التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

فقال : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) أي آذوه وأرادوا رجمه (١).

أقول : ثم يضيف تعالى أن نوح عندما يئس من هداية قومه تماما ، (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) والغلبة الذكورة في الآية الكريمة لم تكن غلبة في الحجّة والدليل أو البرهان على عدم صحّة الدعوة ، وإنما كانت تتجسّد بالظلم والجناية والتكذيب والإنكار وأنواع الزجر والضغوط ... ولهذا فإنّ هؤلاء القوم لا يستحقّون البقاء ، فانتقم لنا منهم وانصرنا عليهم.

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : روي أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كان جالسا في بعض مجالسه بعد رجوعه من النّهروان ، فجرى الكلام حتى قيل له : لم لا حاربت أبا بكر وعمر كما حاربت طلحة والزبير ومعاوية؟

فقال علي عليه‌السلام : «إني كنت لم أزل مظلوما مستأثرا على حقي. فقام إليه الأشعث بن قيس فقال : يا أمير المؤمنين. لم لم تضرب بسيفك ، ولم تطلب بحقّك؟ فقال : «يا أشعث ، قد قلت قولا فاسمع الجواب وعه ، واستشعر الحجّة ، إن لي أسوة بستة من الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين).

أولهم : نوح حيث قال : رب (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) فإن قال قائل : إنه قال هذا لغير خوف فقد كفر ، وإلّا فالوصي أعذر (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤١.

(٢) الاحتجاج : ص ١٨٩.

٣٤١

الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧) كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١٩) [سورة القمر : ١١ ـ ١٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) ، قال : صبّ بلا قطر (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ) ، قال : ماء السماء وماء الأرض (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ) ، يعني نوحا (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) قال : ذات ألواح : السفينة ، والدّسر : المسامير ، وقيل : الدسر : ضرب من الحشيش ، تشد به السفينة (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي بأمرنا وحفظنا.

وقصة نوح قد مضى الحديث فيها في سورة هود فلتؤخذ من هناك (١).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) أي يسرناه لمن نذكر ، قوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) ، أي باردة (٢).

وقد ذكرنا حديث الرياح الأربع في سورة الجاثية (٣).

وسأل شامي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : «أخبرني عن يوم الأربعاء والتطيّر منه وثفله ، وأي أربعاء هو ، قال عليه‌السلام : «آخر أربعاء من الشهر ، وهو المحاق ، وفيه قتل قابيل وهابيل أخاه ، ويوم الأربعاء أرسل الله عزوجل الريح على قوم عاد (٤).

أقول : ومن هنا فإن الكثير من المفسرين يرتّبون أثرا على هذه الروايات ، ويعتبرون أن آخر أربعاء من كل شهر هو يوم نحس ، ويطلقون عليه (أربعاء لا

__________________

(١) تقدم في تفسير الآيات (٣٦ ـ ٤٩) من سورة هود.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤١.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآيات (١ ـ ٥) من سورة الجاثية.

(٤) تفسير نور الثقلين : ج ٥ ، ص ١٨٣ ، ح ٢٥.

٣٤٢

تَدُورُ) أي لا تتكرر.

وذكر عن الحسن بن مسعود أحد أصحاب الإمام علي الهادي عليه‌السلام أنّه قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما‌السلام ، وقد نكبت إصبعي ، وتلقّاني راكب فصدم كتفي ، ودخلت في زحمة فخرقوا عليّ بعض ثيابي. فقلت : كفانا الله شرّك من يوم فما أشأمك! ، فقال عليه‌السلام لي : «يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له.

قال الحسن : فأناب إلي عقلي ، وتبيّنت خطأي ، فقلت يا مولاي ؛ استغفر لي.

فقال عليه‌السلام : «يا حسن ، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشاءمون منها إذا جوزيتم بأعمالكم.

قال الحسن : أنا أستغفر الله أبدا ، وهي توبتي ، يا ابن رسول الله.

قال عليه‌السلام : «والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمّها على ما لا ذمّ عليها فيه ، أما علمت يا حسن أنّ الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا؟.

قلت : بلى يا مولاي.

قال عليه‌السلام : «لا تعد ولا تجعل للأيّام صنعا في حكم الله.

قال الحسن : بلى يا ابن رسول الله (١).

أقول : إن هذا الحديث الهامّ يشير إلى أنّ التأثير الممكن حصوله في الأيام مردّه إلى أمر الله تعالى ، وليس للأيام تأثير مستقل على حياة الإنسان ، ولا بدّ من استشعار لطف الله دائما ، الذي لا غنى لنا عنه أبدا ، وبذلك لا

__________________

(١) تحف العقول ، عن بحار الأنوار ، ج ٥٩ ، ص ٢ باختصار.

٣٤٣

ينبغي أن نتصور الحوادث التي هي بمثابة كفّارة لأعمالنا وسيآتنا غالبا على أنّها مرتبطة بتأثير الأيّام ونبرّىء أنفسنا منها ، ولعلّ هذا البيان أفضل طريق للجمع بين الأخبار المختلفة في هذا الباب.

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(٢٠) [سورة القمر : ٢٠]؟!

الجواب / قال وهب بن منبه : أن الريح العقيم تحت هذه الأرض التي تحت هذه الأرض التي نحن عليها ، قد زمت بسبعين ألف زمام من حديد ، قد وكل بكل زمام سبعون ألف ملك ، فلما سلطها الله عزوجل على عاد ، استأذنت خزنة الريح ربها عزوجل أن يخرج منها في مثل منخري الثور ، ولو أذن الله عزوجل لها ما تركت شيئا على ظهر الأرض إلا أحرقته ، فأوحى الله عزوجل إلى خزنة الريح : أن أخرجوا منها مثل ثقب الخاتم فأهلكوا بها. وبها ينسف الله عزوجل الجبال نسفا ، والتلال الآكام والمدائن والقصور يوم القيامة ، وذلك قوله عزوجل : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(١) ، والقاع : الذي لا نبات فيه ، والصفصف : الذي لا عوج فيه ، والأمت : المرتفع ، وإنما سميت العقيم لأنها تلقحت بالعذاب ، وتعقمت عن الرحمة كتعقم الرجل إذا كان عقيما لا يولد له ، وطحنت تلك القصور والمدائن والمصانع ، حتى عاد ذلك كله رملا رقيقا تسفيه الريح ، فذلك قوله عزوجل : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ)(٢).

وإنما كثر الرمل في تلك البلاد ، لأنّ الريح طحنت تلك البلاد وعصفت

__________________

(١) طه : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٢) الذاريات : ٤٢.

٣٤٤

عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوا ، فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ، والحسوم : الدائمة ، ويقال : المتتابعة الدائمة. وكانت ترفع الرجال والنساء فتهب بهم صعدا ، ثم ترمي بهم من الجوّ ، فيقعون على رؤوسهم منكّسين ، تقلع الرجال والنساء من تحت أرجلهم ، ثم ترفعهم ، فذلك قوله عزوجل : (تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) ، والنزع : القلع ، وكانت الريح تعصف الجبل كما تعصف المساكن فتطحنها ، ثم تعود رملا رقيقا ، فمن هناك لا يرى في الرمل جبل ، وإنما سميت عاد إرم ذات العماد ، من أجل أنهم كانوا يسلخون العمد من الجبال ، فيجعلون طول العمد مثل طول الجبل الذي يسلخونه من أسفله إلى أعلاه ، ثم ينقلون تلك العمد فينصبونها ، ثم يبنون القصور عليها ، فسمّيت ذات العماد لذلك (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٣١) [سورة القمر : ٢١ ـ ٣١]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) وهو تعظيم العذاب النازل بهم ، وتخويف لكفار مكة. ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قد فسرناه. وقيل : إنه سبحانه إنما أعاد ذكر التيسير ، لينبىء أنه يسره على كل حال ، وكل وجه من وجوه التيسير ،

__________________

(١) علل الشرائع : ص ٣٣ ، ح ١.

٣٤٥

فسر الوجوه التي يسر الله تعالى بها القرآن ، هو أن أبان عن الحكم الذي يعمل عليه ، والمواعظ التي يرتدع بها ، والمعاني التي تحتاج إلى التنبيه عليها ، والحجج التي يميز بها بين الحق والباطل ... (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح. ومن قال : إن النذر جمع نذير قال : معناه أنهم كذبوا الرسل بتكذيبهم صالحا ، لأن تكذيب واحد من الرسل ، كتكذيب الجميع ، لأنهم متفقون في الدعاء إلى التوحيد وإن اختلفوا في الشرائع. (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ) أي أنتبع آدميا مثلنا ، وهو واحد (إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ) أي : نحن إن فعلنا ذلك ، في خطأ وذهاب عن الحق (وَسُعُرٍ) أي : وفي عناء وشدة عذاب ، فيما يلزمنا من طاعته. وقيل : في جنون. والفائدة في الآية بيان شبهتهم الركيكة التي حملوا لتحمل أعباء الرسالة ، لأن لم يصلح له غيره من جهة معرفته بربه ، وسلامة ظاهره وباطنه ، وقيامه بما كلف من الرسالة. (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) هذا استفهام إنكار وجحود أي. كيف ألقي الوحي عليه ، وخص بالنبوة من بيننا ، وهو واحد منا. «بل كذاب فيما يقول «أشر أي بطر متكبر ، يريد أن يتعظم علينا بالنبوة. ثم قال سبحانه : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) وهذا وعيد لهم أي سيعلمون يوم القيامة إذا نزل بهم العذاب ، أهو الكذاب أم هم في تكذيبه ، وهو الأشر البطر أم هم. فذكر مثل لفظهم مبالغة في توبيخهم وتهديدهم. لأنما قال «غدا على وجه التقرير على عادة الناس في ذكرهم الغد ، والمراد به العاقبة. قالوا : إن مع اليوم غدا. (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) أي نحن باعثو الناقة بإنشائها على ما طلبوها معجزة لصالح ، وقطعا لعذرهم ، وامتحانا واختبارا لهم. وههنا حذف ، وهو أنهم تعنتوا على صالح ، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء ، تضع. ثم ترد ماءهم فتشربه. ثم تعود عليهم بمثله لبنا ، فقال سبحانه إنا باعثوها كما سألوها (فِتْنَةً لَهُمْ. فَارْتَقِبْهُمْ) أي : انتظر أمر الله

٣٤٦

فيهم. وقيل : فارتقبهم أي انتظر ما يصنعون. (وَاصْطَبِرْ) على ما يصيبك من الأذى حتى يأتي أمر الله فيهم. (وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) يوم للناقة ، ويوم لهم (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) أي كل نصيب من الماء يحضره أهله ، لا يحضر آخر معه ، ففي يوم الناقة تحضره الناقة ، وفي يومهم يحضرونه هم. وحضر واحتضر بمعنى واحد. وإنما قال (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) تغليبا لمن يعقل. والمعنى : يوم لهم ويوم لها. وقيل : إنهم كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة ، ويشربونه .. إذا حضرت حضروا اللبن ، وتركوا الماء لها. (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) أي دبروا في أمر الناقة بالقتل ، فدعوا واحدا من أشرارهم ، وهو قدار بن سالف ، عاقر الناقة (فَتَعاطى فَعَقَرَ) أي تناول الناقة بالعقر فعقرها. وقيل : إنه كمن لها في أصل صخرة ، فرماها بسهم ، فانتظم (١) به عضلة ساقها. ثم شد عليها بالسيف ، فكشف عرقوبها. وكان يقال له أحمر ثمود ، وأحيمر ثمود ، قال الزجاج : والعرب تغلط فتجعله أحمر عاد ، فتضرب به المثل في الشؤم. قال زهير : وتنتج لكم غلمان أشأم ، كلهم ، كأحمر عاد ، ثم ترضع فتفطم (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) أي : فانظر كيف أهلكتهم ، وكيف كان عذابي لهم ، وإنذاري إياهم. (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) يريد صيحة جبرائيل عليه‌السلام. وقيل : الصيحة العذاب (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) أي فصاروا كهشيم ، وهو حطام الشجر المنقطع بالكسر والرض الذي يجمعه صاحب الحظيرة الذي يتخذ لغنمه حظيرة تمنعها من برد الريح. والمعنى. إنهم بادوا وهلكوا ، فصاروا كيبس الشجر المفتت إذ انحطم. وقيل : معناه صاروا كالتراب الذي يتناثر من الحائط ، فتصيبه الرياح ، فيتحظى مستديرا (٢).

__________________

(١) انتظم الصيد : طعنه ، أو رماه حتى ينفذه.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣١٨ ـ ٣٢٠.

٣٤٧

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٤٠) [سورة القمر : ٣٢ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم أقسم سبحانه فقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) قال قتادة : أي فهل من طالب علم يتعلم (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) أي بالإنذار. وقيل : بالرسل على ما فسرناه (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي ريحا حصبتهم أي : رمتهم بالحجارة والحصباء. قال ابن عباس : يريد ما حصبوا به من السماء من الحجارة في الريح.

ثم استثنى آل لوط فقال : (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ) أي خلصناهم (بِسَحَرٍ) من ذلك العذاب الذي أصاب قومه (نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي إنعاما. فيكون مفعولا له. ويجوز أن يكون مصدرا ، وتقديره : أنعمنا عليهم بذلك نعمة. (كَذلِكَ) أي كما أنعمنا عليهم (نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) قال مقاتل. يريد من وحد الله تعالى لم يعذب مع المشركين (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) لوط. (بَطْشَتَنا) أي أخذنا إياهم بالعذاب (فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ) أي تدافعوا بالإنذار على وجه الجدال بالباطل. وقيل : معناه فشكوا ولم يصدقوه ، وقالوا. كيف يهلكنا وهو واحد منا ، وهو تفاعلوا من المرية. (وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ) أي طلبوا منه أن يسلم إليهم أضيافه (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) أي محوناها. والمعنى : عميت أبصارهم.

٣٤٨

أقول : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فكاثروه حتى دخلوا البيت ، فصاح به جبرائيل ، فقال : يا لوط ، دعهم يدخلوا ، فلمّا دخلوا أهوى جبرئيل عليه‌السلام بإصبعه نحوهم ، فذهبت أعينهم ، وهو قول الله عزوجل : (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ)(١).

وقيل : معناه أزلنا تخطيط وجوههم حتى صارت ممسوحة ، لا يرى أثر عين ، وذلك أن جبرائيل عليه‌السلام صفق أعينهم بجناحه صفقة ، فأذهبها. والقصة مذكورة فيما مضى ، وتم الكلام. ثم قال : (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) أي : فقلنا لقوم لوط ، لما أرسلنا عليهم العذاب. ذوقوا عذابي ونذري (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) أي أتاهم صباحا عذاب نازل بهم ، حتى هلكوا جميعا. (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) ووجه التكرار أن الأول عند الطمس ، والثاني عند الائتفاك. فكلما تجدد العذاب ، تجدد التقريع (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) مر معناه (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣) أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ)(٤٧) [سورة القمر : ٤١ ـ ٤٧]؟!

الجواب / أقول : قوله : (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) : أي ولقد جاء أهل بيته وعائلته وأتباعه ـ فرعون ـ معجزات موسى التسع.

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٤٨ ، ح ٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٢٠ ، ومن أراد روايات أهل البيت عليهم‌السلام في ذكر قصة هود عليه‌السلام فليراجع الآيات (٦٩ ـ ٨٣) من سورة هود ، و (٢٧ ـ ٣٥) من ورة العنكبوت ، و (٢٤ ـ ٤٧) من سورة الذاريات.

٣٤٩

وقوله : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) : تكشف هذه الآية عن ردّ الفعل لآل فرعون من دعوة النبيين الإلهيين ـ موسى وهارون عليهما‌السلام ـ ، والإنذارات التي وجّهوها لهم حيث يقول الله سبحانه : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) ، نعم إن هؤلاء المغرورين من الجبابرة والمعاندين قد أنكروا كلّ الآيات الإلهية وبدون استثناء ، وحسبوها سحرا وكذبا وصدفة.

وقال أبو حمزة : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : (كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) في بطن القرآن كذبوا بالأوصياء كلهم (١).

وقال علي بن إبراهيم القمي : قوله تعالى : (أَكُفَّارُكُمْ) مخاطبة لقريش (خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ) يعني هذه الأمم الهالكة (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) أي في الكتب لكم براءة أن لا تهلكوا كما هلكوا ، فقالت قريش : قد اجتمعنا لننتصر ونقتلك يا محمّد ، فأنزل الله : (أَمْ يَقُولُونَ) يا محمد (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) يعني يوم بدر حين هزموا وأسروا وقتلوا ، ثم قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) يعني القيامة (وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) أي أشدّ وأغلظ [وأمر] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) أي في عذاب ، وسعر : واد في جهنم عظيم (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥٥) [سورة القمر : ٤٨ ـ ٥٥]؟!

__________________

(١) تفسير القمي : ج ١ ، ص ١٩٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٢.

٣٥٠

الجواب / قال الحسن بن علي عليه‌السلام سئل علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) ، فقال : «يقول الله عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ) لأهل النار (بِقَدَرٍ) أعمالهم (١).

وقال علي بن سالم : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرّقى (٢) أتدفع من القدر شيئا؟ فقال : «هي من القدر.

وقال عليه‌السلام : «إن القدرية مجوس هذه الأمة ، وهم الذين أرادوا أن يصفوا الله بعدله ، فأخرجوه من سلطانه ، وفيهم نزلت هذه الآية : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)(٣).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) قال : له وقت وأجل ومدة (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «وجدت لأهل القدر اسما في كتاب الله قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) وهم المجرمون.

قوله تعالى : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) يعني بقول كن فيكون ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أي أتباعكم وعبدة الأصنام (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ) أي مكتوب في الكتب (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) يعني من ذنب (مُسْتَطَرٌ) أي مكتوب ، ثم ذكر ما أعده للمتقين فقال : (إِنَ

__________________

(١) التوحيد : ص ٣٨٢ ، ح ٣٠.

(٢) الرقى جمع رقية : وهي العوذة التي يرقى بها. «النهاية : ج ٢ ، ص ٢٥٤.

(٣) التوحيد : ص ٣٨٢ ، ح ٢٩.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٢.

٣٥١

الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)(١).

وعن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، قلت : إن (الْمُتَّقِينَ)؟ قال : «نحن والله وشيعتنا ، ليس على ملة إبراهيم غيرنا ، وسائر الناس منها برآء (٢).

وقال جابر بن عبد الله : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد ، فذكر بعض أصحابه الجنّة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن أول أهل الجنة دخولا إليها علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

فقال أبو دجانة الأنصاري : يا رسول الله ، [أليس] أخبرتنا أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بلى ، يا أبا دجانة ، أما علمت أن لله عزوجل لواء من نور ، وعمودا من نور ، خلقهما الله تعالى قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، مكتوب على ذلك اللواء : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، خير البرية آل محمد ، صاحب اللواء علي ، وهو إمام القوم.

فقال علي عليه‌السلام : «الحمد لله الذي هدانا بك يا رسول الله ، وشرّفنا.

فقال [النبيّ] صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أبشر يا علي ، ما من عبد ينتحل مودتك إلا بعثه الله معنا يوم القيامة. وجاء في رواية أخرى : «يا علي أما علمت أنه من أحبنا وانتحل محبتنا أسكنه الله معنا. وتلا هذه الآية : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٢٩ ، ح ٢.

٣٥٢

تفسير

سورة الرّحمن

رقم السورة ـ ٥٥ ـ

٣٥٣
٣٥٤

سورة الرّحمن

* س ١ : ما هو فضل سورة الرّحمن؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها ، فإنها لا تقرّ في قلوب المنافقين ، ويأتي [بها ربها] يوم القيامة في صورة آدمي ، في أحسن صورة ، وأطيب ريح ، حتى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله منها ، فيقول لها : من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ، ويدمن قراءتك؟ فتقول : يا رب ، فلان وفلان ، فتبيضّ وجوههم ، فيقول [لهم] : اشفعوا فيمن أحببتم ، فيشفعون ، حتى لا يبقى لهم غاية [ولا أحد يشفعون له] ، فيقول لهم : ادخلوا الجنة ، واسكنوا فيها حيث شئتم (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الرحمن ، فقال عند كل آية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) : لا بشيء من آلائك رب أكذب ، فإن قرأها ليلا ثم مات مات شهيدا ، وإن قرأها نهارا ثم مات مات شهيدا (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة رحم الله ضعفه ، وأدى شكر ما أنعم عليه ، ومن كتبها وعلّقها عليه هوّن الله عليه كل أمر صعب ، وإن علقت على من به رمد برىء (٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلقها على الأرمد زال عنه ، وإذا

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٦ ، بحار الأنوار : ج ٩٢ ، ص ٣٠٦.

(٢) ثواب الأعمال : ص ١١٦ ، بحار الأنوار : ج ٩٢ ، ص ٣٠٦.

(٣) نور الثقلين : ج ٥ ، ص ١٨٧.

٣٥٥

كتبت جميعا على حائط البيت منعت الهوامّ منه بإذن الله تعالى (١).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦) وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٣) [سورة الرحمن : ١ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «سورة الرحمن نزلت فينا من أولها إلى آخرها (٢). وقال الطبرسي : قال الصادق عليه‌السلام : «البيان : الاسم الأعظم الذي علم به كل شيء (٣).

وقال الحسين بن خالد : قال أبو الحسن الرضا عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) ، قال عليه‌السلام : «الله علم [محمدا] القرآن.

قلت : (خَلَقَ الْإِنْسانَ)؟ قال : «ذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قلت : (عَلَّمَهُ الْبَيانَ)؟ قال : «علمه تبيان كل شيء يحتاج الناس إليه.

قلت : (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) ، قال : «هما يعذبان. قلت : الشمس والقمر يعذبان؟ قال : «إن سألت عن شيء فأتقنه ، إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، يجريان بأمره ، مطيعان له ، ضوؤهما من نور عرشه ، وجرمهما (٤)

__________________

(١) خواص القرآن : ص ٩ «مخطوط.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٣٠ ، ح ١.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٩٩.

(٤) الجرم : الحر ، فارسي معرب. «لسان العرب : ج ١٢ ، ص ٩٥.

٣٥٦

من جهنّم ، فإذا كانت القيامة عاد إلى العرش نورهما ، وعاد إلى النار جرمهما ، فلا يكون شمس ولا قمر ، وإنما عناهما لعنهما الله ، أليس قد روى الناس : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إن الشمس والقمر نوران [في النار]؟. قلت : بلى. قال : «وما سمعت قول الناس : فلان وفلان شمسا هذه الأمة ونورهما؟ فهما في النار ، والله ما عنى غيرهما.

قلت : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) قال : «النجم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقد سمّاه الله في غير موضع ، فقال : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى)(١) ، وقال : (وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)(٢) ، [فالعلامات : الأوصياء ، والنجم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم].

[وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «النجم : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشجر : أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام لم يعصوا الله طرفة عين](٣).

قلت : (يَسْجُدانِ)؟ قال : «يعبدان.

قلت : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ)؟ قال : «السماء : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رفعه الله إليه ، والميزان : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، نصبه لخلقه.

قلت : (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ)؟ قال : «لا تعصوا الإمام.

قلت : [(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ)؟ قال : «أقيموا الإمام بالعدل.

قلت :] (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)؟ قال : «لا تبخسوا الإمام حقّه ، ولا تظلموه.

وقوله تعالى : (وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) ، قال : «للناس ، (فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) قال : «يكبر ثمر النخل في القمع ، ثم يطلع منه.

وقوله تعالى : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) ، قال : «الحبّ : الحنطة

__________________

(١) النجم : ١.

(٢) النحل : ٦.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٣٢ ، ح ٥.

٣٥٧

والشعير والحبوب ، والعصف : التّين ، والرّيحان : ما يؤكل منه ، وقوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، قال : «في الظاهر مخاطبة للجنّ والإنس ، وفي الباطن فلان وفلان (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، أي بأيّ نعمتي تكذبان (٢) بمحمد أم بعلي؟ فبهما أنعمت على العباد (٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٦) [سورة الرحمن : ١٤ ـ ١٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم القميّ : الماء المتصلصل بالطين (٤).

٢ ـ جاء في (تحفة الإخوان) : بالإسناد ، عن أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام ، أنّه قال : أخبرني عن خلق آدم عليه‌السلام ، كيف خلقه الله تعالى ، قال : «إن الله تعالى لمّا خلق نار السّموم ، وهي نار لا حر لها ولا دخان ، فخلق منها الجانّ ، فذلك معنى قوله تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ)(٥) ، وسمّاه مارجا وخلق منه زوجه وسماها مارجة ، فواقعها فولدت الجانّ ، ثم ولد الجانّ ولدا وسمّاه الجن ، ومنه تفرعت قبائل الجنّ ، ومنهم إبليس اللعين ، وكان يولد للجانّ الذكر والأنثى ، ويولد الجن كذلك توأمين ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٣.

(٢) ورد في تفسير القمي : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قال الله : فبأي النعمتين تكفران ، بمحمد أم بعلي (ج ٢ ، ص ٣٤٤.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٣٣ ، ح ٦.

(٤) تفسير القمي : ج ١ ، ص ٣٧٥.

(٥) الحجر : ٢٧.

٣٥٨

فصاروا تسعين ألفا ذكرا وأنثى ، وازدادوا حتى بلغوا عدد الرمال (١).

٣ ـ أقول : وبعد أن تحدّث تعالى عن النعم التي كانت في بداية خلق الإنسان والجانّ يكرر تعالى قوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (١٨) [سورة الرحمن : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : مشرق الشتاء ، ومشرق الصيف ، [ومغرب الشتاء ، ومغرب الصيف](٢).

ثم قال : وفي رواية سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) قال : «المشرقين : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، والمغربين : الحسن والحسين عليهما‌السلام ، [وفي] أمثالهما تجري (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ، قال : «برسول الله وأمير المؤمنين عليهما‌السلام (٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٢٣) [سورة الرحمن : ١٩ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال يحيى بن سعيد القطان : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) قال : «علي وفاطمة عليهما‌السلام ، [بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه]

__________________

(١) تحفة الإخوان : ص ٦٢ «مخطوط.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٤.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٤.

٣٥٩

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) ، الحسن والحسين عليهما‌السلام (١).

وقال جعفر الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) قال : «علي وفاطمة بحران عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه.

وفي رواية : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) قال : «الحسن والحسين عليهما‌السلام(٢).

وقال ابن عباس : أنّ فاطمة عليها‌السلام ، بكت للجوع والعري ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اقنعي ـ يا فاطمة ـ بزوجك ، فو الله ، إنه سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ، وأصلح بينهما ، فأنزل الله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) ، يقول [الله] : أنا أرسلت البحرين علي بن أبي طالب بحر العلم ، وفاطمة بحر النبوّة (يَلْتَقِيانِ) يتصلان ، أنا الله أوقعت الوصلة بينهما.

ثم قال : (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) مانع رسول الله ، يمنع علي بن أبي طالب أن يحزن لأجل الدنيا ، ويمنع فاطمة أن تخاصم بعلها لأجل الدنيا ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما) يا معشر الجن والإنس (تُكَذِّبانِ) بولاية أمير المؤمنين وحب فاطمة الزهراء ، فاللؤلؤ : الحسن ، والمرجان : الحسين ، لأن اللؤلؤ الكبار ، والمرجان الصغار ، ولا غرو أن يكونا بحرين لسعة فضلهما ، وكثرة خيرهما ، فإن البحر إنما سمي بحرا لسعته ، وأجرى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرسا ، فقال : «وجدته بحرا (٣).

وقال علي عليه‌السلام : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) ، قال : «من ماء السماء ومن ماء البحر ، فإذا أمطرت فتحت الأصداف أفواهها في البحر ، فيقع فيها من ماء المطر ، فتخرج اللؤلؤة الصغيرة من القطرة الصغيرة ، واللؤلؤة الكبيرة من القطرة الكبيرة (٤).

__________________

(١) الخصال : ص ٦٥ ، ح ٩٦.

(٢) المناقب : ج ٣ ، ص ٣١٨.

(٣) المناقب : ج ٣ ، ص ٣١٩.

(٤) قرب الإسناد : ص ٦٤.

٣٦٠