التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

وكما كلم الله موسى عليه‌السلام من النار ، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء ، قال : وحي مشافهة يعني إلى الناس (١).

* س ٢١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣) [سورة الشورى : ٥٢ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) ، قال : «خلق من خلق الله عزوجل ، أعظم من جبرئيل وميكائيل ، كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره ويسدده ، وهو مع الأئمة من بعده (٢).

وقال أبو حمزة : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العلم ، هو شيء يتعلمه العالم من أفواه الرجال ، أم في الكتاب عندكم تقرءونه فتعلمون منه؟ قال : «الأمر أعظم من ذلك وأوجب ، أما سمعت قول الله عزوجل : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ).

ثم قال : «أي شيء يقول أصحابك في هذه الآية؟ أيقرون أنه كان في حال ما يدري ما الكتاب ولا الإيمان؟ فقلت : لا أدري ـ جعلت فداك ـ ما يقولون. فقال : «بلى ، قد كان في حال لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان حتى بعث الله عزوجل الروح التي ذكر في الكتاب ، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم ، وهي الروح التي يعطيها الله عزوجل من شاء ، فإذا أعطاها عبدا علمه الفهم (٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٤ ، ح ١ ، ومختصر بصائر الدرجات : ص ٢.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٥ ، ح ٥.

٤١

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لقد أنزل الله عزوجل ذلك الروح على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما صعد إلى السّماء منذ أنزل ، وإنّه لفينا (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) : «يعني عليا عليه‌السلام ، وعلي هو النور ، فقال : (نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) يعني عليا عليه‌السلام ، هدى به من هدى من خلقه.

وقال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يعني إنك لتأمر بولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وتدعو إليها ، وعليّ هو الصراط المستقيم (صِراطِ اللهِ) يعني عليا عليه‌السلام (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يعني عليا عليه‌السلام أن جعله خازنه على ما في السماوات وما في الأرض من شيء ، وائتمنه عليه (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٢).

ثم قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : أي تدعو إلى الإمامة المستوية. ثم قال : (صِراطِ اللهِ) أي حجته (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)(٣).

وقال الصّلت بن الحرّ ، كنت جالسا مع زيد بن علي عليه‌السلام فقرأ : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [قال] : هدى الناس وربّ الكعبة إلى عليّ عليه‌السلام ، ضلّ عنه من ضلّ ، واهتدى من اهتدى (٤).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وقع مصحف في البحر فوجدوه قد ذهب ما فيه إلّا هذه الآية : (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ)(٥).

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٩.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

(٥) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٦٢ ، ح ١٨.

٤٢

تفسير

سورة الزخرف

رقم السورة ـ ٤٣ ـ

٤٣
٤٤

سورة الزخرف

* س ١ : ما هو فضل سورة الزّخرف؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من أدمن قراءة حم الزخرف ، آمنه الله في قبره من هوام الأرض ، وضغطة القبر ، حتى يقف بين يدي الله عزوجل ، ثم جاءت حتى تدخله الجنة [بأمر الله تبارك وتعالى] (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كان ممن يقال له يوم القيامة : يا عباد الله ، لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون. ومن كتبها وشربها لم يحتج إلى دواء يصيبه لمرض ، وإذا رشّ بمائها مصروع أفاق من صرعته ، واحترق شيطانه ، بإذن الله تعالى (٢).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤) [سورة الزخرف : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «أمّا (حم) فمعناه الحميد المجيد .. (٣).

وقال علي بن إبراهيم : (حم) حروف من اسم الله الأعظم (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) يعني القرآن الواضح (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٣.

(٢) خواص القرآن ..

(٣) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

٤٥

قال قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام مكتوب في الفاتحة ، في قوله تعالى : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(١) ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هو أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) : «هو أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ومعرفته ، والدليل على أنه أمير المؤمنين قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٣).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (٨) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠) وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١١) وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) (١٢) [سورة الزخرف : ٥ ـ ١٢]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً) استفهام ، أي ندعكم مهملين لا نحتج عليكم برسول أو بإمام أو بحجج ، وقوله تعالى : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَما يَأْتِيهِمْ) إلى قوله تعالى : (أَشَدَّ مِنْهُمْ) يعني من قريش (بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) ، وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً) أي مستقرا (وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً)

__________________

(١) الفاتحة : ٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٠.

٤٦

أي طرقا (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي كي تهتدون.

ثم احتج على الدهرية ، فقال : (وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ تُخْرَجُونَ). وقوله تعالى : (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) هو معطوف على قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ)(١).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) (١٤) [سورة الزخرف : ١٣ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل للشكر حدّ إذا فعله العبد كان شاكرا؟ قال : «نعم.

قلت : ما هو؟ قال : «يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال ، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه ، ومنه قوله عزوجل : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ، ومنه قوله تعالى : (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ)(٢) ، وقوله تعالى : (رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً)(٣).

وقال الأصبغ بن نباتة : أمسكت لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالرّكاب ، وهو يريد أن يركب ، فرفع رأسه ثم تبسّم ، فقلت له : يا أمير المؤمنين ، رأيتك رفعت رأسك ، ثم تبسّمت؟

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٠ ، والآية من سورة النحل : ٥.

(٢) المؤمنون : ٢٩.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٧٨ ، ح ١٢ ، والآية من سورة الإسراء : ٨٠.

٤٧

قال : «نعم يا أصبغ ، أمسكت أنا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أمسكت أنت لي الركاب ، فرفع رأسه وتبسم ، فسألته عن تبسمه كما سألتني ، وسأخبرك كما أخبرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. أمسكت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغلته الشهباء ، فرفع رأسه إلى السماء وتبسم ، فقلت : يا رسول الله ، رفعت رأسك [إلى السماء] وتبسمت ، لماذا؟ فقال : يا علي ، إنه ليس أحد يركب فيقرأ آية الكرسي ، ثم يقول : استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، وأتوب إليه ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، إلا قال السيد الكريم : يا ملائكتي ، عبدي يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري ، اشهدوا أني قد غفرت له ذنوبه (١).

وقال علي بن أسباط : حملت متاعا إلى مكة فكسد عليّ ، فجئت إلى المدينة ، فدخلت على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فقلت : جعلت فداك ، إني قد حملت متاعا إلى مكة ، وكسد عليّ ، وأردت مصر ، فأركب برا أو بحرا؟ فقال : «مصر الحتوف ، ويقيض إليها أقصر الناس أعمارا ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تغسلوا رؤوسكم بطينها ، ولا تشربوا في فخارها ، فإنه يورث الذلة ، ويذهب بالغيرة.

ثم قال : «لا ، عليك أن تأتي مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتصلي ركعتين ، وتستخير الله مائة مرة ومرة ، فإذا عزمت على شيء ، وركبت البر ، واستويت على راحلتك ، فقل : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) ، فإنه ما ركب أحد ظهرا قط فقال هذا وسقط ، إلا لم يصبه كسر ولا وبال ولا وهن. وإن ركبت بحرا ، فقل [حين تركب] : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(٢) ، فإذا ضربت بك الأمواج فاتكىء على يسارك ، وأشر إلى الموج بيدك ، وقل : اسكن بسكينة الله ، وقرّ بقرار الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨١.

(٢) هود : ٤١.

٤٨

قال علي بن أسباط : قد ركبت البحر ، وكان إذا هاج الموج قلت كما أمرني أبو الحسن عليه‌السلام ، فيتنفس الموج ، ولا يصيبنا منه شيء. فقلت : جعلت فداك ، ما السّكينة؟ قال : «ريح من الجنة ، لها وجه كوجه الإنسان ، طيبة ، وكانت مع الأنبياء ، وتكون مع المؤمنين (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ذكر النعمة أن تقول : الحمد لله الذي هدانا للإسلام ، وعلمنا القرآن ومنّ علينا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتقول بعده : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا) إلى آخر الآية (٢).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)(٢٠) [سورة الزخرف : ١٥ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) : قالت قريش : إن الملائكة هم بنات الله ، ثم قال على حد الاستفهام : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) يعن إذا ولدت لهم البنات (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) وهو معطوف على قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٦٣.

(٣) النحل : ٥٧.

٤٩

وقوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي ينشؤ في الذهب (وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ، قال : إن موسى عليه‌السلام أعطاه الله من القوة أن أرى فرعون صورته على فرش من ذهب رطب ، عليه ثياب من ذهب رطب ، فقال فرعون : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ) أي ينشؤ في الذهب (وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) ، قال : لا يبين الكلام ، ولا يتبين من الناس ، ولو كان نبيا لكان خلاف الناس.

وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) معطوف على ما قالت قريش : إن الملائكة بنات الله ؛ في قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) ، فرد الله عليهم ، فقال تعالى : (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) قوله تعالى : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي يحتجون بلا علم (١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر وعمر وعليا عليه‌السلام أن يمضوا إلى الكهف والرقيم ، فيسبغ أبو بكر الوضوء ويصف قدميه ويصلي ركعتين ، وينادي ثلاثا ، فإن أجابوه وإلا فليقل مثل ذلك عمر ، فإن أجابوه وإلا فليقل مثل ذلك علي عليه‌السلام فمضوا وفعلوا ما أمرهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يجيبوا أبا بكر ولا عمر ، فقام علي عليه‌السلام وفعل ذلك فأجابوه ، وقالوا : لبيك لبيك. ثلاثا ، فقال لهم : ما لكم لم تجيبوا الأول والثاني ، وأجبتم الثالث؟ فقالوا : إنا أمرنا أن لا نجيب إلا نبيا أو وصي نبي. ثم انصرفوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسألهم ما فعلوا؟ فأخبروه ، فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحيفة حمراء ، وقال لهم : اكتبوا شهادتكم بخطوطكم فيها بما رأيتم وسمعتم ، فأنزل الله عزوجل : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) يوم القيامة (٢).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٥٣ ، ح ٧.

٥٠

وقال أبو صير : ذكر أبو جعفر عليه‌السلام الكتاب الذي تعاقدوا عليه في الكعبة ، وأشهدوا فيه ، وختموا عليه بخواتيمهم ، فقال : «يا [أبا] محمد ، إن الله أخبر نبيه بما يصنعونه قبل أن يكتبوه ، وأنزل الله فيه كتابا قلت : وأنزل فيه كتابا؟ قال : «نعم ، ألم تسمع قول الله تعالى : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ)(١).

وقال يعقوب بن جعفر : كنت مع أبي الحسن عليه‌السلام بمكّة ، فقال له رجل : إنك لتفسر من كتاب الله ما لم يسمع؟ فقال عليه‌السلام : «علينا نزل قبل الناس ، ولنا فسر قبل أن يفسر في الناس ، فنحن نعرف حلاله وحرامه ، وناسخه ومنسوخه ، وسفريه وحضريه ، وفي أي ليلة نزلت من آية ، وفيمن نزلت ، فنحن حكماء الله في أرضه ، وشهداؤه على خلقه ، وهو قوله تبارك وتعالى : (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) ، فالشهادة لنا ، والمسألة للمشهود عليه ، فهذا [علم ما] قد أنهيته [إليك وأديته إليك ما لزمني ، فإن قبلت فاشكر ، وإن تركت فإن الله على كل شيء شهيد] (٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) (٢٧) [سورة الزخرف : ٢١ ـ ٢٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما حكى الله سبحانه تخرص من أضاف

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٥٥ ، ح ٩.

(٢) بصائر الدرجات : ص ٢١٨ ، ح ٤.

٥١

عبادة الأصنام والملائكة إلى مشيئة الله ، قال : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) وهو استفهام بمعنى التقرير لهم على خطئهم ، والتقدير : أهذا الذي ذكروه شيء تخرصوه وافتعلوه ، أم آتيناهم كتابا. (مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) أي مستمسكون بذلك. فإذا لم يمكنهم ادعاء أن الله تعالى أنزل بذلك كتابا ، علم أن ذلك من تخرصهم ، ودل أم على حذف حرف الاستفهام ، لأنه المعادل له. ثم أعلم أنهم اتبعوا آباءهم في الضلالة فقال : ليس الأمر كذلك (بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) أي على ملة وطريقة. وقيل : على جماعة ، أي كانوا مجتمعين موافقين على ما نحن عليه (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) نهتدي بهداهم. ثم قال سبحانه : (وَكَذلِكَ) أي ومثل ما قال هؤلاء في الحوالة على تقليد آبائهم في الكفر (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ) يا محمد (فِي قَرْيَةٍ) ومجمع من الناس (مِنْ نَذِيرٍ) أي نذيرا ، لأن (مِنْ) زائدة. (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) وهم المتنعمون الذين آثروا الترفه على طلب الحجة ، يريد الرؤساء (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) نقتدي بهم ، فلا نخالفهم. وأحال جميعهم على التقليد للآباء فحسب ، دون الحجة والتقليد قبيح في العقول ، إذ لو كان جائزا لكان يلزم في ذلك أن يكون الحق في الشيء ونقيضه ، فكل فريق يقلد أسلافه مع أن كلا منهم يعتقد أن من سواه على خطأ وضلال ، وهذا باطل لا شبهة في بطلانه. فإذا لا بد من الرجوع إلى حجة عقلية أو سمعية. ثم قال سبحانه للنذير : (قالَ) لهم (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) تتبعون ما وجدتم عليه آباءكم ، ولا تقبلون ما جئتكم به. وفي هذا أحسن التلطف في الاستدعاء إلى الحق ، وهو أنه لو كان ما يدعونه حقا وهدى ، وكان ما جئتكم به من الحق أهدى منه ، كان أوجب أن يتبع ويرجع إليه.

ثم أخبر أنهم أبوا أن يقبلوا ذلك و (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أيها الرسل (كافِرُونَ). ثم ذكر سبحانه ما فعل بهم ، فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) بأن

٥٢

أهلكناهم ، وعجلنا عقوبتم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أنبياء الله ، والجاحدين لهم ، وفي هذا إشارة إلى أن العاقبة المحمودة تكون لأهل الحق ، والمصدقين لرسل الله (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) حين رآهم يعبدون الأصنام والكواكب. (إِنَّنِي بَراءٌ) أي بريء (مِمَّا تَعْبُدُونَ) ثم استثنى خالقه من جملة ما كانوا يعبدون ، فقال : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) أي سوى الله الذي خلقني وابتدأني ، وتقديره : إلا من الذي فطرني. قال قتادة : كانوا يقولون الله ربنا مع عبادتهم الأوثان (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) إلى طريق الجنة بلطف من ألطافه. وقيل : سيهديني إلى الحق بما نصب لي من الأدلة. وفيه بيان ثقته بالله تعالى ، ودعاء لقومه إلى أن يطلبوا الهداية من عنده (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) (٣٠) [سورة الزخرف : ٢٨ ـ ٣٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ، فقال : «في عقب الحسين عليه‌السلام ، فلم يزل هذا الأمر منذ أفضي إلى الحسين ينتقل من ولد إلى ولد ، لا يرجع إلى أخ ولا عم ، ولم يتم بعلم أحد منهم إلا وله ولد. وإن عبد الله (٢) خرج من الدنيا ولا ولد له ، ولم يمكث بين ظهراني أصحابه إلا شهرا (٣).

وقال المفضل بن عمر : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : يا بن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٧٥ ـ ٧٦.

(٢) هو عبد الله الأفطح ، ابن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، وقد قالت الفطحية بإمامته.

(٣) علل الشرائع : ص ٢٠٧ ، ح ٦.

٥٣

رسول الله ، فأخبرني عن قول الله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ، قال : «يعني بذلك الإمامة ، جعلها في عقب الحسين عليه‌السلام إلى يوم القيامة (١).

وقال هشام بن سالم : قلت للصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام : الحسن أفضل أم الحسين؟ قال : «الحسن أفضل من الحسين.

قلت : وكيف صارت [الإمامة] من بعد الحسين في عقبه دون ولد الحسن؟ فقال : «إن الله تبارك وتعالى أحب أن يجعل سنة موسى وهارون جارية في الحسن والحسين عليهما‌السلام ، ألا ترى أنهما كانا شريكين في النبوة ، كما كان الحسن والحسين شريكين في الإمامة ، وأن الله عزوجل جعل النبوة في ولد هارون ولم يجعلها في ولد موسى ، وإن كان موسى أفضل من هارون.

قلت : فهل يكون إمامان في وقت واحد؟ قال : «لا ، إلا أن يكون أحدهما صامتا مأموما لصاحبه ، والآخر ناطقا إماما لصاحبه ، فأما أن يكونا إمامين ناطقين [في وقت واحد] فلا.

قلت : فهل تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام؟

قال : «لا ، إنما هي جارية في عقب الحسين عليه‌السلام ، كما قال الله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ثم هي جارية في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى يوم القيامة (٢).

وقال ابن بابويه في كتاب (النبوة) : بإسناده إلى المفضل بن عمر ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يا بن رسول الله ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ). قال : «يعني بذلك الإمامة جعلها الله في عقب الحسين عليه‌السلام إلى يوم القيامة.

__________________

(١) الخصال : ص ٣٠٥ ، ح ٨٤.

(٢) كمال الدين وتمام النعمة : ص ٤١٦ ، ح ٩.

٥٤

فقلت : يا بن رسول الله ، أخبرني كيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن عليهما‌السلام ، وهما ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسبطاه ، وسيدا شباب أهل الجنة؟ فقال : «يا مفضل ، إن موسى وهارون نبيان مرسلان أخوان ، فجعل الله النبوة في صلب هارون ، ولم يكن لأحد أن يقول : [لم فعل ذلك؟ وكذلك الإمامة ، وهي خلافة الله عزوجل ، وليس لأحد أن يقول :] لم جعلها في صلب الحسين ولم يجعلها في صلب الحسن ، لأن الله عزوجل الحكيم في أفعاله ، لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون (١).

٢ ـ قال الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : ثم ذكر سبحانه نعمه على قريش فقال : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) المشركين بأنفسهم وأموالهم وأنواع النعم ، ولم اعاجلهم بالعقوبة لكفرهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ) أي القرآن ... وقيل : الآيات الدالة على الصدق (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) يبين الحق ويظهره ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ) أي القرآن (قالُوا هذا سِحْرٌ) أي حيلة خفية وتمويه (وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) جاحدون لكونه من قبل الله تعالى (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (٣٢) [سورة الزخرف : ٣١ ـ ٣٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أنه عروة بن مسعود الثقفي ، وكان

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٧٧.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٥٦ ، ح ١٢ ، الخصال : ص ٣٠٥ ، ح ٨٤ ، معاني الأخبار : ص ١٢٦ ، ح ١.

٥٥

عاقلا لبيبا ، وهو الذي أنزل الله تعالى فيه : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)(١).

وقال علي بن إبراهيم : ثم حكى الله عزوجل قول قريش : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ) يعني هلا نزل القرآن (عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)؟ وهو عروة بن مسعود ، والقريتين : مكة والطائف ، وكان جزاهم بما يحتمل الديات ، وكان عم المغيرة بن شعبة ، فرد الله عليهم ، فقال : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) ، يعني النبوة والقرآن حين قالوا : لم لم ينزل على عروة بن مسعود ، ثم قال تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) يعني في المال والبنين (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).

وهذا من أعظم دلالة الله على التوحيد ، لأنه خالف بين هيئاتهم وتشابههم ودلالاتهم وإراداتهم وأهوائهم ، ليستعين بعضهم على بعض ، لأن أحدهم لا يقوم بنفسه لنفسه ، والملوك والخلفاء لا يستغنون عن الناس ، وبهذا قامت الدنيا والخلق المأمورون المنهيّون المكلفون ، ولو احتاج كل إنسان أن يكون بناء لنفسه وخياطا لنفسه وحجاما لنفسه وجميع الصناعات التي يحتاج إليها ، لما قام العالم طرفة عين ، لأنه لو طلب كل إنسان العلم ، ما دامت الدنيا ، ولكنه عزوجل خالف بين هيئاتهم ، وذلك من أعظم الدلالة على التوحيد (٢).

وقال الإمام الحسن بن علي عليهما‌السلام : «قلت لأبي علي بن محمد عليهما‌السلام : فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناظرهم إذا عانتوه ويحاجّهم؟ قال : بلى ، مرارا كثيرة ، منها ما حكى الله من قولهم : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣١٠.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٣.

٥٦

وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(١) ، (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ، وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) إلى قوله : (كِتاباً نَقْرَؤُهُ)(٢) ، ثم قيل له في آخر ذلك : لو كنت نبيا كموسى لنزلت علينا لصاعقة في مساءلتنا إياك ، لأن مساءلتنا أشد من مساءلة قوم موسى لموسى. وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعدا ذات يوم بمكة ، بفناء الكعبة ، إذ اجتمع جماعة من رؤساء قريش ، منهم : الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري بن هشام ، وأبو جهل بن هشام ، والعاص بن وائل السهمي ، وعبد الله بن أبي أمية ، وجمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفر من أصحابه ، يقرأ عليهم كتاب الله ، ويذكرهم عن الله أمره ونهيه ، فقال المشركون بعضهم لبعض : لقد استفحل أمر محمد ، وعظم خطبه ، تعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه والاحتجاج عليه ، وإبطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ، ويصغر قدره عندهم ، فلعله أن ينزع عما هو فيه من غيّه وباطله وتمرده وطغيانه ، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف الباتر.

قال أبو جهل : فمن ذا الذي يلي كلامه ومحاورته؟ فقال عبد الله بن أبي أمية المخزومي : أنا لذلك ، أفما ترضاني قرنا حسيبا ، ومجادلا كفيّا؟ قال أبو جهل : بلى. فأتوه بأجمعهم ، فابتدأ عبد الله بن أبي أمية ، فقال : يا محمد ـ وذكر طلبه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما أجابه به ـ فقال : وأما قولك : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ، الوليد بن المغيرة بمكة ، أو عروة بن مسعود بالطائف ، فإن الله تعالى ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت ،

__________________

(١) الفرقان : ٧ و ٨.

(٢) الإسراء : ٩٠ ـ ٩٣.

٥٧

ولا خطر له عنده كما كان له عندك ، بل لو كانت الدنيا عنده تعدل جناح بعوضة لما سقى كافرا به مخالفا له شربة ماء ، وليس قسمة رحمة الله إليك ، بل الله القاسم للرحمة ، والفاعل لما يشاء في عبيده وإمائه ، وليس هو عزوجل ممن يخاف أحدا كما تخافه لماله أو لحاله فتعرفه بالنبوة لذلك ، ولا ممن يطمع في أحد في ماله وحاله كما تطمع فتخصه بالنبوّة لذلك ، ولا ممن يحب أحدا محبة الهوى كما تحب فتقدم من لا يستحق التقديم ، وإنما معاملته بالعدل ، فلا يؤثر بأفضل مراتب الدين وجلاله ، إلا الأفضل في طاعته ، والآخذ في خدمته ، وكذلك لا يؤخر في مراتب الدين وجلاله ، إلا أشدهم تباطؤا عن طاعته ، وإذا كان هذا صفته لم ينظر إلى مال ولا إلى حال ، بل هذا المال والحال من فضله ، وليس لأحد من عباده عليه ضربة لازب.

فلا يقال له : إذا تفضلت بالمال على عبد ، فلا بد أن تتفضل عليه بالنبوّة أيضا ، لأنه ليس لأحد إكراهه على خلاف مراده ، ولا إلزامه تفضّلا ، لأنه تفضل قبله بنعمة ، ألا ترى ـ يا عبد الله ـ كيف أغنى واحدا وقبح صورته؟ وكيف حسّن صورة واحد وأفقره؟ وكيف شرف واحدا وأفقره؟ وكيف أغنى واحدا ووضعه؟ ثم ليس لهذا الغني أن يقول : هلا أضيف إلى يساري جمال فلان؟ ولا للجميل أن يقول : هلا أضيف إلى جمالي مال فلان؟ ولا للشريف أن يقول : هلا أضيف إلى شرفي مال فلان؟ ولا للوضيع أن يقول : هلا أضيف إلى ضعتي شرف فلان؟ ولكن الحكم لله يقسم كيف يشاء ، ويفعل ما يشاء ، وهو حكيم في أفعاله ، محمود في أعماله ، وذلك قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يا محمد (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فأحوجنا بعضا إلى بعض ، أحوجنا هذا إلى مال ذاك ، وأحوجنا ذاك إلى سلعة هذا وإلى خدمته ، فترى أجل الملوك وأغنى

٥٨

الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب ، إما سلعة معه ليست معه ، وإما خدمة يصلح لها ؛ لا يتهيأ لذلك الملك إلا أن يستعين به ، وإما باب من العلم والحكم هو فقير أن يستفيدها من هذا الفقير ، وهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني ، وذلك الملك يحتاج إلى علم ذلك الفقير أو رأيه أو معرفته ، ثم ليس للملك أن يقول : هلا أجمع إلى ملكي ومالي علمه ورأيه؟ ولا لذلك الفقير أن يقول : هلا أجمع إلى رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكم مال هذا الغني؟ ثم قال تعالى : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) ، ثم قال : يا محمد (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (٣٥) وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)(٣٧) [سورة الزخرف : ٣٣ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال سعيد بن المسيب : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ، قال : «عنى بذلك أمة محمد أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) ولو فعل ذلك بأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لحزن المؤمنون وغمّهم ذلك ، ولم يناكحوهم ولم يوارثوهم (٢).

__________________

(١) تفسير الإمام العسكري عليه‌السلام : ص ٥٠٠ ، ح ٣١٤.

(٢) علل الشرائع : ص ٥٨٩ ، ح ٣٣.

٥٩

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو فعل ، لكفر الناس جميعا (١).

وقال علي بن إبراهيم قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي على مذهب واحد (لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) ، قال : المعارج التي يظهرون بها (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً) البيت المزخرف بالذهب. قال : فقال الصادق عليه‌السلام : «لو فعل الله ذلك لما آمن أحد ، ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء ، وفي الكافرين فقراء ، وجعل في الكافرين أغنياء ، وفي المؤمنين فقراء ، ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا. قال : قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) أي يعمى (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)(٢).

وقال : الشيخ الطبرسي (رحمه‌الله تعالى) : (وَإِنَّهُمْ) يعني : وإن الشياطين : وإنما جمع ، لأن قوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) في مذهب جمع ، وإن كان اللفظ على الواحد. (لَيَصُدُّونَهُمْ) أي يصرفون هؤلاء الكفار (عَنِ السَّبِيلِ) أي عن طريق الجنة (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) أي ويحسب الكفار أنهم على الهدى فيتبعونهم (٣).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٩) [سورة الزخرف : ٣٨ ـ ٣٩]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في خطبة الوسيلة : «ولئن تقمصها دوني الأشقيان ، ونازعاني فيما ليس لهما بحق ، وركباها ضلالة ، واعتقداها جهالة ، فلبئس ما عليه وردا ، ولبئس ما لأنفسهما

__________________

(١) الزهد : ص ٤٧ ، ح ١٢٧.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٤.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٨٢.

٦٠