التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

لا يزال يرفع خسيسة ابن عمّه وينوّه باسمه ؛ إذ خرج علي عليه‌السلام فقال للشمس : «كيف أصبحت ، يا خلق الله؟ فقالت : بخير يا أخا رسول الله ، يا أول يا آخر ، يا ظاهر يا باطن ، يا من هو بكل شيء عليم.

فرجع علي عليه‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [فتبسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] فقال : «يا عليّ ، تخبرني أو أخبرك؟ فقال : «منك أحسن ، يا رسول الله. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أما قولها لك : يا أول ، فأنت أول من آمن بالله ، وقولها : يا آخر ، فأنت آخر من تعاينني على مغسلي ، وقولها : يا ظاهر ، فأنت أوّل من يظهر على مخزون سري ، وقولها : يا باطن ، فأنت المستبطن لعلمي ، وأم العليم بكل شيء ، فما أنزل الله تعالى علما من الحلال والحرام والفرائض والأحكام والتنزيل والتأويل والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمشكل إلا وأنت به عليم ، ولو لا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ، لقلت فيك مقالا لا تمرّ بملأ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك يستشفون به.

قال جابر : فلما فرغ عمار من حديثه ، أقبل سلمان ، فقال عمار : وهذا سلمان كان معنا ، فحدثني سلمان كما حدثني عمار (١).

وقال أبو جعفر محمد بن علي عليه‌السلام : «بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات يوم رأسه في حجر علي عليه‌السلام ، إذ نام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن علي عليه‌السلام صلّى العصر ، فقامت الشمس تغرب ، فانتبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فذكر له علي عليه‌السلام شأن صلاته ، فدعا الله فرد الله الشمس كهيئتها ـ [في وقت العصر] وذكر حديث رد الشمس ـ فقال له : يا علي ، قم فسلّم على الشمس ، وكلّمها فإنها تكلّمك ، فقال له : يا رسول الله ، كيف أسلّم عليها؟ قال : قل : السلام عليك يا خلق الله ، فقام علي عليه‌السلام وقال : السلام عليك يا خلق الله. فقالت :

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٥٤ ، ح ١.

٤٢١

وعليك السلام يا أول يا آخر ، يا ظاهر يا باطن ، يا من ينجّي محبيه ، ويوثق مبغضيه ، فقال له النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما ردّت عليك الشمس؟ فكان عليّ كاتما عنه [فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قل ما قالت لك الشمس؟ فقال له ما قالت].

فقال [النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] : إنّ الشمس قد صدقت ، وعن أمر الله نطقت ، أنت أول المؤمنين إيمانا ، وأنت آخر الوصيين ، ليس بعدي نبيّ ، ولا بعدك وصيّ وأنت الظاهر على أعدائك ، وأنت الباطن في العلم الظاهر عليه ، ولا فوقك فيه أحد ، أنت عيبة علمي وخزانة وحي ربّي ، وأولادك خير الأولاد ، وشيعتك هم النجباء يوم القيامة (١).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ) : قبل كل شيء (وَالْآخِرُ) ، قال : يبقى بعد كل شيء (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٢) ، قال : بالضمائر (٣).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٤) [سورة الحديد : ٤]؟!

الجواب / ١ ـ قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أي في ستة أوقات (٤).

وقال عبد الله بن سنان : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشر قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء ، وخلق السماوات يوم الأربعاء ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ د ص ٦٥٥ ، ح ٢.

(٢) الحديد : ٦.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥٠.

٤٢٢

ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة ، وذلك قول الله عزوجل : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(١)(٢).

٢ ـ قال عبد الرحمن بن الحجّاج : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) فقال : «استوى في كل شيء ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، لم يبعد منه بعيد ولم يقرب منه بقريب ، استوى في كلّ شيء (٣).

وقال أبو بصير : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من زعم أن الله من شيء ، أو في شيء أو على شيء ، فقد كفر.

قلت فسّر لي. قال : «أعني بالحواية من الشيء له ، أو بإمساك له ، أو من شيء سبقه.

وفي رواية أخرى : «من زعم أن الله من شيء فقد جعله محدثا ، ومن زعم أنه في شيء فقد جعله محصورا ، ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولا (٤).

٣ ـ قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم قال : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي ما يدخل في الأرض ويستتر فيها ، فالله عالم به لا يخفى عليه من شيء (وَما يَخْرُجُ مِنْها) أي ويعلم ما يخرج من الأرض من سائر النبات والحيوان والجماد ولا يخفى عليه شيء «وما يتنزل من السماء أي ويعلم ما ينزل من السماء من مطر وغير ذلك من أنواع ما ينزل منها لا يخفى عليه شيء

__________________

(١) السجدة : ٤.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٥ ، ح ١١٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٩٩ ، ح ٨ ، التوحيد : ص ٣١٥ ، ح ٢.

(٤) الكافي : ج ١ ، ص ٩٩ ، ح ٩.

٤٢٣

منها (وَما يَعْرُجُ فِيها) أي ويعلم ما يعرج في السماء من الملائكة وما يرفع إليها من أعمال الخلق (وَهُوَ مَعَكُمْ) يعني بالعلم لا يخفى عليه ما لكم وما تعلمونه (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) من خير وشر أي عالم به (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ)(٥) [سورة الحديد : ٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي له التصرف فيهما على وجه ليس لأحد منعه منه وإليه (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يوم القيامة. والمعنى : أن جميع من ملكه شيئا في دار الدنيا يزول ملكه ولا يبقى ملك أحد ، ويتفرد تعالى بالملك ، فذلك معنى قوله تعالى : وإليه (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) كما كان كذلك قبل أن يخلق الخلق (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)(٦) [سورة الحديد : ٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما ينقص من الليل يدخل في النهار ، وما ينقص من النهار يدخل في الليل.

٢ ـ أقول : ويضيف سبحانه في النهاية (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، فكما أن أشعة الشمس الباعثة للحياة والضوء تنفذ في أعماق ظلمات الليل ، وتضيء كل مكان ، فإن الله عزوجل ينفذ كذلك في كلّ زوايا قلب وروح الإنسان ، ويطلع على كل أسراره.

والنقطة الجديرة بالملاحظة في الآيات السابقة هي الحديث عن علم الله

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥١٩.

(٢) نفس المصدر السابق : ص ٥٢٠.

٤٢٤

سبحانه لأعمالنا «والله بصير عليم فهو عليم بأفكارنا وعقائدنا وما تكنّه صدورنا ، (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).

كلمة «ذات في الاصطلاح الفلسفي تعني (عين الشيء وحقيقته) إلا أنها هنا لم تأت بهذا المعنى وكلمة «ذات في اللغة بمعنى (صاحب الشيء) وبناء على هذا فإن «ذات الصدور إشارة إلى النيات والاعتقادات التي استولت على قلوب البشر وحكمتها (يرجى ملاحظة ذلك) ...

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٨) [سورة الحديد : ٧ ـ ٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم أمر تعالى المكلفين فقال (آمِنُوا بِاللهِ) معاشر العقلاء وصدقوا نبيه وأقروا بوحدانيته وإخلاص العبادة له ، وصدقوا رسوله ، واعترفوا بنبوته (وَأَنْفِقُوا) في طاعة الله والوجه التي أمركم الله بالإنفاق عليها (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) قال الحسن : معناه ما استخلفكم فيه بوراثتكم إياه عمن كان قبلكم. ثم بين ما يكافيهم به إذا فعلوا ذلك ، فقال (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) بما أمرتهم بالإيمان به (وَأَنْفِقُوا) مما دعوتهم إلى الإنفاق فيه (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) من الله لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) أي وثواب عظيم. ثم قال الله تعالى على وجه التوبيخ لهم (وَما لَكُمْ) معاشر المكلفين (لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) وتعترفون بوحدانيته وإخلاص العبادة له (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ) إلى ذلك (لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي لتعترفوا به وتقروا بوحدانيته (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) معناه إنه لما ذكر تعالى دعاء الرسول إلى الإيمان بين أنه قد أخذ ميثاقكم أيضا به ، ومعنى ميثاقكم أنه نصب لكم الأدلة

٤٢٥

الدالة إلى الإيمان بالله ورسوله ورغبكم فيه وحثكم عليه وزهدكم في خلافه ، ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن كنتم مؤمنين بحق فالإيمان قد ظهرت أعلامه ووضحت براهينه (١) ..

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٩) [سورة الحديد : ٩]؟!

الجواب / ١ ـ فسّر البعض (آياتٍ بَيِّناتٍ) هنا بكل المعجزات ، وقال قسم آخر إنه (القرآن الكريم) إلا أن مفهوم الآية الواسع يشمل كل ذلك ، وبالرغم من أن التعبير (يُنَزِّلُ) يناسب (القرآن) أكثر ، هذا الكتاب العظيم الذي يمزق حجب ظلام الكفر والجهل والضلال ويشرق شمس الوعي والإيمان في النفوس ، والذي هو رحمة ونعمة إلهية عظيمة.

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) : «من الكفر إلى الإيمان ، يعني إلى الولاية لعلي عليه‌السلام (٢).

٣ ـ أقول : أما التعبير ب (لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) فهو إشارة لطيفة إلى حقيقة أن هذه الدعوة الإلهية العظيمة إلى الإيمان والإنفاق ، تمثل مظهرا من مظاهر الرحمة والنعمة الإلهية التي جاءت إليكم جميعا ، كما أن جميع بركاتها في هذا العالم والعالم الآخر ترجع إليكم.

وسؤال يثار هنا وهو : هل يوجد اختلاف بين «الرؤف وبين «الرحيم؟ وما هي خصوصيات كل منهما؟ أقول : ذكر المفسرون في ذلك آراء ، والمناسب من بين كل الآراء التي ذكرت هو : أن كلمة «الرؤف»

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥٢١.

(٢) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٨٠.

٤٢٦

جاءت هنا إشارة إلى محبته ولطفه الخاص بالنسبة إلى المطيعين ، في الوقت الذي كانت كلمة «الرحيم إشارة إلى رحمته بخصوص العاصين.

قال البعض : إن الرأفة تقال للرحمة قبل ظهورها ، إلا أن الرحمة تعبير يطلق على الحالة بعد ظهورها.

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٠) [سورة الحديد : ١٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) استبطأهم في الإنفاق في سبيل الله الذي رغبهم بالإنفاق فيها. وقوله (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قد بينا أن جميع ما يملكونه في الدنيا يرجع إلى الله ، ويزول ملكهم عنه ، فإن أنفقوه كان ثواب ذلك باقيا لهم. وقوله (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) بين الله تعالى أن الإنفاق قبل الفتح في سبيل الله إذا انضم إليه الجهاد في سبيله أكثر ثوابا عند الله ، والمراد بالفتح فتح مكة وفي الكلام حذف ، لأن تقديره لا يستوي هؤلاء مع الذين أنفقوا بعد الفتح ، والكلام يدل عليه. وإنما امتنع مساواة من أنفق بعده لمن أنفق قبله ، لعظم العناية الذي لا يقوم غيره مقامه فيه ، في الصلاح في الدين وعظم الانتفاع به ، كما لا يقوم دعاء غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الحق مقام دعائه ولا يبلغه أبدا ، وليس في الآية دلالة على فضل إنسان بعينه ممن يدعى له الفضل ، لأنه يحتاج أن يثبت أن له الإنفاق قبل الفتح ، وذلك غير ثابت. ويثبت أن له القتال بعده. ولما يثبت ذلك أيضا فكيف يستدل به على فضله. فأما الفتح فقال الشعبي : أراد فتح الحديبية. وقال زيد بن أسلم ، وقتادة : أراد

٤٢٧

به فتح مكة. ثم سوى تعالى بين الكل في الوعد بالخير والجنة والثواب فيها ـ وإن تفاضلوا في مقاديره ـ فقال (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) يعني الجنة والثواب فيها (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) لا يخفى عليه شيء من ذلك من إنفاقكم وقتالكم وغير ذلك فيجازيكم بحسب ذلك (١).

وقال الإمام الحسن عليه‌السلام ـ في خطبة خطبها عند صلح معاوية بمحضرة ـ قال عليه‌السلام فيها : «وكان أبي سابق السابقين إلى الله عزوجل ، وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأقرب الأقربين ، وقد قال الله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً).

فأبي كان أوّلهم إسلاما وإيمانا ، وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا ، وأوّلهم على وجده ووسعه نفقة ... إلى آخر الحديث (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(١١) [سورة الحديد : ١١]؟!

الجواب / قال إسحاق بن عمّار : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام ـ عن هذه الآية ـ فقال عليه‌السلام : «نزلت في صلة الإمام (٣).

وقال أبو الحسن الماضي عليه‌السلام : «صلة الإمام في دولة الفسقة (٤).

وقال معاوية بن عمّار سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال عليه‌السلام : «ذاك [في] صلة الرّحم ، والرّحم رحم آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة (٥).

وقال معاذ صاحب الأكسية : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن الله

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥٢٣.

(٢) الأمالي : الطوسي : ج ٢ ، ص ١٧٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٥١ ، ح ٤.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٠٢ ، ح ٤٦١.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٥٨ ، ح ٥.

٤٢٨

لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك ، وما كان لله من حقّ فإنما هو لوليّه (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : لميّاح : «يا ميّاح ، درهم يوصل به الإمام أعظم وزنا من أحد (٢).

وقال عليه‌السلام أيضا : «درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي درهم فيما سواه من وجوه البرّ (٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١٢) [سورة الحديد : ١٢]؟!

الجواب / قال صالح بن سهل : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو يقول : «نورهم يسعى (٤) بين أيديهم وبأيمانهم قال : «نور أئمة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم حتى ينزلوا بهم منازلهم في الجنّة (٥).

وقال جابر بن عبد الله الأنصاري : كنت ذات يوم عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ أقبل بوجهه على علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال : «ألا أبشرك يا أبا الحسن؟ قال : «بلى يا رسول الله. قال : «هذا جبرئيل يخبرني عن الله جلّ جلاله أنه قد أعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال : الرفق عند الموت ، والأنس عند الوحشة ، والنور عند الظلمة ، والأمن عند الفزع ، والقسط عند الميزان ، والجواز على الصراط ، ودخول الجنة قبل الناس ، نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم (٦).

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٤٥١ ، ح ٣.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٤٥٢ ، ح ٥.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٤٥٢ ، ح ٦.

(٤) كذا ، (والآية يَسْعى نُورُهُمْ).

(٥) تأويل الآيات.

(٦) الخصال : ص ٤٠٢ ، ح ١١٢.

٤٢٩

أقول : وهنا يصدر هذا النداء الملائكي بلغة الاحترام للمؤمنين : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥) أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧) [سورة الحديد : ١٣ ـ ١٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الناس يقسم بينهم النور يوم القيامة على قدر إيمانهم ، ويقسم للمنافق فيكون نوره على [قدر] إبهام رجله اليسرى ، فيطفؤ نوره ، فيقول : مكانكم حتى أقتبس من نوركم. قيل ـ أي المؤمنون لهم ـ : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) يعني حيث قسم النار. قال : «فيرجعون فيضرب بينهم السّور [له باب] ، فينادونهم من وراء السّور ـ يا مؤمنين ـ : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) ـ قال علي بن إبراهيم : بالمعاصي ـ (وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) ـ قال : شككتم وتربصتم ـ (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

٤٣٠

ثم قال : «يا أبا محمد ، أما والله ما قال الله لليهود والنصارى ، ولكنّه عنى أهل القبلة (١).

وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «لقد علم المستحفظون من أصحاب النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه ليس فيهم رجل له منقبة إلا وقد شركته فيها وفضلته ، ولي سبعون منقبة لم يشركني فيها أحد.

قال مكحول : قلت : يا أمير المؤمنين ، فأخبرني بهنّ ، فقال عليه‌السلام : ـ وذكر السبعين ـ قال : «وأما الثلاثون فإني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : تحشر أمتي يوم القيامة على خمس رايات ، فأول راية ترد علي راية فرعون هذه الأمة وهو معاوية ، والثانية مع سامريّ هذه الأمة وهو عمرو بن العاص ، والثالثة مع جاثليق هذه الأمة وهو أبو موسى الأشعري ، والرابعة مع أبي الأعور السّلمي ، وأما الخامسة فمعك يا علي ، تحتها المؤمنون وأنت إمامهم ، ثم يقول الله تبارك وتعالى للأربعة : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ، وهم شيعتي ، ومن والاني ، وقاتل معي الفئة الباغية والناكبة عن الصراط ، وباب الرحمة هم شيعتي ، فينادي هؤلاء (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) في الدنيا (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ، ثم ترد أمتي وشيعتي ، فيروون من حوض محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبيدي عصا عوسج ، أطرد بها أعدائي طرد غريبة الإبل (٢).

وقال سلام بن المستنير : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تبارك وتعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ

__________________

(١) الزهد : ص ٩٣ ، ح ٢٤٩.

(٢) الخصال : ص ٥٧٥ ، ح ١.

٤٣١

الْعَذابُ يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ).

قال : فقال : «أما إنها نزلت فينا وفي شيعتنا وفي الكفار ، أما إنه إذا كان يوم القيامة وحبس الخلائق في طريق المحشر ، ضرب الله سورا من ظلمة ، فيه باب باطنه فيه الرحمة ـ يعني النور ـ وظاهره من قبله العذاب ـ يعني الظلمة ـ فيصيرنا الله وشيعتنا في باطن السور الذي فيه الرحمة والنور ، ويصير عدونا والكفار في ظاهر السور الذي فيه الظلمة ، فيناديكم أعداؤنا وأعداؤكم من الباب الذي في السور ظاهره العذاب : ألم نكن معكم في الدنيا ، نبينا ونبيكم واحد ، وصلاتنا وصلاتكم [واحدة] ، وصومنا وصومكم واحد ، وحجّنا وحجّكم واحد؟.

قال : «فيناديهم الملك من عند الله : بلى ، ولكنكم فتنتم أنفسكم بعد نبيّكم ، ثم توليتم ، وتركتم اتباع من أمركم به نبيكم ، وتربصتم به الدوائر ، وارتبتم فيما قال فيه نبيكم ، وغرتكم الأماني وما اجتمعتم عليه من خلافكم لأهل الحق ، وغرّكم حلم الله عنكم في تلك الحال ، حتى جاء الحق ـ يعني بالحق ظهور علي بن أبي طالب عليه‌السلام ومن ظهر من بعده من الأئمة عليهم‌السلام بالحق ـ وقوله عزوجل : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) يعني الشيطان (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا توجد لكم حسنة تفدون بها أنفسكم (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا السّور ، وعلي الباب ، وليس يؤتى السور إلا من قبل الباب (٢).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) ، قال : والله ما عنى بذلك اليهود ولا النصارى ، وإنما عنى بذلك أهل القبلة ،

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٠ ، ح ١١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٢ ، ح ١٣.

٤٣٢

ثم قال : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) يعني هي أولى بكم ، وقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني ألم يجب. قوله تعالى : (أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ) يعني الرّهب (لِذِكْرِ اللهِ)(١).

وقال الشيخ المفيد : بإسناده ، عن محمد بن همّام ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «نزلت هذه الآية : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، في أهل زمان الغيبة ، والأمد أمد الغيبة كأنه أراد عزوجل ، يا أمة محمد ، أو يا معشر الشيعة ، لا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد. فتأويل هذه الآية جار [في أهل] زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم (٢).

وقال أبو إبراهيم عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) ، قال : «ليس يحييها بالقطر ، ولكن يبعث الله عزوجل رجالا ، فيحيون العدل ، فتحيا الأرض لإحياء العدل ، ولإقامة الحد لله أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «العدل بعد الجور (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني بموتها ، كفر أهلها ، والكافر ميّت ، فيحييها الله بالقائم عليه‌السلام فيعدل فيها ، فتحيا الأرض ويحيا أهلها بعد موتهم (٥).

أقول : قال بعض المفسرين : إن هذه الآية تشير إلى إحياء الأراضي

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٢ ، ح ١٤.

(٣) الكافي : ج ٧ ، ص ١٧٤ ، ح ٢.

(٤) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٦٧ ، ح ٣٩٠.

(٥) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٣ ، ح ١٥.

٤٣٣

بوسيلة المطر ، كذلك فإن إحياء القلوب الميتة يكون بواسطة ذكر الله وقراءة القرآن المجيد الذي نزل من سماء الوحي على القلب الطاهر للنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلاهما لائقان للتدبر والتعقل ، لذا أشير في الروايات السابقة إلى كليهما :

ونقرأ في حديث للإمام الكاظم عليه‌السلام : «فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما تحيا الأرض الميتة بوابل المطر (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(١٨) [سورة الحديد : ١٨]؟! ولماذا طرحت مسألة الإنفاق بعنوان القرض الحسن لله سبحانه؟ ولماذا كان الجزاء المضاعف الأجر الكريم؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله عزوجل فرض [للفقراء] في أموال الأغنياء فريضة لا يحمدون إلا بأدائها ، وهي الزكاة ، بها حقنوا دعاءهم ، وبها سموا مسلمين ، ولكن الله عزوجل فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة ، فقال عزوجل : (فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ)(٢) فالحق المعلوم [من] غير الزكاة ـ إلى أن قال ـ : وقد قال الله عزوجل أيضا : (أَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً)(٣).

وقال الصادق عليه‌السلام : «على باب الجنة مكتوب : القرض بثمانية عشر ، والصدقة بعشرة ، وذلك أن القرض لا يكون إلا لمحتاج ، والصدقة ربما وقعت في يد غير محتاج (٤).

٢ ـ وللجواب على السؤال الثاني : أقول : في الحقيقة إنه تعبير عجيب ،

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧٨ ، ص ٣٠٨.

(٢) المعارج : ٢٤.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٨ ، ح ٨.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ٣٣ ، ح ١.

٤٣٤

حيث إن الله الواهب لكل النعم وجميع ذرات وجودنا ـ جزءا جزءا ـ هي من بحر فيضه اللامتناهي ، بالإضافة إلى مملوكيتنا له يعبر عنا سبحانه بأننا أصحاب الأموال ، ويدعونا لإقراضه ضمن شروط مغرية ، حيث إن من المعروف السائد أن الديون العادية تسترجع بنفس مقاديرها إلّا أنه سبحانه ـ بفضل منه ـ يضاعفها لنا بالمئات أحيانا وبالآلاف أحيانا أخرى.

وإضافة إلى ذلك فإنه قد وعدنا بأجر كريم أيضا ، وهو جزاء عظيم لا يعلمه إلّا هو.

واحتمل البعض أن المقصود من القرض الحسن لله في هذه الآيات والآيات المشابهة (١) بمعنى الإقراض للعباد ، لأن الله تعالى ليس بحاجة للقرض ، بل إن العباد المؤمنين هم الذين بحاجة إلى القرض ، وبملاحظة سياق الآيات يفهم أن المقصود من القرض الحسن في كل هذه الآيات هو الإنفاق في سبيل الله ، بالرغم من أن القرض لعباد الله هو من أفضل الأعمال أيضا ولا نقاش في ذلك.

ويشير الفاضل المقداد أيضا في كنز العرفان لتفسير القرض الحسن بأنه كل الأعمال الصالحة (٢).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ)(١٩) [سورة الحديد : ١٩]؟!

الجواب / عن علي بن الحسين عليهما‌السلام ـ في حديث ذكر فيه الشهداء ـ :

__________________

(١) تراجع الآية (٢٤٥ من سورة البقرة) ، (الحديد : ١١) و (التغابن : ١٧) و (المزمل : ٢٠).

(٢) كنز العرفان : ج ٢ ، ص ٥٨.

٤٣٥

فقال بعض أصحابه : في المبطون ، وقال بعضهم في الذي يأكله السبع ، وقال بعضهم غير ذلك ممّا يذكر في الشهادة. فقال إنسان : ما كنت أدري أن الشهيد إلا من قتل في سبيل الله.

فقال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «إن الشهداء إذا لقليل ثم قرأ [هذه] الآية : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثم قال : «هذه لنا ولشيعتنا (١).

وقال زيد بن أرقم : قال الحسين بن علي عليهما‌السلام : «ما من شيعتنا إلا صديق شهيد.

قال : قلت : جعلت فداك ، أنى يكون ذلك وعامتهم يموتون على فرشهم؟ فقال : «أما تتلو كتاب الله في الحديد : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال : فقلت : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عزوجل قط. قال : «لو كان ليس إلا كما تقولون كان الشهداء قليلا (٢).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الصديقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب صاحب آل يس ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وهو أفضل الثلاثة (٣).

وقال الحسين بن أبي حمزة ، عن أبيه : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، قد كبر سني ، ودق عظمي ، واقترب أجلي ، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت.

قال : فقال لي «يا أبا حمزة ، [أو ما ترى الشهيد إلا من قتل؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. فقال لي : «يا أبا حمزة ،] من آمن بنا ، وصدق حديثنا ،

__________________

(١) التهذيب : ج ٦ ، ص ١٦٧ ، ح ٣١٨.

(٢) المحاسن : ص ١٦٣ ، ح ١١٥.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٤ ، ح ١٧.

٤٣٦

وانتظر أمرنا ، كان كمن قتل تحت راية القائم عليه‌السلام ، بل والله تحت راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

وقال أبو بصير : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ، الراد عليّ هذا الأمر فهو كالرادّ عليكم؟ فقال : يا أبا محمد ، من ردّ عليكم هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى الله تبارك وتعالى : يا أبا محمد ، إن الميت منكم على هذا الأمر شهيد [قال] : قلت : وإن مات على فراشه؟ فقال : «إي والله وإن مات على فراشه حي [عند ربه] يرزق (٢).

وقال مالك الجهنيّ : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : «يا مالك ، أما ترضون أن تقيموا الصلاة ، وتؤتوا الزكاة ، وتكفوا أيديكم وألسنتكم وتدخلوا الجنة ، يا مالك ، إنه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلا جاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلا أنتم ومن كان على مثل حالكم ، يا مالك ، إن الميت منكم والله على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : حدثني أبي ، عن جدي ، عن أبائه عليهم‌السلام : «أن أمير المؤمنين عليه‌السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب من العلم ، منها قوله عليه‌السلام : احذروا السفلة ، فإن السفلة من لا يخاف الله عزوجل ، لأن فيهم قتلة الأنبياء ، وفيهم أعداؤنا.

إن الله تبارك وتعالى إطّلع على الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا [أولئك منا] وإلينا ، وما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فلا يموت حتى يبتلى ببلية تمحص فيها ذنوبه ، إما في ماله ، أو ولده ، أو في نفسه حتى يلقى

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٥ ، ح ٢١.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٦ ، ح ١٢٠.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ١٤٦ ، ح ١٢٢.

٤٣٧

الله عزوجل وما له ذنب ، وإنه ليبقى عليه الشيء من ذنوبه فيشدد [به] عليه عند موته ، والميت من شيعتنا صديق شهيد صدق بأمرنا ، وأحب فينا ، وأبغض فينا ، يريد بذلك وجه الله عزوجل ، مؤمن بالله ورسوله ، قال الله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ)(١).

وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال لأصحابه : «الزموا الأرض ، واصبروا على البلاء ، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم وألسنتكم ، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم ، فإن من مات منكم على فراشه وهو على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته ، مات شهيدا ووقع أجره على الله ، واستوجب ما نوى من صالح عمله ، وقامت النيّة مقام مقاتلته بسيفه (٢).

وقال ابن عباس : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) [يعني صدّقوا] (بِاللهِ) أنه واحد : علي بن أبي طالب عليه‌السلام وحمزة بن عبد المطلب وجعفر الطيار (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ، قال : [رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] : «صديق هذه الأمة علي بن أبي طالب ، وهو الصديق الأكبر والفاروق الأعظم (٣).

ثم قال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) : وهم علي وحمزة وجعفر ، فهم صديقون وهم شهداء الرسل على أممهم ، إنهم قد بلغوا الرسالة ، ثم قال : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) عند ربهم على التصديق بالنبوة (وَنُورُهُمْ) على الصراط (٤).

وموفق بن أحمد : يرفعه إلى ابن عباس ، قال : سأل قوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فيمن نزلت هذه الآية؟ قال : «إذا كان يوم القيامة عقد لواء من نور أبيض ،

__________________

(١) الخصال : ص ٦٣٥ ، ح ١٠ ، تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٧ ، ح ٢٥.

(٢) نهج البلاغة : ص ٢٨٢ الخطبة ١٩٠ ، تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٦٨ ، ح ٢٦.

(٣) الطرائف : ج ٩٤ ، ص ١٣٢.

(٤) المناقب لابن شهر آشوب : ج ٣ ، ص ٨٩.

٤٣٨

ونادى مناد : ليقم سيد الوصيين ومعه الذين آمنوا بعد بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيقوم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فيعطى اللواء من النور الأبيض بيده ، وتحته جميع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، لا يخالطهم غيرهم ، حتى يجلس على منبر من نور رب العزة ، ويعرض الجميع عليه رجلا رجلا ، فيعطيه أجره ونوره ، فإذا أتى على آخرهم قيل لهم : قد عرفتم صفتكم (١) ومنازلكم في الجنة ، إن ربكم يقول : إن لكم عندي مغفرة وأجرا عظيما ، يعني الجنّة ، فيقوم علي والقوم تحت لوائه معه يدخل بهم الجنة ، ثم يرجع إلى منبره ، فلا يزال يعرض عليه جميع المؤمنين ، فيأخذ نصيبه منهم إلى الجنة ، وينزل أقواما على النار ، فذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) يعني السابقين الأولين [من] المؤمنين وأهل الولاية (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) يعني كفروا وكذبوا بالولاية وبحق علي عليه‌السلام (٢).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ) (٢٠) [سورة الحديد : ٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم زهد المؤمنين في الدنيا والسكون إلى لذاتا ، فقال (اعْلَمُوا) معاشر العقلاء والمكلفين (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا) يعني في هذه الدنيا (لَعِبٌ وَلَهْوٌ) لأنه لا بقاء لذلك ولا دوام وإنه يزول عن وشيك

__________________

(١) في المناقب : موضعكم.

(٢) مناقب ابن المغازلي : ص ٣٢٢ ، ح ٣٦٩.

٤٣٩

كما يزول اللعب واللهو (وَزِينَةٌ) تتزينون بها في الدنيا (وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ) يفتخر بعضكم على بعض (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أي كل واحد يقول ما لي أكثر وأولادي أكثر. ثم شبه ذلك بأن قال مثله في ذلك (كَمَثَلِ غَيْثٍ) يعني مطرا (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) أي أعجب الزراع ما نبت بذلك الغيث فالكفار الزراع. وقال الزجاج : ويحتمل أن يكون المراد الكفار بالله لأنهم أشد إعجابا بالدنيا من غيرهم (ثُمَّ يَهِيجُ) أي ييبس فيسمع له لما تدخله الريح صوت الهائج (فَتَراهُ مُصْفَرًّا) وهو إذا قارب اليبس (ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) أي هشيما بأن يهلكه الله مثل أفعال الكافر بذلك ، فإنها وإن كانت على ظاهر الحسن فإن عاقبتها إلى هلاك ودمار مثل الزرع الذي ذكره. ثم قال وله مع ذلك (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ) من عذاب النار للعصاة والكفار (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) للمؤمنين المطيعين. ثم قال (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) معناه العمل للحياة الدنيا متاع الغرور وإنها كهذه الأشياء التي مثل بها في الزوال والفناء ، والغرور ـ بضم الغين ـ ما يغر من متاع الدنيا وزينتها (١).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢١) [سورة الحديد : ٢١]؟!

الجواب / قال أبو عمرو الزبيري : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن للإيمان درجات ومنازل ، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال : «نعم.

قلت : صفة لي رحمك الله حتى أفهمه؟

قال : «إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان ، ثم

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥٣٠.

٤٤٠