلم أولياؤنا المجاهدين منكم. وأضافه إلى نفسه تعظيما لهم وتشريفا كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي يؤذون أولياء الله. وقيل : معناه حتى نعلم جهادكم موجودا ، لأن الغرض أن تفعلوا الجهاد ، فيثيبكم على ذلك. (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) أي نختبر أسراراكم بما تستقبلونه من أفعالكم (١).

وقال الإمام الباقر عليه‌السلام : «الإبقاء على العمل أشد من العمل ، قال ـ أي الراوي ـ : وما الإبقاء على العمل؟ قال : «يصل الرجل بصلة ، وينفق نقة لله وحده لا شريك له ، فكتب له سرا ، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية ، ثم يذكرها فتمحى تكتب له رياء (٢)!

وقال الطوسي : ثم أخبر تعالى فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) بالمنع والإغراء والدعاء إلى غيره (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) أي في حال كفرهم (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) معاصيهم بل يعاقبهم عليها (٣).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٣٨) [سورة محمد : ٣٥ ـ ٣٨]؟!

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ح ١٦ باب الرياء.

(٣) التبيان : ج ٩ ، ص ٣٠٨.

١٧٧

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ، أي لم ينقصكم (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) ، أي يجدكم تبخلوا : (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) ، قال : العداوة التي في صدوركم ، ثم قال : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) ، معناه أنتم يا هؤلاء : (تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ) إلى قوله تعالى : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) ، يعني عن ولا ية أمير المؤمنين عليه‌السلام : (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) ، قال : يدخلهم في هذا الأمر : (ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ، في معاداتهم وخلافهم وظلمهم لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١). ثم قال علي بن إبراهيم : ... قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا بن قيس (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) عنى أبناء الموالي المعتقين (٢). وقال الطبرسي : روى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : (إِنْ تَتَوَلَّوْا) ، يا معشر العرب (يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) يعني الموالي. وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قد والله أبدل [بهم] خيرا منهم ، الموالي (٣). وقال أبو عبد الله : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يدعو أصحابه : من أراد الله به خيرا سمع وعرف ما يدعوه إليه ، ومن أراد به سوءا طبع على قلبه فلا يسمع ولا يعقل ، وهو قوله عزوجل : (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)(٤).

وقال عليه‌السلام : «لا يخرج من شيعتنا أحد إلا أبدلنا الله به من هو خير منه ، وذلك لأن الله يقول : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ)(٥).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٩. وفي المصدر : في معاداتكم وخلافكم وظلمكم لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٠٩.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٦٤.

(٤) محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ١٦.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٨٥ ، ح ١١.

١٧٨

تفسير

سورة الفتح

رقم السورة ـ ٤٨ ـ

١٧٩
١٨٠