التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

عَذاباً أَلِيماً)(١).

ثم رخّص عزوجل في الجهاد ، فقال : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، ثم قال : (وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً)(٢). ثم قال : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) ، يعني فتح خيبر : (وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ).

وقال الطبرسي : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) من قريش يوم الحديبية ، يا معشر المؤمنين (لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) منهزمين بنصرة الله إياكم ، وخذلان الله إياهم ، وقيل : الذين كفروا من أسد وغطفان ، الذين أرادوا نهب ذراري المسلمين (ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) يواليهم وينصرهم ، ويدافع عنهم. وهذا عن علم الغيب ، وفي الآية دلالة على أنه يعلم ما لم يكن أن لو كان ، كيف يكون ، وفي ذلك إشارة إلى أن المعدوم معلوم (٣).

ثم قال : (وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) ، ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) ، أي بعد أن أممتم من المدينة إلى الحرم ، وطلبوا منكم الصلح ، بعد أن كانوا يغزونكم بالمدينة صاروا يطلبون الصلح ، بعد إذ كنتم [أنتم] تطلبون الصلح منهم (٤).

وروى العياشي : عن زرارة ، وحمران ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان معه يوم الفتح اثنا عشر ألفا حتى جعل أبو سفيان والمشركون يستغيثون (٥).

__________________

(١) الفتح : ١٦.

(٢) الفتح : ١٧.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٥.

(٥) تفسير العياشي : ج ٢ ، ص ٥٤ ، ح ٤٣.

٢٠١

وقال علي بن إبراهيم : ثم أخبر الله عزوجل نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعلة الصلح ، وما أجاز الله لنبيه ، فقال : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) يعني بمكّة : (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، فأخبر الله نبيه أنّ علة الصلح إنما كان للمؤمنين والمؤمنات الذين كانوا بمكّة ، ولو لم يكن صلح وكانت الحرب لقتلوا ، فلما كان الصلح آمنوا وأظهروا الإسلام ، ويقال : إن ذلك الصلح كان أعظم فتحا على المسلمين من غلبهم (١).

وقال محمد بن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، [قال] : قلت له : ما بال أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقاتل فلانا وفلانا؟ قال : «لآية في كتاب الله عزوجل : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

قال : قلت : وما يعني بتزايلهم؟ قال : «ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ، وكذلك القائم عليه‌السلام لن يظهر أبدا حتى تخرج ودائع الله عزوجل ، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزوجل فقتلهم (٢).

وقال إبراهيم الكرخي : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ، أو قال له رجل : أصلحك الله ألم يكن علي عليه‌السلام قويا في دين الله عزوجل؟ قال : «بلى قال : فكيف ظهر عليه القوم ، وكيف لم يدفعهم ، وما منعه من ذلك؟ قال : «آية في كتاب الله عزوجل منعته.

قال : قلت : وأيّة آية هي؟ قال : «قوله عزوجل : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، أنّه كان لله عزوجل ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين ، فلم يكن عليّ عليه‌السلام ليقتل الآباء حتى تخرج الودائع ، فلمّا خرجت الودائع ظهر على من ظهر ، فقاتله وكذلك قائمنا أهل

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٦.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٤١.

٢٠٢

البيت ، لن يظهر أبدا حتى تظهر ودائع الله عزوجل ، فإذا ظهرت ظهر على من ظهر ، فقتله (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) : «لو أخرج الله عزوجل ما في أصلاب المؤمنين من الكافرين ، وما في أصلاب الكافرين من المؤمنين ، لعذب الذين كفروا (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٢٦) [سورة الفتح : ٢٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم قال : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) يعني قريشا وسهيل بن عمرو ، حين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نعرف الرحمن والرحيم ، وقولهم : لو علمنا أنك رسول الله ما حاربناك ، فاكتب : محمد بن عبد الله. (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٣).

وتقدم معنى السكينة ومعنى كلمة التقوى عن قريب في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)(٤).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٤١.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٦٤٢.

(٣) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٣١٧.

(٤) تقدم في تفسير الآيات (٤ ـ ١٠) من هذه السورة.

٢٠٣

الله عهد إليّ عهدا ، فقلت : ربّ بينه لي : قال : اسمع. قلت : سمعت. قال : يا محمد ، إن عليا راية الهدى بعدك ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمها الله المتقين ، فمن أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني ، فبشره بذلك (١).

وقال مالك بن عبد الله : قلت لمولاي الرضا عليه‌السلام : قوله تعالى : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها)؟ قال : «هي ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء فسح في بصري غلوة (٣) ، كما يرى الراكب خرق الإبرة من مسيرة يوم ، فعهد إلي ربّي في علّي كلمات ، فقال : اسمع يا محمد ، إن عليا إمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، وكانوا أحق بها وأهلها ، فبشره بذلك. قال : «فبشره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فألقى علي عليه‌السلام ساجدا شكرا لله تعالى ، ثم قال : يا رسول الله ، وإني لأذكر هناك؟ فقال : نعم ، إن الله ليعرفك هناك ، وإنك لتذكر في الرفيق الأعلى (٤).

والذي رواه الشيخ المفيد في (الاختصاص) : «لما أسري بي إلى السماء فسح لي في بصري غلوة ، كمثال ما يرى الراكب خرق الإبرة من مسيرة يوم ، وعهد إليّ في علي كلمات ، فقال : يا محمد قلت : لبيك ربّي. فقال : إن عليا أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، وقائد الغرّ المحجلين ، ويعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين ، فكانوا أحقّ بها

__________________

(١) أمالي الطوسي : ج ١ ، ص ٢٥٠.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٩٥ ، ح ٨.

(٣) الغلوة : مقدار رمية سهم.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٩٥ ، ح ٩.

٢٠٤

وأهلها فبشّره بذلك. قال : «فبشره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فقال علي : يا رسول الله ، فإني أذكر هناك؟ فقال : نعم ، إنك لتذكر في الرفيق الأعلى (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧) [سورة الفتح : ٢٧]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القميّ : وأنزل في تظهير الرؤيا التي رآها رسول الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ) ـ إلى قوله ـ (فَتْحاً قَرِيباً) يعني فتح خيبر ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما رجع من الحديبية غزا خيبر (٢). وقد مر ذكر حديث الرؤيا في نفس السورة في تفسير الآيات (١ ـ ٣).

وقال الحسن بن زياد العطار : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنهم يقولون لنا : أمؤمنون أنتم؟ فنقول : نعم ، إن شاء الله تعالى. فيقولون : أليس المؤمنون في الجنة؟ فنقول : بلى. فيقولون : أفأنتم في الجنة؟ فإذا نظرنا إلى أنفسنا ضعفنا وانكسرنا عن الجواب. قال : فقال : «إذا قالوا لكم : أمؤمنون أنتم؟ فقولوا : نعم ، إن شاء الله تعالى.

قال : قلت : وإنهم يقولون : إنما استثنيتم لأنكم شكاك ،. قال : «فقولوا لهم : والله ما نحن بشكّاك ، ولكنا استثنينا كما قال الله عزوجل : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) ، وهو يعلم أنه يدخلونه أولا ، وقد سمى الله عزوجل المؤمنين بالعمل الصالح مؤمنين ، ولم يسم من ركب الكبائر ،

__________________

(١) الاختصاص : ص ٥٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٧.

٢٠٥

وما وعد الله عزوجل عليه النار في قرآن ولا أثر ، فلا يسميهم بالإيمان بعد ذلك الفعل (١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨) [سورة الفتح : ٢٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : وهو الإمام الذي يظهره الله على الدين كله ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. وهذا مما ذكرنا أن تأويله بعد تنزيله (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٣) ، قال : «يظهره الله عزوجل في الرّجعة (٤).

وقال محمد بن الفضيل ، قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ)؟ قال : «هو الذي أمر رسوله [بالولاية] لوصيّه ، والولاية هي دين الحق.

قلت : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)؟ قال : «يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ، يقول الله : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) ، ولاية القائم (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٥) بولاية علي عليه‌السلام (٦).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٤١٣ ، ح ١٠٥.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٧.

(٣) التوبة : ٣٣ ، الصف : ٩.

(٤) مختصر بصائر الدرجات : ص ١٧.

(٥) الصف : ٨.

(٦) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٨ ، ح ٩١.

٢٠٦

أدخله الله كلمة الإسلام (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(٢٩) [سورة الفتح : ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : ثم أعلم الله عزوجل أن صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفة أصحابه المؤمنين في التوراة والإنجيل مكتوب ، فقال : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، يعني : يقتلون الكفار وهم أشداء عليهم ، وفيما بينهم رحماء ، (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).

ثم ضرب لهم مثلا ، فقال : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) ، يعني فلانا وفلانا (فَآزَرَهُ) ، يعني فلانا (فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «المؤمن أخو المؤمن لأبيه وأمّه ، لأن الله خلق طينتهما من سبع سماوات ، وهي من طينة الجنان. ثم تلا : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، فهل يكون الرحيم إلا برا وصولا. وفي حديث آخر : «وأجرى فيهما من روح رحمته (٣).

__________________

(١) تفسير القرطبي : ج ٧ ، ص ٤٦٩٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٢١.

(٣) المحاسن : ص ١٣٤ ، ح ١١.

٢٠٧

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى أجرى في المؤمن من ريح روح الله ، والله تبارك وتعالى يقول : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية في اليهود والنصارى ، يقول الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ)(٢) ، يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الله عزوجل قد أنزل عليهم في التوراة والإنجيل والزّبور صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفة أصحابه ، ومبعثه ومهاجره ، وهو قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) ، فهذه صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفة أصحابه في التوراة والإنجيل ، فلما بعثه الله عزوجل ، عرفه أهل الكتاب ، كما قال جلّ جلاله (٣).

وسئل الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) ، قال : «هو السهر في الصلاة (٤).

ومن طريق المخالفين : ما رواه ابن مردويه ، في قوله تعالى : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) عن الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) ، قال : «استوى الإسلام بسيف علي عليه‌السلام (٥).

وقال ابن عباس ، في قوله عزوجل : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ، قال : قوله

__________________

(١) المحاسن : ص ١٣١ ، ح ٢.

(٢) البقرة : ١٤٦.

(٣) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٢.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٢٩٩ ، ح ١٣٦٩.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٠ ، ح ١٢ ، غاية المرام : ص ٤٤٢.

٢٠٨

تعالى : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) ، أصل الزرع عبد المطلب ، وشطأه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، و (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) ، قال : علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وعن ابن عباس ، أنه سئل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) ، قال : سأل قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : فيمن نزلت هذه الآية يا نبي الله؟

قال : «إذا كان يوم القيامة ، عقد لواء من نور أبيض ، ونادى مناد : ليقم سيد المؤمنين [ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] ، فيقوم علي بن أبي طالب ، فيعطي الله اللواء من النور الأبيض بيده ، تحته جميع السابقين الأوّلين من المهاجرين ، والأنصار ، لا يخالطهم غيرهم ، حتى يجلس على منبر من نور ربّ العزة ، ويعرض الجميع عليه ، رجلا رجلا ، فيعطى أجره ونوره ، فإذا أتى على آخرهم ، قيل لهم : قد عرفتم موضعكم ومنازلكم من الجنة ، إن ربكم يقول : عندي لكم مغفرة وأجر عظيم ـ يعني الجنة ـ فيقوم علي بن أبي طالب والقوم تحت لوائه معه حتى يدخل الجنة ، ثم يرجع إلى منبره ، ولا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين ، فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنة ويترك أقواما على النار ، فذلك قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)(٢) ، يعني السابقين الأولين ، والمؤمنين ، وأهل الولاية له ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(٣) ، هم الذين قاسم عليهم النار فاستحقوا الجحيم (٤). وفي رواية عن طريق المخالفين ، قال : يعني كفروا وكذّبوا بالولاية وبحقّ عليّ عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٠ ، ح ١٣.

(٢) الحديد : ١٩

(٣) الحديد : ١٩.

(٤) أمالي الطوسي : ج ١ ، ص ٣٨٧.

(٥) مناقب ابن المغازلي : ص ٣٢٢ ، ح ٣٦٩.

٢٠٩
٢١٠

تفسير

سورة الحجرات

رقم السورة ـ ٤٩ ـ

٢١١
٢١٢

سورة الحجرات

* س ١ : ما هو فضل سورة الحجرات؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الحجرات في كل ليلة ، أو في كل يوم ، كان من زوار محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة أعطي من الأجر بعدد من أطاع الله تعالى وعدد من عصاه عشر مرات ، ومن كتبها وعلقها عليه في قتال أو خصومة أمن خوف ذلك ، وفتح الله تعالى على يديه باب كل خير (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها وعلقها عليه في قتال أو خصومة ، نصره الله تعالى وفتح له باب كل خير (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلقها على المتبوع ، أمن من شيطانه ، ولم يعد إليه ، وأمن من كل ما يحذر من الخوف ، والمرأة إذا شربت ماءها درّت اللبن بعد إمساكه ، وحفظ جنينها ، وأمنت على نفسها من كل خوف ومحذور بإذن الله تعالى (٤).

* س ٢ : فيمن نزل ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١) [سورة الحجرات : ١]؟!

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٥.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ١٣١.

(٣) نفس المصدر السابق.

(٤) خواص القرآن : ص ٧ «مخطوط.

٢١٣

الجواب / قال المفيد في (الاختصاص) : روي عن ابن كدينة الأودي (١) ، قال : قام رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فسأله عن قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) فيمن نزلت؟ قال : «في رجلين من قريش (٢).

وقال علي بن إبراهيم : نزلت في وفد بني تميم ، كانوا إذا قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقفوا على باب حجرته ، فنادوا : يا محمد ، أخرج إلينا ، وكانوا إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدموه في المشي ، وكانوا إذا كلّموه رفعوا أصواتهم فوق صوته ، يقولون : يا محمد ، يا محمد ، ما تقول في كذا وكذا؟ كما يكلمون بعضهم بعضا ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٣).

* س ٣ : فيمن نزل ، قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥) [سورة الحجرات : ٢ ـ ٥]؟!

الجواب / قال الزمخشري في (ربيع الأبرار) : كان قوم من سفهاء بني تميم ، أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا محمد ، أخرج إلينا نكلمك. فغم ذلك

__________________

(١) كذا ، ولعله ، أبو كدينة الكوفي ، يحيى بن المهلب البجلي ، انظر تهذيب التهذيب : ج ١١ ، ص ٢٨٩ ، تقريب التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٥٩ و ٤٦٦.

(٢) الاختصاص : ص ١٢٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٨.

٢١٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وساءه ما ظهر من سوء أدبهم ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)(١).

وقال ربعي بن خراش : خطبنا علي عليه‌السلام في الرحبة ، ثم قال : «لمّا كان في زمان الحديبية ، خرج إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أناس من قريش ، من أشراف أهل مكة ، فيهم سهيل بن عمرو ، فقالوا : يا محمد ، أنت جارنا وحليفنا وابن عمّنا ، وقد لحق بك أناس من أبنائنا وإخواننا وأقاربنا ، ليس بهم التفقه في الدين ، ولا رغبة فيما عندك ، ولكن إنما خرجوا فرارا من ضياعنا وأعمالنا وأموالنا ، فأرددهم علينا. فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر ، فقال له : انظر ما يقولون. فقال : صدقوا يا رسول الله ، أنت جارهم ، فارددهم عليهم. قال : ثم دعا عمر فقال مثل قول أبي بكر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك : لن تنتهوا ـ يا معاشر قريش ـ حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه للتقوى ، يضرب رقابكم على الدين. فقال أبو بكر : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا فقام عمر ، فقال : أنا هو يا رسول الله؟ قال : لا ، ولكنّه خاصف النعل ، وكنت أخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

قال : ثمّ التفت إلينا علي عليه‌السلام ، وقال : «سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (٦) [سورة الحجرات : ٦]؟!

الجواب / قال زيد الشحام : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفسوق ، فقال :

__________________

(١) ربيع الأبرار : ج ٢ ، ص ٣٠٥.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٢ ، ح ١ وفضائل الصحابة لابن حنبل : ج ٢ ، ص ٦٤٩ ، ح ١١٠٥.

٢١٥

«الفسوق هو الكذب ، ألا تسمع قول الله عزوجل : (وذكر الآية) (١).

وقال شرف الدين النجفي : ذكر علي بن إبراهيم في (تفسيره) ما صورة لفظه : قال : سألته عن هذه الآية ، فقال : «إن عائشة قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ مارية يأتيها ابن عمّ لها (٢) ، ولطختها بالفاحشة ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لها : إن كنت صادقة فأعلميني إذا دخل إليها ، فرصدتها ، فلما دخل عليها ابن عمّها أخبرت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : هو الآن عندها. فعند ذلك دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليا عليه‌السلام ، فقال : يا علي ، خذ هذا السيف ، فإن وجدته عندها فاضرب عنقه ـ قال ـ فأخذ علي عليه‌السلام السيف ، وقال : يا رسول الله ، إذا بعثتني بالأمر أكون كالسفّود (٣) المحم بالوبر ، أو أثبت؟ فقال : تثبت قال : فانطلق علي عليه‌السلام ومعه السيف ، فلما انتهى إلى الباب وجده مغلقا ، فألزم عينيه نقب الباب ، فلما رأى القبطي عين علي عليه‌السلام في الباب ، فزع وخرج من الباب الآخر ، فصعد نخلة ، وتسوّر علي الحائط ، فلما رأى القبطي عليا ومعه السيف ، حسر عن عورته ، فإذا هو مجبوب (٤) ، فصد أمير المؤمنين عليه‌السلام بوجهه عنه ، ثم رجع فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما رأى فتهلّل وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : الحمد لله الذي لم يعاقبنا أهل البيت من سوء ما يلحظوننا به. فأنزل الله عليه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ).

فقال زرارة : إنّ العامة يقولون : نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة بن أبي معيط حين جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبره عن بني خزيمة أنهم كفروا بعد إسلامهم؟

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٩٤ ، ح ١.

(٢) هو جريح القبطي وهو أحد الخدم.

(٣) السفود : حديدة ذات شعب معقفة ، معروف ، يشوى به اللحم.

(٤) أي مقطوع الذكر.

٢١٦

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا زرارة ، أو ما علمت أنه ليس من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن؟ فهذا الذي في أيدي الناس ظهرها ، والذي حدثتك به بطنها (١).

وقال عبد الله بن بكير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقتل القبطيّ ، وقد علم أنّها كذّبت عليه أو لم يعلم ، وإنّما دفع الله عن القبطي القتل بتثبت عليّ عليه‌السلام؟ فقال : «بلى قد كان والله علم ، ولو كانت عزيمة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القتل ما رجع علي عليه‌السلام حتى يقتله ، ولكن إنما فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لترجع عن ذنبها ، فما رجعت ، ولا اشتدّ عليها قتل رجل مسلم بكذبها (٢).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) في حديث ذكر فيه ما جرى بين الحسن ابن علي عليهما‌السلام وبين جماعة من أصحاب معاوية بمحضره ، فقال الحسن عليه‌السلام : «وأما أنت يا وليد بن عقبة ، فو الله ما ألومك أن تبغض عليا ، وقد جلدك في الخمر ثمانين ، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر ، أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشر آيات من القرآن وسمّاك فاسقا! وهو قول الله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ)(٣) ، وقوله عزوجل : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ)(٤) ، وما أنت وذكر قريش ، وإنما أنت ابن علج ، من أهل صفوريّة ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ص ٥٨٤ «طبع جماعة المدرسين.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٩.

(٣) السجدة : ١٨.

(٤) قيل : نزلت في الوليد بن عقبة وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسله لجمع الزكاة من قبيلة بني المصطلق فلما علم بنو المصطلق أن مبعوث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قادم إليهم سرّوا كثيرا وهرعوا لاستقباله إلا أن الوليد حيث كانت له خصومة معهم في زمان الجاهلية ، شديدة ، تصوّر أنهم يريدون قتله. فرجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «ومن دون أن يتحقق في الأمر وقال : يا رسول الله إنهم امتنعوا من دفع الزكاة. فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك وصمّم على أن يقاتلهم فنزلت الآية آنفة الذكر. (مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٣٢).

٢١٧

يقال له ذكوان (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٧) [سورة الحجرات : ٧]؟!

الجواب / ١ ـ قوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) : تدل هذه الجملة ـ كما قاله جماعة من المفسرين أيضا ـ أنه بعد أن أخبر الوليد بارتداد طائفة «بني المصطلق ... ألحّ جماعة من المسلمين البسطاء السذّج ذوي النظرة السطحية على الرسول أن يقاتل الطائفة آنفة الذكر ...

فالقرآن يقول : من حسن حظكم أن فيكم رسول الله وهو مرتبط بعالم الوحي فمتى ما أظهر فيكم خط «أو خطوط يسوقكم للانحراف فهو يعلمكم عن هذا الطريق ، إلا أنه قائد فلا تتوقعوا أن يطيعكم ويتعلم منكم وهو أرأف بكم من أي أحد فلا تصرّوا وتلحّوا عليه فإن ذلك فيه عنت لكم وليس من مصلحتكم ...

٢ ـ قال بريد بن معاوية : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام ، في فسطاطه بمنى ، فنظر إلى زياد الأسود منقطع الرجلين فرثى له (٢) ، وقال : «ما لرجليك هكذا؟ قال : جئت على بكر لي نضو (٣) ، فكنت أمشي عنه عامة الطريق ؛

__________________

(١) الاحتجاج : ص ٢٧٦.

(٢) رثى له : أي رق له. «الصحاح : ج ٦ ، ح ٢٣٥٢.

(٣) البكر : الفتي من الإبل. (لسان العرب : ج ٤ ، ص ٧٩ ، والنضو ، بالكسر : البعير المهزول ، وقيل : هو المهزول من جميع الدواب. «لسان العرب : ج ١٥ ، ص ٣٣٠.

٢١٨

فرثى له ، وقال له عند ذلك زياد : إني ألمّ بالذنوب حتى إذا ظننت أني قد هلكت ذكرت حبكم فرجوت النجاة ، وتجلى عني.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وهل الدين إلا الحب؟ قال الله تعالى : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، وقال : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(١) ، وقال : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ)(٢) ، إنّ رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله أحبّ المصلين ولا أصلي ، وأحب الصّوامين ولا أصوم ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت مع من أحببت ، ولك ما اكتسبت.

وقال : «ما تبغون وما تريدون ، أما إنها لو كانت فزعة من السّماء فزع كلّ قوم إلى مأمنهم ، وفزعنا إلى نبينا ، وفزعتم إلينا (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) : «يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) : «الأول والثاني والثالث (٤).

وقال فضيل بن يسار : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحب والبغض ، أمن الإيمان هو؟

فقال : «وهل الإيمان إلّا الحب والبغض (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «الفسوق : هو الكذب (٦).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٨) [سورة الحجرات : ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) أي تفضلا مني

__________________

(١) آل عمران : ٣١.

(٢) الحشر : ٩.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٧٩ ، ح ٣٥.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٣٥٣ ، ح ٧١.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ١٠٢ ، ح ٥.

(٦) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٠٠.

٢١٩

عليهم ، ورحمة مني لهم ... (وَاللهُ عَلِيمٌ) بالأشياء كلها (حَكِيمٌ) في جميع أفعاله. وفي هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر من وجوه منها : أنه إذا حبب في قلوبهم الإيمان ، وكره الكفر ، فمن المعلوم أنه لا يحبب ما لا يحبه ، ولا يكره ما لا يكرهه ومنها : إنه إذ ألطف في تحبيب الإيمان بألطافه ، دل ذلك على ما نقوله في اللطف (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩) [سورة الحجرات : ٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الفئتان ، إنما جاء تأويل هذه الآية يوم البصرة ، وهم أهل هذه الآية ، وهم الذين بغوا على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكان الواجب عليه قتالهم وقتلهم حتى يفيئوا إلى أمر الله ، ولو لم يفيئوا لكان الواجب عليه فيما أنزل الله أن لا يرفع السيف عنهم حتى يفيئوا ويرجعوا عن رأيهم ، لأنهم بايعوا طائعين غير كارهين ، وهي الفئة الباغية ، كما قال الله عزوجل ، فكان الواجب على أمير المؤمنين عليه‌السلام أن يعدل فيهم حيث كان ظفر بهم ، كما عدل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أهل مكّة ، إنما منّ عليهم وعفا ، وكذلك صنع أمير المؤمنين عليه‌السلام بأهل البصرة حيث ظفر بهم مثل ما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأهل مكة حذو النعل بالنعل.

قال أبو بصير : قلت : قوله تعالى : (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى)(٢)؟ قال : «هم أهل البصرة.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٢١.

(٢) النجم : ٥٣.

٢٢٠