التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي

التيسير في التفسير للقرآن - ج ٧

المؤلف:

الشيخ ماجد ناصر الزبيدي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار المحجّة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٢

حال ولدي الحسن ، وبعده الحسين ، وتسعة من ولد الحسين تاسعهم قائمهم.

فقلنا : ما اسم الملك الموكل بقاف؟ فقال عليه‌السلام : «ترجائيل.

فقلنا : يا أمير المؤمنين ، كيف تأتي كل ليلة إلى هذا الموضع وتعود؟ فقال عليه‌السلام : «كما أتيت بكم ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، إني لأملك من ملكوت السماوات والأرض ، ما لو علمتم ببعضه لما احتمله جنانكم ، إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، عند آصف بن برخيا حرف واحد فتكلم به فخسف الله تعالى الأرض ما بينه وبين عرش بلقيس ، حتى تناول السرير ، ثم عادت الأرض كما كانت ، أسرع من طرفة النظر ، وعندنا نحن ـ والله ـ اثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، عرفنا من عرفنا ، وأنكرنا من أنكرنا (١).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ، قال : (ق) جبل محيط بالدنيا من وراء يأجوج ومأجوج ، وهو قسم ، (بَلْ عَجِبُوا) ، يعني قريشا (أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) ، يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) ، قال : نزلت في أبي بن خلف ، قال لأبي جهل ، إني لأعجب من محمد ، ثم أخذ عظما ففته ، ثم قال : يزعم محمد أن هذا يحيا! فقال الله : (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) يعني مختلف.

ثم احتج عليهم وضرب للبعث والنشور مثلا فقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا

__________________

(١) المحتضر : ص ٧٣ ، البحار : ج ٢٧ ، ص ٣٦ ، ح ٥.

٢٤١

فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أي حسن (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) قال : كل حب يحصد (١).

وقال محمد بن مسلم : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) ، قال : ليس [من] ماء في الأرض إلا وقد خالطه ماء السماء (٢).

* س ٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (١١) [سورة ق : ١٠ ـ ١١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) أي مرتفعات (لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) يعني بعضه على بعض (رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) ، جوابا لقولهم : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ)(٣) ، فقال الله : كما أن الماء إذا أنزلناه من السماء ، فيخرج النبات من الأرض ، كذلك أنتم تخرجون من الأرض (٤).

* س ٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (١٤) [سورة ق : ١٢ ـ ١٤]؟!

الجواب / قال هشام الصيدناني ، سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الآية (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ) ، فقال بيده هكذا ، فمسح

__________________

(١) تفسير القمّي : ج ٢ ، ص ٣٢٣.

(٢) الكافي : ج ٦ ، ص ٣٨٧ ، ح ١.

(٣) سورة ق : ٣.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٣.

٢٤٢

إحداهما بالأخرى ، فقال : «هنّ اللواتي باللواتي يعني النساء بالنساء (١).

وعن محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه دخل عليه نسوة ، فسألته امرأة منهن عن السّحق؟ فقال : «حدها حد الزاني ، فقالت المرأة : ما ذكر الله عزوجل ذلك في القرآن؟ فقال : «بلى. [قالت : وأين هو؟]. قال : «هن أصحاب الرس (٢).

وقال إسماعيل بن جابر : كنت فيما بين مكة والمدينة ، أنا وصاحب لي ، فتذاكرنا الأنصار ، فقال أحدنا : هم نزاع من قبائل (٣) ، وقال أحدنا : هم من أهل اليمن ، قال : فانتهينا إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وهو جالس في ظل شجرة ، فابتدأ الحديث ولم نسأله ، فقال : «إن تبعا لما جاء من قبل العراق ، وجاء معه العلماء وأبناء الأنبياء ، فلما انتهى إلى هذا الوادي لهذيل ، أتاه أناس من بعض القبائل ، فقالوا : إنك تأتي أهل بلدة قد لعبوا بالناس زمانا طويلا ، حتى اتخذوا بلادهم حرما ، وبنيتهم ربا أو ربة. فقال : إن كان كما تقولون قتلت مقاتليهم ، وسبيت ذريتهم [وهدمت بنيتهم].

قال : فسالت عيناه حتى وقعتا على خديه ، قال : فدعا العلماء وأبناء الأنبياء ، فقال : انظروني وأخبروني لما أصابني هذا؟ قال : فأبوا أن يخبروه حتى عزم عليهم ، قالوا : حدثنا بأي شيء حدّثت نفسك؟ قال : حدثت نفسي أن أقتل مقاتليهم ، وأسبي ذريتهم ، وأهدم بنيتهم ، فقالوا : إنا لا نرى الذي أصابك إلا لذلك ، قال : ولم هذا؟ قالوا : لأن البلد حرم الله ، والبيت بيت الله ، وسكانه ذرية إبراهيم خليل الرحمن.

__________________

(١) الكافي : ج ٥ ، ص ٥٥١ ، ح ١.

(٢) الكافي : ج ٧ ، ص ٢٠٢ ، ح ١.

(٣) النّزاع من القبائل : هم جمع نازع ونزيع ، وهو الغريب الذي نزع عن أهله وعشيرته ، أي بعد وغاب. «النهاية : ج ٥ ، ص ٤١.

٢٤٣

فقال : صدقتم ، فما مخرجي مما وقعت فيه؟ قالوا : تحدث نفسك بغير ذلك ، فعسى الله أن يرد عليك ، قال : فحدث نفسه بخير ، فرجعت حدقتاه حتى ثبتتا مكانهما ، قال : فدعا بالقوم الذين أشاروا عليه بهدمها فقتلهم ، ثم أتى البيت وكساه ، وأطعم الطعام ثلاثين يوما كل يوم مائة جزور ، حتى حملت الجفان إلى السباع في رؤوس الجبال ، ونثرت الأعلاف في الأودية للوحوش ، ثم انصرف من مكة إلى المدينة ، فأنزل بها قوما من أهل اليمن من غسان ، وهم الأنصار.

وفي رواية أخرى : كساه النطاع (١) وطيّبه (٢).

قلت : وقد تقدم حديث في تبع في سورة البقرة ، في قوله عزوجل : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) فليؤخذ من هناك (٣).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن تبعا قال للأوس والخزرج : كونوا ها هنا حتى يخرج هذا النبي ، أما أنا فلو أدركته لخدمته ولخرجت معه (٤).

وقال ابن عباس : لا يشبهن عليكم أمر تبع فإنه كان مسلما (٥).

وعن أبان رفعه : إن تبعا قال في مسيره :

ولقد أتاني من قريظة عالم

حبر لعمرك في اليهود مسود (٦)

قال ازدجر عن قرية محجوبة

لنبي مكة من قريش تهتد

فعفوت عنهم عفو غير مثرب

وتركتهم لعقاب يوم سرمد

__________________

(١) النطع : بساط من الجلد ، يقال : كسا بيت بالأنطاع. «المعجم الوسيط : ج ٢ ، ص ٩٣٠.

(٢) الكافي : ج ٤ ، ص ٢١٥ ، ح ١.

(٣) تقدم في الحديث من تفسير الآية (٨٩) من سورة البقرة.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٧٠ ، ح ٢٦.

(٥) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٧١ ، ح ٢٧.

(٦) في هذا البيت إقواء ، وكذلك البيت الخامس والسابع.

٢٤٤

وتركتها لله أرجو عفوه

يوم الحساب من الحميم الموقد

ولقد تركت له بها من قومنا

نفرا أولي حسب وممن يحمد

نفرا يكون النصر في أعقابهم

أرجو بذاك ثواب رب محمد

ما كنت أحسب أن بيتا ظاهرا

لله في بطحاء مكة يعبد

قالوا : بمكة بيت مال داثر

وكنوزه من لؤلؤ وزبرجد

فأردت أمرا حال ربي دونه

والله يدفع عن خراب المسجد

فتركت ما أملته فيه لهم

وتركتهم مثلا لأهل المشهد

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قد أخبر أنه سيخرج من هذه ـ يعني مكة ـ نبيّ يكون مهاجرته إلى يثرب ، فأخذ قوما من اليمن فأنزلهم مع اليهود لينصروه إذا خرج ، وفي ذلك يقول :

شهدت على أحمد أنه

رسول من الله بارىء النسم

فلو مد عمري إلى عمره

لكنت وزيرا له وابن عم

وكنت عذابا على المشركين

أسقيهم كأس حتف وغم (١)

وقال الطبرسي : روى سهل بن سعد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [أنه] قال : «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم (٢).

قلت : وقد تقدم خبر قوم نوح وعاد وثمود وإخوان لوط وأصحاب الأيكة في سورة هود (٣) ، وخبر أصحاب الرس في سورة الفرقان (٤) ، وفرعون في طه وغيرها (٥) ، فلتؤخذ من هناك.

__________________

(١) كمال الدين وتمام النعمة : ص ١٦٩ ، ح ٢٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ١٠٠.

(٣) تقدم في تفسير الآيات (٣٦ ـ ٤٩ ، ٥٠ ـ ٥٣ ، ٦١ ، ٦٩ ـ ٨٣) من سورة هود.

(٤) تقدم في تفسير الآية (٣٨) من سورة الفرقان.

(٥) تقدم في تفسير الآيتين (٤٣ ـ ٤٤) من سورة طه ، وتفسير الآيات (١٠ ـ ٦٣) من سورة الشعراء وتفسير الآيات (٤ ، ٥ ، ٦ ، ٣٨ ـ ٤١) من سورة القصص.

٢٤٥

وقال علي بن إبراهيم : الرس : نهر بناحية أذربيجان (١).

* س ٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥) [سورة ق : ١٥]؟!

الجواب / قال محمد بن مسلم : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «لقد خلق الله عزوجل في الأرض منذ خلقها سبعة عوالم ليس فيها من ولد آدم ، خلقهم من أديم الأرض ، فأسكنهم فيها واحدا بعد واحد مع عالمه ، ثم خلق عزوجل آدم أبا هذا البشر وخلق ذريته منه ، لا والله ما خلت الجنة من أرواح المؤمنين منذ خلقها ، ولا خلت النار من أرواح الكفّار العصاة منذ خلقها عزوجل ، لعلكم ترون أنه إذا كان يوم القيامة ، وصيّر [الله] أبدان أهل الجنة مع أرواحهم في الجنة ، وصير أبدان أهل النار مع أرواحهم في النار ، أن الله تبارك وتعالى لا يعبد في بلاده ، ولا يخلق خلقا يعبدونه ويوحدونه [ويعظمونه] ، بلى والله ليخلقن الله خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحدونه ويعظمونه ، ويخلق لهم أرضا تحملهم ، وسماء تظلهم ، أليس الله عزوجل يقول : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(٢) ، وقال عزوجل : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ)(٣).

قال جابر بن يزيد : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله عزوجل : (الآية) : قال : «يا جابر تأويل ذلك أن الله عزوجل إذا أفنى هذا الخلق وهذا العالم ، وسكن أهل الجنة وأهل النار النار ، جدّد الله عالما غير هذا العالم ، وجدّد خلقا من غير فحولة ولا إناث يعبدونه ويوحّدونه ، وخلق لهم أرضا غير هذه الأرض تحملهم ، وسماء غير هذه السماء تظلهم ، لعلّك ترى [أن الله] إنما

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٣.

(٢) إبراهيم : ٤٨.

(٣) الخصال : ص ٣٥٨ ، ح ٤٥.

٢٤٦

خلق هذا العالم الواحد الواحد ، وترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم بلى والله لقد خلق ألف ألف عالم ، وألف ألف آدم ، أنت في آخر تلك العوالم وأولئك الآدميّين (١).

* س ٦ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١٦) [سورة ق : ١٦]؟!

الجواب / قال شرف الدين النجفي : تأويله جاء في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو ما روي عن محمد ن جمهور ، عن فضالة ، عن أبان عن عبد الرحمن ، عن ميسر ، عن بعض آل محمد (صلوات الله عليهم) ، في قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ).

قال : «هو الأول ، وقال في قوله تعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ)(٢) ، قال : «هو زفر ، وهذه الآيات إلى قوله تعالى : (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)(٣) فيهما وفي أتباعهما ، وكانوا أحق بها وأهلها (٤).

وقال علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، قال : حبل العنق (٥).

وورد في حديث أن أبا حنيفة جاء إلى الصادق عليه‌السلام يوما فقال : رأيت ولدك موسى يصلي والناس يعبرون من أمامه إلا أنه لم ينههم عن ذلك ، مع أن هذا العمل غير صحيح!.

__________________

(١) التوحيد : ص ٢٧٧ ، ح ٢.

(٢) سورة ق : ٢٧.

(٣) سورة ق : ٣٠.

(٤) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٨ ، ح ١.

(٥) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٤.

٢٤٧

فقال الصادق عليه‌السلام : ادعوا لي ولدي موسى فدعي له فكرر الإمام الصادق حديث أبي حنيفة لولده موسى بن جعفر قائلا : إن الذي كنت أصلي له كان أقرب إليّ منهم يقول الله عزوجل (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ... فاحتضنه الإمام الصادق عليه‌السلام وقال : بأبي أنت وأمي يا مستودع الأسرار (١).

* س ٧ : ما هو معنى قوله تعالى :

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨) [سورة ق : ١٧ ـ ١٨]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من قلب إلا وله أذنان ، على إحداهما ملك مرشد ، وعلى الأخرى شيطان مفتن ، هذا يأمره وهذا يزجره ، الشيطان يأمره بالمعاصي ، والملك يزجره عنها ، وهو قول الله عزوجل : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(٢).

وقال الفضل بن عثمان المرادي : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أربع من كن فيه لم يهلك على الله بعدهن إلا هالك ؛ يهم العبد بالحسنة فيعملها ، فإن هو لم يعملها كتب الله له حسنة بحسن نيته ، وإن هو عملها كتب الله له عشرا ، ويهم بالسيئة أن يعملها ، فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء ، وإن هو عملها أجل سبع ساعات ، وقال صاحب الحسنات لصاحب السيئات ، وهو صاحب الشمال : لا تعجل ، عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها ، فإن الله عزوجل يقول : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ)(٣) أو

__________________

(١) نور الثقلين : ج ٥ ، ص ١٠٨.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٢٠٥ ، ح ١.

(٣) هود : ١١٤.

٢٤٨

استغفار ، فإن [هو] قال : أستغفر الله الذي لا إله إلا هو ، عالم الغيب والشهادة ، العزيز الحكيم ، الغفور الرحيم ، ذا الجلال والإكرام ، وأتوب إليه ؛ لم يكتب عليه شيء ، وإن مضت سبع ساعات ولم يتبعها بحسنة ولا استغفار ، قال صاحب الحسنات لصاحب السيئات : اكتب على الشقي المحروم (١).

وقال زرارة : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «ما من عبد إلا ومعه ملكان يكتبان ما يلفظه ، ثم يرفعان ذلك إلى ملكين فوقهما ، فيثبّتان ما كان من خير وشر ، ويلقيان ما سوى ذلك (٢).

وقال أبو بصير : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله تبارك وتعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) قال : «هما الملكان.

وسألته عن قول الله تبارك وتعالى : (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٣) ، قال : «هو الملك الذي يحفظ عليه عمله.

وسألته عن قول الله تبارك وتعالى : (قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ)(٤) ، قال : «هو شيطانه (٥).

وعن عبد الله بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عليه‌السلام ، قال : سألته عن الملكين ، هل يعلمان بالذنب إذا أراد العبد أن يفعله أو الحسنة؟ فقال : «ريح الكنيف والطّيب سواء؟ قلت : لا. قال : «إن العبد إذا همّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح ، فقال صاحب اليمين لصاحب الشمال : قم ، فإنّه قد همّ بالحسنة ، فإذا فعلها كان لسانه قلمه ، وريقه مداده فأثبتها له وإذا همّ بالسيئة : خرج نفسه منتن الريح ، فيقول صاحب الشمال لصاحب اليمين : قف ، فإنه قد

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٣ ، ح ٤.

(٢) الزهد : ص ٥٣ ، ح ١٤١.

(٣) سورة ق : ٢٣.

(٤) سورة ق : ٢٧.

(٥) الزهد : ص ٥٤ ، ح ١٤٦.

٢٤٩

همّ بالسيئة ، فإذا هو فعلها كان لسانه قلمه ، وريقه مداده ، وأثبتها عليه (١).

وقال إسحاق بن عمّار : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام ، فنظر إليّ بوجه قاطب ، فقلت : ما الذي غيرك لي؟ قال : «الذي غيرك لإخوانك ، بلغني ـ يا إسحاق ـ أنك أقعدت ببابك بوابا يرد عنك فقراء الشيعة.

فقلت : جعلت فداك ، إني خفت الشهرة.

فقال : «أفلا خفت البلية ، أو ما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عزوجل الرحمة عليهما ، فكانت تسعة وتسعين لأشدهما حبا لصاحبه ، فإذا توافقا غمرتهما الرحمة ، وإذا قعدا يتحدثان قالت الحفظة بعضها لبعض : اعتزلوا بنا ، فلعل لهما سرا ، وقد ستر [الله] عليهما!.

فقلت : أليس الله عزوجل يقول ؛ (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)؟ فقال : «يا إسحاق ، إن كانت الحفظ ة لا تسمع ، فإنّ عالم السر يسمع ويرى (٢).

* س ٨ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠) [سورة ق : ١٩ ـ ٢٠]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : وقوله (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ) قيل في معناه قولان : أحدهما ـ جاءت السكرة بالحق من أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه واضطر إليه. والآخر وجاءت سكرة الموت بالحق الذي هو الموت. وروي أن أبا بكر وابن مسعود كانا يقرءان وجاءت سكرة الحق بالموت وهي قراءة أهل البيت عليهم‌السلام و (سَكْرَةُ الْمَوْتِ) غمرة الموت التي

__________________

(١) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٣ ، ح ٣.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ١٤٥ ، ح ١٤.

٢٥٠

تأخذه عند نزع روحه فيصير بمنزلة السكران. وقوله (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أي يقال له عند ذلك هذا الذي كنت منه تعرب وتروغ. وقوله (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) قيل فيه وجهان : أحدهما ـ إنه جمع صورة ينفخ الله في الصور بأن يحييها يوم القيامة. الثاني ـ أن الصور قرن ينفخ إسرافيل فيه النفخة الأولى فيموت الخلق ، والنفخة الثانية فيحيون يوم القيامة ، وهو يوم الوعيد الذي وعد الله أن يعاقب فيه من يكفر به ويعصي أمره ، ويثيب من يؤمن به ويمتثل (١).

* س ٩ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٢٣) [سورة ق : ٢١ ـ ٢٣]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : يقول الله تعالى إن يوم الوعد الذي بينه تجيء كل نفس من المكلفين (مَعَها سائِقٌ) يسوقها (وَشَهِيدٌ) يشهد عليها ، وهما ملكان أحدهما يسوقه ويحثه على السير ، والآخر يشهد عليه بما يعلمه من حاله ويشاهده منه وكتبه عليه ، فهو يشهد بذلك على ما بينه الله ودبره.

أقول : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «السائق : أمير المؤمنين عليه‌السلام ، والشهيد : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وقوله : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ) أي يقال له (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ) أي في سهو ونسيان (مِنْ هذا) اليوم ، فالغفلة ذهاب المعنى عن النفس ، وضده اليقظة. وقوله (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) أي أزلنا الغطاء عنك حتى ظهر لك الأمر ، وإنما تظهر الأمور في الآخرة بما يخلق الله فيهم من العلوم الضرورية ،

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٣٦٤.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٩ ، ح ٢.

٢٥١

فيصير بمنزلة كشف الغطاء عما يرى ، والمراد به جميع المكلفين : برهم وفاجرهم ، لأن معارب الجميع ضرورية ، وقوله (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) معناه إن عينك حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة. وقيل : المعنى فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ليس يراد به بصر العين ، كما يقال : فلان بصير بالنحو أو بالفقه. وقال الرماني : حديد مشتق من الحد ، ومعناه منيع من الإدخال في الشيء ما ليس منه والإخراج عنه ما هو منه ، وذلك في صفة رؤيته للأشياء في الآخرة (١).

وقال الطبرسي : عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في معنى القرين : «يعني الملك الشهيد [عليه] (٢).

وقال علي بن إبراهيم القمّي : قوله : (وَقالَ قَرِينُهُ) ، يعني شيطانه ، وهو الثاني ـ حبتر ـ (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ)(٣).

* س ١٠ : ما هو معنى قوله تعالى :

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (٢٤) [سورة ق : ٢٤]؟!

الجواب / قال علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، في قوله تعالى : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد ، كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش ، ثم يقول الله تبارك وتعالى لي ولك. قوما فألقيا في جهنم من أبغضكما وكذبكما ، وعاداكما في النار (٤).

وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إذا سألتم الله فاسألوه الوسيلة ، فسألنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوسيلة. فقال : هي درجتي في الجنة ،

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٣٦٥.

(٢) مجمع البيان : ج ٩ ، ص ٢٢٠.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٤.

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٤.

٢٥٢

وهي ألف مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة لؤلؤ ، إلى مرقاة ذهب إلى مرقاة فضة ، فيؤتى بها يوم القيامة حتى تنصب مع درجة النبيين ، وهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا شهيد ولا صديق إلا قال : طوبى لمن كانت هذه درجته ، فينادي المنادي ويسمع النداء جميع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين : هذه درجة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأقبل يومئذ متزرا بريطة (١) من نور ، على رأسي تاج الملك ، مكتوب عليه : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، المفلحون هم الفائزون بالله. فإذا مررنا بالنبيين ، قالوا : [هذان] ملكان مقربان ، وإذا مررنا بالملائكة قالوا : هذان ملكان لم نعرفهما ولم نرهما ، أو قالوا : هذان نبيان مرسلان ؛ حتى أعلو الدرجة وعليّ يتبعني ، حتى إذا صرت في أعلى درجة منها ، وعليّ أسفل مني وبيده لوائي ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا مؤمن إلا رفعوا رؤوسهم إلي ، يقولون : طوبى لهذين العبدين ، ما أكرمهما على الله! فينادي المنادي يسمع النبيين وجميع الخلائق : هذا حبيبي محمد ، وهذا وليي علي بن أبي طالب ، طوبى لمن أحبه ، وويل لمن أبغضه وكذب عليه.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا علي ، فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبك إلا استروح إلى هذا الكلام ، وابيضّ وجهه ، وفرح قلبه ، ولا يبقى أحد ممن عاداك ونصب لك حربا أو جحد لك حقا إلا اسود وجهه ، واضطربت قدماه ، فبينا أنا كذلك إذا بملكين قد أقبلا إلي ، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة ، وأما الآخر فمالك خازن النار ، فيدنو إلي رضوان ، ويسلم علي ، ويقول : السلام عليك يا نبي الله ، فأرد عليه‌السلام ، وأقول : من أنت ، أيها

__________________

(١) الرّيطة : كل ثوب لين رقيق. «لسان العرب : ج ٧ ، ص ٣٠٧.

٢٥٣

الملك الطيب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم على ربه؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنة ، أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح الجنة ، فخذها يا رسول الله. فأقول : [قد] قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما أنعم به علي ، وفضّلني به ، أدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب. فيدفعها إليه ويرجع رضوان ، ثم يدنو مالك خازن النار ، فيسلم علي ، ويقول : السلام عليك يا حبيب الله ، فأقول له : وعليك السلام أيها الملك ، ما أنكر رؤيتك ، وأقبح وجهك! من أنت؟ فيقول : أنا مالك خازن النار ، أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح النار ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربي ، فله الحمد على ما أنعم به علي ، وفضلني به ، ادفعها إلى أخي علي بن أبي طالب فيدفعها إليه.

ثم يرجع مالك ، فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار ، حتى يقعد على عجزة (١) جهنم ، ويأخذ زمامها بيده ، وقد علا زفيرها ، واشتد حرها وكثر شررها ، فتنادي جهنم : يا علي جزني فقد أطفأ نورك لهبي. فيقول لها علي : [قري يا جهنم] ذري هذا وليي وخذي هذا عدوي. فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهب به يمنة وإن شاء يذهب به يسرة ، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق ، وذلك أن عليا يومئذ قسيم الجنة والنار (٢).

وقال المفضل بن عمر : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام : لم صار أمير المؤمنين عليه‌السلام قسيم الجنة والنار؟ قال : «لأن حبه إيمان ، وبغضه كفر ، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان ، والنار لأهل الكفر ، فهو عليه‌السلام قسيم الجنة والنار لهذه العلة ، فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته ، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.

__________________

(١) العجزة : مؤخرة الشيء ، وفي المصدر : شفير.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٤.

٢٥٤

قال المفضل ، فقلت : يابن رسول الله ، فالأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام ، كانوا يحبونه ، وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟ قال : «نعم.

قلت : فكيف ذلك؟ قال : «أما علمت أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ما يرجع حتى يفتح الله على يديه؟ فدفع الراية إلى علي عليه‌السلام ، ففتح الله عزوجل على يديه. قلت : بلى. قال : «أما علمت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أتي بالطائر المشوي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلي ، يأكل معي من هذا الطائر ؛ وعنى به عليا عليه‌السلام. قلت : بلى. قال : «فهل يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم عليهم‌السلام رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله؟ فقلت له : لا. قال : «فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لا يحبون حبيب الله ورسوله وأنبيائه عليهم‌السلام؟ قلت : لا. قال : «فقد ثبت أن جميع أنبياء الله ورسله وجميع المؤمنين كانوا لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام محبين ، وثبت أن أعداءهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم مبغضين؟. قلت : نعم. قال : «فلا يدخل الجنّة إلا من أحبّه من الأولين والآخرين ، ولا يدخل النار إلا من أبغضه من الأولين والآخرين ، فهو إذن قسيم الجنّة والنار.

قال المفضل بن عمر : فقلت له : يابن رسول الله ، فرّجت عني فرج الله عنك ، فزدني مما علمك الله. قال : «سل يا مفضل.

فقلت له : يابن رسول الله ، فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام يدخل محبه الجنة ، ومبغضه النار ، أو رضوان ومالك؟ فقال : «يا مفضل ، أما علمت أن الله تبارك وتعالى بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو روح إلى الأنبياء عليهم‌السلام وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟ قلت : بلى. قال : «أما علمت أنه دعاهم إلى توحيد الله وطاعته ، واتباع أمره ، ووعدهم الجنة على ذلك ، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟. قلت : بلى. قال : أفليس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضامنا لما

٢٥٥

وعد وأوعد عن ربه عزوجل؟. قلت : بلى. قال : «أو ليس علي بن أبي طالب عليه‌السلام خليفته وإمام أمته؟. قلت : بلى. قال : «أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته؟. قلت : بلى. قال : «فعلي بن أبي طالب عليه‌السلام إذن قسيم الجنة والنار ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورضوان ومالك صادران عن أمره بأمر الله تبارك وتعالى ، يا مفضّل خذ هذا فإنه من مخزون العلم ومكنونه ، ولا تخرجه إلا إلى أهله (١).

وقال محمد بن حمران : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) فقال : «إذا كان يوم القيامة وقف محمد وعلي (صلوات الله عليهما) على الصراط ، فلا يجوز عليه إلا من معه براءة.

قلت : وما براءته؟ قال : «ولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام والأئمة من ولده عليهم‌السلام ، وينادي مناد ، يا محمد ، يا علي : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ) بنبوتك (عَنِيدٍ) ، لعلي بن أبي طالب والأئمة من ولده (٢).

* س ١١ : ما هو معنى قوله تعالى :

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٢٩) [سورة ق : ٢٥ ـ ٢٩]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله : (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، قال : المنّاع : الثاني ، والخير : ولاية أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وحقوق آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولمّا كتب الأول كتاب فدك بردّها على فاطمة عليها‌السلام ، منعه الثاني ، فهو : (مُعْتَدٍ

__________________

(١) علل الشرائع : ص ١٦١ ، ح ١.

(٢) تأويل الآيات : ج ٢ ، ص ٦٠٩ ، ح ٥.

٢٥٦

مُرِيبٍ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، قال : هو ما قالوا : نحن كافرون بمن جعل لكم الإمامة والخمس.

قال : وأما قوله : (قالَ قَرِينُهُ) ، أي شيطانه ، وهو الثاني (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، يعني الأول (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ، فيقول الله لهما : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) ، أي ما فعلتم لا يبدل حسنات ، ما وعدته لا أخلفه (١).

وعن ابن بابويه : بإسناده ، عن إبراهيم بن أبي محمود ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ، عن الله عزوجل ، هل يجبر عباده على المعاصي؟ فقال : «بل يخيرهم ويمهلهم حتى يتوبوا.

قلت : فهل يكلف عباده ما لا يطيقون؟ فقال : «وكيف يفعل ذلك وهو يقول : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)(٢). ثم قال عليه‌السلام : «حدثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد عليهما‌السلام ، أنه قال : من زعم أن الله تعالى يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون ، فلا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ، ولا تصلوا وراءه ، ولا تعطوه من الزكاة شيئا (٣).

* س ١٢ : ما هو معنى قوله تعالى :

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٣٠) [سورة ق : ٣٠]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : هو استفهام ، لأن الله وعد النار أن يملأها ، فتمتلىء النار فيقول لها : هل امتلأت؟ وتقول : هل من مزيد؟ على حد الاستفهام ، أي ليس فيّ مزيد ، قال : فتقول الجنة : يا رب وعدت النار أن

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٦.

(٢) فصلت : ٤٦.

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ج ١ ، ص ١٢٤ ، ح ١٦.

٢٥٧

تملأها ، ووعدتني أن تملأني ، فبم تملأني وقد ملأت النار؟

قال : فيخلق الله يومئذ خلقا يملأ بهم الجنة.

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «طوبى لهم [إنهم] لم يروا هموم الدنيا وغمومها (١).

* س ١٣ : ما هو معنى قوله تعالى :

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (٣١) [سورة ق : ٣١]؟!

الجواب / قال علي بن إبراهيم : في قوله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) أي زينت (غَيْرَ بَعِيدٍ) : قال بسرعة (٢).

* س ١٤ : ما هو معنى قوله تعالى :

(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤) [سورة ق : ٣٢ ـ ٣٤]؟!

الجواب / قال الشيخ الطوسي : ثم قال (هذا ما تُوعَدُونَ) من قرأ بالتاء فعلى الخطاب أي هذا الذي ذكرناه هو ما وعدتم به من الثواب (لِكُلِّ أَوَّابٍ) أي رجاع إلى الله تائب إليه (حَفِيظٍ) لما أمر الله به يتحفظ من الخروج إلى ما لا يجوز من سيئة تدنسه أو خطيئة تحط منه وتشينه.

وقال ابن زيد : الأواب التواب ، وهو من آب يؤب أوبا إذا رجع.

وقوله (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) فالخشية انزعاج القلب عند ذكر السيئة وداعي الشهوة حتى يكون في أعظم حال من طلبه سبع يفترسه أو عدو

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٦.

(٢) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

٢٥٨

يأت على نفسه أو طعام مسموم يدعى إلى أكله هذه خشية الرحمن التي تنفعه والتي دعا إليها ربه ومعنى (بِالْغَيْبِ) أي في باطنه وسريرته (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) أي راجع إلى الله من أناب ينيب إنابة ، وموضع (مَنْ) يحتمل وجهين من الإعراب :

أحدهما ـ الجر على البدن من «كل كأنه قيل لمن خشى.

والثاني ـ الرفع على الاستئناف كأنه قال (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) يقال لهم (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) أي بأمان من كل مكروه ويحيون بذلك على وجه الإكرام.

وقوله (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) أي الوقت الذي يبقون فيه في النعيم مؤبدين لا إلى غاية (١).

* س ١٥ : ما هو معنى قوله تعالى :

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧) [سورة ق : ٣٥ ـ ٣٧]؟!

الجواب / قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «... إن لله كرامة في عباده المؤمنين في كل يوم جمعة ، فإذا كان يوم الجمعة بعث الله إلى المؤمنين ملكا معه حلّتان ، فينتهي إلى باب الجنة ، فيقول : استأذنوا لي على فلان ، فيقال له : هذا رسول ربك على الباب ، فيقول لأزواجه : أي شيء ترين عليّ أحسن؟ فيقلن : يا سيدنا ، والذي أباحك الجنة ، ما رأينا عليك شيئا أحسن من هذا ، قد بعث إليك ربك ، فيتّزر بواحدة ، ويتعطّف (٢) بالأخرى ، فلا يمرّ بشيء إلا أضاء له ،

__________________

(١) التبيان : ج ٩ ، ص ٣٧١.

(٢) تعطف بالرداء : ارتدى وسمي الرداء عطافا لوقوعه على عطفي الرجل.

٢٥٩

حتى ينتهي إلى الموعد ، فإذا اجتمعوا تجلّى لهم الرب تبارك وتعالى ، فإذا نظروا إليه ، أي إلى رحمته ، خرّوا سجّدا ، فيقول : عبادي ، ارفعوا رؤوسكم ، ليس هذا يوم سجود ولا عبادة ، قد رفعت عنكم المؤونة (١). فيقولون : يا ربّ ، وأي شيء أفضل مما أعطيتنا! أعطيتنا الجنّة فيقول : لكم مثل ما في أيديكم سبعين ضعفا. فيرى المؤمن في كلّ جمعة سبعين ضعفا مثل ما في يديه ، وهو قوله : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) وهو يوم الجمعة ، إنها ليلة غرّاء ويوم أزهر ، فأكثروا فيها من التسبيح ، والتهليل ، والتكبير ، والثناء على الله ، والصلاة على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «فيمرّ المؤمن فلا يمرّ بشيء إلا أضاء له ، حتى ينتهي إلى أزواجه ، فيقلن : والذي أباحك الجنّة ـ يا سيدنا ـ ما رأيناك أحسن منك الساعة ، فيقول : إني قد نظرت إلى نور ربي. ثم قال : «إنّ أزواجه ، لا يغرن ، ولا يحضن ، ولا يصلفن (٢) ... (٣).

وقال علي بن إبراهيم ، قوله تعالى : (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) ، أي مروا. قال : قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ، أي ذكر (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) أي سمع وأطاع (٤).

وقال هشام بن الحكم : قال [لي] أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ قال فيه : «يا هشام ، إن الله تعالى يقول في كتابه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ، يعني عقل (٥).

وقال ابن عباس : أهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناقتان عظيمتان سمينتان ،

__________________

(١) المؤونة : التعب والشدّة.

(٢) صلفت المرأة : إذا لم تحظ عند زوجها ، وأبغضها.

(٣) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ١٦٨ ، وقد ذكرنا أحاديث في سورة السجدة رقم (١٦ ـ ١٧).

(٤) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٣٢٧.

(٥) الكافي : ج ١ ، ص ١٢ ، ح ١٢.

٢٦٠