التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

وقيل : الرميم العظم البالي السحيق (وَفِي ثَمُودَ) أيضا آية (إِذْ قِيلَ لَهُمْ) تمتعوا وذلك أنهم لما عقروا الناقة ، قال لهم صالح : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) وهو قوله (تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ) أي فخرجوا عن أمر ربهم ترفعا عنه واستكبارا (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) بعد مضي الأيام الثلاثة ، وهو الموت. وقيل : هو العذاب. والصاعقة : كل عذاب مهلك. (وَهُمْ يَنْظُرُونَ) إليها جهارا لا يقدرون على دفعها (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي من نهوض. والمعنى : إنهم لم ينهضوا من تلك الصرعة (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) أي ممتنعين من العذاب. وقيل : معناه ما كانوا طالبين ناصرا يمنعهم من عذاب الله (وَقَوْمَ نُوحٍ) أي وأهلكنا قوم نوح (مِنْ قَبْلُ) أي من قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) أي خارجين عن طاعة الله إلى معاصيه ، وعن الإيمان إلى الكفر ، فاستحقوا لذلك الإهلاك (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(٤٨) [سورة الذاريات : ٤٧ ـ ٤٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) تقديره وبنينا السماء بنيناها بقوة ، أي : خلقناها ورفعناها ، على حسن نظامها (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) أي قادرون على خلق ما هو أعظم منها. وقيل : معناه وإنا لموسعون الرزق على الخلق بالمطر. وقيل : معناه وإنا لذي سعة لخلقنا أي قادرون على رزقهم ، لا نعجز عنه فالموسع : ذو الوسع. والسعة أي الغنى والجدة. (وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) أي : وفرشنا الأرض فرشناها : أي بسطناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) نحن إذ فعلنا ذلك للمنافع ومصالح العباد ، لا لجر نفع ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٦٥.

٢٨١

ولا لدفع ضرر (١).

وقال محمد بن مسلم : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، فقلت : قوله عزوجل : (يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ)(٢) ، قال : «اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال : (وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ)(٣) ، وقال : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) ، أي بقوة ، وقال : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(٤) ، أي قوّاهم ، ويقال : لفلان عندي أياد كثيرة ، أي فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء ، أي نعمة (٥).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٤٩) [سورة الذاريات : ٤٩]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «بينا أمير المؤمنين عليه‌السلام يخطب على منبر الكوفة ، إذ قام رجل يقال له ذعلب ، ذرب اللسان ، بليغ في الخطاب ، شجاع القلب ، فقال : يا أمير المؤمنين ، هل رأيت ربك؟ فقال : ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره.

قال : يا أمير المؤمنين كيف رأيته؟ فقال : ويلك يا ذعلب ، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ، ويلك يا ذعلب إن ربي لطيف اللطافة ، فلا يوصف باللطف ، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم ، كبير الكبراء ، لا يوصف بالكبر ، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ ، قبل كل شيء فلا يقال : شيء قبله ، وبعد كل شيء فلا يقال : شيء بعده ، شاء الأشياء لا بهمّة ، دراك لا بخديعة ، هو في الأشياء كلها غير متمازج بها ، ولا بائن

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٦٧.

(٢) ص : ٧٥.

(٣) ص : ١٧.

(٤) المجادلة : ٢٢.

(٥) التوحيد : ص ١٥٣ ، ح ١.

٢٨٢

عنها ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجلّ لا باستهلال رؤية ، بائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطراب ، مقدر لا بحركة ، مريد لا بهمة ، سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة لا تحويه الأماكن ، ولا تصحبه الأوقات ، ولا تحده الصفات ، ولا تأخذه السنات ، سبق الأوقات كونه ، والعدم وجوده ، والابتداء أزله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له ، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والجسو (١) بالبلل ، والصرد بالحرور ، ومؤلف بين متعادياتها ، مفرّق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، ففرق بها بين قبل وبعد ، ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقّتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه غير خلقه ، كان ربا إذ لا مربوب ، وإلها إذ لا مألوه ، وعالما إذ لا معلوم ، وسميعا إذ لا مسموع.

ثم أنشأ يقول :

ولم يزل سيدي بالعلم معروفا

ولم يزل سيدي بالجود موصوفا

وكان إذ ليس نور يستضاء به

ولا ظلام على الآفاق معكوفا

فربنا بخلاف الخلق كلهم

وكل ما كان في الأوهام موصوفا

فمن يرده على التشبيه ممتثلا

يرجع أخا حصر بالعجز مكتوفا

وفي المعارج يلقى موج قدرته

موجا يعارض طرف الروح مكفوفا

فاترك أخا جدل في الدين منعمقا

قد باشر الشك فيه الرأي مؤوفا (٢)

__________________

(١) الجسو : اليبس والصلابة.

(٢) المؤوف : الذي أصابته آفة فأفسدته.

٢٨٣

واصحب أخا ثقة حبا لسيده

وبالكرامات من مولاه محفوفا

أمسى دليل الهدى في الأرض منتشرا

وفي السماء جميل الحال معروفا

قال : فخرّ ذعلب مغشيا عليه ، ثم أفاق ، وقال : ما سمعت بهذا الكلام ، ولا أعود إلى شيء من ذلك (١).

__________________

(١) التوحيد : ص ٣٠٨ ، ح ٢.

٢٨٤

تفسير

سورة الطّور

رقم السورة ـ ٥٢ ـ

٢٨٥
٢٨٦

سورة الطّور

* س ١ : ما هو فضل سورة الطّور؟!

الجواب / عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام ، قالا : «من قرأ سورة الطّور ، جمع الله له خير الدنيا والآخرة (١).

ومن (خواصّ القرآن) : روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : «من قرأ هذه السورة كان حقا على الله تعالى أن يؤمنه من عذابه ، وأن ينعم عليه في جنته ، ومن قرأها وأدمن في قراءتها ، وكان مقيّدا مغلولا مسجونا ، سهل الله عليه خروجه ، ولو كان ما كان من الجنايات (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : «من أدمن في قراءتها ، وهو معتقل ، سهل الله خروجه ، ولو كان ما كان عليه من الحقوق الواجبة ؛ وإذا أدمن في قراءتها وهو مسافر ، أمن في سفره مما يكره ؛ وإذا رش بمائها على لدغ العقرب ، برئت بإذن الله تعالى (٣).

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) (٤) [سورة الطّور : ١ ـ ٤]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٦.

(٢) البرهان : ج ٩ ، ص ٢٣٥.

(٣) خواص القرآن : ص ٩ «مخطوط.

٢٨٧

فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) : «كتاب كتبه الله عزوجل في ورقة آس ، ووضعه على عرشه ، قبل خلق الخلق بألفي عام : يا شيعة آل محمد ، إني أنا الله أجبتكم قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني (١).

وقال علي بن إبراهيم : الطور : جبل بطور سيناء (وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) ، أي مكتوب (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) ، قال : هو في السماء الرابعة ، هو الضراح (٢) يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم لا يعودون [إليه] أبدا (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث ـ : «فأمر الله ملكا من الملائكة ، أن يجعل له بيتا في السماء السادسة ، يسمى الضّراح ، بإزاء عرشه ، فصيّره لأهل السماء ، يطوف به سبعون ألف ملك في كلّ يوم ، لا يعودون ، ويستغفرون (٤).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦١٦ ، ح ١.

(٢) الضّراح : بيت في السماء حيال الكعبة. «النهاية : ج ٣ ، ص ٨١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣١.

(٤) الكافي : ج ٤ ، ص ١٨٧ ، ح ١.

٢٨٨

تَعْمَلُونَ) (١٦) [سورة الطّور : ٥ ـ ١٦]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) ، قال : السماء (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) ، قال : يسجر يوم القيامة (١).

وفي (نهج البيان) : عن علي عليه‌السلام : «المسجور : الموقد (٢).

وقال علي بن إبراهيم : هذا كلّه قسم ، وجوابه (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) وقوله تعالى : (يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) أي تنفش (وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً) أي تسير مثل الريح (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) ، قال : يخوضون في المعاصي.

وقوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) ، قال : يدفعون في النار. وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما مر بعمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وهما في حائط يشربان ويغنيان بهذا البيت في حمزة بن عبد المطلب لما قتل :

كم من حواري تلوح عظامه

وراء الحرب عنه أن يجر فيقبرا

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم العنهما ، واركسهما في الفتنة ركسا ، ودعهما إلى النار دعا.

أقول : ويقال لهم حينئذ ؛ (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).

كما يقال لهم أيضا : (أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ)؟!

لقد كنتم تزعمون في الدنيا إن ما جاء به محمد سحر ، وقد أخذ السحر عن ساحر آخر ، فغطّى على أعيننا ليصرفها عن الحقائق وليختطف عقولنا! ويرينا أمورا على أنها معاجز ، ويذكر لنا كلاما على أنه وحي منزل من الله ، إلا

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣١.

(٢) نهج البيان : ج ٣ ، ص ٢٧٥ «مخطوط.

٢٨٩

أن جميع ذلك لا أساس له وما هو إلا السحر!!

لذلك فحين يردون نار جهنّم يقال لهم بنحو التوبيخ والملامة والاحتقار وهم يلمسون حرارة النار ، أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟!

نعود لرواية علي بن إبراهيم : قوله تعالى : (اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) ، أي اجترئوا ، أو لا تجترئوا لأنّ أحدا لا يصبر على النار ، والدليل على ذلك قوله : (فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) يعني ما أجرأهم (١)!

أقول : أجل هذه هي أعمالكم وقد عادت إليكم فلا ينفع الجزع الفزع والآه والصراخ ولا أثر لكل ذلك أبدا.

وهذه الآية تأكيد على «تجسم الأعمال وعودتها نحو الإنسان ، وهي تأكيد جديد أيضا على عدالة الله ... لأنّ نار جهنّم مهما كانت شديدة ومحرقة فهي ليست سوى نتيجة أعمال الناس أنفسهم ، وأشكالها المتبدلة هناك!.

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩) مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) (٢٠) [سورة الطّور : ١٧ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : لما تقدم وعيد الكفار ، عقبه سبحانه بالوعد للمؤمنين فقال : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الذين يجتنبون معاصي الله خوفا من عقابه (فِي جَنَّاتٍ) أي في بساتين تجنها الأشجار (وَنَعِيمٍ) أي وفي نعيم (فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي متنعمين بما أعطاهم ربهم من أنواع النعيم. وقيل : فاكهين معجبين بما آتاه ربهم ، (وَوَقاهُمْ) أي وصرف عنهم (رَبُّهُمْ

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣١.

٢٩٠

عَذابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي يقال لهم : كلوا واشربوا (هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) مملا وشربا هنيئا : مأمون العاقبة من التخمة والسقم. ثم ذكر حالهم في الأكل والشرب فقال : (مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) والسرر : جمع سرير. والمصفوفة : المصطفة الموصول بعضها ببعض. وقيل : إن في الكلام حذفا تقديره متكئين على نمارق موضوعة على سرر. لكنه حذف ، لأن اللفظ يدل عليه من حيث إن الاتكاء جلسة راحة ودعة ، ولا يكون ذلك إلا على الوسائد والنمارق. (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) فالحور البيض النقيات في حسن وكمال. والعين : الواسعات الأعين في صفاء وبهاء. ومعناه : قرنا هؤلاء المتقين بحور عين على وجه التمتيع لهم والتنعيم. وعن زيد بن أرقم قال : (جاء رجل من أهل الكتاب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أبا القاسم : تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ فقال : والذي نفسي بيده إن الرجل منهم يؤتى قوة مائة رجل على الأكل والشرب والجماع. قال : فإن الذي يأكل ويشرب يكون له الحاجة؟ فقال : عرق يفيض مثل ريح المسك ، فإذا كان ذلك ضمر بطنه) (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) (٢١) [سورة الطّور : ٢١]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ، قال : «الذين آمنوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذريته الأئمة والأوصياء عليهم‌السلام ، ألحقنا بهم ولم تنقص ذريتهم الحجة التي جاء بها محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٧٥.

٢٩١

وحجتهم واحدة ، وطاعتهم واحدة (١).

وقال : «قصرت الأبناء عن عمل الآباء ، فألحق الله عزوجل الأبناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن أطفال شيعتنا من المؤمنين تربّيهم فاطمة عليها‌السلام ، وقوله تعالى : (أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) ، قال : «يهدون إلى آبائهم يوم القيامة (٣).

وقال الإمام جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما‌السلام ، قال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من لدن العرش : يا معشر الخلائق ، غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتكون أول من يكسى ، ويستقبلها من الفردوس اثنا عشر ألف حوراء ، معهن خمسون ألف ملك على نجائب من ياقوت ، أجنحتها اللؤلؤ الرطب ، والزّبرجد ، عليها رحائل من درّ ، على كل رحل نمرقة من سندس ، حتى تجوز بها الصراط ، ويأتون الفردوس فيتباشر بها أهل الجنّة ، وتجلس على عرش من نور ، ويجلسون حولها.

وفي بطنان العرش قصران ، قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤ ، من عرق واحد ، وإن في القصر الأبيض سبعين ألف دار ، مساكن محمد وآل محمد ، وإن في القصر الأصفر سبعين ألف دار ، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم ، ويبعث الله إليها ملكا لم يبعث إلى أحد قبلها ، ولا يبعث إلى أحد بعدها ، فيقول لها : إن ربك عزوجل يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : سليني أعطك ، فتقول : قد أتمّ علي نعمته ، وأباحني جنّته ، وهنأني كرامته ، وفضلني على نساء خلقه ، أسأله أن يشفعني في ولدي وفي ذريتي ومن ودهم بعدي وحفظهم بعدي.

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٢١٦ ، ح ١.

(٢) التوحيد : ص ٣٩٤ ، ح ٧.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣٢.

٢٩٢

قال : فيوحي الله إلى ذلك الملك من غير أن يتحول من مكانه أن خبّرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم وأحبهم وحفظهم بعدها ، قال : فتقول : الحمد لله الذي أذهب عني الحزن ، وأقرّ عيني.

ثم قال جعفر عليه‌السلام : «كان أبي إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ)(١).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى أكفل إبراهيم وسارة أطفال المؤمنين ، يغذونهم بشجرة في الجنّة ، لها أخلاف كأخلاف البقر ، في قصر من درة ، فإذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم ، فهم ملوك في الجنة مع آبائهم ، وهو قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ)(٢).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥) قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (٢٨) [سورة الطّور : ٢٢ ـ ٢٨]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم ذكر سبحانه ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال : (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) أي أعطيناهم حالا بعد حال ، فإن الإمداد هو الإتيان بالشيء بعد الشيء. والفاكهة : جنس الثمار. (وَلَحْمٍ مِمَّا

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦١٨ ، ح ٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ٣١٦ ، ح ١٥٣٦.

٢٩٣

يَشْتَهُونَ) أي وأعطيناهم وأمددناهم بلحم من الجنس الذي يشتهونه (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً) أي : يتعاطون كأس الخمر ، ثم وصف الكأس فقال : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) أي لا يجري بينهم باطل ، لأن اللغو ما يلغى ، ولا ما فيه إثم ، كما يجري في الدنيا بين شرب الخمر والتأثيم : تفعيل من الإثم ، يقال : أثمه إذا جعله ذا إثم ، يعني : إن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين. وقيل : معناه لا يتسابون عليها ، ولا يؤثم بعضهم بعضا. (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) للخدمة (غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) في الحسن والصباحة ، والصفاء والبياض ، والمكنون المصون المخزون. وقيل : إنه ليس على الغلمان مشقة في خدمة أهل الجنة ، بل لهم في ذلك اللذة والسرور ، إذ ليست تلك الدار دار محنة. وذكر عن الحسن أنه قال : قيل يا رسول الله! الخادم كاللؤلؤ فكيف المخدوم؟ فقال : «والذي نفسي بيده إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي يتذاكرون ما كانوا فيه من التعب والخوف في الدنيا. وهو قوله : (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي خائفين في دار الدنيا من العذاب (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) أي عذاب جهنم ، والسموم من أسماء جهنم. وقيل إن المعنى : يسأل بعضهم بعضا عما فعلوه في الدنيا ، فاستحقوا به المصير إلى الثواب ، والكون في الجنان ، فيقولون : إنا كنا في دار التكليف مشفقين ، أي خائفين رقيقي القلب. فإن الإشفاق رقة القلب عما يكون من الخوف على الشيء. والشفقة : نقيض الغلظة ، وأصله الضعف من قولهم ثوب شفق أي : ضعيف النسج. ومنه الشفق للحمرة عند غروب الشمس ، لأنها حمرة ضعيفة. وقوله (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) يريد : فيمن يختص به ممن هو أولى بنا. والأهل هو المختص بغيره من جهة ما هو أولى به. والسموم : الحر الذي يدخل في مسام البدن يتألم به. وأصله من السم الذي هو مخرج النفس ، فكل خرق

٢٩٤

سم ، أو من السم الذي يقتل. قال الزجاج : يريد عذاب سموم جهنم ، وهو ما يوجد من لفحها وحرها. (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي في الدنيا (نَدْعُوهُ) أي ندعو الله تعالى ، ونوحده ، ونعبده. (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) أي اللطيف ، وأصله اللطف مع عظم الشأن ، ومنه البرة للطفها مع عظم النفع بها. وقيل البر : الصادق فيما وعده (الرَّحِيمُ) بعباده (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩) أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥) أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) (٤٠) [سورة الطّور : ٢٩ ـ ٤٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم خاطب سبحانه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (فَذَكِّرْ) يا محمد أي! فعظ هؤلاء المكتفين ، ولا تترك دعوتهم ، وإن أساءوا قولهم فيك (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي بإنعام ربك عليك بالنبوة. وهذا قسم (بِكاهِنٍ) وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب بطريق خدمة الجن. (وَلا مَجْنُونٍ) وهو المؤوف بما يغطي على عقله. وقد علم الكفار أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس بكاهن ، ولا مجنون ، لكن قالوا ذلك على جهة التكذيب عليه ، ليستريحوا إلى ذلك ، كما يستريح السفهاء إلى التكذيب على أعدائهم.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٧٦.

٢٩٥

(أَمْ يَقُولُونَ) أي بل يقولون هو (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أي ننتظر به حدثان الموت ، وحوادث الدهر ، فيهلك كما هلك من تقدم من الشعراء. والمنون : يكون بمعنى الدهر ، ويكون بمعنى المنية. ثم قال سبحانه : (قُلْ) لهم يا محمد (تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) أي : إنكم إن تربصتم في حوادث الدهر ، فإني منتظر مثل ذلك بكم. وتربص الكفار بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين قبيح ، وتربص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين بالكفار ، وتوقعهم لهلاكهم حسن. وقوله : ف (تَرَبَّصُوا) وإن كان بصيغة الأمر ، فالمراد به التهديد. (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا) أي بل تأمرهم عقولهم بما يقولونه لك ، ويتربصونه بك. قال المفسرون : كانت عظماء قريش توصف بالأحلام والعقول ، فأزرى الله سبحانه بعقولهم ، حيث لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل. ثم أخبر سبحانه عن طغيانهم فقال : (أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) وقرأ مجاهد : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ). وبل في المعنى قريبة من أم هنا ، إلا أن ما بعد بل متيقن ، وما بعد أم مشكوك فيه. والمعنى : إن عقولهم لم تأمرهم بهذا ، ولم تدعهم إليه ، بل حملهم الطغيان على تكذيبك. (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي افتعل القرآن وتكذبه من تلقاء نفسه. والتقول : تكلف القول ، ولا يقال ذلك إلا في الكذب. (بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) أي ليس الأمر كما زعموا ، بل ثبت أنه من عند الله ، ولكنهم لا يصدقون بذلك عنادا وحسدا واستكبارا.

ثم ألزمهم سبحانه الحجة وتحداهم فقال : (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ) أي مثل القرآن ، وما يقاربه في نظمه وفصاحته وحسن بيانه وبراعته. (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) في أنه تقوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإذا لم يقدروا على الإتيان بمثله ، فليعلموا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتقوله من تلقاء نفسه ، بل هو من عند الله تعالى. ثم احتج عليهم بابتداء الخلق فقال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي أم خلقوا لغير شيء أي : أخلقوا باطلا لا يحاسبون ، ولا يؤمرون ، ولا ينهون ، ونحو هذا. وقيل :

٢٩٦

معناه أم خلقوا عبثا ، وتركوا سدى. وهذا في المعنى مثل الأول. وقيل : معناه أخلقوا من غير خالق ومدبر دبرهم. (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) أنفسهم ، فلا يجب عليهم لله أمر. (أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) واخترعوهما ، فلذلك لا يقرون بالله ، وبأنه خالقهم (بَلْ لا يُوقِنُونَ) بأن لهم إلها يستحق العبادة وحده ، وأنك نبي من جهة الله. (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) أي بأيديهم مفاتيح ربك بالرسالة ، فيضعونها حيث شاؤوا. وقيل : أراد خزائن المطر والرزق. وقيل : خزائنه مقدوراته فلا يأتيهم إلا ما يحبون. (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أي الأرباب المسلطون على الناس ، فليس عليهم مسيطر ، ولا لهم ملزم ومقوم. وقيل : معناه أم هم المالكون الناس ، القاهرون لهم. (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) أي مرقى ومصعد إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) الوحي من السماء ، فقد وثقوا بما هم عليه ، وردوا ما سواه (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة ظاهرة واضحة إن ادعى ذلك. والتقدير : يستمعون عليه ، فهو كقوله : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ). وإنما قيل لهم ذلك ، لأن كل من يدعي ما لا يعلم ببداية العقول ، فعليه إقامة البينة والحجة. (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) وهذا تسفيه لأحلامهم ، إذ أضافوا إلى الله سبحانه ما أنفوا منه ، وهذا غاية في جهلهم ، إذ جوزوا عليه سبحانه الولد ، ثم ادعوا أنه اختار الأدون على الأعلى (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي ثوابا على أداء الرسالة ، وعلى ما جئتهم به من الدين والشريعة. (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أثقلهم ذلك الغرم الذي تسألهم ، فمنعهم ذلك عن الإيمان بك (١).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٧٨.

٢٩٧

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢) أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٤٧) [سورة الطّور : ٤١ ـ ٤٧]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم قال سبحانه (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي : أعندهم الغيب حتى علموا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يموت قبلهم؟ وهذا جواب لقولهم : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ). وقيل : أعندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون منه ، ويخبرون به الناس. وقيل : هو جواب لقولهم : إن كان أمر الآخرة حقا ، كما تدعون ، فلنا الجنة. ومثله : (وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى). والغيب الذي لا يعلمه إلا الله ، هو ما لا يعلمه العاقل ضرورة ، ولا عليه دلالة ، فالله عالم به ، لأنه يعلمه لنفسه ، والعالم لنفسه يعلم جميع المعلومات ، فلا يخفى عليه شيء منها. (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) أي مكرا بك ، وتدبير سوء في بابك سرا ، على ما دبروه في دار الندوة. (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي هم المجزيون بكيدهم. فإن ضرر ذلك يعود عليهم ، ويحيق بهم مكرهم ، كما جزى الله سبحانه أهل دار الندوة بكيدهم أن قتلهم ببدر. (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) يرزقهم ويحفظهم وينصرهم. يعني : إن الذين اتخذوهم آلهة ، لا تنفعهم ولا تدفع عنهم. ثم نزه سبحانه نفسه فقال : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) به من الآلهة. ثم ذكر سبحانه عنادهم ، وقسوة قلوبهم فقال : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) يعني : إن عذبناهم بسقوط بعض من السماء عليهم ، لن ينتهوا عن كفرهم. وقالوا : هو قطعة من السحاب. وهو قوله : (يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) بعضه على بعض. وكل هذه

٢٩٨

الأمور المذكورة بعد أم في هذه السورة ، إلزامات لعبدة الأوثان على مخالفة القرآن. ثم قال سبحانه يخاطب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فَذَرْهُمْ) يا محمد أي اتركهم. (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) أي يهلكون بوقوع الصاعقة عليهم. وقيل : الصعقة النفخة الأولى التي يهلك عندها جميع الخلائق. ثم وصف سبحانه ذلك اليوم فقال : (يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً) أي لا تنفعهم حيلتهم ، ولا تدفع عنهم شيئا (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعن كفار مكة (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) أي دون عذاب الآخرة ، يعني القتل يوم بدر. وقيل : يريد عذاب القبر. وقيل : هو الجوع في الدنيا ، والقحط سبع سنين. وقيل : هو مصائب الدنيا. وقيل : هو عام جميع ذلك. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) ما هو نازل بهم (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله عزوجل : (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) آل محمد : (عَذاباً دُونَ ذلِكَ) ـ عذاب الرجعة بالسيف ـ (٢).

وقال عبد الرحمن بن سالم : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : جعلت فداك ، هل يكره في وقت من الأوقات الجماع؟ قال : «نعم ، وإن كان حلالا ، يكره ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وما بين مغيب الشمس إلى سقوط الشفق ، وفي اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ، وفي الليلة واليوم الذي يكون فيه الزلزلة والريح السوداء الريح الحمراء والصفراء.

ولقد بات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع بعض نسائه في ليلة انكسف فيها القمر ، فلم يكن منه في تلك الليلة شيء مما كان في غيرها من الليالي ، فقالت له : يا رسول الله ، لبغض كان هذا الجفاء؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما علمت أن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة ، فكرهت أن أتلذّذ وألهو فيها ، وأتشبه بقوم عيّرهم الله في كتابه

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٨١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٢٠ ، ح ٨.

٢٩٩

عزوجل : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ ، فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي) ، كانوا (يُوعَدُونَ)(١) ، وقوله تعالى : (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ).

ثم قال أبو جعفر عليه‌السلام : «وأيم الله ، لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي كره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجماع فيها ، ثم رزق له ولد ، فيرى في ولده ما لا يحب ، بعد أن يكون علم ما نهى عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوقات التي كره فيها الجماع واللهو واللذة ، واعلم ـ يا بن سالم ـ أن من لا يجتنب اللهو واللذة عند ظهور الآيات ، ممن كان يتخذ آيات الله هزوا (٢).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) (٤٩) [سورة الطّور : ٤٨ ـ ٤٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) أي بحفظنا وحرزنا ونعمتنا (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) ، قال : صلاة الليل (فَسَبِّحْهُ) قال : قبل صلاة الليل (٣).

وقال الرضا عليه‌السلام : «إدبار السجود : أربع ركعات بعد المغرب ، وإدبار النجوم : ركعتان قبل صلاة الصبح (٤).

وقال الطبرسي (رحمه‌الله) : (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) ، يعني الركعتين قبل صلاة الفجر. قال : وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (٥).

__________________

(١) الزخرف : ٨٣.

(٢) طب الأئمة : ص ١٣١.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٣٣.

(٥) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٥٧.

٣٠٠