التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

فقال للصحابة : «هل فيكم أحد يصلي ركعتين بقيامهما وركوعهما وسجودهما ووضوئهما وخشوعهما ، لا يهمّ معهما من أمر الدنيا بشيء ، ولا يحدث نفسه بذكر الدنيا ، أهديه إحدى هاتين الناقتين؟. فقالها مرة ومرتين وثلاثة ، لم يجبه أحد من الصحابة.

فقام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : «أنا ـ يا رسول الله ـ أصلي ركعتين أكبّر تكبيرة الأولى وإلى أن أسلم منهما ، لا أحدث نفسي بشيء من أمر الدنيا. فقال : «يا علي ، صلّ صلّى الله عليك. فكبر أمير المؤمنين ، ودخل في الصلاة ، فلما فرغ من الركعتين ، هبط جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : يا محمد ، إن الله يقرئك السلام ، ويقول لك أعطه إحدى الناقتين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني شارطته أن يصلي ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشيء من أمر الدنيا ، أعطه إحدى الناقتين إن صلاهما ، وإنه جلس في التشهد فتفكر في نفسه أيهما يأخذ!.

فقال جبرئيل : يا محمد ، إن الله يقرئك السلام ، ويقول لك : تفكر أيهما يأخذها ، أسمنها وأعظمها ، فينحرها ويتصدق بها لوجه الله ، فكان تفكره لله عزوجل ، لا لنفسه ولا للدنيا. فبكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأعطاه كلتيهما ، فأنزل الله فيه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى) ، لعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) عقل (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) ، يعني استمع أمير المؤمنين بأذنيه إلى ما تلاه بلسانه من كلام الله : (وَهُوَ شَهِيدٌ) ، يعني وأمير المؤمنين شاهد القلب لله في صلاته ، لا يتفكر فيها بشيء من أمر الدنيا (١).

__________________

(١) المناقب : ج ٢ ، ص ٢٠.

٢٦١

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ)(٣٨) [سورة ق : ٣٢ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله بن يزيد : حدثني يزيد بن سلام ، أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر الحديث وقال فيه : أخبرني عن أول يوم خلق الله عزوجل؟ قال : «يوم الأحد قال : ولم سمي يوم الأحد؟ قال : «لأنه واحد محدود. قال : فالاثنين؟ قال : «[هو] اليوم الثاني من الدنيا. قال : والثلاثاء؟ قال : «الثالث من الدنيا. قال : فالأربعاء؟ قال : «اليوم الرابع من الدنيا. قال : فالخميس؟ قال : «هو اليوم الخامس من الدنيا ، وهو يوم أنيس ، لعن فيه إبليس ، ورفع فيه إدريس قال : فالجمعة؟ قال : «هو (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(١) ، وهو شاهد ومشهود ، قال : فالسبت؟ قال : «يوم مسبوت ، وذلك قوله عزوجل في القرآن : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، [فمن الأحد إلى يوم الجمعة ستة أيام] والسبت معطّل. قال : صدقت يا رسول الله (٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ)(٣٩) [سورة ق : ٣٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَاصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) من قولهم : هو ساحر ، وكذاب ، ومجنون ، واحتمل ذلك حتى يأتي الله بالفرج (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي نزهه عما لا يليق به (قَبْلَ

__________________

(١) هود : ١٠٣.

(٢) علل الشرائع : ص ٤٧ ، ح. ٣٣

٢٦٢

طُلُوعِ الشَّمْسِ) صلاة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) صلاة العصر (١).

وقال الطبرسيّ في (مجمع البيان) : روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) ، فقال : «تقول حين تصبح وحين تمسي عشر مرات : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير (٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (٤٠) [سورة ق : ٤٠]؟!

الجواب / عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) ، قال : «ركعتان بعد المغرب (٣).

وقال ابن أبي نصر : سألت الرضا عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) ، قال : «أربع ركعات بعد المغرب (٤).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٤٥) [سورة ق : ٤١ ـ ٤٥]؟!

الجواب / قال جميل بن دراج ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ)(٥). قال : ذلك والله في الرجعة ، أما علمت أن أنبياء الله تبارك

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٣٧٤.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٢٥.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٤٤ ، ح ١١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

(٥) غافر : ٥١.

٢٦٣

وتعالى كثير لم ينصروا في الدنيا وقتلوا ، وأئمة [قد] قتلوا ولم ينصروا ، فذلك في الرجعة.

قلت : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)؟ قال : «هي الرجعة (١).

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) قال : ينادي المنادي باسم القائم واسم أبيه عليهما‌السلام ، قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) ، قال : صيحة القائم من السماء ، (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(٢).

ثم قال علي بن إبراهيم : حدثنا أحمد بن محمد ، عن عمر بن عبد العزيز ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) قال : «هي الرجعة (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) ، قال : في الرجعة ، قوله تعالى : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ، قال : ذكر ـ يا محمد ـ بما وعدناه من العذاب (٤).

أقول : أما آخر آية من الآيات محل البحث وهي آخر آية من سورة ق ذاتها فهي تخاطب النبي وتسرّي عنه وتسلّي قلبه لما يلاقيه من المعاندين والكفرة فتقول : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ).

فمسؤوليتك البلاغ والدعوة نحو الحقّ والبشارة والنذارة : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ١٨.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧. وفي نسخة : من النار.

٢٦٤

مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

وقد ورد في تفسير القرطبي عن ابن عباس أنه قال جاء جماعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا أنذرنا يا رسول الله وبشّرنا ، فنزلت الآية محلّ البحث وقالت : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ)(١).

وذلك إشارة إلى أن القرآن كاف لإنذار وإيقاظ المؤمنين ، فكل صفحة منه تذكر بيوم القيامة وآياته المختلفة التي تتحدث عن قصص الماضين وعاقبتهم وتصف أهل النار وأهل الجنة وما يقع عند قيام الساعة في محكمة عدل الله هي خير موعظة ونصيحة لجميع الناس.

__________________

(١) القرطبي : ج ٩ ، ص ٦١٩٨.

٢٦٥
٢٦٦

تفسير

سورة الذاريات

رقم السورة ـ ٥١ ـ

٢٦٧
٢٦٨

سورة الذاريات

* س ١ : ما هو فضل سورة الذاريات؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الذاريات في يومه ، أو في ليلته ، أصلح الله له معيشته ، وأتاه برزق واسع ، ونور له في قبره بسراج يزهر إلى يوم القيامة (١).

ومن خواص القرآن : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا عشر حسنات (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها في إناء وشربها زال عنه وجع البطن ، وإن علقت على الحامل المتعسرة ولدت سريعا (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها عند مريض يساق (٤) سهّل الله عليه جدّا ، وإذا كتبت وعلقت على امرأة مطلقة وضعت في عاجل بإذن الله تعالى (٥).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٥.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٢٠٧.

(٣) البرهان : ج ٩ ، ص ٢٠٧.

(٤) ساق المريض نفسه عند الموت سوقا وسياقا ، وسيق على المجهول : شرع في نزوع الروح. «أقرب الموارد : ج ٢ ، ص ٥٥٨.

(٥) خواص القرآن : ص ٩ «مخطوط.

٢٦٩

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) (٦) [سورة الذاريات : ١ ـ ٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) ، فقال : «إن ابن الكواء سأل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الذاريات ذروا ، فقال : هي الريح ، وعن الحاملات وقرا ، فقال : هي السّحاب ، وعن الجاريات يسرا فقال : هي السفن ، وعن المقسمات أمرا ، فقال : الملائكة. وهو قسم كله وخبر (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) يعني المجازاة والمكافأة (١).

وقال الشيخ في (التهذيب) مرسلا : قال الصادق عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) ، قال : «الملائكة تقسّم أرزاق بني آدم من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام فيما بينهما نام عن رزقه (٢).

وقال الطبرسي : قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام : «لا يجوز لأحد أن يقسم إلا بالله تعالى ، والله تعالى يقسم بما يشاء من خلقه (٣).

وقال أبو حمزة : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) : «يعني في عليّ عليه‌السلام : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) يعني عليّا ، وعلي هو الدين (٤).

أقول : قال بعض المفسّرين (إِنَّما تُوعَدُونَ) يحمل معنى واسعا يشمل جميع الوعود الإلهية المتعلقة بيوم القيامة والدنيا وتقسيم الأرزاق ومجازاة المجرمين في هذه الدنيا والدار الآخرة وانتصار المؤمنين الصالحين.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٣٩ ، ح ٥٤١.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٩.

٢٧٠

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)(٩) [سورة الذاريات : ٧ ـ ٩]؟!

الجواب / قال الحسين بن خالد قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ)(١) ، فقال : «هي محبوكة إلى الأرض وشبّك بين أصابعه.

قلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض ، والله يقول : (رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)(٢) ، فقال : «سبحان الله ، أليس الله يقول : (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها)؟ قلت : بلى. فقال : «ثم عمد ولكن لا ترونها.

قلت : كيف ذلك ، جعلني الله فداك؟ قال : فبسط كفّه اليسرى ، ثم وضع اليمنى عليها ، فقال : «هذه أرض الدنيا ، والسماء الدنيا عليها فوقها قبّة ، والأرض الثانية فوق السماء الدنيا ، والسماء الثانية فوقها قبة ، والأرض الثالثة فوق السماء الثانية ، والسماء الثالثة فوقها قبة ، والأرض الرابعة فوق السماء الرابعة ، والسماء الخامسة فوقها قبّة ، والأرض السادسة فوق السماء الخامسة ، والسماء السادسة فوقها قبة ، والأرض السابعة فوق السماء السادسة ، والسماء السابعة فوقها قبة ، وعرش الرحمن تبارك وتعالى فوق السماء السابعة ، وهو قوله عزوجل : (الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ)(٣) ،

__________________

(١) في اللغة معان كثيرة لكلمة «الحبك على زنة «كتب وهي جمع «حباك على وزن كتاب ، من ضمن هذه المعاني الطرق والتعاريج التي تبدو على الرمل نتيجة للرياح أو التي تبدو على صفحة الماء أو على السحب في السماء! كما تطلق الحبك على الشعر المجعد. وقد تفسّر الحبك بالزينة والجمال! كذلك تأتي بمعنى الشكل الموزون والرتيب. والجذر الأصلي لها «حبك ومعناه هو الشدّ والإحكام! (لسان العرب).

(٢) الرعد : ٢.

(٣) الطلاق : ١٢.

٢٧١

فأما صاحب الأمر فهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والوصي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على وجه الأرض ، فإنما يتنزّل [الأمر] إليه من فوق السماء من بين السماوات والأرضين.

قلت : فما تحتنا إلا أرض واحدة؟ فقال : «ما تحتنا إلا أرض واحدة ، وإن الست لهن فوقنا (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وأما قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) ، [فإنه علي ، يعني إنه لمختلف عليه ، وقد] اختلفت هذه الأمّة ، فمن استقام على ولاية علي عليه‌السلام ، دخل الجنة ، ومن خالف ولاية علي أدخل النار ، وأما قوله تعالى : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) ـ قال ـ يعني عليا ، من أفك عن ولايته أفك عن الجنة ، فذلك قوله تعالى : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)(٢).

أقول : ينبغي الالتفات إلى أن تعبير الآية عامّ ومغلق ، وترجمتها الحرفية هي «ليصرف عنه من هو مصروف.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤) [سورة الذاريات : ١٠ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) الذين يخرصون الدين (٣) بآرائهم من غير علم ولا يقين ، (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٨.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٩٧ ، ح ٥.

(٣) هو كلّ كلام يقال تخمينا أو ظنّا ، والمعنى : أولئك الذين يحكمون أو يقضون في شأن القيامة والمعاد بكلام لا أساس له بعيد عن المنطق.

٢٧٢

ساهُونَ) ، أي في ضلال ، والساهي : الذي لا يذكر الله ، وقوله تعالى : (يَسْئَلُونَ) ، يا محمد : (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) ، أي متى يكون يوم الحساب ، قال الله : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) ، أي يعذبون (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) ، أي عذابكم : (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) : «يكسرون في الكرّة كما يكسر الذهب ، حتى يرجع كل شيء إلى شبهه يعني إلى حقيقته (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٢١) [سورة الذاريات : ١٥ ـ ٢١]؟!

الجواب / [أقول : قوله : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) : كلمة (فِي) بدخولها على الجنّات واضحة المعنى ، لأنّ المتقين داخل الجنان إلا أن دخولها على العيون بالعطف ليس معناه أن المتقين داخل العيون بل تعني أنهم في جنات تتخللها العيون ...

وقوله (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) : أي أنهم يتلقّون هذه المواهب الإلهية بمنتهى الرضا والرغبة والشوق ... ويعقّب القرآن في ختام الآية بأن هذه المواهب وهذا الثواب كلّ ذلك ليس اعتباطا بل (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) : المراد من «قبل ذلك ... يعني قبل يوم القيامة والدخول إلى الجنّة أي في عالم الدنيا ، إلا أن بعض المفسّرين قال بأن قبل ذلك يعني قبل

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٩.

(٢) مختصر بصائر الدرجات : ص ٢٨.

٢٧٣

ورود الشرع ، وهو إشارة إلى تمسّكهم بالمستقلات العقلية حتى قبل نزول الوحي إلا أن هذا المعنى يبدو بعيدا ... و «الإحسان هنا يحمل معنى وسيعا بحيث يشمل طاعة الله والأعمال الصالحة الأخر أيضا].

وقال محمد بن مسلم : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن العبد يوقظ ثلاث مرات من الليل ، فإن لم يقم أتاه الشيطان فبال في أذنه.

قال : وسألته عن قول الله عزوجل : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ، قال : «كانوا أقلّ الليالي تفوتهم لا يقومون فيها (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) ، قال : «كان القوم ينامون ، ولكن كلما انقلب أحدهم ، قال : الحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر (٢).

وقال معاوية بن عمار : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، قال : «كانوا يستغفرون [الله] في آخر الوتر في آخر الليل سبعين مرّة (٣).

أقول : قوله : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) : ما وصلنا من روايات عن أهل البيت عليهم‌السلام يؤكد أن المراد من «حق معلوم شيء غير الزكاة الواجبة. إذ نقرأ حديثا عن الإمام الصادق عليه‌السلام يقول : «لكن الله عزوجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة فقال عزوجل (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ) ، فالحق المعلوم غير الزكاة وهو شيء يفرضه الرجل على نفسه في ماله ... إن شاء في كل جمعة وإن شاء في كل شهر (٤).

وعن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) :

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٤٦ ، ح ١٨.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٣٥ ، ح ١٣٨٤.

(٣) علل الشرائع : ص ٣٦٤ ، ح ١.

(٤) وسائل الشيعة : ج ٦ ، ص ٧٢.

٢٧٤

«المحروم : المحارف (١) الذي حرم كدّ يده في الشراء والبيع.

وفي رواية أخرى : عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام ، أنهما قالا : «المحروم : الرجل الذي ليس بعقله بأس ، ولم يبسط له في الرزق ، وهو محارف (٢).

وقال علي بن إبراهيم : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : الذي قد منع كدّه.

قال : قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) ، قال : في كل شيء خلقه [الله] آية ، وقال الشاعر :

وفي كلّ شيء له آية

تدل على أنه واحد

وقوله تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) قال : خلقك سميعا بصيرا ، تغضب مرة ، وترضى مرة ، وتجوع مرة ، وتشبع مرة ، وذلك كله من آيات الله (٣).

وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام في حديث يتضمن الاستدلال على الصانع ، قال له ابن أبي العوجاء ـ في حديث ، بعد ما ذكر أبو عبد الله عليه‌السلام الدليل على الصانع ـ فقلت : ما منعه إن كان الأمر كما تقولون أن يظهر لخلقه ، ويدعوهم إلى عبادته ، حتى لا يختلف منهم اثنان ، ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل ، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان [به].

فقال لي : «ويلك ، وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوتك ، وسقمك بعد صحتك ، وصحتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك

__________________

(١) وهو الكاسب الكادّ على عياله.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٠٠ ، ح ١٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣.

٢٧٥

بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك ، وعزمك بعد أناتك ، وأناتك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهيتك ، وكراهيتك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك ، وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك. وما زال يعدد على قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها ، حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (٢٣) [سورة الذاريات : ٢٢ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) ، قال : المطر ينزل من السماء ، فيخرج به أقوات العالم من الأرض ، وما توعدون من أخبار القيامة والرجعة والأخبار التي في السماء ، ثم أقسم عزوجل بنفسه. (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) يعني ما وعدتكم (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : إذا فرغ أحدكم من الصلاة ، فليرفع يديه إلى السماء ، ولينصب في الدعاء ، فقال ابن سبأ : يا أمير المؤمنين ، أليس الله في كل مكان؟ قال : بلى. قال : فلم يرفع يديه إلى السماء؟ فقال : رزقكم ، أما تقرأ : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) فمن أين يطلب الرزق إلا من موضعه؟ وموضع الرزق وما وعد الله السماء (٣).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٥٩ ، ح ٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣.

(٣) التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٢٢ ، ح ١٣١٥.

٢٧٦

وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ، قال : «قوله تعالى : (إِنَّهُ لَحَقٌّ) ، [هو] قيام القائم عليه‌السلام ، وفيه نزلت : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)(١) (٢).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) (٣٧) [سورة الذاريات : ٢٤ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما قدم سبحانه الوعد والوعيد ، عقب ذلك بذكر بشارة إبراهيم ، ومهلك قوم لوط ، تخويفا للكفار أن ينزل بهم مثل ما أنزل بأولئك فقال : (هَلْ أَتاكَ) يا محمد. وهذا اللفظ يستعمل إذا أخبر الإنسان بخبر ماض ، فيقال : هل أتاك خبر كذا. وإن علم أنه لم يأته (حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) عند الله ، وذلك أنهم كانوا ملائكة كراما ، ونظيره قوله : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) وقيل : أكرمهم إبراهيم فرفع مجالسهم ، وخدمهم بنفسه. لأن أضياف الكرام مكرمون. وكان إبراهيم أكرم الناس ، وأظهرهم

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦١٥ ، ح ٤.

٢٧٧

فتوة ، وسماهم ضيفا من غير أن أكلوا من طعامه ، لأنهم دخلوا مدخل الأضياف. واختلف في عددهم فقيل : كانوا اثني عشر ملكا. وقيل : كان جبرائيل ومعه سبعة أملاك. وقيل : كانوا ثلاثة جبرائيل وميكائيل وملك آخر. (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) أي حين دخلوا على إبراهيم فقالوا له على وجه التحية : سلاما أي : أسلم سلاما. ف (قالَ) لهم جوابا عن ذلك «سلام. وقرىء سلم. وهذا مفسر في سورة هود. (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي قال في نفسه : هؤلاء قوم لا نعرفهم ، وذلك أنه ظنهم من الإنس ، ولم يعرفهم. والإنكار : نفي صحة الأمر ، ونقيضه الإقرار والاعتراف. (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) أي ذهب إليهم خفيا. وإنما راغ مخافة أن يمنعوه من تكلف مأكول كعادة الظرفاء. (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) وكان مشويا لقوله في آية أخرى : (حَنِيذٍ) قال قتادة : وكان عامة مال إبراهيم عليه‌السلام البقر. (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوا ، فلم يأكلوا. فلما رآهم لا يأكلون عرض عليهم (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) وفي الكلام حذف كما ترى. (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) أي : فلما امتنعوا من الأكل أوجس منهم خيفة. والمعنى : خاف منهم ، وظن أنهم يريدون به سوءا (قالُوا) أي قالت الملائكة (لا تَخَفْ) يا إبراهيم (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي : يكون عالما إذا كبر وبلغ ، والغلام المبشر به هو إسماعيل. وقيل : هو إسحاق لأنه من سارة ، وهذه القصة لها عن أكثر المفسرين. وهذا كله مفسر فيما مضى. (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي : فلما سمعت البشارة امرأته سارة ، أقبلت في ضجة ، وقيل : في جماعة ، عن الصادق عليه‌السلام. وقيل : في رفقة. والمعنى : أخذت تصيح وتولول ، كما قالت : يا ويلتي. (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا. وقيل : لطمت وجهها ، عن ابن عباس. والصك : ضرب الشيء بالشيء العريض. (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي أنا عجوز عاقر ، فكيف ألد. (قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي : كما قلنا لك قال

٢٧٨

ربك إنك ستلدين غلاما ، فلا تشكي فيه. (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) بخفايا الأمور (قالَ) إبراهيم عليه‌السلام لهم (فَما خَطْبُكُمْ) أي فما شأنكم ، ولأي أمر جئتم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) وكأنه قال : قد جئتم لأمر عظيم ، فما هو. (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي عاصين الله ، كافرين لنعمه ، استحقوا العذاب والهلاك. وأصل الجرم القطع. فالمجرم : القاطع للواجب بالباطل ، فهؤلاء أجرموا بأن قطعوا الإيمان بالكفر. (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) هذا مفسر في سورة هود (لِلْمُسْرِفِينَ) أي للمكثرين من المعاصي المتجاوزين الحد فيها. وقيل : أرسلت الحجارة على الغائبين ، وقلبت القرية بالحاضرين. (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي في قرى قوم لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وذلك قوله (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) الآية. وذلك أن الله تعالى أمر لوطا بأن يخرج هو ومن معه من المؤمنين ، لئلا يصيبهم العذاب. (فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) أي غير أهل بيت من المسلمين ، يعني لوطا وبنتيه. وصفهم الله بالإيمان والإسلام جميعا ، لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم. والإيمان هو التصديق بجميع ما أوجب الله التصديق به. والإسلام هو الاستسلام لوجوب عمل الفرض الذي أوجبه الله وألزمه. ووجدان الضالة هو إدراكها بعد طلبها. (وَتَرَكْنا فِيها) أي وأبقينا في مدينة قوم لوط (آيَةً) أي علامة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) أي تدلهم على أن الله أهلكهم ، فيخافون مثل عذابهم. والترك في الأصل ضد الفعل ، ينافي الأخذ في محل قدرة عليه ، والقدرة عليه قدرة على الأخذ. وعلى هذا فالترك غير داخل في أفعال الله تعالى. فالمعنى هنا : إنّا أبقينا فيها عبرة ، ومثله قوله : (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ) وقيل : إنه الانقلاب لأن اقتلاع البلدان لا يقدر عليه إلا الله تعالى (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٦٢ ، ومن أراد روايات عن أهل البيت عليهم‌السلام في هذه القصة فليراجع سورة هود الآيات (٦٩ ـ ٧٦).

٢٧٩

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) (٤٦) [سورة الذاريات : ٣٨ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم بين سبحانه ما نزل بالأمم فقال : (وَفِي مُوسى) أي وفي موسى أيضا آية (إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة ظاهرة وهي العصا (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أي فأعرض فرعون عن قبول الحق ، بما كان يتقوى به من جنده وقومه ، كالركن الذي يقوى به البنيان. والباء في قوله (بِرُكْنِهِ) للتعدية أي جعلهم يتولون (وَقالَ) لموسى (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي هو ساحر أو مجنون. وفي ذلك دلالة على جهل فرعون ، لأن الساحر هو اللطيف الحيلة ، وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل ، فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين. (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِ) أي فطرحناهم في البحر ، كما يلقى الشيء في البر. (وَهُوَ مُلِيمٌ) أتى بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتو. (وَفِي عادٍ) عطف على ما تقدم أي : وفي عاد أيضا آية أي دلالة فيها عظة وعبرة. (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ) أي : حين أطلقنا عليهم (الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وهي التي عقمت عن أن تأتي بخير من تنشئة سحاب ، أو تلقيح شجر ، أو تذرية طعام ، أو نفع حيوان ، فهي كالمرأة الممنوعة عن الولادة ، إذ هي ريح الإهلاك. ثم وصفها فقال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) أي لم تترك هذه الريح شيئا تمر عليه (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي كالشيء الهالك البالي ، وهو نبات الأرض إذا يبس وديس.

٢٨٠