التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

متطلقا لا يدركه الوهم ، وكذلك لطف الله تبارك وتعالى عن أن يدرك بحد يوصف والطافة منّا الصغر والقلة ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى (١).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) ، قال : «ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام.

قلت : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) ، فقال : «معرفة أمير المؤمنين والأئمة عليهم‌السلام. (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) قال : «نزيده منها ، قال : «يستوفي نصيبه من دولتهم (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ). قال : «ليس له في دولة الحق مع القائم نصيب (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «المال والبنون حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما [الله] لأقوام (٣).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٢٢) ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ

__________________

(١) التوحيد : ص ١٨٩ ، ح ٢.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٣٦١ ، ح ٩٢.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٤.

٢١

عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٤) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) (٢٦) [سورة الشورى : ٢١ ـ ٢٦]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : أما قوله عزوجل : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) قال : «لو لا ما تقدّم فيهم من أمر الله عزوجل ما أبقى القائم عليه‌السلام منهم واحدا (١).

٢ ـ قال علي بن إبراهيم : الكلمة : الإمام ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٢) [يعني الإمامة] ، ثمّ قال : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ) يعني الذين ظلموا هذه الكلمة (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ثمّ قال : (تَرَى الظَّالِمِينَ) لآل محمد حقّهم ، (مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) ، قال : خائفون مما ارتكبوا [وعملوا] (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) [أي ما يخافونه].

ثم ذكر الله الذين آمنوا بالكتب واتبعوها ، فقال : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا) [بهذه الكلمة] (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [مما أمروا به](٣).

٣ ـ قال إسماعيل بن عبد الخالق : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول لأبي جعفر الأحول ، وأنا أسمع : «أتيت البصرة؟ فقال : نعم. قال : «كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ، ودخولهم فيه؟ فقال : والله إنهم لقليل ، وقد فعلوا ، وإن ذلك لقليل. فقال : «عليك بالأحداث ، فإنهم أسرع إلى كل خير.

ثم قال : «ما يقول أهل البصرة في هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٨٧ ، ح ٤٣٢.

(٢) الزخرف : ٢٨.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٤.

٢٢

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)؟ قلت : جعلت فداك ، إنهم يقولون : [إنها] لأقارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال : «كذبوا ، إنما نزلت فينا خاصة ، في أهل البيت ، في علي وفاطمة والحسن والحسين ، أصحاب الكساء عليهم‌السلام (١).

وقال الريان بن الصّلت : حضر الرضا عليه‌السلام مجلس المأمون بمرو ، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق وخراسان ـ وذكر الحديث وذكر عليه‌السلام آيات الاصطفاء وهي اثنتا عشرة ـ قال عليه‌السلام : «والسادسة : قوله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، وهذه خصوصية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [إلى] يوم القيامة ، وخصوصية للآل دون غيرهم ، وذلك أن الله عزوجل حكى ذكر نوح في كتابه : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ)(٢) ، وحكى عزوجل عن هود أنه قال : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ)(٣) ، وقال عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (قُلْ) يا محمد (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) ، ولم يفرض الله تعالى مودّتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا ، وأخرى أن يكون الرجل وادّا للرجل ، فيكون بعض أهل بيته عدوا له ، فلم يسلم قلب الرجل له ، فأحب الله عزوجل أن لا يكون في قلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المؤمنين شيء ، ففرض [الله] عليهم مودة ذوي القربى ، فمن أخذ بها وأحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحب أهل بيته ، لم يستطع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبغضه ، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته ، فعلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من

__________________

(١) الكافي : ج ٨ ، ص ٩٣ ، ح ٦٦ ، وقرب الإسناد : ص ٦٠.

(٢) هود : ٢٩.

(٣) هود : ٥١.

٢٣

فرائض الله تعالى ، فأيّ فضيلة وأي شرف يتقدّم هذا أو يدانيه؟

فأنزل الله تعالى هذه الآية على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ، إن الله عزوجل قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد ، فقال : يا أيها الناس ، إنه ليس بذهب ولا فضة [ولا مأكول] ولا مشروب ، فقالوا : هات إذن ، فتلا عليهم هذه الآية ، فقالوا : أما هذا فنعم. فما وفى بها أكثرهم.

وما بعث الله عزوجل نبيا إلا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا ، لأن الله يوفي أجر الأنبياء ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض الله عزوجل مودة قرابته على أمته ، وأمره أن يجعل أجره فيهم ، ليودّوه في قرابته ، لمعرفة فضلهم الذي أوجب الله عزوجل لهم ، فإن المودة إنما تكون على قدر معرفة الفضل ، فلما أوجب الله تعالى ذلك ثقل لثقل وجوب الطاعة ، فأخذ بها قوم أخذ الله ميثاقهم على الوفاء ، وعاند أهل الشقاق والنفاق ، وألحدوا في ذلك ، فصرفوه عن حدّه الذي قد حدّه الله تعالى ، فقالوا : القرابة هم العرب كلّها ، وأهل دعوته ، فعلى أيّ الحالتين كان ، فقد علمنا أن المودة هي للقرابة ، فأقربهم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولاهم بالمودة ، وكلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها.

وما أنصفوا نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حيطته ورأفته ، وما منّ الله به على أمّته ، مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه ، أن يودون في قرابته وذرينه وأهل بيته ، وأن يجعلوهم فيهم بمنزلة العين من الرأس ، حفظا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم ، وحبا لهم ، وكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه ، والأخبار ثابتة أنهم أهل المودة والذين فرض الله تعالى مودتهم ، ووعد الجزاء عليها! فما وفى أحد بهذه المودة مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة ، لقول الله عزوجل في هذه الآية : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ

٢٤

ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى)(١) مفسّرا ومبينا.

ثم قال أبو الحسن عليه‌السلام : «حدثني أبي ، عن جدي ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي عليه‌السلام قال : اجتمع المهاجرون والأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن لك مؤونة في نفقتك ومن يأتيك من الوفود ، وهذه أموالنا مع دمائنا ، فاحكم فيها مأجورا ، أعط منها ما شئت [وأمسك ما شئت] من غير حرج ، فأنزل الله عزوجل عليه الروح الأمين ، فقال : يا محمد (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يعني [أن] تودّوا قرابتي من بعدي ، فخرجوا.

فقال المنافقون : ما حمل رسول الله على ترك ما عرضنا عليه إلا ليحثنا على قرابته [من بعده] ، إن هو إلا شيء افتراه في مجلسه. فكان ذلك من قولهم عظيما ، فأنزل الله عزوجل : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٢) ، فبعث إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : هل من حدث؟ فقالوا : إي والله يا رسول الله ، لقد قال بعضنا كلاما غليظا كرهناه. فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [الآية] ، فبكوا واشتد بكاؤهم ، فأنزل الله عزوجل : (هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ)(٣).

٤ ـ قال جعفر بن محمد : «لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : أيها الناس ، إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا ، فهل أنتم مؤدّوه؟

__________________

(١) الشورى : ٢٢ ، ٢٣.

(٢) الأحقاف : ٨.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، ح ١.

٢٥

قال : فلم يجبه أحد منهم ، فانصرف. فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك ، ثم قال فيهم ، وقال [مثل] ذلك في اليوم الثالث ، فلم يتكلّم أحد ، فقال : أيها الناس ، إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب. قالوا : فألقه إذن. قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل عليّ (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا : أمّا هذه فنعم فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «فو الله ما وفى بها إلا سبعة نفر : سلمان ، وأبو ذر ، وعمار ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، ومولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له الثبت ، وزيد بن أرقم (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل ؛ (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) : «من تولى الأوصياء من آل محمد ، واتّبع آثارهم ، فذاك يزيده ولاية من مضى من النبيّين والمؤمنين الأولين حتى يصل ولايتهم إلى آدم عليه‌السلام ، وهو قول الله عزوجل : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها)(٢) يدخله الجنة ، وهو قول الله عزوجل : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)(٣) يقول : أجر المودة الذي لم أسألكم غيره فهو لكم ، تهتدون به وتنجون من عذاب يوم القيامة.

وقال لأعداء الله ، أولياء الشيطان ، أهل التكذيب والإنكار : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(٤) يقول : متكلّفا أن أسألكم ما لستم بأهله. فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض : أما يكفي محمدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا؟ [فقالوا : ما أنزل الله هذا ، وما هو إلا شيء يتقوّله ، يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا] ، ولئن

__________________

(١) قرب الإسناد ، والاختصاص : ص ٦٣ (والمولى اسمه : شبيب).

(٢) النمل : ٨٩.

(٣) سبأ : ٤٧.

(٤) سورة ص : ٨٦.

٢٦

قتل محمد أو مات ، لننزعنّها من أهل بيته [ثم] لا نعيدها فيهم أبدا.

[وقال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) : «الاقتراف للحسنة : وهو التسليم لنا والصدق علينا ، [وألا يكذب علينا](١).

وأراد الله عزّ ذكره أن يعلم نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي أخفوا في صدورهم وأسروا به ، فقال عزوجل في كتابه : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) يقول : لو شئت حبست عنك الوحي فلم تكلم بفضل أهل بيتك ولا بمودتهم ، وقد قال الله عزوجل : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يقول : الحقّ لأهل بيتك الولاية (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ، يقول : بما ألقوه في صدورهم من العداوة لأهل بيتك ، والظلم بعدك ، وهو قول الله عزوجل : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ)(٢) (٣).

وقال محمد بن مسلم : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول في قول الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) : «يعني في أهل بيته قال : «جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : إنا قد آوينا ونصرنا ، فخذ طائفة من أموالنا ، استعن بها على ما نابك. فأنزل الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) يعني على النبوّة (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي في أهل بيته.

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «هم الأئمّة الذين لا يأكلون الصّدقة ولا تحل لهم (٤).

ثمّ قال : «ألا ترى أن الرجل يكون له صديق ، وفي [نفس] ذلك

__________________

(١) مختصر بصائر الدرجات : ص ٧٢.

(٢) الأنبياء : ٣.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٣٧٩ ، ح ٥٧٤.

(٤) المحاسن : ص ١٤٥ ، ح ٤٨.

٢٧

[الرجل] شيء على أهل بيته فلم يسلم صدره ، فأراد الله أن لا يكون في نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء على أمّته ، ففرض عليهم المودة [في القربى] ، فإن أخذوا أخذوا مفروضا ، وإن تركوا تركوا مفروضا.

قال : «فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول : عرضنا عليه أموالنا ، فقال : قاتلوا عن أهل بيتي [من بعدي] وقالت طائفة : ما قال هذا رسول الله. وجحدوه ، وقالوا كما حكى الله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً). فقال الله : (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) قال : لو افتريت (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) يعني يبطله (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) يعني بالأئمة والقائم من آل محمد (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) ثم قال : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) إلى قوله : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعني الذين قالوا : القول ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ثم قال : (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) ، وقال أيضا : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، قال : أجر النبوّة أن لا تؤذوهم ولا تقطعوهم ولا تبغضوهم ، وتصلوهم ، ولا تنقضوا العهد فيهم ، لقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(١).

قال : «جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : إنا قد نصرنا وفعلنا فخذ من أموالنا ما شئت ، فأنزل الله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يعني في أهل بيته ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك : من حبس أجيرا أجره فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا ، وهو محبة آل محمد.

ثم قال : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) وهي [إقرار] الإمامة لهم ، والإحسان إليهم ، وبرّهم وصلتهم (نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي نكافىء على

__________________

(١) الرعد : ٢١.

٢٨

ذلك بالإحسان (١).

وقال الطبرسي : ذكر أبو حمزة الثمالي في تفسيره ، قال : حدثني عثمان ابن عمير ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس ، قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام ، قالت الأنصار فيما بينها : تأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنقول له : إن تغرك أمور ، فهذه أموالنا تحكم فيها من غير حرج ولا محظور [عليك]. فأتوه في ذلك ، فنزلت : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) ، فقرأها عليهم ، وقال : «تودّون قرابتي من بعدي. فخرجوا من عنده مسلّمين لقوله ، فقال المنافقون : إن هذا لشيء افتراه في مجلسه ، وأراد أن يذللنا لقرابته من بعده. فنزلت (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فأرسل إليهم فتلا عليهم ، فبكوا واشتد عليهم ، فأنزل الله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الآية ، فأرسل في أثرهم فبشّرهم ، وقال : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) وهم الذين سلّموا لقوله (٢).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قول الله تبارك : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) : «هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين ؛ ويقول الله العزيز الجبار : ولك مثل ما سألت ، وقد أعطيت ما سألت لحبك إياه (٣).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)(٢٧) [سورة الشورى : ٢٧]؟!

الجواب / قال الصادق عليه‌السلام : «لو فعل لفعلوا ، ولكن جعلهم محتاجين

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٤٤.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٦٨ ، ح ٣.

٢٩

بعضهم إلى بعض واستعبدهم بذلك ، ولو جعلهم كلهم أغنياء لبغوا في الأرض (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) مما يعلم أنه يصلحهم في دينهم ودنياهم (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)(١).

وقال أبو الحسن الرضا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وأما الخبير فهو الذي لا يعزب عنه شيء ، ولا يفوته شيء ، ليس للتجربة ولا للاعتبار بالأشياء. فعند التجربة والاعتبار علمان ، ولولاهما؟؟؟ ما علم لأن كلّ من كان كذلك كان جاهلا ، والله لم يزل خبيرا بما يخلق ، والخبير من الناس المستخبر عن جهل المتعلم ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى ، والبصير لا بخرت (٢) كما أننا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يحتمل شخصا منظورا إليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى (٣).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ)(٢٩) [سورة الشورى : ٢٨ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : قال (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي ينزله عليهم من بعد أياسهم من نزوله ، ووجه إنزاله بعد القنوط أنه ادعى إلى شكر الآتي به وتعظيمه والمعرفة بمواقع إحسانه ، وكذلك الشدائد التي تمر بالإنسان ، ويأتي الفرج بعدها ، تعلق الأمل بمن يأتي به وتكسب المعرفة بحسن تدبيره في ما يدعو إليه من العمل بأمره والانتهاء إلى نهيه.

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٦.

(٢) الخرت : ثقب الإبرة والفأس والأذن ونحوها ، «الصحاح : ج ١ ، ص ٢٤٨.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٤٨ ، ح ٥٠.

٣٠

ونشر الرحمة عمومها لجميع خلقه ، فهكذا نشر رحمة الله مجددة حالا بعد حال. ثم يضاعفها لمن يشاء ، وكل ذلك على مقتضى الحكمة وحسن التدبير الذي ليس شيء لحسن منه (وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) معناه هو الأولى بكم وبتدبيركم المحمود على جميع أفعاله لكونها منافعا وإحسانا (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سئل عن السحاب ، أين يكون؟ قال : «يكون على شجر كثيف على ساحل البحر يأوي إليه ، فإذا أراد الله أن يرسله ، أرسل ريحا فأثاره ، ووكّل به ملائكة يضربونه بالمخاريق ، وهو البرق ، فيرتفع (٢).

وقال الشيخ الطوسي : (وَمِنْ آياتِهِ) أي من حججه الدالة على توحيده وصفاته التي باين بها خلقه (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه لا يقدر على ذلك غيره لما فيهما من العجائب والأجناس التي لا يقدر عليها قادر بقدرة وما بعث فيهما من دابة أي من سائر أجناس الحيوان (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) أي على جمعهم يوم القيامة وحشرهم إلى الموقف بعد إماتتهم قادر ، لا يتعذر عليه ذلك (٣).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)(٣٠) [سورة الشورى : ٣٠]؟!

الجواب / قال أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) : «ليس من التواء عرق ، ولا نكبة حجر ، ولا عثرة قدم ، ولا خدش عود إلا بذنب ، ولما يعفو الله عزوجل أكثر ، ومن عجل الله عقوبة ذنبه في الدنيا ، فإن الله عزوجل أجلّ

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٦٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٦.

(٣) الكافي : ج ٢ ، ص ٣٢٣ ، ح ٦.

٣١

وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة (١).

وقال علي بن رئاب : [سألت أبا عبد الله عليه‌السلام] عن قول الله عزوجل : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ، قال : أرأيت ما أصاب عليّا عليه‌السلام وأهل بيته ، هو بما كسبت أيديهم ، وهم أهل طهارة معصومون؟ قال : «إن رسول الله عليه‌السلام كان يتوب إلى الله ويستغفره في كلّ يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب ، إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب (٢).

وعن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «سمعته يقول : إني أحدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه ثم أقبل علينا ، فقال : «ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان الله أجل وأمجد وأجود [من] أن يعود في عقوبته يوم القيامة ، وما ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفا عنه إلا كان الله أجود وأمجد وأكرم من أن يعود في عقوبته يوم القيامة. ثم قال : «وقد يبتلي الله المؤمن بالبليّة في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله. ثم تلا هذه الآية (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) وحثا بيده ثلاث مرات (٣).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٣١) وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٦٢.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٦.

٣٢

كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٥) [سورة الشورى : ٣١ ـ ٣٥]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) خطاب من الله تعالى للكفار بأنكم لستم تفوتون الله بالهرب منه في الأرض ولا في السماء ، فإنه يقدر عليكم في جميع الأماكن ولا يمكن النجاة من عذابه إلا بطاعته ، فواجب عليكم طاعته ، ففي ذلك استدعاء إلى عبادة الله وترغيب في كل ما أمر به وتحذير عما نهى عنه. ووجه الحجة بذلك على العبد أنه إذا كان لا يعجز الله ، ولا يجد دافعا عن عقابه خف عليه عمل كل شيء في جنب ما توعد به. وقوله (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي ليس لكم من يدفع عنكم عقاب الله إذا أراد فعله بكم ولا ينصركم عليه ، فيجب أن ترجعوا إلى طاعة من هذه صفته. وقوله (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) معناه من آياته الدالة على أنه تعالى مختص بصفات لا يشركه فيها أحد ، السفن الجارية في البحر مثل الجبال ، لأنه تعالى يسيرها بالريح لا يقدر على تسييرها غيره ، ووجه الدلالة في السفن الجارية هو أن الله خلق الماء العظيم وعدل الريح بما يمكن أن يجري فيه على حسب المراد لأنه إذا هبت الريح في جهة وسارت بها السفينة فيها ، فلو اجتمعت الخلائق على صرفها إلى جهة أخرى لما قدروا ، وكذلك لو سكنت الريح لوقفت. وما قدر أحد على تحريكها ، ولا إجرائها غيره تعالى. ثم بين ذلك بأن قال (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) وتقديره إن يشأ يسكن الريح أسكنها أو إن يشأ أن يسكنها سكنت ، وليس المعنى إن وقعت منه مشيئة أسكن لا محالة ، لأنه قد وقعت منه مشيئة لأشياء كثيرة ولم تسكن الريح. والجواري السفن ـ في قول مجاهد والسدي ـ والأعلام الجبال ـ في قولهما ـ وقوله (فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ) قال ابن عباس : معناه تظل السفن واقفة على ظهر الماء ... وقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ) يعني في تسخير البحر

٣٣

وجريان السفن فيها لآيات أي حججا واضحات (لِكُلِّ صَبَّارٍ) على أمر الله (شَكُورٍ) على نعمه ، وإنما أضاف الآيات إلى كل صبار وإن كانت دلالات لغيرهم أيضا من حيث هم الذين انتفعوا بها دون غيرهم ، ممن لم ينظر فيها. وقوله (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) معناه يهلكهن بالغرق ـ في قول ابن عباس والسدي ومجاهد ـ (بِما كَسَبُوا) أي جزاء على ما فعلوا من المعاصي (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) أخبار منه تعالى أنه يعفو عن معاصيهم لا يعاجلهم الله بعقوبتها. وقوله (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) إخبار منه تعالى أن الذين يجادلون في إبطال آيات الله تعالى ويدفعونها سيعلمون أنه ليس لهم محيص أي ملجأ يلجأون إليه (١).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(٣٦) [سورة الشورى : ٣٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : الله تعالى مخاطبا لمن تقدم وصفه (فَما أُوتِيتُمْ) يعني إن الذي أوتيتموه وأعطيتموه (مِنْ شَيْءٍ) من الأموال ، (فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي هو شيء ينتفع به عاجلا لا بقاء له ولا محصول له. والمتاع يخير به عن الإمتاع ويعبر به عن الأثاث ، ففي ذلك تزهيد في الدنيا وحث على عمل الآخرة. ثم قال (وَما عِنْدَ اللهِ) يعني من الثواب في الجنة (خَيْرٌ وَأَبْقى) من هذه المنافع العاجلة التي هي قليلة والآخرة باقية دائمة ، وهذه فانية منقطعة. ثم بين أنها حاصلة (لِلَّذِينَ آمَنُوا) بتوحيد الله وتصديق رسله (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي يفوضون أمرهم إليه تعالى دون غيره فالتوكل على الله تفويض الأمر إليه باعتقاد أنها جارية من قبله على أحسن التدبير مع الفزع

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٦٥.

٣٤

إليه بالدعاء في كلما ينوب. والتوكل واجب ، الترغيب فيه كالترغيب في جملة الإيمان (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (٣٧) [سورة الشورى : ٣٧]؟!

الجواب / ١ ـ قال الشيخ الطوسي (رحمه‌الله تعالى) : وقوله (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) يحتمل أن يكون «الذين في موضع جر بالعطف على قوله «للذين فكأنه قال وما عند الله خير وأبقى المؤمنين المتوكلين على ربهم المجتنبين كبائر الإثم والذنوب. والفواحش جمع فاحشة ، وهي أقبح القبيح. ويحتمل أن يكون في موضع رفع الابتداء ، ويكون الخبر محذوفا ، وتقديره الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش (٢).

٢ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام : «من كظم غيظا ، وهو يقدر على إمضائه ، حشا الله قلبه أمنا وإيمانا يوم القيامة. قال : «ومن ملك نفسه إذا رغب وإذا رهب وإذا غضب ، حرم الله جسده على النار (٣).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩) وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (٤٠) [سورة الشورى : ٣٨ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٦١.

(٢) التبيان : ج ٩ ، ص ١٦١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٧.

٣٥

لِرَبِّهِمْ) ، قال : في إقامة الإمام (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي يقبلون ما أمروا به ويشاورون الإمام فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم كما قال الله تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)(١).

وأما قوله تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) يعني إذا بغي عليهم هم ينتصرون ، وهي الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار ، إن شاء فعل ، وإن شاء ترك ، ثم جزى ذلك ، فقال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) أي لا يتعدى ولا يجازي بأكثر مما فعل [به] ، ثم قال تعالى : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ)(٢).

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (٤٣) وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)(٤٦) [سورة الشورى : ٤١ ـ ٤٦]؟!

الجواب / قال أبو جعفر عليه‌السلام : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) يعني القائم عليه‌السلام وأصحابه (فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) والقائم إذا قام انتصر من بني أمية ومن المكذّبين والنصاب هو وأصحابه ، وهو قول الله تبارك وتعالى :

__________________

(١) النساء : ٨٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٧.

٣٦

(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).

ثم قال أيضا : «قوله تعالى : (وَتَرَى الظَّالِمِينَ) لآل محمد حقهم (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) وعليّ عليه‌السلام هو العذاب في هذا الوجه (يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) فنوالي عليا عليه‌السلام.

ـ [وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني أنّه سبب العذاب ، لأنّه قسيم الجنّة والنار](١) ـ. (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) لعليّ (يَنْظُرُونَ) إلى عليّ (مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني آل محمد وشيعتهم.

ـ [وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني [إلى] القائم عليه‌السلام](٢) ـ.

(إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) لآل محمد حقّهم (فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) ، قال : والله يعني النصاب الذين نصبوا العداوة لأمير المؤمنين وذرّيته عليهم‌السلام والمكذّبين (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ)(٣).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ)(٤٨) [سورة الشورى : ٤٧ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : قال تعالى لخلقه (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) يعني أجيبوه إلى ما دعاكم إليه ورغبكم فيه من المصير إلى طاعته والانقياد

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٥٠ ، ح ١٩.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٥٥٠ ، ح ٢٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٨.

٣٧

لأمره (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ) أي لا مرجع له بعد ما حكم به. وقيل معناه لا يتهيأ لأحد رده ولا يكون لكم ملجأ تلجأون إليه في ذلك اليوم. والملجأ والمحرز نظائر (وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) أي تعيير إنكار. وقيل : معناه من نصير ينكر ما يحل بكم ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يعني هؤلاء الكفار وعدلوا عما دعوناهم إليه ولا يستجيبون إليه (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي حافظا تمنعهم من الكفر (إِنْ عَلَيْكَ) أي ليس عليك (إِلَّا الْبَلاغُ) وهو إيصال المعنى إلى إفهامهم وتبين لهم ما فيه رشدهم ، فالذي يلزم الرسول دعاؤهم إلى الحق ، ولا يلزمه أن يحفظهم من اعتقاد خلاف الحق. ثم أخبر تعالى عن حال الإنسان وسرعة تنقله من حال إلى حال فقال : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً) وأوصلنا إليه نعمة (فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي عقوبة جزاء بما قدمته أيديهم من المعاصي (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) يعدد المصائب ويحدد النعم (١).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)(٥٠) [سورة الشورى : ٤٩ ـ ٥٠]؟!

الجواب / ١ ـ قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) : «يعني ليس معهن ذكر (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) يعني ليس معهم أنثى (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) أي يهب لمن يشاء ذكرانا وإناثا جميعا ، يجمع له البنين والبنات ، أي يهبهم جميعا لواحد (٢).

وروي أن يحيى ابن أكثم سأل موسى بن محمد ، عن مسائل وفيها :

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ١٧٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٨.

٣٨

أخبرنا عن قول الله عزوجل : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ، فهل يزوج الله عباده الذكران ، وقد عاقب قوما فعلوا ذلك؟ فسأل موسى أخاه أبا الحسن العسكري عليه‌السلام ، وكان من جواب أبي الحسن عليه‌السلام : «أما قوله تعالى : (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) ، فإن الله تبارك وتعالى يزوج ذكران المطيعين إناثا من الحور العين ، وإناث المطيعات من النساء من ذكران المطيعين ، ومعاذ الله أن يكون الجليل عنى ما لبّست على نفسك تطلّبا للرخصة لارتكاب المآثم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً)(١) أي إن لم يتب (٢).

٢ ـ أقول : من الضروري أن نشير إلى أن كلمة «عقيم المأخوذة من كلمة «عقم ـ على وزن «بخل وكذلك على وزن «فهم. وتعني في الأصل الجفاف والتصلب المانع من قبول التأثير ، والنساء العقيمات تطلق على اللواتي تكون أرحامهن غير مستعدة لتقبل النطفة ونمو الطفل ، كما تسمى بعض الرياح بالرياح العقيمة لعدم قدرتها على ربط الغيوم الممطرة ، و «اليوم العقيم يطلق على اليوم الذي ليس فيه سرور وفرح ، كما يسمى يوم القيامة باليوم العقيم بسبب عدم وجود يوم بعد ذلك اليوم يمكن فيه التعويض عن الماضي.

وعلى أية حال ، فإن المشيئة الإلهية هي التي تتحكم في كلّ شيء وليس في قضية ولادة الأبناء فحسب ، فهو القادر والعليم والحكيم ، حيث يقترن علمه بقدرته ، لذا فإنّ الآية تقول في نهايتها : (إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).

* س ٢٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ)(٥١) [سورة الشورى : ٥١]؟!

الجواب / قال أبو معمر السّعداني : أن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ

__________________

(١) الفرقان : ٦٨ ، ٦٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٧٨.

٣٩

ذكر حديث الشاك إلى أن قال ـ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام له : «وأما قوله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) ، ما ينبغي لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ، وليس بكائن إلا من وراء حجاب ، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء [كذلك] قال الله تبارك وتعالى علوا كبيرا ، قد كان الرسول يوحى إليه من رسل السماء ، فيبلغ رسل السماء رسل الأرض ، وقد كان الكلام بين رسل الأرض وبينه من غير أن يرسل بالكلام مع رسل أهل السماء.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، هل رأيت ربك؟ فقال عليه‌السلام : إن ربي لا يرى. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أين تأخذ الوحي؟ فقال : آخذه من إسرافيل. فقال : و [من] أين يأخذه إسرافيل؟ قال : يأخذه من ملك فوقه من الروحانيّين. فقال : فمن أين يأخذه ذلك الملك؟ ، قال : يقذف في قلبه قذفا. فهذا وحي ، وهو كلام الله عزوجل ، وكلام الله ليس بنحو واحد ، منه ما كلّم الله به الرسل ، ومنه ما قذفه في قلوبهم ، ومنه رؤيا يريها الرسل ، ومنه وحيّ وتنزيل يتلى ويقرأ ، فهو كلام الله ، فاكتف بما وصفت لك من كلام الله ، فإن معنى كلام الله ليس بنحو واحد ، فإنّ منه ما يبلغ رسل السماء رسل الأرض. فقال : فرّجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة ، فعظم الله أجرك يا أمير المؤمنين (١).

وقال المفيد : في حديث مسائل عبد الله بن سلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال له : يا محمد ، فأخبرني ، كلّمك الله قبلا ، قال : «ما لعبد أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب. قال : صدقت يا محمد (٢).

وقال علي بن إبراهيم : في معنى الآية ، وحي مشافهة منه ، ووحي إلهام ، وهو الذي يقع في القلب أو من وراء حجاب ، كما كلّم الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٦٤ ، ح ٥.

(٢) الاختصاص : ص ٤٣.

٤٠