التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

يجري في ثقبها شيء ولا يدنسها حيض ، فالرحم ملتزقة ملدم (١) إذ ليس فيه لسوى الإحليل مجرى.

قال : فهي تلبس سبعين حلة ، ويرى زوجها مخّ ساقها من وراء حللها [وبدنها]؟ قال عليه‌السلام : «نعم ، كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح.

قال : فكيف تنعّم أهل الجنة بما فيها من النعيم ، وما منهم أحد إلا وقد افتقد ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه ، فإذا افتقدوهم في الجنة ، لم يشكوا في مصيرهم إلى النار ، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار يعذب؟ قال عليه‌السلام : «إن أهل العلم قالوا : ينسون ذكرهم ، وقال بعضهم : انتظروا قدومهم ، ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف (٢).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) (٤٤) [سورة الواقعة : ٣٩ ـ ٤٤]؟!

الجواب / قال أبو سعيد المدائني : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله عزوجل : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ، قال : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) حزقيل مؤمن آل فرعون (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) علي بن أبي طالب عليه‌السلام من هذه الأمة (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) : من الطبقة

__________________

(١) في النسخ : ملزم ، وما أثبتناه من المصدر ، يقال : رجل ملدم ، أي كثير اللّحم ثقيل.

(٢) الاحتجاج : ص ٣٥١.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٤٣ ، ح ٨.

٤٠١

الأولى التي كانت مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) ، قال : بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذه الأمّة.

(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ) ، قال : أصحاب الشمال أعداء آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابهم الذين والوهم (فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ) ، قال : السموم : اسم النار ، والحميم : ماء قد حمي (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) قال : ظلمة شديدة الحر (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) ، قال : ليس بطيّب (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) قال : من الزقوم ، والهيم : الإبل (١).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٥٣) [سورة الواقعة : ٤٥ ـ ٥٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : ثم ذكر سبحانه أعمالهم التي أوجبت لهم هذا فقال : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) أي كانوا في الدنيا متنعمين ... وذلك أن عذاب المترف أشد ألما. وبين سبحانه أن الترف ألهاهم عن الانزجار ، وشغلهم عن الاعتبار وكانوا يتركون الواجبات طلبا لراحة أبدانهم : (وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) أي الذنب العظيم ... والإصرار : أن يقيم عليه ، فلا يقلع عنه ، ولا يتوب منه. وقيل : الحنث العظيم الشرك أي : لا يتوبون عنه ... وقيل : كانوا يحلفون لا يبعث

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٩.

٤٠٢

الله من يموت ، وإن الأصنام أنداد الله ... (وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) أي ينكرون البعث والنشور ، والثواب والعقاب ، فيقولون مستبعدين لذلك ، منكرين له : أإذا خرجنا من كوننا أحياء ، وصرنا ترابا أنبعث. (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) أي : أو يبعث آباؤنا الذين ماتوا قبلنا ، ويحشرون. إن هذا لبعيد. ومن قرأ (أَوَآباؤُنَا) بفتح الواو ، فإنها واو العطف ، دخل عليها ألف الاستفهام. (قُلْ) يا محمد لهم (إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) أي الذين تقدموكم من آبائكم ، وغير آبائكم ، والذين يتأخرون عن زمانكم. (لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) يجمعهم الله ، ويبعثهم ، ويحشرهم إلى وقت يوم معلوم عنده ، وهو يوم القيامة.

(ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ) الذين ضللتم عن طريق الحق ، وجزتم عن الهدى. (الْمُكَذِّبُونَ) بتوحيد الله ، وإخلاص العبادة له ، ونبوة نبيه. (لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) مفسر في سورة الصافات (١).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) (٥٥) [سورة الواقعة : ٥٤ ـ ٥٥]؟!

الجواب / أقول : بعد تناولهم الغذاء السيء يعطشون ، ولكن ما هو شرابهم؟ يتبين ذلك في قوله تعالى : (فَشارِبُونَ عَلَيْهِ (٢) مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ).

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٦٨.

(٢) الجدير بالذكر أن في الآية السابقة كان الضمير مؤنثا (منها) يعود على (شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) وفي هذه الآية كان الضمير مذكرا (عليه) يعود على الشجر ، وذلك لأنّ الشجر اسم جنس يستعمل للذكر والمؤنث ، وكذلك ثمر ، (مجمع البيان نهاية الآية مورد البحث).

٤٠٣

(حَمِيمٍ) : بمعنى الماء الحار جدا والحارق ، وتطلق عبارة (وَلِيٌّ حَمِيمٌ) على طبيعة العلاقة الصادقة الودية الحارّة ، و «حمام مشتق من نفس المادة أيضا.

وقال الحلبي : قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ثلاثة أنفاس في الشرب أفضل من نفس واحد. وقال : «كان يكره أن يشبه بالهيم. قلت : وما الهيم؟ قال : «الرمل (١). وفي حديث آخر ، قال : «هي الإبل (٢).

وقال سليمان بن خالد : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام [عن] الرجل يشرب بالنفس الواحد؟ قال : «يكره ذلك ، وذلك شرب الهيم ، قلت : وما الهيم؟ قال : «الإبل (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ثلاثة أنفاس أفضل من نفس واحد وكان يكره أن يشبه بالهيم ، وقال : «الهيم : النّيب (٤) (٥).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦) نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ (٥٧) أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩) نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أَفَرَأَيْتُمُ

__________________

(١) الهيم : هي الإبل العطاش ، ويقال : الرّمل. «لسان العرب ـ هيم ـ ص ١٢ ، ح ٦٢٧.

(٢) معاني الأخبار : ص ١٤٩ ، ح ٣.

(٣) التهذيب : ج ٩ ، ص ٩٤ ، ح ١٤٥.

(٤) النّيب ، جمع ناب : المسنّة من النّوق.

(٥) التهذيب : ج ٩ ، ص ٩٤ ، ح ١٤٦.

٤٠٤

الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) (٧٠) [سورة الواقعة : ٥٦ ـ ٧٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسيّ (رحمه‌الله تعالى) : قوله : (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) النزل : الأمر الذي ينزل عليه صاحبه. والمعنى : هذا طعامهم وشرابهم يوم الجزاء في جهنم.

ثم احتج سبحانه عليهم في البعث بقوله : (نَحْنُ خَلَقْناكُمْ) أي نحن خلقناكم ، ولم تكونوا شيئا ، وأنتم تعلمون ذلك ... (فَلَوْ لا تُصَدِّقُونَ) أي فهلا تصدقون ، ولم لا تصدقون بالبعث ، لأن من قدر على الإنشاء والابتداء ، قدر على الإعادة (١). ثم نبههم سبحانه على وجه الاستدلال على صحة ما ذكره. فقال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) أي ما تقذفون وتصبون في أرحام النساء من النطف. فيصير ولدا (أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ) أي أأنتم تخلقون ما تمنون بشرا (أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) فإذا لم تقدروا أنتم وأمثالكم على ذلك ، فاعلموا أن الله سبحانه الخالق لذلك. وإذا ثبت أنه قادر على خلق الولد من النطفة ، وجب أن يكون قادرا على إعادته بعد موته ، لأنه ليس بأبعد منه. ثم بين سبحانه أنه كما بدأ الخلق ، فإنه يميتهم فقال : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) التقدير : ترتيب الأمر على مقدار أي : نحن أجرينا الموت بين العباد على مقدار ، كما تقتضيه الحكمة. فمنهم من يموت صبيا ، ومنهم من يموت شابا ، ومنهم من يموت كهلا وشيخا وهرما. وقيل : معناه قدرناه بأن سوينا فيه بين المطيع والعاصي ، وبين أهل السماء والأرض. (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) قيل : إنه من تمام ما قبله أي : لا يسبقنا أحد منكم على ما قدرناه من الموت ، حتى يزيد

__________________

(١) قال علي بن الحسين عليهما‌السلام : «عجب كل العجب لمن أنكر الموت وهو يرى من يموت كلّ يوم وليلة ، والعجب كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى (الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٨ ، ح ٢٨).

٤٠٥

في مقدار حياته. وقيل : إنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده ، والمعنى : وما نحن بمغلوبين. (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ) أي نأتي بخلق مثلكم بدلا منكم ، وتقديره : نبدلكم بأمثالكم ... قال الزجاج : معناه إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم ، لم يسبقنا سابق ، ولا يفوتنا.

(وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) من الصور ، أي إن أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير ، لم نسبق ، ولا فاتنا ذلك ، وتقديره : كما لم نعجز عن تغيير أحوالكم بعد خلقكم ، لا نعجز عن أحوالكم بعد موتكم. وقيل : أراد النشأة الثانية أي : ننشئكم فيما لا تعلمون من الهيئات المختلفة. فإن المؤمن يخلق على أحسن هيئة ، وأجمل صورة. والكافر على أقبح صورة. وقيل : إنما قال ذلك ، لأنهم علموا حال النشأة الأولى ، كيف كانت في بطون الأمهات ، وليست الثانية كذلك لأنها تكون في وقت لا يعلمه العباد. (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى) أي المرة الأولى من الإنشاء ، وهو ابتداء الخلق حين خلقتم من نطفة ، وعلقة ، ومضغة. (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) أي فهلا تعتبرون وتستدلون بالقدرة عليها ، على الثانية. (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ) أي ما تعملون في الأرض ، وتلقون فيها من البذر. (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) أيءأنتم تنبتونه ، وتجعلونه زرعا ، أم نحن المنبتون. فإن من قدر على إنبات الزرع من الحبة الصغيرة ، وأن يجعلها حبوبا كثيرة ، قدر على إعادة الخلق إلى ما كانوا عليه ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت). (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ) أي جعلنا ذلك الزرع (حُطاماً) أي هشيما لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء. وقيل : تبنا لا قمح فيه ، (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) أي : تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم. وقيل : معناه تندمون وتتأسفون على ما أنفقتم فيه. وأصله من التفكه بالحديث وهو التلهي به ، فكأنه قال : فظلتم تتروحون إلى التندم ، كما يتروح الفكه إلى الحديث ، بما يزيل الهم. وقيل : معناه

٤٠٦

يتلاومون ، أي : يلوم بعضكم بعضا على التفريط في طاعة الله. (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) أي تقولون : إنا لمغرمون. والمعنى : إنا قد ذهب مالنا كله ، ونفقتنا ، وضاع وقتنا ، ولم نحصل على شيء. وقيل : معناه إنا لمعذبون مجدودون (١) عن الحظ.

وفي رواية : إنا لمولع بنا. وفي رواية أخرى : إنا لملقون في الشر. وقيل محارفون ، ومن قرأء إنا على الاستفهام حمله على أنهم يقومون فيقولون منكرين لذلك. ومن قرأ (إِنَّا) على الخبر حمله على أنهم مخبرون بذلك عن أنفسهم. ثم يستدركون فيقولون : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي مبخوسو الحظ ، محارفون ممنوعون من الرزق والخير. ثم قال سبحانه ، منبها على دلالة أخرى : (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ) أي من السحاب (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ).

نعمة منا عليكم ، ورحمة بكم ، ثم قال : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) أي مرا شديد المرارة (٢). وقيل : هو الذي اشتدت ملوحته. (فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ) أي فهلا تشكرون على هذه النعمة السنية التي لا يقدر عليها أحد غير الله (٣).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (٧٤) [سورة الواقعة : ٧١ ـ ٧٤]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم القمي : في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ

__________________

(١) في سائر النسخ محدودون بالمهملة. وجد النخل بالجيم أي : صرمه وقطعه. وحد الله عنا الشر أي : كفه وصرفه.

(٢) قال أبو جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) : أي : المرّ.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٧١ ـ ٣٧٣.

٤٠٧

الَّتِي تُورُونَ) أي تورونها وتوقدونها وتنتفعون بها (أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً) لنار يوم القيامة (وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) ، قال : المحتاجين (١).

أقول : يقول سبحانه في آخر آية مورد البحث : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ).

نعم ، إن الله الذي خلق كل هذه النعم ، والتي كل منها تذكرنا بقدرته وتوحيده وعظمته ومعاده ، لائق للتسبيح والتنزيه من كل عيب ونقص.

إنه ربّ ، وكذلك فإنه «عظيم وقادر ومقتدر ، وبالرغم من أنّ المخاطب في هذه الآية هو الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أن من الواضح أن جميع البشر هم المقصودون.

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (٧٦) [سورة الواقعة : ٧٥ ـ ٧٦]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) : «كان أهل الجاهلية يحلفون بها ، فقال الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ). قال : «عظم أمر [من] يحلف بها.

قال : «وكانت الجاهلية يعظمون الحرم ولا يقسمون به ولا بشهر رجب ، ولا يعرضون فيهما لمن كان فيها ذاهبا أو جائيا ، وإن كان [قد] قتل أباه ، ولا لشيء [يخرج] من الحرم دابة أو شاة أو بعير أو غير ذلك ، فقال الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(٢) قال : «فبلغ من جهلهم

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٩.

(٢) البلد : ١ ، ٢.

٤٠٨

أنهم استحلوا قتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعظموا أيام الشهر حيث يقسمون به [فيفون] (١).

وقال المفضل بن عمر الجعفي : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قول الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) : «يعني به اليمين بالبراءة من الأئمة عليهم‌السلام ، يحلف بها الرجل ، يقول : إن ذلك عند الله عظيم (٢).

وقال الطبرسي : روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : «أن مواقع النجوم : رجومها للشياطين (٣).

وقال الشيباني في (نهج البيان) : روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام : أنه قال : «كان أهل الجاهلية يحلفون بالنجوم ، فقال الله سبحانه : لا أحلف بها ، وقال : ما أعظم إثم من يحلف بها ، وإنه لقسم عظيم عند الجاهلية (٤).

* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠) أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) (٨١) [سورة الواقعة : ٧٧ ـ ٨١]؟!

الجواب / ١ ـ قال إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «المصحف لا تمسه على غير طهر ، ولا جنبا ، ولا تمس خطه ، ولا تعلقه ، إن الله يقول : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(٥).

__________________

(١) الكافي : ج ٧ ، ص ٤٥٠ ، ح ٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ج ٣ ، ص ٢٣٧ ، ح ١١٢٣.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٤١.

(٤) نهج البيان : ج ٣ ، ص ٢٨٤ «مخطوط.

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ١٢٧ ، ح ٣٤٤.

٤٠٩

وقال الطبرسي : لا يجوز للجنب والحائض والمحدث مسّ المصحف ، عن محمد بن علي الباقر عليه‌السلام في معنى الآية (١).

٢ ـ أقول : قوله : (تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، إن الله المالك والبارىء لجميع الخلق ، قد نزّل هذا القرآن لهداية البشر ، وقد أنزله سبحانه على قلبي النبي الطاهر ، وكما أن العالم التكويني صادر منه وهو تعالى رب العالمين فكذلك الحال في المجال التشريعي ، فكل نعمة وهداية فمن ناحيته ومن عطائه.

ثم يضيف سبحانه : (أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) هل أنتم بهذا القرآن وبتلك الأوصاف المتقدّمة تتساهلون ، بل تنكرونه وتستصغرونه في حين تشاهدون الأدلّة الصادقة والحقّة بوضوح ، وينبغي لكم التسليم والقبول بكلام الله سبحانه بكل جديّة ، والتعامل مع هذا الأمر كحقيقة لا مجال للشكّ فيها.

عبارة «هذا الحديث في الآية الكريمة إشارة للقرآن الكريم ، و «مدهنون في الأصل من مادّة دهن بالمعنى المتعارف عليه ، ولأنّ الدهن يستعمل للبشرة وأمور أخرى ، فإن كلمة «أدهان جاءت بمعنى المداراة والمرونة ، وفي بعض الأحيان بمعنى الضعف وعدم التعامل بجدية ... ولأنّ المنافقين والكاذبين غالبا ما يتّصفون بالمداراة والمصانعة ، لذا استعمل هذا المصطلح أحيانا بمعنى التكذيب والإنكار ، ويحتمل أن يكون المعنيان مقصودان في الآية.

والأصل في الإنسان أن يتعامل بجدية مع الشيء الذي يؤمن به ، وإذا لم يتعامل معه بجدية فهذا دليل على ضعف إيمانه به أو عدم تصديقه.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٤١.

٤١٠

* س ١٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢) فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٨٧) [سورة الواقعة : ٨٢ ـ ٨٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الرحمن السلمي : أن عليا عليه‌السلام قرأ بهم الواقعة (وتجعلون شكركم أنكم تكذبون) فلما انصرف ، قال : «إني عرفت أنه سيقول قائل : لم قرأ هكذا ، إني سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأها هكذا ، وكانوا إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء (١) كذا وكذا ، فأنزل الله عليهم (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٢).

وقال شرف الدين النجفي : جاء في تأويل أهل البيت الباطن ، في حديث أحمد بن إبراهيم ، عنهم عليهم‌السلام (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ) أي شكركم النعمة التي رزقكم الله وما من عليكم بمحمد وآل محمد (أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) بوصيّه (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) إلى وصيه أمير المؤمنين عليه‌السلام بشّر وليه بالجنة ، وعدوه بالنار (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ) يعني أقرب إلى أمير المؤمنين منكم (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ) أي لا تعرفون (٣).

وقال أبو بصير : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما معنى قول الله تبارك وتعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

__________________

(١) النوء : سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر وطلوع رقيبه من المشرق يقابله من ساعته في كل ليلة إلى ثلاثة عشر يوما ، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحر والبرد إلى الساقط منها. «الصحاح : ج ١ ، ص ٧٩.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٤٩.

(٣) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٤٤ ، ح ٩.

٤١١

قال : «إن نفس المحتضر إذا بلغت الحلقوم وكان مؤمنا ، رأى منزله في الجنة ، فيقول : ردوني إلى الدنيا حتى أخبر أهلها بما أرى ، فيقال له : ليس إلى ذلك سبيل (١).

وقال علي بن إبراهيم : في قوله : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) يعني النفس ، قال : معناه : فإذا بلغت الحلقوم (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) ، قال : معناه : فلو كنتم غير مجازين على أفعالكم (تَرْجِعُونَها) يعني الرّوح إذا بلغت الحلقوم ، تردونها في البدن (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٢).

* س ١٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٩٤) [سورة الواقعة : ٨٨ ـ ٩٤]؟!

الجواب / قال الصادق جعفر بن محمد عليهم‌السلام : «إذا مات المؤمن شيعه سبعون ألف ملك إلى قبره ، فإذا أدخل قبره جاءه منكر ونكير فيقعدانه ، فيقولان له : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك؟ فيقول : ربي الله ، ومحمد نبيي ، والإسلام ديني ، فيفسحان له في قبره مد بصره ، ويأتيانه بالطعام من الجنّة ، ويدخلان عليه الروح والريحان ، وذلك قوله عزوجل : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) يعني في قبره (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) يعني في الآخرة.

ثمّ قال عليه‌السلام : «إذا مات الكافر شيّعه سبعون ألف من الزوبانية إلى قبره ، وإنه ليناشد حامليه بصوت يسمعه كل شسء إلا الثقلين ، ويقول : لو أن

__________________

(١) الزهد : ص ٨٤ ، ح ٢٢٣.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٥٠.

٤١٢

لي كرة فأكون من المؤمنين ؛ ويقل : ارجعوني لعلي أعمل صالحا فيما تركت ، فتجيبه الزبانية : كلا إنها كلمة هو قائلها ، ويناديهم ملك : لو رد لعاد لما نهي عنه ؛ فإذا أدخل قبره وفارقه الناس ، أتاه منكر ونكير في أهول صورة فيقيمانه ، ثم يقولان له : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك؟ فيتلجلج لسانه ، ولا يقدر على الجواب ، فيضربانه ضربة من عذاب الله يذعر لها كل شيء ، ثم يقولان [له] : من ربك ، وما دينك ، ومن نبيك؟ فيقول : لا أدري ، فيقولان له : لا دريت ولا هديت ولا أفلحت ؛ ثم يفتحان له بابا إلى النار ، وينزلان إليه الحميم من جهنم ، وذلك قول الله عزوجل : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يعني في القبر (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) يعني في الآخرة (١).

وقال الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام : «نزلت هاتان الآيتان في أهل (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) يعني في قبره (وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) يعني في الآخرة (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) يعني في قبره (وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) يعني في الآخرة (٢).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عزوجل : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : هم شيعتك ، فسلم ولدك منهم أن يقتلوهم (٣).

وسئل أبو جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) ، فقال : «هذا في أمير المؤمنين والأئمة من بعده (صلوات الله عليهم) (٤).

وقال محمد بن عمران : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فقوله عزوجل :

__________________

(١) أمالي الصدوق : ص ٢٣٩ ، ح ١٢.

(٢) أمالي الصدوق : ص ٣٨٣ ، ح ١١.

(٣) الكافي : ج ٨ ، ص ٢٦٠ ، ح ٣٧٣.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٥٢ ، ح ١٦.

٤١٣

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ)؟ قال : «ذلك من [كانت له] منزلة عند الإمام.

قلت : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ)؟ قال : «ذلك من وصف بهذا الأمر.

قلت : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ)؟ قال : «الجاحدين للإمام (١).

وقال الطبرسي في (جوامع الجامع) : فروح بالضّم ، وهو المروي عن الباقر عليه‌السلام ، أي فرحمة لأنّ الرحمة كالحياة للمرحوم (٢).

* س ١٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧) أفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) (٦٩) [سورة الواقعة : ٦٥ ـ ٦]؟!

الجواب / قال الشيخ الطبرسي : (إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) أضاف الحق إلى اليقين ، وهما واحد للتأكيد أي : هذا الذي أخبرتك به من منازل هؤلاء الأصناف الثلاثة ، هو الحق الذي لا شك فيه ، واليقين الذي لا شبهة معه. وقيل : تقديره حق الأمر اليقين. (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) أي نزه الله سبحانه عن السوء والشرك ، وعظمه بحسن الثناء عليه. وقيل. معناه نزه اسمه عما لا يليق به ، فلا تضف إليه صفة نقص أو عملا قبيحا. وقيل : معناه قولوا : سبحان ربي العظيم. والعظيم في صفة الله تعالى معناه : إن كل شيء سواه يقصر عنه ، فإنه القادر العالم الغني ، الذي لا يساويه شيء ، ولا يخفى عليه شيء جلت آلاؤه ، وتقدست أسماؤه (٣).

__________________

(١) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٥٣ ، ح ١٨.

(٢) جوامع الجامع : ص ٤٨٠.

(٣) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٨٠.

٤١٤

تفسير

سورة الحديد

رقم السورة ـ ٥٧ ـ

٤١٥
٤١٦

سورة الحديد

* س ١ : ما هو فضل سورة الحديد؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «من قرأ سورة الحديد ، والمجادلة في صلاة فريضة أدمنها ، لم يعذبه الله حتى يموت أبدا ، ولا يرى في نفسه ولا أهله سوء أبدا ، ولا خصاصة في بدنه (١).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : «من قرأ المسبحات كلها قبل أن ينام لم يمت حتى يدرك القائم عليه‌السلام ، وإن مات كان في جوار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

ومن (خواص القرآن) : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من قرأ هذه السورة كان حقّا على الله أن يؤمنه من عذابه ، وأن ينعم عليه في جنته. ومن أدمن قراءتها وكان مقيّدا مغلولا مسجونا ، سهل الله خروجه ، ولو كان ما كان عليه من الجنايات (٣).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كتبها وعلقها عليه وهو في الحرب لم يصبه سهم ولا حديد ، وكان قويّ القلب في طلب القتال ، وإن قرئت على موضع فيه حديد خرج من وقته من غير ألم (٤).

__________________

(١) ثواب الأعمال : ص ١١٧.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٣٤٥ ، (والمسبحات هي السور التي تبدأ ب (سبح الله ، أو يسبّح لله ، وهي خمس سور : سورة الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن).

(٣) البرهان : ج ٩ ، ص ٣٧٤.

(٤) خواص القرآن : ص ٢٠ ، «مخطوط.

٤١٧

* س ٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٢) [سورة الحديد : ١ ـ ٢]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : يقول الله تعالى مخبرا أن جميع ما في السماوات والأرض يسبح له ، وقد بينا في غير موضع معنى التسبيح وأنه التنزيه له عن الصفات التي لا تليق به. فمن كان من العقلاء عارفا به فإنه يسبحه لفظا ومعنى ، وما ليس بعاقل من سائر الحيوان والجمادات فتسبيحها ما فيها من الآية الدالة على وحدانيته وعلى الصفات التي باين بها جميع خلقه ، وما فيها من الحجج على أنه لا يشبه خلقه وأن خلقه لا يشبهه ، ذلك بالتسبيح. وإنما كرر ذكر التسبيح في غير موضع من القرآن لانعقاده لمعان مختلفة لا ينوب بعضها مناب بعض ، فمن ذلك قوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(١) فهذا تسبيح بحمد الله وأما (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو تسبيح بالله (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فكل موضع ذكر فيه فلعقده بمعنى لا ينوب عنه غيره منابه ، وإن كان مخرج الكلام على الإطلاق و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) معناه المنيع بأنه قادر لا يعجزه شيء العليم بوجوه الصواب في التدبير ، ولا تطلق صفة (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) إلا فيه تعالى ، لأنه على هذا المعنى. وقوله (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) إخبار بأن له التصرف في جميع ما في السماوات والأرض وليس لأحد منعه منه ولا أن أحدا ملكه ذلك وذاك هو الملك الأعظم ، لأن كل ما عداه فما يملكه ، فإن الله هو الذي ملكه إياه ، وله منعه منه. وقوله (يُحْيِي وَيُمِيتُ) معناه يحيي الموات ، لأنه يجعل النطفة وهي جماد حيوانا ويحييها بعد موتها يوم القيامة ، ويميت الأحياء إذا بلغوا آجاله

__________________

(١) الإسراء : ٤٤.

٤١٨

التي قدرها لهم (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي كل ما يصح أن يكون مقدورا له ، فهو قادر عليه (١).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣) [سورة الحديد : ٣]؟!

الجواب / قال ابن أبي يعفور : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) وقلت أما الأول عرفناه ، وأما الآخر فبيّن لنا تفسيره؟!

فقال : «إنه ليس شيء إلا يبيد أو يتغير ، أو يدخله التغيير والزوال ، أو ينتقل من لون إلى لون ، ومن هيئة إلى هيئة ، ومن صفة إلى صفة ، ومن زيادة إلى نقصان ، ومن نقصان إلى زيادة ، إلا رب العالمين ، فإنه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة ، هو الأول قبل كل شيء ، وهو الآخر على ما لم يزل ، ولا تختلف عليه الصفات والأسماء كما تختلف على غيره ، مثل الإنسان الذي يكون ترابا مرة ، ومرة لحما ودما ، ومرة رفاتا رميما ، وكالبسر الذي يكون مرة بلحا ، ومرة بسرا ، ومرة رطبا ، ومرة تمرا ، فتتبدل عليه الأسماء والصفات ، والله جلّ وعز بخلاف ذلك (٢).

وقال ميمون البان : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ، وقد سئل عن الأول والآخر. فقال : «الأول لا عن أول قبله ، ولا عن بدء سبقه ، والآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفة المخلوقين ، ولكن قديم ، أول آخر ، لم يزل ولا يزول بلا بدء ولا نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ،

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٥١٧.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٨٩ ، ح ٥ ، والتوحيد : ص ٣١٤ ، ح ٢.

٤١٩

خالق كل شيء (١).

وقال علي بن محمد مرسلا ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ـ في حديث يفسر فيه أسماء الله تعالى ـ قال : «وأما الظاهر فليس من أجل أنه علا الأشياء بركوب فوقها ، وقعود عليها ، وتسنم لذراها ، ولكن ذلك لقهره ولغلبته الأشياء وقدرته عليها ، كقول الرجل : ظهرت على أعدائي ، وأظهرني الله على خصمي ، يخبر عن الفلج والغلبة ، فهكذا ظهور الله على الأشياء.

ووجه آخر أنه الظاهر لمن أراده ، ولا يخفى عليه شيء ، وأنه مدبر لكل ما برأ ، فأي ظاهر أظهر وأوضح من الله تبارك وتعالى؟ لأنك لا تعدم صنعته حيثما توجهت ، وفيك من آثاره ما يغنيك ، والظاهر منا البارز بنفسه والمعلوم بحده ، فقد جمعنا الاسم ولم يجمعنا المعنى.

وأما الباطن فليس على معنى الاستبطان للأشياء ، بأن يغور فيها ، ولكن ذلك منه على استبطانه للأشياء علما وحفظا وتدبيرا ، كقول القائل : أبطنته ؛ يعني خبّرته وعلمت مكتوم سره ، الباطن منا الغائب في الشيء المستتر ، وقد جمعنا الاسم واختلف المعنى (٢).

وقال جابر بن عبد الله : لقيت عمارا في بعض سكك المدينة ، فسألته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأخبر أنه في مسجده في ملأ من قومه ، وأنه لمّا صلى الغداة أقبل علينا ، فبينما نحن كذلك وقد بزغت الشمس ، إذا أقبل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقام إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقبل بين عينيه ، وأجلسه إلى جنبه حتى مست ركبتاه ركبتيه ، ثم قال : «يا عليّ ، قم للشمس فكلّمها ، فإنها تكلمك.

فقام أهل المسجد ، فقالوا : أترى عين الشمس تكلّم عليا؟ وقال بعض :

__________________

(١) الكافي : ج ١ ، ص ٩٠ ، ح ٦ ، والتوحيد : ص ٣١٣ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ١ ، ص ٩٥ ، ح ٢ ، التوحيد : ص ١٨٦ ، ح ٢.

٤٢٠