التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

ولا يمكن التصديق بأن الله القادر الحكيم قد خلق هذا النظام والخلق العظيم من أجل عدة أيام سريعة الانقضاء لا هدف من ورائها ، مع ما تقترن به أيام الحياة هذه من أنواع الآلام والمصائب والمصاعب ، أفينتهي كل شيء بانتهائها؟! إن هذا الأمر لا ينسجم مطلقا مع حكمة الله.

بناء على هذا ، فإن مشاهدة وضع هذا العالم وتنظيمه ، تلزم بأنه مدخل وممر إلى عالم أعظم أبدي ، فلماذا لا تتفكرون في ذلك؟

لقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة مرارا في سورة المختلفة ، فيقول في الآية (١٦ ـ سورة الأنبياء) : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ).

ويقول في سورة الواقعة ـ الآية : ٦٢ : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ).

وعلى أية حال ، فإن هنالك غاية وراء خلق هذا العالم إذ أن هناك عالما آخر يتبعه ، ولهذا تعتقد المذاهب الإلحادية والمنكرة للمعاد بأن هذا الخلق عبث لا فائدة من ورائه ولا هدف.

ثم تضيف الآية التي بعدها لتأكيد الكلام : (ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ).

إن كون هذا الخلق حقا يوجب أن يكون له هدف عقلائي ، وذلك الهدف لا يتحقق إلا بوجود عالم آخر. إضافة إلى أن كونه حقا يقضي بأن لا يتساوى المحسنون والمسيئون ، ولما كنا نرى كل واحد من هاتين الفئتين قلّما يرى جزاء عمله في هذه الدنيا ، فلا بد من وجود عالم آخر يجري فيه الحساب والثواب والعقاب ، ليتلقى كل إنسان جزاء عمله ، خيرا أم شرا.

وخلاصة القول ، فإن الحق في هذه الآية إشارة إلى هدف الخلق الصائب ، واختيار البشر وقانون التكامل ، وكذلك تنفيذ أصول العدالة : (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) لأنهم لا يعلمون الفكر في التوصل إلى الحقائق ،

١٠١

وإلا فإن أدلة المبدأ والمعاد واضحة بينة.

(من هم قوم تبع)؟

لقد وردت كلمة (تبّع) في القرآن الكريم مرتين فقط : مرة في الآيات مورد البحث ، وأخرى في الآية ١٤ من سورة (ق) حيث تقول : (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ).

وكما أشرنا من قبل ، فإن تبعا كان لقبا عاما لملوك اليمن ، ككسرى لسلاطين إيران ، وخاقان لملوك الترك ، وفرعون لملوك مصر ، وقيصر لسلاطين الروم.

وكانت كلمة (تبع) تطلق على ملوك اليمن من جهة أنهم كانوا يدعون الناس إلى اتباعهم ، أو لأن أحدهم كان يتبع الآخر في الحكم.

لكن يبدو أن القرآن الكريم يتحدث عن أحد ملوك اليمن خاصة ـ كما أن فرعون المعاصر لموسى عليه‌السلام ، والذي يتحدث عنه القرآن كان معينا ومحددا ـ وورد في بعض الروايات أن اسمه كان (أسعد أبا كرب).

ويعتقد بعض المفسرين أنه كان رجلا طالب حق مؤمنا ، واعتبروا تعبير «قوم تبع الذي ورد في آيتين من القرآن دليلا على ذلك ، حيث أنه لم يذمّ في هاتين الآيتين ، بل ذم قومه ، والرواية المروية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهدة على ذلك ، ففي هذه الرواية أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم (١).

وجاء في حديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام : «إن تبعا قال للأوس والخزرج : كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي ، أما لو أدركته لخدمته وخرجت معه (٢).

__________________

(١) مجمع البيان : مجلد ٩ ، ص ٦٦ ، روح المعاني : مجلد ٢٥ ، ص ١١٦.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٦٦.

١٠٢

وورد في رواية أخرى : إن تبعا لما قدم المدينة ـ من أحد أسفاره ـ ونزل بفنائها ، بعث إلى أحبار اليهود الذين كانوا يسكنونها فقال : إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم به يهودية ، ويرجع الأمر إلى دين العرب.

فقال له شامول اليهودي ـ وهو يومئذ أعلمهم ـ ، أيها الملك إن هذا بلد يكون إليه مهاجر نبي من بني إسماعيل ، مولده بمكة اسمه أحمد ، ثم ذكروا له بعض شمائل نبي الإسلام صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال تبّع ـ وكأنه كان عالما بالأمر ـ : ما إلى هذا البلد من سبيل ، وما كان ليكون خرابها على يدي (١).

بل ورد في رواية في ذيل تلك القصة أنه قال لمن كان معه من الأوس والخزرج : أقيموا بهذا البلد ، فإن خرج النبي الموعود فآزروه وانصروه ، وأوصوا بذلك أولادكم ، حتى أنه كتب رسالة أودعهم إياها ذكر فيها إيمانه بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ويروي صاحب أعلام القرآن أن تبعا كان أحد ملوك اليمن الذين فتحوا العالم ، فقد سار بجيشه إلى الهند واستولى على كل بلدان تلك المنطقة. وقد قاد جيشا إلى مكة ، وكان يريد هدم الكعبة ، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه.

وكان من بين حاشيته جمع من العلماء ، كان رئيسهم حكيما يدعى شامول ، فقال له : إن مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة ، وستشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت ، فرجع تبع عما أراد ونذر أن يحترم الكعبة ، فلما تحسن حاله كسا الكعبة ببرد يماني.

وقد وردت قصة كسوة الكعبة في تواريخ أخرى حتى بلغت حد التواتر.

وقد حدث تحرك الجيش هذا ، ومسألة كسوة الكعبة في القرن الخامس

__________________

(١) روح المعاني : مجلد ٢٥ ، ص ١١٨.

(٢) المصدر السابق.

١٠٣

الميلادي ، ويوجد اليوم في مكة مكان يسمى دار التبابعة.

وعلى أية حال ، فإن القسم الأعظم من تأريخ ملوك التبابعة في اليمن لا يخلو من الغموض من الناحية التاريخية ، حيث لا نعلم كثيرا عن عددهم ، ومدة حكومتهم ، وربما نواجه في هذا الباب روايات متناقضة ، وأكثر ما ورد في الكتب الإسلامية ، سواء كتب التفسير أو التأريخ أو الحديث ، يتعلق بذلك الملك الذي أشار إليه القرآن في موضعين.

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٤٢) [سورة الدخان : ٤٠ ـ ٤٢]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث أبي بصير ـ ، : «يا أبا محمد ، ما استثنى الله عزّ ذكره بأحد من أوصياء الأنبياء ولا أتباعهم ما خلا أمير المؤمنين عليه‌السلام وشيعته ، فقال في كتابه وقوله الحقّ : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) ، يعني بذلك عليا عليه‌السلام وشيعته (١).

وقال أبو أسامة زيد الشحّام : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام ليلة الجمعة ، فقال لي : «اقرأ. فقرأت ، ثم قال : «اقرأ. فقرأت ، ثم قال : «يا شحام ، إقرأ فإنها ليلة قرآن.

فقرأت حتى إذا بلغت (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، قال : «هم ، قال : قلت : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) ، قال : «نحن القوم الذين رحم الله ونحن القوم الذين استثنى الله ، وإنا والله نغني عنهم (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٥ ، ح ٦.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٤ ، ح ٣.

١٠٤

وقال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) ، قال : من والى غير أولياء الله لا يغني بعضهم عن بعض ، ثم استثنى من والى آل محمد ، فقال : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ)(١).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) (٥٠) [سورة الدخان : ٤٣ ـ ٥٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) ، نزلت في أبي جهل بن هشام ، قوله تعالى : (كَالْمُهْلِ) قال : الصفر المذاب : (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) ، وهو الذي قد حمي وبلغ المنتهى ، ثم قال : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) ، أي اضغطوه من كل جانب ، ثم انزلوا به : (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) ، ثم يصب عليه ذلك الحميم ، ثم يقال له : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ). فلفظه خبر ومعناه حكاية عمّن يقول له ذلك ، وذلك أن أبا جهل كان يقول : أنا العزيز الكريم ، فيعير بذلك في النار (٢).

أقول : ويضيف القرآن الكريم في آخر آية ـ من الآيات مورد البحث ـ مخاطبا إياهم : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) فكم ذكرناكم بحقانية هذا اليوم وحقيقته في مختلف آيات القرآن وبمختلف الأدلة؟!

ألم نقل لكم :

(كَذلِكَ الْخُرُوجُ)(٣).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٢.

(٣) ق : ١١.

١٠٥

ألم نقل : (كَذلِكَ النُّشُورُ)(١).

ألم نقل : (وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٢).

ألم نقل : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ)(٣).

وخلاصة القول : قد قلنا لكم الحقيقة وأوضحناها بطرق مختلفة ، لكن لم تكن لكم آذان تسمعون بها.

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) (٥٩) [سورة الدخان : ٥١ ـ ٥٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أيما عبد أقبل قبل ما يحب الله عزوجل أقبل الله قبل ما يحب ، ومن اعتصم بالله عصمه الله ، ومن أقبل الله قبله وعصمه لم يبال ولو سقطت السماء على الأرض ، أو كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بلية كان في حزب الله بالتقوى من كل بلية ، أليس الله عزوجل يقول : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ)(٤).

وعن سعد الخفّاف ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «يا سعد ، تعلموا القرآن ، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق ، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف ، ثمانون ألف صفّ أمة محمد. وأربعون

__________________

(١) فاطر : ٩.

(٢) التغابن : ٧.

(٣) ق : ١٥.

(٤) الكافي : ج ٢ ، ص ٥٣ ، ح ٤.

١٠٦

ألف صفّ من سائر الأمم ، فيأتي على صفّ المسلمين في صورة رجل ، فيسلّم فينظرون إليه ، ثم يقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم إن هذا الرجل من المسلمين ، نعرفه بنعته وصفته ، غير أنه كان أشد اجتهادا منا في القرآن ، فمن هناك أعطي من الجمال والبهاء والنور ما لم نعطه.

ثم يجاوز حتى يأتي على صفّ الشهداء فينظر إليه الشهداء. ثم يقولون : لا إله إلا الله الرب الرحيم ، إن هذا الرجل من الشّهداء ، نعرفه بسمته وصفته غير أنه من شهداء البحر ، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه.

قال : «فيجاوز حتى يأتي على صفّ شهداء البحر في صورة شهيد ، فينظر إليه شهداء البحر ، فيكثر تعجّبهم ، ويقولون : إن هذا من شهداء البحر ، نعرفه بسمته وصفته ، غير أن الجزيرة التي أصيب فيها كانت أعظم هولا من الجزيرة التي أصبنا فيها ، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه.

ثم يجاوز حتى يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل ، فينظر النبيون والمرسلون إليه ، فيشتد لذلك تعجبهم ، ويقولون : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، إن هذا النبي مرسل ، نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه أعطي فضلا كثيرا. قال : «فيجتمعون فيأتون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيسألونه ويقولون : يا محمد ، من هذا؟ فيقول لهم : أو ما تعرفونه؟ فيقولون : ما نعرفه ، هذا ممن لا يغضب الله عزوجل عليه ، فيقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا حجة الله على خلقه ؛ فيسلم ثم يجاوز حتى يأتي على صفّ الملائكة في صورة ملك مقرب ، فينظر إليه الملائكة ، فيشتدّ تعجبهم ويكبر ذلك عليهم ، لما رأوا من فضله ، ويقولون : تعالى ربنا وتقدّس ، إن هذا العبد من الملائكة نعرفه بسمته وصفته ، غير أنه كان أقرب الملائكة إلى الله عزوجل مقاما ، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس.

ثم يتجاوز حتى يأتي رب العزة تبارك وتعالى ، فيخرّ تحت العرش ،

١٠٧

فيناديه تبارك وتعالى : يا حجتي في الأرض ، وكلامي الصادق الناطق ، ارفع رأسك ، وسل تعط ، واشفع تشفع. فيرفع رأسه فيقول الله تبارك وتعالى : كيف رأيت عبادي؟ فيقول : يا رب منهم من صانني ، وحافظ عليّ ، ولم يضيع شيئا ، ومنهم من ضيّعني واستخفّ بحقي ، وكذّب بي ، وأنا حجتك على جميع خلقك. فيقول الله تبارك وتعالى : وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني ، لأثيبنّ عليك اليوم أحسن الثواب ، ولأعاقبنّ عليك اليوم أليم العقاب.

قال : «فيرفع القرآن رأسه في صورة أخرى. قال : فقلت : يا أبا جعفر ، في أيّ صورة يرجع؟ قال : «في صورة رجل شاحب متغير ، يبصره أهل الجمع ، فيأتي الرجل من شيعتنا الذي كان يعرفه ، ويجادل به أهل الخلاف ، فيقوم بين يديه ، فيقول : ما تعرفني؟ فينظر إليه الرجل ، فيقول : ما أعرفك يا عبد الله. قال : فيرجع في الصورة التي كان في الخلق الأول : فيقول : ما تعرفني؟ فيقول : نعم ، فيقول القرآن : أنا الذي أسهرت ليلك وأنصبت عيشك وسمعت الأذى ، ورجمت بالقول في ، ألا وإن كل تاجر قد استوفى تجارته ، وأنا وراءك اليوم.

قال : «فينطلق به إلى رب العزة تبارك وتعالى ، فيقول : يا رب عبدك وأنت أعلم به ، قد كان نصبا بي ، مواظبا علي ، يعادي بسببي ، ويحب بي ويبغض. فيقول الله عزوجل : ادخلوا عبدي جنتي ، واكسوه حلة من حلل الجنة ، وتوجوه بتاج الكرامة. فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن ، فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليّك؟ فيقول : يا رب ، إني أستقل هذا له ، فزده مزيد الخير كله ، فيقول : وعزتي وجلالي وعلوّي وارتفاع مكاني ، لأنحلن له اليوم خمسة أشياء ، مع المزيد له ولمن كان بمنزلته : ألا إنهم شباب لا يهرمون ، وأصحاء لا يسقمون ، وأغنياء لا يفتقرون ، وفرحون لا يحزنون ، وأحياء لا يموتون ؛ ثم تلا هذه الآية : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى).

١٠٨

قال : قلت : يا أبا جعفر ، هل يتكلم القرآن؟ فتبسم ، ثم قال : «رحم الله الضعفاء من شيعتنا ، إنهم أهل تسليم ، ثم قال : «نعم ـ يا سعد ـ والصلاة تتكلم ، ولها صورة وخلق ، تأمر وتنهى.

قال سعد : فتغير لذلك لوني وقلت : هذا شيء لا أستطيع أن أتكلم به في الناس! فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «وهل الناس إلا شيعتنا ، فمن لم يعرف الصلاة فقد أنكر حقنا ، ثم قال : «يا سعد أسمعك كلام القرآن؟ قال سعد : قلت : بلى ، صلّى الله عليك فقال : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)(١) ، فالنهي كلام ، والفحشاء والمنكر رجال ونحن ذكر الله ونحن أكبر (٢).

وقال علي بن إبراهيم : ثم وصف ما أعده للمتقين من شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) إلى قوله تعالى : (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) يعني في الجنة غير الموتة التي في الدنيا ، (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) إلى قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) ، أي انتظر إنهم منتظرون (٣).

وقال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) ، قال : يريد ما يسر من نعمة الجنة وعذاب النار ، يا محمد : (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، يريد لكي يتعظ المشركون ، (فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) ، تهديد من الله ووعيد ، وانتظر إنهم منتظرون (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو لا تيسيره لما قدر أحد من خلقه أن يتلفظ بحرف من القرآن ، وأنى لهم ذلك وهو كلام من لم يزل ولا يزال (٥).

__________________

(١) العنكبوت : ٤٥.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٤٣٦ ، ح ١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٢.

(٥) تفسير روح البيان : المجلد ٨ ، ص ٤٣٣.

١٠٩
١١٠

تفسير

سورة الجاثية

رقم السورة : ـ ٤٥ ـ

١١١
١١٢

سورة الجاثية

* س ١ : ما هو فضل سورة الجاثية؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الجاثية كان ثوابها أن لا يرى النار أبدا ، ولا يسمع زفير جهنّم ولا شهيقها ، وهو مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنه قال : «من قرأ هذه السورة سكّن الله روعته يوم القيامة إذا جثا على ركبتيه وسترت عورته ، ومن كتبها وعلقها عليه أمن من سطوة كل جبار وسلطان ، وكان مهابا محبوبا وجيها في عين كل من يراه من الناس ، تفضلا من الله عزوجل (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من كتبها وعلقها عليه أمن من شر كل نمّام ، وليس يغتب عند الناس أبدا ، وإذا علقت على الطفل حين يسقط من بطن أمه ، كان محفوظا ومحروسا بإذن الله تعالى (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٥) [سورة الجاثية : ١ ـ ٥]؟!

الجواب / (حم) : قال سفيان بن سعيد الثوري للإمام الصادق عليه‌السلام :

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٤.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٣١.

(٣) خواص القرآن : ص ٥٠ «مخطوط.

١١٣

أخبرني يابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن (حم) و (حم عسق)؟ قال : «أما (حم) فمعناه الحميد المجيد. وأما (حم عسق) فمعناه : الحليم المثيب العالم السميع القادر القويّ (١).

أقول : وقوله (الْعَزِيزِ) هو القوي الذي لا يقهر ، والحكيم هو العارف أسرار كل شيء ، وتقوم كل أفعاله على أساس الحكمة والدقة ، ومن الواضح أن الحكمة التامة والقوة اللامحدودة من لوازم تنزيل مثل هذا الكتاب العظيم ، وهما غير موجودتين إلا في الله العزيز المتعال.

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) وهي النجوم والشمس والقمر ، وفي الأرض ما يخرج منها من أنواع النبات للناس والدوابّ لآيات لقوم يعقلون (٢).

وقال هشام بن الحكم : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : «يا هشام ، إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه ، فقال : (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٣).

يا هشام ، إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ، ونصر النبيين بالبيان ، ودلهم على ربوبيته بالأدلة ، فقال : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٤).

__________________

(١) معاني الأخبار : ص ٢٢ ، ح ١.

(٢) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

(٣) الزمر : ١٧ و ١٨.

(٤) البقرة : ١٦٣ ، ١٦٤.

١١٤

يا هشام ، قد جعل الله ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا ، فقال : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(١). وقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٢). وقال : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(٣).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، أي يجيء من كل جانب وربما كانت حارة ، وربما كانت باردة ، ومنها ما يسير السحاب ، ومنها ما يبسط الرزق في الأرض ، ومنها ما يلقح الشجر (٤).

وقال أبو بصير : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرياح الأربع : الشمال ، والجنوب ، والصبا ، والدبور ، وقلت : إن الناس يذكرون أن الشمال من الجنة والجنوب من النار؟

فقال : «إن لله عزوجل جنودا من رياح ، يعذب بها من يشاء ممن عصاه ، فلكلّ ريح منها ملك موكل بها ، فإذا أراد الله عزّ ذكره أن يعذب قوما بنوع من العذاب أوحى إلى الملك الموكل بذلك النوع من الريح التي يريد أن يعذبهم بها ـ قال ـ فيأمرها الملك فتهيج كما يهيج الأسد المغضب ـ قال ـ ولكل ريح منها اسم ، أما تسمع قول الله عزوجل : (رِيحاً صَرْصَراً)(٥) ، وقال : (الرِّيحَ الْعَقِيمَ)(٦) ، وقال : (رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ)(٧) ، وقال : (فَأَصابَها إِعْصارٌ

__________________

(١) النحل : ١٢.

(٢) غافر : ٦٧.

(٣) الكافي : ج ١ ، ص ١٠ ، ح ١٢.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

(٥) القمر : ١٨ ، ١٩.

(٦) الذاريات : ٤١.

(٧) الأحقاف : ٢٤.

١١٥

فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ)(١)؟ وما ذكر من الرياح التي يعذب الله بها من عصاه.

قال : «ولله عز ذكره رياح رحمة لواقح وغير ذلك ، ينشرها بين يدي رحمته ، منها ما يهيج السّحاب للمطر ، ومنها رياح تحبس السحاب بين السماء والأرض ، ورياح تعصر السحاب فتمطره بإذن الله ، ومنها رياح ممّا عدد الله في الكتاب ، فأما الرياح الأربع : الشّمال ، والجنوب ، والصّبا ، والدبور ، فإنما هي أسماء الملائكة الموكلين بها ، فإذا أراد الله أن تهب شمالا ، أمر الملك الذي اسمه الشمال ، فيهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه ، فتفرقت ريح الشمال حيث يريد الله من البر والبحر ، وإذا أراد الله أن تبعث جنوبا ، أمر الملك الذي اسمه الجنوب ، فيهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه ، فتفرقت ريح الجنوب في البر والبحر حيث يريد الله عزوجل ، وإذا أراد الله عزوجل أن يبعث ريح الصبا ، أمر الملك الذي اسمه الصبا ، فيهبط على البيت الحرام ، فقام على الركن الشامي ، فضرب بجناحه ، فتفرقت ريح الصبا حيث يريد الله عزوجل في البر والبحر ، وإذا أراد الله أن يبعث دبورا ، أمر الملك الذي اسمه الدبور ، فهبط على البيت الحرام ، فقام على الرّكن الشامي ، فضرب بجناحه ، فتفرقت ريح الدبور حيث يريد الله من البر والبحر.

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أما تسمع لقوله : ريح الشمال ، وريح الجنوب ، وريح الدبور ، وريح الصبا؟ إنما تضاف إلى الملائكة الموكلين بها (٢).

وقال يحيى بن النعمان : كنت عند الحسين عليه‌السلام ، إذ دخل عليه رجل من العرب متلثما أسمر شديد السمرة ، فسلم فرد الحسين عليه‌السلام ، فقال : يابن

__________________

(١) البقرة : ٢٦٦.

(٢) الكافي : ج ٨ ، ص ٩١ ، ح ٦٣.

١١٦

رسول الله ، مسألة؟ فقال : «هات. فقال : كم بين الإيمان واليقين؟ قال : «أربع أصابع ، قال : كيف؟ قال : «الإيمان ما سمعناه ، واليقين ما رأيناه ، وبين السمع والبصر أربع أصابع (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ)(٦) [سورة الجاثية : ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما قدم سبحانه ذكر الأدلة ، عقب ذلك بالوعيد لمن أعرض عنها ، ولم يتفكر فيها ، فقال : (تِلْكَ آياتُ اللهِ) أي ما ذكرناه أدلة الله التي نصبها لخلقه المكلفين (نَتْلُوها عَلَيْكَ) أي نقرأها عليك يا محمد لتقرأها عليهم (بِالْحَقِ) دون الباطل. والتلاوة : الإتيان بالثاني في أثر الأول في القراءة. والحق الذي تتلى به الآيات هو كلام مدلوله على ما هو به في جميع أنواعه. (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) معناه : إن هؤلاء الكفار إن لم يصدقوا بما تلوناه عليك ، فبأي حديث بعد حديث الله ، وهو القرآن وآياته ، يصدقون ، وبأي كلام ينتفعون. وهذا إشارة إلى أن المعاند لا حيلة له. والفرق بين الحديث الذي هو القرآن ، وبين الآيات أن الحديث قصص يستخرج منه الحق من الباطل ، والآيات هي الأدلة الفاصلة بين الصحيح والفاسد (٢).

وقال الطبرسي في (الاحتجاج) : قال صفوان بن يحيى : سألني أبو قرة المحدث صاحب شبرمة أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ وسأله عن قول الله عزوجل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى).

__________________

(١) كفاية الأثر : ص ٢٣٢.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٢٢.

١١٧

فقال أبو الحسن عليه‌السلام : قد أخبر الله تعالى أنه أسرى به ، ثمّ أخبر أنه لم أسرى به ، فقال : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا)(١) ، فآيات الله غير الله ، فقد أعذر وبيّن لم فعل به ذلك ، وما رآه ، وقال : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) ، فأخبر أنه غير الله (٢).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١٣) [سورة الجاثية : ٧ ـ ١٣]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ، أي كذاب : (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً) ، أي يصر على أنه كذب ، ويستكبر على نفسه ، (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) ، وقوله تعالى : (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) يعني إذا رأى فوضع العلم مكان الرؤية.

ـ قال الطبرسي : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أي من وراء ما هم فيه من التعزز بالمال والدنيا ، جهنم. ومعناه : قدامهم ومن بين أيديهم ، كقوله : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ). ووراء اسم يقع على القدام والخلف فيما توارى عنك ، فهو وراؤك ، خلفك كان أو أمامك. (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أي لا يغني

__________________

(١) الإسراء : ١.

(٢) الاحتجاج : ص ٤٠٥.

١١٨

عنهم ما حصلوا وجمعوه من المال والولد شيئا من عذاب الله تعالى. (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) من الآلهة التي عبدوها ، لتكون شفعاءهم عند الله (وَلَهُمْ) مع ذلك (عَذابٌ عَظِيمٌ) ـ (١).

نعود إلى رواية علي بن إبراهيم ، وقوله تعالى : (هذا هُدىً) يعني القرآن هو تبيان ، قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) ، قال : الشدة والسوء ، ثم قال : (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ) ، أي السفن (فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، ثم قال : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) ، يعني ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر (٢).

وقال أبو الصامت ، عن قول الله عزوجل : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) ، قال : أجبرهم بطاعتهم (٣).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١٤) [سورة الجاثية : ١٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ، قال : يقول لأئمة الحق : لا تدعوا على أئمة الجور حتى يكون الله الذي يعاقبهم ، في قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ)(٤).

ثم قال علي بن إبراهيم : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) : «قل للذين مننا عليهم

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٢٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

(٣) بصائر الدرجات : ص ٨٩ ، ح ١.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٣.

١١٩

بمعرفتنا أن يعرفوا الذين لا يعلمون ، فإذا عرفوهم فقد غفروا لهم (١).

وروي أن الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام أراد أن يضرب غلاما له ، فقرأ : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ، ووضع السوط في يده فبكى الغلام ، فقال له : «ما يبكيك؟ قال : وإني عندك ـ يا مولاي ـ ممن لا يرجو أيام الله؟ فقال له : «أنت ممن يرجو أيام الله؟

قال : نعم يا مولاي. فقال عليه‌السلام : «لا أحب أن أملك من يرجو أيام الله ، قم فأت قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقل : اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته يوم الدين ؛ وأنت حرّ لوجه الله تعالى (٢).

وروي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «أيام الله المرجوة ثلاثة : يوم قيام القائم عليه‌السلام ، ويوم الكرّة ، ويوم القيامة (٣).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (١٥) [سورة الجاثية : ١٥]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : قال ابن عباس ، في قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) ، يريد المؤمنين : (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) ، يريد المنافقين والمشركين : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) ، يريد إليه تصيرون (٤).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٥ ، ح ٢.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٧٦ ، ح ٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٤.

١٢٠